إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الغناء والموسيقى في الإسلام









1

3. شروط إباحة الغناء

إنّ الذين قالوا بإباحة الغناء، لم يتركوا الأمر على إطلاقه، وإنما قيّدوا ذلك، ووضعوا حدوداً لابد من مراعاتها، لأن تجاوزها أو عدم الالتزام بها، يُخْرج الغناء من الحلِّ إلى الحرمة، أو من الحرمة إلى الحلِّ.

الشرط الأول: أن يكون موضوع الغناء ومادته، غير مخالف لآداب الإسلام، وتعاليمه، فإذا كانت هناك أغنية تمجد الخمر أو تدعو إلى شربها مثلاً، فإن أداءها حرام، والاستماع إليها حرام.

ويروي أبو الْحُسَيْنِ، واسْمُهُ خَالِدٌ الْمَدَنِيُّ: " قَالَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَالْجَوَارِي يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَتَغَنَّيْنَ فَدَخَلْنَا عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ: ]دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ، r صَبِيحَةَ عُرْسِي وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ يَتَغَنَّيَتَانِ وَتَنْدُبَانِ آبَائِي الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَتَقُولاَنِ فِيمَا تَقُولاَنِ: وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَلاَ تَقُولُوهُ مَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1887)، ومعنى ذلك أن رسول الله لم ينههنّ عن الغناء، وإنما نهاهن عمّا يُخرج عن الإسلام، أي الكهانة، وهو إسناد علم الغيب للرسول، r. ومعنى ذلك أن الغناء حرام إن خرق قاعدة شرعية، وما عدا ذلك فلا غبار عليه. وهناك رواية أخرى للحديث تشير بوضوح إلى أن الرسول لم ينه عن الغناء، وإنما نهى عن الفعل الذي اصطدم بالقاعدة الشرعية، فعن خَالِدُ بْنُ ذَكْوَانَ قَالَ قَالَتْ الرُّبَيِّعُ بِنْتُ مُعَوِّذِ بْنِ عَفْرَاءَ: ]دَخَلَ عَلَيَّ r‏ ‏غَدَاةَ بُنِيَ عَلَيَّ فَجَلَسَ عَلَى فِرَاشِي كَمَجْلِسِكَ مِنِّي وَجُوَيْرِيَاتٌ يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ يَنْدُبْنَ مَنْ قُتِلَ مِنْ آبَائِهِنَّ يَوْمَ‏ ‏بَدْرٍ‏ ‏حَتَّى قَالَتْ جَارِيَةٌ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ النَّبِيُّ‏ r‏ ‏لا تَقُولِي هَكَذَا وَقُولِي مَا كُنْتِ تَقُولِينَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3700)، أي دع ي ما تعلق بأمر الغيب، وعودي إلى غنائك من دون هذه.

الشرط الثاني: قد يكون موضوع الغناء غير مناف لتوجيه الإسلام، ولكن طريقة أداء المُغَنِّي هي التي تنقله من دائرة الحل إلى دائرة الحرمة، وذلك بالميوعة في الأداء، وتعمّد الإثارة للغرائز، والإغراء بالفتن والشهوات. وبذلك يفتح الغناء باباً للحرام، فتكون حرمته وفقاً للقاعدة الشرعية: ما فتح باباً للحرام، فهو حرام.

الشرط الثالث: أن الدين يحارب الغلو والإسراف في كل شيء حتى في العبادة، فضلاً عن الإسراف في اللهو، وشغل الوقت بما لا فائدة منه، لأن الوقت هو الحياة. ولاشك أن الإسراف في المباحات يستنفذ وقت الواجبات، وقد قيل في مأثور القول: "ما رأيت إسرافاً إلا وبجانبه حق مضيّع". فكيف يكون الحال لو أضفنا إلى ذلك قدراً من اللهو على نحوٍ من الإسراف والمبالغة في الغناء.

الشرط الرابع: توجد بعض الممارسات في الحياة، يكون فيها المسلم مفتي نفسه، ولو أفتاه الناس، فإذا كان المسلم يحسّ أنّ الغناء، أو لوناً خاصاً منه يستثير غريزته، ويغريه بالفتنة، ويُطْغِى فيه الجانب الشّهواني على الجانب الروحاني، فعليه أن يتجنبه حينئذ، ويسد الباب الذي تهب منه رياح الفتنة، فيستريح ويريح. وذلك وفقاً للقاعدة الشرعية الداعية إلى "سدّ باب الذرائع"، أو ترك شيء من الحلال خشية فتح باب للحرام.

الشرط الخامس: اتفق العلماء على أنّ الغناء يَحْرُم، إذا اقترن بمحرمات أخرى، أو فتح لها باباً كأن يكون في مجلسه شرب، أو تخالطه خلاعة أو فجور. فهذا اللون من الغناء ومجالسه، هو ما أنذر رسول الله، r أهله وسامعيه بالعذاب الشديد.

فعَنْ أَبِي مَالِكٍ الأَشْعَرِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا يُعْزَفُ عَلَى رُءُوسِهِمْ بِالْمَعَازِفِ وَالْمُغَنِّيَاتِ يَخْسِفُ اللَّهُ بِهِمْ الأَرْضَ وَيَجْعَلُ مِنْهُمْ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 4010).

وليس بالضرورة أن يكون مسخ هؤلاء النفر مسخًا للشكل والصورة، وإنما هو مسخ النفس والروح، فيحملون في إهاب الإنسان نفس القرد، وروح الخنزير، ولكنهم يسعون في جسد البشر: "وليس من الضروري أن يستحيلوا قردة بأجسامهم، فقد استحالوا إليها بأرواحهم وأفكارهم، وانطباعات الشعور والتفكير تعكس على الوجوه والملامح سمات تؤثر في السحنة وتلقي ظلها العميق.

الآيات والأحاديث الواردة في تحريم الغناء أو إباحته

يقول المنادون بعدم حرمة الغناء، عن الآيات والأحاديث القائلة بالتحريم، أنها:

أ. ليست صريحة في المنع، وإنما كان الاستشهاد بها عن طريق التأويل، أو الاختلاف في التفسير، مثل تفسير قوله تعالى: ]وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ[ (سورة لقمان: الآية 6). فقد اختلف المفسرون في لهو الحديث، فمنهم من قال بأنه الغناء، ومنهم قال بغير ذلك . كما أن مصاحبة المنع قد يصدر لارتباطه بأمر آخر، مثل الحديث الذي يشير إلى الجواري اللاتي يضربن بدفوفهن، ويغنين، فلم ينههنّ رسول الله r عن الغناء إلى أن قالت إحداهن: "وفينا نبي يعلم ما في غد"، فخرجت بغنائها عن دائرته المباحة، فبادرها الرسول r بقوله: ]اسْكُتِي عَنْ هَذِهِ وَقُولِي الَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ قَبْلَهَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1010). فالمنع صدر أساساً، لتجاوز القاعدة الشرعية فيما يتعلق بالتنبؤ بالغيب، ولم يكن المنع لحرمة الغناء.

ب. الأحاديث المستشهد بها في المنع تكاد تنحصر في الأحاديث القولية، مضافاً إلى ذلك أنها كانت موضع تجريح عند علماء الحديث. وواضح أن أدلة الحرمة معلولة بهذين الجانبين.

ج. إنّ ارتباط الغناء ـ ممارسة وسلوكاً ـ في معظم المجتمعات بإثارة الغرائز ومجالس اللهو والخمور، جعل كثيراً من العلماء ينظر إلى تحريمه من هذه الزاوية، فيحاول جاداً حشد الأدلة التي تحرمه بناء على المناخ المحيط به.

ويرى القائلون بعدم حرمة الغناء، في أدلة الإباحة أنها:

أ. صريحة في مدلولها، فالحديث الوارد عن رسول الله  rحول موقفه مع الجاريتين يقول: ]قَالَ كُنَّا بِالْمَدِينَةِ يَوْمَ عَاشُورَاءَ وَالْجَوَارِي يَضْرِبْنَ بِالدُّفِّ وَيَتَغَنَّيْنَ فَدَخَلْنَا عَلَى الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ فَذَكَرْنَا ذَلِكَ لَهَا فَقَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ r صَبِيحَةَ عُرْسِي وَعِنْدِي جَارِيَتَانِ يَتَغَنَّيَتَانِ وَتَنْدُبَانِ آبَائِي الَّذِينَ قُتِلُوا يَوْمَ بَدْرٍ وَتَقُولاَنِ فِيمَا تَقُولاَنِ وَفِينَا نَبِيٌّ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ فَقَالَ أَمَّا هَذَا فَلاَ تَقُولُوهُ مَا يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ إِلاَّ اللَّهُ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1887) عندما غنت الجاريتان وفينا نبي يعلم مَا في غدٍ فالرسول الكريم r لم ينههن عن الغناء مطلقاً، بل عن الكهانة في الإسلام بدليل قوله للجاريتين بعد ذلك ]دَعِي هَذِهِ وَقُولِي بِالَّذِي كُنْتِ تَقُولِينَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4750).

ب. تنوع الأحاديث المستشهد بها على إباحة الغناء، فهي إمّا أحاديث قولية أو عملية أو تقريرية. فالحديث المشار إليه اشتمل على الصفة القولية، وهي عبارة "قولي بالذي كنت تقولين"، كما اشتمل على التقرير، وهو أن الرسول، كان موجوداً والجواري يضربن على دفوفهن ويغنين، فهذا إقرار من النبي، r لما يفعلن. أما الجانب العملي، فثابت في ترديده، لبعض الأرجاز وهو في ساحات القتال مع أصحابه حَدَّثَنَا أَبِي إِسْحَاقَ ]قَالَ: رَجُلٌ لِلْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَفَرَرْتُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ r يَوْمَ حُنَيْنٍ قَالَ لَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r لَمْ يَفِرَّ إِنَّ هَوَازِنَ كَانُوا قَوْمًا رُمَاةً وَإِنَّا لَمَّا لَقِينَاهُمْ حَمَلْنَا عَلَيْهِمْ فَانْهَزَمُوا فَأَقْبَلَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى الْغَنَائِمِ وَاسْتَقْبَلُونَا بِالسِّهَامِ فَأَمَّا رَسُولُ اللَّهِ r فَلَمْ يَفِرَّ فَلَقَدْ رَأَيْتُهُ وَإِنَّهُ لَعَلَى بَغْلَتِهِ الْبَيْضَاءِ وَإِنَّ أَبَا سُفْيَانَ آخِذٌ بِلِجَامِهَا وَالنَّبِيُّ r يَقُولُ: أَنَا النَّبِيُّ لاَ كَذِبْ أَنَا ابْنُ عَبْدِالْمُطَّلِبْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2652).

ج. يفرق المبيحون للغناء فناً بينه، وبين ما يرتبط به من المنكرات، التي تتنافى مع الشرع. فمن استطاع أن يُجنب غناءه تلك المحظورات فهو مباح له، ومتى خالطه شيء من المحظورات حَرُم، مَثَله في ذلك مثل أيّ شيء حلال، شابه شيء من الحرام؛ فالمال، مثلاً، حلال، فإن كان كسبه عن طريق غير مشروع فهو مال حرم، وكذلك الغناء حلال، فإن شابه سكرٌ وفجور واختلاط، فهو غناء حرامَ.