إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الجنة









شُبُهات

أولاً: التعريف بالجنة

ما الجنة؟

الجَنَّة بفتح الجيم والنون مع تشديد النون، جمعها جِنَان وجَنَّات؛ الحديقة ذات الشجر. ويقال: جَنَّهُ الليل: أي ستره والجذر (ج ن ن) يدل على الاستتار والاختفاء فتطلق (الجنة) على البستان ذي الشجر الكثيف فهو يستر ما بداخله[1].

1. أسماء الجنة ومعانيها

أ. الجنة

وهو الاسم العام، وأصله من الستر والتغطية، ومنه الجنين لاستتاره في البطن، والجان لاستتاره عن العيون، والمجن لستره الوجه، والمجنون لاستتار عقله.

والجُنة بالضم ما يستجن به من تُرس وغيره، قال تعالى: )اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً( ( سورة المجادلة: الآية 16) أي يستترون به، ومنه الجِنة بالكسر أي الجن قال تعالى: )مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس( (سورة الناس: الآية 6).

ب. دار السلام

قال تعالى: )لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِنْدَ رَبِّهِمْ( (سورة الأنعام: الآية 127) وقال تعالى: )وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ(، (سورة يونس: الآية 25) وهي أحق بهذا الاسم فإنها دار السلامة من كل بلية ومكروه، وهي دار الله واسمه سبحانه السلام، )وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ( (سورة يونس: الآية 10)، والله تعالـى يسلم عليهم من فوقهم  )سَلاَمٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ( (سورة يس: الآية 58)، وقال تعالى: )لاَ يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلاَّ سَلاَمًا( (سورة مريم: الآية 62).

ج. دار الخلد

وسميت بذلك لأن أهلها لا يرحلون عنها أبداً. قال تعالى: )وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( (سورة البقرة: الآية 82)، وقال تعالى: )وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ( (سورة الحجر: الآية 48).

د. دار المقامة

قال تعالى: )وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ (34) الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لاَ يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلاَ يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ( (سورة فاطر: الآيتان 34، 35)

هـ. جنة المأوى

قال تعالى: )عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى( (سورة النجم: الآيتان 14، 15)، قال ابن عباس هي الجنة التي يأوي إليها جبريل والملائكة، وقيل: التي تأوي إليها أرواح الشهداء.

و. جنات عدن

والصحيح أنه اسم لجملة الجنان، قال تعالى: )جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ( (سورة مريم: الآية 61)، وقال تعالى: )وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ( (سورة التوبة: الآية 72)، وعدن: أي الإقامة والدوام، يقال عدن بالمكان إذا أقام به، وعَدَنْتُ البلد: توطنته.

ز. دار الحيوان (أي الحياة الخالدة)

قال تعالى: )وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ( (سورة العنكبوت: الآية 64)، أي دار الحياة الأبدية الخالدة، التي لا موت فيها.

ح. الفردوس

قال تعالى: )أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( (سورة المؤمنون: الآيتان 10، 11)، وقال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً( (سورة الكهف: الآية 107). والفردوس اسم يطلق على جميع الجنة، ويقال على أفضلها وأعلاها، وأصل الفردوس البستان، والفراديس البساتين.

ط. جنات النعيم

قال تعالى: )إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ( (سورة لقمان: الآية 8). وهو، كذلك، اسم جامع لجميع الجنات، لما تضمنته من أنواع النعيم الظاهر والباطن.

ي. المقام الأمين

قال تعالى: )إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِين( (سورة الدخان: الآية 51). والمقام موضع الإقامة، والأمين الآمن من كل سوء وآفة ومكروه، الذي جمع صفات الأمن كلها. لذا، قال تعالى: )يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ( (سورة الدخان: الآية 55)، فجمع لهم بين أمن المكان وأمن الطعام، وأمن الخروج منها، وأمن الموت.

ك. مقعد الصدق

قال تعالى:  )إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ (54) فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِر( (سورة القمر: الآيتان 54، 55)، فسمى جنته مقعد صدق لحصول كل ما يراه من المقعد الحسن فيها.

2. تميُّز الجنة

الجنة ليس لنعيمها نظير، فيما يعلمه أهل الدنيا، ومهما ترقى الناس في دنياهم فسيبقى ما يبلغونه أمراً هيناً بالنسبة إلى نعيم الآخرة.

فالجنة كما ورد في بعض الآثار لا مثيل لها: )قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ذَاتَ يَوْمٍ لأصْحَابِهِ: أَلاَ مُشَمِّرٌ لِلْجَنَّةِ؟ فَإِنَّ الْجَنَّةَ لاَ خَطَرَ لَهَا، هِيَ وَرَبِّ الْكَعْبَةِ نُورٌ يَتَلألأُ، وَرَيْحَانَةٌ تَهْتَزُّ، وَقَصْرٌ مَشِيدٌ، وَنَهَرٌ مُطَّرِدٌ، وَفَاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ نَضِيجَةٌ، وَزَوْجَةٌ حَسْنَاءُ جَمِيلَةٌ، وَحُلَلٌ كَثِيرَةٌ، فِي مَقَامٍ أَبَدًا، فِي حَبْرَةٍ وَنَضْرَةٍ، فِي دُورٍ عَالِيَةٍ سَلِيمَةٍ بَهِيَّةٍ[2]( (رواه ابن ماجة، كتاب الزهد، الحديث الرقم 4323).

3. ترامي الجنة

الجنة أكبر من السموات والأرض، قال تعالى: )وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ( (سورة آل عمران: الآية 133). وقد سأل الصحابة الرسول r عن بناء الجنة فقال: )لَبِنَةٌ مِنْ فِضَّةٍ وَلَبِنَةٌ مِنْ ذَهَبٍ وَمِلاَطُهَا الْمِسْكُ الأَذْفَرُ وَحَصْبَاؤُهَا اللُّؤْلُؤُ وَالْيَاقُوتُ وَتُرْبَتُهَا الزَّعْفَرَانُ مَنْ دَخَلَهَا يَنْعَمُ لاَ يَبْأَسُ وَيَخْلُدُ لاَ يَمُوتُ لاَ تَبْلَى ثِيَابُهُمْ وَلاَ يَفْنَى شَبَابُهُمْ( (سنن الترمذي، كتاب صفة الجنة: الحديث الرقم 2449).

4. نعيم الجنة

قال تعالى: )وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا( (سورة الإنسان: الآية 20)، وما أخفاه الله عنا من نعيم الجنة شيء عظيم، لا تدركه العقول، ولا تصل إليه الأفكار: )فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (سورة السجدة: الآية 17). وعَنْ النَّبِيِّ: r )يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى أَعْدَدْتُ لِعِبَادِي الصَّالِحِينَ مَا لاَ عَيْنٌ رَأَتْ وَلاَ أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلاَ خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، ذُخْرًا بَلْهَ مَا أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ. ثُمَّ قَرَأَ فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4407)

5. حقيقة وجودها

قال ابن القيم: لم يزل أصحاب الرسول والتابعون، وتابعوهم، وأهل السنة وفقهاء الإسلام، على اعتقاد ذلك وإثباته مستندين في ذلك إلى نصوص الكتاب والسنة، وما علم بالضرورة من أخبار الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم، فإنهم دعوا الأمم إليها، وأخبروا بها.

وقد دل على ذلك قوله تعالى: )وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى (13) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى (14) عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى( (سورة النجم: الآيات 13- 15)، وقال رسول الله r في حديث الإسراء: )ثُمَّ انْطَلَقَ بِي حَتَّى انْتَهَى بِي إِلَى سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى، وَغَشِيَهَا أَلْوَانٌ لاَ أَدْرِي مَا هِيَ. ثُمَّ أُدْخِلْتُ الْجَنَّةَ، فَإِذَا فِيهَا حَبَايِلُ اللُّؤْلُؤِ، وَإِذَا تُرَابُهَا الْمِسْكُ( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 336).

وقال: )إِنَّ الْعَبْدَ إِذَا وُضِعَ فِي قَبْرِهِ وَتَوَلَّى عَنْهُ أَصْحَابُهُ حَتَّى إِنَّهُ لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ أَتَاهُ مَلَكَانِ فَيُقْعِدَانِهِ فَيَقُولاَنِ لَهُ مَا كُنْتَ تَقُولُ فِي هَذَا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَأَمَّا الْمُؤْمِنُ، فَيَقُولُ: أَشْهَدُ أَنَّهُ عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ. فَيُقَالُ انْظُرْ إِلَى مَقْعَدِكَ مِنْ النَّارِ، فَقَدْ أَبْدَلَكَ اللَّهُ بِهِ مَقْعَدًا فِي الْجَنَّةِ. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ فَيَرَاهُمَا جَمِيعًا( (مسند أحمد، الحديث الرقم 11823).

وقال: )لَقَدْ رَأَيْتُ أُرِيدُ أَنْ آخُذَ قِطْفًا مِنْ الْجَنَّةِ حِينَ رَأَيْتُمُونِي جَعَلْتُ أَتَقَدَّمُ وَلَقَدْ رَأَيْتُ جَهَنَّمَ يَحْطِمُ بَعْضُهَا بَعْضًا حِينَ رَأَيْتُمُونِي تَأَخَّرْتُ( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1136).

6. مداخل الجنة

للجنة أبواب يدخل منها المؤمنون كما يدخل منها الملائكة : )جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ( (سورة ص: الآية 50) )وَالْمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ (23) سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّار( (سورة الرعد: الآيتان 23، 24) وأخبرنا الله أن هذه الأبواب تفتح عندما يصل المؤمنون إليها، وتستقبلهم الملائكة: )حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ( (سورة الزمر: الآية 73).

وعدد أبواب الجنة ثمانية أبواب، وأحد هذه الأبواب يسمى الريان وهو خاص بالصائمين. ففي الحديث عن سهل بن سعد أن رسول الله r قال: )فِي الْجَنَّةِ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ، فِيهَا بَابٌ يُسَمَّى الرَّيَّانَ لاَ يَدْخُلُهُ إِلاَّ الصَّائِمُون( (صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق: الحديث الرقم 3017)، وهناك باب للمكثرين من الصلاة وباب للمتصدقين وباب للمجاهدين ففي الحديث عن رسول الله r قال: )مَنْ أَنْفَقَ زَوْجَيْنِ مِنْ مَالِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، دُعِيَ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ، وَلِلْجَنَّةِ أَبْوَابٌ، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّلاَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّلاَةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصَّدَقَةِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الصَّدَقَةِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الْجِهَادِ. وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الصِّيَامِ دُعِيَ مِنْ بَابِ الرَّيَّانِ. فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلَى أَحَدٍ مِنْ ضَرُورَةٍ مِنْ أَيِّهَا دُعِيَ فَهَلْ يُدْعَى مِنْهَا كُلِّهَا أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَإِنِّي أَرْجُو أَنْ تَكُونَ مِنْهُمْ( (مسند أحمد، الحديث الرقم 7313).

وقال رسول الله r: )مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ قَالَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ فُتِّحَتْ لَهُ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ( (سنن النسائي، الحديث الرقم 148).

قال ابن القيم: قال رسول الله r )وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا بَيْنَ الْمِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ كَمَا بَيْنَ مَكَّةَ وَهَجَر(َ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2358)، وقال r: )أَنْتُمْ تُوفُونَ سَبْعِينَ أُمَّةً أَنْتُمْ آخِرُهَا وَأَكْرَمُهَا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَمَا بَيْنَ مِصْرَاعَيْنِ مِنْ مَصَارِيعِ الْجَنَّةِ مَسِيرَةُ أَرْبَعِينَ عَامًا( (مسند أحمد، الحديث الرقم 19172)، وأبوابها لها حلق، قال رسول الله r )أَنَا أَوَّلُ مَنْ يَأْخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِ الْجَنَّةِ فَأُقَعْقِعُهَا( (سنن الدرامي، الحديث الرقم 50)، ولما كانت الجنات درجات بعضها فوق بعض كانت أبوابها كذلك، وكلما علت الجنة اتسعت، فعاليها أوسع مما دونه، وسعة الباب بحسب وسع الجنة.

وقال رسول الله r  )فَأَرْفَعُ رَأْسِي فَأَقُولُ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ أُمَّتِي يَا رَبِّ. فَيُقَالُ: يَا مُحَمَّدُ أَدْخِلْ مِنْ أُمَّتِكَ مَنْ لاَ حِسَابَ عَلَيْهِمْ مِنْ الْبَابِ الأَيْمَنِ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ وَهُمْ شُرَكَاءُ النَّاسِ فِيمَا سِوَى ذَلِكَ مِنْ الأَبْوَابِ( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4343)، وعندما يدخل المؤمنون، يرون الثواب الوافر، والعطاء العظيم، والنعيم المقيم.

قال ابن القيم: ويحتمل أن يريد به أن ما بين الباب والباب هذا المقدار، ويحتمل أن يريد بالبابين المصراعين، ولا يناقض هذا ما جاء من تقديره بأربعين عاماً، فلعل المسافة تختلف باختلاف سرعة السير فيها وبطئه.

7. مراقي الجنة

الجنة درجات، بعضها فوق بعض، وأهلها متفاضلون فيها، بحسب منازلهم فيها: قال تعالى: )وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُون( (سورة الأحقاف: الآية 19)، وقال تعالى: )وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلاَ( (سورة طه: الآية 75).

وقال تعالى: )لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لاَ يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ( (سورة الزمر: الآية 20). وقال: )لاَ يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقَاتَلُوا وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى( (سورة الحديد: الآية 10).

وعن النبي r قال: )إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَتَرَاءَوْنَ أَهْلَ الْغُرَفِ مِنْ فَوْقِهِمْ كَمَا يَتَرَاءَوْنَ الْكَوْكَبَ الدُّرِّيَّ الْغَابِرَ فِي الأُفُقِ مِنْ الْمَشْرِقِ أَوْ الْمَغْرِبِ لِتَفَاضُلِ مَا بَيْنَهُمْ( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3016).

وأهل الدرجات العالية يكونون في نعيم أرقى من الذين دونهم فقد ذكر الله أنه أعد للذين يخافونه جنتين )وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَان( (سورة الرحمن: الآية 46). ووصفهما، ثم قال : )وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ( (سورة الرحمن: الآية 62)، أي دون تلك الجنتين في المقام والمرتبة.

وذكر الله تعالى أن الأبرار يشربون كأساً ممزوجة بالكافور: )إِنَّ الأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا( (سورة الإنسان: الآية 5). وقال: )وَمِزَاجُهُ مِنْ تَسْنِيمٍ (27) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ( (سورة المطففين: الآيتان 27، 28). فأهل اليمين يشربون شراباً ممزوجاً من تسنيم وهي عين في الجنة والمقربون يشربون من تسنيم صرفا غير ممزوج. وهنا يظهر الفرق أيضاً بين السابقين وأهل اليمين مع أن الفريقين في الجنة.

وقال رسول الله r )فِي الْجَنَّةِ مائَةُ دَرَجَةٍ مَا بَيْنَ كُلِّ دَرَجَتَيْنِ كَمَا بَيْنَ الأَرْضِ وَالسَّمَاءِ وَالْفِرْدَوْسُ أَعْلاَهَا دَرَجَةً وَمِنْهَا تُفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ الأَرْبَعَةُ وَمِنْ فَوْقِهَا يَكُونُ الْعَرْشُ فَإِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ فَسَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ( (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2454). وقال r: )إِنَّ لِلْجَنَّةِ مائَةَ دَرَجَةٍ لَوْ أَنَّ الْعَالَمِينَ اجْتَمَعُوا فِي إِحْدَاهُنَّ لَوَسِعَتْهُمْ( (مسند أحمد، الحديث الرقم 10806).

وقال: r )يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ إِذَا دَخَلَ الْجَنَّةَ اقْرَأْ وَاصْعَدْ فَيَقْرَأُ وَيَصْعَدُ بِكُلِّ آيَةٍ دَرَجَةً حَتَّى يَقْرَأَ آخِرَ شَيْءٍ مَعَه( (مسند أحمد، الحديث الرقم 10933)، وهذا صريح في أن الجنة تزيد على مائة درجة.

أ. أدناها

ورد في الحديث عن المغيرة بن شعبة، أن رسول الله r قال: )سَأَلَ مُوسَى رَبَّهُ مَا أَدْنَى أَهْلِ الْجَنَّةِ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: هُوَ رَجُلٌ يَجِيءُ بَعْدَ مَا أُدْخِلَ أَهْلُ الْجَنَّةِ الْجَنَّةَ، فَيُقَالُ لَهُ ادْخُل الْجَنَّةَ. فَيَقُولُ: أَيْ رَبِّ كَيْفَ وَقَدْ نَزَلَ النَّاسُ مَنَازِلَهُمْ وَأَخَذُوا أَخَذَاتِهِمْ؟ فَيُقَالُ لَهُ: أَتَرْضَى أَنْ يَكُونَ لَكَ مِثْلُ مُلْكِ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِ الدُّنْيَا؟ فَيَقُولُ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: لَكَ ذَلِكَ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ وَمِثْلُهُ فَقَالَ فِي الْخَامِسَةِ: رَضِيتُ رَبِّ. فَيَقُولُ: هَذَا لَكَ وَعَشَرَةُ أَمْثَالِهِ وَلَكَ مَا اشْتَهَتْ نَفْسُكَ وَلَذَّتْ عَيْنُكَ. فَيَقُولُ رَضِيتُ رَبِّ. قَالَ: رَبِّ فَأَعْلاهُمْ مَنْزِلَةً؟ قَالَ: أُولَئِكَ الَّذِينَ أَرَدْتُ، غَرَسْتُ كَرَامَتَهُمْ بِيَدِي وَخَتَمْتُ عَلَيْهَا، فَلَمْ تَرَ عَيْنٌ وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ. قَالَ: وَمِصْدَاقُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 276).

ب. أعلاها

أعلى منزلة في الجنة ينالها شخص واحد تسمى الوسيلة وسينالها النبي r إن شاء الله. فعن عمرو بن العاص، قال: سمعت رسول الله r يقول: )إِذَا سَمِعْتُم الْمُؤَذِّنَ، فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ، ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ، فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ، لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ. فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَة( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 577).

وقال رسول الله r )مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلاَةِ الْقَائِمَةِ آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ(. (صحيح البخاري، الحديث الرقم 579).

وسميت درجة النبي r الوسيلة لأنها أقرب الدرجات إلى عرش الرحمن وأصل اشتقاق لفظ الوسيلة من القرب، وقد بين الله عز وجل ذلك بقوله: )أُولَئِكَ الَّذِينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إِلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ( (سورة الإسراء: الآية 57).

ولما كان رسول الله r أعظم الخلق عبودية لربه وأعلمهم به وأشدهم له خشية ومحبة كانت منزلته أقرب المنازل إلى الله، وأعلى درجة في الجنة.

8. أولو الدرجات العلا

أ. الشهداء وأفضلهم الذين يقاتلون في الصفوف الأولى، لا يلتفتون حتى يقتلوا. قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( (سورة التوبة: الآية 111).

وقال تعالى: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (10) تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (11) يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ( (سورة الصف: الآيات 10-12).

وقال تعالى: )وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (169) فَـرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُون( (سورة آل عمران: الآيتان 169، 170).

وقال r )مَا أَحَدٌ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يُحِبُّ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ لَهُ مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ شَيْءٍ، غَيْرَ الشَّهِيدُ، فَإِنَّهُ يَتَمَنَّى أَنْ يَرْجِعَ فَيُقْتَلَ عَشْرَ مَرَّاتٍ، لِمَا يَرَى مِنْ الْكَرَامَةِ( (مسند أحمد، الحديث الرقم 12309).

ب. الساعي على الأرملة، والمسكين له منزلة المجاهد في سبيل الله، فعن النبي r قال: )السَّاعِي عَلَى الأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وكَالْقَائِمِ لاَ يَفْتُرُ وَكَالصَّائِمِ لاَ يُفْطِرُ( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5548).

ج. كافل اليتيم: ومنزلته قريبه من منزلة النبي. فعن رسول الله قال، )كَافِلُ الْيَتِيمِ لَهُ أَوْ لِغَيْرِهِ أَنَا وَهُوَ كَهَاتَيْنِ فِي الْجَنَّةِ وَأَشَارَ مَالِكٌ بِالسَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 5296).

د. ويرفع الله درجة الآباء ببركة دعاء الأبناء ففي الحديث عن أبي هريرة قال: )إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ( (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 3650).



[1] تطلق الجنن على الليل وهو يستر بظلمته. ويطلق أيضاً على القبر وهو يستر الميت. ويطلق على الميت نفسه وهو مستور بالقبر ومختفٍ فيه. ويطلق على الكفن وهو يستر الميت. ويطلق الجَنان على الثوب وهو يستر الإنسان. ويطلق على حريم الدار لأنه يسترها. ويطلق على الروح لأنه مستتر. والجُنَّة: كل ما وقى، وغطاء رأس المرأة ولهما المعنى السابق نفسه.

[2] أن أكثر الأحاديث الآتية في وصف الجنة أو النار إنما هي على اعتقاد أهل السنة والجماعة وأكثر هذه الأحاديث ينكرها بعض الفرق الإسلامية كالمعتزلة ويعتبرونها أحاديث آحاد، لا تقوم بها حجة، ولا يقبلون إلاّ الأحاديث المتواترة، في وصف اليوم الآخر من جنة أو نار أو محشر، أو ميزان أو صراط. ويكتفون ـ غالبا ـ بما ورد في القرآن الكريم من ذكر هذا كله، ويرون أن أهل الحديث قد توسعوا في ذكر أحاديث لم تصح إلى النبيr ، وأن أغلبها إسرائيليات أخذها بعضهم عن أهل الكتاب. إضافة إلى اتهامهم أكثر أهل الحديث بالغفلة وعدم التمييز بين الصحيح والمردود، بين ما يوافق العقل وما يتعارض معه، أو مع النصوص الأخرى الصحيحة أو المتواترة. أمّا أهل الحديث فيرون أن لهم ضوابطهم في معرفة الأحاديث الصحيحة من الضعيفة، وأن المعتزلة وأمثالهم يقدمون العقل على النصوص.