إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الجنة









شُبُهات

ثالثاً: وصف الجنة وداخليها

1. خزنة الجنة ورئيسهم

قال تعالى: )وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِين( (سورة الزمر: الآية 73)، وقال رسول الله r: )آتِي بَابَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَسْتَفْتِحُ فَيَقُولُ الْخَازِنُ مَنْ أَنْتَ قَالَ فَأَقُولُ مُحَمَّدٌ قَالَ يَقُولُ بِكَ أُمِرْتُ أَنْ لاَ أَفْتَحَ لأَحَدٍ قَبْلَكَ( (مسند أحمد، الحديث الرقم 11948)، فثبت من ذلك أن للجنة خزنة، وسمى الله، سبحانه وتعالى، كبير هذه الخزنة رضوان، وهو اسم مشتق من الرضا.

2. الجنة هي الجزاء

قال تعالى: )إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم( (سورة التوبة: الآية 111) يقول ابن القيم: فجعل ـ سبحانه ـ الجنة جزاءً لنفوس المؤمنين وأموالهم، إن بذلوها فيه، استحقوا جنّته.

وعن رسول الله r )مَنْ خَافَ أَدْلَجَ[1] وَمَنْ أَدْلَجَ بَلَغَ الْمَنْزِلَ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ غَالِيَةٌ أَلاَ إِنَّ سِلْعَةَ اللَّهِ الْجَنَّةُ( (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2374) وفي حديث أبي هريرة  )أَنَّ أَعْرَابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ إِذَا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الْجَنَّةَ. قَالَ: تَعْبُدُ اللَّهَ، لاَ تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلاَةَ الْمَكْتُوبَةَ، وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ. قَالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، لاَ أَزِيدُ عَلَى هَذَا. فَلَمَّا وَلَّى قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى هَذَا( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1310).

وعن جابر قال: )أَتَى النَّبِيَّ r النُّعْمَانُ بْنُ قَوْقَلٍ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِذَا صَلَّيْتُ الْمَكْتُوبَةَ وَحَرَّمْتُ الْحَرَامَ وَأَحْلَلْتُ الْحَلاَلَ أَأَدْخُلُ الْجَنَّةَ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ: نَعَم( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 17). وعـن عثمان بن عفان قال: قال رسول الله r )مَنْ مَاتَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، دَخَلَ الْجَنَّة( (مسند أحمد، الحديث الرقم 434).

وهنا أمر يجب التنبيه عليه، وهو أن الجنة إنما تُدخل برحمة الله تعالى، وليس عمل العبد مستقلاً بدخولها، وإن كان سبباً؛ ولهذا أثبت الله تعالى دخولها بالأعمال في قوله: )بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ( (سورة الأعراف: الآية 43) ونفى رسول الله r دخولها بالأعمال بقوله " لن يدخل أحد منكم الجنة بعمله"ولا تنافي بين الأمرين لوجهين:

أحدهما: ما ذكره سفيان وغيره قال كانوا يقولون النجاة من النار بعفو الله، ودخول الجنة برحمته، واقتسام المنازل والدرجات بالأعمال. ويدل على هذا حديث أبي هريرة: )إِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا نَزَلُوا فِيهَا بِفَضْلِ أَعْمَالِهِمْ( (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2472)

والثاني: إن الباء التي نفت الدخول، هي باء المعاوضة، التي يكون فيها أحد العوضين مقابلاً للآخر. والباء التي أثبتت الدخول، هي باء السببية، التي تقتضي سببية ما دخلت عليه لغيره، وإن لم يكن مستقلاً بحصوله. وقد جمع النبي r بين الأمرين بقوله: ) قَارِبُوا وَسَدِّدُوا ‏وَاعْلَمُوا أَنَّهُ لَنْ يَنْجُوَ أَحَدٌ مِنْكُمْ بِعَمَلِهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْتَ قَالَ وَلَا أَنَا إِلَّا أَنْ ‏ ‏يَتَغَمَّدَنِيَ ‏ ‏اللَّهُ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 5041)، ومن عرف الله تعالى وشهد مشهد حقه عليه ومشهد تقصيره وذنوبه وأبصر هذين المشهدين بقلبه؛ عرف ذلك وجزم به.

3. تحقيق الوعد

قال الله تعالى: )رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ ءاَمِنُـوا بِرَبِّكُـمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّـرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ (193) رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَادَ( (سورة آل عمران: الآيتان 193، 194). والمعنى وآتنـا، يا ربنا، ما وعدتنـا على أَلسِـنة رسلك، أن تُدخلنا الجنة.

وتفيض رحمة الرحمن، ويحضّ عباده على سؤاله الجنة؛ إذ ما يعبأ بهم لولا دعاؤهم! فيبلّغ رسولُه r: )مَنْ سَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَت الْجَنَّةُ: اللَّهُمَّ أَدْخِلْهُ الْجَنَّةَ. وَمَنْ اسْتَجَارَ مِنْ النَّارِ، ثَلاَثَ مَرَّاتٍ، قَالَتْ النَّارُ: اللَّهُمَّ أَجِرْهُ مِنْ النَّارِ( (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2495). بل يغري بطلب الجنة، فيقول r: )ما سأل اللهَ عبدٌ الجنةَ في يوم سبع مرات إلا قالت الجنة يا رب إن عبدك فلاناً يسألني، فأدخلنيه(. ويمعن، فيقول r: )أكثروا مسألة الله الجنة. واستعيذوا به من النار. فإنهما شافعتان مشفَّعتان. وإن العبدَ، إذا أكثر مسألة الله الجنة، قالت الجنة: يا رب، عبدك هذا الذي سألَنِيكَ، فأسكِنْه إيايّ.وتقول النار: يا رب، عبدك هذا الذي استعاذ بك مني، فأعِذْه(.

والجنة سُؤْلَة كل مؤمن، إيّاها يتمنى، وبها يطمع. يوحي بذلك قول نبي الرحمة للفتى، الذي اشتكى معاذاً ـ t لتطويله الصلاة بالناس: )كَيْفَ تَقُولُ فِي الصَّلاَةِ؟ قَالَ أَتَشَهَّدُ، ثُمَّ أَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ النَّارِ؛ أَمَا إِنِّي لاَ أُحْسِنُ دَنْدَنَتَكَ، وَلاَ دَنْدَنَةَ مُعَاذٍ. فَقَالَ النَّبِيُّ r حَوْلَهَا نُدَنْدِنُ( (مسند أحمد، الحديث الرقم 15333).

4. طيور الجنة

قال تعالى: )وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ( (سورة الواقعة: الآية 21). وعن أنس قال: سُئل رسول الله r ما الكوثر؟ قال: )ذَاكَ نَهْرٌ أَعْطَانِيهِ اللَّهُ يَعْنِي فِي الْجَنَّةِ أَشَدُّ بَيَاضًا مِنْ اللَّبَنِ وَأَحْلَى مِنْ الْعَسَلِ فِيهَا طَيْرٌ أَعْنَاقُهَا كَأَعْنَاقِ الْجُزُرِ( (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2465) والجزر: الإبل.

5. سبب دخول الجنة

أ. لا دخول إلاّ برحمة الله.

ب. الإيمان ومترتباته وآثاره مثل:

(1) الأعمال الصالحة

)وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَار( (سورة البقرة: الآية 25). )الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (69) ادْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ تُحْبَرُونَ( (سورة الزخرف: الآيتان 69، 70).

(2) إخلاص الدين لله

)إِلاَّ عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (40) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (41) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (42) فِي جَنَّاتِ النَّعِيم(ِ (سورة الصافات: الآيات 40- 43).

(3) قوة الارتباط بالله والرغبة إليه وعبادته

)إِنَّمَا يُؤْمنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِـمْ وَهُـمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ (15) تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلاَ تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (سورة السجدة: الآيات 15-17).

(4) الصبر والتوكل

)وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفًا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (58) الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ( (سورة العنكبوت: الآيتان 58، 59).

(5) الاستقامة على الإيمان

)إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ (13) أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ( (سورة الأحقاف: الآيتان 13، 14).

(6) اعتقاد أن ما أنزل على محمد هو الحق.

(7) الوفاء بالعهود.

(8) عدم نقض الميثاق.

(9) وصل ما أمر الله به أن يوصل.

(10) خشية الله.

(11) الخوف من سوء الحساب.

(12) الصبر لله.

(13) إقامة الصلاة.

(14) الإنفاق سراً وعلانية.

(15) درء الحسنة السيئة.

(16) ذو السلطان المقسط المتصدق الموفق.

(17) رحيم القلب لكل ذي قربى ومسلم.

(18) العفيف المتعفف ذو العيال.

(19) وغير ذلك من الصفات والأخلاق والعبادات التي وردت النصوص بأجر الجنة فيها.

(20) والخلاصة أن كل تأدية لواجب أو امتناع عن محرم، هي من الأسباب الكبرى لدخول الجنة.

6. مكاره طريق الجنة

وفيه مخالفة لأهواء النفس، وهذا يحتاج لعزيمة ماضية وإرادة قوية. قال رسول الله r )لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْجَنَّةَ وَالنَّارَ أَرْسَلَ جِبْرِيلَ ـ عَلَيْهِ السَّلاَم ـ إِلَى الْجَنَّةِ، فَقَالَ: انْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا. فَنَظَرَ إِلَيْهَا؛ فَرَجَعَ. فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لاَ يَسْمَعُ بِهَا أَحَدٌ إِلاَّ دَخَلَهَا. فَأَمَرَ بِهَا، فَحُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ. فَقَالَ: اذْهَبْ إِلَيْهَا فَانْظُرْ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا أَعْدَدْتُ لأَهْلِهَا فِيهَا. فَنَظَرَ إِلَيْهَا، فَإِذَا هِيَ قَدْ حُفَّتْ بِالْمَكَارِهِ، فَقَالَ: وَعِزَّتِكَ، لَقَدْ خَشِيتُ أَنْ لاَ يَدْخُلَهَا أحدٌ( (سنن النسائي، الحديث الرقم 3703).

دون الجنة مِحَنٌ قاسية، يُبْتَلَى بها العباد. مثّلها الرسول بالمكاره، من ثبت لها، وصبر عليها، فاز بالجنة. ومن خار أمامها، وسار وراءها، حالت دون دخوله الجنة.

7. الشفاعة في دخول الجنة

ثبت في الأحاديث الصحيحة أن المؤمنين، عندما يطول عليهم الموقف في يوم الجزاء، يطلبون من الأنبياء أن يستفتحوا لهم باب الجنة فكلهم يمتنع ويأبى ويقول الرسول r: )إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ مَاجَ النَّاسُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَيَأْتُونَ آدَمَ فَيَقُولُونَ لَهُ اشْفَعْ لِذُرِّيَّتِكَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلاَم فَإِنَّهُ خَلِيلُ اللَّهِ فَيَأْتُونَ إِبْرَاهِيمَ فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَم فَإِنَّهُ كَلِيمُ اللَّهِ فَيُؤْتَى مُوسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِعِيسَى عَلَيْهِ السَّلاَم فَإِنَّهُ رُوحُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ فَيُؤتَى عِيسَى فَيَقُولُ لَسْتُ لَهَا وَلَكِنْ عَلَيْكُمْ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأُوتَى فَأَقُولُ أَنَا لَهَا فَأَنْطَلِقُ فَأَسْتَأْذِنُ عَلَى رَبِّي فَيُؤْذَنُ لِي فَأَقُومُ بَيْنَ يَدَيْهِ فَأَحْمَدُهُ بِمَحَامِدَ لاَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ الآنَ يُلْهِمُنِيهِ اللَّهُ ثُمَّ أَخِرُّ لَهُ سَاجِدًا فَيُقَالُ لِي يَا مُحَمَّدُ ارْفَعْ رَأْسَكَ وَقُلْ يُسْمَعْ لَكَ وَسَلْ تُعْطَهْ وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 286).

8. التزكية تمهيداً لدخول الجنة

عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله r: )يَخْلُصُ الْمُؤْمِنُونَ مِنْ النَّارِ فَيُحْبَسُونَ عَلَى قَنْطَرَةٍ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ فَيُقَصُّ لِبَعْضِهِمْ مِنْ بَعْضٍ مَظَالِمُ كَانَتْ بَيْنَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى إِذَا هُذِّبُوا وَنُقُّوا أُذِنَ لَهُمْ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ. فَوَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، لأَحَدُهُمْ أَهْدَى بِمَنْزِلِهِ فِي الْجَنَّةِ مِنْهُ بِمَنْزِلِهِ كَانَ فِي الدُّنْيَا( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6054).

9. أول داخليها

قال رسول الله r )نَحْنُ الآخِرُونَ الأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَحْنُ أَوَّلُ النَّاسِ دُخُولاً الْجَنَّةَ بَيْدَ أَنَّهُمْ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِنَا وَأُوتِينَاهُ مِنْ بَعْدِهِمْ فَهَدَانَا اللهُ لما اخْتَلَفُوا فيه من الحقِّ بإِذْنِهِ فَهَذَا اليومُ الَّذِي هَدَانَا اللهُ له والناسُ لَنَا فِيهِ تَبَعٌ غَدًا لِلْيَهُوَدِ وَبَعْدَ غَدٍ لِلنَّصَارَى( (مسند أحمد، الحديث الرقم 7381). فأمة محمد هي أسبق الأمم خروجاً من الأرض، وأسبقهم إلى ظل العرش، وإلى الصراط، وإلى دخول الجنة.

10. ريادة الجنة

أول من يدخل الجنة على الإطلاق محمد r القائل: )أَوَّلُ مَنْ يَقْرَعُ بَابَ الْجَنَّةِ( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 290)، وأول فرد من هذه الأمة يدخل الجنة هو أبو بكر الصديق ففي حديث الرسول r: )أَتَانِي جِبْرِيلُ فَأَخَذَ بِيَدِي فَأَرَانِي بَابَ الْجَنَّةِ الَّذِي تَدْخُلُ مِنْهُ أُمَّتِي فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَدِدْتُ أَنِّي كُنْتُ مَعَكَ حَتَّى أَنْظُرَ إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَا إِنَّكَ يَا أَبَا بَكْرٍ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِي( (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4033).

أول من يدخل الجنة من هذه الأمة هم أهل الإيمان والتقى والعمل الصالح والاستقامة على الدين الحق، يدخلون الجنة صفاً واحداً، لا يدخل أولهم حتى يدخل آخرهم، صورهم على صورة القمر ليلة البدر.

وعن أبي هريرة عن النبي r قال: )أَوَّلُ زُمْرَةٍ تَلِجُ الْجَنَّةَ صُورَتُهُمْ عَلَى صُورَةِ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لاَ يَبْصُقُونَ فِيهَا، وَلاَ يَمْتَخِطُونَ، وَلاَ يَتَغَوَّطُونَ. آنِيَتُهُمْ فِيهَا الذَّهَبُ، أَمْشَاطُهُمْ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَمَجَامِرُهُمْ الأََلُوَّةُ، وَرَشْحُهُمْ الْمِسْكُ. وَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ زَوْجَتَانِ، يُرَى مُخُّ سُوقِهِمَا مِنْ وَرَاءِ اللَّحْمِ مِنْ الْحُسْنِ، لاَ اخْتِلاَفَ بَيْنَهُمْ وَلاَ تَبَاغُضَ، قُلُوبُهُمْ قَلْبٌ وَاحِدٌ، يُسَبِّحُونَ اللَّهَ بُكْرَةً وَعَشِيًّا( (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3006).

ولعل هؤلاء هم الذين سماهم الحق بالمقربين، وهم السابقون: )وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ (10) أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ (11) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ( (سورة الواقعة: الآيات 10-12) وهؤلاء )ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ (13) وَقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ( (سورة الواقعة: الآيتان 13، 14).

11. السبّاقون إلى الجنة

عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله r: )إِنَّ فُقَرَاءَ الْمُهَاجِرِينَ يَسْبِقُونَ الأَغْنِيَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى الْجَنَّةِ بِأَرْبَعِينَ خَرِيفًا( (صحيح مسلم، الحديث الرقم 5291).

وقال رسول الله r )يَدْخُلُ فُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ وَهُوَ خَمْسُ مائَةِ عَامٍ( (مسند أحمد، الحديث الرقم 8165)، وقال: r )يَدْخُلُ فُقَرَاءُ أُمَّتِي الْجَنَّةَ قَبْلَ أَغْنِيَائِهِمْ بِنِصْفِ يَوْمٍ قَالَ وَتَلاَ وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ( (مسند أحمد، الحديث الرقم 10312).

وتختلف مدة السبق، بحسب أحوال الأغنياء والفقراء، فمنهم من يسبق بأربعين، ومنهم من يسبق بأكثر، وهنا أمر يجب التنبيه عليه وهو أنه لا يلزم من سبقهم لهم في الدخول ارتفاع منازلهم عليهم، والغني إذا حوسب على غناه فوجد قد شكر الله تعالى فيه وتقرب إليه بأنواع البر والخير والصدقة والمعروف كان أعلى درجة من الفقير الذي سبقه في الدخول، والله لا يضيع أجر من أحسن عملاً.

وفيصل السبق إليها النية والعمل؛ وليس الفقر أو الغنى مجرداً. فرب فقير صادق جادّ، هو أكرم من غني، يتيه بغناه. وعلَّ غنياً باذلاً، عارفاً حق الله، هو أقرب إلى رحمة ربه من سواه، وليس للإنسان إلاّ ما سعى.



[1] أدلج: من الدلجة، وأدلج سار من أول الليل.