إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الجنة









شُبُهات

سادساً: الجنة عند اليهود والنصارى

1. الجنة عند اليهود

ورد في قاموس التوراة تحت كلمة فردوس: "الفردوس الأصلي، الذي رتبه الله للإنسان قبل سقوطه ووضع في وسطه شجرة الحياة، وأطلقت الكلمة على كل بستان في قصور الملوك".

وورد فيه تحت كلمة جنات: "جنات بساتين معدة للانشراح واللذات، منها جنات الملك سليمان وفيها سواقي وينابيع، وكانت هذه الجنات مصونة لكي لا يدخلها الغريب".

والغريب أن التوراة، عند الحديث عن الجنة، لم تشر من قريب أو بعيد إلى أنها المكان الذي يثاب فيه الصالحون يوم القيامة، واليهود يعترفون بذلك، ويعتبرون أن خلو التوراة من الحديث عن الثواب والعقاب لا يضرها.

وإذا كان العهد القديم (التوراة) لم يتحدث عن الثواب للصالحين في الآخرة؛ فلدينا بعض النصوص في التلمود التي تتحدث عن جزاء الصالحين يوم القيامة.

فعن مساحة الجنة ورد في التلمود "مساحة مصر أربعمائة ميل طولاً وعرضاً، وأرض الموريين تكبر مصر ستين مرة، والمعمورة تكبر أرض الموريين ستين مرة، والجنة تكبر المعمورة ستين مرة".

وعن نعيم الجنة جاء فيه: "الجنة ليست مثل هذه الأرض، لأنه لا أكل فيها ولا شرب ولا زواج ولا تناسل ولا تجارة ولا حقد ولا ضغينة ولا حسد بين النفوس، بل الصالح سوف يجلس وعلى رأسه تاج ويستمتع برونق السكينة".

يقول سعديا الفيومي مؤكداً النص السابق: "نقلوا لنا ـ أي الآباء ـ أن دار الآخرة إنما الحياة فيها بالنور، وليس مع ذلك طعام ولا شراب ولا غشيان ولا تناسل ولا شراء ولا بيع ولا سائر الأمور التي في الدنيا، وإنما ثواب من نور الخالق عز وجل".

ويقول: "دار الآخرة إذ لا غذاء فيها ولا تكسب، فلا معنى لرياض ولا لنبات ولا للأنهار ولا للجبال ولا للأودية ولا شيء من هذه".

والغريب هنا، كذلك، أنه إذا كان علماء اليهود يقررون أن الجنة لا طعام فيها ولا شراب فقد كان اليهود على عهد رسول الله يسألون عن طعام أهل الجنة وشرابهم ليروا مدى صدقه.

فعن ثوبان مولى رسول الله r قال: كنت قائماً عند رسول الله r فجاء حبر من أحبار اليهود، فقال: السلام عليك يا محمد. فدفعته دفعة كاد يصرع منها. فقال: لم تدفعني؟ فقلت: ألا تقول رسول الله؟ فقال اليهودي: إنما ندعوه باسمه الذي سماه به أهله. فقال رسول الله r: "إن اسمي محمد الذي سماني به أهلي". فقال اليهودي: جئت أسألك. فقال رسول الله r: "أينفعك شيء إن حدثتك". قال: أسمع بأذني. فنكت رسول الله r بعود معه، فقال: "سل". فقال اليهودي: أين يكون الناس يوم تبدل الأرض غير الأرض والسموات؟ فقال رسول الله r: "هم في الظلمة دون الجسر". قال: فمن أول الناس إجازة؟ قال r: "فقراء المهاجرين". قال اليهودي: فما تحفتهم حين يدخلون الجنة؟ قال r: "زيادة كبد النون". قال: فما غذاؤهم على إثرها؟ قال r: "ينحر لهم ثور الجنة الذي كان يأكل من أطرافها". قال فما شرابهم عليه؟ قال r: "من عين فيها تسمى سلسبيلا" قال: صدقت.

ويتضح من خلال أسئلة اليهودي لرسول الله أنه يسأل عن الجنة وطعام أهلها وشرابهم، وكلما أجاب الرسول قال اليهودي صدقت، لأن إجابة الرسول كانت موافقة لما يعتقده، فهل كان اليهود على عهد رسول الله يعتقدون في النعيم الحسي في الجنة؟ من الجائز، ويكون حديث التلمود والأمانات والاعتقادات يصور اعتقاد فرق من اليهود غير الذين كانوا على عهد رسول الله؟ هذا جائز أيضاً أو هو التبديل والتحريف، الذي نص القرآن الكريم على ممارسة اليهود له، للكتب التي أنزلها الله على أنبيائه؟

ولا ريب أن حديث القرآن الكريم عن نعيم الجنة إنما هو خبر لا نسخ فيه ولا يحتمل إلاّ الصدق، وعليه فيكون نعيم الجنة الذي أخبر الله به موسى هو نفسه الذي أخبر به عيسى، وهو الذي صدق الرسول فيه. وذكر الله عن اليهود والنصارى أنهم قالوا: )وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاَّ مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ( (سورة البقرة: الآية 111)

فرد الله عليهم بقوله: )بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ( (سورة البقرة: الآية 112).

2. الجنة عند النصارى

ورد في قاموس الكتاب المقدس تحت كلمة جنة: أنها الفردوس الأصلي الذي رتبه الله للإنسان قبل سقوطه، ووضع في وسطه شجرة الحياة وأطلقت الكلمة على كل بستان في قصور الملوك. وورد أيضا تحت كلمة جنات: أنها بساتين معدة للإنشرح واللذات، وفيها جنات الملك سليمان، وفيها سواقي وينابيع.

والملاحظ أن قاموس الكتاب المقدس ربط شجرة الجنة بالبستان، الذي يملكه الملوك، وهي معدة للانشراح واللذات، وفيها جنات الملك سليمان وفيها سواقٍ وينابيع. كل هذه الصفات تطلق على البساتين في الأرض، لكن قاموس الكتاب المقدس لم يشر من قريب أو بعيد إلى أنها المكان، الذي يتمتع فيه الصالحون من النصارى في الآخر.

وعلى الرغم من عدم إشارة النصارى إلى الجنة ونعيمها الحسي في الآخرة إلا أنه سيُعرض فيما يلي بعض النصوص التي تتحدث عن الجزاء في الآخرة، المتمثل في الطعام والشراب والنكاح في الجنة وبالرغم من ادعاء النصارى بأن نعيم الأبرار يتمثل في "اتصالهم بالله ورؤيتهم جلاله، ورؤية الله هي الخير الأعظم الفائق كل خير، الذي يملأ رغبة كل إنسان ويشبع شهوات نفسه بل هي سعادته النهائية المشتهاة من كل مشاعره والتي تتجه كل أشواق قلبه إليه".

أ. طعام وشراب أهل الجنة عند النصارى

ورد في إنجيل يوحنا ما نصه: "اعملوا لا للطعام البائد بل للطعام الباقي للحياة الأبدية، الذي يعطيكم ابن الإنسان، لأن الله الآب قد ختمه".

وورد فيه أيضاً قولهم للمسيح: "آباؤنا أكلوا المنَّ في البرية، كما هو مكتوب أنه أعطاهم خبزاً من السماء ليأكلوا. فقال لهم يسوع: الحق الحق أقول لكم، ليس موسى أعطاكم الخبز من السماء، بل أبي يعطيكم الخبز الحقيقي من السماء".

فهذه النصوص تبين أن النصارى يرون أن في الآخرة طعاماً باقياً يعطيه المسيح للمؤمنين به.

والنص الثاني يبرز، على لسان المسيح، أن هناك خبزاً فانياً أكله آباء من يتحدث معهم المسيح، ولكن من يطعه ويؤمن به يأكل الخبز الحقيقي عند الله. ووعد المسيح لهم بالطعام في الآخرة مكافأة لهم، بيَّن كيف أن الإنجيل تحدث عن الطعام في الجنة. وهناك نص آخر في إنجيل لوقا يثبت الطعام والشراب في الآخرة. ورد في لوقا: "وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً لتأكلوا وتشربوا على مائدتي، وتجلسوا على الكراسي، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر".

والنصارى تعتقد أن هذا الملكوت في الآخرة، وأن الدينونة بعد انقضاء العالم. والنص يثبت أن هناك طعاماً وشراباً على مائدة المسيح، للذين يؤمنون به.

أما الشراب، ورد في إنجيل متى: "وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً: اشربوا منها كلكم، لأن هذا هو دمي، الذي للعهد الجديد، الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة الخطايا، وأقول لكم: إني من الآن لا أشربُ من نتاج الكرمة هذا إلى ذلك اليوم الذي أشربه معكم جديداً في ملكوت أبي".

وهذا نص صريح في أن المسيح وعد تلاميذه أنه سيشرب معهم خمراً من نتاج الكرمة في الآخرة. وهذا النص يبين أن في الجنة شرباً للخمر، كما صرح المسيح بذلك، على ما في إنجيل متى الحالي.

وأيضا نص لوقا: "وتشربوا على مائدتي في ملكوتي"، نص صريح أيضاً على أن هناك شراباً في الجنة.

ب. النكاح

ومن بين ثنايا نصوص الأناجيل نستخرج بعض النصوص، التي تثبت الزواج في الجنة، وملكية الصالح في الآخرة لأشياء كثيرة من البيوت والحقول.

ورد في إنجيل متّى: "كل من ترك بيوتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً من أجل اسمي يأخذ مائة ضعف، ويرث الحياة الأبدية".

وهذا نص صريح في أن نعيم الآخرة يشبه نعيم الجنة مع الاختلاف. وكان المسيح يرغبهم في ما عند الله، بأن من ترك منهم في الدنيا بيوتاً فله بدلاً منها مائة ضعف، وله حياة أبدية، والمائة ضعف والحياة الأبدية لا تكون إلاّ في الجنة.

وأيضا من ترك حقولاً في الدنيا فله بدلاً منها مائة ضعف، ومن ترك زوجة، فله مائة زوجة ـ بنص الأناجيل مائة ضعف ـ وله الحياة الأبدية.

وكما ترى فإن النص صريح في النكاح والملكية في الآخرة، على الرغم من أن إنجيل متّى يصرح بأنه لا زواج يوم القيامة، يقول: "لأنهم في القيامة لا يزوجون ولا يتزوجون، بل يكونون كملائكة الله في السماء".

هذه النصوص التي تتحدث عن الطعام والشراب والقصور والزواج في الآخرة يؤولها النصارى إلى مجازات أخرى، غير كونها حقيقة حسية في الآخرة.

ج. كون الجنة مخلوقة ومعدة

ورد في إنجيل متّى: "ثم يقول الملكُ للذين عن يمينه: تعالوا يا مباركي أبي، رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم". وهذا النص يوضح أن الجنة، التي يطلق عليها النصارى أحيانا اسم الملكوت، معدةٌ منذ خَلْقِ الدنيا، ويدعوهم المسيح ليرثوها، جزاءً على أعمالهم. ويعتقد النصارى أن النفوس الصالحة في الفردوس، الآن، مع المسيح.

ورد، في أعمال الرسل، قول بولس: "لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح ذاك أفضل جداً". ونفس المعنى ورد في رسالة كورنثوس الثانية "ونُسَرّ بالأوْلى أن نتغرب عن الجسد ونستوطن عند الرب".

وهذه النصوص، وإن كانت ثابتة في الأناجيل، إلاّ أن النصارى يؤولونها، وعندهم أن النعيم المقيم يتمثل في الحياة الأبدية، وهذه الحياة في تصورهم "مصرحٌ بها في الكتاب في غاية الوضوح فقيل والأبرار إلى حياة أبدية، ولكي لا يهلك كل من يؤمن تكون له الحياة الأبدية". وهذه الحياة الأبدية تكون بالمسيح، كما يزعمون، "لأن أجرة الخطيئة هي موت، وأمّا هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح ربنا يسوع". ويعتقدون، أيضاً، أن النعيم الكامل، الذي لا شيء سواه في الجنة، يكون برؤية وجه الله الكريم؛ لأن التمتع بمشاهدته تملأ النفوس سعادة وهناء وغبطة، فتبقى مسحورة ببهائه الرائع لا ترتوي مدى الأبدية.

د. مصير الأطفال الذين يموتون صغاراً

يشير علماء النصرانية إلى مصير الأطفال، الذين يموتون قبل أن يُنَصَّروا بالتعميد إشارات عابرة. فقد ورد في علم اللاهوت النظامي ـ وهو يمثل فرقة البروتستانت ـ أن "جميع الأطفال الذين يموتون قبل سن التكليف والبُلْه أيضاً ـ أي الخارجين عن دائرة المسؤولية الأدبية ـ ينالون الخلاص بالنعيم بالمسيح، بتخصيص فوائد كفارته به، فيتجددون ويدخلون في حال الخلاص حالاً بعد الموت".

وإذا كان البروتستانت قد قطعوا بالخلاص بالنسبة للأطفال الصغار والبُلْه، الذين لم يدركوا شيئا، فإن الأرثوذكس يرون أن هناك اختلافاً بين العلماء في مصيرهم، ففريق من اللاهوتيين رأى "أنهم يكونون في حال متوسط بين الراحة، أي أنهم لا يعذبون، لأنهم لم يفعلوا شيئا يستحقون عليه العذاب، ولا يتنعمون التنعيم كله، لأنهم لم يقتبلوا العماد، الذي هو شرط أساسي للنجاة من العقاب والحصول على مجد الخلود".

هذا الفريق يرى أنهم لا ينعمون النعيم الكامل، ولا يعذبون، لعدم استحقاقهم العذاب، وبعض اللاهوتيين نفى عنهم النعيم المتوسط، ونفى عنهم العذابَ أيضاً. قال الفريق الآخر: "إنهم يُعْدَمون حقاً مشاهدة الله إلى الأبد بسبب الخطيئة الأصلية، إلاّ أنهم لا يتعذبون في النيران الأبدية". ومراد هذا الفريق أنهم لا يشاهدون الله؛ لأن الخطيئة التي وُلِدُوا وارثين إياها من آدم لا تمكنهم من رؤية الله والتنعم بذلك. وفي الوقت نفسه، لا يعذبون لعدم اقترافهم بالفعل الآثام. وينقل صاحب علم اللاهوت عن القديس غريقريوس قوله: "إن الأطفال غير المعمدين لا يمجدون ولا يعذبون، لأنهم وإن كانوا غير مستنيرين وغير مقدسين بالمعمودية لم يخطئوا خطيئة شخصية، ولا يستحقون كرامة ولا قصاصاً".

وهذه الأقوال والآراء لا يستدل أصحابها بفقرات من الأناجيل وأعمال الرسل، وإنما هي عبارة عن اجتهادات واستنباطات.

هـ. خلود النعيم للأبرار

يعتقد النصارى في أبدية النعيم بالنسبة للأبرار. فقد ورد في علم اللاهوت النظامي: "أبدية تلك الحال مصرح بها في الكتاب في غاية الوضوح، فقيل: والأبرار إلى حياة أبدية". ويستدل علم اللاهوت النظامي بما ورد في متى ويوحنا: "الحق الحق أقول لكم إن من يسمع كلامي ويؤمن بالذي أرسلني فله حياة أبدية". وبما ورد في يوحنا أيضاً: "ولأن هذه هي مشيئة الذي أرسلني أن كل من يرى الابن ويؤمن به تكون له حياة أبدية". وبما ورد في أعمال الرسل: "وآمن جميع الذين كانوا معينين للحياة الأبدية". ويستدل بنصوص كثيرة جداً على أبدية حال الأبرار في النعيم. ويتحدث ميخائيل مينا عن خلود النعيم للأبرار، بقوله: "إنه ثابت غير متناه؛ لأن ثبات السعادة شرط ضروري لكمالها؛ لأن السعادة متى حصلت مجهولة الثبات حصل في قلب مالكها خوف فقدها، ومن هذا الخوف يتولد الحزن، الذي هو ضد السعادة الكاملة. ولن يكون هناك مرضى لا موت ولكن إشراق وبهاء غير منقطع".