إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحلال والحرام









أولاً: القاعدة الفقهية في الحلال والحرام

أولاً: القاعدة الفقهية في الحلال والحرام

ورد في غير آية من القرآن الكريم، أن الله سبحانه لصالح عباده ]يُحِلُّ لهم الطيبات وَيُحرِمُ عَليَهِمُ الخَبائثَ[ (سورة الأعراف: الآية 157). وعلى ذلك فإن القاعدة العامة في الحلال والحرام: أن ما كان ضرره أكبر من نفعه، أي خبثه أكثر من طيبه، فهو حرام، وما كان نفعه أكبر من ضرره فهو حلال، وإلى هذا المعنى أشار القرآن الكريم في قوله: ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[ (سورة البقرة: الآية 219).

وليس على المسلم حرج إن جهل علة التحريم، أو لم يدرك عقله مبعث الضرر أو الخبث الذي من أجله حُرّم شيء من الأشياء، لأن خبث الشيء أو ضرره قد لا ينكشف في عصر التحريم ، بل يتجلى في عصور لاحقة، كما حدث في عصرنا الآن بمعرفة سبب تحريم لحم الخنزير وما تسببه " الدودة الشريطية " في لحم الخنزير من آفات للإنسان. وعلى المسلم، سواء علم العلة أم غابت عنه، أن يستجيب لأمر الله ]وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا[ (سورة البقرة: الآية 285). حتى وإن لم يكشف العلم عن الديدان والجراثيم القاتلة في لحم الخنزير، فإن المسلم يظل راسخ العقيدة بحرمة لحم الخنزير، وأنه رجس وضار.

وقد ورد في أحدث الأخبار العلمية الطبية، أن جراح القلب المصري العالمي الدكتور ذهني فراج، بصدد إجراء أول عملية لزرع قلب خنزير لإنسان. وهو حدث طبي يتوقع تمامه أول عام 1999. ولكن جدلاً علمياً أخلاقياً ثار حول هذه العملية، مرده أن الأمر لم يحسم بعد، بشأن الفيروسات الغامضة التي يترجح وجودها في جسم الخنزير وحده دون غيره من الحيوانات الأخرى. وهي فيروسات ربما يسبب انتقالها لجسم الإنسان ـ مع قلب الخنزير ـ خطراً شديداً على حياة الإنسان. ويشبه العلماء هذه الفيروسات بفيروس "الإيدز"، الذي يرى العلماء أنه انتقل إلى الإنسان من مملكة الحيوان. وقد أشار الدكتور ذهني إلى أن اللجنة البريطانية (لجنة أخلاقيات المهنة في بريطانيا)، فضلت التريث، حتى يتم التعرف على طبيعة الفيروسات الموجودة في جسم الخنزير، وكيفية القضاء عليها ومدى خطورتها ". وهكذا يؤكد العلم الحديث حقيقة ما أحله الله وحرمه، قبل أربعة عشر قرناً من الزمان.

ولعل من أطيب الأمثلة على أن اتساع نطاق العلم، يأتي دائماً مؤيداً ومؤكداً وكاشفاً لمِا أحلّه الله أو حرمه، حديث "الملاعن الثلاث"، أي التي توجب على مقترفها لعنة الله والناس. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]اتَّقُوا الْمَلاَعِنَ الثَّلاَثَةَ: الْبَرَازَ فِي الْمَوَارِدِ، وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ، وَالظِّلِّ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 24).  ففي القرون الأولي فهم الناس الحديث على أنه نهيٌ عن أمور يعافها الذوق والفطرة السليمة، لأنها أمور مستقذرة، ولكن الآن كشف علم الصحة العام في دراسة الطب، أن البراز هو المصدر الرئيسي في انتشار الأمراض المعدية والخطيرة، مثل البلهارسيا والكوليرا والانكلستوما، وأن أخطر ما يهدد المناطق التي تضربها السيول والفيضانات، تلوث مصادر المياه بفضلات الإنسان.

1. في الاكتفاء بالحلال غنى عن الحرام

إن كانت القاعدة الفقهية أن الحلال طيب ونافع، والحرام خبث وضار، فإن الله سبحانه لم يكن ليُحَرّم على عباده شيئاً إلاّ أحل لهم أطيب منه، ما لم يكن التحريم عقاباً لجرم ارتكبه الناس؛ ففي هذه الحالة يُحَرّم الله عليهم ما يحله لغيرهم. فقد حُرِّم على اليهود بعض أصناف الطيبات، عقاباً لهم على بغيهم وانتهاكهم حرمات الله ]فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا (160) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا[ (سورة النساء: الآيتان 160، 161).

ومن هنا كان الاستقراء الدال على أن الله لم يُحرِّم على الناس شيئاً، إلاّ أبدلهم خيراً منه. فقد حرّم الله الربا، وعوض الناس عنه التجارة الحلال الرابحة؛ وحرّم الزنا واللواط وأحلّ الزواج الحلال؛ حرّم شرب المسكرات، وأحلّ الأشربة النافعة غير المُذْهِبة للعقل والوعي؛ حرّم خبائث المأكولات، وأحلّ المطاعم الطيبة التي تقوي الجسدّ والروح.

2. ما فتح باباً للحرام فهو حرام

قاس الفقهاء على القاعدة العامة للحرام، أنّ ما أدى إلى الحرام أو فتح باباً يؤدي إليه، فهو حرام. ولذلك كان إثم الحرام لا يقتصر على فاعله المباشر، بل تتسع دائرته لتشمل كل من شارك فيه بجهد أو عمل مادي أو معنوي. فالخمر يؤثم صانعها وبايعها، إثمَ شاربها؛ والربا يؤثم شاهده وكاتبه إثم آكله. وهكذا فإن كل ما أعان على الحرام، يصبح حراماً، وكل من أعان على مُحَرّمٍ فهو شريك في الإثم.

ويُعد من هذا الباب أيضاً، ما يعمد إليه الناس من حيلٍ بجعل الحرام حلالاً. ولعل من أشهر تلك الحيل ما حكي عنه القرآن الكريم، حين حرّم الله على اليهود الصيد يوم السبت. فاحتالوا على ذلك باتخاذ الحياض، فكانوا يسوقون الحيتان إليها يوم الجمعة فتبقى فيها فلا يمكنها الخروج منها لقلة الماء، فيأخذونها يوم الأحد. ]وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ[ (سورة الأعراف: الآية 163).

ومن هذه الحيل المعاصرة ما يعمد إليه الناس لأكل الربا تحت أسماء مستحدثة، أو شرب الخمر بأسماء غير اسمها، وهو عمل ـ بداهة ـ لا ينفي عن الرِّبا حرمته، ولا عن الخمر تحريمها. جاء في الحديث ]لَيَشْرَبَنَّ نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي الْخَمْرَ يُسَمُّونَهَا بِغَيْرِ اسْمِهَا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 21827). و" يأتي على الناس زمان يستحلون الربا باسم البيع " مثال ذلك تسمية المجتمعات المعاصرة للربا: " فائدة "، وللخمور "مشروبات روحية"، وللرقص الخليع " فناً".

والحد بين الحلال والحرام بَينٌ، وذلك من رحمة الله بعباده أنه بيّن الحلال وفصّل الحرام في محكم تنزيله، وفي السنة المطهرة ]وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ[ (سورة الأنعام: الآية 119). وقال تعالى: ]وَمَا ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا[ (سورة الحشر: الآية 7). فالحلال الواضح الذي لا لبس فيه، لا حَرَج في فعله، وكذلك الحرام البين لا رُخْصَة في إتيانه، في حالة الخيار بينه وبين الحلال، ما لم تكن هناك ضرورة، استثناها الله سبحانه وتعالى من القاعدة العامة، مثل إباحة أكل الميتة أو لحم الخنزير لحفظ الحياة فقط. ولا يتم ذلك إلاّ بتحقق الضرورات التي تبيح هذه المحظورات، مثل ضرورة الجوع، حيـث لا يتوافر سوى هذا الطعام المُحرّم، فيتناول الإنسان منه قدر ما يدفع هذه الضرورة فقط، ويُبقي على الحياة بدفع الهلاك. أو ضرورة الدواء من محرّم، بشرط أن يصف الدواء طبيب مسلم مؤتمن؛ وأن لا يجد المضّطر دواءً غيره من حلال يقوم مقامه، ومن ثمّ يصبح هناك خطر حقيقي على حياة المسلم إن لم يتناول هذا الدواء.

وبين هاتين المنطقتين الواضحتين: حلال بَيّنٌ وحرام بَيّنٌ، منطقة يلتبس فيها الحِلُ بالحُرْمَة، وهي ما تسمى "بالأمور المشتبهات". وقد جعل الإسلام من ورع المسلم أن يتجنب هذه الشبهات حتى لا تقوده إلى مواقع الحرام، وهي قاعدة فقهية تعرف بـ "سدّ الذرائع". ومن هنا يجد الدّارس لفقه الحلال والحرام في الإسلام، حَيْدة وشمولاً في تشريعه: فهو شامل مطَّرد لكل زمان ومكان، فالحرام على الأسود حرام على الأبيض، والحلال للعربي حلال للعجمي، للملوك والسوقة، للأغنياء والفقراء، وليس للمسلم خصوصية تجعل الحرام على غيره حلالاً له، لأن ما حُلل أو حرّم، فهو حرام أو حلال على الناس، كل الناس إلى يوم القيامة.

فالسرقة حرام على المسلم وغير المسلم، الذكر والأنثى، والجزاء لازم للسارق كيف كان نسبه أو حسبه أو مركزه، وإلى هذا المعنى أشار النبي r، عندما شفع أسامة بن زيد في المرأة المخزومية التي سرقت راجياً عدم قطع يدها، فقال له رسول الله r ]لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3965).