إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحلال والحرام









أثر الحلال والحرام على حياة المسلم

ثالثاً: أثر الحلال والحرام على حياة المسلم، ونماذج لبعض المحرمات

1. أثر الحلال والحرام على حياة المسلم

إنّ أثر التحريم والتحليل ينعكس على حياة المسلم، ليس فقط الشخصية بل والاجتماعية. فقد حرّم الإسلام كل قول أو فعل أو سلوك، يخدش صفاء المجتمع وسلامته. فأمر الإسلام بالإصلاح بين المتخاصمين، قال تعالى ]فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ[ (سورة الحجرات: الآية 10)، ونهى الإسلام عن كل الممارسات المفسدة للعلاقات الأخوية، كالسّخرية مثلاً، قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ[ (سورة الحجرات: الآية 11)،  كما حرم الغيبة، قال تعالى: ]وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا[ (سورة الحجرات: الآية 12).

ودعا الإسلام إلى تبادل الثقة وصفاء النفوس، فنهى عن سوء الظن والتهم والشكوك، قال تعالى ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ[ (سورة الحجرات: الآية 12). وقرن الإسلام ذلك بالنهي عن التجسس، والتحسس، فللناس حرمة لا يجوز أن تُهتك بالتجسس، وتَتَبُّع العورات، ولذا حرّم الرسول r أن يطّلع أحد على قوم في بيتهم بغير إذنهم، فقال: ]مَنْ اطَّلَعَ فِي بَيْتِ قَوْمٍ بِغَيْرِ إِذْنِهِمْ فَفَقَئُوا عَيْنَهُ فَلاَ دِيَةَ لَهُ وَلاَ قِصَاصَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8636). وأوجب الإسلام، على كل من أراد أن يزور أخاه، ألا يدخل بيته قبل أن يستأذن منه، قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا[ (سورة النور: الآية 27). وقد حرّم الإسلام التحاسد والتباغض والتدابر، كما حرّم قذف المحصنات، وكل ذلك درءاً للفساد وسداً لمنافذه.

وقد احترم الإسلام الحياة، وصان حرمة النفوس، فجعل الاعتداء على النفس من أكبر الكبائر، إذ جعل من أزهق روحاً واحدة في ظُلمه وبغيه، كمن قتل الناس جميعاً، لقوله تعالى: ]أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا[ (سورة المائدة: الآية 32). ولقول الرسول r: ]إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ. قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ. قَالَ: إِنَّهُ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3954).

وكما نص الإسلام وشدّد على تحريم قتل المسلم وقتاله، نصَّ أيضاً على حرمة دم المعاهد والذمي، بل نصَّ على حرمة النفس مطلقاً، لقوله تعالى ]وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ[ (سورة الأنعام: الآية 151). فالنفس البشرية معصومة الدم، حرّم الله قتلها وصانها بحكم بشريتها، ولا يحل لمسلم الاعتداء عليها إلا دفاعاً عن دينه، أو نفسه، أو أرضه، أو عرضه، أو ماله. أي إلاّ بالحق.

ويلحق بحرمة النفس حرمة الأموال. فقد أقرّ الإسلام الملكية المشروعة للمال، وحرم الاستيلاء عليه عن طريق السرقة، بل نفى الإيمان عمن يفعل ذلك، حيث قال الرسول r ]لاَ يَسْرِقُ السَّارِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5150).  ولذا تُعَدّ السرقة من الكبائر.

أمّا في علاقة المسلم بغير المسلم، فقد قال تعالى ]لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[ (سورة الممتحنة: الآية 8). وقد رغبت الآية في برهم والإحسان إليهم، والبر كلمة جامعة لمعاني الخير والتوسع فيه، فالإسلام لا ينهى المسلم عن التعامل الراقي الواعي، مع أي إنسان على ديانة أخرى، ما دام في حالة سلم.

2. نماذج لبعض المحرمات وعلة تحريمها

إن المتأمل لعلل التحريم، يجد أنها قد شُرِعَت لصالح الإنسان ومجتمعه. فهي إمّا لجلب نفع، أو لِدَفْع ضرر. سواء علم الإنسان ذلك وأدركه، أم غاب عنه هذا العلم والإدراك، فما زال العلم يكشف كل يوم عن بعض الأسرار والمعجزات التي أشار إليها القرآن.

أ. في الأطعمة والأشربة

قال تعالى ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ[ (سورة المائدة: الآية 3).

تضمنت هذه الآية عشرة من المطاعم المحرمة، التي نص الله على حرمتها، في ضوء الآتي:

(1) الميتة: وهي الحيوان الذي مات دون أن يذكيه الإنسان، أي مات حتف أنفه ولم يقصد الإنسان صيده أو ذبحه. والعلة في تحريم أكل هذا الحيوان الميت تعود إلى الآتي:

(أ) أن يُرَبَى المسلم على القصد والنية والسعي، فهو لا يأكل إلا ما قصد إلى صيده من أجل أكله، لذلك كان ما يذكيه بذبحه داخل في هذا الباب.

(ب) موت الحيوان حتف أنفه يكون إما لعلة أو أكل نبات سام، فيؤثر ذلك على لحمه الذي، بداهة، يؤثر على صحة من يأكله.

(ج) تحريم الميتة على البشر، يتيح فرصة للحيوانات والطيور لتتغذى على هذه الميتة.

(2) الدم المسفوح: أي الدم السائل، وكان أهل الجاهلية يفصدون الحيوان ويشربون دمه، وربما مزجوه بلبن. والعلة في تحريمه أن الفصد إيذاء للحيوان، وإضعاف لقوته، فضلاً عن أنه عمل يعافه الطبع السليم ويستقذره.

(3) لحم الخنزير: إن العلة في تحريم لحم الخنزير أثبتتها التحاليل الطبية المعملية في الآتي:

(أ) احتواؤه على طفيل "الأنتديوم كولاي" المسبب للزحار، ويُصيب هذا المرض، عادة، المشتغلين بتربية الخنزير وذبحه وبيع لحمه.

(ب) الإصابة بالدودة الشريطية: طولها من 3 – 5 أمتار، وقد تبلغ ثمانية أمتار، ورأسها مستدير محمل بأشواك على خرطوم لتثبت نفسها في الأمعاء الدقيقة.

(ج) يسبب مرض "التريكينا" وذلك بالإصابة بيرقات الدودة، حيث تركز في عضلات الجسم وتؤدي إلى الوفاة غالباً في غضون أسابيع قليلة.

(د) مرض الديدان المثانية والشعرية الحلزونية.

(هـ) دهن الخنزير شديد التشبع بالكولسترول، فهو يسبب تصلب الشرايين وحصى المرارة.

(4) ما أُهِلَّ لغير الله به: أي ما ذُبح وذكر عليه غير اسم الله، كالأصنام مثلاً. فعِلَةُ التحريم هنا ليست صحية، مثل تحريم ما سبق من لحوم، بل هي دينية خالصة. لحماية التوحيد، وجعل العقائد خالصة لله تعالى.

(5) الميتة بسبب

(أ) المنخنقة: وهي الحيوان الذي يموت اختناقاً؛ سواء خنق نفسه بوثاقه، أو حشر رأسه في مكان ضيق أدى إلى موته.

(ب) الموقوذة: الحيوان الذي يُضْرَبُ ضرباً يؤدي إلى موته.

(ج) المتردية: الحيوان الذي يسقط من مكان عالٍ، أو يقع في بئر، فيكون هذا التردي سبباً في موته.

(د) النطيحة: الحيوانات التي تموت بسبب نطح حيوان آخر لها.

(هـ) ما أكل السبع: وهي الحيوانات التي افترس حيوان ضارٍ جزءاً منها، فماتت بسبب ذلك.

هذه الأنواع الخمسة من الميتة محرم أكلها ما لم تُذكى، أي ما لم يُدرك الإنسان رمقاً من الحياة فيها، فيُذكيها بذبحها، فيسيل دمها ويجري.

والعلة في تحريم هذه الأنواع من الميتة، تكمن في الآتي:

تربية الإنسان على احترام الحياة في مخلوقات الله، فلا يهمل في رعايتها حتى تخنق نفسها، أو تتردى من مكان عالٍ أو في بئر، أو ينطح بعضها بعضاً فتموت.

كما لا يجوز للإنسان ضرب الحيوان ضرباً يفضي إلى موته. فالعلة هنا فيها شئ من العقوبة للإنسان الذي لا يرعى هذه الحيوانات ولا يحافظ عليها، ولا يرأف بها؛ فلو رخص له في الاستفادة بلحمها، على الرغم من سوء تصرفه، لكان ذلك بمثابة تعويض ومكافأة له، على حين أنه عَمِل عملاً، وأتى فِعلاً يوجب عقابه لا مكافأته.

(6) أمّا ما أكل السُّبع فحرمة أكله اتضحت بمراقبة عالم الحيوان، فالسِّباع لا تفترس إلاّ الحيوانات المريضة التي لا تستطيع الهرب مثل بقية القطيع، وفي أكل السّبع لها محافظة على بيئة الغابة، على حين أن أكلها يُصيب الإنسان بالأمراض والجراثيم، التي أعجزتها عن الهرب والنجاة.

ب. الخمر

قال تعالى ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأنْصَابُ وَالأزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ[ (سورة المائدة: الآيتان 90، 91).

(1) قرن الله سبحانه وتعالى تحريم الخمر والميسر بالأنصاب[1] والأزلام[2].

(2) جعلهما رجساً، والرجس مصطلح في القرآن يطلق على أشد الأعمال فحشاً وقبحاً.

(3) جعلهما من عمل الشيطان.

(4) أمر باجتنابهما، وهو أشد أنواع المنع حتى يُسّد كل الطرق الداعية إلى سبيلهما.

(5) ختم الآية ببيان أضرارهما ومن أشدها خطراً:

الصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، لقوله تعالى: ]لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى[ (سورة النساء: الآية 43).

(6) ختام الآية الاستفهام التقريري، هو أقوى في المنع "فهل أنتم منتهون" وفيه تهديد ووعيد.

لعن رسول الله r في الْخَمْرِ عَشْرَةً: ]عَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَشَارِبَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةُ إِلَيْهِ وَسَاقِيَهَا وَبَائِعَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا وَالْمُشْتَرِي لَهَا وَالْمُشْتَرَاةُ لَهُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1216).

(7) فضلاً عن أضرارها الصحية المتمثلة في الآتي:

(أ) عدم اتزان الحركة وتلعثم النطق.

(ب) طول وقت رد الفعل العصبي، حيث لا يستطيع السكران تجنب الإصابات عند المفاجآت.

(ج) غياب الوعي وهبوط الدورة الدموية.

(د) أحاسيس غير طبيعية كالطنين بالأذنين، ورؤية اثنين للشيء الواحد.

(هـ) فقدان التحكم وضبط النفس، فيفقد السكران القدرة على تجنب الانفعالات، كما يؤدي إدمان الخمر إلى التهاب الأعصاب الطرفي، وضعف العضلات، واضمحلال المخ، والخبل والجنون والحمق، والضعف الجنسي، والتهاب القلب والرئة، وينتهي الأمر بتليف الكبد، والتهاب البنكرياس.

ج. تحريم الذهب والحرير على الرجال

عن علي كرم الله وجهه قال: ]أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ r ذَهَبًا بِيَمِينِهِ وَحَرِيرًا بِشِمَالِهِ ثُمَّ رَفَعَ بِهِمَا يَدَيْهِ فَقَالَ هَذَانِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 711).

حكمة التحريم

(1) هدف تربوي أخلاقي يرتبط بمقاصد الإسلام، الذي يصون الرجولة من مظاهر الضعف والانحلال. فطبيعة الرجل غير طبيعة المرأة، فلا يليق به أن ينافس المرأة في حليها وحريرها المناسبين لطبيعتها.

(2) هدف اجتماعي يرتبط بمقاصد الإسلام في حرب الترف عامة، لأنه مظهر للظلم الاجتماعي ومنذر بهلاك الأمم ]وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا[ (سورة الإسراء: الآية 16).

د. تحريم التشبه بغير الجنس

لأنه خروج على الفطرة، عندما يتشبه الرجال بالنساء أو تتشبه النساء بالرجال، فإذا بالرجل قد أضحى مخنثاً والمرأة مسترجلة؛ فخروج كل منهما عن فطرته وطبيعته يؤدي إلى اضطراب في وظائف المجتمع، لأن لكل من الرجل والمرأة دور يؤديه إن كان منسجماً مع فطرته وطبيعته، على حين أنه يعجز عن أدائه إن خرج عن حدود هذه الفطرة وتلك الطبيعة.

هـ. تحريم آنية الذهب والفضة

لأن الإسلام يكره الغلو والإسراف في كل شيء، كان منطقياً أن حَرَّم استعمال أواني الذهب والفضة ومفارش الحرير الخالص، على الرجال والنساء معاً. والحكمة من ذلك تطهير البيت المسلم من الترف الممقوت، وكسر قلوب الفقراء. فضلاً عن تعطيل قوة اقتصادية، لأن الذهب هو معيار قيمة العملات، كما أن في غير الذهب والفضة من أواني الزجاج والخزف والنحاس والحديد وسائر المعادن، ما يحل محلهما في الاستعمال.

وقد نهى رسول الله r عن الشرب في آنية الذهب والفضة فقال: ]هُوَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَكُمْ فِي الآخِرَةِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22285).



[1] الأنصاب: هي حجارة كان الناس في الجاهلية يذبحون قرابينهم عندها.

[2] الأزلام: هي قداح كانوا يستقسمون بها.