إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحلال والحرام









رابعاً: حكمة تشريع الحلال والحرام

رابعاً: حكمة تشريع الحلال والحرام

كتب الله على نفسه الرحمة، تفضلاً على العباد، لذلك أباح لهم كل ما هو طيب ونافع، وحرّم عليهم كل ما هو خبيث وضار. قال تعالى مبيناً سمة شريعة الإسلام ]الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ[ (سورة الأعراف: الآية 157).

ولمّا كان الإنسان هو محور التشريع، اهتمت الشريعة بتوازنه النفسي، برعاية جوانبه الثلاثة: المادي، والروحي، والعقلي، وإيجاد التوازن بينها. فيكون إشباع الجانب الرُّوحي عن طريق العبادات، وإشباع الجانب المادي عن طريق تلبية حاجات الإنسان الدنيوية، من مأكل ومشرب ومسكن، أما الجانب العقلي فيكون إشباعه عن طريق العلم. وبهذا المنهج الرباني قَنَّنَ الإسلام للإنسان ـ عن علم به من خالقه ـ ما يحقق مصلحته، وهي مصلحة لن تتحقق ما لم يدرك الإنسان، ما يتصل بالحلال والحرام، حتى يقيم توازنه النفسي على أسس سليمة، قال تعالى: ]أَلاَ يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (سورة الملك: الآية 14).

جاء الإسلام بتشريع الحلال والحرام بهدف حفظ التوازن بين هذه الجوانب، حَتَّى لا يطغى جانب على آخر. وقد أثبتت المناهج الوضعية فشلها في إسعاد الإنسانية، بسبب عجزها عن حفظ ذلك التوازن. فهي تهتم بالجانب العقلي، والمادي فقط، وتهمل الجانب الروحي، فجاءت وبالاً على المجتمعات الصناعية المتقدمة، التي قطعت في مضمار العلم أشواطاً بعيدة. فلو كان الاقتصار على العلم والجانب المادي، يحقق السعادة، لتناسبت تلك السعادة طردياً مع ما وصلت إليه تلك المجتمعات من العلم، إلا أن الواقع يكذب ذلك، وما إحصائيات الانتحار، والطلاق، والعزوف عن الزواج، ببعيدة عن الأذهان، ومرّد ذلك إلى أن تلك المجتمعات، أحلت حلالاً وحرمت حراماً، بمقياس منهجها الذي تراه صالحاً؛ وهناك فرق شاسع بين منهج الله الشامل، ومنهج البشر القاصر.

1. أنواع الحرام

الحرام نوعان: حرام لذاته، وحرام لغيره.

النوع الأول

هو ما حُكم بتحريمه، لانطوائه على مفسدة وضرر ذاتي، كقتل النفس من دون حق، والسرقة، والزنا، وشرب الخمر، وأكل الميتة، وأكل لحم الخنزير، وأكل أموال الناس ظلماً، ونحوه، مما اشتمل على ضرر يمس أصلاً من أصول العقيدة: مثل حفظ النفس، والدِين، والنسل، والعقل، والمال.

النوع الثاني

أي الحرام لغيره: فهو المُحرّم لسبب عارضٍ أو علة مؤقتة قضت بتحريمه، وإِن كان في أصله مشروعاً؛ كالصلاة في ثوب مغصوب ـ أي مأخوذ بغير وجه حق ـ والبيع الذي ينطوي على الغش أو الحيلة، أو البيع وقت النداء لصلاة الجمعة، ومتابعة الصيام ليلاً ونهاراً، وهو ما يعرف بصوم " الوصال "، وصوم يوم العيد، وزواج المُحَلِل، والبيع المشتمل على الربا، أو على شروط فاسدة، ونحوه. لأن الأصل في الصلاة والبيع والصوم والنكاح الحلّ، ما لم يفسد حِلَّه بشبهة عارضة، مثل غصب الثوب أو الربا مثلاً.

إلاّ إنّ علة التحريم، فسواءً كان التحريم لما اشتمل عليه الحرام من ضرر ذاتي أو عارض، فوجود الضرر هو علة التحريم. وقد تكون الأضرار شخصية، أو اجتماعية، أو دينية، قال تعالى: ]قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ[ (سورة الأعراف: الآية 33).

وعندما يُحرّم الإسلام أمراً، فإنه يحرّمه من كل الوجوه المتصلة به، أو المتسببة فيه، أو المُعينة عليه. فالخمرُ ـ مثلاً ـ حُرّم شربُها وبيعها وصُنعها وحملها، ودخول بيت أو مكان يُشرب فيه الخمر، وكل ذلك أوردته السنة المطهرة. فشارب الخمر آثمٌ إثمَ من يصنعها، وكذلك بائعها أو حاملها آثمٌ إثم شاربها وصانعها.

مثال آخر من الربا: فأكله حرامٌ حُرْمة شهود عقده أو كتابته؛ فالشاهد على عقد ربويّ آثم مثل آكله وكاتبه والمتعامل فيه. وكذا نفهم لِم كان الانتفاع بشحم الخنزير أو دهنه أو جلده، محرمٌ حرمة أكل لحمه، إذ العبرة ليست في تجزئة هذا الحرام، بل العبرة بالمبدأ الذي فرّق بين الحلال والحرام، في صدق وجلاء، فقال: الحرام بيّن والحلال بيّن، لذلك، كل ما يفتح باباً إلى الحرام فهو حرام.

2. جزاء مقترفي الحرام

شُرع العقاب في الإسلام لردع الناس عن اقتراف الجرائم؛ لأن النهي عن شيء أو الأمر به ـ فقط ـ لا يكفي لحمل الناس ـ في بعض المواطن ـ على إتيان شيء أو تركه. ولولا الثواب والعقاب المترتبان على الأمر والنهي، لأصبحا ضرباً من العبث. وفي الشريعة الإسلامية قاعدة ذهبية، سبقت كل القوانين البشرية، وهي: أن لا جريمة ولا عقوبة من غير نصٍّ. والحكمة من هذا المبدأ أن يكون المسلم على وعي تام بالجرائم التي يُعاقب عليها، وفقاً لمخالفته للشرع، كما يكون على وعي ـ أيضاً ـ بأنواع تلك العقوبات، قال تعالى: ]وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ[ (سورة التوبة: الآية 115). وقال تعالى: ]وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ[ (سورة الأنعام: الآية 119). فالله سبحانه لا يحكم على فرد أو جماعة بالضلالة، إلا بعد أن يبين المحظورات والمحرمات، الواجب اجتنابها؛ فإذا ارتكبوها عمداً ـ دون جهل أو نسيان أو ضرورة ـ يصبح إِيقاع العقوبة جزاءً حتماً بسبب هذه المخالفة، لذلك كان النسيان والخطأ والإكراه، من المبررات التي تُسْقط بها العقوبات. قال r: ]إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2035). لذلك لا عسف ولا خسف ولا عقاب لشخص، بعقوبة توضع بعد وقوع الجريمة، كما أنه لا تفرقة بين شخص وآخر في مقدار العقوبة، وما هذه العقوبة إلا تزكية للنفس، وطهارة لها.

3. تحليل الحرام

قال تعالى ]وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيهِ[ (سورة الأنعام: الآية 119). نصت الآية على أن حالات الاضطرار والحاجة الشديدة، تجيز ارتكاب المحظورات؛ أي الأمور المنهي شرعاً عن فعلها. وترتب على ذلك، القاعدة الفقهية "الضرورات تبيح المحظورات". والإباحة المقصودة، هي: رفع الإثم إجمالاً عمّن اضُطر إلى شيء من الحرام. وفي ذلك دليل على أن الإسلام قدّر واقع الإنسان وضعفه، ومقتضيات الحياة التي يواجهها. فكلُ مُحَّرمٍ في الإسلام، قد يُستباح فعله عند الضرورة أو الإكراه، يقول تعالى: ]مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ (سورة المائدة: الآية 6). كما يقول تعالى: ]يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الإِنْسَانُ ضَعِيفًا[ (سورة النساء: الآية 28). والأمثلة على ذلك كثيرة يُذكر منها:

أ. أكلُ الميتة: حرام لقوله تعالى ]حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَة[ُ (سورة المائدة: الآية 3)، ولكن في حالة الاضطرار يَحُل؛ فعند الجوع الشديد، الذي يُخشى منه الهلاك، أبيح للإنسان الأكل من الميتة بقدر ما يُقيم أوده، ويبقي على حياته. ويدخل في هذا الحكم، الدم ولحم الخنزير، وما في حكم الميتة.

ب. شُرب الخمر: حرام لقوله تعالى ]رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ[ (سورة المائدة: الآية 90)، ولكن قد يُباح قدر من شُرب الخمر للإبقاء على الحياة، عند الظمأ الشديد، مع تعذر وجود الماء، أو إذا غُص الإنسان باللقمة ولم يجد ماءً قريباً، فلا بأس بإساغة الغُصة بقدر ما يأمن على حياته.

ج. القتل: حرام لقوله تعالى: ]وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ[ (سورة الأنعام: الآية 151)، ولكن عند ضرورة الدفاع عن النفس فلا مناص منه. وكذلك في حالات القصاص لقوله تعالى: ]وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاأُولِي الأَلْبَابِ[ (سورة البقرة: الآية 179).

د. كشف العورة على الأجنبي: حرام ولكن عند ضرورة التداوي، أو الولادة، أو الختان يجوز ذلك للطبيب.

هـ. التلفظ بالكفر: حرام لكنه يُباح عند الإكراه عليه، بالتهديد بالقتل أو غيره، مع بقاء القلب مطمئناً بالإيمان، بدليل قوله تعالى ]مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِِيمَانِ[ (سورة النحل: الآية 106).

و. الغيبة: حرام لقوله تعالى ]وَلاَ يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا[ (سورة الحجرات: الآية 12)، ولكن تحل عند قصد المناصحة للمسلمين، ويدخل في ذلك جَرْح الشهود (أي إظهار عيب في شهادتهم أو شخصيتهم)، وتحذير المسلم، وعند التظلم في المحاكم، وطلب الفتوى، وكذلك تجوز في المبتدع المجاهر بالمعاصي. وقد استدل الأئمة على جواز ذلك كله، بقوله تعالى ]لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ[ (سورة النساء: الآية 148). وبقول رسول الله r ]بِئْسَ أَخُو الْعَشِيرَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5666)، ( لمن يجاهر بالمعاصي.

ز. إتلاف مال المسلم: يَحْرمُ مثله مثل إراقة دمه، وهما سواء في الحرمة، لقول الرسول r: ]كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3923). ولكن يَحِلُ عند الاضطرار، فمثلاً إذا أشرفت سفينة على الغرق لفرط حمولتها، فإنه يباح إِتلاف المال، بإلقاء جزء من الحمولة في البحر، لإنقاذ الركاب. والأمثلة المشابهة كثيرة، يُختار فيها أهون الضررين.

ح. قتل الصيد في الحَرَم: محرمٌ على المُحْرِم، لقوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ[ (سورة المائدة: الآية 95). ولكن يَحل للمُحْرم قتل الوحش إذا هاجمه، ويكون ذلك دفاعاً عن النفس ولا ضمان عليه، (أي لا فدية ولا جزاء) لقول الرسول r: ]خَمْسُ ‏فَوَاسِقَ يُقْتَلْنَ فِي الْحِلِّ وَالْحَرَمِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2832) ولأن الصيد بمهاجمته للإنسان يُصبح من المؤذيات الفواسق.

ومن اللطائف تأمل الحكمة في تحريم صيد البر، وعدم تحريم صيد البحر، في قوله تعالى: ]أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا[ (سورة المائدة: الآية 96)، حيث تبدو الحكمة في ذلك، خشية أن ينصرف المُحْرِم ـ مع أنه عقد نية التوجه إلى الله ـ عن قصده بالانشغال بالصيد واللهو، أو أن تصيب سهامه أو رماحه أحداً عن طريق الخطأ، وهو يرمي الصيد. أما صيد البحر، فلم يُحَرّمْ لأن حبائل الصيد فيه لا تُرمى خطأً، ولا تؤذي أحداً، ولأن البحر بعيد عن المواقيت المكانية للإحرام، فلا مجال لإصابة الناس عن طريق الخطأ بسهام أو رماح. أو أن الله أراد للأشهر الحرم أن يأمن فيها كل مخلوقاته فلا يقُطع النبات، ولا يُقتل الصيد، بل يشعر الجميع بالأمن فيها، وفي الأرض الحرام.

ط. الطواف للحائض والجنب: حرام ولكنه يجوز للحائض والجنب والمحدث في الحج للضرورة، كالاضطرار إلى السفر مع جماعة، وعلى الطائف حينئذ دم.

ي. دخول البيوت من غير إذن أهلها: حرام، لقوله تعالى ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا[ (سورة النور: الآية 27)، أي تسلموا وتلقوا التحية. إلا في حالات الضرورة، كإلقاء القبض على المفسدين المختبئين فيها، أو إطفاء حريق، وما ماثل ذلك.

ك.أكل مال اليتيم: حرام، لقوله تعالى عن اليتامى ]وَءَاتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا[ (سورة النساء: الآية 2)، وفي حالة الضرورة كالفقر مثلاً، فإنه يجوز لولي أمر اليتيم أن يأكل من مال اليتيم بالمعروف، لقوله تعالى: ]وَمَنْ كَانَ فَقِيرًا فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ[ (سورة النساء: الآية 6).

4. تحريم الحلال

إن كانت الحالات السابقة يَحِلُ فيها الحَرَامُ، عند الضرورة، فهناك حالات أخرى، يُحَرّم فيها الحلال في ظروف خاصة، نحو:

أ. الصلاة

أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي من أفضل القربات درجة، ولها في الإسلام منزلة لا تعدلها منزلة عبادة أخرى، لأنها عماد الدين، لقول رسول الله r ]رَأْسُ الأَمْرِ الإِسْلامُ وَعَمُودُهُ الصَّلاةُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2541)، وهي فرض على كل مسلم عاقل بالغ، ولكن مع ذلك فقد تُصبح حراماً في حالات خاصة، فهي: تُحرّم على الجنب، والحائض، والنفساء. كما تُحرّم نفلاً على كل مسلم في أوقات محددة، مثال ذلك عند طلوع الشمس، وعند غروبها، وعند استوائها، وذلك لحديث الرسول  عن عقبة بن عامر قال: ]ثلاثُ سَاعَاتٍ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يَنْهَانَا أَنْ نُصَلِّيَ فِيهِنَّ أَوْ أَنْ نَقْبُرَ فِيهِنَّ مَوْتَانَا: حِينَ تَطْلُعُ الشَّمْسُ بَازِغَةً حَتَّى تَرْتَفِعَ وَحِينَ يَقُومُ قَائِمُ الظَّهِيرَةِ حَتَّى تَمِيلَ الشَّمْسُ وَحِينَ تَضَيَّفُ الشَّمْسُ لِلْغُرُوبِ حَتَّى تَغْرُبَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1373). وقد روي أن النبي r قال: ]لا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الصُّبْحِ حَتَّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ وَلا صَلاةَ بَعْدَ صَلاةِ الْعَصْرِ حَتَّى تَغْرُبَ الشَّمْسُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1084). وتَحْرُم الصلاة كذلك في الثوب المغصوب، وفي الدار المغصوبة، ويَحْرُم على المسلم الصلاة في القبور، لقول رسول الله r ]اللَّهُمَّ لا تَجْعَلْ قَبْرِي وَثَنًا يُعْبَدُ، اشْتَدَّ غَضَبُ اللَّهِ عَلَى قَوْمٍ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 376).

ب. الزكاة

من أركان الإسلام، ولكن لا تجوز في المال الحرام أو المغصوب، وقد جاء الأمر الإلهي، بإخراج الطيب من المال، ونهانا الشرع عن التصدق بالخبيث، لقوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ[ (سورة البقرة: الآية 267). كما أنه لا تجوز الزكاة في شيء من الحيوانات، غير الأنعام. فلا زكاة في الخيل، ولا في البغال، ولا في الحمير، ما لم تكن للتجارة. وتُحرّم الزكاة على من لا يستحقونها، فلا يجوز إعطاء الزكاة للكفرة والملاحدة، لقول الرسول r ]تُؤخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُ عَلَى فُقَرَائِهِمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4000). والمقصود بهم أغنياء المسلمين وفقراؤهم، دون غيرهم. وكذلك يحرّم على المُزكِّي إعطاء الزكاة لمن يعولهم كالآباء والأبناء. ويحرّم على المرأة التصدق بمال زوجها من دون عِلمه، لقول الرسول r ]لاَ تُنْفِقُ امْرَأَةٌ شَيْئًا مِنْ بَيْتِ زَوْجِهَا إِلاَّ بِإِذْنِ زَوْجِهَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 606).

ج. الصوم

ويلحق بالصلاة والزكاة الصوم، فهو ـ أيضاً ـ من أركان الإسلام، ومن أفضل ما يتقرب به العبد إلى ربه، ولكن يَحْرُم على الحائض والنفساء، فلا يحل لهما الصوم. وكذلك يحرّم على المريض الذي يخشى الهلاك، أو تلف عضو من أعضائه، كالمصابين بالقرحة مثلاً، ويحرم كذلك بإجماع العلماء، صوم يومي العيدين، سواء كان الصوم فرضاً أو تطوعاً. كما يكره أيضاً صوم يوم الشك ـ قبل إعلان دخول شهر رمضان ـ وصوم يوم عرفة أيام التشريق للحاج، (وهي الأيام الثلاثة التي تلي عيد النحر)، ويكره صوم الجمعة منفرداً، أو صوم السبت منفرداً، ويحرّم صيام الدهر لقول الرسول r ]لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأَبَد[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1841) كما يُحرّم صوم المرأة في غير رمضان، إلا بإذن زوجها.

د. الحج

ركن من أركان الإسلام، ولكن لا يجوز من المال الحرام، بل يأثم فاعله عند أكثر العلماء، لِما جاء في الحديث الصحيح ]إِنَّ الله طَيِّبٌ لا يَقْبَل إِلاَّ طَيِّباً[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1686).

هـ. قراءة القرآن والطواف

من العبادات المفروضة، ولكن يَحْرُم على الحائض والنفساء والجنب مس المصحف، كما يَحْرُم عليهن الطواف، والمكث في المسجد، لقول الرسول r ]إِنَّ الْمَسْجِدَ لاَ يَحِلُّ لِجُنُبٍ وَلاَ لِحَائِضٍ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 637).

و. الاستغفار

من الأذكار المستحبة، ومن الدعاء الواجب، ولكن يُحَرّم على المسلم الاستغفار لمشرك، حتى ولو كان من أهل بيته، لقوله تعالى: ]مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى[ (سورة التوبة: الآية 113).

ز. العلاقة الزوجية

مشروعة، بل ورد في الحديث ]وَفِي بُضْعِ أَحَدِكُمْ صَدَقَةٌ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 20508) ولكنها تحرّم في الحيض والنفاس، لقوله تعالى: ]فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ[ (سورة البقرة: الآية 222). وكذلك على المُحْرِم قبل تحلله من إحرامه.

ح. الزواج

رغّبت فيه الشريعة بصور متعددة، ولكن منه ما هو حرام؛ كزواج المتعة، لقول علي t إِن النّبي نَهَى عن مُتْعَةَ النِّسَاءِ يَوْمَ خَيْبَرَ. ويحرم زواج الشغار، لقول الرسول r ]لا شِغَارَ فِي الإِسْلامِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 6731). (الشغار: أن يقول الرجل للرجل: زوجني ابنتك أو أختك، على أن أزوجك ابنتي أو أختي، وليس بينهما صداق ).

وهناك نساء يَحْرُم الزواج بهن حرمة مؤبدة، ومن أسبابها النسب والمصاهرة والرضاع، وهناك حُرْمةٌ مؤقتة، كالجمع بين المَحْرَمين، مثل الجمع بين الأختين، أو المرأة وعمتها، ويُحَرّم زواج المرأة في عدتها (أي قبل تمام أربعة أشهر وعشرة أيام من موت زوجها). وكذلك من الحرمة المؤقتة، زواج المشركة، فهو حرام مؤقتاً باتفاق العلماء، لقوله تعالى: ]وَلاَ تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ[ (سورة البقرة: الآية 221). كما يحرّم على الرجل أن يجمع في عصمته أكثر من أربع زوجات في وقت واحد، فضلاً عن زواج الرجل ابنته أو أخته، لأن الرجل لو نظر بشهوة إلى ابنته، أو أخته، لتحولت المنازل إلى غابات، والناس إلى وحوش، إلاّ أن علمه بأن ابنته أو أخته محرّمة عليه، يجعله يسقط حس الشهوة في نظره إليها، فتبقى للبيوت عفتها وطهرها. ولا تخفى الحكمة الإلهية في المحرمات من النساء، وهن:

زوجة الأب، والأم والجدة، والبنت، وبنت الابن أو البنت، والأخت ( شقيقة أو لأب أو أم ) والعمة والخالة، وبنات الأخت والأخ.

فهؤلاء النسوة من ذوات الرحم يسّمين في الإسلام "المحارم"، لأنهن محرمات حرمة أبدية، فلا يحلّ زواجهن على المسلم في وقت من الأوقات ولا بحالٍ من الأحوال، لذلك يُسمى الرجل (مَحْرماً) بالنسبة إليهن. وتبدو هذه الحكمة الإلهية في تحريم الزواج بهؤلاء النسوة في ضوء الآتي:

(1) إن فطرة الإنسان تَعُف عن الاشتهاء الجنسي لأمه أو أخته أو بنته، وكذلك شعوره نحو عمته أو خالته التي هي بمنزلة الوالد أو الأم. فإن كانت بعض الحيوانات ترقى غرائزها عن الإشباع الجنسي بأمهاتها وأخواتها، فالإنسان أحق بذلك، إذن فهذا التحريم يتفق تماماً مع الفطرة السليمة التي خُلق الإنسان عليها.

(2) إن ما يتاح من الاختلاط والقرب الشديد، وعدم الريبة والشكوك بين المَحْرم وقريباته، أدعى إلى وجود هذه الحرمة حتى يتوافر للبيوت حرمتها وأمنها. فمن يعلم أن أمه وبنته وأخته محرمة عليه، فهو أصلاً لن ينظر إليها نظرة ذات شهوة، وبذلك يتحقق للمجتمع وأُسره عفة ومودة وحنان، ليس مصدرها الشهوة أو الجنس، بل المسؤولية والواجب والاحترام.

(3) ثبت طبياً أن النسل من ذوي القرابة الشديدة يغلب عليه الضعف والمرض، لأن الفصيلة إن كان بها عيوب انتقلت وتركزت بين الأقارب، وقد عرف العرب هذه الحقيقة منذ القدم فأوصوا بزواج الأبعاد طلباً لسلامة النسل وقوته.

(4) لا تخلو الحياة الزوجية من خصام وشقاق قد يؤدي إلى الطلاق والانفصال، فكيف يكون حال من يطلق أخته أو ابنته، على حين أنه مطالب بحمايتها وتحقيق الاستقرار في حياتها. بل إنها لتجد في منزله مستقرها، إن ضاقت بها الحياة في بيت زوجها.

(5) ومما زاده الإسلام على المحرمات بالمصاهرة أم الزوجة، لأنها تصبح للزوج بمنزلة أمه، ومثلها بنت الزوجة التي يربيها الزوج إن كان دخل بأمها، فتصبح ابنتها مثل ابنته، أما إن لم يكن دخل بأمها فله أن يتزوج البنت؛ وكذلك زوجة الابن من الصّلب وليس الابن المتبنى، فتصبح أيضاً مثل ابنته. ومما حّرمه الإسلام ـ وكانت الجاهلية تفعله ـ الجمع بين الأختين، لأن رابطة الحب الأخوي أمرٌ يحرص الإسلام عليه، ويريد دوامه، ولا يرغب في أن تتعرض هذه الرابطة إلى ما يهزها، حين تصبح الأخت ضرة لأختها.

ط. الطلاق

وإن كان أبغض الحلال، إلا أنه يُصبح حراماً أحياناً، وذلك هو الطلاق البدعي، أي المخالف للشرع، كأن يطلقها ثلاثاً بكلمة واحدة، أو ثلاثاً متفرقات في مجلس واحد، أو يطلقها في حيض أو نفاس أو في طهر جامعها فيه، وقد أجمع العلماء على أن هذا النوع من الطلاق حرام.

ي. الصيد

حلال، ولكن يَحْرُم على المُحْرِم أن يصطاد في الحرم، كما يُحرّم عليه المباحات المطلوبة، مثل عقد النكاح لنفسه أو لغيره، ومثل تقليم الأظافر، وقص الشعر الزائد.

هنالك الكثير مما لا يقع تحت الحصر من ألوان الحلال والحرام، وما ذكر ما هو إلا غيض من فيض هذا الباب الواسع. وعموماً، يمكن القول إن القصد من الحِلّ والتحريم هو تجنب الضرر، ولذا يتصف "الحلال والحرام" في الإسلام بثبات معياره، واطراده. أما إباحة ما أبيح من الحرام عند الضرورة، فيدل على سماحة الإسلام ويسره، وحقيقة قوله تعالى: ]يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[ (سورة البقرة: الآية 185). ولمّا كان الأصل في الأشياء الحل لقوله تعالى: ]هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعاً[ (سورة البقرة: الآية 29). فإن ما حُرِّم من الحلال لسبب عارض، فإن حرمته تزول بزوال السبب. وعلى المسلم أن يحتاط في أمر الحلال والحرام خاصة، لقول الرسول r ]دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2442). ويترتب على هذا أن يتجنب المسلم، أولاً ما حرمه الله ورسوله r، أو ما نهى عنه الله ورسوله r، قبل أن يفعل ما أمر به، لأن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وما حرّم الإسلام شيئاً إلا أحل خيراً منه.