إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحسد









المصادر المراجع

ملحق

الحسد

1. تفسير الآيات التي ورد ذكر الحسد فيها

أ. قال الرازي في تفسير الآية الثانية

المسألة الأولى: المعنى بل يحسدون الناس.

المسألة الثانية: في المراد بلفظ «الناس» قولان:

·   الأول: وهو قول ابن عباس والأكثرين أن المراد بذلك محمد r، وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لأنه اجتمع عنده من خصال الخير ما لا يحصل إلا متفرقا في الجمع العظيم، ومن هذا يقال: فلان أمة وحده، أي يقوم مقام أمة، قال تعالى: ]إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا[ (سورة النحل: الآية 120).

·   والقول الثاني: المراد هاهنا هو الرسول ومن معه من المؤمنين، وقال من ذهب إلى هذا القول: أن لفظ الناس جمع، فحمله على الجمع أولى من حمله على المفرد.

واعلم أنه إنما حسن ذكر الناس لارادة طائفة معينة من الناس، لأن المقصود من الخلق إنما هو القيام بالعبودية، كما قال تعالى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ (سورة الذاريات: الآية 56). فلما كان القائمون بهذا المقصود ليس إلا محمدا r ومن كان على دينه كان وهو وأصحابه كأنهم كل الناس، فلهذا حسن إطلاق لفظ الناس وإرادتهم على التعيين:

المسألة الثالثة: يظهر أن الفضل الذي لأجله صار النبي r محسوداً هو النبوة والكرامة الحاصلة بسببها في الدين والدنيا. فالحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة، فكلما كانت فضيلة الإنسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم، ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين، ثم انه تعالى أعطاها لمحمد r، وضم إليها انه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصاراً وأعواناً وكل ذلك مما يوجب الحسد العظيم.

واعلم أنه تعالى لما بين أن كثرة نعم الله عليه صارت سبباً لحسد هؤلاء اليهود بين ما يدفع ذلك فقال: ]فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وآتَيْنَاهُمْ مُلْكًا عَظِيمًا[ (سورة النساء: الآية 54). والمعنى أنه حصل في أولاد إبراهيم جماعة كثيرون جمعوا بين النبوة والملك، وأنتم لا تتعجبون من ذلك ولا تحسدونه، فلم تتعجبون من حال محمد ولم تحسدونه؟.

ب. قال الرازي في تفسير الآية الثالثة: "اعلم أن هذا هو النوع الثالث من كيد اليهود مع المسلمين، وذلك لأنه روي أن فنحاص ابن عازوراء، وزيد بن قيس ونفراً من اليهود قالوا لحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر بعد وقعة أحد: ألم تروا ما أصابكم، ولو كنتم على الحق لما هُزمتم، فارجعوا إلى ديننا فهو خير لكم وأفضل ونحن أهدى منكم سبيلاً، فقال عمار: كيف نقض العهد فيكم؟ قالوا: شديد، قال: فإني قد عاهدت أني لا أكفر بمحمد ما عشت، فقالت اليهود: أما هذا فقد صبأ، وقال حذيفة: وأما أنا فقد رضيت بالله رباً وبالإسلام ديناً وبالقرآن إماما  وبالكعبة قبلة وبالمؤمنين إخواناً، ثم أتيا رسول الله r وأخبراه فقال: أصبتما خيراً وأفلحتما، فنزلت هذه الآية.

ج. قال الرازي في تفسير الآية الرابعة: "ثم قال تعالى: ]سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلَى مَغَانِمَ لِتَأْخُذُوهَا ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ[ (سورة الفتح: الآية 15). أوضح الله كذبهم بهذا حيث كانوا عندما يكون السير إلى مغانم يتوقعونها يقولون من تلقاء أنفسهم ]ذَرُونَا نَتَّبِعْكُمْ[ فإذا كان أموالهم وأهلوهم شغلتهم يوم دعوتكم إياهم إلى أهل مكة، فما بالهم لا يشتغلون بأموالهم يوم الغنيمة، والمراد من المغانم مغانم أهل خيبر وفتحها وغنم المسلمون ولم يكن معهم إلا من كان معه في المدينة، وفي قوله  سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ  وعد المبايعين الموافقين بالغنيمة والمتخلفين المخالفين بالحرمان.

د. وقوله تعالى: ]يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلاَمَ اللَّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونَا كَذَلِكُمْ قَالَ اللَّهُ مِنْ قَبْلُ[ (سورة الفتح: الآية 15). يحتمل وجوهاً أحدها: هو ما قال الله إن غنيمة خيبر لمن شهد الحديبية وعاهد بها لا غير وهو الأشهر عند المفسرين، والأظهر نظراً إلى قوله تعالى: كذلكم قال الله من قبل  ، ثانيها: يريدون أن يبدلوا كلام الله وهو قوله ]وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ[ (سورة الفتح: الآية 6). وذلك لأنهم لو اتبعوكم لكانوا في حكم بيعة أهل الرضوان الموعودين  بالغنيمة فيكونون من الذين رضي الله عنهم كما قال تعالى: ]لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ[ (سورة الفتح: الآية 18). فلا يكونون من الذين غضب الله عليهم فيلزم تبديل كلام الله ثالثها: هو أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تخلف القوم أطلعه الله على باطنهم وأظهر له نفاقهم وأنه يريد أن يعاقبهم وقال للنبي r ]فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا[ (سورة التوبة: الآية 83). فأرادوا أن يبدلوا ذلك الكلام بالخروج معه، لا يقال فالآية التي ذكرتم واردة في غزوة تبوك لا في هذه الواقعة، لأنا نقول قد وجد ههنا بقوله "لن تتبعونا" على صيغة النفي بدلاً عن قوله: لا تتبعونا، على صيغة النهي معنى لطيف وهو أن النبي r بنى على إخبار الله تعالى عنهم النفي لوثوقه وقطعه بصدقه فجزم وقال:  لن تتبعونا  يعني لو أذنتكم ولو أردتم واخترتم لا يتم لكم ذلك لما أخبر الله تعالى.  ثم قال تعالى: فسيقولون بل تحسدوننا  .  رداً على قوله تعالى: كذلكم قال الله من قبل  كأنهم قالوا: ما قال الله كذلك من قبل، بل تحسدوننا، وبل للاضراب والمضروب عنه محذوف في  الموضعين، أما ههنا فهو بتقدير ما قال الله وكذلك، فإن قيل بماذا كان الحسد في اعتقادهم؟ نقول كأنهم قالوا نحن كنا مصيبين في عدم الخروج حيث رجعوا من الحديبية من غير حاصل ونحن استرحنا، فإن خرجنا معهم ويكون فيه غنيمة يقولون هم غنموا معنا ولم يتعبـوا معنا.  ثم  قـال تعالى رداً عليهـم كمـا ردوا ]بَلْ كَانُوا لاَ يَفْقَهُونَ إِلاَّ قَلِيلاً[ (سورة الفتح: الآية 15). أي لم يفقهوا من قولك لا تخرجوا إلا ظاهر النهي ولم يفهموا من حكمه إلا قليلاً فحملوه على ما أرادوه وعللوه بالحسد