إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحسد









المصادر المراجع

ثالثا: أسباب الحسد

1. أسباب الحسد

أسباب الحسد سبعة هي:

العداوة، والتعزز، والكبر، والتعجب، والخوف من فوت المقاصد المحبوبة، وحب الرياسة، وخبث النفس وبخلها؛ فان الحاسد إنما يكره النعمة على غيره لأسباب:

أ. إما لأنه عدوه، لكونه مبغضاً له بسبب إساءته إليه أو إلى من يحبه.

ب. وإما أن يكون من حيث يعلم أنه يستكبر عليه بالنعمة، وهو لا يطيق احتمال كبره وتفاخره لعزة نفسه، وهو المراد بالتعزز.

ج. وأما أن يكون في طبع الحاسد أن يتكبر على المحسود، وممتنع ذلك عليه لنعمته. وهو المراد بالتكبر.

د. وإما أن تكون النعمة عظيمة، والمنصب عظيما، فيتعجب من فوز مثله بمثل تلك النعمة، وهو المراد بالتعجب.

هـ. وإما أن يخاف من فوات مقاصده بسبب نعمته، بأن يتوصل بها إلى مزاحمته في أغراضه.

و. وإما أن يكون يحب الرياسة التي تبنى على الاختصاص بنعمة لا يساوى فيها.

ز. وإما ألاَّ يكون بسبب من هذه الأسباب، بل لخبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى.

2. شرح مختصر لأسباب الحسد

أ. العداوة والبغضاء

وهذا أشد أسباب الحسد، فإن من آذاه شخص بسبب من الأسباب، وخالفه في غرض بوجه من الوجوه، أبغضه قلبه، وغضب عليه، ورسخ في نفسه الحقد. والحقد يقتضي التشفي والانتقام. فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه، أحب أن يتشفى منه غيره. وربما يظن أن ذلك دليل على كرامة نفسه عند الله تعالى: فمهما أصابت عدوه بلية فرح بها، وظنها مكافأة له من جهة الله على بغضه، وأنها لأجله. ومهما أصابته نعمة، ساءه ذلك؛ لأنه ضد مراده. وربما يخطر له أنه لا منزلة له عند الله، حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه، بل أنعم عليه. وبالجملة فالحسد يلزم البغض والعداوة ولا يفارقهما. وإنما غاية التقي أن لا يبغي، وأن يكره ذلك من نفسه. فأما أن يبغض إنساناً ثم يستوي عنده مسرته ومساءته، فهذا غير ممكن. وهذا مما وصف الله تعالى الكفار به من الحسد بالعداوة. إذ قال تعالى: ]وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا ءَامَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ (119) إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لاَ يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ[ (سورة آل عمران: الآيتان 119، 120). وكذلك قال تعالى: ]وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر[ (سورة آل عمران: الآية 118). والحسد بسبب البغض ربما يفضي إلى التنازع والتقاتل، واستغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل، والسعاية، وهتك السر، وما يجري مجراه.

ب. التعزز

وهو أن يثقل عليه أن يُرفع عليه غيره. فإذا أصاب بعض أمثاله ولاية، أو علماً، أو مالاً، خاف أن يتكبر عليه، وهو لا يطيق تكبره، ولا تسمح نفسه باحتمال صلفه وتفاخره عليه، وليس من غرضه أن يتكبر، بل غرضه أن يدفع كبره فإنه قد رضي بمساواته مثلا، ولكن لا يرضى بالترفع عليه.

ج. الكبر

وهو أن يكون في طبع الحاسد أن يتكبر على المحسود، ويستصغره ويستحقره، ويترفع من الانقياد له، والمتابعة في أغراضه. فإذا نال المحسود نعمة، خاف الحاسد أن يعود المحسود متكبراً بعد أن كان متكبراً عليه. ومن التكبر والتعزز كان حسد أكثر الكفار لرسول الله r، إذ قالوا كيف يتقدم علينا غلام يتيم  فقالوا ]وَقَالُوا لَوْلاَ نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ[ (سورة الزخرف: الآية 31). أي كان لا يثقل علينا أن نتواضع له، ونتبعه إذا كان عظيما. وقال تعالى يصف قول قريش ]أَهَؤُلاَءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا[ (سورة الأنعام: الآية 53). كالاستحقار لهم والأنفة منهم.

د. التعجب

كما أخبر الله تعالى عن الأمم السالفة، إذ قالوا لأنبيائهم ]مَا أَنْتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِثْلُنَا[ (سورة يس: الآية 15). وقالوا ]وَلَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَرًا مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذًا لَخَاسِرُونَ[ (سورة المؤمنون: الآية 34). فتعجبوا من أن يفوز برتبة الرسالة، والوحي، والقرب من الله تعالى، بشر مثلهم. فحسدوهم، وأحبوا زوال النبوة عنهم، جزعا أن يفضل عليهم من هو مثلهم في الخلقة، لا عن قصد تكبر، وطلب رياسة، وتقدم عداوة، أو سبب آخر من سائر الأسباب وقالوا متعجبين ]أَبَعَثَ اللَّهُ بَشَرًا رَسُولاً[ (سورة الإسراء: الآية 94). وقالوا ]لَوْلاَ أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلاَئِكَة[ (سورة الفرقان: الآية 21). وقال تعالى: ]أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ[ (سورة الأعراف: الآية 63).

هـ. الخوف من فوت المقاصد

وذلك يختص بمتزاحمين على هدف واحد. فإن كل واحد يحسد صاحبه في كل نعمة تكون عوناً له في الانفراد بهذا الهدف. ومن هذا الجنس تحاسد الضرات في التزاحم على مقاصد الزوجية، وتحاسد الأخوة في التزاحم على نيل المنزلة في قلب الأبوين، للتوصل بذلك إلى المال والجاه. وكذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة، إذا كان غرضهما نيل المال بالقبول عندهم ونحو ذلك.

و. حب الرياسة، وطلب الجاه لنفسه

من غير توصل به إلى هدف وذلك كالرجل الذي يريد أن يكون عديم النظير في فن من الفنون، إذا غلب عليه حب الثناء، وأصابه الفرح بما يمدح به من أنه واحد الدهر وفريد العصر في فنه، وأنه لا نظير له، فإنه لو سمع بنظير له في  أقصى العالم لساءه ذلك. وأحب موته، أو زوال النعمة عنه، التي بها يشاركه في المنزلة، من شجاعة، أو علم، أو عبادة، أو صناعة، أو جمال، أو ثروة أو غير ذلك مما يتفرد هو به، ويفرح بسبب تفرده. وليس السبب في هذا عداوة، ولا تعززاً، ولا تكبراً على المحسود، ولا خوفا من فوات مقصود، سوى محض الرياسة بدعوى الانفراد. وهذا ما يقع بين بعض العلماء من طلب الجاه والمنزلة في قلوب الناس، للتوصل إلى مقاصد سوى الرياسة. وقد كان علماء اليهود ينكرون معرفة رسول الله r ولا يؤمنون به، خيفة من أن تبطل رياستهم وإتباع الناس لهم.

ز. خبث النفس وشحها بالخير لعباد الله تعالى

فإنه يوجد من لا يشتغل برياسة، وتكبر، ولا طلب مال، إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد الله تعالى، فيما أنعم به عليه، يشق ذلك عليه. وإذا وصف له اضطراب أمور الناس، وإدبارهم، وفوات مقاصدهم، وتنغص عيشهم، فرح به. فهو أبداً يحب الإدبار لغيره، ويبخل بنعمة الله على عباده، كأنهم يأخذون ذلك من ماله. ويقال البخيل من يبخل بمال نفسه، والشحيح هو الذي يبخل بمال غيره. فهذا يبخل بنعمة الله تعالى. على عباده الذين ليس بينه وبينهم عداوة ولا رابطة. وهذا ليس له سبب ظاهر إلا خبث في النفوس، ورذالة في الطبع، عليه وقعت الجبلة، ومعالجته شديدة. لأن الحسد الثابت بسائر الأسباب، أسبابه عارضة يتصور زوالها، فيطمع في إزالتها. أما هذا الحسد فليس له سبب عارض لذلك تصعب إزالته، إذ يستحيل في العادة إزالته.

فهذه هي أسباب الحسد، وقد يجتمع بعض هذه الأسباب، أو أكثرها، أو جميعها في شخص واحد، فيعظم فيه الحسد بذلك، ويقوى قوة لا يقدر معها على الإخفاء والمجاملة، بل ينتهك حجاب المجاملة، وتظهر العداوة بالمكاشفة وأكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب. وقلما يتجرد سبب واحد منها.

أما المنافسة، فسببها حب ما فيه المنافسة. فإن كان ذلك أمراً دينياً، فسببه حب الله تعالى وحب طاعته. وإن كان دنيوياً، فسببه حب مباحات الدنيا والتنعم فيها.

3. السبب في كثرة الحسد بين أنواع من الناس

الشجاعُ يحسد الشجاعُ ولا يحسد العالم، لأن مقصده أن يذكر بالشجاعة ويشتهر بها، وينفرد بهذه الخصلة، ولا يزاحمه العالم على هذا الغرض. وكذلك يحسد العالِمُ العالِمَ، ولا يحسد الشجاع، ثم حسد الواعظِ للواعظِ أكثر من حسده للفقيه والطبيب؛ لأن التزاحم بينهما على مقصود واحد أخص.

فأصل هذه المحاسدات العداوة، وأصل العداوة التزاحم بينهما على غرض واحد، والغرض لواحد لا يجمع متباعدين بل متناسبين، فلذلك يكثر الحسد بينهما. نعم من اشتد حرصه على الجاه، أحب الصيت في جميع أطراف العالم بما هو فيه، فإنه يحسد كل من هو في العالم، وإن بعد، ممن يساهمه في الخصلة التي يتفاخر بها.

ومنشأ جميع ذلك حب الدنيا، فان الدنيا هي التي تضيق على المزاحمين. أما الآخرة فلا ضيق فيها. وإنما مثال الآخرة نعمة العلم، فإن من يحب معرفة الله تعالى، ومعرفة صفاته، وملائكته، أنبيائه، وملكوت سمواته وأرضه، لا يحسد غيره إذا عرف ذلك أيضا، لأن المعرفة لا تضيق بالعارفين إذا أريد بها الحق ومرضاة الله، بل المعلوم الواحد يعلمه ألف ألف عالم، ويفرح بمعرفته، ويلتذ به، ولا تنقص لذة ولا تنقص لذته بمشاركة غيره، بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس، وثمرة الاستفادة ولا يحصل بين علماء الدين محاسدة.

أمّا إذا قصد العلماء بالعلم المال، والجاه، تحاسدوا؛ لأن المال أعيان وأجسام، إذا وقعت في يد واحد خلت عنها يد الأخر. ومعنى الجاه ملك القلوب. ومهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم، انصرف عن تعظيم الآخر، أو نقص عنه لا محالة، فيكون ذلك سبباً للمحاسدة وإذا امتلأ قلب الفرح بمعرفة الله تعالى لم يمنع ذلك أن يمتلىء قلب غيره بها، وأن يفرح بذلك. والفرق بين العلم المال، أن المال لا يحل في يد ما لم يرتحل عن اليد الأخرى. والعلم في قلب العالم مستقر، ويحل في قلب غيره بتعليمه، من غير أن يرتحل من قلبه.