إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحسد









المصادر المراجع

رابعاً: علاج الحسد

الحسد له علاجان علمي وعملي.

1. أمَّا العلاج العلمي

فهو أن يعلم الحاسد أن الحسد ضرر عليه في الدين والدنيا وأنه لن يضر محسوده ديناً ولا دنيا.

أ. أمَّا كونه ضرراً في الدين؛ فهو أن الحاسد بحسده قد سخط قضاء الله تعالى، وكره نعمته التي قسمها بين عباده، وعدله الذي أقامه في ملكه بمقتضى حكمته، فاستنكر ذلك واستبشعه. وهذه خبائث في القلب، تأكل حسنات القلب كما تأكل النار الحطب، وتمحوها كما يمحو الليل النهار.

ب. وأمَّا كونه ضرراً على الحاسد في الدنيا، فهو أن الحاسد يتألم بحسده في الدنيا، أو يتعذب به ولا يزال في كمد وغم، فلا يزال يتعذب بكل نعمه لأعدائه، ويتألم بكل بلية تنصرف عنهم، فيبقى مغموماً، محروماً، متشعب القلب، ضيق الصدر، قد نزل به ما يشتهيه الأعداء له، ويشتهيه لأعدائه، فقد كان يريد المحنة لعدوه، ومع هذا فلا تزول النعمة عن المحسود بحسده. ولو لم يكن يؤمن بالبعث والحساب، لكان مقتضى الفطنة، إن كان عاقلاً، أن يحذر من الحسد لما فيه من ألم القلب ومساءته، مع عدم النفع. فكيف وهو عالم بما في الحسد من التحريم.

ج. وأمَّا أنه لا ضرر على المحسود في دينه ودنياه فواضح. لأن النعمة لا تزول عنه بحسد الحاسد بل ما قدره الله تعالى من إقبال وإدبار نعمة، فلا بد أن يدوم إلى أجل معلوم، حسب قدره الله سبحانه، فلا حيله في دفعه. بل كل شيء عنده بمقدار، ولكل أجل كتاب.  

د. وأمَّا أن المحسود ينتفع بالحسد في الدين والدنيا، فواضح. أما منفعته في الدين، فهو أنه مظلوم من الحاسد، لا سيما إذا أخرج الحسد الحاسد إلى القول والفعل، بالغيبة، والقدح فيه، وهتك ستره، وذكر مساوئه، فهذه هدايا يهديها الحاسد إليه؛ لأن ذلك لا يكون إلا بشيء من حسناته كما في حديث المفلس، عن أبي هريرة أن رسول الله r قال: ]أتدرون ما المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع. فقال: إن المفلس من أمتي يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة ويأتي قد شتم هذا وقذف هذا وأكل مال هذا وسفك دم هذا وضرب هذا فيعطى هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار[ (مسلم، كتاب البر والصلة والآداب: الحديث الرقم 4678).

هـ. وأما منفعته في الدنيا، فهو أن أهم أغراض الحسد مساءة الأعداء، وغمهم، وشقاوتهم، وكونهم معذبين، مغمومين، ولا عذاب أشد مما الحاسد فيه من ألم الحسد. وغاية أماني أعداء الحاسد، أن يكونوا في نعمة، وان يكون الحاسد في غم وحسرة بسببهم. وقد فعل الحاسد بنفسه ما هو مرادهم.

فإذا تأمل هذا، عرف أنه عدو نفسه، وصديق عدوه، إذ تعاطى ما تضرر به في الدنيا والآخرة، وانتفع به عدوه في الدنيا والآخرة، وصار مذموماً عند الخالق والخلائق، شقيا في الحال والمآل، ونعمة المحسود دائمة، شاء الحاسد أم أبى، ثم لم يقتصر الحاسد على تحصيل مراد عدوه، حتى وصل إلى إدخال أعظم سرور على إبليس الذي هو أعدى أعدائه، لأنه لما رأى الحاسد محروماً من نعمة العلم، والورع، والجاه، والمال، الذي أختص به عدوه عنه، خاف أن يحب الحاسد ذلك له، فيشاركه في الثواب بسبب المحبة؛ لأن من أحب الخير للمسلمين كان شريكاً في الخير، ومن فاته اللحاق بدرجة الأكابر في الدين لم يفته ثواب الحب لهم مهما أحب ذلك. فخاف إبليس أن يحب الحاسد ما أنعم الله به على عبده من صلاح دينه ودنياه، فيفوز بثواب الحب، فبغّضه إليه. وقد ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r‏ ‏‏فَقَالَ: الرَّجُلُ يُحِبُّ الْقَوْمَ وَلَمَّا يَلْحَقْ بِهِمْ فَقَالَ ‏ ‏الْمَرْءُ مَعَ مَنْ أَحَبَّ[ (مسند أحمد: الحديث الرقم 18676)، عَنْ ‏‏أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ]‏أَنَّ ‏‏رَجُلًا ‏ ‏سَأَلَ النَّبِيَّ r‏ ‏مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَال َr: مَا أَعْدَدْتَ لَهَا؟ فَقَالَ مَا أَعْدَدْتُ لَهَا مِنْ كَثِيرِ صَلَاةٍ وَلَا صَوْمٍ وَلَا ‏ ‏صَدَقَةٍ ‏إِلَّا أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، فَقَالَ r أَنْتَ مَعَ مَنْ أَحْبَبْتَ[ (مسند أحمد: الحديث الرقم 12301)، قال أنس: فما فرح المسلمون بعد إسلامهم كفرحهم يومئذ. إشارة إلى أن أكبر بغيتهم كانت حب الله ورسوله. وقال رجل لعمر بن عبدالعزيز، إنه كان يقال إن استطعت أن تكون عالماً فكن عالماً فإن لم تستطع أن تكون عالماً فكن متعلماً، فإن لم تستطع أن تكون متعلماً فأحبهم فإن لم تستطع فلا تبغضهم. فقال سبحان الله، لقد جعل الله لنا مخرجاً. فلينظر المسلم الآن كيف حسد إبليس الحاسد، ففوت عليه ثواب الحب، ثم لم يقنع به حتى بغض إليه أخاه، وحمله على الكراهة، حتى أثم.

ويكفي الإثم الموجود في الحسد، إضافة إلى ما يصاحب هذا الحسد من الاختلاف، وجحود الحق، وإطلاق اللسان واليد بالفواحش في التشفي من الأعداء، وهو الداء الذي فيه هلك الأمم السالفة.

فهذه هي الأدوية العلمية، فمهما تفكر الإنسان فيها بذهن صاف، وقلب حاضر، انطفأت نار الحسد من قلبه، وعلم أنه مهلك نفسه، ومفرح عدوه، ومسخط ربه، ومنغص عيشه.

2. العلاج العملي

العلاج العملي يتم بأن يحاول الحاسد أن يعرف ما يأمره به الحسد من قول وفعل؛ فيلزم نفسه بأن يكلف نفسه نقيض. فإن دفعه الحسد على القدح في محسوده، كلف لسانه المدح له، والثناء عليه. وإن حمله على التكبر عليه، ألزم نفسه التواضع له، والاعتذار إليه. فإذا فعل ذلك عن تكلف، وعرفه المحسود، طاب قلبه وأحبه. وإذا ظهر حب المحسود للحاسد، عاد الحاسد فأحبه، وتولد من ذلك الموافقة التي تقطع مادة الحسد؛ لأن التواضع، والثناء، والمدح، وإظهار السرور بالنعمة يستجلب قلب المنعم عليه. ويسترقه، ويستعطفه، ويحمله على مقابلة ذلك بالإحسان. وعندئذ يعود الإحسان إليه، فيطيب قلبه، وتصفو نفسه، ويتطبع بالذي هو خير.

ولا ينبغي أن يصده عن ذلك قول الشيطان له، أنه لو تواضع وأثنى على المحسود، كان هذا عجزاً منه، دفعه إليه النفاق أو الخوف، وان ذلك مذلة ومهانة. وذلك من خدع الشيطان ومكايده. بل المجاملة تكلفاً كانت أو طبعاً، تكسر سورة العداوة، من الجانبين، وتعَّود القلوب التآلف والتحاب، وبذلك تستريح القلوب من ألم الحسد، وغم التباغض.

فهذه هي أدوية الحسد، إلا أنها -كما يقول الغزالي- مُرَّة على القلوب جداً. ولكن النفع في الدواء المر؛ فمن لم يصبر على مرارة الدواء، لم ينل حلاوة الشفاء.

3. القدر الواجب في نفي الحسد عن القلب

ذهب بعض العلماء إلى انه لا يأثم الحاسد إذا لم يظهر الحسد على جوارحه؛ لما روي عن الحسن، أنه سئل عن الحسد فقال: غمه فإنه لا يضرك ما لم تبده.

ولا بدّ للسلامة من الإثم أن يكره الحاسد الحسد (حسد نفسه للآخرين) ديناً وعقلاً، وتلك الكراهة تمنعه من البغي والإيذاء، فإن جميع ما ورد من أخبار في ذم الحسد، يدل ظاهره على أن كل حاسد آثم. ثم الحسد عبارة عن صفة القلب لا عن الأفعال فكل من يحب إساءة مسلم فهو حاسد.

4. الوقاية من حسد الحاسد

أ. قراءة المعوذتين والإخلاص: والمعوذتان هما سورتا (الفلق والناس).

ب. التحصن بالتحصنات النبوية والقرآنية: وقد كان الرسول r يعوذ الحسن والحسين بقوله: ]أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ وَهَامَّةٍ وَمِنْ كُلِّ عَيْنٍ لاَمَّةٍ[ (رواه البخاري: الحديث الرقم 3120).

ج. الدعاء إذا رأى المرء ما يعجبه، كقوله: ما شاء الله تبارك الله، أو بسم الله الرحمن الرحيم.

د. ستر محاسن من يُخشى عليه الإصابة بالحسد.

هـ. التعوذ بالله من شر الحاسد.

و. تقوى الله تعالى.

ز. الصبر.

ح. التوكل على الله.

ط. الانشغال عنه.

ي. الإقبال على الله.

ك. تجريد التوبة إلى الله تعالى.

ل. الصدقة.

م. الإحسان إلى المحسود.

ن. تجريد التوحيد: أي الإخلاص الكامل لله.

5. علاج المحسود

أ. الرُقية: وتكون الرقى بكلام الله تعالى: ومنها سورة الفاتحة وآية الكرسي وآخر سورة البقرة، والمعوذتان وسورة الإخلاص.

ب. اغتسال المحسود بماء غُسْل الحاسد: حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ بْنِ سَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ قَالَ مَرَّ عَامِرُ بْنُ رَبِيعَةَ بِسَهْلِ بْنِ حُنَيْفٍ وَهُوَ يَغْتَسِلُ فَقَالَ ]لَمْ أَرَ كَالْيَوْمِ وَلاَ جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ فَمَا لَبِثَ أَنْ لُبِطَ بِهِ فَأُتِيَ بِهِ النَّبِيَّ r فَقِيلَ لَهُ أَدْرِكْ سَهْلاً صَرِيعًا قَالَ مَنْ تَتَّهِمُونَ بِهِ قَالُوا عَامِرَ بْنَ رَبِيعَةَ قَالَ عَلاَمَ يَقْتُلُ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ أَخِيهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لَهُ بِالْبَرَكَةِ ثُمَّ دَعَا بِمَاءٍ فَأَمَرَ عَامِرًا أَنْ يَتَوَضَّأَ فَيَغْسِلْ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ إِلَى الْمِرْفَقَيْنِ وَرُكْبَتَيْهِ وَدَاخِلَةَ إِزَارِهِ وَأَمَرَهُ أَنْ يَصُبَّ عَلَيْهِ قَالَ سُفْيَانُ قَالَ مَعْمَرٌ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَأَمَرَهُ أَنْ يَكْفَأَ الإِنَاءَ مِنْ خَلْفِهِ[ (سنن ابن ماجة، كتاب الطب: الحديث الرقم 3500).

وصفة الاغتسال أن يؤتى بإناء ماء ثم يصب بيده اليسرى على كفه اليمنى، ثم بكفه اليمنى على يده اليسرى، ثم يدخل يده اليسرى فيصب بها مرفق يده اليمنى، ثم بيده اليمنى على مرفق يده اليسرى، ثم يغسل قدمه اليمنى، ثم يدخل اليمنى فيغسل قدمه اليسرى، ثم يدل يده اليمنى فيغسل الركبتين ثم يأخذ داخلة إزاره فيصب على رأسه صبة واحدة، ولا يضع القدح حتى يفرغ، وأن يصب من خلفه صبة واحدة يجري على جسده، ولا يوضع القدح في الأرض ـ أثناء الاغتسال ـ ويغسل أطرافه وركبتيه وداخلة إزاره في القدح. وقال النووي: "داخلة إزاره هو الطرف المتدلي (من ثوبه) الذي يلي حقوه الأيمن (وقد ظن بعضهم أن داخلة الإزار كناية عن الفرج) وجمهور العلماء على ما قدمناه".