إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / حداد الزوجات، في الإسلام









شُبُهات

2. مشروعية الحَدَاد

أ. حكمه

ذهب جمهور الفقهاء قديماً وحديثاً، من الصحابة والتابعين ومن بعدهم، إلى وجوب الحداد على المرأة المتوفى زوجها، اعتماداً على المنقول والمعقول وإجماع الصحابة. ومن المنقول حديث زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ، قَالَتْ: دَخَلْتُ عَلَى أُمِّ حَبِيبَةَ، زَوْجِ النَّبِيِّ r فَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ: ]لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ تُحِدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا[ (سنن الدارمي، الحديث الرقم 2183).

]وقَالَتْ زَيْنَبُ: وَسَمِعْتُ أُمِّي، أُمَّ سَلَمَةَ، تَقُولُ: جَاءَتْ امْرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ r فَقَالَتْ: " يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا، وَقَدْ اشْتَكَتْ عَيْنَيْهَا، أَفَنَكْحَلُهَا؟ " فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ rلاَ مَرَّتَيْنِ، أَوْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ. كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لاَ. ثُمَّ قَالَ: " إِنَّمَا هِيَ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4920).

وأمّا الإجماع فإنه روي عن جماعة من الصحابة، منهم عبدالله بن عمر وعائشة وأم سلمة وغيرهم، القول بوجوب الحداد، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم، فكان إجماعاً من الصحابة.

وأمّا المعقول فإن العقل يوجب الحداد إظهاراً لحق الزوج على الزوجة، وتأسفاً على ما فاتها من الستر، والعفة عن الحرام، وصيانة نفسها من القيام بتدبير النفقة، فضلاً عن العشرة والوفاء، والمودة والرحمة. وقد انقطع ذلك كله بالموت، فإظهار الحزن يشاكل ما هي فيه.

ب. شروطه

من شروط الْحَادِّ أن تكون: مسلمة، بالغة، عاقلة، نِكاحها صحيح، فإن سأل سائل ما حكمُ الحِداد للكتابية والصغيرة والمجنونة؟ فتفصيل ذلك فيما قاله العلماء:

(1) اتفقوا على أن تكون المعتدة مسلمة، واختلفوا على الكتابية، والجمهور على وجوب حداد الكتابية على زوجها المسلم، لأنها داخلة في عموم النصوص الدالة على الوجوب. وذهب آخرون إلى أنه لا يجوز في حقها، لأنها غير مكلفة شرعاً.

(2) أن تكون عاقلة، فلا حداد على المجنونة لأنها لا تميز فيسقط عنها التكليف لقوله: ]رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2031).

(3) أن تكون بالغة. واختلفوا في الصغيرة، فالجمهور على وجوب الحداد على الصغيرة، لأنها امرأة والآية تعمها، ولأنها تلزمها العدة فيلزمها الحداد أيضاً، ولأنها تشارك البالغة في بعض الأحكام؛ فكلتاهما لا تخطب ولا تتطيب ولا تتزين.

(4) أمّا النكاح الصحيح، فهو المستوفي الشروط من الإيجاب والقبول والشهود والمهر وما إليه. وما سوى ذلك فهو نكاح فاسد، وهذا لا يُلْزِم الحِداد لأنّه معصية.

ج. أقسامه

الحداد قسمان: جائز وممنوع. والجائز قسمان:

(1) حداد المرأة على زوجها المتوفَّى، وهذا واجب ومدته أربعة أشهر وعشراً.

(2) حداد المرأة على القريب المتوفَّى، وهذا جائز ومدته ثلاثة أيام.

والممنوع نوعان

(1) حداد الجاهلية

كانت المرأة الجاهلية إذا توفي زوجها اجتنبت كل ملذات الحياة، فلا تغتسل ولا تقلم أظفارها ولا تهتم بشعرها وتعتزل المجتمع في بيت صغير حولاً كاملاً. فتخرج بعد ذلك في أقبح صورة وأشنع منظر، ثم تعمد إلى دابة فتتمسح بها وتغتسل. وقد أشار الرسول r، إلى ذلك في قوله: ]وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ قَالَ حُمَيْدٌ فَقُلْتُ لِزَيْنَبَ وَمَا تَرْمِي بِالْبَعْرَة ِعَلَى رَأْسِ الْحَوْلِ فَقَالَتْ زَيْنَبُ كَانَتْ الْمَرْأَةُ إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا[1] وَلَبِسَتْ شَرَّ ثِيَابِهَا وَلَمْ تَمَسَّ طِيبًا حَتَّى تَمُرَّ بِهَا سَنَةٌ ثُمَّ تُؤْتَى بِدَابَّةٍ حِمَارٍ أَوْ شَاةٍ أَوْ طَائِرٍ فَتَفْتَضُّ بِهِ فَقَلَّمَا تَفْتَضُّ بِشَيْءٍ إِلاَّ مَاتَ ثُمَّ تَخْرُجُ فَتُعْطَى بَعَرَةً فَتَرْمِي ثُمَّ تُرَاجِعُ بَعْدُ مَا شَاءَتْ مِنْ طِيبٍ أَوْ غَيْرِهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 4920).

فهذا النوع رفضه الشرع لما فيه من القسوة على المرأة، وحدد المدة أربعة أشهر وعشرة أيام، تستبرئ فيها المرأة وتراجع بعد ذلك ما شاءت.

(2) حداد العصر الحاضر

حداد الرجال على الموتى، وحداد الدول بتنكيس الأعلام، أو إعلان الحداد لمدة أربعين يوماً أو دونها، كل ذلك غير جائز ولا مشروع. ولم يشرع الإسلام حداداً إلا على المرأة، على الصفة التي تبينت فيما مضى. وحدد العلماء مدة الحِداد على النحو التالي:

(أ) حداد المرأة على القريب المتوفّى ثلاثة أيام، وذهب بعض الفقهاء إلى أن حداد المرأة على أبيها سبعة أيام لحديث عمرو بن شعيب أن النبي رَخَّص للمرأة أن تحد على أبيها سبعة أيام، وعلى سواه ثلاثة أيام. وضعّفه جماعة، ورأوا أنه يتعارض مع الأحاديث الصحيحة.

(ب) حداد المرأة على زوجها المتوفى، وهو زمن العدة، وهو أربعة أشهر وعشراً، فالعدة هي المدة التي تقضيها المرأة، بعد طلاقها أو وفاة زوجها، ولا يحل لها أن تتزوج فيها، والحكمة في تشريعها:

·   استبراء الرحم من الحمل، لئلا تختلط الأنساب.

·   إعطاء فرصة للمراجعة، في حالة الطلقة الأولى والثانية.

·   إظهار الأسف على الزوج المتوفي.

·   محاولة نسيان أو تخفيف آثار الزواج السابق الجسمية والعاطفية.

والمعتدة من الوفاة إمّا حائل أو حامل

والحائل هي التي عرفت براءة رحمها من الحمل، إمّا بالحيض، أو لكونها آيسة (انقطع عنها الحيض)، أو صغيرة لم تدرك الحيض بعد. وهذه عدتها أربعة أشهر وعشراً بالاتفاق. لقوله تعالى: ]وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْراً[ (سورة البقرة: الآية 234). وهي المدة التي يتخلق فيها الجنين في رحم الأم وتنفخ فيه الروح.

أمّا الحامل المتوفى عنها زوجها، فقد ذهب الأئمة الأربعة والجمهور إلى أن عدتها وضع حملها، ولو كان ذلك بمدة يسيرة من وفاة زوجها، لأن حكمة العدة الشرعية هي استبراء الرحم من الحمل. واستدلوا على ذلك بقوله تعالى: ]وَأُولاَتُ الأْحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ[ (سورة الطلاق: الآية 4). واستدلوا من السنة  ]بقصة سُبَيْعَةَ بِنْتِ الْحَارِثِ الأَسْلَمِيَّةِ وَعَنْ مَا قَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ r حِينَ اسْتَفْتَتْهُ أَنَّهَا كَانَتْ تَحْتَ سَعْدِ بْنِ خَوْلَةَ وَهُوَ مِنْ بَنِي عَامِرِ بْنِ لُؤَيٍّ وَكَانَ مِمَّنْ شَهِدَ بَدْرًا فَتُوُفِّيَ عَنْهَا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَهِيَ حَامِلٌ فَلَمْ تَنْشَبْ أَنْ وَضَعَتْ حَمْلَهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ فَلَمَّا تَعَلَّتْ مِنْ نِفَاسِهَا تَجَمَّلَتْ لِلْخُطَّابِ فَدَخَلَ عَلَيْهَا أَبُو السَّنَابِلِ بْنُ بَعْكَكٍ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ فَقَالَ لَهَا مَا لِي أَرَاكِ تَجَمَّلْتِ لِلْخُطَّابِ تُرَجِّينَ النِّكَاحَ فَإِنَّكِ وَاللَّهِ مَا أَنْتِ بِنَاكِحٍ حَتَّى تَمُرَّ عَلَيْكِ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ وَعَشْرٌ قَالَتْ سُبَيْعَةُ فَلَمَّا قَالَ لِي ذَلِكَ جَمَعْتُ عَلَيَّ ثِيَابِي حِينَ أَمْسَيْتُ وَأَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَسَأَلْتُهُ عَنْ ذَلِكَ فَأَفْتَانِي بِأَنِّي قَدْ حَلَلْتُ حِينَ وَضَعْتُ حَمْلِي وَأَمَرَنِي بِالتَّزَوُّجِ إِنْ بَدَا لِي[ (رواه الستة)



[1] أي بيتاً صغيراً.