إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / حقوق الإنسان في الإسلام









مقدمة

3. إعلان حقوق الإنسان وأثره في الحضارة الغربية

أ. صراع المذاهب وحقوق الإنسان

واجهت مواثيق الحقوق في هذا القرن، سيلاً من النقد. متهمة بالإسراف في فرديتها، وفي قلة اهتمامها بحاجات الجماعات، وفي سلبيتها، لأنها تؤكد التحرر في أشياء، أكثر من تأكيدها منح الحريات الإيجابية. وتعكس هذه التهمة الشعور، بأن حرية الكلام، والحماية من التفتيش، والاعتقال التعسفي، هي عزاء ضئيل لقوم حرموا فرصة كسب عيشهم، والنهوض بأساليب حياتهم .

ولمّا كانت حقوق الإنسان هي لب المذهب الفردي، بحيث يُعتبر إعلان الحقوق لعام 1789م (في عصر الثورة الفرنسية) تعبيراً كاملاً للمذهب الفردي، فإن هذا المذهب، تحت ضغط النزعات الاشتراكية، والأزمات الاقتصادية، ومساوئ الاحتكارات، ونجاح الثورة الروسية في أواخر عام 1917م، جعل بعض الناس ينادون بأن الواجب على الدولة أن تهيئ للأفراد وسائل مزاولة تلك الحقوق، وذلك بأن تُنشئ وتُنظّم المرافق العامة الكفيلة بتحقيق هذا الهدف، بل أن يكون للأفراد حق مطالبة الدولة بذلك، أي أن يصبح واجب الدولة إيجابياً، بعد أن كان سلبياً.

وقد ظهر هذا الاتجاه بصورة بيّنة، في دساتير الدول الأوروبية، في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. وكما ظهر أيضاً في كثير من الدساتير الأوروبية، التي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية.

وعلى الرغم من التطور، الذي لحق بقوائم الحقوق والحريات المعاصرة، فإن الحريات والحقوق الفردية الكلاسيكية، ما زالت تحتفظ بقيمتها، بل إنها لتكتسب بريقاً جديداً، كلّما نُكب الناس بتجربة الحياة في ظل الحكم الجماعي، أو التسلطي.

غير أنه قد طرأ تحول جديد، في مجال الحريات القديمة ذاتها، في المجتمعات الحديثة، مثال ذلك حق الجماهير في رفض أن يكونوا ضحايا للدعاية والإعلان، وحق حرية التنقل في العالم أجمع، لا في حدود بلد الفرد فقط.

ومعنى ذلك، أن أهم ميدان للحقوق الأساسية، ما زال هو ميدان القوانين القديمة المعروفة للحقوق. فبفضل هذه القوانين ثبتت الحدود الرئيسية للحرية. وأكثر من ذلك، أُقيم جسر بين المذهب الحر (الليبرالي) والديموقراطية؛ لأن الديموقراطية الصحيحة، بمعنى حكم الشعب، تكون ضرباً من المحال إذا انعدمت الكفالة لبعض الحقوق المدنية والسياسية، كحق التصويت، والكلام، والاجتماع، والصحافة، وعدم الاعتقال التعسفي ...الخ .

ومهما قيل في أهمية حقوق الإنسان التقليدية، فإنها تحت ضغط الحركات الجماعية، وضغوط الموقف الدولي، بدأت تضيق أكثر عن ذي قبل، وسعت إعلانات الحقوق إلى صيغة، توفق بها بين الاعتراف (بحقوق الإنسان)، وبين الحماية العامة للنُظم.

وقد بُرر هذا السعي بأن الفكر الدستوري الحديث، قد تأثر بالتجربة المؤلمة، التي مرت بها الديموقراطية فيما بين الحربين العالميتين. كذلك، سعت هذه الإعلانات إلى معيار يحد من حقوق الإنسان، إذا كانت ممارستها التعسفية تهدد بقلب النظام نفسه الذي يحميها.

وعلى ذلك، فالديموقراطيات اليوم لم تعد تكتفي بعقاب التصرفات المادية غير المشروعة، التي تنطوي على هجوم على نظم الدولة، بل هي تعاقب اعتناق النظريات، التي ترى أنها تناهض النظام الاجتماعي والسياسي، كالفوضوية، والشيوعية، بحجة أن برامجها السياسية غير مشروعة، ولذلك يجب أن توقف في مجالها النظري.

ب. سيادة الدول وحقوق الإنسان

لكل دولة سيادة كاملة داخل حدودها، تلك حقيقة بديهية لا يرقى إليها الشك في عالمنا المعاصر، بيد أن المجتمع الدولي، منذ زمن ليس ببعيد، لم يكن يسلم بذلك. وقد انتقد بعض المُفكرين الحرية المطلقة، المُتاحة لكل دولة في اختيار نظامها الدستوري وشكل حكومتها، إذ تؤدي هذه الحرية، إلى قيام حكومات استبدادية يمقتها الشعب. وذلك أن ترك كل دولة حرة في شؤونها الدستورية، والاعتراف بكل حكومة، مهما كان شكلها ومبادئها، ما دامت تؤدي التزاماتها الدولية، هذا المبدأ قد يصل إلى أن يكون في بعض الأحيان جريمة ضد الإنسانية.

والواضح أن الرأي العام العالمي، لا يرتاح، الآن، إلى قيام دولة لا تعتمد على تأييد الشعب، أو أساسها القوة. غير أن الدول لا تجاوز ذلك، إلى أي فعل إيجابي تعبر به عن عدم رضاها، بل تكتفي فقط بعدم الاعتراف بتلك الدولة، وهو عمل سلبي، له مغزى أدبي ومعنوي.

وقد فسرت الشيوعية الدعوة لحقوق الإنسان ـ حين رأت فيها دعوة غربية، قائمة على الفلسفة الليبرالية ـ أنها محاولة لغزو أنظمتها، وتحطيم بنيانها بشكل غير مباشر.

وقد أضفت الدول الأوروبية، بالفعل، الصفة القانونية على أحكام حقوق الإنسان، بأن وقعت خمس عشرة دولة، من الدول الأعضاء في المجلس الأوروبي، في 5 نوفمبر 1950م بروما، الاتفاقية الأوروبية لحماية حقوق الإنسان والحريات الأساسية، وتبعتها بإنشاء المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، وجعلت لأحكامها صفة الإلزام بالنسبة لأطراف الاتفاقية.

ج. الأمم المتحدة وحقوق الإنسان

أوْلى ميثاق الأمم المتحدة، عناية خاصة لحقوق الإنسان، حتى إنّ الأمم المتحدة أنشأت في دور انعقادها العادي لسنة 1946م، لجنة للبحث في حقوق الإنسان، وتضمينها وثيقة دولية.

وفعلاً صدر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان سنة 1948م، غير أن أحكامه لم تكتسب بعد صفة الإلزام، إذ لم تصبح، حتى الآن، من القواعد الوضعية في القانون الدولي. فالإعلان لا يعدو أن يكون توصية، أصدرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة، تناشد فيها الدول الأعضاء في الهيئة، بإتباع الأحكام التي تضمنها الإعلان.

والإعلان، بهذا الوصف، وثيقة خطيرة، لا يمكن إنكار قيمتها الأدبية والسياسية، ولكن لن تصبح أحكامه ملزمة إلا بعد أن تُعقد اتفاقيات عامة بين الدول، وتصدق عليها، وبذلك تأخذ تلك الأحكام قوة القواعد القانونية، التي تُجازى الدول عليها عند المخالفة.

وإذا كانت حقوق الإنسان وحرياته، قد خرجت عن نطاق السيادة الداخلية، بالنسبة للدول الأوروبية الأطراف في الاتفاقية المشار إليها، فإن العمل قد جرى في فروع الأمم المتحدة، على اعتبار تلك الحقوق والحريات، مسألة تخرج عن نطاق الاختصاص الداخلي للدولة؛ وأن لها صبغة دولية تدخلها في اختصاص الأمم المتحدة. وناقشت هيئة الأمم المتحدة بالفعل، مسائل متعلقة باحترام هذه الحقوق، ورفضت كل الدفوع، التي أثيرت في شأن عدم اختصاص الأمم المتحدة ببحثها، على أساس تعلقها بالسيادة الداخلية لكل دولة[1].

د. الصراع الدولي وحقوق الإنسان

على الرغم من أن هيئة الأمم المتحدة، نزعت موضوعات حقوق الإنسان وحرياته من الاختصاص الداخلي للدول، وصبغتها صبغة دولية وحاولت الدفاع عنها، إلاّ إن حقوق الإنسان ما زالت تنتهك، بل تُغتال بقسوة في معظم دول العالم، إن لم يكن جميعها، على الرغم من انتماء تلك الدول إلى عضوية المنظمة الدولية، وإن اختلفت طبيعة الانتهاكات ومداها.

فإذا استثنينا الدول الشيوعية ـ لطبيعة نُظم الحكم فيها ـ التي لا تراعي، عادة، جل حقوق الإنسان، فإن منظمة العفو الدولية، التي تتخذ من العاصمة البريطانية مقراً لها، أشارت في تقاريرها إلى أن العديد من الدول غير الشيوعية، في أمريكا اللاتينية وآسيا وأفريقيا، تمارس عمليات القهر السياسي، والتعذيب ضد العناصر المعارضة.

وأكدت تقارير المنظمة، أن الاتحاد السوفييتي يخرق حقوق الإنسان، عن طريق كبت الآراء المعارضة، بينما تخرقها الولايات المتحدة الأمريكية، عن طريق سياسة التفرقة العنصرية ضد الزنوج الأمريكيين والهنود الحمر.

إزاء هذا الوضع المتردي لحقوق الإنسان، والإهدار الصريح لأبسط حرياته، رأت الدول، التي اجتمعت في هلسنكي، في أغسطس 1975م، (عددها 35 دولة، هي كل الدول الأوروبية الشيوعية والرأسمالية، والمحايدة، إضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية وكندا)[2]، أن تكون حقوق الإنسان هي القضية الثالثة، التي اتُفق على التعاون فيما بينهم فيها، وعلى رعايتها واحترامها، وتضمنها بالفعل (بيان هلسنكي)، بجانب قضية الأمن الأوروبي، والتعاون الاقتصادي.

وقد ظل بند حقوق الإنسان، في ذلك البيان، حبراً على ورق، حتى بداية عام 1977م عندما تولى (جيمي كارتر) رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية. فجعل من قضية حقوق الإنسان شاغله الأول، والبند الرئيسي في برنامج سياسته الخارجية. وقد كرّس نفوذه الشخصي، كرئيس لأكبر وأقوى دولة في العالم، كما استغل كل إمكانيات دولته، في مساندة تلك القضية، وتدعيمها على المستوى العالمي، كقطع المعونات الخارجية عن الدول، التي لا تراعي حقوق الإنسان.

وهكذا، ظهرت قضية حقوق الإنسان ساخنة في السّاحة الدولية، خاصة لدى الاتحاد السوفييتي، الذي تلقى أشد الانتقادات مرارة من الرئيس كارتر، بخصوص معاملة السّوفييت السيئة للمواطن السوفييتي، وإهدار حقوقه وحرياته. حتى هدد هذا الموضوع الوفاق الدولي، القائم بين الشرق والغرب، وكاد يكون السبب في فشل المؤتمر التمهيدي، الذي انعقد في بلجراد في 15 يونيه سنة 1977م، واستمر قرابة ثمانية أسابيع للإعداد للمؤتمر العام الثاني لدول هلسنكي، الذي تقرر أن يُعقد في 4 أكتوبر. وفي المؤتمر الثاني، نوقش موضوع حقوق الإنسان، بين رؤساء الدول باستفاضة، بعد أن حاولوا احتواء موقف الدول الشرقية من حقوق الإنسان، في المؤتمر التمهيدي، حتى يتفادوا الشقاق مع تلك الدول، التي أحرزت تقدماً في موضوعيّ التعاون العسكري والاقتصادي.

وقد جاء البيان الختامي للمؤتمر الثاني، خلواً من أي إشارة إلى قضية حقوق الإنسان، لعدم الاتفاق عليها. ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل حدث اتفاق، على مدلول محدد لحقوق الإنسان؟ وعلى محتوى واحد لهذه الحقوق؟ من المعتقد أن الدول لم تصل بعد، ولن نصل في المستقبل القريب، إلى هذا المدلول. والسبب أنها لم تتفق بعد على معنى واحد (للحرية)، الحائرة بين فلاسفة المذاهب في هذا العصر.

إن مواثيق الحقوق، التي أصدرتها كل من إنجلترا، والولايات المتحدة الأمريكية، وفرنسا، على التوالي، تعد في الحقيقة أول تقنين رسمي من جانب الدول، لفكرتيّ الحقوق الطبيعية والتعاقد. وقد بدا ذلك واضحاً في الميثاقين الأمريكي والفرنسي، فهما نتاج طبيعي لهاتين الفكرتين.

وإذا كانت هاتان الفكرتان قد تناولتهما مؤلفات الفلاسفة والمفكرين، ولاقوا في سبيلهما العنت والاضطهاد، فإن تقنين هذه الأفكار يُعد تتويجاً، ليس لجهاد هؤلاء المفكرين فحسب، وإنما لجهاد الشعوب أيضاً ضد السلطة، والحد من تعديها على حقوقهم، وعسفها بحرياتهم.

ولا جدال في أن هذه المواثيق، خاصة الأمريكي والفرنسي، ركزت على حق الحياة والحرية والمساواة ومقاومة التعسف ... الخ، واعتبارها حقوقاً لكل إنسان، لا يمكنه التنازل عنها. بمعنى أنه لا يمكن لأي سلطة، سواء تمثلت في الحاكم أو غيره، أن تحد من هذه الحقوق، أو تسلبها من صاحبها. وكان هذا التركيز يقتضي ـ حتى لا تصبح هذه الحقوق فقط التزامات نظرية بحتة ـ: أن تصدر الوثائق الدستورية لهذه البلاد، وهي تحوي من النصوص ما يؤكد على وجود هذه الحقوق، ويعطي من الضمانات والوسائل ما يحميها.

وكان من أهم هذه الوسائل، حق الشعوب في مراقبة الحكام ومساءلتهم، بطرق مقننة ومحددة، عن كل خروج، أو انحراف عن نصوص هذه الوثائق، أو إهدار لحقوق الأفراد، أو عسف بحرياتهم.

وما لبث أن صدر إعلان الحقوق العالمي سنة 1948م، الذي جعل لحقوق الإنسان صبغة دولية، تهم المجتمع الدولي بأسره.

وكيفما سارت أمور الصراع الدولي، فإن حقوق الإنسان الأساسية، ومنها حقه في الحرية والتعبير والنقد ورقابة الحكام ومقاومة التعسف والظلم ..الخ، أصبحت حقوقاً ثابتة، ولصيقة بالإنسان باعتباره إنساناً، بغض النظر عن اعتبارات الجنس، أو اللون، أو العقيدة السياسية، التي تعتنقها الدولة التي يعيش الفرد في كنفها. كما أنها أصبحت حقوقاً عالمية، تخرج ـ حسب الاتجاه الغالب اليوم ـ عن نطاق سيادة الدول الداخلية.



[1] من الجدير بالذكر أن (المادة 56) من ميثاق الأمم المتحدة، تنص على أن يتعهد جميع الأعضاء بأن يتخذوا ما يجب عليهم لإدراك المقاصد المنصوص عليها في المادة 55، التي تنص على: (تعمل الأمم المتحدة على تحقيق مستوى أعلى للمعيشة وتوفير أسباب الاستخدام المتصل لكل فرد والنهوض بعوامل التطور والتقدم الاقتصادي والاجتماعي، وعلى أن ينتشر في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع ومع مراعاة تلك الحقوق والحريات فعلاً).

[2] الدول المحايدة هي: النمسا، وفنلندا، والسويد، وسويسرا، ويوغسلافيا، وقبرص، والفاتيكان، وسان مارينو، ولينشيشباين.