إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / حقوق الإنسان في الإسلام









مقدمة

6. حقوق الإنسان المتعلقة بحق العدالة والسكن وحرمة المسكن

أ. حق العدالة

العدل اسم من أسماء الله تعالى، وصفة من صفاته، ومن ثم كانت العدالة من الحقوق، التي لها أهمية عظمى، في اطمئنان الأفراد، واستقرار المجتمعات. والظلم صفة ذميمة سيئة، قال تعالى: ]وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ[ (سورة فصلت: الآية 46).

والعدل أحد الواجبات العظمى، التي أرسل النبي، ليقوم بها؛ قال تعالى على لسان نبيه ]وَأُمِرْتُ لأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ[ (سورة الشورى: الآية 15).

وقد حذر الله تعالى، أن تدفع الخصومة المسلم، إلى مجافاة العدل، وربط رباطاً مؤكداً بين العدل، وبين التقوى التي هي غاية المسلم، فقال تعالى: ]وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ (سورة المائدة: الآية 8). فالعدل صفة خُلُقية عظيمة، تنعكس على حياة المؤمن كلها. وهو في الإسلام مبدأ خلقي مطلق لكل الناس، وفي جميع الظروف والأحوال والأزمان والبيئات.

فمن حق كل إنسان في الإسلام، أن يتحاكم إلى الشريعة، وأن يُحاكم إليها. كما أن من حق كل إنسان أن يدفع الظلم عن نفسه، ]لاَ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَنْ ظُلِمَ[ (سورة النساء: الآية 148). كما يجب على الإنسان أن يدفع عن غيره الظلم بما يملكه من وسائل. ومن حق الإنسان كذلك أن يلجأ إلى سلطة شرعية، تحميه وتنصفه، وتدفع عنه ما لحقه من ضرر أو ظلم. وعلى الحاكم المسلم أن يقيم هذه السلطة، ويوفر لها الضمانات اللازمة، والكفيلة بحيدتها واستقلالها. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ r، قَالَ: ]إِنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ يُقَاتَلُ مِنْ وَرَائِهِ وَيُتَّقَى بِهِ فَإِنْ أَمَرَ بِتَقْوَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَعَدَلَ كَانَ لَهُ بِذَلِكَ أَجْرٌ وَإِنْ يَأْمُرْ بِغَيْرِهِ كَانَ عَلَيْهِ مِنْهُ[(صحيح مسلم، الحديث الرقم 3428).

وحق الإنسان في المطالبة بحقه، مطلبٌ مقدس لا تجوز مصادرته، تحت أي مسوغ كان. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t: ]أَنَّ رَجُلاً أَتَى النَّبِيَّ r يَتَقَاضَاهُ فَأَغْلَظَ فَهَمَّ بِهِ أَصْحَابُهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r دَعُوهُ فَإِنَّ لِصَاحِبِ الْحَقِّ مَقَالاً ثُمَّ قَالَ أَعْطُوهُ سِنًّا مِثْلَ سِنِّهِ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ إِلاَّ أَمْثَلَ مِنْ سِنِّهِ فَقَالَ أَعْطُوهُ فَإِنَّ مِنْ خَيْرِكُمْ أَحْسَنَكُمْ قَضَاءً[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2141).

ويتصل بهذا الحق، حق الفرد في أن يُحاكم محاكمة عادلة. وفي هذا المقام، يرى الإسلام أن براءة الإنسان هي الأصل؛ فعن أَبَي هُرَيْرَةَ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: ]كُلُّ أُمَّتِي مُعَافًى إِلاَّ الْمُجَاهِرِينَ وَإِنَّ مِنْ الْمُجَاهَرَةِ أَنْ يَعْمَلَ الرَّجُلُ بِاللَّيْلِ عَمَلاً ثُمَّ يُصْبِحَ وَقَدْ سَتَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ فَيَقُولَ يَا فُلاَنُ عَمِلْتُ الْبَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا وَقَدْ بَاتَ يَسْتُرُهُ رَبُّهُ وَيُصْبِحُ يَكْشِفُ سِتْرَ اللَّهِ عَنْهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5608).

كما أنَّ الإنسان لا يُعد مجرماً إلاّ بنص شرعي قال تعالى: ]وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً[ (سورة الإسراء: الآية 15). ومن العدالة في الإسلام أنه لا يجوز الزيادة في العقوبات المقررة شرعاً، كما لا يجوز أن يساوى بين ذوى الجرائم صغارها وكبارها، قال تعالى: ]تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا[ (سورة البقرة: الآية 229).

فهذا هو حق العدالة، كما قرره الإسلام وأكد عليه. وقد عبّر الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عن هذا الحق، فجاء فيه:

كل الناس سواء أمام القانون، ومن حقهم جميعا أن يحميهم القانون دون أي تمييز، وكل منهم ذو حق متساو في أن يحميه القانون من أي تمييز.

لكل إنسان الحق في الالتجاء إلى المحاكم الوطنية المختصة، لتدفع عنه أي عدوان على حقوقه الأساسية.

ب. حق الحماية من التعسف والتعذيب

إن حماية الإنسان من التعسف والتعذيب، حق مقدس في الإسلام. فقد أوجب الإسلام على ولي الأمر، أن لا يحبس أحداً إلاّ بعد وجوب الحبس عليه، بل يجب على ولي الأمر أن يتعهد المحبوسين في حبسهم، في مأكلهم وملبسهم، احتراماً لإنسانيتهم.

وقد كفل الإسلام لكل إنسان حقه، في حمايته من تعسّف السلطات ضده، بأي وجه من الوجوه. فلا يجوز أن يُطالب إنسان بتقديم تفسير لعمل من أعماله، ولا توجيه اتهام له، إلاّ بناء على قرائن قوية وأدلة واضحة، تدل على تورطه فيما يوجه إليه من تهم: ]وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا[ (سورة الأحزاب: الآية 58).

كما كفل الإسلام لكل إنسان حقه في الحماية من التعذيب، فلا يجوز تعذيب المجرم فضلاً عن المتهم. فعَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: ]مَرَّ هِشَامُ بْنُ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ عَلَى أُنَاسٍ مِنْ الأَنْبَاطِ بِالشَّامِ قَدْ أُقِيمُوا فِي الشَّمْسِ فَقَالَ مَا شَأْنُهُمْ قَالُوا حُبِسُوا فِي الْجِزْيَةِ فَقَالَ هِشَامٌ أَشْهَدُ لَسَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ إِنَّ اللَّهَ يُعَذِّبُ الَّذِينَ يُعَذِّبُونَ النَّاسَ فِي الدُّنْيَا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4734).

وقد أورد الإمام البخاري في باب الحدود: "بَاب ظَهْرُ الْمُؤْمِنِ حِمًى إِلاَّ فِي حَدٍّ أَوْ حَقٍّ". ولا يجوزـ أيضاً ـ حمل الإنسان على الاعتراف بجريمة لم يرتكبها، وكل اعتراف ينتزع بوسائل الإكراه، هو اعتراف باطل، فعَنْ النَّبِيِّ، أنه قَالَ: ]إِنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2035).

ومهما كانت جريمة الإنسان، ومهما تكن عقوبتها، التي قررتها الشريعة الإسلامية، فإن كرامة الإنسان تظل مصونة ومحترمة، وكذلك إنسانيته.

وهذا ما عبر عنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حيث ينص على أنه: (لا يجوز تعريض أي إنسان للتعذيب ولا لضروب من المعاملة أو العقوبة القاسية المهنية، المنافية للكرامة الإنسانية). فالمراد بهذا الحق، كفالة سلامة الفرد في شخصه وعرضه وماله، فلا يجوز الاعتداء عليه أو تحقيره أو تعذيبه، سواء أكان ذلك من الدولة أو من الأفراد.

فقد أوجب الإسلام على الدولة، حماية الفرد من الاعتداء والأذى، وتوقيع العقوبات الزاجرة على كل من يقع منه ظلم أو تعد أو تجاوز حدٍ، في اقتضاء حق مشروع. وفي ذلك يقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنْثَى بِالأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ[ (سورة البقرة: الآية 178)، ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ[ (سورة النساء: الآية 92).

ج. حق المسكن

أوجب الإسلام على الدولة، توفير السكن لجميع الأفراد، فللقادر منهم أن يستقل بسكنه، ومن عجز فعلى الدولة تدبير السكن المناسب له.

وفي ذلك يقول الإمام ابن حزم: فُرض على الأغنياء من أهل كل بلد أن يقوموا بفقرائهم، ويجبرهم السلطان على ذلك إن لم تقم الزكوات، ولا فيىء سائر أموال المسلمين بهم. فيقام لهم بما يأكلون من القوت الذي لابد منه، ومن اللباس للشتاء والصيف بمثل ذلك، وبمسكن يقيهم من المطر والصيف والشمس وعيون المارة. وبذلك يؤكد ابن حزم مسؤولية الدولة، عن كفالة حق المأوى.

كما ورد في الفقه الإسلامي أنه إذا كان هناك من لا يجد مأوى، في حين أن بعضاً من الناس يملكون سكناً يزيد عن حاجتهم، فعلى الحاكم إسكان هؤلاء جبراً على المالك.

ويشترط ابن حزم شروطاً في المسكن، هي أن يقي ساكنه المطر في الشتاء وحر الصيف وعيون المارة. وفي ذلك محافظة على كرامة الفرد في بيته ـ وهو موضع أسراره ـ فلا يجوز أن يكون بحيث تطّلع عيون المارة على عوراته.

د. حرمة المسكن

فإذا وجد المأوى، فلا يجوز ـ لكائن من كان ـ أن يقتحم هذا المأوى على صاحبه ويدخله، إلاّ بإذنه، ولو كان الخليفة نفسه. وفي ذلك يقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27) فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلاَ تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤْذَنَ لَكُمْ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ[ (سورة النور: الآيتان 27، 28). فذلك أمر صريح، بعدم دخول بيت أي إنسان، إلاّ بإذن منه.

وهذا الأمر ملزم لكل أجنبي عن البيت، حاكماً كان أو فرداً عادياً. ولم يقف الإسلام عند هذا الحد، بل كفل حرمة المسكن، حتى بالنسبة للصغار والخدم، مع أنهم من أهل البيت، وذلك تقريراً لحسن الآداب، يقول الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلاَةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلاَةِ الْعِشَاءِ ثَلاَثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلاَ عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[ (سورة النور: الآية 58).

فقد راعى الله سبحانه أن هناك أوقاتاً يهجع فيها الناس التماساً للراحة، فيتخففون من ملابسهم، ولا يحبون أن يطلع عليهم أحد وهم على هذه الحال، ولو كانوا أولادهم أو خدمهم؛ فأمر بوجوب الاستئذان في هذه الأوقات، حفظاً للكرامة وصوناً للحياء.

ويشمل تقرير حرمة المسكن أيضاً، عدم الاستيلاء عليه أو هدمه جبراً عن صاحبه. فقد أمر الخليفة عمر بن الخطاب، بإعادة جزء من بيت أحد المصريين، كان عمرو بن العاص ـ والي مصر ـ قد استولى عليه وضمه للمسجد. كما فعل الخليفة عمر بن عبدالعزيز مثل ذلك، عند ما أمر بإعادة منزلٍ إلى مالكه. كان والي الشام قد استولى عليه، وضمه إلى المسجد الأموي.