إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / حقوق الإنسان في الإسلام









مقدمة

8. حقوق الإنسان المتعلقة بحقه في أن ينال ما يكفيه بما يحفظ له حياته، وحق الرعاية الصحية

أ. حق الإنسان في أن ينال ما يكفيه بما يحفظ له حياته

من حق كل إنسان أن يحصل على كفايته، من مقومات الحياة وضروراتها، من مطعم ومشرب وملبس ومسكن؛ وما يلزم لصحة جسمه من رعاية؛ وما يلزم لصحة روحه وعقله من علم ومعرفة وثقافة، في نطاق ما تسمح به موارد الدولة.

فقد قررت الشريعة الإسلامية، أن هناك ضرورات لا بد من الحفاظ عليها، وحرّمت تحريماً شديداً الاعتداء عليها، وهي ما تعرف بالضرورات الخمس، أو الكليات الخمس، وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، حفظ النسب، وحفظ المال.

فضرورة حفظ النفس والعقل، توجب أن يوفّر لكل إنسان الحصول على ما يكفيه للحفاظ على حياته.

وتضطلع الدولة في الإسلام بواجبات إيجابية، لضمان حقوق الأفراد وكفالة معيشتهم. وقد اعتبر الإسلام الفرد في كفالة المجتمع، في مختلف المستويات.

فهو في كفالة الأسرة، التي ينتمي إليها، إذ يأمر الشرع بالنفقة على القريب الفقير، كما يأمر بصلة الأرحام.

وهو في كفالة مجتمع القرية، إذا أصبح في حاجة ملحة أو أصابته فاقة ومحنة، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ r: ]مَنْ احْتَكَرَ طَعَامًا أَرْبَعِينَ لَيْلَةً فَقَدْ بَرِئَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى وَبَرِئَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَأَيُّمَا أَهْلُ عَرْصَةٍ أَصْبَحَ فِيهِمْ امْرُؤٌ جَائِعٌ فَقَدْ بَرِئَتْ مِنْهُمْ ذِمَّةُ اللَّهِ تَعَالَى[.(صحيح مسلم، الحديث الرقم 4648).

وقد سما الإسلام بحق الكفالة الاجتماعية للأفراد، فجعله قربى لله تبارك وتعالى. فأوصى الجار أن يكرم جاره، وأن يحسن معاملته إلى أقصى الحدود. يقول الله تعالى: ]وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَنْ كَانَ مُخْتَالاً فَخُورًا[ (سورة النساء: الآية 36).

وهكذا، يجعل الإسلام للفرد حقاً في كفالة عيشه قِبَل أسرته، وقبل مجتمعه الصغير، من جيرانه وأهل قُربته، ثم حقه قِبَل الدولة. وهذه الكفالة تلتزم بها الدولة، سواء أكان الفرد مسلماً، أم غير مسلم.

يروى أن عمر بن الخطاب، رأي شيخاً يهودياً يتكفف الناس، فسأله عن سبب ذلك، فأجاب: أسأل الجزية والحاجة والسن. قال: ما أنصفناك. أكلنا شبيبتك وتركناك عند الشيخوخة. وطرح جزيته وأمر أن يُعال من بيت مال المسلمين هو وعياله. ذلك أن حق الفرد قِبَل الدولة، تكفله جميع موارد الدولة.

وهكذا، نجد المجتمع الإسلامي كله مسؤولاً عن كفالة المحتاجين، وهي مسؤولية مقررة بالكتاب والسُّنة، يقول الله تعالى: ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى[ (سورة المائدة: الآية 2)، ]وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[ (سورة المعارج: الآيتان 24، 25).

وتقريراً لكفالة الإسلام لحق العيش الكريم للأفراد، تضمن الإسلام نظماً ثلاثة، هي: الزكاة، والصدقات، والوقف.

ب. حق الرعاية الصحية

اهتم الإسلام بصحة الفرد، لأنها تعينه على أداء واجباته الدينية والمعيشية، إذ بها يستطيع الفرد أن ينفع نفسه ومجتمعه، ويحقق آماله، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَلاَ تَعْجَزْ فَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلاَ تَقُلْ لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا وَلَكِنْ قُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ فَعَلَ فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 76)

وتقرير حق الفرد في الرعاية الصحية، وضعه الإسلام على عاتق الفرد نفسه، باعتباره واجباً عليه. كما اعتبره التزاماً على الدولة، فهو حق للفرد.

(1) ففي اعتبار الرعاية الصحية واجباً على الفرد، أمر الإسلام الناس جميعاً بالبعد عن كل ما يضر صحتهم. فحرّم الخمر، والزنا، حفظاً على الصحة، وأمرهم أن يبتعدوا عما يهلك صحتهم، وينهك قوتهم، ]وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[ (سورة البقرة: الآية 195). فعن ابن عباس أن رسول الله r قال: ]لاَ ضَرَرَ وَلاَ ضِرَار[َ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2332).

كما حث الإسلام الناس على النظافة حفظاً على الصحة. فأمر بالوضوء قبل الصلاة، والغسل بعد الجنابة، والعناية بالغذاء الصحي والشراب النقي، ونهى عن الشرب من فم السقاء منعاً للعدوى، كما حبب في الرياضة تقوية للبدن، ومن ذلك جاء القول: " إن لبدنك عليك حقا ". كما أمر الأفراد بالمبادرة بالعلاج عند المرض، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]مَا أَنْزَلَ اللَّهُ دَاءً إِلاَّ أَنْزَلَ لَهُ شِفَاءً[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5246) وكل هذه المبادئ، جاءت في صورة تكاليف، يُثاب فاعلها ويأثم مُخالفها. كما اهتم الإسلام بالرعاية الصحية، بل جعل لها الأولوية على شؤون العبادة.

لذلك، أعفى المرضى من الفرائض الدينية، التي تشق عليهم. فرخص للمريض أن يُفطر في رمضان خوف ازدياد مرضه، أو تأخير شفائه، على أن يقضي عند تمام صحته. وأباح لمن يشق عليه الصيام، أن يفطر ويدفع فدية طعام مسكين.

كما رخص للمسافر أن يفطر في رمضان، اتقاء المشقة التي تؤثر في صحته. يقول الله تعالى: ]فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[ (سورة البقرة: الآية 185)، ويقول تعالى: ]وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ[ (سورة البقرة، الآية 184)، ]يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ[ (سورة البقرة، الآية 185).

(2) أما الرعاية الصحية، باعتبارها حقاً للأفراد إزاء الدولة، فقد قررها الإسلام في صور شتى. وقد كان النبي، r، يهيئ للمرضى مكاناً يتداوون فيه وينقهون.