إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / مبادئ الدين الإسلامي









المبحث الرابع

المبحث الرابع

الأخلاق والآداب العامة في الإسلام

أولاً: مكانة الأخلاق في الإسلام

للأخلاق في الإسلام مكانة عظيمة جداً، تظهر من وجوه كثيرة؛ منها ما يأتي:

1. تعليل الرسالة بتقويم الأخلاق، وإشاعة مكارمها؛ جاء في الحديث الشريف، عن النبي ] r‏‏إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ صَالِحَ الأَخْلاقِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8595).

2. تعريف الدين بحسن الخلق، فقد جاء في حديث ]أن رجلاً جاء إلى النبي r، فقال: يا رسول الله r، ما الدين؟ فقال الرسول الكريم r: حسن الخلق[.

3. من أكثر ما يرجح كفة الحسنات، يوم الحساب، حسن الخلق. جاء في الحديث الشريف، عن النبي ]rمَا مِنْ شَيْءٍ يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ، أَثْقَلُ مِنْ حُسْنِ الْخُلُقِ. وَإِنَّ صَاحِبَ حُسْنِ الْخُلُقِ، لَيَبْلُغُ بِهِ دَرَجَةَ صَاحِبِ الصَّوْمِ وَالصَّلاةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1926).

4. المؤمنون يتفاضلون في الإيمان، وأفضلهم فيه أحسنهم أخلاقاً. جاء في الحديث ]عَنْ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّهُ قَالَ كُنْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r فَجَاءَهُ رَجُلٌ مِنْ الأَنْصَارِ، فَسَلَّمَ عَلَى النَّبِيِّ r ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ r، أَيُّ الْمُؤْمِنِينَ أَفْضَلُ؟ قَالَ: أَحْسَنُهُمْ خُلُقًا[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 4249).

5. إن المؤمنين يتفاوتون في الظفر بحب رسول الله r، وقربهم منه، يوم القيامة. وأكثر المسلمين ظفراً بذلك، أولئك المؤمنون، الذين حسنت أخلاقهم، حتى صاروا فيها أحسن من غيرهم. في الحديث ]إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ، وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، أَحَاسِنَكُمْ أَخْلاقًا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1941).

6. إن حسن الخلق أمر لازم، وشرط لا بد منه للنجاة من النار، والفوز بالجنان. وإن التفريط بهذا الشرط، لا يغني عنه حتى الصلاة والصيام. جاء في الحديث، ]‏قَالَ رَجُلٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ r إِنَّ فُلَانَةَ يُذْكَرُ مِنْ كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا غَيْرَ أَنَّهَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا قَالَ ‏هِيَ فِي النَّارِ[. (مسند أحمد، الحديث الرقم 9298).

7. إن النبي r كان يدعو ربه بأن يحسن خلقه، وأن يهديه لأحسنها ]اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 23256). ]وَاهْدِنِي لأَحْسَنِ الأَخْلاقِ، لا يَهْدِي لأَحْسَنِهَا إِلاَّ أَنْتَ. وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا، إِنَّهُ لا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلاَّ أَنْتَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 3343). ومعلوم أن رسول الله r، لا يدعو إلاَّ بما يحبه الله، ويقربه منه.

8. مدح الله تعالى رسوله الكريم بحسن الخلق. فقد جاء في القرآن الكريم]وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ[ (سورة القلم: الآية 4)؛ والله تعالى لا يمدح رسوله إلاَّ بالشيء العظيم، مما يدل على عظيم منزلة الأخلاق في الإسلام.

9. كثرة الآيات القرآنية، المتعلقة بموضوع الأخلاق، أمر بالجيد منها، ومدح للمتصفين بها. ومع الذم العقاب. ولا شك أن كثرة الآيات في موضوع الأخلاق، تدل على أهميتها؛ ومما يزيد في هذه الأهمية، أن منها ما نزل في مكة، قبل الهجرة؛ ومنها ما نزل في المدينة، بعد الهجرة.

ثانياً: خصائص نظام الأخلاق، في الإسلام

يتميز نظام الأخلاق، في الإسلام، بجملة خصائص؛ منها:

1. التعميم والتفصيل

دعا الإسلام إلى الأخلاق الكريمة دعوة عامة. من ذلك ما جاء في القرآن الكريم ]وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا[ (سورة الإسراء: الآية 53). والقول بما هو أحسن دعوة عامة للقول الطيب، المطلوب بجميع أنواعه في مخاطباتهم ومحاوراتهم. وفي قوله تعالى ]وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ (سورة النحل: الآية 90)، دعوة عامة للابتعاد عن رذائل الأخلاق. وفي السنة النبوية ]اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ. وَأَتْبِعْ السَّيِّئَةَ الْحَسَنَةَ تَمْحُهَا. وَخَالِقِ النَّاسَ بِخُلُقٍ حَسَنٍ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1910)، والخلق الحسن يجمع أنواع الأخلاق الحسنة. وفي الحديث عَنْ عَائِشَةَ رَحِمَهَا اللَّهُ قَالَتْ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ r يَقُولُ: ]إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ، بِحُسْنِ خُلُقِهِ، دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4165).

ولم يكتف الإسلام بالدعوة العامة إلى التحلي بالأخلاق الحميدة، والتخلي عن الأخلاق الرديئة؛ وإنما فصل القول، فبين أنواع كل صنف. والحكمة في هذا البيان المفصل، توضيح معاني الأخلاق وتحديدها؛ لئلا يختلف الناس فيها، وتتدخل الأهواء في تحديد المراد منها. ومن مظاهر رحمة الله بعباده، أن بين لهم ما يتقون، وما يأخذون، وما يتركون. فيما يلي أمثلة على تفصيل الأخلاق، في القرآن والسنة النبوية المطهرة.

أ. الوفاء بالعهد ]وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً[ (سورة الإسراء: الآية 34).

ب. النهي عن القول بلا علم ]وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولاً[ (سورة الإسراء: الآية 36).

ج. النهي عن مشية التبختر والتمايل، كما يفعل المتكبرون ]وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً[ (سورة الإسراء: الآية 37).

د. النهي عن الإسراف والتبذير والبخل والتقتير ]إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا[ (سورة الإسراء: الآية 27). ]وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا[ (سورة الإسراء: الآية 29).

هـ. الأمر بالعدل، في جميع الأحوال، وبالنسبة إلى جميع الناس، حتى الكفار ]وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى[ (سورة الأنعام: الآية 152). ]وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ (سورة المائدة: الآية 8).

و. التعاون على البر والتقوى، وما ينفع الناس. والنهي عن التعاون على البغي والعدوان ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ[ (سورة المائدة: الآية 2).

ز. الظلم ظلمات، يوم القيامة. وعاقبته وخيمة. وهو أنواع، أقبحها افتراء الكذب على الله، وتعدي حدوده. والظالم مقطوع الصلة بالله، فهو مخذول، غير منصور. ومن أجل هذا نهى الإسلام عنه]وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ[ (سورة الشعراء: الآية 227). ]وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُون[ (سورة الأنعام: الآية 21). ]تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوهَا وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ[ (سورة البقرة: الآية 229). ]وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ[ (سورة البقرة: الآية 270).

ح. الصبر من الإيمان، بمنزلة الرأس من الجسد. فلا بد للمؤمن من صبر على طاعة الله، وصبر على قضاء الله؛ وبهذا يكون من المحسنين؛ ورحمة الله قريب من المحسنين. ولهذا، أمر الإسلام بالصبر ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 200). ]وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ[ (سورة هود: الآية 115). ]فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لا يُوقِنُونَ[ (سورة الروم: الآية 60).

ط. الصدق من علامات الإيمان وثمراته. ولهذا، أمر الإسلام به ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ[ (سورة التوبة: الآية 119). ]وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرًا[ (سورة الإسراء: الآية 80).

ي. الكذب رذيلة، لا ينال صاحبها هداية الله؛ ويثمر النفاق في القلب. ولهذا نهى الإسلام عنه، وحذر منه]إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ[ (سورة غافر: الآية 28).

ك. التكبر والعجب، والبخل والفخر والرياء، رذائل وأمراض، تصيب القلب، فتطمسه، وتمحق نوره؛ وتبعد صاحبها عن الله تعالى ولهذا، جاء النهي عنها ]وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ[ (سورة لقمان: الآية 18).

ل. الاعتدال في المشي، بين البطء والإسراع، مطلوب من المسلم. وخفض الصوت، وعدم رفعه، بلا حاجة ]وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ[ (سورة لقمان: الآية 19).

م. الثبات على الحق، والدوام على الطاعة والعبادة، أمور مطلوبة؛ لأن الأمور بخواتيمها، ومن دون الاستقامة والدوام والثبات على الحق، تفوت الثمرة، ولا يصل المسلم إلى الغاية؛ وينقطع عن ركب الصالحين. من أجل هذا، وجب على المسلم أن يكون على قدر كبير من الثبات على معاني الإيمان، والاستقامة عليها؛ لينال الفوز والرضوان ]إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ[ (سورة فصلت: الآية 30).

ن. الجنة دار الطيبين، أعدها الله للمتقين، الذين من أخلاقهم الحسنة الإنفاق، في جميع الأحوال، في اليسر والعسر؛ ينفقون بقدر ما لهم، ولا يبخلون عن الإنفاق، ولو كان قليلاً. ومن أخلاقهم كظم الغيظ، فلا ينفذونه، وهم قادرون على إنفاذه؛ طاعة لله، وخشية منه، واحتساباً للأجر عنده. ومن أخلاقهم، أنهم لا يستوفون كل حقوقهم من الناس، بل يتركون منها لهم، إحساناً عليهم ]وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السماوات وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ(133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ (سورة آل عمران: الآيتان 133، 134).

س. النهي عن الغل والحقد ]وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ[ (سورة الحشر: الآية 10).

ع. علاج الجاهل، والإعراض عنه، وتركه وشأنه؛ وبهذا أمر الإسلام ]خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 199).

ف. ومن وصايا الإسلام الجامعة، للمؤمنين، في باب الأخلاق، قوله تعالى ]يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُون (11)َ يا أيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ[ (سورة الحجرات: الآيتان 11، 12). وغير ذلك من الآيات كثير.

أمثلة من السنة النبوية على تفصيل الأخلاق

أ. في النهي عن الغضب، ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r‏ ‏قَالَ عَلِّمْنِي شَيْئًا وَلا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي ‏أَعِيهِ‏ ‏قَالَ ‏‏لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ ذَلِكَ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لا تَغْضَبْ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1943).

ب. وفي الحياء، وردت أحاديث كثيرة منها ]الْحَيَاءُ لا يَأْتِي إِلاَّ بِخَيْرٍ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5652)، ]الْحَيَاءُ خَيْرٌ كُلُّهُ[ (مسند أحمد: الحديث الرقم 19126)، ]‏إِنَّ لِكُلِّ دِينٍ خُلُقًا وَخُلُقُ الإِسْلامِ الْحَيَاءُ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 4171)، ]إِذَا لَمْ تَسْتَحِ فَاصْنَعْ مَا شِئْتَ[.(مسند أحمد، الحديث الرقم 21314).

ج. في التعاون ]وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 221).

د. في حقوق المسلم، والنهي عن بعض الأخلاق ]‏لا تَحَاسَدُوا وَلا ‏ ‏تَنَاجَشُوا ‏وَلا تَبَاغَضُوا وَلا ‏ ‏تَدَابَرُوا ‏وَلا يَبِعْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَيْعِ بَعْضٍ وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخْوَانًا الْمُسْلِمُ أَخُو الْمُسْلِمِ لا يَظْلِمُهُ وَلا يَخْذُلُهُ وَلا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هَاهُنَا وَيُشِيرُ إِلَى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنْ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4650).

هـ. النهي عن أخلاق المنافقين: ]آيَةُ ‏الْمُنَافِقِ ثَلَاثٌ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا اؤْتُمِنَ خَانَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 89) ]‏أَرْبَعُ ‏خِلالٍ ‏مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا مَنْ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ وَإِذَا وَعَدَ أَخْلَفَ وَإِذَا عَاهَدَ غَدَرَ وَإِذَا خَاصَمَ فَجَرَ[(صحيح البخاري، الحديث الرقم 2942).

و. في الحلم والأناة، قال رسول الله r لأشج عبدالقيس ]‏إِنَّ فِيكَ خَصْلَتَيْنِ يُحِبُّهُمَا اللَّهُ الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 24).

ز. في الرفق]‏إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الأَمْرِ كُلِّهِ[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 3679).

ح. في الرياء والسمعة والإخلاص: سئل رسول الله r عن الرجل، يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال رسول الله r ]‏مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1570). ]‏إِنَّمَا الأَعْمَالُ ‏بِالنِّيَّاتِ ‏وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ r فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ r وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لِدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَتَزَوَّجُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ[. (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1882).

ط. في النهي عن المراء والجدال:‏] ‏أَنَا ‏‏زَعِيمٌ ‏بِبَيْتٍ فِي ‏‏رَبَضِ الْجَنَّةِ ‏لِمَنْ تَرَكَ ‏‏الْمِرَاءَ ‏‏وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4167).] ‏مَا ضَلَّ قَوْمٌ بَعْدَ هُدًى كَانُوا عَلَيْهِ إِلاَّ أُوتُوا الْجَدَلَ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 47).

ي. في بذاءة اللسان ]‏لَيْسَ الْمُؤْمِنُ ‏بِالطَّعَّانِ ‏وَلا اللَّعَّانِ وَلا ‏الْفَاحِشِ ‏وَلا الْبَذِيءِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1900).

ك. في العجب والشح ]ثلاث مهلكات: شح مطاع، وهوى متبع، وإعجاب كل ذي رأي رأيه[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3778).

ل. ترك الكلام فيما لا يعنيك] ‏مِنْ حُسْنِ إِسْلامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لا يَعْنِيهِ[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 1402).

م. ترك فضول الكلام ]طوبى لمن أمسك الفضل من لسانه، وأنفق الفضل من ماله[.

ن. وزن الكلمة بميزان الإسلام، قبل النطق بها ]‏إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللَّهِ مَا كَانَ يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ يَكْتُبُ اللَّهُ لَهُ بِهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ[ (موطأ مالك، الحديث الرقم 1562).

س. في الأمانة والوفاء بالعهد ]‏لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 12722). وسأل رجل رسول الله r متى تقوم الساعة، فقال له ]‏إِذَا ضُيِّعَتْ الأَمَانَةُ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ قَالَ كَيْفَ إِضَاعَتُهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ إِذَا أُسْنِدَ الأَمْرُ إِلَى غَيْرِ أَهْلِهِ فَانْتَظِرْ السَّاعَةَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6015).

ع. في الصدق والكذب ]‏عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ‏وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ U صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى ‏الْفُجُورِ ‏وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ‏ ‏وَيَتَحَرَّى ‏الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ U كَذَّابًا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 3456).

ف. في القوة والعزيمة ]الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ ‏‏أَوْ أَفْضَلُ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ U مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ وَكُلٌّ خَيْرٌ احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ وَلا تَعْجِزْ فَإِنْ غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ قَدَّرَ اللَّهُ وَمَا شَاءَ صَنَعَ وَإِيَّاكَ وَاللَّوَّ فَإِنَّ اللَّوَّ يُفْتَحُ مِنْ الشَّيْطَانِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8473).

ص. المتابعة في الخير، لا في الشر ]‏لا تَكُونُوا إِمَّعَةً ‏تَقُولُونَ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا وَلَكِنْ ‏ ‏وَطِّنُوا ‏أَنْفُسَكُمْ إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا وَإِنْ أَسَاءُوا فَلا تَظْلِمُوا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1930).

ق. الحذر واليقظة ]‏لا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 5693).

ر. النهي عن الذل]‏لا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 4006).

ش. في التواد والتراحم والتعاطف ]‏‏مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا اشْتَكَى ‏‏مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4685).

2. لزومها في الوسائل والغايات

الالتزام بمقتضى الأخلاق، مطلوب في الوسائل والغايات؛ فلا يجوز الوصول إلى الغاية الشريفة بالوسيلة الخسيسة. لا مكان، في مفاهيم الأخلاق الإسلامية، للمبدأ الخبيث: "الغاية تبرر الوسيلة"؛ وهو مبدأ، انحدر إلينا من ديار الكفر. يدل على ذلك، أي على ضرورة مشروعية الوسيلة، ومراعاة معاني الأخلاق فيها، قوله تعالى ]وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلاَّ عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ (سورة الأنفال: الآية 72). فهذه الآية الكريمة، توجب على المسلمين نصرة إخوانهم المظلومين، قياماً بحق الأخوة في الدين. ولكن، إذا كانت نصرتهم تستلزم نقض العهد مع الكفار الظالمين، لم تجز النصرة؛ لأن وسيلتها الخيانة ونقض العهد؛ والإسلام يمقت الخيانة، ويكره الخائنين.

3. صلة الأخلاق بالإيمان وتقوى الله

الأخلاق في الإسلام موصولة بالإيمان وتقوى الله، قال تعالى ]فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلَى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ[ (سورة التوبة: الآية 4). فالوفاء بالعهد من تقوى الله ومحبته؛ الله ومن الإيمان المسارعة إلى ما يحبه الله تعالى.

وفي الحديث: ]لا إِيمَانَ لِمَنْ لا أَمَانَةَ لَهُ وَلا دِينَ لِمَنْ لا عَهْدَ لَهُ[ (مسند احمد، الحديث الرقم 12722). فالإيمان لا بد أن يورث الأخلاق الحسنة، وعلى رأسها الأمانة وحفظ العهد. ومن فقد الأمانة، وضيع العهد، كان ذلك إيذاناً بخلوه من معاني الإيمان المطلوبة منه، وتفريطه بتقوى الله.

وفي حديث آخر: ]‏وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لا يُؤْمِنُ قَالُوا وَمَا ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ الْجَارُ لا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ[ (مسند احمد، الحديث الرقم 25909). فهذا الحديث، يدل على أن الأخلاق السيئة، تنافي الإيمان وتناقضه؛ وأنه لا يجتمع الإيمان والخلق الرديء.

4. الجزاء

ومن خصائص نظام الأخلاق، في الإسلام، الجزاء؛ لأن الإسلام جاء بالأخلاق أمراً ونهياً. وعصيان أوامر الشرع، أو ارتكاب ما نهى عنه، سبب للعقاب. كما أن الالتزام بحدود الشرع وطاعته، سبب للثواب الحسن.

والجزاء لمن يخالف حدود الشرع، في الأخلاق، قد يكون في الدنيا. فشاهد الزور، وبذيء اللسان، والخائن، ونحوهم، يعاقبهم القاضي المسلم بالعقوبة التعزيرية. والحنث في اليمين، أي عدم الوفاء، بالوعد الموثق باسم الله ـ يترتب عليه كفارة اليمين؛ وفي الكفارة معنى العقوبة، كما يقول الفقهاء.

وقد يكون الجزاء في الدنيا هلاك الجماعة، التي يعيش فيها الخلق الرديء. وقد أشار إلى هذا الجزاء الحديث الشريف] أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ! ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ، أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ، تَرَكُوهُ. وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ، أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ. وَايْمُ اللَّهِ! لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ، لَقَطَعْتُ يَدَهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3216). ومثل شيوع الجبن في الأمة، وترك الظلمة يعبثون بحقوق الناس، من دون إنكار عليهم، خوفاً منهم وجبناً، وإيثاراً للذل والحياة المهينة. فإن هذه الأخلاق الرذيلة سبب لهلاك الأمة، أو إصابتها بشر كبير، أو ضرر جسيم، يصيب المذنب والبريء. قال تعالى ]وَاتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ[ (سورة الأنفال: الآية 25).

5. هل يمكن اكتساب الأخلاق وتقويمها؟

الجواب عن هذا السؤال، يتلخص في ما يأتي:

أ. إن الأخلاق، من حيث الجملة، يمكن تقويمها وتعديلها؛ كما يمكن اكتساب الجيد منها، والتخلي عن قبيحها، وبالعكس. ودليل ذلك، أن الشرع أمر بالتخلق بالأخلاق الحسنة، ونهى عن التخلق بالأخلاق الرديئة؛ فلو لم يكن ذلك ممكناً، مقدوراً للإنسان، لما ورد به الشرع؛ والإسلام لا يأمر بالمستحيل. ومن القواعد الأصولية، في الفقه الإسلامي: لا تكليف إلاَّ بمقدور، أو لا تكليف بمستحيل. وعلى هذا، فكل إنسان عنده أهلية وقدرة للتحلي بالأخلاق الجيدة، والتخلي عن أضدادها. كما أن عنده أهلية وقدرة على عكس ذلك. ويستأنس لهذا بقول الله تعالى ]وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا(7) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا(8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا(9)وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا[ (سورة الشمس: الآيات 7 - 10). ولكن مع هذا، فإن الناس يتفاوتون في مقدار أهليتهم وقدرتهم واستعدادهم لاكتساب الأخلاق أو تعديلها، كما يختلفون في مدى أهليتهم وقدرتهم واستعدادهم لتلقي العلوم المختلفة، أو إدراك الحقائق الدقيقة؛ نظراً إلى اختلاف عقولهم ومدى ذكائهم.

ب. إن بعض الناس، قد يُجبل على بعض الأخلاق، بحيث تكون هذه الأخلاق بارزة فيه، وظاهرة في سلوكه. ودليل ذلك، أن رسول الله r قال لأشج عبد القيس]إِنَّ فِيكَ خَلَّتَيْنِ يُحِبُّهُمَا، اللَّهُ: الْحِلْمُ وَالأَنَاةُ. قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ r، أَنَا أَتَخَلَّقُ بِهِمَا، أَمْ اللَّهُ جَبَلَنِي عَلَيْهِمَا؟ قَالَ: بَلْ اللَّهُ جَبَلَكَ عَلَيْهِمَا. قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي جَبَلَنِي عَلَى خَلَّتَيْنِ، يُحِبُّهُمَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4548).

ولا شك أن الناس يتفاوتون في ما يجبلون عليه من الأخلاق، كما يتفاوتون في ما يجلبون عليه من قوة الإدراك والذكاء. ويترتب على ذلك، أن من جبل على نوع معين من الأخلاق، يسهل عليه ترسيخ هذا النوع في نفسه، والبقاء عليه؛ لأنه يجد عوناً في ذلك بما جبل عليه.

6. كيف يتحقق تقويم الأخلاق أو اكتسابها؟

إن تقويم الأخلاق أو اكتسابها، يمكن أن يتم بشكل من الأشكال التالية:

أ. بتقليل آثارها، وعدم المضي في تنفيذ مقتضاها، وما تدعو إليه. وهذا بالنسبة إلى الأخلاق، التي تعد من الغرائز في كل إنسان، ومنها الغضب. يدل على ذلك ما جاء عن أبي هريرة t، ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r‏ ‏قَالَ عَلِّمْنِي شَيْئًا وَلا تُكْثِرْ عَلَيَّ لَعَلِّي ‏أَعِيهِ‏ ‏قَالَ ‏‏لا تَغْضَبْ فَرَدَّدَ ذَلِكَ مِرَارًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ لا تَغْضَبْ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1943)؛ وقد قال العلماء في شرح هذا الحديث: إن النهي عن الغضب، ينصرف إلى النهي عن العمل بمقتضى الغضب، أي بلزوم دفع آثار الغضب؛ وليس النهي راجعاً إلى الغضب نفسه؛ لأنه من طباع البشر، فلا يمكن دفعه، ولا استئصاله. فالمطلوب في تقويم خلق الغضب، ليس استئصاله بالكلية؛ فهذا غير ممكن؛ وإنما الممكن هو السيطرة عليه وكظمه، وعدم تنفيذ مقتضاه. يؤيد ذلك ما جاء في القرآن الكريم ]وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ[ (سورة آل عمران: الآية 134). فمدحهم على ضبط غضبهم والسيطرة عليه لا على استئصاله. وفي القرآن أيضاً ]وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ[ (سورة الشورى: الآية 37) فمدحهم على عدم تنفيذ مقتضى غضبهم. وفي الحديث:  ليس الشديد بالصرعة، إنما الشديد من يملك نفسه عند الغضب.

ب. التشذيب والتهذيب، والتوجه الوجهة المرضية في الشرع الإسلامي، مثل خلق الشجاعة، يستعمله صاحبه في الاعتداء وقتل الأبرياء، أو لطلب السمعة والجاه؛ وكالسخاء، يستعمله صاحبه للمباهاة والرياء. فهذان الخلقان، هما في أصلهما محمودان؛ وإنما ذما لانحرافهما عن الغرض الصحيح والوجهة المرضية في الشرع. فتقويمهما يكون بإزالة هذه الأغراض الخسيسة عنهما وتوجيههما الوجهة الصحيحة، بأن تكون الشجاعة لنجدة الضعيف، وإغاثة المظلوم وقهر الظالم، وإعلاء كلمة الله، ومحق الكفر والباطل، ابتغاء مرضاة الله وحده، لا لطلب سمعة، ولا رياء، ولا جاه ولا ثناء. وكذلك السخاء، يوجه إلى الوجهة المرضية عند الله، بأن يكون في سبيله، ولطلب مرضاته، بأن ينفق المسلم ماله في أوجه البر، مثل إكرام الضيف والجار، وكفالة اليتيم، وإعانة المحتاج أو إقراضه، والقيام على الأرملة والمسكين، ونحو ذلك. عن أبي موسى t قال: سئل رسول الله عن الرجل، يقاتل شجاعة ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، أي ذلك في سبيل الله؟ فقال ]‏مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1570). وفي القرآن الكريم ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ[ (سورة البقرة: الآية 264).

وفي الحديث ]‏النَّاسُ مَعَادِنُ فَخِيَارُهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ فِي الإِسْلامِ إِذَا فَقِهُوا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 10065)؛ لأنهم بهذا الفقه يستعملون صفاتهم وأخلاقهم الجيدة في أصلها، استعمالاً صحيحاً، ويوجهونها الوجهة الصحيحة، فيكونون خيار الناس.

ج. استبدال الخلق الجيد بالخلق الذميم ، كاستبدال الصدق بالكذب والوفاء بالغدر، والعدل والإنصاف بالظلم والعدوان. وهذا الاستبدال ممكن في كثير من الأخلاق، حيث يزول الخلق الذميم، ويحل محله خلق جميل؛ كما في الشخص الذي يتوب توبة صادقة.

ثالثاً: وسائل تقويم الأخلاق

هناك وسائل كثيرة لتقويم الأخلاق، واكتساب الجيد منها، والتخلي عن الرديء منها. وقد يكون أهم هذه الوسائل ما يأتي:

1. العلم، أي معرفة أنواع الأخلاق الحسنة، التي أمر بها الإسلام؛ وأنواع الأخلاق الرديئة، التي نهى عنها. وقد كفى الإسلام المسلم مؤنة البحث والاستنباط، فقد فصل الأخلاق بنوعيها. وما على المسلم إلاَّ أن يعرض نفسه على الأخلاق بنوعيها، ليعرف موضعه منها؛ ثم يعمل جاهداً، لتكون أخلاقه أخلاقاً إسلامية حقاً.

2. ولا يكفي أن يعرف أنواع الأخلاق معرفة مجردة، بل يجب أن يعرف المسلم عظيم حاجته إلى الخلق الحسن؛ لأنه متصل بالإيمان وتقوى الله، وسبب للظفر برضوانه، ودخوله الجنان. كما يجب أن يعرف عظيم ضرر الخلق السيئ به؛ لأنه من علامات النفاق، وأمارات ضعف الإيمان وسبب سخط الله، ودخوله النار. إن هذه المعرفة، ستدفعه إلى التخلق بالأخلاق الحسنة؛ رغبة في رضوان الله تعالى كما تدفعه إلى الخلاص من الأخلاق السيئة، خوفاً سخطه؛ لأن من رغب في شيء، سعى إليه؛ ومن خاف من شيء، هرب منه.

3. ولا يكفي المسلم، أن يعرف أنواع الأخلاق السيئة ونتائجها؛ بل عليه أن يستحضر هذه المعرفة في ذهنه، لئلا ينساها؛ فإن آفة العلم النسيان، والنسيان يؤدي إهمال معاني الأخلاق، فيضعف أثرها في النفس، ويصدر عنه ما لا ينبغي من الأفعال. ولهذا، كرر القرآن الكريم معاني الأخلاق، وبين أن ما صدر عن أبينا آدم ـ عليه السلام ـ كان من أسبابه النسيان. قال تعالى ]وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءاَدَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا[ (سورة طه: الآية 115). ولما غضب عمر t حينما قال له رجل إنك: لا تقضي بالعدل، لا تقضي بالحق؛ قال بعض الحاضرين: يا أمير المؤمنين، إن الله تعالى يقول ]خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 199). وهذا من الجاهلين. فقال عمر: صدقت. وذهب عنه الغضب. فالتذكر الدائم لمعاني الأخلاق، وتذكر الأساس، الذي قامت عليه، وهو الايمان بالله ـ تعالى ـ، وأن الالتزام بمقتضى الأخلاق، من ثمرات الإيمان ومن معاني الإسلام ـ كل هذا يجعل سلوك المسلم في حدود الأخلاق الإسلامية.

4. الاهتمام الكامل بتقوية معاني العقيدة الإسلامية في النفس، وعلى رأس هذه المعاني الإيمان بالله، وباليوم الآخر، وبرسالة محمد، والإحساس بالغربة في هذه الدنيا، وأن المسلم عما قريب سيرحل عنها، وأنه سيجازى على أعماله؛ ومن أعماله أخلاقه، وأن الله تعالى وعد وعد الصدق بالثواب للمتخلقين بأخلاق الإسلام، ووعد بالعقاب لمن رفض أخلاقه الإسلام.

إن تقوية معاني العقيدة الإسلامية، في النفس، يؤدي انفتاح تلك النفس، وتقبلها لمعاني الأخلاق الإسلامية؛ لأن هذه الأخلاق موصولة بالإيمان ومعاني التقوى، وهذه الصلة تشتد كلما قوي الإيمان في النفس، ورسخت العقيدة فيها؛ مما يجعل أخلاق المسلم الطيبة ثابتة، راسخة، لا تزول، ولا تضعف؛ لأنها موصولة بالقوي العزيز. وتجد مادة بقائها واستمرارها وصلاحها، في هذا الفيض، الذي لا ينضب، الإيمان بالله، ولوازم هذا الإيمان. فالمسلم لا يمكن أن يكون ذليلاً أبداً، مثلاً، لأنه موصول بالقوي العزيز، الذي له العزة جميعاً ]فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا[ (سورة النساء: الآية 139). وللمؤمنين المتصلين به نصيب من العزة  ]وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ[ (سورة المنافقون: الآية 8). والمؤمن لا يخاف مخلوقاً، ولا يخشاه، ومن ثم لا يتملقه، ولا يذل له، ولا ينافق عنده؛ لأن الأمور كلها بيد الله، ومنها النفع والضر، والرزق والحياة والموت ]وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ[ (سورة يونس: الآية 107). وعزة المؤمن، لا يقترن بها ذرة من كبر أو طغيان، أو جبروت، أو خيلاء، أو عجب بالنفس؛ لأن عزة المؤمن قائمة على الإيمان بالله. والله وحده له الكبرياء والجبروت، وكل ما سواه فقير مقهور؛ فأنى للفقير المقهور، أن يتكبر أو يتجبر على غيره!

ولهذا، لا يكون المسلم إلاَّ متواضعاً؛ لأنه عرف قدر نفسه، بعد أن عرف ربه؛ ومن عرف قدر نفسه، لن يتكبر أبداً. ومع العزة والتواضع، صبر جميل، وثقة كاملة، ورجاء لا يشوبه يأس، وطمأنينة لا يخالطها قلق؛ لأن الإيمان يثمر هذه الأخلاق الفاضلة. قال تعالى ]أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ[ (سورة الرعد: الآية 28)؛ ولأن ما هو مقدر، فهو كائن، فلا داعي للقلق والاضطراب ]قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلاَّ مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا[ (سورة التوبة: الآية 51)؛ ولأن من يتوكل على الله، فهو حسبه. والشجاعة والجرأة والإقدام والثبات على الحق، ونحو ذلك، أخلاق راسخة في المسلم، ما دام قلبه معموراً بمعاني الإيمان؛ لأن إيمانه يعلمه، أن الحياة لا تستحق أن يهن فيها المسلم أو يجبن، أو يحجم حيث يجب الإقدام؛ إذ الآجال قد فُرغ منها، وأن الموت لا بد أن يلاقيه كل حي. قال تعالى]كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ[ (سورة آل عمران: الآية 185). ]وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلاً[ (سورة آل عمران: الآية 145). والقناعة وعفة النفس، والاستغناء عن الناس وعما في أيديهم، ثمرات طيبات زاكيات من ثمار الإيمان؛ لأن المسلم يؤمن بقول الله تعالى ]قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ (سورة آل عمران: الآية 73)؛ وأن الرزق بيد الله ]اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ[ (سورة الرعد: الآية 26). وهكذا بقية الأخلاق، ترسخ وتدوم وتستمر، ما دامت قائمة على إيمان عميق، يتخلل شغاف القلب، وتصبغ به النفس. فتعميق الإيمان في النفس، وتقوية معاني العقيدة، وسيلة مهمة جداً للتخلق بالخلق الحسن، والتخلي عن الرديء.

5. مباشرة الأعمال الطيبة، التي تساعد أو تؤدي تقويم الأخلاق، أو تسهل على النفس قبول الأخلاق الزكية، وطرد الخبيثة. فالعلم وحده، من دون عمل، لا يكفي. قال تعالى ]قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا[ (سورة الشمس: الآية 9). ولم يقل ربنا تبارك وتعالى قد أفلح من تعلم كيفية تزكيتها؛ فلا بد من تزكية فعلية، بمباشرة الأعمال المحققة لزكاة النفس، وتخليصها من أمراض الأخلاق الرذيلة. إن المريض، الذي يوصف له العلاج، أو يقدم له العلاج فعلاً، ولا يستعمله، لن يستفيد منه؛ وإن ظل ينظر إليه، ويكرر القول في تركيبه وكيفية صنعه.

6. ومن أنواع الأعمال الطيبة النافعة، لتقويم الأخلاق، القيام بأنواع العبادات والطاعات، المفروضة والمندوبة؛ لأنها تزكي النفس، وتسهل عليها اكتساب الأخلاق الطيبة، وطرد الأخلاق الخبيثة، فهي لها طهرة وزكاة وقوة ووقاية. وقد أشار القرآن إلى هذه المعاني، قال تعالى في الصلاة ]إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ[ (سورة العنكبوت: الآية 45). وقال عن الزكاة ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا[ (سورة التوبة: الآية 103)؛ تطهرهم من البخل والشح، وتصفي نفوسهم من الكدورات والأخلاق الرديئة. والصوم يربي في الإنسان فضيلة الصبر، وقوة الإرادة والعزيمة، والأخلاق والخلاص من الرياء. والحج تربية عملية للروح، ورياضة مؤثرة في النفس، ووسيلة فعالة، لاكتساب كثير من الأخلاق، والتخلص من كثير من ذميم الصفات. في الحج تربية على الصبر والإخلاص، والاستعلاء على شهوات الجسد، وإنفاق المال في ما يحبه الله، والتخلص من الكبر والعجب والغرور، وتجاوز الإنسان قدر نفسه، وغير ذلك، مما هو معروف ومذكور في موضعه في كتب الفقه. وهكذا بقية العبادات، بدوامها تزكو النفس، فتدوم فيها معاني الإيمان والتقوى؛ ومنها الأخلاق الرضية، لأن هذه الأخلاق، لا تنبت إلاَّ في النفس الزكية؛ ولا شيء مثل العبادات، بأنواعها المختلفة، يزكي النفس ويهيئها لاكتساب الأخلاق الطيبة، والتخلص من الأخلاق الرديئة. وفي كتاب الله إشارة إلى هذه المعاني، قال تعالى ]إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا(19)إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا(20)وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا(21)إِلاَّ الْمُصَلِّينَ(22)الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ(23)وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ[ (سورة المعارج: الآيات 19 - 24).

7. القيام بالأعمال المضادة للأخلاق، التي يراد التخلص منها، أو المضادة لمقتضاها. ويمكن أن يسمى هذا المسلك بمسلك التضاد، أو المراغمة للشيطان؛ لأن الشيطان يفرح لكل خلق رديء، ويعمل على بقائه في النفس، ويزينه في عين صاحبه، بما يلقيه من مبررات باطلة. فإذا قام الإنسان بعمل يناقض هذا الخلق، ولا يتفق وما يقتضيه، كان ذلك، بلا شك، إغاظة للشيطان ومراغمة له؛ مما يدعوه إلى الكف عن تزيين هذا الخلق الرديء، ونفث المبررات الباطلة له. وإذا خنس الشيطان، أمكن هذا العمل أن يزعزع كيان هذا الخلق الرديء، أو يقضي عليه، كما يقضي العلاج الفعال على المرض. ومما يدل على جودة هذا المسلك، وأثره في تقويم الأخلاق، ما ورد في الحديث، أن رجلا شكا إلى رسول الله r قسوة قلبه، فقال له الرسول r ]امْسَحْ رَأْسَ الْيَتِيمِ وَأَطْعِمْ الْمِسْكِينَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8657).

ومن أمثلة أعمال التضاد والمراغمة، علاج الحسد، بأن يبادر الحاسد إلى الاستغفار، والدعاء بالخير للمحسود؛ فإنه سيشعر بزوال الحسد من قبله. ومن علاج الكبر، جلوس المتكبر مع الفقراء والمساكين والصعاليك، والجلوس في آخر المجلس، والقيام بالأعمال التي يعدها الناس حقيرة، لا تليق بالمتكبرين، مثل حمل الحطب ونحو ذلك.

ومما يمكن عده من أعمال هذه الوسيلة، ما جاء في الحديث: ]‏‏إِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ وَهُوَ قَائِمٌ فَلْيَجْلِسْ فَإِنْ ذَهَبَ عَنْهُ الْغَضَبُ وَإِلاَّ فَلْيَضْطَجِعْ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 20386). وفي حديث آخر ]‏إِنَّ الْغَضَبَ مِنْ الشَّيْطَانِ وَإِنَّ الشَّيْطَانَ خُلِقَ مِنْ النَّارِ وَإِنَّمَا تُطْفَأُ النَّارُ بِالْمَاءِ فَإِذَا غَضِبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4152).

8. مسلك التكلف، فيتكلف الإنسان الأخلاق، التي يريد التخلق بها، كما لو أراد أن يكون حليماً، فإنه يأتي به تكلفاً مراراً، حتى تألفه النفس وتعتاده، ويصير لها كالطبع والسجية. ويؤيد جودة هذا المسلك، ما ورد في الحديث ]إنَّمَا الْعِلْمُ بِالتَّعَلُّم, وَالْحِلْمُ بِالتَّحَلُّمِ[ (رواه الطبراني والدارقطني، وصححه الألباني). وهذا المسلك، يحتاج إلى تكرار ودوام، حتى ينتج أثره. وهذا الدوام، يستلزم الصبر. فعلى الإنسان، الذي يريد التخلق بنوع من الأخلاق الرضية، من طريق التكلف، أن يتجمل بالصبر؛ فإنه ضروري له ضرورته للمريض، الذي تناول الدواء المر. فإذا صبر وداوم، انقادت النفس، وألفت الفعل، ثم يصبح الفعل لها لذيذاً؛ كالذي يريد أن يحسن خطه، فإنه بتكرار الكتابة والخط، يحسن خطه. ثم يصبح الخط، بالنسبة إليه شيئاً سهلاً ولذيذاً.

9. مخالطة المؤمنين ذوي الأخلاق الحسنة، ومجالستهم والسماع منهم؛ لأن رؤية الرجل الصالح ذي الخلق الحسن، ومجالسته والسماع منه، تؤثر في جليسه، فيدفعه إلى اقتباس بعض أخلاقه؛ وقديماً قيل: الطبع يأخذ من الطبع. وقد ورد عن أبي سعيد، أنه سمع رسول الله r يقول ]‏لا تُصَاحِبْ إِلاَّ مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعَامَكَ إِلاَّ تَقِيٌّ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 4192)؛ لأن المرء يقتدي بمن يعاشره ويصاحبه ويجالسه، فيقتبس منه صفاته. ولهذا، كان السلف الصالح يوصون، أو يأمرون بهجر أصحاب البدع والمعاصي، وذوي الأخلاق الرذيلة.

10. اتخاذ القدوة الحسنة، وخير القدوة على الإطلاق الرسول الكريم؛ قال تعالى ]لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا[ (سورة الأحزاب: الآية 21). فإذا فات المسلم، الآن، رؤية رسول الله r ببصره، فلن تفوته رؤيته ببصيرته، باستحضار سيرته العطرة، وشمائله الكريمة، وأخلاقه العظيمة. ومن القدوة الحسنة أيضاً استحضار سيرة أصحابه الكرام، المملوءة بالخير وجليل الأعمال، وكريم الأخلاق، ولا سيما سيرة الخلفاء الراشدين، والعشرة المبشرين بالجنة، وأصحاب بدر، وأصحاب بيعة الرضوان، وسائر المهاجرين والأنصار.

11. ترك البيئة الفاسدة، والفرار منها، كما يفر المرء من المكان الموبوء؛ والتحول إلى البيئة الصالحة، التي تضم الجماعة الصالحة، من المؤمنين الطيبين. فإن هذه البيئة الصالحة، تقوي في المؤمن معاني الأخلاق الفاضلة، وتقيه من الأخلاق الرديئة. ولا يجوز له التعرض للبيئة الفاسدة ذات الناس الفاسدين، بحجة أنه متين الأخلاق، لا يخشى عليه التأثر بهم أو بها؛ فإن هذا غرور ووهم، ومثاله مثال من تعرض للمكان الموبوء بمرض السل ونحوه، بحجة أنه قوي البنية.

ورد في الحديث، أن رجلاً قتل مائة نفس. ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدل على رجل عالم، فأتاه، فقال: "إنه قتل مائة نفس. فهل له من توبة؟ فقال: نعم. ومن يحول بينك وبين التوبة؟ انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإن بها ناساً، يعبدون الله، فاعبد الله معهم إلى أرضك فإنها أرض سوء". فهذا الحديث يدل على ضرورة التحول من المجتمع الفاسد إلى المجتمع الطيب، أو إلى الجماعة الطيبة المؤمنة العابدة؛ فإن العيش معها، والبقاء معها، أدعى إلى استقامة الشخص، وابتعاده عن السوء. والبيئة الفاسدة، هي كل ما يعرضك للمعصية وسوء الأخلاق. والبيئة الصالحة، هي كل ما يعنيك على طاعة الله وتقواه؛ ومنها حسن الأخلاق.

12. الحرص على كل صفة جميلة، كأنها جوهرة نفسية، يجب صونها وحفظها وعدم التفريط بها؛ وعدم الاستهانة بكل صفة قبيحة، وإن بدت بسيطة قليلة الشأن؛ لأن المسلم لا يستقل أبداً أي خلق حسن، ولا يستهين بأي خلق سيئ؛ فرب صفة طيبة، ترفعه إلى درجات عالية؛ ورب صفة خبيثة تدخله النار. وقد مدح الله تعالى رسوله، إسماعيل u بصفة صدق الوعد؛ قال تعالى ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْد[ِ (سورة مريم: الآية 54). وتعفي الحديث ]اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ ‏بِشِقِّ تَمْرَةٍ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 18577).  كما أن الصفة الواحدة، والمحافظة عليها، والدوام عليها، تؤدي رسوها، فإن كانت صفة خير، كان ذلك خيراً؛ وإن كانت صفة شر، كان ذلك شراً؛ والخير يؤدي الخير، والشر يؤدي الشر. جاء عن النبي r أنه قال]عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ وَإِنَّ الْبِرَّ يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ U صِدِّيقًا وَإِيَّاكُمْ وَالْكَذِبَ فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى ‏الْفُجُورِ ‏‏وَإِنَّ ‏الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ ‏‏وَيَتَحَرَّى ‏الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ U كَذَّابًا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 3456).

13. على المسلم أن يروض نفسه على قبول نصيحة المتدين، الكيس، الورع، الصادق؛ فإن المؤمن يرى من عيوب غيره، ما لا يرى الغير من عيوب نفسه؛ ومن هنا، حسنت صحبة الأخيار. وكان عمر يقول: "رحم الله امرءاً، أهدى إلي عيوبي". إن الناصح الصدق، الذي يدلك على عيوبك، وسوء بعض أخلاقك ـ يستحق منك الشكر والتقدير. إنك تشكر من يدلك على عقرب، تدب على جسمك، أو تختفي تحت ثيابك، وتسارع إلى إلقائها بعيداً عنك؛ فكذلك، يجب أن تفعل نحو من ينصحك، ويدلك على عيوب أخلاقك؛ لأن الأخلاق الرذيلة عقارب؛ ولكنها تؤذي القلب، وتفرغ فيه سمومها.