إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / مبادئ الدين الإسلامي









المبحث الأول

المبحث الأول

مقومات الإسلام العقائدية

العقيدة الإسلامية، هي خاتمة العقائد السماوية. وقد تكفل ببيانها والتدليل عليها، كل من القرآن الكريم، وسُنة الرسول العظيم، متمثلة في أركان الإيمان الستة، وهي الإيمان بالله، واليوم الآخر، والملائكة، والكتاب، والنبيين، والقدر خيره وشره.

هذه العقيدة، هي التي تحل لغز الوجود، وتفسر للإنسان سر الحياة والموت، وتجيب عن أسئلته الخالدة: من أين؟ وإلى أين؟ ولِمَ؟ إنها العقيدة المصفاة، التي بُعث بها أنبياء الله جميعاً، ونزلت بها كتب السماء قاطبة، قبل أن ينال منها التحريف والتبديل. إنها الحقائق الخالدة، التي لا تتطور، ولا تتغير، عن الله، وعن خلقه لهذا العالم، وتسييره لجميع شؤونه ومجرياته؛ وعن حقيقة الحياة، ودور الإنسان فيها، وعاقبته بعدها. إنها الحقائق، التي علمها آدم لبنيه، وأعلنها نوح في قومه، ودعا إليها رسل الله جميعاً.

أولاً: الإيمان بالله تعالى

ومعناه الإيمان بوجود الله U، وبربوبيته لكل شيء، وبألوهيته: أي وجوب عبادته وحده، من دون شريك. ووجود الله، يشهد به العديد من الأدلة على أن وراء هذا الكون قوة عليا، تحكمه، وتديره، وتشرف عليه؛ سماها أحدهم "العلة الأولى"، وسماها غيره "العقل الأول"، وسماها ثالث: "المحرك الأول"، وسماها القرآن بهذا الاسم الجامع لصفات الجمال والجلال: "الله".

هذا الإله العظيم، ليس في استطاعة العقل البشري إدراك كنهه، ولا معرفة حقيقته. كيف وقد عجز الإنسان عن معرفة كنه ذاته، وكنه النفس وحقيقة الحياة، وكثير من حقائق الكون المادية، من كهربية ومغناطيسية وغيرها! وما عرف إلا آثارها، فكيف يطمع في معرفة ذات الله العلي الكبير! إن هذا العالم، وما فيه من مخلوقات متنوعة، يشهد بوجود خالقه، وهو الله U؛ إذ ليس في الوجود من ادعى خلق هذا العالم وإيجاده سواه. كما أن العقل البشري ينكر وجود شيء بلا موجد، بل إنه ينكر وجود أبسط شيء بلا موجد، فكيف بهذا العالم الهائل، وما فيه من سماوات وأفلاك ونجوم، وإنسان وجان وحيوان، وما فيه من نظام دقيق وسنن كونية، شواهد بوجود إله واحد!

هذا الإله، إنما هو ]رَبِّ الْعَالَمِين[ (سورة الفاتحة: الآية 2)، ]رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ[ (سورة الكهف: الآية 14)، ]رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ[ (سورة المزمل: الآية 9)، ]وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ[ (سورة الأنعام: الآية 164).

والحجة التي يلفت القرآن أنظار الناس إليها، للإيمان بالله، مبنية على المنطق والعقل والوجدان، أو بصيرة النفس. والحجة العقلية للإيمان مبنية على الدعوة، التي ينادي بها الإسلام، للتأمل في طبيعة الوجود: الأرض والسماوات والأسرار وقوانين الطبيعة واتساق الوجود ووحدته. هكذا يتوصل المرء إلى أنه يستحيل أن يكون هذا الوجود، قد خلق نفسه بنفسه؛ أو خلقته قوى متعارضة أو متناقضة؛ أو أنه خُلق بلا غاية، ولا غرض. إن هذا الوجود، خلقته قوة بناءة خلاقة خارقة، فوق قوى الطبيعة، تهديه، وتدبر أموره، بالعلم المطلق والحكمة السديدة.

ففي كل سورة تقريباً برهان عقلي، يثبت أن الله هو الذي خلق الوجود، وأظهر فيه آياته ]إِنَّ فِي خَلْقِ السماوات وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَالْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِمَا يَنْفَعُ النَّاسَ وَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ مَاءٍ فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَتَصْرِيفِ الرِّيَاحِ وَالسَّحَابِ الْمُسَخَّرِ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[ (سورة البقرة: الآية164). ]وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الأُكُلِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ[ (سورة الرعد: الآية 4). ]وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْيدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ(47) وَالأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ(48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ (سورة الذاريات: الآيات 47 ـ 49).

ليست هذه سوى أمثلة قليلة، من الآيات الكثيرة، التي تقدم البراهين العقلية على قدرة الله، خالق هذا الكون.

أمّا البراهين البديهية على الإيمان بالله، فتتمثل في وجود إحساس غريزي بالإيمان بالله العلي القدير، خالق الكون. وهو الإحساس الذي يشعر به المرء، حينما يتحرر من الميول والنزعات، أو حينما تدهشه مشكلة أصل الوجود، أو حين تواجهه المشاق والصعاب، وتلم به النكبات. وهذه الحقائق، يوضحها قوله تعالى ]وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ[ (سورة فصلت: الآية51). ]وَإِذَا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ[ (سورة لقمان: الآية 32).

ويعطي القرآن مثلاً على هذا الإيمان المفاجئ، الغريزي، حينما يصف، مفصلاً، شعور فرعون، وقد جوبه بالموت غرقاً، وأدرك استحالة الفرار ]وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ (90) آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ (91) فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ[ (سورة يونس: الآيات 90 ـ 92).

وحين يهدي القرآن الناس، ليؤمنوا بالله، يهدف إلى تحويل فكر الإنسان من المحاولة غير المجدية لمعرفة ذات الله وكنهه، وهدايته إلى معرفة آثار قدرته U في خلق الوجود وأعماله، التي تدل على صفاته وقدرته وكماله. ويوضح القرآن، أن كل محاولة لمعرفة ذات الله، أو وصفه بما لم يصف به نفسه، ولم يصفه به رسوله، ستذهب أدراج الرياح؛ إذ يقول الله U ]ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ (102) لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ[ (سورة الأنعام: الآيتان 102، 103).

وبيَّن أن رؤيته في الدنيا من المحال ]وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلا تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ(142) وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة الأعراف: الآيتان 142، 143). وقال ]لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير[ (سورة الأنعام: الآية 103). 

ثانياً: الإيمان بالرسل

من تمام حكمة الله، أن هيأ للإنسان زاده الروحاني، كما هيأ له زاده المادي. وأنزل الوحي من السماء؛ لتحيا به القلوب والعقول، فأرسل رسله بالبينات، ليهدوا الناس إلى الله، ويقيموا الموازين بالقسط بين العباد. والهداية بالوحي، هي أعلى مراتب الهداية، التي منحها الله الإنسان.

]كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ (سورة البقرة: الآية 213). ]لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ[ (سورة الحديد: الآية 25).

وهكذا يؤمن المسلم بأن الله تعالى قد اصطفى من الناس رُسلاً، وأوحى إليهم، بشرعه، وعهد إليهم بإبلاغه؛ لقطع حجة الناس عليه، يوم القيامة. وأرسلهم بالبينات، وأيدهم بالمعجزات، ابتدأهم بنبيه نوح، واختتمهم برسوله محمد.

وإنهم، وإن كانوا بشراً، يجري عليهم الكثير من الأعراض البشرية، فيأكلون ويشربون، ويمرضون ويصحون، وينسون ويذكرون، ويموتون ويحيون؛ إلا أنهم أكمل خلق الله تعالى على الإطلاق، وأفضلهم بلا استثناء. ولا يتم إيمان عبد، إلا بالإيمان بهم جميعاً، جملة وتفصيلاً؛ لأن رحمة الله تعالى، تقتضي إرسال رُسُل منه إلى خلقِه، ليُعرفُوهم بربهم، ويرشدوهم إلى ما فيه رقيهم الإنساني، وسعادتهم في الحياتين، الأولى والثانية.

ولأنه تعالى خلق الخلق لعبادته؛ إذ قال U ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ[ (سورة الذاريات: الآية 56). فهذا يقتضي اصطفاء الرسل، وإرسالهم؛ ليعلموا العباد كيف يعبدونه تعالى ويطيعونه؛ إذ تلك هي المهمة، التي خلقهم من أجلها.

ولأن الثواب والعقاب مبنيان على آثار الطاعة والمعصية في الناس، فهذا أمر يقتضي إرسال الرسل، وبعثة الأنبياء؛ لئلا يقول الناس، يوم القيامة: إننا، يا ربنا، لم نعرف وجه طاعتك حتى نطيعك، ولم نعرف وجه معصيتك حتى نتجنبها؛ ولا ظلم ،اليوم، عندك، فلا تعذبنا. فتكون لهم الحجة على الله تعالى فكانت هذه حالاً اقتضت بعثة الرسل، لقطع الحجة على الخلق. قال تعالى ]رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[ (سورة النساء: الآية 165).

وقد اختار الله رسله بشراً، كل رسول من بني قومه، يعرفهم ويعرفونه؛ لكي يتيسر لهم تصديق ما يقوله، والاقتداء بما يفعله. يقول الله، في كتابه العزيز]وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(7) وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ[ (سورة الأنبياء: الآيتان 7، 8).

وكان لكل عصر رسالته. وفي جميع هذه الرسالات، ظلت المبادئ، التي يتلقنها الناس، واحدة. وهي الدعوة إلى توحيد الله، والالتزام بأوامره، واجتناب نواهيه. وقد ضرب الرسول محمد t مثلاً لوحدة الرسالات الإلهية، بأن الرسل جميعهم بناة، يشيدون بيتاً واحداً، أرسى قواعده الرسل الأوائل، ليبني فوقه من جاء بعدهم من الرسل. والقرآن يدعو الناس إلى الإيمان برسل الله كافة، وبكتبه التي أنزلت إليهم. والإيمان ببعض الرسل، والكفر بآخرين، ضلال، من وجهة النظر الإسلامية.

إن الذين يؤمنون ببعض الرسل، ويكفرون ببعض، سينالون عقابهم. يقول الله تعالى، في كتابه العزيز]إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً(150) أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا[ (سورة النساء: الآيتان 150، 151)[1]. ومن ناحية أخرى، سينال الذين يؤمنون بجميع رسله ثوابهم ]وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلَمْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ أُولَئِكَ سَوْفَ يُؤْتِيهِمْ أُجُورَهُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[ (سورة النساء: الآية 152).

إن وظيفة الرسل، هي هداية الناس بالتنزيل. وهؤلاء الرسل جديرون بأعلى مراتب الشرف والتبجيل؛ إذ إنهم قدوة للناس جميعاً، من دون سيطرة أو سلطة على عقولهم، أو أفئدتهم. والرسل بشر، لم تبدل رسالتهم طبيعتهم البشرية، ولم تجعل منهم كائنات فوق الطبيعة. وكان لهم شرف عظيم، بأن اصطفاهم الله U، ليكونوا رسله؛ ولكنهم ظلوا بشراً. وعظمتهم هي في بلاغهم رسالتهم. يقول تعالى ]قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا[ (سورة الكهف: الآية 110).

والله يؤيد رسله بالمعجزات الخارقة. فقد أيد موسى بالعصا، التي تتحول إلى ثعبان؛ لأن قوم فرعون، كانوا يؤمنون بالسحر، وبارعين فيه. وأيد عيسى بالقدرة على إحياء الموتى، وشفاء العلل المستعصية، كإبراء الأعمى والأبرص؛ لأن قومه، كانوا ماهرين في الطب. وأيد محمداً بمعجزة باقية خالدة، هي القرآن الكريم؛ لأن قومه هم أهل البلاغة والفصاحة واللغة.

والرسل جميعاً صادقون، معصومون من الوقوع في الذنوب والخطايا. وما نُسب إلى بعضهم من أخطاء، فإنما كانت اجتهاداً منهم، يُثابون عليه؛ وسيئات الأبرار حسنات المقربين.

معنى الإيمان بالرسل

1. الشهادة باللسان، مع الإقرار والاعتقاد بالقلب، أن الله، من رحمته، أرسل الرسل في كل أمة؛ يهدونهم إليه، ويبصرونهم بدينهم.

2. الإيمان بأن جميع الرسل معصومون من الأخطاء المتعمدة.

3. الإيمان بأن محمداً، هو خاتم الرسل والأنبياء؛ وأنه لا رسول بعده. ومن ادعى النبوة بعده، فهو كاذب كفار.

4. الإيمان بأن كل نبي، كان يبعث إلى قومه خاصة؛ وأن محمداً قد بعث إلى الناس جميعاً: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ[ (سورة سبأ: الآية 28). ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ[ (سورة الأنبياء: الآية 107). ]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً[ (سورة الأعراف: الآية 158).

يترتب على ذلك ضرورة أن يستقيم عمل المؤمن وسلوكه، وفق ما جاء به محمد من ربه، على وجه الاتباع له، والقبول منه، لكونه مفوضاً من الله في تبليغ أوامره ونواهيه. وأن يجتهد المسلمون، في أقطار الأرض كلها، في دعوة غيرهم، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالمثل الطيب والقدوة الصالحة، إلى الإيمان برسالة محمد، والدخول في الإسلام؛ بغرض إنقاذهم من النار ودعوتهم إلى رحمة الله والجنة.

ثالثاً: الإيمان بالملائكة

ومعناه الإيمان بوجودهم، وبأنهم خُلقوا من نور؛ ]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r خُلِقَتْ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 5314) وبأنهم ذوو أجنحة، مثنى وثلاث ورباع؛ أو أكثر من ذلك. وأنهم يطيعون الله دائماً، ولا تتوجه إرادتهم إلاَّ إلى الخير. وهم يخافون الله خوفاً شديداً، ولا يعصونه طرفة عين.

ولهم وظائف، ينفذون بها أوامر الله ومشيئته. فمنهم المكلف بالوحي، وتبليغ أوامر الله ورسالاته إلى أنبيائه ورسله؛ ومنهم جبريل، وهو أعظم الملائكة، ورئيسهم، وله مقام عظيم عند الله؛ وهو المكلف بالوحي، الذي هو حياة القلوب والأرواح. يليه ميكائيل، وهو سيد الملائكة الموكول إليه بحياة الإنسان والحيوان والنبات؛ وهو الموكول إليه المطر. وأولئك الملائكة معه، هم الذين يسيرون السحاب، بأمر الله، وينزلون المطر، ومع كل قطرة من الماء ملك، يبين موقعها من الأرض.

ثم إسرافيل، وموكول إليه ببعث البشر بعد موتهم؛ فهو الذي ينفخ في الصور، فيقوم الناس لرب العالمين.

تتولى الملائكة جميع وظائف تسيير الكون، بإذن الله. فهناك ملائكة موكول إليهم الشمس، وأخرى القمر، وجميع الظواهر الكونية. ومنها ملائكة تتولى تأييد الأنبياء، وتثبيت أقدام المؤمنين. وأخرى تتنزل على المؤمنين، مواسية، مشجعة، تبشرهم بالجنة الخالدة. ومنها ملائكة الموت الموكول إليهم قبض أرواح العباد. ومنها ملائكة، تسجل أفعال البشر، وتحتفظ بالسجلات إلى يوم القيامة؛ ليحاسب الناس على أعمالهم[2].

ومنها ملائكة حملة العرش، يسبحون بحمد ربهم. والملائكة جميعهم في عبادة وتسبيح وصلاة دائمة. ومن صفاتهم أنهم يحبون المؤمنين، ويستغفرون لهم.

رابعاً: الإيمان بالكتب المنزلة

يشمل الإيمان بالرسل اليقين بجميع الكتب المنزلة، المشتملة على تعاليم العقائد الصحيحة ومبادئها، والشرائع السماوية، التي ترشد الناس إلى معرفة ما أحل الله وما حرم. والإسلام يدعو الناس إلى الإيمان بجميع كتب الله، المنزلة على الرسل، كصحف إبراهيم u، والتوراة (المنزلة على موسى u)، والإنجيل (الذي أنزل على عيسى u)[3]. والزبور الذي أنزله الله على داود u، والقرآن الكريم. ويرى الإسلام، أن كل من أنكر أيّاً من هذه الكتب السماوية، هو غير مؤمن.

ويقتضي الإيمان بالكتب التصديق بأنها جميعاً من عند الله، وأنها قد نالها التحريف والتبديل، إلاَّ القرآن؛ لأن الله تكفل بحفظه، في السطور والصدور، إلى يوم القيامة. ومبادئ الإسلام تأمر بالإيمان بكل ما جاء في الكتب السابقة إجمالاً، وبما ذكره القرآن الكريم تفصيلاً.

خامساً: الإيمان بالآخرة

ومعناه الإيمان بمنازل الآخرة، وأولها الموت، وأنه شيء محتوم نهاية كل حي؛ والإيمان بسؤال الملكين في القبر؛ والإيمان بنعيم القبر للمؤمن، وعذابه للكافر والفاسق؛ ثم الإيمان بيوم البعث، للفصل بين الناس. ويقتضي الإيمان باليوم الآخر الإيمان بأشراط الساعة وأماراتها، كخروج المسيح الدجال، ويأجوج ومأجوج، ونزول عيسى u، وخروج الدابة، وطلوع الشمس من مغربها، وغير ذلك. كما يقتضي كذلك الإيمان بالصراط، وهو جسر بين الجنة والنار، لا يتجاوزه إلاَّ الفائزون؛ ثم الإيمان بميزان الأعمال؛ والإيمان بحوض النبي، الذي يشرب منه المؤمنون، فلا يظمأون بعده أبداً،. ونهر الكوثر الذي اختص به، والمذكور في القرآن. ثم الإيمان بالجنة ونعيمها ودوامها، والإيمان بالنار وعذابها ودوامها؛ لأعداء الله، خالدين فيها، لا يموتون، ولا يحيون.

سادساً: الإيمان بالقضاء والقدر

يؤمن المسلم بحكمة الله ومشيئته، في قضائه وقدره.

والقضاء: حكم الله سبحانه أزلاً، بوجود شيء أو عدمه.

والقدر: إيجاد الله ـ تعالى ـ الشيء على كيفية خاصة، في وقت محدد.

ومن ثم، يؤمن المسلم بأنه لا يقع شيء في الوجود، إلاَّ بعلم الله وتقديره؛ وأن ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه.

وهكذا، فإن المكره على فعل الشر، لا يعاقب عليه. والله إنما يؤاخذ على ما في فعله أو تركه خيار. للإنسان ما كسب، وعليه ما اكتسب، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، والله لا يظلم مثقال ذرة.

أهمية الإيمان بالقضاء والقدر

والقصد من الرسالات والتنزيلات الإلهية، تقوية نزعة الخير عند الإنسان، وهدايته إلى الكمال، في هذه الحياة؛ وبذلك يتم وضع الأسس للحياة الأخرى.

ويشير الإسلام إلى أن كل امرئ، ينبغي أن يختار لنفسه إما طريق السعادة، بالأعمال الصالحة؛ أو طريق الشقاء والعذاب، بالأعمال الشريرة. والإسلام إذ يضع المسؤولية على كاهل كل فرد، لا يفرق بين البشر، فكل امرئ له الحقوق نفسها، وعليه المسؤوليات نفسها، بغض النظر عن الجنس والعنصر واللون أو أي فروق أخرى؛ والله يجازي المؤمنين الصادقين المخلصين، يقول U: ]مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ (سورة النحل: الآية 97).

والإنسان، في رأى الإسلام، يختار الخير أو الشر، بمحض إرادته؛ ويثاب أو يعاقب وفاق أعماله. وليس لرسالات الله ورسله، إلا أن تهديه إلى طريق الحق، وترشده إلى الخير؛ ولكنه يظل حراً حرية تامة في اختيار ما يشاء. وليس هناك قوة خارقة للطبيعة، تحدد للإنسان طريق سلوكه، أو ترغمه على السير في طريق معين.

ولا عذر للخارجين عن منهج الله، بعد إقامة الحجة. وليس لهم أن يرتكبوا الشرور والآثام، ثم يحتجون بقدر الله، وأن الله كتب عليهم أفعالاً معينة؛ وإنما المسؤولية الكاملة، تقع على كاهل كل امرئ؛ لأنه حر في أفكاره وأفعاله، ولأن الرسل قد هدته إلى ما فيه الخير ]سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا ءاََبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلا تَخْرُصُونَ (148) قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ[ (سورة الأنعام: الآيتان 148، 149).

لذا، لا يسمح أن يحيد المرء عن جادة الإيمان الصحيح، ثم يعتذر بأن ذلك كان قضاء وقدراً. فلو كان الأمر كذلك، لكانت أوامر الله، وإرسال الرسل، وتنزيل الكتب الإلهية، والوعد بالثواب والعقاب، كلها لاغية، باطلة، ولاستحال التوفيق بين ذلك وحكمة الله وعدالته؛ ]سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ[ (سورة الأنعام: الآية100).



[1] ويقول U ]آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ[ (سورة البقرة: الآية 285).

[2] ويقول U: ]وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيد ِ(16) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ(17) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ [ (سورة ق: الآيات 16 - 18)

[3] ]وَقَفَّيْنَا عَلَى ءاَثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَءاَتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ[ (سورة المائدة: الآية 46)، ]وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْءَانِ[ (سورة التوبة: الآية 111)