إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / مبادئ الدين الإسلامي









المبحث الثالث

المبحث الثالث

مبادئ الإسلام، في قضايا الحرب والسلام

اهتم الإسلام بالسلام، وعدَّه من أعظم نعم الله على خلقه. والمقصود بالسلام، هنا، هو الأمن والأمان؛ وهو من الأمور التي اهتم بها الإسلام، وأعطاها الأولوية، في معاملته الإنسانية، في حالي الحرب والسلم.

1. إن الله سبحانه وتعالى امتن بالسلام على قريش، وأمرهم أن يشكروه له؛ بتوحيد العبادة له ـ سبحانه وتعالى ـ فقال: ]لإِيلافِ قُرَيْشٍ(1)إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ(2)فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ(3)الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ[ (سورة قريش: الآيات 1 – 4).

وقال في شأن تأمين السلم لهم ]أَوَلَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَمًا آَمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقًا مِنْ لَدُنَّا[ (سورة القصص: الآية 57). وقال أيضاً ]أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آَمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ[ (سورة العنكبوت: الآية 67). وقال تعالى ]وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ(1)وَطُورِ سِينِينَ(2)وَهَذَا الْبَلَدِ الأَمِينِ[ (سورة التين: الآيات 1 - 3).

2. إن الله سبحانه وتعالى جعل الأمن والأمان، والاستقرار والتمكن، جزاءً للمؤمنين في الدنيا، الذين يقرنون الإيمان بالعمل؛ مما يدل على اهتمام الإسلام بالسلام، وأنه نعمة من نعم الله. قال تعالى: ]وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا[ (سورة النور: الآية 55).

وقال أيضاً]الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ[ (سورة الأنعام: الآية 82).

3. إن الله سبحانه وتعالى جعل سلب الأمن، وإحلال الخوف محله، من أشد أنواع العقوبات على المعاصي، التي يرتكبها العباد؛ فقال: ]وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ[ (سورة النحل: الآية 112).

4. والأمن هو أحد أركان السعادة في هذه الحياة، قال الرسول الكريم ]مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ؛ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2268).

أولاً: مكانة السلام في الإسلام، ومنزلته بين آداب الإسلام وتعاليمه

إن الإسلام ينشد السلام دائماً، في الداخل والخارج، فيسعى إلى استقراره داخل الأمة الإسلامية؛ كما يسعى إلى استقراره في علاقات الأمة الإسلامية بالأمم الأخرى، غير المسلمين، الأمم التي لا تنكر الخالق، ولا تعبث برسالات الرسل. ومن ذلك:

1. اشتق الله تعالى اسم الإسلام من مادة السلام. والإسلام هو دين الله، الجامع لكل الأديان السابقة، المنزلة على الرسل. وهو الدين، الذي لا يفضله دين. وهو خاتم الأديان. وهو الدين الذي ارتضاه لعباده.

2. من مكانة السلام في الإسلام وشرفه، أنه اسم من أسماء الله الحسنى ]هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ[ (سورة الحشر: الآية 23). وأن الجنة، التي أعدها الله لعباده المؤمنين، تسمى دار السلام. قال تعالى ]وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلام[ (سورة يونس: الآية 25).

3. من مكانة السلام في الإسلام، أنه تحية الله للمؤمنين، يوم القيامة، فقال تعالى ]تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ[ (سورة الأحزاب: الآية 44). وكذلك هو تحية الملائكة للمؤمنين، في الجنة. قال تعالى ]لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا وَلا تَأْثِيمًا(25) إِلاَّ قِيلاً سَلامًا سَلامًا[ (سورة الواقعة: الآيتان 25، 26).

قال تعالى ]وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ(23)سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ[ (سورة الرعد: الآيتان 23، 24). والسلام أيضاً تحية الله لرسله المقربين.

4. تحية المسلم لأخيه المسلم (السلام عليكم)، يرددها حين يلقاه، وحين يفارقه، في جميع الأوقات.

وتحية المسلمين للنبي r، في الصلاة (السلام عليك، أيها النبي ورحمة الله وبركاته). وتحية المسلم لإخوانه المسلمين، في الصلاة (السلام علينا، وعلى عباد الله الصالحين).

وختام صلاة المسلم، السلام جهة اليمين، والسلام جهة الشمال. وبعد خروج المسلم من الصلاة، طلب إليه أن يردد هذا الذكر، عقب الصلاة (اللهم أنت السلام، ومنك السلام).

5. سمى الله الذين يدخلون في الإسلام ويعتنقونه، بالمسلمين. فقال تعالى: ]مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ[ (سورة الحج: الآية 78). 

6. بين أن السلام، هو الأصل، الذي يجب أن يسود العلاقات بين الناس جميعاً؛ ليتعارفوا ويتآلفوا، ويعين بعضهم بعضاً، ويوحدوه بالعبادة.

قال تعالى ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ[ (سورة الحجرات: الآية 13).

ثانياً: إيثار السلم على الحرب

قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً[ (سورة البقرة: الآية 208). والسلم، هنا، هو الإسلام؛ لأن الإسلام يحرص على السلام، ويعمل على سلامة السلام وإدامته، بين المسلمين وغير المسلمين، الذين تحت حماية الدولة الإسلامية، والذين لهم عهد من غير المسلمين؛ ولهذا، أمر الله إيثار السلم على الحرب، وقال تعالى ]وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ[ (سورة الأنفال: الآية 61). وقال تعالى ]وَلا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِنْدَ اللَّهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ[ (سورة النساء: الآية 94). وقال تعالى ]فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلاً[ (سورة النساء: الآية 90).

وقد حرم الإسلام حروب التشفي والانتقام؛ فقال تعالى ]وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا[ (سورة المائدة: الآية 2). كمنا أنكر حروب التخريب والتدمير والتوسع والفتح، لقصد الاستعلاء والعلو في الأرض، فقال تعالى ]تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا[ (سورة القصص: الآية 83).

واستنكر الإسلام أيضاً حروب التنافس بين الأمم، في مجال الضخامة والفخامة؛ قال تعالى ]وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا تَتَّخِذُونَ أَيْمَانَكُمْ دَخَلاً بَيْنَكُمْ أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ[ (سورة النحل: الآية 92).

هذه النصوص وغيرها، تدل دلالة واضحة على أن السلام، هو الأصل في الإسلام. كما أنها تدل على أن المسلمين، إذا حملوا السلاح، فلأجل إعلاء كلمة الله، وإزالة الطغاة الظلمة، الذين نصبوا أنفسهم آلهة، من دون الله؛ ودفع العدوان والظلم، وحماية العقيدة. ولا شك أن في إعلاء كلمة الله في الأرض، حماية للسلام. لذلك، أمرهم الله بإعداد كل ما يستطيعون من قوة، لحماية السلام، الذي لا يمكن أن يكون من دون إعلاء كلمة التوحيد في الأرض. وحين يأمر الله المسلمين بالإعداد، في قوله تعالى ]وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ[ (سورة الأنفال: الآية 60). فإنه لا يريد منهم الاعتداء على أحد؛ وإنما يريد أن يكون سلمهم مسلحاً، يرهبون به الأعداء، ويحمون به السلام.

ولهذا، لم يستعمل المسلمون الأوائل القوة، إلاَّ لمحاربة القوة؛ لأن القوة لا تحارب بالبرهان والحجة. ولذلك، سالموا الحبشة، وحاربوا الفرس؛ لأن كسرى أرسل إلى عامله على اليمن، يأمره بقتل الرسول الكريم، وإرسال رأسه. وحاربوا أيضاً الروم؛ لأنهم أرسلوا طلائع جيشهم إلى تبوك، لمحاربة الله ورسوله، والوقوف في سبيل الدعوة.

وكان المسلمون، في حروبهم الفرس والروم، يقاتلون، ولا يعتدون، ولا يفجرون، ولا يمثلون، ولا يسرقون، ولا ينتهبون الأموال، ولا ينتهكون الحرمات، ولا يتقدمون بالأذى. فهم في حروبهم خير محاربين، كما أنهم في سلمهم أفضل مسالمين.

ثالثاً: الأصل في العلاقات الدولية، في الإسلام، هو السلم، لا الحرب

يدعو القرآن إلى السلم، في ظروف وملابسات توائمه. ويأمر بالقتال، في ظروف استثنائية تحتمه. فالأهداف التي حددها القرآن للحرب والسلم، تبين أن الحرب، ليست هي القاعدة الدائمة؛ وإنما هي استثناء من القاعدة العامة، التي هي السلم.

والإسلام لا يخلق ظروف الحرب. ولكن أعداء الإسلام، هم الذين يخلقون تلك الظروف والملابسات، بوقوفهم ضد دعوة التوحيد، وعدوانهم عليها.

وقد أمر الله بالعدل في الحرب، ونهى عن العدوان، فقال  تعالى ]وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ[ (سورة البقرة: الآية 190).

وأمر بالعدل مع أعداء الإسلام وخصومه، فقال تعالى ]وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى[ (سورة المائدة: الآية 8). وقول النبي الأمين، في الحديث المتفق عليه]إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r، قَالَ: إِذَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاصْبِرُوا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2621).

يدل الواقع، التاريخي والعملي، من حياة رسول الله وخلفائه الراشدين، والحروب التي خاضوها، ومعاملتهم للآخرين، من اليهود والنصارى والمشركين، دلالة قاطعة على أن الإسلام، جاء لإقرار الأمن والسلام، والحد من المنازعات والخصومات بين الناس.

فظل النبي r يدعو إلى دين الله، في مكة، ثلاث عشرة سنة، بالحكمة والموعظة الحسنة. وبعد الهجرة إلى المدينة، استأنف الدعوة السلمية. ولولا بغي المشركين في مكة، واليهود في المدينة، على الإسلام وأهله، ووقوفهم أمام الإسلام وأهله، لاستمرت الدعوة السلمية من غير قتال. 

وقد أمر الله نبيه، أن يدعو الناس إلى الإسلام، بالحكمة والموعظة الحسنة، وبالحجة والبرهان؛ فقال تعالى ]ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ[ (سورة النحل: الآية 125). وقال جل شأنه ]وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ[ (سورة الكهف: الآية 29). وقال ]تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ[ (سورة القصص: الآية 83).

ويروى عن الإمام مالك، أنه قال: "لا ينبغي لمسلم أن يهرق دمه، إلاَّ في حق. ولا يهريق دماً، إلاَّ في حق".

رابعاً: المبادئ التي يقوم عليها السلم، في الإسلام، وبيان السلام، الذي يدعو إليه

إن الإسلام يربي المسلم على السلام، في ضميره، ثم في محيط أسرته، ثم في وسط الجماعة. ثم ينتقل الإسلام بالسلام، ويطبقه في الميدان الدولي، بين الأمم والشعوب. لهذا قال عمرو بن العاص لأرطبون الروم، قائد معركة أجنادين، في فلسطين: "أدعوك إلى الإسلام. فإن أبيتم، فالتسليم، ودفع الجزية. وإن أبيت، فالحرب الحرب. إننا دعاة سلام وإسلام، نجاهد من أجل الحق، وإعلاء كلمة الله".

وقد وضع الإسلام، في سبيل إقرار السلام العالمي، قواعد وضمانات، منها:

1. احترام الأخوة الإنسانية، ومحاربة روح التعصب، على أساس أن الله سبحانه وتعالى، خلق الناس شعوباً وقبائل، ليتعارفوا في دائرة الأخوة، وليتعاونوا على البر والتقوى.

2. وجوب الوفاء بالعهود والمواثيق، التي تحفظ السلام والأمن، وتعمل على إقرارهما؛ وتبعث في النفوس الطمأنينة؛ وتحرم الغدر والخيانة، في الظاهر والخفاء. فقال تعالى ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءاَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ[ (سورة المائدة: الآية 1). وقال ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا[ (سورة النحل: الآية 91). وقال ]وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً[ (سورة الإسراء: الآية 34). وقد قال النبي r ]لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، يُعْرَفُ بِهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6451). وقال: ]ألا أخبركم بخياركم؟ خياركم الموفون بعهودهم[. وبهذا، يتبين أن مبدأ التعايش السلمي، قد سبق إليه الإسلام، ودعمه، وأمر به على أساس ودي، بإقامة علاقات طيبة بمختلف الشعوب.

3. وجوب الوفاء للأعداء

قال أحدهم: لا مكان للأخلاق في العلاقات الدولية. ولهذا، كان الخداع والتضليل والغدر والكذب، من البراعة في السياسة. إن الإسلام يرفض هذا النظر السقيم. ويعد ما هو قبيح في علاقات الأفراد، قبيحاً أيضاً في علاقات الدول. ويعد ما هو مطلوب وجميل في علاقات الأفراد، مطلوباً وجميلاً أيضاً في علاقات الدول. ولهذا، كان من المقرر في شرع الإسلام، أن على الدولة الإسلامية، أن تلتزم بمعاني الأخلاق. وهذا التقرير موجود في القرآن الكريم، وفي السنة النبوية المطهرة، وفي أقوال الفقهاء. ومن ذلك:

أ. قال تعالى ]وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ[ (سورة الأنفال: الآية 58). أي إذا ظهرت خيانة من عاهدتهم، وثبتت دلائلها، فأعلموهم بنقض عهدهم، حتى تستووا معهم في العلم؛ لأن الله تعالى لا يحب الخائنين؛ ولو كانت الخيانة لقوم كافرين، وكانوا بنقض العهد بادئين.

ب. كان من شروط معاهدة الحديبية، بين النبي ومشركي قريش، أن من يأتي من قريش إلى النبي، مسلماً، يرده النبي، ولا يؤويه. وبعد الفراغ من كتابة المعاهدة، جاء أبو جندل من قريش مسلماً، معلناً إسلامه، يستصرخ المسلمين أن يؤوه ويحموه من قريش. فقال له الرسول الكريم r ]"يَا أَبَا جَنْدَلٍ، اصْبِرْ، وَاحْتَسِبْ؛ فَإِنَّ اللَّهَ U جَاعِلٌ لَكَ وَلِمَنْ مَعَكَ مِنْ الْمُسْتَضْعَفِينَ، فَرَجًا وَمَخْرَجًا. إِنَّا قَدْ عَقَدْنَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ صُلْحًا، فَأَعْطَيْنَاهُمْ عَلَى ذَلِكَ، وَأَعْطَوْنَا عَلَيْهِ عَهْدًا؛ وَإِنَّا لَنْ نَغْدِرَ بِهِمْ"[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 18152).

ج. قال الفقهاء: لا يجوز للمسلم أن يخون أهل دار الحرب، إذا دخل ديارهم بأمان منهم؛ لأن خيانتهم غدر؛ ولا يصلح في دين الإسلام الغدر.

د. قال فقهاء الحنابلة: "إذا أطلق الكفار الأسير المسلم، واستحلفوه أن يبعث إليهم بفدائه، أو يعود إليهم، لزمه الوفاء"؛ قال تعالى ]وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ[ (سورة النحل: الآية 91)؛ ولأن الرسول r قال: ]إنا لا يصلح في ديننا الغدر[.

هـ. إذا كانت دار الحرب، تأخذ من رعايا دار الإسلام، الداخلين إلى إقليمها، ضريبة على أموالهم، التي معهم، بحيث تستأصل هذه الأموال؛ أو تأخذ من أموالهم القليلة ضريبة كبيرة، لا تتناسب مع أموالهم؛ فإن دار الإسلام، لا تقابلهم بالمثل. ويعلل الفقهاء قولهم هذا، بأن فعل أهل دار الحرب غدر وظلم، فلا نقابلهم بالغدر والظلم؛ لأننا نهينا عن التخلق بمثل هذه الأخلاق؛ وإن تخلقوا هم بها.

و. لا بد لحماية السلام، من اتخاذ التدابير الكافية، لتحصين الحدود والثغور، وإعداد العدة الملائمة تجاه أي عدوان. وهذا المبدأ معروف، اليوم، بالسلم المسلح

إن السلام الذي يدعو إليه الإسلام، هو السلام القائم على العدل والمساواة والعزة، وإرادة الخير والحق، والذي يحمي حرية العقيدة، وتصان فيه الكرامة الإنسانية والحقوق.

ويرفض السلام الذي تُمتهن فيه الكرامة الإنسانية، أو تغتصب فيه الحقوق، أو يثلم فيه الشرف. فالإسلام، في هذه الحالة، يدعو إلى الجهاد والنضال، حتى تكون كلمة الله هي العليا، ويسود العدل والحق، وتعاد الحقوق إلى أصحابها، وتحفظ الكرامة الإنسانية، وتكون كلمة الطغيان والظلم هي السفلى. قال الله: ]فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ[ (سورة محمد: الآية  35).

ويرفض السلم الذي يسالم فيه المعتدي، بل يأمر المسلمين أن يقاوموا الاعتداء، إن وقع عليهم، أو وقع على غيرهم، ممن لهم عهد عليهم.

قال تعالى ]فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ[ (سورة البقرة: الآية 194). وقال ]وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا[ (سورة الشورى: الآية  40). وقال ]وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ[ (سورة النحل: 126).

ويرفض الإسلام السلم، المبني على الاستسلام لمبادئ الشر والذل والخنوع لها؛ لأن الاستسلام لها، لا يسمى سلماً؛ وإنما يسمى ذلاً وهواناً.

ز. الحرب أو الجهاد في الإسلام

كلمة الحرب، في معناها العام، تدور على معنى واحد، وهو مقاتلة العدو. وكلمة الحرب جاءت في القرآن الكريم، بمعنى القتال ثلاث مرات، فقط، كما في الآية 57 من سورة الأنفال، والآيتين 33 و64 من سورة المائدة.

أما القتال، في الاصطلاح الإسلامي، فهو قتال المسلمين للكفار، الذين يقفون في سبيل الدعوة الإسلامية، والبغاة والمرتدين ونحوهم؛ لإعلاء كلمة الله. ويشمل القتال أيضاً الدفاع عن أوطان المسلمين، وحماية مقدساتهم وكرامتهم. ولا يجوز القتال، في الإسلام، لمصالح دنيوية، وأهواء شيطانية. لذلك، وردت كلمة (القتال) في القرآن مقيدة، ومقترنة بسبيل الله، في آيات كثيرة، منها قوله تعالى ]فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا[ (سورة النساء: الآية 74). وقوله: ]وَلا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لا تَشْعُرُونَ[ (سورة البقرة: الآية 154). وقوله ]الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا[ (سورة النساء: الآية 76).

وقد بين الله سبحانه وتعالى في الآية الأخيرة أن القتال، في غير سبيله، ونشر دينه، الذي ارتضاه للناس، قتال في سبيل الشيطان، وقتال لأجل الطواغيت، كالقتال لأجل إذلال الشعوب، والاستيلاء على أوطانهم وتشريدهم، والقتال في سبيل القوميات والأحزاب؛ إذ كل ذلك قتال في سبيل الشيطان والطواغيت من الإنس.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى في كتابه، أنه يحب الذين يقاتلون في سبيله؛ فقال: ]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ[ (سورة الصف: الآية 4).

والجهاد، في اللغة، هو استفراغ الوسع والطاقة في مدافعة الأعداء. وفي الاصطلاح الإسلامي، بمعنى القتال في سبيل الله.

قال العلماء: إن الجهاد في الإسلام ذو ثلاث مراتب:

(1) مجاهدة النفس.

(2) مجاهدة الشيطان.

(3) مجاهدة العدو الظاهر.

لفظ الجهاد، اختاره الإسلام، ووضعه مصطلحاً متعلقاً بالقتال، من دون لفظ الحرب؛ لما اشتمل عليه من معانٍ سامية، من تحرير الإنسان في هذه الأرض، من العبودية للعباد، ومن العبودية لهواه وشهواته؛ وقصر عبوديته على خالقه ورازقه. والجهاد ليس له أي علاقة بحروب البشر وأغراضها وأهدافها، اليوم.

جاء في فرضية القتال، أنه فريضة شاقة؛ ولكنه لا بد منه، لنشر الحق والعدل؛ والرحمة والأمن والسلام، في المجتمع الإنساني كله، وحتى يعيش الإنسان في جو من السعادة والهداية.

فقال تعالى ]كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ[ (سورة البقرة: الآية 216).

ومن الآيات الواردة في تحديد الغاية من القتال، ما يلي:

(1) قال تعالى ]أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ[ (سورة الحج: الآية 39).

(2) وقال تعالى ]وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِينَ[ (سورة البقرة: الآية 193).

(3) وقال تعالى ]فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ[ (سورة النساء: الآية 74). 

(4) وقال تعالى ]الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا[ (سورة النساء: الآية 76). 

الآيات الواردة في تحديد الهدف والغاية من الجهاد والقتال، كثيرة جداً. قيد الله فيها القتال بأن يكون في سبيله، خالصاً لوجهه الكريم، وابتغاء مرضاته؛ ولا يجوز أن يشوبه شيء من شوائب الأهواء، والشهوات المادية، أو النزاعات الطائفية القومية، أو الأغراض الشخصية.

ومن الأحاديث الواردة في بيان الهدف من القتال:

حديث أبي موسى: سئل رسول الله rعن الرجل، يقاتل شجاعة، ويقاتل حمية، ويقاتل رياء، فأي ذلك في سبيل الله؟ فقال]مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا، فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 6904).

حديث أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ قَالَ ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ أَرَأَيْتَ رَجُلاً غَزَا، يَلْتَمِسُ الأَجْرَ وَالذِّكْرَ، مَا لَهُ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لا شَيْءَ لَهُ. فَأَعَادَهَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، يَقُولُ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r: لا شَيْءَ لَهُ. ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ لا يَقْبَلُ مِنْ الْعَمَلِ، إِلاَّ مَا كَانَ لَهُ خَالِصًا، وَابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُهُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3089).

وفي حديث أبي هريرة t قال: سمعت رسول الله r يقول:

]إِنَّ أَوَّلَ النَّاسِ يُقْضَى، يَوْمَ الْقِيَامَةِ، عَلَيْهِ، رَجُلٌ اسْتُشْهِدَ، فَأُتِيَ بِهِ، فَعَرَّفَهُ نِعَمَهُ، فَعَرَفَهَا. قَالَ: فَمَا عَمِلْتَ فِيهَا؟ قَالَ: قَاتَلْتُ فِيكَ، حَتَّى اسْتُشْهِدْتُ. قَالَ: كَذَبْتَ. وَلَكِنَّكَ قَاتَلْتَ لأَنْ يُقَالَ جَرِيءٌ! فَقَدْ قِيلَ. ثُمَّ أُمِرَ بِهِ، فَسُحِبَ عَلَى وَجْهِهِ، حَتَّى أُلْقِيَ فِي النَّار[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3527).