إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / مبادئ الدين الإسلامي









المبحث الثالث

خامساً: أسباب القتال في الإسلام وأهدافه

1. تأمين حرية نشر الدعوة، وكفالة حرية العقيدة، ومنع الفتنة في الدين؛ لأن الإسلام دعوة إلى البشرية كلها، لا إلى العرب وحدهم، ولا إلى طائفة خاصة من البشر. وهو كلمة الله العليا الأخيرة، إلى الإنسانية كلها؛ فيجب إبلاغ كلمة الله إلى الناس جميعاً، ليختاروها عن قناعة وإرادة. قال تعالى ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ[ (سورة سبأ: الآية 28).

وقال تعالى ]يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ[ (سورة المائدة: الآية 67). إن صون حرية التبليغ، أمر واجب شرعاً. فإذا حيل بين التبليغ وجموع البشر، وجب تحقيق ذلك بالقوة، حتى يكون الناس أحراراً في اعتناق الإسلام؛ لأن منع الناس أن يختاروا دين ربهم وإلههم، هو فتنة.

وقال سبحانه وتعالى ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ[ (سورة البقرة: الآية 217).

فمنع الناس من اعتناق هذا الدين، واضطهاد الدعاة إلى الله، ومنعهم من نشر الدعوة الإسلامية، وتعذيبهم، هي فتنة في الأرض، وفساد فيها.

2. رد العدوان، وحماية الوطن الإسلامي، من الاعتداء على أعراض المسلمين ومقدساتهم. والإسلام يأمر أتباعه برد أي عدوان، يقع عليهم. وينهاهم في الوقت نفسه، عن الاعتداء.

وجاء في الأمر بحماية الوطن الإسلامي، ونصرة الضعفاء من المسلمين، وإنقاذهم ونجدتهم، قوله تعالى ]وَمَا لَكُمْ لا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَل لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا[ (سورة النساء: الآية 75).

وجاء الإسلام لينشر العدل والرحمة بين الناس، ويقطع دابر الفساد والجور. قال تعالى ]وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ[ (سورة الحج: الآية 40). 

3. حماية العهود والمواثيق، التي تضمن السلام وحرية الدعوة، وكفالة العقيدة. قال تعالى ]أَلا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ[ (سورة التوبة: الآية 13). فإذا نقد الكفار عهودهم، ونقضوا المواثيق، وخرجوا عن مقتضياتها، وجب قتالهم. كما يجب قتال كل من يفعل ذلك، ويتخذه وسيلة للعبث في الأرض، بالفساد. وقد قاتل النبي بني قريظة من اليهود وحاصرهم، بعد نقضهم العهد، ومعاونتهم المشركين، في غزوة الخندق أو الأحزاب؛ وتحريضهم المشركين على قتال الرسول، والقضاء على الإسلام. فقال الهادي البشير، بعد انصرافه من وقعة الأحزاب ]لا يُصَلِّيَنَّ أَحَدٌ الْعَصْرَ إِلاَّ فِي بَنِي قُرَيْظَةَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 894). 

4. درء الفتنة، ومنع الردة والبغي، في الداخل والخارج

إن القتال لمنع الفتن وإخمادها، أمر مشروع في الإسلام؛ لأجل الإصلاح والمحافظة على كيان المجتمع الإسلامي وأمنه واستقراره. والإسلام يأمر بالجهاد، لدفع كل فتنة، تهدد وحدة المسلمين وأمنهم. لذلك، شرع قتال الجماعة الإسلامية، التي تخرج على المسلمين، وتقوم بفتن داخلية، وثورات مسلحة، مثل:

·   جماعة البغاة.

·   جماعة قطاع الطرق أو المحاربين.

·      المرتدين

أما البغاة، فقد أمر الإسلام بقتالهم، لردهم عن بغيهم. فإذا بغت طائفة، وخالفت جماعة المسلمين، وتحيزت بدار، تميزت فيها؛ ومنعت ما عليها من الحقوق، أو بدأت بقتال الإمام، وجب قتالها، حتى تفيء إلى أمر الله. وفي ذلك يقول الله تعالى ]وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ[ (سورة الحجرات: الآية 9).

وأما جماعة المحاربين، الذين يخرجون، في حال قوة ومنعة، ويجتمعون على قطع الطريق، وحمل السلاح وإشهاره، وأخذ أموال الناس، وقتل من يقف في سبيلهم ـ فهؤلاء مفسدون في الأرض، بالقتل والسلب وتخويف السبل؛ يجب قتالهم، والأخذ على أيديهم، ومنعهم من الفساد في الأرض. قال الله تعالى ]إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ[ (سورة المائدة: الآية 33).

وأما المرتدون، الذين يرغبون، عن الإسلام، أفراداً أو جماعات، سواء ولدوا في الإسلام، أو أسلموا عن كفرهم، ثم ارتدوا، وأصروا على ردتهم، ولم يتوبوا ـ فإن الإسلام يأمر بقتالهم، حتى يعودوا إلى الإسلام، أو يُقتلوا. وقد جاء في الحديث ]مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2794). وقد قاتل أبو بكر الصديق t، بعد وفاة الرسول r، المرتدين، ومانعي الزكاة؛ وأجمع الصحابة على قتالهم.

والإسلام لم ينتشر بالسيف وحده، ودليل ذلك:

أ. الإسلام يأمر بدعوة الناس إلى العقيدة، بالحجة والبرهان، قبل القتال. ويمنع القتال، قبل تبليغ الدعوة إليهم.

جاء في حديث ابن عباس: "قَالَ ]مَا قَاتَلَ رَسُولُ اللَّهِ r قَوْمًا قَطُّ، إِلاَّ دَعَاهُمْ"[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 2001).

وجاء أيضاً في الحديث ]إِذَا لَقِيتَ عَدُوَّكَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ، فَادْعُهُمْ إِلَى إِحْدَى ثَلاثِ خِلالٍ أَوْ خِصَالٍ. فَأَيَّتُهُمْ مَا أَجَابُوكَ إِلَيْهَا، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى الإِسْلامِ، فَإِنْ هُمْ أَجَابُوكَ، فَاقْبَلْ مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ. ثُمَّ ادْعُهُمْ إِلَى التَّحَوُّلِ مِنْ دَارِهِمْ إِلَى دَارِ الْمُهَاجِرِينَ؛ وَأَخْبِرْهُمْ، إِنْ هُمْ فَعَلُوا، أَنَّ لَهُمْ مَا لِلْمُهَاجِرِينَ، وَأَنَّ عَلَيْهِمْ مَا عَلَى الْمُهَاجِرِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ يَكُونُونَ كَأَعْرَابِ الْمُسْلِمِينَ، يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ اللَّهِ، الَّذِي يَجْرِي عَلَى الْمُؤْمِنِينَ؛ وَلَيْسَ لَهُمْ فِي الْفَيْءِ وَالْغَنِيمَةِ نَصِيبٌ، إِلاَّ أَنْ يُجَاهِدُوا مَعَ الْمُسْلِمِينَ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا أَنْ يَدْخُلُوا فِي الإِسْلامِ، فَسَلْهُمْ إِعْطَاءَ الْجِزْيَةِ. فَإِنْ فَعَلُوا فَاقْبَلْ، مِنْهُمْ، وَكُفَّ عَنْهُمْ. فَإِنْ هُمْ أَبَوْا، فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَقَاتِلْهُمْ[ (سنن الدارمي، الحديث الرقم 2335).

ب. إن العقائد، لا يمكن أن يؤثر فيها الإكراه؛ وإنما يؤثر فيها ويصنعها الاقتناع، بعد التفكير والنظر والبيان والإدراك.

ج. رسم الإسلام القواعد المتينة للدعوة الإسلامية. فبين القرآن الكريم، أن الطريق السليمة للدعوة، وتثبيت العقيدة في القلوب، هي الحكمة والموعظة الحسنة. كما بين أن مهمة النبي r هي إبلاغ الدعوة، والإنذار، وليس الإكراه على العقيدة. فالإسلام يعد العقل، والحرية أساس الاعتقاد والمسؤولية.

د. الواقع والتطبيق العملي للدعوة الإسلامية، وانتشار الإسلام بين الناس، في الجزيرة وغيرها، تدعم القول الآنف.

إن خيرة المسلمين، من الصحابة، في بداية الدعوة، أسلموا عن قناعة وطواعية، من دون إكراه.

فأين أثر السيف في إسلام أبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وسائر المهاجرين؟ وأين أثر السيف في انتشار الإسلام في الأوس والخزرج ومن سبقهما إلى الإيمان؟

وكان المسلمون، في مكة، لا يردون العدوان بالعدوان قط. أما في المدينة، فقد أذن الله لهم في رد الاعتداء، ودفع العدوان. وأمروا بقتال من يقاتلهم من المشركين، الذين فتنوهم عن دينهم، وأخرجوهم من ديارهم. ثم كان صلح الحديبية، في السنة السادسة من الهجرة، بين المسلمين والمشركين في مكة. وتم في هذا الصلح وضع الحرب بين المسلمين والمشركين. وقد كان هذا الصلح من أكبر عوامل انتشار الإسلام، في تلك الفترة، لاقتناع الناس بصحة عقيدة الإسلام، وإنسانية الإسلام، من دون أن يكون هناك لجوء إلى شيء، من القوة أو العنف أو الإكراه أو الإغراء.

وقد ظهرت محاسن عقيدة الإسلام، بين الناس، أثناء الهدنة؛ ما دفع كثيراً من الكفار إلى إعلان إسلامهم، والانضمام إلى المسلمين.

هـ. الطرق السلمية، التي اتبعها النبي r في نشر دعوته؛ إذ بعث الكتب إلى ملك الروم، فقال في كتابه إليه: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله r، إلى هرقل عظيم الروم. سلام الله على من اتبع الهدى. أما بعد:

فإني أدعوك بدعاية الإسلام. أسلم تسلم، يؤتك الله أجرك مرتين. فإن توليت، فإنما عليك إثم الأريسيين.

]قُلْ يا أهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 64).

وكتب الرسول الكريم r إلى ملك الفرس كسرى، كذلك يدعوه إلى الإسلام. ولكنه مزق الكتاب، لما قُريء عليه. وبلغ ذلك رسول الله r، فقال: "مزق الله ملكه".

وكتب r إلى النجاشي ملك الحبشة. وكتب إلى ملك مصر، المقوقس. وكتب إلى المنذر بن ساوى، ملك البحرين. كما كتب إلى كل من ملك عمان، وصاحب اليمامة، والحارث بن أبي شمر الغساني.

وتتابعت أيضاً بعوثه إلى الملوك يدعوهم إلى الإسلام. فأين السيف في هذه الدعوات السلمية، وفي تلك الكتب؟

وقد عامل الخلفاء الراشدون أصحاب البلاد المفتوحة، معاملة حسنة. واحترموا حرياتهم، وحافظوا على حقوقهم، على قدم المساواة والعدل؛ ففتحوا تلك البلاد بأخلاقهم، وحسن معاملتهم.

فلما رأى أهل البلاد المفتوحة عدل الفاتحين، وحسن معاملتهم، وجميل العدل؛ وعرفوا محاسن الإسلام وعدله، وذاقوا حلاوة الإيمان، أقبلوا على الدخول في الإسلام أفواجاً أفواجاً، طائعين مختارين. وانكبوا على لغة الإسلام، يتعلمونها. وأين السيف في هذا الموقف؟

و. أكثر البلدان، التي دخل إليها الإسلام، وانتشر بين أهلها؛ إنما دخلها وانتشر فيها من طريق الدعوة السلمية، ومن طريق تجار المسلمين، الذين كانوا دعاة عمليين، بسلوكهم وأخلاقهم، وليس بكلامهم؛ ما كان له أكبر الأثر في انتشار الإسلام، في قارة إفريقية، شرقيها ووسطها وغربيها وجنوبيها. وكذلك كان الحال في جنوب شرقي آسيا، كإندونيسيا وماليزيا وغيرهما، وفي الصين والهند والشرق الأقصى. وأين أثر السيف في إسلام هذه البلدان؟ وهل كان التجار غزاة محاربين؟

وقد ضعف المسلمون، وزالت دولتهم القوية، على يد المغول والتتار، في القرن السابع الهجري. ثم تحول هؤلاء، الذين دكوا معاقل الإسلام، وعاثوا في بلاد المسلمين فساداً ودماراً، تحولوا إلى الإسلام، وأصبحوا من جنوده، وذلك بواسطة دعاة المسلمين.

ليس هناك علاقة بين انتشار الإسلام وحروب المسلمين، مع الفرس والروم وغيرهم. فقد كانت تلك الحروب تشتعل، والمسلمون ينتصرون فيها. ثم تتوقف، وتتوارى السيوف، فيتقدم الدعاة المخلصون والمعلمون، بشرح مبادئ الإسلام، وعقيدته السمحة، ونظمه العادلة، فيدخل الناس في الإسلام، بمحض إرادتهم واختيارهم. ولم يجد أحد أي حادثة أو أي محاولة من أحد من الخلفاء، ولا من العلماء، لإرغام ذمي على ترك دينه، واعتناق الإسلام. كما لم يحدث أي اضطهاد للطوائف المسيحية أو اليهودية. ولو حاول خلفاء المسلمين ذلك، لاكتسحوا الديانتين، بكل سهولة. أفلا يكفي هذا دليلاً على أن الإسلام، لم ينتشر بالسيف، كما يزعم الزاعمون؟ إن بقاء معابد اليهود والنصارى، حتى الآن، ليحمل أكبر دليل وأقوى برهان على ما قامت عليه سياسة الحكومات الإسلامية المتتالية، في عنفوان مجدها، من تسامح وتعاطف، نحو أصحاب هاتين الديانتين.

وقد تحولت قبائل كثيرة، في أوروبا، إلى الإسلام. وكذلك في أمريكا وروسيا. فاعتنقوا الدين عن قناعة، لما تبين لهم سماحة الإسلام وعدله، وسمو أحكامه. وقد تحولت القبائل، في بلاد آسيا الوسطى، إلى الإسلام، على أيدي المولوية، من التتار، الذين نشروا تعاليم الدين الإسلامي، في القرن الثامن عشر الميلادي.

سادساً: أعراف الحرب، في الإسلام

1. بدء الحرب

إعلان الحرب، في الدين الإسلامي، هو من اختصاص ولي أمر المسلمين؛ وهو القائد الأعلى للجيش، وحسبما تقتضيه مصلحة الأمة، وبناء على ما يظهر له من مشاورة أهل الرأي والخبرة بقضايا الحرب والسياسة، والنواحي العسكرية.

ولا يجوز لأحد من المسلمين أن يعلن الحرب، أو أن يحارب الأعداء، لرغبته في ذلك، ووفق هواه، من دون إذن من ولي الأمر. ولهذا، كان للجهاد أو الحرب مقدمات، تسبق الأعمال الحربية. وتلك المقدمات هي:

أ. الدعوة إلى الدين الإسلامي، قبل القتال.

ب. توجيه أعمال القتال مباشرة، من دون إنذار، إذا كانت حالة الحرب قائمة بين المسلمين والعدو، أو باشر هو الحرب، أو كان هناك عهد، فنقضه، أو استعد للقتال. ففي هذه الحالات، يجوز للمسلمين مباشرة الحرب، والبدء بقتال، من دون سابق إنذار أو إعلان؛ لأن العدو، في مثل هذه الصور، هو السبب في نشوب القتال. وهو ما فعله رسول الله r في حصار يهود بني قريظة، بعد نقضهم العهد، ومشاركتهم مع المشركين في غزوة الخندق. وما فعله كذلك، يوم فتح مكة؛ إذ لم ينذر قريشاً، لبدئهم بالغدر والخيانة؛ وإنما سأل الله أن يعمي عليهم، حتى يبغتهم. وأغار المسلمون أيضاً على أهل خيبر، وبني المصطلق، من دون إنذار سابق، حيث كانوا يعدون العدة للإغارة على المدينة، في محاولة منهم للقضاء على الإسلام وأهله في المدينة.

ج. إعلان الحرب ونبذ العهد، إذا حدث من عدو خيانة. فلا يجوز قتال العدو، في هذه الحالة، إلاَّ بعد نبذ عهدهم، وإعلان هذا النبذ مدة كافية، حتى يبلغ خبره إلى القاصي والداني منهم؛ لأنه لا يحل الغدر في الإسلام.

قال تعالى في تحذير المسلمين من الغدر، ووجوب نبذ عهد الخائن ]وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ[ (سورة الأنفال: الآية 58).

ولو بدا للإمام، بعد موادعة الأعداء ومهادنتهم، أن القتال خير، وبعث إلى قائد الأعداء، ينبذ إليه الموادعة، فإنه لا ينبغي للمسلمين أن يغيروا عليهم، ولا على أطراف ممتلكاتهم، حتى يمضي من الوقت، مقدار ما يبعث القائد إلى ذلك الموضع، من ينذرهم؛ لأن قائدهم، بعد ما وصل الخبر إليه، لا يتمكن من إيصال ذلك إلى رجاله، إلاَّ بمدة، فلا يتم النبذ في حقهم، حتى تمضي تلك المدة. وإن علم المسلمون يقيناً أن القوم لم يأتهم خبر، فالمستحب لهم ألا يغيروا، عليهم حتى يعلموهم.

وهكذا، يذهب الإسلام إلى أعلى درجات التحرز من الغدر، بل إنه يحدد مدة، لا بد منها، لإبلاغ العدو والنبذ؛ مع بلوغه هو أيضاً مأمنه؛ تحرزاً من الغدر والخيانة.

والمأمن هو كل مكان، يأمن فيه الشخص على نفسه وماله. وقيل المأمن هو معقل العدو. وإبلاغ المأمن شبيه بما تسميه النظم الحديثة، اليوم، إبعاد الأجانب، من السفراء والممثلين الدبلوماسيين، أو من ترى الدولة خطراً في وجوده، وتسهيل سفرهم، عند قيام الحرب، أو قيام مشكلة بين الدولتين أدت قطع العلاقات بينهما.

2. تحديد العدو

أ. من ذلك ما رواه ابن عمر، قال ]أَنَّ امْرَأَةً، وُجِدَتْ، فِي بَعْضِ مَغَازِي رَسُولِ اللَّهِ r مَقْتُولَةً فَأَنْكَرَ رَسُولُ اللَّهِ r قَتْلَ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3279)

ب. وروى عن أنس t ]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: انْطَلِقُوا بِاسْمِ اللَّهِ، وَبِاللَّهِ، وَعَلَى مِلَّةِ رَسُولِ اللَّهِ. وَلا تَقْتُلُوا شَيْخًا فَانِيًا، وَلا طِفْلاً وَلا صَغِيرًا، وَلا امْرَأَةً. وَلا تَغُلُّوا. وَضُمُّوا غَنَائِمَكُمْ، وَأَصْلِحُوا، وَأَحْسِنُوا؛ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2247).

وجاء في حديث ابن عباس، قال ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا بَعَثَ جُيُوشَهُ، قَالَ: اخْرُجُوا بِسْمِ اللَّهِ، تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ. لا تَغْدِرُوا، وَلا تَغُلُّوا، وَلا تُمَثِّلُوا، وَلا تَقْتُلُوا الْوِلْدَانَ، وَلا أَصْحَابَ الصَّوَامِعِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2246). 

ج. من وصايا الخلفاء الراشدين لقواد جيوشهم

بعث أبو بكر الصديق بعث جيوشاً، وخرج معهم، وهو يمشي، ليوصي قائد الجيش، يزيد بن أبي سفيان. ثم قال: يا يزيد، إني موصيك بعشر خلال:

(1) لا تقتل امرأة.

(2) ولا صبياً.

(3) ولا كبيراً هرماً.

(4) ولا تقطع شجراً مثمراً.

(5) ولا تخرب عامراً.

(6) ولا تعقِرن شاة، ولا بعيراً؛ إلاَّ لمأكلة.

(7) ولا تعقرن نخلاً، ولا تحرقه.

(8) ولا تغلل.

(9) ولا تخبن.

(10) وفي رواية: إنك ستلقى أقواماً، زعموا أنهم قد فرَّغوا أنفسهم لله، في الصوامع؛ فذرهم وما فرَّغوا له أنفسهم.

وهناك نصوص كثيرة عن رسول الله r، في هذا المجال؛ ووصايا كثيرة جداً عن الخلفاء الراشدين، في المحافظة على هذه الآداب والأخلاق الإنسانية، في الحرب. وحرم الإسلام قتل فئات، هي:

(1) النساء

فلا يجوز قتل النساء، في الإسلام؛ لا في الحرب، ولا في غيرها. ما دمن لم يشتركن في القتال. فإن قاتلن، قال جماهير العلماء يقتلن. وعلى هذا، إذا قاتلت المرأة، جاز قتلها؛ لأنه لا سبيل من النجاة منها إلاَّ به.

(2) الصبيان

إذا لم يقاتلوا، فلا يجوز قتلهم؛ لأن النبي r نهى عن قتل الذرية؛ وكان يغضب أشد الغضب، إذا بلغه قتل صبي. وقال ]أَلا لا تَقْتُلُوا ذُرِّيَّةً[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 15037). ثلاث مرات. فلا يجوز قتلهم؛ لأن في ذلك اعتداء على الضعفاء إلاَّ إذا قاتلوا، فيجوز قتالهم وقتلهم. ومن الفقهاء من يقول حتى لو تترس المقاتلون بالنساء والأطفال، حصناً، فلا يجوز قتلهم. ومنهم من قال يجوز رميهم، ويتوخى الأطفال والنساء.

(3) الرهبان، ورجال الدين

الذين التزموا الصوامع ودور العبادة، وأغلقوا أبوابهم على أنفسهم، فهؤلاء لا يقتلون، ولا يسترقون؛ إلاَّ إذا كان لهم رأي ومشورة في القتال، فيجوز قتلهم.

(4) الشيوخ والزمنى وأصحاب العاهات

لا يقتلون، إلاَّ إذا كان لهم مشاركة في الحرب، بالفعل، أو بالمشورة والرأي والتدبير، فيجوز قتلهم.

(5) العمال الأجراء والفلاحون

هؤلاء لا يقتلون، لقول رسول الله r، في حديث رباح بن ربيع ]قَالَ: غَزَوْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ r. فَمَرَرْنَا عَلَى امْرَأَةٍ مَقْتُولَةٍ، قَدْ اجْتَمَعَ عَلَيْهَا النَّاسُ، فَأَفْرَجُوا لَهُ، فَقَالَ: مَا كَانَتْ هَذِهِ تُقَاتِلُ فِيمَنْ يُقَاتِلُ. ثُمَّ قَالَ لِرَجُلٍ. انْطَلِقْ إِلَى خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ، فَقُلْ لَهُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r يَأْمُرُكَ يَقُولُ: لا تَقْتُلَنَّ ذُرِّيَّةً، وَلا عَسِيفًا[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 2832).

وكل هؤلاء إذا قاتلوا، يقاتَلون ويقتَلون. وإذا قتل مسلم واحداً من هؤلاء الأصناف، من دون أن تكون له مشاركة في القتال، فعليه التوبة والاستغفار من الله سبحانه وتعالى، لارتكابه فعلاً محرماً، نهى عنه الإسلام.

ولا ينبغي قتال المقاتلين، ممن يسمون، الآن، بالمدنيين، من نساء وأطفال وشيوخ وعجزة وفلاحين، إلاَّ إذا شاركوا في القتال، بالفعل، أو برأي، أو بالإمداد؛ لما تقدم من الأحاديث.

(6) وأما تخريب ممتلكات العدو؛ نكاية له وإغاظة، فيتلخص حكم ذلك في ما يلي

(أ) قسم من أموال العدو، قد تدعو الحاجة إلى إتلافه، كالشجر الذي يستترون به، ومنع من قتالهم أو مكان عائقاً دون العمليات القتالية، أو يستخدمونه لستارة منجنيق. فهذا النوع من ممتلكات العدو، يجوز إتلافه أو قطعه، لفتح الطريق؛ لفعل رسول الله r بنخل بني النضير، حيث أمر بقطعها أو بتحريقها.

(ب) قسم ليس في إتلافه أي ضرر بالعدو، أو يتضرر المسلمون بإتلافه وقطعه؛ لأنهم ينتفعون به، كالأشجار والزروع، التي يستفيدون من ثمرها، أو يستظلون بظلها، أو تكون ساتراً لهم، أثناء قتال العدو، أو يخافون إن قطعوها، أن يفعل بهم العدو مثله.

فهذا النوع من ممتلكات العدو، لا يجوز إتلافه أو قطعه، بل يحرمان. وكذلك كل ما يتأكد المسلمون، أن في إتلافه ضرراً بالمقاتلين المسلمين، كإتلاف خزان المياه، التي يشربونها، وإتلاف جسر، يمر عليه جيوش المسلمين إلى العدو. وكذلك إتلاف المستشفيات وأمثالها، التي يتفادى العدو أمثالها من ممتلكات المسلمين. كل هذه الأمور يحرم إتلافها وتخريبها.

(ج) قسم ليس في إتلافه أي نفع للمسلمين، ولا ضرر في إتلافه أيضاً بأصحابه؛ فوجوده والإبقاء عليه، لا يقدم للمسلمين نصراً، ولا يلحق بهم هزيمة. وهذا النوع من الممتلكات، يرى كثير من المحققين، من العلماء والفقهاء، عدم جواز التعرض له بإتلاف، ولا بتخريب.

فلا يعد غيظاً مثل هذه الأعمال للعدو، ولا نكاية له، في نظر الإسلام، بل يعد عبثاً وفساداً في الأرض.