إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / المرأة في الإسلام









شُبُهات

ثانياً: المرأة بعد الإسلام

حقق الإسلام للمرأة إنسانيتها، حين حفظ حقوقها، وبيّن واجباتها؛ فحدّد ما لها وما عليها في ضوء الآتي:

1. المساواة والقوامة

المساواة مبدأ إسلامي في أصل النسب البشري، وفي هذا المعنى الإنساني للمساواة تكريمٌ لبنى آدم، الذكور والإناث، أي تكريم النوع الإنساني عموماً. ومصداق ذلك أن الله - سبحانه وتعالى - امتنّ على عباده، بأنه يهبهم من النِّعم "الإناث"، كما يهبهم "الذكور." فساوى بين النوعين، بل قدم الإناث على الذكور، قال تعالى: ]لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِير[ (سورة الشورى: الآيتان 49، 50).

فالمرأة في خَلْقها كالرجل، في الأصل، ينتسبان إلى أب واحد، وأم واحدة كما قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا النّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا[ (سورة الحجرات: الآية 13) وجاء في الحديث الشريف: ]إِنَّمَا النِّسَاءُ شَقَائِقُ الرِّجَالِ[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 24999)، وهي قبل كل شيء الأم، وهي أيضاً الأخت والابنة. وبذلك أبطل الإسلام ما كان يدّعيه السابقون من أن للمرأة نَفْساً أقل من نَفْس الرجل، وأنها ذات أصل شيطاني.. إلى آخر ما قالوه في ذلك.

والمرأة في الإسلام مثل الرجل، تشترك معه في الخطاب القرآني "يا أيها الناس " كما قال تعالى في كثير من السور: ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلاً ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْلاَ يَعْلَمَ مِنْ بَعْدِ عِلْمٍ شَيْئًا وَتَرَى الأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ[ (سورة الحج: الآية 5)، ]وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ[ (سورة الحج: الآية 27)، ]قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا لَكُمْ نَذِيرٌ مُبِينٌ[ (سورة الحج: الآية 49) وقد رفع القرآن عن المرأة ما كانت توصم به من أنها سبب الغواية والخروج من الجنة، فأشرك الاثنين ـ آدم وحواء ـ في المسؤولية: ]فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ[ (سورة البقرة: الآية 36). وفي بعض الآيات خُص آدم وحده بالعصيان ]وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[ (سورة طه: الآية 121). ثم قرر القرآن مبدأ عاماً لا يُحَمّل إنساناً تبعة ما ارتكبه آخر: ]تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ (سورة البقرة: الآية 134)

كما ساوى الإسلام بين المرأة والرجل في الأهلية للتدين وقبول الدعوة ]وَقُلْنَا يَاآدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ[ (سورة البقرة: الآية 35) بل كانت المرأة أول وزير للرسول  تثبته وتعينه على نشر الحق، فلم يجد الرسول مفزعاً ـ لمّا جاءه الوحي أول مرة ـ إلاّ السيدة خديجة، التي قالت له: "كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم وتَصْدُق الحديث وتحمل الكَلَّ وتُقْرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحق". كما يقرر الإسلام مساواة المرأة بالرجل في المسؤولية الفردية، وفي الثواب والعقاب: ]وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمَسْئُولَةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 844). كما ورد في عدد من الآيات الخطاب للجنسين معاً "المُسلمين والمُسّلمات"، وفي آيات أخرى ]وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا[ (سورة النساء: الآية 124)، وقوله: ]فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ[ (سورة آل عمران: الآية 195). وفي سورة التوبة نص الله على ولاية المؤمنين والمؤمنات بعضهم لبعض، وأثبت للمرأة حق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والقيام بالأعمال الصالحة، وفيه برهان واضح على إعطاء المرأة حقها في مزاولة النشاط الاجتماعي. قال تعالى: ]وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ [ (سورة التوبة: الآية 71).

وتحقيقاً لاستقلال المرأة في مسؤوليتها الدينية، بايع الرسول،  النساء بيعة خاصة بهن منفصلة عن بيعة الرجال، وذلك بأمر من الله سبحانه وتعالى في سورة الممتحنة. قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة الممتحنة: الآية 12). وقد حكى المؤرخون مجاوبة هند بنت عتبة للنبي r في تلك البيعة، مما يدل على جرأتها وسماحة الرسول r وسعة صدره.

كما ساوى الإسلام بين الرجل والمرأة في تطبيق الحدود الشرعية، كحد القتل والسرقة والزنا، وتطبيق التعزير والقصاص. فمن إقامة الحدود على المرأة ما روته ]عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ قُرَيْشًا أَهَمَّهُمْ شَأْنُ الْمَرْأَةِ الْمَخْزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَتْ فَقَالُوا وَمَنْ يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالُوا وَمَنْ يَجْتَرِئُ عَلَيْهِ إِلاَّ أُسَامَةُ بْنُ زَيْدٍ حِبُّ رَسُولِ اللَّهِ r فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ ثُمَّ قَامَ فَاخْتَطَبَ ثُمَّ قَالَ إِنَّمَا أَهْلَكَ الَّذِينَ قَبْلَكُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ وَإِذَا سَرَقَ فِيهِمْ الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيْهِ الْحَدَّ وَايْمُ اللَّهِ لَوْ أَنَّ فَاطِمَةَ بِنْتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَتْ لَقَطَعْتُ يَدَهَا[ (صحيح البخاري، باب أحاديث الأنبياء: الحديث الرقم 3216)، وأمضى الحد. كما نُفذ حد الرجم في الغامدية التي اعترفت بالزنى. فضلاً عن عقوبة التعزير[1] الواردة في خبر حميدة مولاة أسماء بنت أبي بكر ووالدة أشعب، التي قيل إنها كانت تدخل بيت أزواج النبي، r وتُحَرّش بينهن. فأمر r بتعزيرها.

ولكن هذه المساواة لا تُلغي أو تبطل مبدأ "القوامة" الذي أقرّه الإسلام للرجل على المرأة. ولا تعني قوامة الرجل على المرأة أنه أفضل منها، بل تعني أنه يحمل مسؤوليات وأعباء تناسب طبيعته التي فطره الله عليها. لذلك حدّد القرآن الكريم أسباب هذه القوامة في قوله تعالى: ]الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ[ (سورة النساء: الآية 34). فالقوامة تَحَمُل مسؤولية الكسب والإنفاق، لأنها تتصل بعمل الرجل خارج الأسرة، بينما تؤدي المرأة أعباءً داخل الأسرة لا يستطيعها الرجل، بل قد تكون أشق من أعبائه، لأن فيها مشاق الحمل والولادة والإرضاع وتربية الأطفال.

يقول الدكتور (الكسيسي كاريل)، الحائز على جائزة نوبل للعلوم، في كتابه "الإنسان ذلك المجهول": إن الفوارق ـ بين الرجل والمرأة ـ ذات طبيعة أساسية، نابعة من اختلاف نوع الأنسجة في جسم كل واحد منهما. كما أن المرأة تختلف عن الرجل كلياً في المادة الكيميائية التي تفرز من الرحم داخل جسمها. فكل خلية من جسمها تحمل طابعاً أنثوياً.

وقد أثبتت الدراسات أن الرجل اثقل وزناً وأطول قامة، وعظامه قوية متماسكة نتيجة لكثرة أليافها وقوة شدها، كما أنها تمتاز بالبروز عند نهاياتها. أمّا عضلات ذراعي المرأة فأضعف كثيراً منها عند الرجل، وحجم مخها أصغر نسبياً من حجم مخ الرجل إلى جانب فروق أخرى عديدة، بما يتناسب مع وظيفتها في الحياة ودورها وطبيعتها، التي خلقها الله من أجلها. والمرأة في غالبها الأعم أضعف بنية من الرجل، يقول أحد علماء الاجتماع :" إن  أية محاولة للمساواة بين الناس يُقضى عليها بالفشل، لأن المُستطاع هو تهيئة فرص متساوية للجميع… أما المساواة ذاتها فغير ممكنة … إذ المساواة بين أفراد الجنس الواحد مستحيلة، مع تجانسهم في التكوين العضوي و الفسيولوجي. فكيف تُطْلب المساواة بين جنسين مختلفين في التكوين".

ومع ذلك فالمرأة أقدر على تحمل الشدائد والصّعاب من الرجل، بل وتحمل الألم، كما ثبت خلال عدد من التجارب في هذا الجانب، فضلاً عن أن معدل المواليد والوفيات يشير إلى أن المرأة أطول عمراً من الرجل. وعلى كلٍ فالقاعدة التي اعتمدها الإسلام لمعالجة الفروق الجسدية والنفسية والعقلية بين الرجل والمرأة، هي القاعدة التي تنص: أن كلاًّ مُيَسَرٌ لِمَا خُلق له.

وتتمثل القوامة في كل ما يقوم به الرجال تجاه المرأة، من جلب القوت والكسوة وسائر الضرورات، والحماية، وهي غير ملزمة بشيء من ذلك؛ فلها وظائفها التي فطرها الله عليها من الحمل والوضع والإرضاع، وما يصاحب ذلك من سهر بالليل وتعب بالنهار مما يورثها ضعفاً في بُنيتها، وأسقاماً في جسدها. والرجل بمنجاة من ذلك مما يجعله أكثر تحملاً للمشقة. ولهذا السبب لم يُكتب الجهاد على النساء، ووُضع عنهن كثيراً مما أوجبه الله تعالى على الرجال. والحياة الزوجية حياة اجتماعية، ولابد لكل اجتماع من رئيس لأن المجتمعين لابد أن تختلف آراؤهم ورغباتهم في بعض الأمور، ولا تقوم مصلحتهم إلاّ إذا كان لهم رئيس يُرجع إلى رأيه في الخلاف، لئلا يعمل كل ضد الآخر فتنفصم عروة الوحدة الجامعة ويختل النظام، والرجل أحق بالرياسة؛ لأنه أعلم بالمصلحة وأَقدر على التنفيذ بقوّته وماله.

وفي حديث أسماء بنت يزيد الأنصارية أنها أتت النبي r وهو بين أصحابه فقالت: يا رسول الله، إني وافدة النساء إليك ... إن الله قد بعثك بالحق للرجال والنساء فآمنا بك واتبعناك، وإنا معشر النسـاء محـصورات قواعد بيوتـكم، وحاملات أولادكم، وأنتـم ـ معشر الرجال ـ فضلتم علينا بالجُمَع والجماعات، وعيادة المريض، وشهود الجنائز، وأفضل من ذلك الجهاد في سبيل الله ... أفما نشارككم في هذا الخير؟ فسُرّ النبي r غاية السرور بمقالتها، وقال لأصحابه: هل سمعتم مقالة امرأة أحسن من هذه عن أمر دينها؟ ثم قال لها: اعْلمِي من خلفك من النساء أن حُسْنَ تَبَعُل المرأة لزوجها، وطلبها مرضاته، وإتباعها موافقته، يعدل ذلك كله. فانصرفت وهي تهلل.

وقوامة الرجل على المرأة منحصرة في مجال الأسرة، فلا قوامة له على مالها وأملاكها، فلها أن تَمْلك الضّياع والدور وسائر أصناف المال وتمارس التجارة، ولها أن تضمن غيرها، وأن تهب الهبات، وتوصي لمن تشاء من غير ورثتها، وتخاصم غيرها إلى القضاء، تفعل ذلك بنفسها أو بمن توكله منها باختيارها ولا اعتراض لأب أو زوج على ذلك.

وليس في قوامة الرجل على المرأة إذلال لها، أو إهدار لكرامتها، ولكنه تنظيم لحياة الأسرة من أجل استقرارها وثبات أركانها، بجانب أنه تكريم للمرأة مناسب لطبيعتها. والإسلام يحرص على سياسة التنظيم حرصاً شديداً في البيت وفي المجتمع. وكان النبي r يأمر الرجال أن يؤمروا عليهم أحدهم، حتى لو خرج ثلاثة في أمر فأحدهم أمير. فإن كان لا بد للبيت من رأس يدّبره ويُسند إليه تصريف أمره، فالرجل أولى بهذه القيادة، لطبيعة تكوينه وفطرته.

ومن دواعي جعل القوامة بيد الرجل، أنّ عاطفة المرأة أقوى من عاطفة الرجل، وإثارة هذه العاطفة أسرع وأسهل من إثارة عاطفة الرجل، ولذلك نجد أنّ المرأة إذا خولفت أو نوقشت، أو نال أحد صفة من صفاتها الخلقية والخلقية تنفعل وتثور، أسرع مما يفعل الرجل. فضلاً عن أن إرادة المرأة ـ بفطرتها ـ أضعف تماسكاً من إرادة الرجل، فما أكثر ما تريد المرأة، وما أكثر ما تنسى ما تريد، وتعرض عنه إلى غيره. ولذلك أمر الله سبحانه وتعالى الزوجة أن تأتمر بأمر زوجها، وتنتهي بنهيه للمسؤولية التي كُلِّف بها. وقال r ]لَوْ كُنْتُ آمِرًا أَحَدًا أَنْ يَسْجُدَ لِغَيْرِ اللَّهِ لأَمَرْتُ الْمَرْأَةَ أَنْ تَسْجُدَ لِزَوْ جِهَا وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لاَ تُؤَدِّي الْمَرْأَةُ حَقَّ رَبِّهَا حَتَّى تُؤَدِّيَ حَقَّ زَوْجِهَا وَلَوْ سَأَلَهَا نَفْسَهَا وَهِيَ عَلَى قَتَبٍ لَمْ تَمْنَعْهُ[ (سنن ابن ماجه، باب النكاح: الحديث الرقم 1843).

فالسجود هنا بمعنى الطاعة والالتزام الكامل مع الإقرار بالفضل والعرفان، ولكن قبل ذلك لابد أن يكون الزوج مُسْتحقاً لهذا الفضل، فليس لها أن تطيع زوجاً لا يُراعي حرمة الأسرة، لا خلق له ولا دين! لأنّ المعنّيُ هنا الزوج الصالح، الذي هو خير الناس لأهله كما قال r ]خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي[ (سنن ابن ماجه، باب النكاح: الحديث الرقم 1967).

وفي المقابل أوصى الله تعالى الرجال بالنساء على لسان نبيه r حين قال: ]وَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلاَهُ إِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ خَيْرًا[ (رواه مسلم، باب الرضاعة: الحديث الرقم 2671). وقال تعالى: ]وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا[ (سورة النساء: الآية 19).

ومن حق المرأة أن يتبسط لها الرجل في البيت ويستمع لحديثها، إيناساً لها، وإشعاراً بحبه لها وإكرامه إياها. وأن يظهر السرور والرضى بما يكون من أهله في بيته، من طعام جيد تُعده، أو ثوب حسن تلبسه.

والمرأة المسلمة العارفة بحقوق زوجها عليها، لا ترفض  قوامة الرجل، بل تحن إليها وتجد فيها لذة ومتعة لأنها فطرة سليمة، وأمرٌ لا تسلط فيه ولا قهر .وبدأت بعض حركات تحرير المرأة في الغرب تدرك ما يحققه ذلك من استقرار وسعادة للحياة الزوجية. فظهرت في أمريكا حركة ـ على قلة أتباعها ـ تدعو إلى الخضوع التام لسيطرة الرجل، والسبب في ذلك، كما تقول القائمات على الحركة، إسعاد المرأة، وإعادة التوافق والطمأنينة والاستقرار إلى كثير من العلاقات الزوجية. وقد أطلقت هذه الحركة على نفسها اسم: "حركة كل نساء العالم". وبدأت تعقد الدروس والندوات التبشيرية بالأفكار الجديدة، وتنظم الفصول الدراسية للراغبات في تحقيق السعادة الزوجية. وقد تسلل أحد مراسلي الديلي اكسبريس البريطانية في نيويورك إلى إحدى قاعات الدرس، وكانت المحاضرة تقول: "ليكن زوجك يا سيدتي هو السيد الحقيقي للبيت، وعليك أن تعترفي بسيادته هذه، وأن تهيئي حياتك له، وأن تكوني له مطيعة تعمل على راحته…" وتضيف: "هناك بعض النساء حَطَمْنَ حياتهن الزوجية بسبب إصرارهن على المساواة بالرجل ... إن الرجل هو السيد المطاع، ويجب على المرأة أن تعيش في بيت الزوجية، وأن تنسى كل أفكارها حول المساواة". وتجد هذه الحركة رواجاً كبيراً بين النساء في الغرب.

2. إرث المرأة في الإسلام

رويّ أن امرأة سعد بن الربيع جاءت إلى رسول الله، r فقالت: هاتان ابنتا سعد بن الربيع، قُتِل أبوهما معك في يوم أحد شهيداً، وإن عمهما أخذ مالهما فلم يدع لهما مالاً، ولا تنكحان إلا ولهما مال. فقال r يقضي الله في ذلك. فنزلت آية الميراث: فأرسل الرسول r إلى عمهما أن أعط البنتين الثلثين وأمهما الثُمن، وما بقي فهو لك.

ونصيب المرأة في الميراث حق ثابت بنص القرآن ]لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ وَالأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا[ (سورة النساء: الآية 7) ويختلف هذا الإرث وفقاً للحالات الوارثة؛ والقاعدة أن تأخذ الأنثى نصف نصيب الذكر، وأحياناً يكون أقل منه بلا تحديد. فيكون نصيبها مثل نصيبه في حالة الأخوات لأم، فإن الواحدة منهن إذا انفردت تأخذ السدس كما يأخذ الأخ لأم إذا انفرد. فإن كانوا ذكوراً وإناثاً اثنين فأكثر، فإنهم يشتركون في الثلث للذكر مثل حظ الأنثى، وذلك بمقتضى الآية، ]وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلاَلَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ[ (سورة النساء: الآية 12). وكذلك نصيب الأم السدس يساوي نصيب الأب إذا كان للميت فرع وارث من الذكور.

وقد يقل نصيب الأنثى عن نصيب الذكر إذا وجد مع الأبوين إخوة، فإن الأم ترث سدس المال والباقي خمسة أسداس للأب، وليس للإخوة شيء لأن الأب يحجبهم. وإن كان للميت زوجة وأب وأم وبنت فإن الأم تأخذ السدس، والزوجة الثمن، والبنت النصف أو للبنتين الثلثان ويأخذ الأب الباقي.

وإعطاء المرأة نصف نصيب الرجل في الميراث تدبير بعلم الله وحكمته، لا يحتاج إلى تعليل، ولكن العلماء ذكروا اجتهادات، منها: أن المرأة مكفية المؤونة، فنفقتها واجبة على أبيها أو ابنها أو زوجها، ولا تُكَلّف بالإنفاق على أحد، والرجل ملزم بدفع مهر الزوجة، ويُكَلّف بنفقة السكن والمطعم والملبس لزوجه وأولاده، وغير ذلك من التزامات، كأجور التعليم، ونفقات العلاج أو إعالة أبويه أو أخوته، وما إلى ذلك من التزامات مقررة شرعاً. فلمّا ألزمه الإسلام بكل ذلك أعطاه نصيباً أكبر من الإرث.

قال الشيخ السباعي: "لقد وجهت هذا السؤال على طلابي في الحقوق، وفيهم فتيان وفتيات: أفلا ترون أن ما تأخذه البنت من تركة أبيها يبقى مدخراً لها؟ وأن ما يأخذه الابن معرض للاستهلاك؟ وأردفته بسؤال آخر: هل ترون مع ذلك أن الإسلام ظلم المرأة في الميراث أو انتقصها حقها أو نقص من كرامتها؟

أمّا الطلاب فقد أجابوا بلسان واحد: لقد حابى الإسلام المرأة على حسابنا نحن الرجال، وأمّا الفتيات فقد سكتن، ومنهن من اعترفن بأن الإسلام كان منصفاً كل الإنصاف، حين أعطى المرأة نصف نصيب الرجل.

3. أداء الشهادة

أقر الإسلام قبول شهادة المرأة، ولكن في ضوء شروط وضوابط، وجعلها في البينة نصف شهادة الرجل. والأصل في ذلك قول الله تعالى: ]فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى[ (سورة البقرة: الآية 282) وقد وردت هذه الآية في وجوب كتابة الدين وشهادة شاهدين من الرجال عليه. وجعلت شهادة امرأتين بمنزلة شهادة رجل واحد؛ لأن من شأن الإسلام صيانة الحقوق وتحقيق العدل، والمرأة كما قدمنا تغلب عليها العاطفة وسرعة الانفعال، وربما تُغير العاطفة صورة الحق، فإن انضمت إليها أخرى كان أقرب إلى تحري الحق، وانكشاف الصواب.

ومن جهة أخرى فإن المرأة تكون - غالباً - بعيدة عن المعاملات التجارية، وإن مرت بالأسواق فإنها لا تلقي بالاً لما يدور فيها من صفقات تجارية، ولا تختزن ذاكرتها ـ بحكم تكوينها وانكباب ذهنها على شؤون البيت وبعدها عن الرجال ـ أمثال هذه المعاملات المادية، وقد تنسى بعض وقائع الحادثة التي تكون فيها شاهدة، وقد تنسى الحادثة نفسها، أو قد يخفى عليها بعض نواحيها مما يؤدي إلى ضياع الحق. ولكن الإسلام قَبِل شهادتها وحدها فيما يختص بأمور النساء: كإثبات الولادة وفي الثيوبة والبكارة، والعيوب الخلقية في الأعضاء التناسلية وما شابه ذلك.

4. أداء الدّية

دية المرأة التي قُتلت خطأ ـ إن لم يستوجب قاتلها القصاص ـ نصف دية الرجل؛ وهو حكمُ لم يأت بنص قاطع كما جاء في الميراث مثلاً، ولكن الفقهاء قاسوه على الميراث؛ محتجين بان الدّية تعويض عن المفقود المادي، وليس تعويضاً عن القيمة الإنسانية في القتيل، ولا شك أن الخسارة المادية اللاحقة بالأسرة في فقد الرجل أكبر، وذهب أبوبكر الأصم إلى أن ديتها مثل دية الرجل، ويؤيده من العلماء المعاصرين الشيخ محمد أبوزهرة.

5. حق التعليم

أوجب الإسلام على المرأة أن تتعلم من العلم ما تصح به عقيدتها، وتوفي به واجباتها الدينية من طهارة وصلاة وصيام وزكاة، هذا على سبيل الوجوب، ولها أن تأخذ من العلم ما استطاعت. وقد جاء في الحديث الشريف: ]طَلَبُ الْعِلْمِ فَرِيضَةٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ وَوَاضِعُ الْعِلْمِ عِنْدَ غَيْرِ أَهْلِهِ كَمُقَلِّدِ الْخَنَازِيرِ الْجَوْهَرَ وَاللُّؤْلُؤَ وَالذَّهَبَ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 220) وزاد بعضهم "ومسلمة". وهي زيادة لا تصح ـ كما قال الحافظ السخاوي ـ وإن كان معناها صحيحاً. لأنّ كلمة مسلم في ذكر التكاليف الشرعية تعني كل من آمن بالإسلام من ذكر أو أنثى، صغير أو كبير، من الإنس والجن.

وكانت النساء على عهد النبي r يحتشدن لسماعه، والصلاة معه من أجل التّعلُم؛ مع أن صلاة المرأة في بيتها أفضل، بلا خلاف، ولكن من أجل العناية بالتعليم خُصِصَ لهن باب في مسجد النبي يسمى "باب النساء" حتى لا يزاحمن الرجال. وروي أن النبي r طلب من الشّفاء العدوية أن تعلم حفصة بنت عمر تحسين الخط والكتابة. وكانت عائشة وأم سلمة تقرأن ولا تكتبان، وروت السيدة عائشة أكثر من مائتين وألفي حديث، وكانت أم الدرداء تقول: "لقد طلبت العبادة في كل شيء فما أصبت لنفسي شيئاً أشفى من مجالسة العلماء ومذاكرتهم.

وقد جعل النّبي r مهر المرأة أن يُعلّمها الزّوج العلم، إذا عجز عن المهر، حين قال لرجل لم يكن يملك ما يتزوج به: ]زَوَّجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 1032) أي أن يكون مهرها تعليمها. وفي الحديث ]نِعْمَ النِّسَاءُ نِسَاءُ الأَنْصَارِ لَمْ يَمْنَعْهُنَّ الْحَيَاءُ أَنْ يَتَفَقَّهْنَ فِي الدِّين[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 634).

وكان لكثير من جِّلة الفقهاء والعلماء شيوخ من النساء؛ ومن شهيرات النساء فاطمة بنت الشيخ علاء الدين السّمرقندي، الفقيه الحنفي صاحب تحفة الخلفاء المتوفى سنة 539هـ، وكانت فقيهة جليلة تزوجها  تلميذ أبيها الشيخ علاء الدين الكاساني، وكانت تشارك في الفُتيا.

6. حق العمل

لم يَحْرِم الإسلام المرأة حق العمل، ولكنه لم يُلْزِمها بالعمل خارج البيت لتعول نفسها، بل عهد إليها بشؤون البيت، ولم يمنعها من الخروج إن اقتضت الضرورة ذلك. وكانت الصحابيات الجليلات يتكسبن ويقمن بكثير من المهن. وكانت أم المؤمنين زينب بنت جحش امرأة صناع اليد[2]، تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله. وكانت زوجة عبدالله بن مسعود صناعاً، وليس لزوجها مال فكانت تنفق عليه وعلى ولده.

يقول الشيخ الشعراوي: "الإسلام لا يمنع المرأة من العمل، ولكن يضعه في حدود الضرورة، وقد بين القرآن أمثال هذه الضرورة في قصة ابنتي شعيب إذ إن أباهما كان شيخاً لا يقوى على السعي، وليس لهما إخوة ذكور، ثم هما تلزمان حدودهما فلا تزاحمان الرجال بل تنتظران حتى يصدر الرعاء. قال تعالى: ]وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لاَ نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ[ (سورة القصص: الآية 23).

ويقول محمد قطب : "هناك تقسيم عام شامل للعمل والاختصاصات: الرجل مكلف بالإنتاج المادي، وما ينتج عنه من اقتصاد وسياسة . والمرأة مكلفة بالإنتاج البشري، وما يترتب عليه من رعاية الأسرة ، وتربية النشء الجديد على أسس صالحة وليس هذا التقسيم تعسفياً من ناحية، وليس صارماً قاطعاً من ناحية أخرى. إنه يرعى فطرة الرجل وفطرة المرأة، واستعدادهما الطبيعي الأصيل".

ولعل من أهم أعمال المرأة، التي يعجز ـ بداهة ـ عنها الرجال، الحمل والولادة والإرضاع، خاصة. وقد ثبت أنّ لبن الأم له قيمة غذائية قصوى للطفل، وهو لبن معقم جاهز، مما يقلل الالتهابات التي تصيب الأطفال، وهو يكفي حاجات الطفل حتى الفطام.

وإن كان عمل المرأة في الإسلام مرتبطاً بحالات الضرورة التي تستوجبه، فإن عملها في الغرب غير ذلك، لأن الغربيين يرون أن البنت إذا بلغت الثامنة عشرة من عمرها، لم يعد أبوها أو أخوها أو أقاربها ملزمين بالإنفاق عليها، بل يجب عليها أن تبحث عن عمل لتعيش منه. ومن آراء كارل ماركس فيلسوف النظرية الشيوعية، وصاحب كتاب "رأس المال"، أن المرأة لا بدّ أن تعمل لتعيش. ولا يخفى أن هناك أسباباً عدة دفعت المرأة الغربية صوب العمل، منها الثورة الصناعية التي غيرت الوضع الاجتماعي الأوروبي، وحطمت الروابط العائلية، وهجرة الرجال من الريف محتمين بالمدينة، ملقين مسؤولية المرأة عن عواتقهم، إذا تيسرت لهم المتعة من طريق غير مشروع. فاستغنوا عن المرأة، فاضطرت إلى السعي من أجل العيش. ومن تلك الأسباب الحرب العالمية الأولى التي خلفت عشرة ملايين قتيل من الشباب الأوروبي والأمريكي، فتركت ملايين النساء بلا عائل؛ ومن جهة ثانية لم تكن هناك أيد عاملة من الرجال تكفي لإعادة تشغيل المصانع لتعمير ما خربته الحرب، فكان حتماً على المرأة أن تعمل.

ويحاول المسلمون السير في طريق الغرب المسيحي، مع أن الغرب نفسه أدرك خطورة هذا الطريق، ويحاول مصلحوه تنبيه المجتمع لذلك. يقول الفيلسوف والأديب الروسي "تولستوي": على الرجل أن يكد ويشتغل، وما على المرأة إلا أن تقيم في البيت، لأنها زوجة، أو بعبارة أوضح لأنها إناء لطيف سريع الانثلام والانكسار.

وتقول الممثلة الأمريكية المشهورة، مارلين مونرو في رسالتها التي كتبتها عند انتحارها: "إنني أتعس امرأة على هذه الأرض، لم استطع أن أكون أماً. إني امرأة أُفضّل البيت والحياة الشريفة الطاهرة، بل إن الحياة العائلية هي رمز سعادة المرأة. لقد ظلمني الناس. وأن العمل في السينما يجعل المرأة سلعة رخيصة تافهة، مهما نالت من المجد والشهرة الزائفة".

ويروي الشيخ السباعي تعليقاً عن أحد الأساتذة الإنجليز عام 1956، في نقاش دار بينهما حول موقف الإسلام من الحضارة الغربية، وأسباب تفكك الأسرة الذي مرده إلى اشتغال المرأة في المعامل. وانتهى الأمر إلى أن أخبره أن نظام النفقة في الإسلام يُجْبر الأب على الإنفاق على ابنته حتى تتزوج، فإذا تزوجت كانت نفقتها ونفقة أولادها على الزوج وحده، وهكذا فلا تجد المرأة نفسها في حاجة إلى أن تدخل المعمل لتأكل وتعيش، قال: وهنا قال صاحبي متعجباً: "نحن الغربيين لا نستطيع أن نتحمل مثل هذه التضحيات".

ويعترف أحد الباحثين الغربيين، عن سمو مكانة المرأة في الشرق قائلاً: "إن المرأة في الشرق تُحترم بكل نبل وكرم، وفي الشرق يشمل الرجل زوجته بعين الرعاية، ويبلغ الاعتناء بالأم إلى درجة العبادة، وفي الشرق لا نجد رجلاً يقوم على إلزام زوجته بالعمل ليستفيد من كسبها". وتقول امرأة غربية: "إنني أغبط المرأة المسلمة، وأتمنى أن لو كنت مولودة في بلادكم".

ومما تجدر الإشارة إليه أن المرأة الغربية كانت تعمل بأجر أقل من أجر الرجل؛ مضافاً إليها أعباؤها المعهودة من الحمل والولادة والإرضاع، حتى صدر إعلان من الأمم المتحدة عام 1967 يسمى إعلان إزالة التمييز ضد النساء، يقول عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية: "أقر الإعلان المساواة في حقوق التدريب المهني، واختيار العمل، ونوع المهنة والاستخدام، وفيه حق الترقية والمساواة في المعاملة والأجر العادل المتساوي في قيمته".

7. حق إبداء الرأي

كَفَلَ الإسلام للمرأة حقوقاً عديدة، من أهمها حق إبداء الرأي، الذي يصل إلى مرتبة المشاركة السياسية في أمور الدولة والحكم. فقوله تعالى: ]وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ[ (سورة الشورى: الآية 38)، لم يخص الرجال دون النساء. ولعل في قصة السيدة أم سلمة (أم المؤمنين) في الحديبية ما يؤيد هذا المعنى، فعندما شقّت على المسلمين بنود الصلح، وتأخروا في تنفيذ أمر الرسول r بالذبح والحلق والتحلل، دخل r على أم سلمة وقال لها: "هلك الناس، أمرتهم فلم يمتثلوا". قالت:"إنهم قد دخل عليهم أمر عظيم، ولكن انحر واحلق ولا تكلم أحداً. فلمّا فعل r ذلك تبادروا (أي أسرعوا) على النحر والحلق، حتى كاد يقتل بعضهم بعضاً.

ومن نماذج هذه المواقف السياسية في إبداء الرأي، معارضة السيدة عائشة لمعاوية عندما أراد البيعة لابنه يزيد، ومعارضة أسماء بنت أبي بكر لبيعة ابنها عبدالله بن الزبير للأمويين. ويبلغ الحق في إبداء المرأة رأيها قمته في "بيعة الغدير" حيث عقد النبي، r بيعة منفصلة للنساء، ولم يعتبر بيعة أزواجهن أو آبائهن أو إخوانهن؛ وكان أن قادت هند بنت عتبة فريق النساء المُبايعات على نحو ما ورد في سورة الممتحنة : ]يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة الممتحنة: الآية 12).

وقد بلغ حقٌ المرأة في الإسلام أن تُجير الكافر وتحميه وتؤمنّه، وعلى المسلمين احترام ما أعطت. فقد أجارت السيدة زينب بنت النبي، زوجها أبا العاص بن الربيع، عند قدومه المدينة قبل إسلامه. وأجارت أم حكيم بنت الحارث زوجها وابن عمها، عكرمة بن أبي جهل، بعد أن أهدر النبي، دمه. ويروي المؤرخون قصة أم هانئ بنت أبي طالب، التي أجارت رجلين من بني مخزوم، وأراد أخوها، علي بن أبي طالب أن يقتلهما، فأجاز النبي r ما فعلت أم هانئ وأمر علياً ألاّ يقتلهما.

8. الحجاب

أثار حجاب المرأة ردود فعلٍ متناقضة، بين مؤيد ومعارض وكلا الفريقين يرى أن وجهة نظره هي الحادبة على المرأة ومصلحتها. وقد ورد الأمر بالحجاب في آيات من القرآن الكريم منها: ]يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ[ (سورة الأحزاب: الآية 59). والحجاب ممارسة في الزيّ والمظهر عرفها العرب قديماً. وقد وردت الإشارة إليه في اليهودية والنصرانية، ولا يزال الحجاب يُلبس حتى اليوم عند راهبات النصارى.

ومفهوم الحجاب في الإسلام مبني على مفهوم "عورة المرأة"، التي ينبغي، وفقاً للشرع، ألاّ تكشف المرأة عن شيء منها أو من مفاتنها لأحد، ولو كان قريباً لها، أو في بيتها؛ ولا تضع خمارها، ولا تكشف شعرها إلاّ أمام والدي الزوج والإِخوة والأبناء وبنى أخواتها فقط. وقال بعض الفقهاء: عورة المرأة على محارمها الرجال هو جميع بدنها، ما عدا الوجه والأطراف، وهي: الرأس والعنق واليدان والرجلان. وتعامل المرأة غير المسلمة معاملة الأجنبي، فلا ينبغي أن تتكشف المرأة المسلمة أمامها إلا لحاجة.

أمّا عورة المرأة على غير المحارم فجميع بدنها، إلاّ الوجه عند الجمهور. وترى بعض المذاهب أن الوجه عورة، وهو ما يستفاد من النصوص إذ إِن الجلباب المذكور في الآية هو ما غطى جميع الجسم لا بعضه. قالت أم سلمة رضي الله عنها لمّا نزل قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا[ (سورة الأحزاب: الآية 59). خرجت نساء الأنصار كأن رؤوسهن الغربان من الأكسية؛ وفي هذه الآية دليل على أن المرأة الشابة مأمورة بستر وجهها عن الأجانب، وإظهار الستر والعفاف عند الخروج لئلا يطمع أهل الريب فيهن".

ولم يكن الحجاب موضع خلاف بين المسلمين، حتى جاءت طلائع الاستعمار الأوروبي إلى البلاد العربية في أواخر القرن الماضي وأول هذا القرن. وظهرت الحركات الدّاعية إلى تحرير المرأة. وقد سعى الأوروبيون إلى أن تُقْبل المجتمعات العربية المسلمة الدعوة إلى ترك الحجاب لأن السّفور وجه من أوجه النهضة، والحجاب عامل من عوامل التخلف.

وكان المجتمع العربي قديماً شديد الغيرة، بل إن الغيرة طَبْعٌ فَطَر الله الناس عليه. روى البخاري عن الغيرة قال: "قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلاً مع امرأتي لضربته بالسيف غير مُصفْحٍ، فبلغ ذلك رسول الله r فقال ]أَتَعْجَبُونَ مِنْ غَيْرَةِ سَعْدٍ وَاللَّهِ لأَنَا أَغْيَرُ مِنْهُ وَاللَّهُ أَغْيَرُ مِنِّي وَمِنْ أَجْلِ غَيْرَةِ اللَّهِ حَرَّمَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْعُذْر مِنْ اللَّهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ بَعَثَ الْمُبَشِّرِينَ وَالْمُنْذِرِينَ وَلاَ أَحَدَ أَحَبُّ إِلَيْهِ الْمِدْحَةُ مِنْ اللَهِ وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ وَعَدَ اللَّهُ الْجَنَّةَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 6866). هذه الغيرة جزءٌ من نفسية المسلم وتكوينه، وقد يترخص فيها غير المسلم ولا يدرك حقيقتها ومعناها. وقد لاحظ ذلك رفاعة الطهطاوي أثناء دراسته في فرنسا، حين قال: "من محاسن الإسلام أن الله سبحانه وتعالى قد أودع في قلب الرجل الغيرة على نسائه. حتى جعل سبحانه وتعالى بدن الحُرة عورة بالنسبة للآخرين، لا يحل كشفه عليهم … فلذلك كانت نساء الإسلام مصونات في بيوتهن". ومن العادة أيضاً العامة لسائر المسلمين أنه لا يليق أن يُسأل الرجل عن زوجته، وإن كان هذا يُعد في بلاد الفرنج من اللطافة والظّرف، لفقدهم الغيرة ..".

وقدا أراد المؤرخ الإسلامي رفيق العظم أن يثبت لقاسم أمين، الذي حمل لواء الدعوة لتحرير المرأة في مصر وترك الحجاب، فشل دعوته بطريق عملي. فطرق منزل قاسم ذات يوم؛ ولمّا رآه الخادم أسرع وأخبر قاسم أمين، الذي خرج لاستقباله. فقال رفيق: أنا في هذه المرة جئت لزيارة السيدة حرمكم لأتحدث معها في بعض المسائل الاجتماعية. وعندما استنكر قاسم أمين هذا المطلب، أجابه رفيق: كيف تدعو لشيء تمنع أهلك منه؟ إذن فأنت تدعو الأمة إلى غير ما تريد لنفسك! فقال قاسم إن زوجتي تلقت تربيتها وعاداتها عن والديها، وهي لم تألف ما أدعو إليه، فضحك رفيق العظم وقال: كلنا هكذا والخير في ذلك. وقد أردت أن أبرهن لك أن ما تدعو إليه يَمَجّه الناس جميعاً حتى أهل بيتك.

ولم يكتف الغربيون بخروج المرأة إلى العمل ومشاركتها الرجل في كل الميادين؛ بل ظهرت حركات تدعو للسفور وما يتبعه من التبرّج والانغماس في الشهوات، من مثل الحركة المالتوسية المحدثة في أواخر القرن التاسع عشر، ومبدؤها الرئيسي أن تُقضى الشهوة بحرية تامة، ثم تمنع نتيجتها الطبيعية ـ أي الحمل والولادة ـ بوسائل العلوم التجريبية. ومن نتائج ذلك أن تُسْلم المرأة نفسها للأجنبي بلا حذر، غير خائفة من الحمل السِّفاح، أو تُحمل مسؤولية ما أقدمت عليه.

وقد غَذّى هذه الحركة ما صحبها من تطور في النواحي الاقتصادية، وظهور السلع الكمالية، واختراع الملابس الشّفافة وأدوات الزينة، ووسائل الترويح واتخاذ المرأة سلعة للتجارة. كما أسهم الأدب الرخيص في ذلك كله بالأفلام السينمائية والمسارح، التي تُجَنَدّ لها الفتيات بعرض مفاتنهن، والقصص الخليعة مما يؤدي إلى انتشار الفواحش والأمراض السرية الفتّاكة، وآخرها مرض "الإيدز". وكل ذلك لا سبيل إلى الوقاية منه إلا بالاستقامة والنظافة، في حياة عفيفة وشرعية.

9. حق الزواج

اختلف الفقهاء في أركان الزواج وشروطه؛ كما اختلفوا في التسمية، فبعضهم يسميها أركاناً وبعضهم يسميها شروطاً. والمتفق عليه بينهم أنها خمسة: الولي والصداق والزوج والزوجة والصيغة، وأضاف بعضهم الشهود. وفي هذه الشروط تفصيلات كثيرة محلها كتب الفقه، ولكن من المستحسن الوقوف عند الولي والصداق، لأنهما يتصلان برؤية الإسلام للمرأة.

فالولي يتوقف عليه صحة النكاح، وهو الأب، أو من ينوب عنه في الولاية، أو السلطان. وعلى كل فلابد من حضور الولي وموافقته، وهي صورة من صور القوامة. واستدل الفقهاء على ذلك بالآية: ]وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ[ (سورة النور: الآية 32). فالأمر موجه إلى الأولياء لا إلى النساء. وعن عائشة قالت: قال r ]أَيُّمَا امْرَأَةٍ نَكَحَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهَا فَنِكَاحُهَا بَاطِلٌ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ فَإِنْ دَخَلَ بِهَا فَالْمَهْرُ لَهَا بِمَا أَصَابَ مِنْهَا فَإِنْ تَشَاجَرُوا فَالسُّلْطَانُ وَلِيُّ مَنْ لاَ وَلِيَّ لَهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1784).

وَمنْعُ المرأة من تزويج نفسها لا يُعتبر من قبيل الطّعن في شخصيتها، أو عدم صلاحيتها لأن تتولى أمور نفسها؛ بل هو في الواقع حرص على كرامتها ومستقبلها؛ لأن الولي يكون حريصاً على اختيار الزوج الكُفء، بحكم خبرته بأمور الرجال. ولأن المرأة قد تدفعها العاطفة إلى التعلق برجل قد يسيء إليها. فضلاً عما فطرها الله عليه من الحياء الذي يمنعها من ذكر أمور النكاح في مجالس الرجال، فأعفاها الله من ذلك".

وفي عصرنا هذا قد يتجرأ بعض الشباب، ويخرجون على هذه القاعد المرعيّة باسم الحرية الشخصية، وقد يغرر بعض من لا خلاق لهم من الشبان بالفتيات، كما جاء في إحدى المجلات النسائية في باب سؤال ما فحواه: شاب تزوج من فتاة دون علم أهلها وبلا مأذون ولا شهود، ولكنه قال: لها زوجيني نفسك، فقالت: زوجتك نفسي. ما موقف الإسلام من هذا الزواج؟

وقد أجاب الدكتور سيد رزق الطويل، عميد كلية الدراسات الإسلامية والعربية بالقاهرة، أنّ هذا الفعل ليس زواجاً وإنما هو زنى؛ ولذا يجب التفريق بينهما فوراً وأن يتوبا إلى الله، ويبادر إلى عقد الزواج الشرعي بالمهر والولي والشهود.

والولاية مسؤولية، لأن الوالي مطالب بمراعاة مصلحة مُوَلَيته، فلا يستبد بأمرها. وللقضاء التدخل إذا تعنت الأولياء. ]فعَنْ خَنْسَاءَ بِنْتِ خِذَامٍ الأَنْصَارِيَّةِ أَنَّ أَبَاهَا زَوَّجَهَا وَهْيَ ثَيِّبٌ فَكَرِهَتْ ذَلِكَ فَأَتَتْ رَسُولَ اللَّهِ r فَرَدَّ نِكَاحَهُ[ (رواه البخاري، في باب النكاح: الحديث الرقم 4743). وعن ابن عباس أن رسول الله r قال: ]الأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تُسْتَأْذَنُ فِي نَفْسِهَا وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 1026، وقال حديث حسن صحيح).

10. الطلاق

شُرّع الطلاق في الإسلام لعلاج الحالات التي يتُعذر علاجها، وتستعصي على الحل بعد تجريب كافة السبل لحل الخلافات الزوجية بالنصح والإرشاد والهجر في المضاجع، وتحكيم حكمين من أهل الزوج وأهل الزوجة. فإن تبين استحالة الحياة الزوجية، أجاز الإسلام إيقاع  الطلاق، وجعله حلالاً، ولكنه أبغض الحلال عند الله. وحذّر الإسلام تحذيراً شديداً من التلاعب بعروة الزواج، وسماها الله في القرآن "ميثاقاً غليظاً"؛ قال تعالى: ]وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا[ (سورة النساء: الآية 21)؛ وأمر بحسن الاختيار ابتداءً حتى يُتجنب مثل تلك المشكلات، وحذر النبي r من تخبيب المرأة على زوجها. (أي حثها على طلب الطلاق) وأوصى المرأة ألاّ تطلب الطلاق. ورد عن رسول الله r أنه قال: ]أَيُّمَا امْرَأَةٍ اخْتَلَعَتْ مِنْ زَوْجِهَا مِنْ غَيْرِ بَأْسٍ لَمْ تَرِحْ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 107).

وكان الطلاق معروفاً قبل الإسلام، وهو مباح عند اليهود بغير عذر، وهو حق للرجل وحده. ولكن اليهود في وقت متأخر (في عهد الرومان) رأوا تقييد الطلاق، وأجازوا للمرأة طلب الطلاق في حالات، منها عدم قدرة الزوج على المعاشرة، وتغيير الدين.

وتحرّم القوانين الكنيسية الطلاق بتاتاً إلاّ بثبوت زنى المرأة، أو دخول أحد الزوجين في الرّهبنة، فيحق للآخر أن يتزوج؛ وفيما عدا ذلك لا تقبل الكنيسة الطلاق، إلاّ في حالة عقم المرأة. وقد قبلت القوانين المعاصرة في أوروبا مبدأ الطلاق، ولكنها حصرته في أسباب ثلاثة:

أ. الزنى.

ب. الإهانات الكبرى.

ج. إذا حُكم على أحد الزوجين حُكماً مشيناً مضيِّعاً لكرامته.

وقد عَرف العرب الطلاق في الجاهلية، وأهل مكة يعرفون الطلاق ثلاثاً. ومن صور الطلاق عندهم الخلع، وهو اتفاق الزوج مع الزوجة على أن ترد عليه مهره الذي دفعه لها مقابل إطلاقها، وقد أقرّه الإسلام.

وكان الظهار عند العرب من أشد صور الطلاق، فالمرأة تصبح محرمة على زوجها وتغدو شبه طالق طلاقاً بائناً إلا أنها تبقى في عصمته، قال تعالى: ]الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللاَّئِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ[ (سورة المجادلة: الآية 2)، ومن صور الطلاق عندهم الإيلاء: وهو أن يقسم الرجل على ترك زوجته مدة معلومة، وكانوا يعمدون إليه سخطا على ولادة البنات في الغالب، كما كانوا يفعلونه مضارة للزوجة، ووسيلة لابتزاز أموالها ، وقد منعه الإسلام مدة تزيد عن أربعة أشهر.

وهناك نساء جَعَلْنّ أمرهن في أيديهن مثل سلمى بنت عمرو الخزاعية أم عبد المطلب، وفاطمة الأنمارية وأم خارجة. وقد عُرفت معظم النساء اللاتي أخذن حق الطلاق بأنهن تزوجن بعدة رجال، وكانت وسيلة الطلاق عندهن أن تغير باب الخباء فإن كان جهة المشرق حولته إلى المغرب فيعرف أنها طلقته كما فعلت ماوية زوجة حاتم الطائي لمّا عابت عليه الإسراف في الكرم. أو تمتنع عن إعداد الطعام له.

وكان الزوج في الجاهلية يطّلق زوجته، ثم يراجعها، يفعل ذلك مراراً بغير حد، مما كان يؤذي المرأة ويجعلها معلقة مظلومة. فنقض الإسلام ذلك، ورفع عنها الظلم محدداً الطلاق باثنتين. ولم يعرف للمطلقة في الجاهلية نفقة ولا عدة، ولذا كانت المرأة تُطلق وهي حامل، فتتزوج قبل أن تضع وليدها، وربما انتسب الولد للأب الجديد (زوج الأم).

وكانت لهم ألفاظ في إيقاع الطلاق؛ فإذا أراد الرجل طلاق زوجته وكان مهذبَ العبارة، يقول لها: إلحقي بأهلك أو أنت خَلِيّة، وإن كان جافي الطبع أو مغتاظاً يقول لها: حبلك على غاربك، أو أنت مخّليٌّ كهذا البعير.

وقد يطلق الرجل زوجته ويفارقها، ولكنه لا يسمح ـ إمّا لشعوره بالغيرة أو الإِباء ـ أن تتزوج من غيره؛ وذلك بتهديدها أو تهديد أهلها أو إغرائهم بالمال، وكل هذا من مضارة النساء.

جعل الإسلام الطلاق في يد الرجل لأنه بحكم تكوينه ومسؤوليته، وتكبده الكثير في بناء الحياة الزوجية يكون عادة حريصاً في المحافظة عليها. ولكن هذا الحق محفوف بالقيود الشرعية؛ فاشترط الفقهاء أولاً في الرجل لكي يقع طلاقه أن يكون عاقلاً بالغاً غير مكره. وزاد كثير من العلماء أن طلاق الغضبان لا يقع لأنه فقد السيطرة على أعصابه، بحيث يقول ما لا يريد، مستدلين بحديث النبي r ]لاَ طَلاَقَ وَلاَ عَتَاقَ فِي إِغْلاَقٍ[ (رواه ابن ماجه، الحديث الرقم 2036) ويعني به الغضب.

وقد أجاز الإسلام للمرأة أن تُطلق نفسها فيما سُميّ "الخَلْعُ"، وهو افتداء المرأة من زوجها الكارهة للبقاء معه بمالٍ تدفعه إليه ليطلقها.

وللخلع شروط حددّها الفقهاء، أهمها أن ليس للزوجة أن تطلب الخلع حتى تبلغ درجة من الضرر تخاف معها أن لا تقيم حدود الله في نفسها أو في حقوق زوجها. وقد ورد عن رسول الله r قوله لامرأة ثابت بن قيس، وقد جاءته تقول عن زوجها: يا رسول الله، ما أعتب عليه في خلق ولا دين، ولكني أكره الكفر في الإسلام (أي أن أفعل شيئاً يخرجني عن ديني) فقال لها r ]أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏r‏‏ ‏اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً [ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3409).

وقسم الفقهاء الطلاق إلى نوعين: طلاق سنة، وطلاق بدعة. فطلاق البدعة أن يطلقها في حيض أو حمل أو طُهْرٍ جامعها فيه لا يدري أحملت أم لا. أما طلاق السنة فيطلقها في طهر لم يقربها فيه، وتمكث في بيت الزوجية مدة العدة، وله أن يراجعها في أثنائها. والحكمة من بقائها ترك الفرصة الكافية لتهدأ النفوس ويعود الصفاء بين الزوجين ويلمسان آثار الانفصال السيئة على حياتهما وحياة أولادهما. فإن انتهت عدتها بانت عنه ولا يراجعها إلا بعقد ومهر جديدين. فإن طلقها الثالثة فلا تحل له حتى تتزوج بآخر، ليس على نية التحليل بل على نية الاستقرار، فإن طلقها الآخر جاز لها أن تعود إلى زوجها الأول.

ولمعرفة المدى الذي كرّم فيه الإسلام المرأة، حتى في الطلاق، نقارن بالطلاق في الأديان الأخرى. ففي دول الغرب كان الطلاق محظوراً عندهم تبعاً لتعاليم الكنيسة، ولكن بدأت كثير من الدول تسن التشريعات لإجازة الطلاق، بشرط أن يقع أمام المحكمة، ولهذا أضراره من فضح الأسرار الزوجية، مما يجعل من الصعب العودة إلى اتفاق.

ثم إِنهم جعلوا حق طلب الطلاق للرجل والمرأة، مما أدى إلى كثرة وقوع الطلاق. فكانت المرأة تسارع إلى طلب الطلاق لكل حدث من زوجها يغضبها، ووردت أسباب تافهة لطلب الطلاق؛ ففي بعض المحاكم في أمريكا طلقت امرأة من زوجها لأنها تحب الكلاب وتسمح لها بالنوم في فراش الزوجية بينما يكره الزوج ذلك.

وقد بلغت نسبة الطلاق حداً كبيراً في البلدان التي تسمح به؛ وكثير منهم ينتظرون صدور القانون ليتقدموا بطلب الطلاق، فقد ورد أنه تقدم مليون شخص في إيطاليا، من الذكور والإناث بطلب الطلاق حال صدور القانون. وبلغت نسبة الطلاق في بعض الولايات الأمريكية 60%، إلى جانب ما يصاحب ذلك من فضائح على صفحات الجرائد، وفي قاعات المحاكم. وفي بعض البلاد التي لا تبيح الطلاق إلاّ بسبب الخيانة الزوجية، يتقدم الزوجان ويُقرّ كل واحد منهما على نفسه بارتكاب الخيانة الزوجية، ليتخلص من شريك حياته. مما يدل على أنه لا الزواج ولا الطلاق يحققان الغاية المرجوة منهما.

وهكذا نرى أن الإسلام كرّم المرأة في جميع أحوالها؛ ابنة حين حرّم وأدها، وزوجة حين حافظ على حقوقها الشرعية وراعى تقلباتها النفسية والعاطفية، وأماً حين أمرّ ببرها ثلاث مرات في الحديث المشهور، مقابل مرة واحدة للأب. ويظهر هذا التكريم في مساواة المرأة في حقوقها بالرجل، مع الاحتفاظ بحقه في القوامة؛ فقد قرر الإسلام للمرأة نصيبها من الميراث، وحقها في الزواج والطلاق، وطلب العلم وإبداء الرأي والعمل، كما كرّمها حين حفظ عفتها وصانها بالحجاب.

فالمرأة قبل الإسلام كانت في وضع اجتماعي ونفسي متردٍ، يختلف تماماً عن وضعها بعد الإسلام. ولأن الإسلام دين أساسه العدل والمساواة، كان منطقياً أن ينزل المرأة منزلتها اللائقة بها.



[1] هو التأديب بالجلد أو التوبيخ أو المقاطعة أو النفي، وهو واجب في كل معصية لم يضع لها الشرع حداً.

[2] أي ماهرة في عملها.