إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / المسجد الأقصى









المبحث الثالث:

المبحث الثالث

الأرض المقدسة والهيكل في وجدان اليهود وفكرهم

أولاً: الهيكل شعار الدولة الإسرائيلية

بلغ الهيكل عند اليهود المعاصرين منزلةً، جعلتهم يتخذونه شعاراً لدولة إسرائيل (نجمة داود) السداسية، ليذكرهم الشعار، باسم أول من بنى دولة باسم إسرائيل، وهو داود u كما سَمَّوْا دولتهم على اسم أبيهم "إسرائيل" الذي ينتسبون إليه، وهو يعقوب u ولا يرى زعماؤهم غضاضة في الجهر بأن حدود أرض إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات. بل جعلوا هذه العبارة شعـاراً مكتوبا بشكل دائم فوق منصة الكنيست الإسرائيلي. يقول ديفيد بن جوريون David Ben-Gurion، أول رئيس وزراء لإسرائيل: "فالشعب اليهودي بأسره سيعود إلى الاستيطان في أرض الآباء والأجداد، الممتدة من النيل إلى الفرات".

ثانياً: التوراة

التوراة ـ في الأصل ـ كتاب نزل من عند الله تعالى، على نبيه، موسى u ثم ضُمت إليها آثار الأنبياء، الذين جاءوا بعده لبني إسرائيل. فأصبح الكتاب مجموعة من الأسفار، جمعها رجال المجمع الأكبر، بعد الرجوع من سبي بابل. وتُقسّم التوراة إلى ثلاثة أقسام:

القسم الأول: التوراة المنزّلة على موسى u وفيها شريعته. وهذه التوراة تعني عند اليهود الأسفار الخمسة المنسوبة إلى موسى u وهي: (سفر التكوين Genesis، سفر الخروجExodus ، سفر اللاويين Leviticus، سفر العددNumbers ، سفر التثنيةDeuteronomy )

القسم الثاني: أسفار الأنبياء، وهي قسمان:

·   أسفار الأنبياء السابقون، وهي ستة أسفار: سفر يشوع، سفر القضاة، سفر صموئيل الأول، سفر صموئيل الثاني، سفر الملوك الأول، سفر الملوك الثاني.

·   أسفار الأنبياء المتأخرون، وهي أربعة عشر سفراً: سفر إشيعاء ـ سفر إِرميا ـ سفر حَزَقَيال ـ سفر هوشع ـ سفر يؤئيل ـ سفر عاموس ـ سفر عوبديا ـ سفر ميخا ـ سفر ناحوم ـ سفر حبقُّوق ـ سفر صفنيا ـ سفر حجي ـ سفر زكريا ـ سفر ملاخي.

القسم الثالث: الكتب والصحف: وهو يشتمل على كتبٍ وحكمٍ وأمثالٍ ومزاميرَ وأخبارٍ تاريخية. والكتب والصحف أيضا قسمان:

·   الكتب الكبيرة، وهي: المزامير ـ الأمثال ـ أيوب ـ دانيال ـ عزرا ـ نحميا ـ أخبار الأيام الأوّل ـ أخبار الأيام الثاني.

·   الكتب الصغيرة، وهي: راعُوث ـ نشيد الأنشاد ـ الجامعة ـ مراثي إِرميا ـ أستير.

وقد ترجم هذه الأسفار إلى اللغة اليونانية، سبعون عالماً، من اليهود، في الأعوام من 285 إلى 247 ق.م.، في الإسكندرية. ثم ترجمت إلى اليونانية الحديثة، ثم ترجمها إلى العربية أول مرة، سنة 942م، سعديا الفيومي.

والتوراة نسختان: نسخة عبرانية، وهي المتداولة على نطاق واسع بين اليهود والنصارى، والأخرى سامرية، لم تترجم إلى اللغة العربية إلا منذ سنوات قليلة. وكلتا النسختين تختلف إحداهما عن الأخرى في عدد الأسفار، وفي كثير من النصوص.

ويُطلق النصارى اسم (الكتاب المقدس) على مجموع التوراة والإنجيل، أو العهد القديم، والعهد الجديد. وهناك اختلاف في الترجمات، فالطبعة التي تعتمدها الكنيسة البروتستانتية، تختلف عن طبعتي الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية.

وقد حَرّف أحبار اليهود التوراة الأصلية، التي أُنزلت على سيدنا موسى واستمر هذا التحريف لقرون ممتدة، حتى أصبح المحققون من علماء اليهود والنصارى، يعتقدون أن أسفار التوراة (أسفار الشريعة الخمسة) لا علاقة لها بموسى، بل كتبها أشخاص عديدون، في عصور مختلفة، وبأيدي كتاب متباينين، ثم جُمعت هذه الأسفار بعد وفاة موسى بألف عام.

وقد ذكر الله سبحانه وتعالى، تحريف أحبار اليهود للتوراة، وأنهم أضافوا إليها، وأنقصوا منها الشيء الكثير، وورد ذكر ذلك في مواضع عدة. قال تعالى: ]أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ[ (سورة البقرة: الآية 75).

وقال سبحانه وتعالى: ]وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ[ (سورة البقرة: الآيتان 78، 79). وقال عزّ من قائل ]مِنْ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ[ (سورة النساء: الآية 46)

وقال تعالى: ]يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ[ (سورة المائدة: الآية 13).

ثالثا: التوراة والعهد القديم عند رجال الكنيسة

يُعتبر الكاثوليك أشد فرق النصارى تمسكاً بالنصوص، وكانوا إلى عهود قريبة جداً يعتبرون (العهد القديم) كلام الله الذي أوحاه إلى الأنبياء، ابتداء من موسى u إلى آخر سلسلة بني إسرائيل من الأنبياء.

ومع ظهور الاكتشافات الأثرية، والتاريخية، والكتابات العديدة، التي قام بها علماء اليهود والنصارى، اضطر رجال الكنيسة إلى تعديل آرائهم، وإلى الاعتراف بأن (العهد القديم) ليس وحيًا حرفيًا من الله لأنبيائه، وأن التوراة (الأسفار الخمسة) لم يكتبها موسى u، وسفر يشوع لم يكتبه يشوع، وإنما كُتِبَتْ هذه الأسفار من قِبَل رجال عديدين في أزمنة مختلفة. ولكن روح الله كانت تظلل أولئك الكتبة.

وتعترف الكنيسة بالتناقضات الموجودة في هذه الأسفار، وتطلب من المؤمنين بها أن يقرأوها دون أن ينظروا إلى مصداقية كل كلمة فيها، لأن المطلوب، هو الإيمان بالمغزى الإلهامي الإجمالي، لا الإيمان بالحرفية، لأن التفاصيل قد تبدو متناقضة فيما بينها للباحث المدقق، أو مختلفة مع ما أصبح معروفاً من مجريات التاريخ. وأما إذا أخذنا ما فيها من علوم كونية، على أساس أنها حقائق، فإننا سنواجه بمشكلة عويصة، حيث تصادم نصوص الكتاب المقدس، في كثير من آياتها، مع ما هو معروف من هذه العلوم الحديثة.

أمّا الكتاب المقدس، فقد حُرّف تحريفاً شديداً، وامتلأ بالتناقضات فيما ترويه الأسفار المختلفة، بل السفر الواحد. كما أنه يناقض الوقائع التاريخية، والحقائق العلمية في أمور كثيرة.

وَرَدَ في دراسة بعنوان: (مدخل إلى الكتاب المقدس): "ما هو الكتاب المقدس؟ تكفي نظرة نلقيها على الفهرس لنرى: أنه (مكتبة) بل مجموعة كتب مختلفة جداً... ذلك أنها تمتد على أكثر من عشرة قرون، وتُنسب إلى عشرات المؤلفين المختلفين. بعضها وضع بالعبرية، مع بعض المقاطع بالآرامية. وبعضها الآخر باليونانية، وهي تنتمي إلى أشد الفنون الأدبية اختلافاً كالرواية التاريخية، ومجموعة القوانين، والصلاة، والقصيدة الشعرية، والرسالة، والقصة.

أفكار الكتاب المقدس هي عمل مؤلفين ومحررين، ظل عدد كبير منهم مجهولاً لكنهم ـ على كل حال ـ لم يكونوا منفردين، لأن الشعب كان يساندهم، ذلك الشعب الذي كانوا يقاسمونه الحياة والهموم والآمال، حتى في الأيام التي كانوا يقاومونه فيها. معظم عملهم مُسْتَوْحًى من تقاليد الجماعة".

وتقول هذه الدراسة أيضاً: "لم يكن هناك حدود للكتابات المعترف بها، لدى حاخامات اليهود باعتبارها وحياً من الله، لأن الإضافات كانت مستمرة والقائمة مفتوحة.

ويتحدث الباحث اليهودي، "أدمون جاكوب"، في كتابه (العهد القديم) عن مختلف نصوص العهد القديم، قائلاً: "إن ما يرويه العهد القديم عن موسى، والأنبياء الأولين (إبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، والأسباط ) لا يتفق إلا بشكل تقريبي مع المجرى التاريخي للأحداث، ولكن الرواة كانوا يعرفون كيف يضفون الأناقة والخيال، على مروياتهم، بحيث يربطون بين أحداث شديدة التنوع. وقد نجحوا في تقديم هذه الأحداث، في شكل حكاية لما حدث في أصل العالم والإنسان".

رابعاً: التوراة والهيكل

الحديث عن الأرض والمعبد في التوراة، يكاد يصبغها بطابعهما. فمن أول سفر في التوراة، وهو سفر التكوين، يبدأ الحديث عن الوعد الإلهي، بمنح الأرض المقدسة لإبراهيم u وذريته ويتجاهل اليهود أن هناك أمة أخرى غيرهم من ذرية إبراهيم u، هي أمة بني إسماعيل u وذريته، التي وعدت بالتمكين والكثرة في كتبهم. جاء في سفر التكوين "فقال الله لإبراهيم u لا يقبح في عينيك، من أجل الغلام ومن أجل جاريتك، في كل ما تقول لك سارة، اسمع لقولها، لأنه بإسحاق يُدعى لك نسل، وابن الجارية أيضا سأجعله أُمةً لأنه نَسلُكَ. "وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه، ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً، اثني عشر رئيساً يلد، وأجعله أمة كبيرة".

وتتحدث التوراة، عن المرحلة المبكرة جدا لاتخاذ إبراهيم u معبداً، في أرض الشام، كما تتحدث عن اتخاذ يعقوب معبداً في تلك الأرض. وتذكر أن رفات يوسف u نُقلت إلى الأرض المقدسة. ثم تحكي التوراة، أن الصراع بين موسى u وفرعون مصر، كان يدور حول طلب موسى u الخروج ببني إسرائيل من مصر، لكي يعبدوا الله في الأرض الموعودة.

وبعد الخروج كان على بني إسرائيل أن يشدوا السير، ويستعدوا للجهاد، لدخول الأرض المقدسة، وتنزل الشرائع المفصلة لما ينبغي أن تكون عليه الطقوس الدينية المفترضة في الهيكل. ويُؤْمَرُ موسى u باتخاذ التابوت، وبناء خيمة الاجتماع، التي كانت محل العبادة في أرض التيه في سيناء.

وتَذْكُر التوراةُ، بتفصيل موسع جداً، صفة التابوت وخيمة الاجتماع، وتفصّل أيضا في الترتيبات الشعائرية والتعبدية، من ذبائح وملابس ومآكل ومشارب.

ثم يُؤْمَرُ موسى u بالانتقال ببني إسرائيل إلى الأرض المقدسة. وتُبَيِّنُ التوراة أن موسى u وهارون أخاه، ماتا قريباً من الأرض المقدسة ولم يدخلاها، ولحبهما لتلك الأرض طلبا الموت قريباً منها.

وبعد انتهاء عهد موسى u تذكر التوراة أن "يشوع" خادم موسى u كان أول تكليف له أن يخف لاقتحام أسوار الأرض المقدسة بالجيل التالي لجيل التيه.

وتذكر التوراة أن يشوع u اصطحب التابوت في أثناء اقتحام الجيش للأرض المقدسة.

وهكذا تُتابع التوراة الحديث المكثف عن الأرض، والمعبد، والمقدسات، في كل عهود الأنبياء التالين لعهد يشوع بن نون، من خلال الأسفار التالية: سفر القضاة الواحد والعشرون، ثم أسفار راعوث الأربعة، وسفر صموئيل الواحد والثلاثون، وسفر صموئيل الثاني الأربعة والثلاثون.

ثم تبدأ بعد ذلك مرحلة الحديث عن الأرض والمعبد في العصر الذهبي لبني إسرائيل، عهد الملوك، منذ عهد داود u ثم ابنه سليمان u ثم ما تلا ذلك من عهود. وتتحدث التوراة حديثا طويلاً عن الهيكل الذي بناه سليمان u وتطنب في ذكر صفاته وهيئاته اللائقة بالنبي الملك الذي أوتي من كل شيء.

وتتتابع الصفحات في وصف هيكل سليمان u، الذي استغرق بناؤه، حسب قول التوراة، سبع سنين، ثم نُقل إليه تابوت العهد.

خامساً: التلمود والهيكل

معنى "التلمود" في العبرية: (علم) أو تعاليم، وقد بدأت مراحل كتابته عندما تجمع اليهود في شمالي فلسطين بعد أن شتتهم الإمبراطور تيطس. فقد وجدوا في تلك الفترة، أن التوراة تحتاج إلى شروح وتفاسير، فشرعوا في هذا العمل، وأسموه (المشنة) ومعناها (الإعادة)، أو الكتاب الثاني بعد التوراة. وانتهوا من عملهم هذا سنة 200م.

والتلمود كتاب مقدس عند اليهود، مثل التوراة أو أكثر، وفي التلمود عبارة تشير إلى ذلك. ويدعي اليهود أن أول من حمل علم التلمود، هو موسى u إذ إنه أُعطي تفسيره مع التوراة. وبطبيعة الحال، فإن التلمود، الذي هو شروح للتوراة، يتناول بالشرح أحاديث التوراة عن الأرض المقدسة والهيكل، ولذلك فهو يحتوي على كم كبير من الحكايات عنهما، إلا أن التلمود يتميز بأسلوبه الأسطوري في سرد الوقائع وعرض القصائد.

يقول التلمود: "تربة فلسطين طاهرة، لابد من دفن المتقين من موتى بني إسرائيل فيها؛ وإن لم يتيسر ذلك يوضع مع الكفن شيء من التراب المجلوب منها". "دمر نبوختنصر بلاد إسرائيل، وحطم الهيكل المقدس، ونهب مجوهراته، وتركه فريسة للنيران الملتهبة".

سادساً: الصهيونية والهيكل

الصهيونية حركة يهودية دينية سياسية، اشتُق اسمها من (صهيون)، وهو الجبل الواقع في الجنوب الغربي من القدس القديمة. وتهدف الحركة الصهيونية إلى إعادة مجد إسرائيل، بإقامة دولة يهودية في فلسطين. فإذا تم لها الاستيلاء على القدس، أقامت هيكل سليمان، موضع المسجد الأقصى. ويكون على رأس هذه الدولة التي تعمل على بسط سيادتها شرقا وغربا، ملك اليهود من نسل داود u، والذي ينتهي إليه حكم العالم. ومن ثم مزجت الحركة الصهيونية بين السياسة والدين، واتخذت الدين ركيزة تقوم عليها الدعوة السياسية".

وفي شرح معنى الصهيونية، قالت دائرة المعارف البريطانية: "إن اليهود يتطلعون إلى افتداء إسرائيل، واجتماع الشعب في فلسطين، واستعادة الدولة اليهودية، وإعادة بناء هيكل سليمان، وإقامة عرش داود في القدس، وعليه أمير من نسل داود".

وجاء في دائرة المعارف البريطانية أيضا أنّ كلمة صهيون (Zion)، كانت في الأصل تطلق على جيل اليبوسيين، في القسم الجنوبي من القدس، وحينما احتلها الملك داود، فكر في بناء بيت الرب (الهيكل)، في ذلك المكان، وجاء من بعده الملك سليمان، فأنجز المهمة، وصار الاسم (Zion)، يطلق على المنطقة كلها. والصهيونية ـ كما تقول دائرة المعارف البريطانية ـ هي التي حفزت يهود السَّبْيِ البابلي، تحت قيادة (رور بابل)، إلى إعادة بناء الهيكل.

ويتبين من خلال تلك النصوص والنقول، أن الصهيونية، على الرغم من أنها مذهب سياسيّ، تتخذ من الهيكل، وساحته المقدسة، اسماً لها، وشعاراً مقدساً تكافح من أجله. وتعتبر نفسها، الحركة التي تستهدف إعادة مجد إسرائيل، وبناء هيكل سليمان، على أنقاض الأقصى، ومن ثم السيطرة على العالم، وحكمه من القدس، على يد ملك اليهود، الذي هو مسيحهم المنتظر.

سابعاً: عقيدة المسيح المنتظر، عند اليهود والنصارى، وعلاقتها بإعادة بناء الهيكل

1. اعتقاد اليهود في مسيحهم المنتظر

لاعتقاد اليهود في خروج مسيحهم المنتظر، علاقة مباشرة، لِسعيهم لهدم المسجد الأقصى، وبناء الهيكل الثالث مكانه. وهذا المعتقد قديم عندهم، وقد ظل حلم إعادة بناء الهيكل، لتهيئة الجو لخروج مسيحهم، يراود الحركات الصهيونية عبر التاريخ. فكُتبهم المقدسة، تخبرهم أن خلاصهم سيكون على يد مسيحهم المنتظر. وهو الذي سيتوج ملكا عليهم، يحكم العالم من "أورشليم القدس"، من "بيت الرب"، من "الهيكل الثالث"، كما يعتقدون.

وعلى حين تعتقد طوائف من النصارى، أن بناء الهيكل الثالث سيؤدي إلى ظهور المسيح للمرة الثانية، فإن اليهود يعتقدون أن بناء الهيكل، سيؤدي إلى مجيء المسيح للمرة الأولى، وهو عند اليهود، بالطبع، غير المسيح عيسى بن مريم u وقد رسم اليهود الصورة التي تخيلوها للمسيح المنتظر، فذكروا أن الناس في ظله، لن يعيشوا وحدهم في العالم الجديد، في سلام وسعادة، بل يشاركهم في ذلك كل أنواع الحيوانات. ويرفع المسيح رايته للأمم، ويجمع مَنْفِيِّي بني إسرائيل، ويضم مشتي يهوذا من أربعة أطراف من الأرض.

ومثلما تحدثت التوراة، عن نبوءة المُخَلّص المنتظر، تحدث التلمود عنها، بعد إضفاء صبغات يهودية موضوعة على ملامح شخصيته.

جاء في التلمود: "سيأتي المسيح الحقيقي، ويحصل النصر المنتظر، ويقبل المسيح وقتئذٍ هدايا كل الشعوب، ويرفض هدايا المسيحيين. وتكون الأمة اليهودية إذ ذاك، في غاية الثروة، لأنها تكون قد حصلت على جميع أموال العالم".

وجاء في التلمود أيضا: "حين يأتي المسيح، تطرح الأرض فطيراً وملابس من الصوف، وقمحاً حبه بقدر كُلاوَى الفيران الكبيرة. وفي ذلك الزمن، ترجع السلطة إلى اليهود، وجميع الأمم تخدم ذلك المسيح، وسوف يملك كل يهودي ألفين وثلاثمائة عبد لخدمته، ولن يأتي المسيح إلا بعد اندثار حكم الشعوب الخارجة عن دين بني إسرائيل".

ويتحدث التلمود عن الحرب، التي ستشتعل قرب مجيء المسيح: "وقبل أن يحكم اليهود نهائياً، يجب أن تقوم الحرب على قدم وساق، ويهلك ثلثا العالم، وسيأتي المسيح الحقيقي ويحقق النصر القريب".

وهناك خلاف بين الحاخامات (رجال الدين اليهود)، حول المدة التي يبقى خلالها المسيح على الأرض. يقول بعض الحاخامات: إنه سيبقى أربعين عاماً، بينما يقول آخرون: سبعين عاماً، ويذهب صنف ثالث: إلى أنه سيمكث في الأرض ثلاثة أجيال، بينما يذهب آخرون، إلى أنه سيقضي على الأرض المدة التي سبقت مجيئه منذ خُلِق العالم، أو منذ زمن نوح إلى الآن. ويعللون ذلك؛ بأنه إذا وجدت حكومة جيدة، فلن تنقرض بسرعة، ويستدلون على ذلك بفقرة من إصحاح إشعياء فيها: "إنه لن يفشل، ولن يثبط من عزمه، حتى يقيم العدل على الأرض".

2. اعتقاد النصارى في المسيح المنتظر

تعتقد طوائف الأصولية الإنجيلية[1]. من النصارى، أن النصرانية، امتداد لليهودية، وما قدسّه العهد القديم، يجب أن يقدسّه أصحاب العهد الجديد. لذا تقدس تلك الطوائف الهيكل، وتعتقد أن إعادة بنائه، ستعجل بمجيء مسيحهم (عيسى u) للمرة الثانية، ومن ثمّ فهم يتعاونون مع اليهود من أجل الوصول إلى هدفهم، وهو: هدم الأقصى والصخرة، ثم بناء الهيكل، ثم انتظار المجيء الوشيك للمسيح، الذي يطمعون أن يدخل اليهود في دينه هذه المرة.

وهذا الاختلاف في شخصية المسيح المنتظر، لا يعطل مسيرة العمل المشترك، بين النصارى واليهود، تمهيداً لمجيئه، بل إن كليهما يُعِينُ الآخر، في القدر المشترك من الاتفاق. فهما متفقان، على ضرورة إعادة بناء الهيكل، في ساحة المسجد الأقصى، ثم عندما يأتي المسيح يكون له شأن آخر.

فالطرفان يؤمنان بأن اليوم الآخر على الأبواب، وبالنسبة للنصارى، فإن ذلك يعني أن المجيء الثاني للمسيح، أصبح وشيك الوقوع. وأما بالنسبة لليهود، فإن مجيء المسيح الأول، هو أيضا وشيك الوقوع. ويؤمن الطرفان، بأن المكان الذي سيتم فيه ذلك القدوم، هو جبل المعبد في القدس؛ لأنه المكان الذي يجب أن تتم فيه إعادة بناء هيكل سليمان. وبموجب العقيدة السائدة بين النصارى، فإن تعاليم الأصولية الإنجيلية، تتطلب حدوث أمور ثلاثة، قبل أن يتحقق مجيء المسيح الثاني، وهي:

الأول: يجب أن تصبح إسرائيل دولة.

الثاني: يجب أن تكون القدس عاصمة يهودية.

الثالث: يجب أن يعاد بناء الهيكل.

وفي نظر هذه الطوائف من النصارى واليهود، لم يبق سوى إعادة بناء الهيكل ـ وهو الشرط الثالث ـ لكي يحدث المجيء المتوقع للمسيح.

وقد ظهرت دراسة أعدها محاضر في معهد الدراسات الإستراتيجية، في جورج تاون George Town، وزوجته، عن المؤامرة التي تحاك لنسف المسجد الأقصى، من أجل بناء الهيكل، وركزت الدراسة، على أن التحالف القائم بين بعض طوائف اليهود من جهة، وجماعات من النصارى من جهة أخرى، سببه التعصب الديني والسياسي. وقد نُشِرَتْ هذه الدراسة في مجلة "New Repubilc  في عددها الصادر في يونيه 1984، وجاء فيها: "وراء معظم الأعمال التخريبية، التي يقوم بها متطرفون إسرائيليون، دوافع مشبعة بالتعصب الديني والسياسي، والتشوق للمسيح الموعود. والواقع أن التطرف الحالي، هو تطور مباشر، عن التنبؤات الواردة في سفر "رؤيا يوحنا اللاهوتي" في العهد الجديد، وأن الأشخاص، الذين اشتركوا في الأعمال التي استهدفت الأقصى، إنما هم إلى حد كبير، مجموعات متطرفة، من حركة غير رسمية تمتد من الولايات المتحدة الأمريكية، إلى الشرق الأوسط، وتشمل الملايين من أعضاء الطائفة الإنجيلية، مع يهود ومسيحيين. وأن هذا التحالف الغريب، يرتكز على اعتقاد مشترك، بأن الساعة قد أوشكت، وأن المسيح قد اقترب ظهوره".

ثامناً: عقيدة الهَرْمَجَدّون (ARMAGEDDON)

من العقائد المشتركة بين اليهود والنصارى، الاعتقاد بمجيء يوم يحدث فيه صدام، (المعركة الفاصلة الكبرى) بين قوى الخير، وقوى الشر. وسيسبق مجيء ذلك اليوم أحداث جسام، ومن تلك الأحداث، عودة اليهود إلى فلسطين، واستيلاؤهم على القدس، وهدمهم للأقصى، وبناؤهم للهيكل، ومن ثم انتظارهم لمجيء المسيح. وتحدث المعركة الفاصلة، بين قوى الخير وقوى الشر، أو ما يعرف بمعركة "مجّدو Megiddo" أو "الهرمجدون Har megiddon". و"مجّدو" التي تنسب إليها تلك المعركة، هي أرض في فلسطين، يسميها اليهود والنصارى بهذا الاسم، وهي تبعد خمسة وخمسين ميلاً عن تل أبيب، وهي في موقع يبعد عشرين ميلاً جنوب حيفا، على بعد خمسة عشر ميلا من شاطئ البحر الأبيض المتوسط.

أمّا عن علاقة هذا اليوم، بقضية الأرض المقدسة، وبناء الهيكل، ومجيء المسيح، فإن النصارى الأصوليين الإنجيليين، يعتقدون بأنه لن يكون هناك سلام حقيقي في الشرق الأوسط، ولا في العالم، إلى أن يأتي المنتظر الموعود، ويجلس المسيح على عرش داود في القدس، ويحارب أعداء إسرائيل.

وقد جاءت الإشارة إلى ذلك الاعتقاد، في التوراة، في سفر حزقيال، وتبع النصارى اليهود في ذلك.

ورد في سفر حزقيال: "ويكون في ذلك اليوم، يوم مجيء جوج على أرض إسرائيل، يقول السيد الرب إن غضبي يصعد في أنفي، وفي غيرتي في نار سخطي، تكلمت، أنه في ذلك اليوم، يكون رعش عظيم في أرض إسرائيل، فترعش أمامي سمك البحر، وطيور السماء، ووحوش الحقل، والدابات التي تدب على الأرض، وكل الناس الذين على وجه الأرض، وتندك الجبال، وتسقط المعاقل، وتسقط كل الأسوار إلى الأرض، وأستدعي السيف عليه في كل جبالي يقول السيد الرب. فيكون سيف كل واحد على أخيه. وأعقابه بالوباء وبالدم، وأمطر عليه، وعلى جيشه، وعلى الشعوب الكثيرة، الذين معه، مطراً جارفاً، وحجارة بردٍ عظيمة، وناراً وكبريتاً".

وتحدث التلمود، أيضاً، عن معركة الهرمجدون، وجاء فيه: "قبل أن يحكم اليهود نهائياً، لابد من قيام حرب بين الأمم، يهلك خلالها ثلثا العالم، ويبقى اليهود سبع سنوات، يحرقون الأسلحة التي اكتسبوها بعد النصر، وحينئذ تنبت أسنان أعداء بني إسرائيل، بمقدار اثنين وعشرين ذراعا خارج أفواههم!".



[1] الأصولية الإنجيلية: حركة نصرانية، تبشيرية، متشددة، تتبع المذهب البروتستانتي وهم أقوى الفئات النصرانية في أمريكا.