إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / المسكرات، والمخدرات، والتدخين، في القرآن والسُّنة









مقدمة

أولاً: المسكرات في القرآن والسُّنة

"الخمر" هي أم الخبائث[1]. وعندما جاء الإسلام، كان شربها شائعاً في قريش، وكان المسلمون يشربونها في المدينة ويبتاعونها. وظل الأمر يتدرج في تحريمها، إلى أن انتهى بالتحريم التام.

1. التدرج في تحريم الخمر

في أول عهد الناس بالإسلام، كانت الخمر والمسكرات مباحة، حتى كثر سؤال الناس عنها، لوضوح مضارها. فأنزل الله تعالى: ]يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا[ (سورة البقرة: الآية 219).

وكان السائلون هم الصحابة: عمر بن الخطاب، ومعاذ بن جبل، وسعد بن أبي وقاص، ونفر آخرون. إذ قالوا للرسول، عليه الصلاة والسلام: أفتنا في الخمر، فإنها مَذْهبة للعقل، مَسْلَبة للمال. والميسر والقمار كيف يكون أو حكمهما. فبيَّن أن الخمر والميسر فيهما إثم كبير، من ارتكاب المحظور والقول الفاحش، (ومنافع للناس) من طرب ولذة بالخمر، واكتساب مال من الميسر، بغير نصب أو تعب، ومن بيع الخمر وصناعتها كذلك. (وإثمهما) لما فيهما من مفاسد، أكبر من نفعهما. وقد رجَّحت الآية الإثم على المنافع، وهو لا يعد تحريماً قاطعاً.

وهكذا، سار التدرج في تحريم الخمر، كالتالي:

أ. التنزيل بما يشير إلى الإضرار والمنافع، (سورة البقرة: الآية 219).

ب. التنزيل بما يُفيد الامتناع عن الخمر، قبل الصلاة: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَقْرَبُوا الصَّلاَةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[ (سورة النساء، الآية 43).

وسبب نزول هذه الآية الكريمة، أن رجلاً شرب الخمر فسكر، فلما صلى قرأ "قل يا أيها الكافرون أعبد ما تعبدون …" دون نفي فكانت هذه الآية، هي المرحلة الثانية في تدرج التحريم، بعد أن تم التمهيد لقبول التحريم في نفوس الناس، عندما عرفوا أن الإثم في الخمر، أكبر من النفع.

بل إن هذه الآية الكريمة، جعلت وقت الشّراب محدوداً للغاية، إذ ليس بين صلاة الفجر والظهر، ثم الظهر والعصر، ثم العصر والمغرب، ثم المغرب والعشاء وقت طويل، ومن ثمّ يتجنب المسلمون الشراب في هذه الأوقات. وإن كان الوقت بين العشاء والفجر طويل، إلاّ أن الشراب عندئذ قد لا يطول، مثلما هو الحال من الفجر حتى العشاء.

ج. التنزيل بما يفيد الاجتناب التام، والتحريم القاطع: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ[ (سورة المائدة: الآيتان 90، 91).

ومن ثم ثبت النهي عن شرب الخمر، وإيتاء الميسر. وقد عطف الله تعالى على الخمر، الميسر والأنصاب والأزلام، ثم ورد بعد ذلك الاجتناب التام؛ لأنها رجس: أي عملٌ خبيث مستقذر، ولأنها من عمل الشيطان، ففيها صدٌّ للإنسان عن ذكر الله، والإلهاء عن الصلاة.

ولمّا علم عمر t، أن هذا وعيد شديد زائد على معنى "انتهوا"، إذ إن الاجتناب يُفاد منه التحريم القاطع، قال: "انتهينا". وكان هذا التحريم بعد غزوة الأحزاب، وهي السَّنة الخامسة للهجرة (627م)، وذكر ابن إسحاق أن التحريم كان في غزوة بني النضير، وهي في السنة الرابعة من الهجرة على الراجح. وقال الدمياطي، في سيرته، كان تحريمها عام الحديبية، سنة ست هجرية.

2. تحريم شرب الخمر في السُّنة

أ. عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 5488).

ب. عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ لَمْ يَتُبْ مِنْهَا حُرِمَهَا فِي الآخِرَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5147).

ج. عَنْ ابْنِ عُمَرَ قَالَ، وَلاَ أَعْلَمُهُ إِلاَّ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3735).

د. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ]قَالَ كُنْتُ سَاقِيَ الْقَوْمِ يَوْمَ حُرِّمَتْ الْخَمْرُ فِي بَيْتِ أَبِي طَلْحَةَ وَمَا شَرَابُهُمْ إِلاَّ الْفَضِيخُ الْبُسْرُ وَالتَّمْرُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي فَقَالَ اخْرُجْ فَانْظُرْ فَخَرَجْتُ فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي أَلاَ إِنَّ الْخَمْرَ قَدْ حُرِّمَتْ قَالَ فَجَرَتْ فِي سِكَكِ الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِي أَبُو طَلْحَةَ اخْرُجْ فَاهْرِقْهَا فَهَرَقْتُهَا فَقَالُوا أَوْ قَالَ بَعْضُهُمْ قُتِلَ فُلاَنٌ قُتِلَ فُلاَنٌ وَهِيَ فِي بُطُونِهِمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَْيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3662).

هـ. عَنْ جَابِرٍ: ]أَنَّ رَجُلاً قَدِمَ مِنْ جَيْشَانَ، وَجَيْشَانُ مِنْ الْيَمَنِ، فَسَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَرَابٍ يَشْرَبُونَهُ بِأَرْضِهِمْ مِنْ الذُّرَةِ يُقَالُ لَهُ الْمِزْرُ فَقَالَ النَّبِيُّ r أَوَ مُسْكِرٌ هُوَ قَالَ نَعَمْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَنْ يَشْرَبُ الْمُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ قَالُوا الْخَبَالِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ قَالَ عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّار[ِ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3732).

و. عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: "قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]مُدْمِنُ الْخَمْرِ إِنْ مَاتَ لَقِيَ اللَّهَ كَعَابِدِ وَثَنٍ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 2325).

ز. عَنِ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: ]سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ r عَنْ الْبِتْعِ، وَهُوَ نَبِيذُ الْعَسَلِ، وَكَانَ أَهْلُ الْيَمَنِ يَشْرَبُونَهُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ: كُلُّ شَرَابٍ أَسْكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5158).

3. مسميات المسكرات

كانت الخمر، في عهد رسول الله r، وأصحابه، تصنع من: العنب، والتمر، والحنطة، والشعير، والذرة. والخمر لغة تُطلق على كل مسكر. وقد اختلفت مسميات المسكرات عند العرب عامة، وفي العالم الغربي خاصة، وفقاً لما يدخل في صناعتها من مواد تختلف، باختلاف المادة السكرية أو النشوية التي يحدث فيها التخمير. وفيما يلي بعض من مسميات الخمور، كما وردت في مراجع عدة:

أ. البتع: نبيذ العسل ويُنذر حتى يشتد، وهو من مشروبات أهل اليمن.

ب. المزر: نبيذ الذرة، أو نبيذ الشعير، وكان يُصنع بأرض اليمن.

ج. الفضيخ: وهو ماء البسر المنضوخ وهو المدقوق، وهو من البر والتمر (خليط بينهما)، ويترك حتى يغلي ويشتد ويقذف بالزبد.

د. السّادية أو الشاذبة أو السّونية: ويُصنع من الأرز. والشاذبة سميت كذلك، لأنها تنحي العقل عن موضعه.

هـ. العنبيراء: ويُصنع من الذرة، ويُصنع ببلاد الحبشة.

و. السكركة أو السكوكة: ويُصنع من الذرة.

ز. الطلاء: الشراب المطبوخ من غير العنب، إذا صار مُسكراً.

ح. الباذي: وهو اسم الخمز الفارسية، وهو المطبوخ من عصير العنب.

ط. المنصف: وهو المطبوخ من عصير العنب، حتى ذهب ثلثاه وأصبح معتقاً.

ي. القطيعاء: نبيذ معروف يُصنع في مصر.

ك. الرازي: وهو حب يُطرح في النبيذ، فيشتد حتى يسكر.

ل. الجعة (البيرة): وهو نبيذ الشعير.

م. المصع: نبيذ الفواكه، ومن أنواعه السيدر، وهو نبيذ التفاح.

ن. نقيع العنب: اسم للنيء من ماء الزبيب المنقوع في الماء، حتى تخرج منه حلاوته، ويشتد ويقذف الزبد أولاً بأول.

س. البوارة: وهو نبيذ الأجاص.

ع. البوظة: وهو مشروب يكثر تداوله في مصر، ويُصنع من الخميرة المنقوعة، أو من الخبز اليابس المنقوع.

ف. العرق: وهو من المقطر من التمر ونقيع الزبيب.

ص. الراح: وهو من عصير الجزر المخمر.

ق. فضلاً عن الخمور التي اتخذت في العصر الحديثة، ولها أسماء أجنبية.

4. الخمر من الكبائر

أ. يقول تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة المائدة: الآية 90).

ب. وقال عثمانُ t: ]اجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا أُمُّ الْخَبَائِثِ إِنَّهُ كَانَ رَجُلٌ مِمَّنْ خَلاَ قَبْلَكُمْ تَعَبَّدَ فَعَلِقَتْهُ امْرَأَةٌ غَوِيَّةٌ فَأَرْسَلَتْ إِلَيْهِ جَارِيَتَهَا فَقَالَتْ لَهُ إِنَّا نَدْعُوكَ لِلشَّهَادَةِ فَانْطَلَقَ مَعَ جَارِيَتِهَا فَطَفِقَتْ كُلَّمَا دَخَلَ بَابًا أَغْلَقَتْهُ دُونَهُ حَتَّى أَفْضَى إِلَى امْرَأَةٍ وَضِيئَةٍ عِنْدَهَا غُلاَمٌ وَبَاطِيَةُ خَمْرٍ فَقَالَتْ إِنِّي وَاللَّهِ مَا دَعَوْتُكَ لِلشَّهَادَةِ وَلَكِنْ دَعَوْتُكَ لِتَقَعَ عَلَيَّ أَوْ تَشْرَبَ مِنْ هَذِهِ الْخَمْرَةِ كَأْسًا أَوْ تَقْتُلَ هَذَا الْغُلاَمَ قَالَ فَاسْقِينِي مِنْ هَذَا الْخَمْرِ كَأْسًا فَسَقَتْهُ كَأْسًا قَالَ زِيدُونِي فَلَمْ يَرِمْ حَتَّى وَقَعَ عَلَيْهَا وَقَتَلَ النَّفْسَ فَاجْتَنِبُوا الْخَمْرَ فَإِنَّهَا وَاللَّهِ لاَ يَجْتَمِعُ الإِيمَانُ وَإِدْمَانُ الْخَمْرِ إِلاَّ لَيُوشِكُ أَنْ يُخْرِجَ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 5572).

والله تعالى يقول: ]وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ[ (سورة النساء: الآية 14).

ج. ذهب عبدالله بن عمرو إلى أن الخمر أكبر الكبائر.

د. مدمن الخمر كعابد وثن، (وقد سبق الحديث في ذلك).

هـ. عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]لاَ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنَّانٌ وَلاَ عَاقٌّ وَلاَ مُدْمِنُ خَمْرٍ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 5577).

يقول ابن قيم الجوزية: إن الله سبحانه وتعالى حينما يُحرم شيئاً، إنما يُحرّمه لخبثه وضرره، فهو سبحانه لم يُحرم على هذه الأمة طيباً عقوبة لها، كما حرمه على بني إسرائيل بقوله سبحانه: ]فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ[ (سورة النساء: الآية 160).

ولما كان للخمر أضرار عديدة، فالقاعدة أن التحريم يتبع الضرر. ما دام الضرر قد ثبت فإن التحريم ـ من الناحية العقلية ـ كائن لا محالة، فكل خمر حرام.عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]كُلُّ مُخَمِّرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَنْ شَرِبَ مُسْكِرًا بُخِسَتْ صَلاَتُهُ أَرْبَعِينَ صَبَاحًا فَإِنْ تَابَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ قِيلَ وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ وَمَنْ سَقَاهُ صَغِيرًا لاَ يَعْرِفُ حَلاَلَهُ مِنْ حَرَامِهِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يَسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3195).

ومن أدلة التحريم أنّ من شرب الخمر، لا يجتمع الإيمان في قلبه، ولو لم تكن محرمه، لما ذهب الإيمان وقت شربها. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: ]قَالَ النَّبِيُّ r لاَ يَزْنِي الزَّانِي حِينَ يَزْنِي وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَشْرَبُ الْخَمْرَ حِينَ يَشْرَبُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَسْرِقُ حِينَ يَسْرِقُ وَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلاَ يَنْتَهِبُ نُهْبَةً يَرْفَعُ النَّاسُ إِلَيْهِ فِيهَا أَبْصَارَهُمْ حِينَ يَنْتَهِبُهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 2295).

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: ]أَوْصَانِي خَلِيلِي r لاَ تَشْرَبْ الْخَمْرَ فَإِنَّهَا مِفْتَاحُ كُلِّ شَرٍّ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3362).

كما يُمنع استعمال الخمر خلاً، حتى لا يكون وسيلة إلى صنعها. عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: ]أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ سَأَلَ النَّبِيَّ r عَنْ أَيْتَامٍ وَرِثُوا خَمْرًا قَالَ أَهْرِقْهَا قَالَ أَفَلاَ أَجْعَلُهَا خَلاَّ قَالَ لاَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3190).

5. تحريم القليل، الذي لا يُسكر

أ. ليس هناك خلاف بين الفقهاء على تحريم القليل والكثير، من عصير العنب الذي يُسكر، وعلى وجوب الحد في شربه، واختلفوا في القليل، الذي لا يُسكر مما يتخذه من غيره، بعد إجماعهم على أن القدر المُسكر حرام من كل الأنبذة، والفصل في ذلك ِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3384).

ب. عنه r: ]كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ وَمَا أَسْكَرَ الْفَرْقُ فَمِلْءُ الْكَفِّ مِنْهُ حَرَامٌ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 23843).

والحكمة في ذلك أن شرب القليل من الخمر ـ وإن لم يُسكر ـ محرم، لكونه ذريعة إلى شرب الكثير، ووسيلة إليه.

6. حكم التداوي بالخمر

لا يجوز التداوي بالخمر لأن أحد الصحابة، عندما سَأَلَ النَّبِيَّ r عَنْ الْخَمْرِ فَنَهَاهُ أَوْ كَرِهَ أَنْ يَصْنَعَهَا فَقَالَ: ]إِنَّمَا أَصْنَعُهَا لِلدَّوَاءِ فَقَالَ إِنَّهُ لَيْسَ بِدَوَاءٍ وَلَكِنَّهُ دَاءٌ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3670).

وعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إِنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ الدَّاءَ وَالدَّوَاءَ وَجَعَلَ لِكُلِّ دَاءٍ دَوَاءً فَتَدَاوَوْا وَلاَ تَدَاوَوْا بِحَرَامٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3376).

7. حُرمة التعامل والانتفاع بالمسكرات

يُحرم الانتفاع بالخمر، ولا يجوز بيعها ولا شراؤها ولا التوكيل في بيعها وشرائها، كما لا يجوز شربها وإهداؤها، ويستدل على ذلك بما يلي:

أ. عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ r: ]إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى حَرَّمَ الْخَمْرَ فَمَنْ أَدْرَكَتْهُ هَذِهِ الآيَةُ وَعِنْدَهُ مِنْهَا شَيْءٌ فَلاَ يَشْرَبْ وَلاَ يَبِعْ قَالَ فَاسْتَقْبَلَ النَّاسُ بِمَا كَانَ عِنْدَهُ مِنْهَا فِي طَرِيقِ الْمَدِينَةِ فَسَفَكُوهَا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2956).

ب. عَنْ عَبْدِاللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: ]لَعَنَ اللَّهُ الْخَمْرَ وَلَعَنَ شَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ وَآكِلَ ثَمَنِهَا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 5458).

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْمَيْتَةَ وَثَمَنَهَا وَحَرَّمَ الْخِنْزِيرَ وَثَمَنَهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3024).

ج. في قوله تعالى: ]فَاجْتَنِبُوهُ[ يقتضي الاجتناب، الذي لا ينتفع معه به بوجه من الوجوه: لا شرب، ولا بيع، ولا تخليل، ولا مداواة، ولا غير ذلك من أوجه التعامل والانتفاع، وعلى ذلك إجماع أئمة المسلمين.

8. حرمة إهداء المسكرات

عَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ وَعْلَةَ قَالَ سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ بَيْعِ الْخَمْرِ فَقَالَ: ]كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ r صَدِيقٌ مِنْ ثَقِيفٍ أَوْ مِنْ دَوْسٍ فَلَقِيَهُ بِمَكَّةَ عَامَ الْفَتْحِ بِرَاوِيَةِ خَمْرٍ يُهْدِيهَا إِلَيْهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَا أَبَا فُلاَنٍ أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ اللَّهَ حَرَّمَهَا فَأَقْبَلَ الرَّجُلُ عَلَى غُلاَمِهِ فَقَالَ اذْهَبْ فَبِعْهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r يَا أَبَا فُلاَنٍ بِمَاذَا أَمَرْتَهُ قَالَ أَمَرْتُهُ أَنْ يَبِيعَهَا قَالَ إِنَّ الَّذِي حَرَّمَ شُرْبَهَا حَرَّمَ بَيْعَهَا فَأَمَرَ بِهَا فَأُفْرِغَتْ فِي الْبَطْحَاءِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 1937).

ومن ذلك يتبين حُرمة إهداء الخمر، لأن الله تبارك وتعالى طيب، لا يقبل إلاّ طيباً.

9. نجاسة المسكرات

تتنازع الفقهاء في نجاسة المسكرات، على ثلاثة أوجه، في مذهب أحمد وغيره: فقيل: هي نجسة، وقيل ليست نجسة وقيل: رطبها نجس كالخمر، ويابسها ليس كذلك.

فالذين قالوا إن الخمر نجسة نجاسة مغلظة، كالبول والدم، استدلوا بأنها حرام، وأنها سّميت رجساً بنص قطعي، في القرآن الكريم، قال الله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة المائدة، الآية 90). والرجس في اللغة: الشيء القذر والنتن. وهو في الشرع ما يوجب الإثم، فهي قذر معنوي.

وأمَّا الذين قالوا إنها حرام ورجس، ولكنها ليست نجسة فاستدلوا بأن كلمة رجس الواردة في الآية شملت الأنصاب والأزلام والميسر، وهي ليست نجسة، وبأن الله قال على لسان هود u لقومه: ]قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ[ (سورة الأعراف: الآية 71)، وليس من المعقول أن الله أوقع عليهم من السماء نجاسة وغضب، واستدلوا كذلك بأن الصحابة حين علموا بتحريم الخمر أراقوها في شوارع المدينة، ولا يعقل أن يلقوا بنجاسة في شوارع المدينة، فيتعرضوا لإصابتهم بها.

10. الاضطرار عند تناول الخمر

عند تناول الخمر، في حالات الاضطرار، بالمعيار الشرعي، الذي تُباح فيه المحرمات، إذا أشرف الإنسان على الهلاك، بسبب شدة العطش أو الغصَّة أو الإكراه، فيتناول المضطر بقدر دفع الضرر، الذي قد يقع. فإذا زاد فسكر عوقب بحد شرعي. والحكم في ذلك ما جاء في القرآن الكريم، قال تعالى: ]وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ[ (سورة الأنعام: الآية 119).

وقال تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة النحل: الآية 115).

وقال تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلاَ إِثْمَ عَلَيْهِ[ (سورة البقرة: الآية 173).

وقال تعالى: ]فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (سورة الأنعام: الآية 145).

وفي السُّنة المطهرة، عَنْ أَبِي ذَرٍّ الْغِفَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: ]إن اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 2033).

11. إثبات حد الخمر

يثبت حد الخمر بأحد أمرين:

أ. الإقرار: أي اعتراف الشارب بأنه شرب الخمر.

ب. شهادة شاهدين عدلين.

ج. واختلف الفقهاء في ثبوته بالرائحة: فذهب المالكية إلى أنه يجب الحد إذا شهد بالرائحة عند الحاكم شاهدان عدلان، وذهب أبو حنيفة والشافعي إلاّ أنه لا يثبت الحد بالرائحة لوجود الشبهة والحدود تدرأ بالشبهات.

12. حد[2] الخمر في المسكرات

يقول السيد سابق: الفقهاء متفقون على وجوب حد شارب الخمر، وعلى أن حده الجلد ولكنهم مختلفون في مقداره. فذهب الأحناف ومالك إلى أنه: ثمانون جلدة، وذهب الشافعي: إلى أنه أربعون. وعن الإمام أحمد روايتان. قال في المُغني: وفيه روايتان:

إحداهما أنه ثمانون. وبهذا قال مالك، والثوري، وأبو حنيفة، ومن تبعهم، لإجماع الصحابة، فإنه روي أن عمر استشار الناس في حد الخمر؟ فقال عبدالرحمن بن عوف "اجعله ـ كأخف الحدود ـ ثمانين". فضرب عمر ثمانين، وكتب به إلى خالد وأبي عبيدة في الشام.

عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ النَّبِيَّ r ]جَلَدَ فِي الْخَمْرِ بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ t أَرْبَعِينَ فَلَمَّا وُلِّيَ عُمَرُ t دَعَا النَّاسَ فَقَالَ لَهُمْ إِنَّ النَّاسَ قَدْ دَنَوْا مِنْ الْقُرَى وَالرِّيفِ فَمَا تَرَوْنَ فِي حَدِّ الْخَمْرِ فَقَالَ لَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ نَرَى أَنْ تَجْعَلَهُ كَأَخَفِّ الْحُدُودِ فَجَلَدَ فِيهِ ثَمَانِينَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3883).

وروي أن علياً t قال: إذا سكر هذي وإذا هذي: افترى، فحدّوه حدّ المفتري. فعَنْ عَبْدِالرَّحْمَنِ بْنِ أَزْهَرَ قَالَ: ]رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ r غَدَاةَ الْفَتْحِ وَأَنَا غُلاَمٌ شَابٌّ يَتَخَلَّلُ النَّاسَ يَسْأَلُ عَنْ مَنْزِلِ خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ فَأُتِيَ بِشَارِبٍ فَأَمَرَهُمْ فَضَرَبُوهُ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ فَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِالسَّوْطِ وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِعَصًا وَمِنْهُمْ مَنْ ضَرَبَهُ بِنَعْلِهِ وَحَثَى رَسُولُ اللَّهِ r التُّرَابَ فَلَمَّا كَانَ أَبُو بَكْرٍ أُتِيَ بِشَارِبٍ فَسَأَلَهُمْ عَنْ ضَرْبِ النَّبِيِّ r الَّذِي ضَرَبَهُ فَحَزَرُوهُ أَرْبَعِينَ فَضَرَبَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ كَتَبَ إِلَيْهِ خَالِدُ بْنُ الْوَلِيدِ إِنَّ النَّاسَ قَدْ انْهَمَكُوا فِي الشُّرْبِ وَتَحَاقَرُوا الْحَدَّ وَالْعُقُوبَةَ قَالَ هُمْ عِنْدَكَ فَسَلْهُمْ وَعِنْدَهُ الْمُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ فَسَأَلَهُمْ فَأَجْمَعُوا عَلَى أَنْ يَضْرِبَ ثَمَانِينَ قَالَ وقَالَ عَلِيٌّ إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا شَرِبَ افْتَرَى فَأَرَى أَنْ يَجْعَلَهُ كَحَدِّ الْفِرْيَةِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3892).

وفي رواية أخرى عن حُضَيْنُ بْنُ الْمُنْذِرِ أَبُو سَاسَانَ قَالَ: ]شَهِدْتُ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ وَأُتِيَ بِالْوَلِيدِ قَدْ صَلَّى الصُّبْحَ رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ قَالَ أَزِيدُكُمْ فَشَهِدَ عَلَيْهِ رَجُلاَنِ أَحَدُهُمَا حُمْرَانُ أَنَّهُ شَرِبَ الْخَمْرَ وَشَهِدَ آخَرُ أَنَّهُ رَآهُ يَتَقَيَّأُ فَقَالَ عُثْمَانُ إِنَّهُ لَمْ يَتَقَيَّأْ حَتَّى شَرِبَهَا فَقَالَ يَا عَلِيُّ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَقَالَ عَلِيٌّ قُمْ يَا حَسَنُ فَاجْلِدْهُ فَقَالَ الْحَسَنُ وَلِّ حَارَّهَا مَنْ تَوَلَّى قَارَّهَا فَكَأَنَّهُ وَجَدَ عَلَيْهِ فَقَالَ يَا عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ قُمْ فَاجْلِدْهُ فَجَلَدَهُ وَعَلِيٌّ يَعُدُّ حَتَّى بَلَغَ أَرْبَعِينَ فَقَالَ أَمْسِكْ ثُمَّ قَالَ جَلَدَ النَّبِيُّ r أَرْبَعِينَ وَجَلَدَ أَبُو بَكْرٍ أَرْبَعِينَ وَعُمَرُ ثَمَانِينَ وَكُلٌّ سُنَّةٌ وَهَذَا أَحَبُّ إِلَيَّ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3220).

وفعل الرسول r، حجة لا يجوز تركه بفعل غيره، ولا ينعقد الإجماع على ما خالف فعل النبي r، وأبي بكر وعلي، فتُحمل الزيادة من عمر على أنها تعزير يجوز فعله إذا رآه الإمام، ويرجح هذا أن عمر كان يجلد الرجل القوي المنهمك في الشرب ثمانين، ويجلد الرجل الضعيف الذي وقعت منه الزلة أربعين. وأما الأمر بقتل الشارب إذا تكرر ذلك منه فهو منسوخ.

فقد روي أَنَّ النَّبِيَّ r قَالَ: ]مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فَاجْلِدُوهُ فَإِنْ عَادَ فِي الثَّالِثَةِ أَوْ الرَّابِعَةِ فَاقْتُلُوهُ فَأُتِيَ بِرَجُلٍ قَدْ شَرِبَ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ ثُمَّ أُتِيَ بِهِ فَجَلَدَهُ وَرَفَعَ الْقَتْلَ وَكَانَتْ رُخْصَةٌ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 3888).

أ. شروط إقامة الحد على شربها

يشترط في إقامة الحد على شارب الخمر، أن يكون: مسلماً، عاقلاً، بالغاً، مختاراً، عالماً بتحريمها، صحيحاً غير مريض. غير أن المريض لا يسقط عنه الحد دائماً، وإنما يُنتظر برؤه. فإن برئ من مرضه، أقيم عليه الحد.

وإذا تكرر من المسلم شرب الخمر عدة مرات، ثم أقيم عليه الحد، فإنه يكفيه إقامة حد واحد، ولو تكرر الشرب مرات عديدة. أما إن شرب بعد إقامة الحد عليه، فإنه يُقام عليه حد آخر، وهكذا كلّما شرب أُقيم عليه الحد.

ب. كيفية إقامة الحد على الشارب[3]

يُقام الحد على الشارب بأن يجلس على الأرض، ويُضرب على ظهره بسوط معتدل، بين الغلظة والخفة. والمرأة كالرجل، غير أنها تكون مستورة بثوب رقيق، يسترها ولا يقيها الضرب.

ج. عدم ضمان غاصب الخمر أو متلفها

إذا كانت الخمر لمسلم، فهي لا تعد من حقه، فإذا غصبها أو أتلفها أحد، فإنه لا يضمن، لأن إتلاف غير المتقوم لا يوجب الضمان. أمّا إذا كانت الخمر مملوكة لزِمن (المصاب بعاهة مزمنة)، فإن متلفها يضمنها، لأن أموال الزُّمن معصومة، والمال المعصوم متقوم. وكذلك إن كانت الخمر لنصراني وأتلفها، فإن متلفها يضمنها.



[1] من مسميات الخمر كذلك "أم الفواحش"، والخمر ما خامر العقل.

[2] الحد: من الناحية الشرعية، هو المنع من فعل ما حرم الله عز وجل بواسطة الضرب أو القتل، وحدود الله محارمه، التي أمر أن تتحامى فلا تقرب. يقول تعالى: ]تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلاَ تَعْتَدُوهَا[ (سورة البقرة: الآية 229).

[3] لا يقام الحد على الشارب، في شدة البرد والحر، بل ينتظر به ساعات لطيف الجو واعتداله من النهار، كما لا يقام عليه الحد وهو سكران، ولا هو مريض، بل ينتظر إفاقته وبرؤه.