إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / النساء في البيئة العربية









شُبُهات

ثالثا: المرأة بين الحجاب والسفور

يراد بالحجاب أحد أمرين: إمّا احتجاب المرأة في بيتها لا تخرج منه، أو إرخاء القناع على وجهها إذا خرجت من دارها. وقد كانت المرأة العربية قديماً، تحتجب وتُسْفِّر على ما تقتضيه الظروف. ولكن السِّفور عندهن كان أشيع، حتى ذهب الإمامان الطبري والرازي، إلى أن نساء العرب كن يخرجن مكشوفات متبذّلات، سواء من الحرائر والإماء، حتّى جاء الإسلام فأمر بالتردّي والستر. فنزل قوله تعالى في سورة النور، مخاطباً النساء ]وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ ءَابَائِهِنَّ أَوْ ءَابَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة النور: الآية 31).

وحجاب المرأة في الإسلام، معناه الحقيقي، هو صون أنوثتها وكرامتها عن الانحلال والتفسّخ والابتذال. وهو الأساس الذي ينبغي التمسك به، ولا خلاف فيه. أمّا الحجاب الحسّي من ستر الوجه أو عدمه، فذلك موضع خلاف بين الفقهاء، وإن كان إبداء الزينة، أو إبداء ما يفتن، ضرر لا بُدّ من درئه، خصوصاً بعد تبدّل الزمان والنّاس.

والثابت أن نساء العرب، سَفَرْنّ واخْتَمَرن. قال الأصمعي: قد تُلقِي المرأة خمارها لحسنها، وهي على عفَّة، وأنشد قول أبي النجم:

من كلِّ غرّاءَ سَقُوطِ البُرْقُع                        بلهاءَ لم تَحْفَظْ ولم تُضَيّعِ

فهي لم تغطّ الوجه، ولكنها لم تُضيّع الفضيلة والشرف. فالنيّة سليمة، وليست مثل نية بعض المعجبات بأنفسهن، واللائي يَرَيْن، أن جمالهن لا ينبغي له أن يُسْتَر! فالأولى بريئة، والأخرى عارضة بِضَاعة، والبون شاسع بينهما.

وطائفة منهن لا يُفارقها القناع، حتى أصبحت أهلاً للمداح بذلك:

لقد أعجبتني لا سَقُوطاً قِنَاعُها                      إذا ما مشت ليست بذات تَلَفُّتِ

قيل لأعرابي: ما تقول في نساء بني فلان؟ فقال: بَرْقِعْ وانظر. يريد أن عيونهن أحسن ما فيهن. ويُروي أن رجلاً قبيحاً خطب امرأة قبيحة، فقيل لها: إنه قبيح، وقد تعمّم لك. فقالت: إن كان قد تعمّم لنا، فإنا قد تبرقعنا له.

وربما وضعت المرأة الحجاب، وكشفت عن وجهها، عند الثكل والمصيبة وهو إشعار بأنّ عزّتها ومِنْعَتها إلى زوال بسبب ما أصابها من الفقد، وتلك حالة خاصة. قال الربيع بن زياد الفزاري:

مَنْ كَان مُسْروراً بِمَقْتَل مالك                      فليأت نِسْوَتَنا بِوجْهِ نَهَارِ

يجد النِّساءَ حواسِراً يَنْدُبْنَهُ                         يَلْطُمْنَ بين عوانسٍ وعَذَاري

قد كُنَّ يَخَبْأْنَ الوجوهَ تَسَتُّراً                        فالآن حين بَدَوْنّ للنُّظّارٍ

وحديث العرب وشعرهم عن البراقع لا يكاد يُحْصَر. وهم يُسَمُونها بأسماء كثيرة، حسب الهيئة؛ فالخِمَارُ والقِنَاع، يُطْرحان على الرأس ويسدلان على الوجه.

والبُرْقُعُ غطاء الوجه كلّه، وفيه فتحتان للعينين، فإن كانتا نجلاوين واسعتين، سُمِّي البرقع "المنجول"، وإن كانتا ضَيَّقَتَيْن سمي "الوصواص"، وربما سمّوه "البُرْشُم".

ومن ثياب العرب النَّصيف، وهو ثوب رقيق النسج، يكون فوق الثياب، وربما تقنعت المرأة بما زاد منه. أمّا اللثّام فقناع الوجه من طرف الأنف، إلى ما دونها، فإن نزل إلى الفم فهو اللّفام. والنقاب أشبه بهذين الأخيرين.

وللبراقع في تراث العرب نصيب من الذِكْر غير يسير. فهم يمدحونه أحياناً، ويذّمونه دائماً، يمدحونه إذا كان على حريمهم ونسائهم، ويذمونه على غيرهن. عَبَثَ أبو نؤاس بامرأة متبرقعة، ترنو بطرف مريض الجفن، وسَنْانِ النظر، فقال لها:

إذا بَاَرَك الله في مَلْبَسٍ                             فلا بارك الله في البُرْقًع

يُريكَ عُيونُ الدُّمى غِرَّةً                            ويَكْشِفُ عن مَنْظَرٍ أشنَعِ

يريد أنّ البُرْقع خادِعُ، لأنه يُظهر العيون جميلةً، حتى على الوجوه القبيحة.

قال: فَدَخَلَتْ ثم خَرَجَتْ وقد نزعت البرقع، ولبست خِماراً أسودَ خفيفاً، قال، فذهلت من جمالها حتى خفضت رأسي، فقالت: ارفع رأسك غير مأجور، ولا تذم من بعدها بُرْقعاً، فلربما انصرف عمّا يصرف الكرى، ويحل القوى، ويطيل الجوى، من غير بلوغ إرادة ولا قضاء وَطّر، ليس إلاّ للحَيْنِ (الهلاك) المجلوب، والقدر المكتوب، والأمل الكذوب. قال فبقيت والله معقول اللسان عن الجواب.

وذَمُ البراقع عندهم كثير مستفيض. قال بعضهم:

ليتَ النقابَ على النِّساءِ مُحَرَّم                      كي لا تَغُرَّ قبيحةٌ إنْسَانَا

وقال آخر:

جَزَى الله البَرَاقِعَ من ثياب                         عن الفتيان شراً ما بقينا

يُوارِين الملاح فلا نراها                           وَيزْهَيْنَ القِبَاحَُ فَيَزَّهِينَا

وهذا أشبه بقصة رجل وامرأته، احتكما إلى الوالي، وكانت المرأة حسنة المنتقب، قبيحة المسفر ـ يعني جمالها في عيونها فقط ـ وكان لها لسان (أي فصاحة) فكأنَّ الوالي مال معها، فقال لزوجها: يَعْمدُ أحدكم إلى المرأة الكريمة فيتزوجها، ثم يُسيء إليها؛ فغضب زوجها فنزع النقاب عن وجهها، فلما رأى الوالي قبحها قال لها: عليكِ اللّعنة، كلامُ مَظْلُومٍ ووجه ظالمٍ.

ومرّت أعرابية على قوم من بني نمير، فأداموا النظر إليها فقالت: يابني نمير، ما أخذتم بواحدة من اثنتين: لا بقول الله ]قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِم[ (سورة النور: الآية 30) ولا بقول جرير:

فُغَضَّ الطَّرْفَ إنَّك من نُمَيْرٍ                       فلا كعباً بَلَغْتَ ولا كِلاَبِا

فأطرقوا خجلاً.

فالذي يرى قبيحاً، أو يسمع ردّاً يلقمه حجراً، كردّ هذه الأعرابية، فإنه يرتدع قطعاً، ولكن الذي يرى جمالاً، ربما فُتن به، ولهذا تأتي الحكمة في الأمر بغض البصر، قال الشاعر:

وكنتَ متى أرْسَلْتَ طَرْفَك رَائداً                    لقلبك يوماً أَتْعَبَتْك المَنَاظــرُ

رأيت الذي لا كُلّهُ أنت قَاِدر                       عليه، ولا عن بعضه أنت صابرُ

وربما عزا الناس التشدّد في الحجاب إلى الفرس، الذين تعودوا حجز نسائهم في الخدور، وفي تشديد الحجاب عليهن. ولكن على كل حال، فإن الرجل الغيور لا يرضى لامرأته أن تكون سافرة على كل حال. وهذا ما عبر عنه الشاعر الحديث:

أنا لا أَقُولُ دَعُوا النِّسَاء سَوَافراً                    بين الرجالِ يَجُلْنَ في الأَسْواقِ

ولا شيء أضر على المرأة من السوق، وهو مجلس إبليس، ولا من السفور، القائد إلى كثير من الشرور. ومع ذلك فقد تحتشم السافرة، وذلك قليل، وقد تَتَهَتْك المحتجبة، وهو قليل أيضاً.

ومن أعظم ما روي عن غيرة رجل على امرأته المُنَقّبة، ومن إكبار المرأة لغيرة رجلها عليها وكرهه لرؤية الناس لوجهها ما ورد في هذه القصة، قالوا: جلس موسى بن إسحاق، قاضي الرِّيّ والأهواز، ينظر في قضايا الناس. وكان بين المتقاضين امرأة، ادعت على زوجها، أن لها عليه خمسمائة دينار مهراً، فأنكر الزوج أن لها في ذمته شيئاً. فقال له القاضي: هات شهودك ليشيروا إليها في الشهادة، فأحضرهم. فاستدعى القاضي أحد الشهود وقال له: انظر إلى الزوجة لتشير إليها في الشهادة، فقام الشاهد وقال للزوجة: قومي. فقال الزوج: ماذا تريدون منها؟ فقيل له: لابد أن ينظر الشاهد إلى امرأتك، وهي مُسْفِّرة لتصح معرفته بها، فكره زوجها أن تُضْطر زوجته إلى الكشف عن وجهها للشهود أمام الناس، فصاح: إني أُشْهِدُ القاضي، على أن لزوجتي في ذمتي هذا المَهْر الذي تدعيه، ولا تسفر عن وجهها! فلمّا سمعت الزوجة ذلك، أكبرت في زوجها أنه يضن بوجهها على رؤية الشهود، وأنه يصونه عن أعين الناس، فصاحت تقول للقاضي: إني أُشْهِدك على أني قد وهبت له هذا المَهْر، وأبرأته منه في الدنيا والآخرة.

وخلاصة القول، أَن الإسلام لم يأمر بسجن المرأة وحَجْرها، بل أمر بملازمتها لبيتها، بالسكينة والوقار لتقيم واجبات الحياة العائلية. أمّا إن كان بها حاجة للخروج فلا مانع، بشرط أن تخرج راعية كرامتها وحافظة حياءها، وذلك بلبس زيّ المسلمة المشروع في الكتاب والسنة.