إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / النساء في البيئة العربية









شُبُهات

خامساً: المرأة وتعدُّد الزوجات

لا تَضِيقُ المرأة بشيء في الدنيا أكثر من ضيقها بالضُّرّ، وقد ضاقت به أم المؤمنين، السيدة عائشة، خير نساء البشر. ولا تطيق المرأة سماع ذلك ولو مَزْحاً؛ لأن الضُّر مرّ، ومرارته مأخوذة من اسمه، فالضَّرَّاء نقيض السَّرَّاء. ويكفيه ذماً أنه نقيض السرور وضِدّه. وما الحياة وما قيمتها إذا افتقدت السرور؟ ويندر أن يجتمع السرور في بيت فيه ضرائر. ولأمر ما كُرِهَ في الإسلام أن يقال للزوجة الأخرى (ضّرة). ولكن العامة درجت على ذلك، حتى أصبحت الضّرّة مثالاً للتنافس والاختلاف، وحتى سموا الأمور المختلفة "ضرائر"، بل سموا مكة والمدينة (الضَّرَّتين) لتنافسهما في الفضل.

قال الأصمعي: قلت للرشيد: بلغني يا أمير المؤمنين، أن رجلاً من العرب طلّق في يوم خمس نسوة. قال: إنما يجوز مِلك الرجل على أربع نِسْوة، فكيف طلّق خمساً؟ قلت: كان لرجل أربع نسوة فدخل عليهن يوماً فوجدهنَّ متلاحيات متنازعات، وكان شنظيراً (أحمق) فقال: إلى متى هذا التنازع؟ ما إخال (أظن) هذا الأمر إلاّ من قبلك، يقول ذلك لامرأة منهن، اذهبي فأنت طالق. فقالت له صاحبتها: عَجَّلت عليها بالطلاق، ولو أدَبتها بغير ذلك لكنت حقيقاً. قال لها: وأنت أيضاً طالق: فقالت له الثالثة: قَبَحك الله، فوالله لقد كانتا إليك مُحسنتين، وعليك مفضلتين. فقال: وأنت أيتها المُعدِّدة أياديهما طالق أيضاً. فقالت له الرابعة، وكانت هِلاَلّية وفيها أناة شديدة: ضاق صدرك عن أن تؤدب نساءك إلا بالطلاق. فقال لها: وأنت طالق أيضا. وكان ذلك بمسمع جارة له، فأشرفت عليه وقد سمعت كلامه، فقالت: والله ما شهدت العربُ عليك، وعلى قومك بالضعف، إلاّ لِما بلَوْه منكم ووجدوه فيكم، أبيت إلا طلاق نسائك في ساعة واحدة. قال: وأنت أيضاً أيّتها المؤنبة المُتَكَلِّفة، طالق إن أجاز زوجك. فأجابه الزوج مِن داخل بيته: هِيهِ، قد أجزتُ ، قد أجزت.

وتعدّد الزوجات قديم، وكان قبل ظهور الإسلام ظلماً وفوضى. والذي أضافه الإسلام، بعد أن أقره، أنه نظّمه ولم يَفْرِضه، بل فرض فيه العدل في النفقة، والمسكن والمبيت، وواجبات الزوجية كلها.

ومن القصص الطريفة أن أبا العباس السفاح، الخليفة العباسي، كان قنوعاً، مشغولاً بأمور الدولة، رضي من الدنيا بامرأة واحدة، فدخل عليه خالد بن صفوان (ت 132هـ) وقال: يا أمير المؤمنين، إني فكرت في أمرك، فلم أر من هو في مثل قَدْرِك، أقلّ استمتاعاً بالنساء، وقد ملَّكْتَ نفسك امرأة واحدة... إن مرضتْ مرضتَ، وإن غابت غبتَ، وإن غضبتْ حُرِمْتَ! وإنما التلذذ باستطراف الجواري... فلو رأيت الطويلة البيضاء، والسمراء اللفّاء، والصفراء العجزاء، والغَنِجِة الكحلاء، والمولدات من المدنيات ... ذوات الألسن العذبة، والقدود المهفهفة، والثُدِيّ المُحَقَّقة ...! فلما خرج منه بقي السّفاح عامة نهاره ساهياً مفكراً، فدخلت عليه زوجته، فأنكرت حاله، وأَلَحَّتْ لمعرفة السّبب، فلما أعاد عليها ما قاله ابن صفوان، قالت له وما قلت لابن الفاعلة؟ ثم خرجت من عنده غيرانة غاضبة، وأرسلت جماعة من غلمانها فأوسعوه ضرباً، حتى أغلق باب داره دونهم. وانقطع عن الخليفة وقتاً، فبعث إليه السفّاح مرةٍ، قال فوالله أيقنت بالهلاك. فلما دخل عليه، لاحظ خالد حركة خلف بعض الستور، ففطن لزوجة الخليفة. وطلب منه السّفاح بعد أن طَمْأنه أن يعيد عليه ذلك الكلام الحلو، الذي قاله له آخر مرة كان عنده. فقال خالد: نعم يا أمير المؤمنين، أعلمتُك أن العرب اشتقَّت اسم الضّرَّتين من الضُّر، وأن أحدهم إذا كان عنده من النساء أكثر من واحدة، عاش في جُهد وكدّ. قال السفاح: ويحك! لم يكن هذا في كلامك. قال بلى، وأخبرتك أن الثلاث من النساء، كأثافي القِدْرِ يغلي فوقهن الزوج. قال السفاح برئت من قرابتي من رسول الله r، إن كنت سمعت هذا منك. قال: بلى، وأخبرتك أن الأربع من النساء، شر مجموع لمن كُنَّ عنده، يُهْرِمْنَهُ، وينغِّصْن عيشه، ويشيّبنه قبل حينه. فغضب السفاح وقال له: أتكذبني؟! فقال خالد: يا أمير المؤمنين، أتريد قتلي؟. فسمع خالد ضحكاً شديداً من خلف الستور فقال: وأعلمتك يا أمير المؤمنين أن عندك ريحانة قريش، وأنه لا يجب أن تطمع نفسك إلى غيرها من النساء! فقالت زوجة الخليفة من وراء السِّتر: صدقت يا عماه، ولكن أمير المؤمنين غيّر وبدّل. وخرج خالد إلى منزله، فلم يصل إليه، حتى وجّهت إليه زوجة الخليفة أنواعاً من الثياب، والعطر، وخمسة آلاف درهم.

ومع أن الضُّر يقيم دنيا المرأة ولا يُقْعِدُهَا، إلاّ أنك ترى بعض النساء يُكَابِرْنَ، ويظهرن عدم اكتراث، وتجلُّداً زائفاً لزواج الزوج من أخرى، وهن في الحقيقة تغلي دَوَاخِلُهُنَّ وتفور، وتتقطَّع أكبادُهن حُرْقةً وغيظاً، وتذهب أربعة أرباع عقولهن.

وهذا الأمر قديم، قال عمر بن أبي ربيعة مُخْبِراً عن زوجته:

أخبروها بأنني قد تزوَّجتُ                            فظلَّت تكافحُ الغيظَ سرّا

ثم قالت لأُختها ولأخرى                              جَزَعاً: ليته تزوَّج عشرا

وأشارت إلى نساء لديها                              لا ترى دونهن للسرِّ ستْرا

ما لِقَلْبي كأَنَّه ليس مني                               وعظامي أَخالُ فيهن فتْرا

من حديثٍ نما إليَّ فظيعٍ                              خِلْتُ في القلب من تَلَظِّيه جمرا

وتبدو غريزة المكر في هذه المرأة واضحة لا تخفى! قالت لعامة النساء: ليته تزوج عشراً، ثم باحت لصويحباتها والمقرَّبات منها بِسِرها، ومعاناتها الحقيقية وآلامها، والنّار التي انطلقت في عظامها.

والضيق بهذا الشيء أمر مركوز في طبع البشر، ولو وقع على الرجال ـ مع جلدهم وقوتهم ـ ما تحمّلوه، ولا تَحْتَمله النساء إلاّ على مَضَضٍ. وليس منبع الضيق مادياً، فقد يكون الزوج غنياً مُوْسِراً، يُوَسِّعُ على كل نسائه وعياله في النَّفقة، ويُلَبِّي جميع حاجاتهن وحاجات أولادهن المادية، ولكن تبقى أشياء محدودة أصلاً، والتّوسِعَةُ فيها غير ممكنة، والشّركة فيها لا تقبلها النفس البشرية ـ حُبّاً وأنانية ـ إلاّ من رحم ربك. ومن هذا ينبُع الضيق، ويقع التنافس ويَدبُّ الخلاف.

والمنافسة بين الضَّرَّتين حادة، والحرب بينهما سِجَال. قالوا تزوج رجل امرأة حديثة على امرأة قديمة فكانت جارية الجديدة تمر على باب القديمة وتقول:

وما يَسْتَوِي الثَّوبانِ: ثوبٌ به البِلَى                    وثَوبٌ بأيدي البائعين جَدِيدُ

فمرت جارية القديمة، على باب الجديدة، وهي تقول:

نقِّلْ فؤادَكَ حيثُ شْئتَ من الهوى                     ما القَلْبُ إلا للحبِيب الأَوَّلِ

كم منزلٍ في الأرض يَأْلَفُهُ الفتى                      وحَنِيْنهُ أَبداً لأَولِ منزِلِ

وأسباب التعدد والطلاق واحدة، وقد تكون المرأة سبباً فيها، وقد أجملها بعضهم في قوله: إن السبب في تعدد الزوجات والطلاق، هو: إذا ذهب جمال المرأة، أو خَبُثَتْ أخلاقها، أو ساءت معاشرتها، مع زوجها، وكثر خصامها مع أمه، وإخوانه، إن كنّ في بيتها، أو كثر إنفاقها، فأفقرت زوجها، أو أهملت واجبها في البيت وتربية الأولاد، أو أهملت العِّلم والسَّير مع الزمان، أو أثرى الزوج وكان ضعيف الأخلاق.

ولا تنبني العلاقة الزوجية على الجمال والحب فقط. وذهاب الجمال أمر طبيعي، لا ينبغي أن يقوم عليه كيان الأسرة، فتنهَّدمُ أركانها بذهابه. فأين العشرة إذن! وهل يَجْمل في خلق ودين أن يستمتع الرجل بالمرأة صغيرةً شابة ويرميها كبيرة هَرِمة!!. وأمّا الحب فقد أجاب عنه أمير المؤمنين عمر، حين قال: الرجل يهم بطلاق امرأته: لم تُطَلِّقها؟ فأجابه لا أحبها. فقال عمر: أَفَكُلُّ البيوت بنيت على الحب؟ وأين الرعاية والتّذُمم.

وقد يتزوج الرّجالُ الزوجة الثانية أو الثالثة لأسباب أخرى كثيرة، بعضها إنساني معقول، كالعقم والمرض المُقْعِد، وبعضها شرعي مقبول مثل قلة الرّجال بسبب الحروب. قالت أستاذة جامعية ألمانية ـ وقد ذاقت النساء في ألمانيا ويلات الحرب، التي دفعت بهن إلى البغاء ـ: "إن حل مشكلة المرأة الألمانية، هو إباحة تعدد الزوجات. إنني أفضل أن أكون زوجة مع عشر نساء، لرجل ناجح، على أن أكون الزوجة الوحيدة لرجل فاشل تافه". وقد تكون بعض الأسباب اجتماعية، تمليها حاجة الزعماء، ورجال القبائل للأولاد، ليكونوا عوناً وسنداً لآبائهم في مهماتهم؛ كما أن بعض دوافع الزواج الثاني قد يكون طيشاً ونزوة ومباهاة. وأما زواج النزوة فمثاله ما يروى أنّ أحدهم أرسل رجلاً يخطب له، فلما رأى جمال المرأة خطبها لنفسه وتزوجها. وزواج النزوة والطيش يقع أيضاً نتيجة المغاضبة، فيدفع التّعجل والحمق بعض الرجال إلى الزواج من أخرى تشفّياً وانتقاماً. وقلّ أن تستمر مثل هذه الزّواجات، وتنتهي عادة بطلاق الثانية وإفساد حياتها، وتكون الأولى قد تكدرت من جراء ذلك. فإن راجعها الزوج لم يأمن أن تبقى حرازات النفوس كما هي، فيكون حاله كحال التي نقضت غَزْلَها من بعد قوة أنكاثا. وربما تمنعت المرأة الأولى من الرجوع، فتتبعها نفسه فيعيش في ندامة طيلة عمره.

وفي جميع الأحوال يحلم الزوج بالسعادة، لأنها غاية الزواج، ولكن كثيراً ما يُصْبِح حاله كحال المستجير من الرمضاء بالنّار. قيل لأعرابي: من لم يتزوج اثنتين، لم يَذُقْ حلاوة العيش. فتزوج امرأتين، فذاق منهما الَويْل، وسهر الليل. فندم، وأنشأ يقول:

تزوّجت اثنتين لفرطِ جَهْلي                           بما يَشْقَى به زوجُ اثنتيـنِ

فقلت أصيرُ بَيْنهما خروفـاً                           يُنَعَّــمُ بين أَكْرمِ نعجتيـنِ

فصرتُ كنعجةٍ تُضْحي وتُمْسي                       تُدَاوَلُ بين أخبثِ ذِئْبَتَيْـنِ

رِضا هذي يُهيِّج سخطَ هذي                          فما أخلو من إِحدى السَّخْطَين

لهذي ليلة ولتلك أخـرى                            عتابٌ دائم في اللّيلتيــن

فإنْ أحْبَبتَ، أن تبقى كريمـاً                         من الخيرات، مملوءَ اليدين

فعشْ عَزَباً فإن لم تَسْتَطِعْـهُ                          فَضَرْباً في عراضِ الجحْفَلينِ

أي إن لم تصبرْ على حياة العُزبة، فأقذف بنفسك في التهلكة، فسواء ألقيت نفسك بين جيشين متقاتلين أو بين زوجتين، فكلا الأَمرين موت وهلاك مُحقق.