إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1

المبحث الأول

بدء الخلق

إن قصة بدء الخلق (من ماء وسماء وأرض وجبال، وملائكة وجان، وباقي الكائنات) تمهيداً لخلق آدمu، هي من الموضوعات الشائقة التي تثير تساؤل السائلين، وفضول الذين يسعون إلى معرفة ذلك السر الغامض من هذا الكون الواسع الممتد إلى ما بعد الأفق، بحثاً وراء حقيقة الوجود والعدم، والخلق والفناء، والحياة والموت والبعث، ومن أجل ذلك وقبل البدء في سرد قصص الأنبياء كان علينا أن نضع تلك الحقائق من واقع ما جاء في القرآن الكريم، وأحاديث رسول اللهe، مبتدئين بما ذُكر عن بدء الخلق، ثم نعرض للإجابة على بعض التساؤلات منها:

لماذا خلق الله الكون كله قبل خلق الإنسان؟

وما هي مهمة الإنسان في الأرض؟

ولماذا أرسل الله الأنبياء والرُسل؟

أولاً: بدء الخلق

إن موضوع بدء الخلق من الموضوعات المهمة التي تهم كل مسلم وكل مؤمن، وهو الموضوع الذي تؤدي معرفته إلى المعرفة الحقيقية بالله خالق هذا الوجود من العدم، وهو في الوقت نفسه تحد لكل من يتخذ من دون الله آلهة شركاء لله، فتلك الآلهة لا تستطيع أن تخلق لهم شيئا كما يخلق الله، حتى ولو كان ذبابة وإن اجتمعوا له!!، قال تعالى: )يَاأَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ( (الحج: الآية 73)، وتلك الآلهة لا تستطيع أن تبدأ الخلق ثم تعيده!!، قال تعالى ]إِنَّهُ يَبْدَؤاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ[ (يونس: الآية 4)، فبهذا التحدي الذي جاء به القرآن الكريم، وبهذا الخطاب الواضح المعنى والدلالة للمشركين، تلتفت الأنظار إلى ذلك الشيء العظيم وهو كيف بُدئ الخلق ثم كيف يعاد بعد فنائه، وتبين الآية التالية من سورة يونس، ذلك التحدي الموجَّه للمشركين، والذي يصل بهؤلاء المشركين إلى الحقيقة الأزلية التي لا ريب فيها، وهى أن الله هو وحده الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، ولا يقدر على ذلك مخلوق من مخلوقاته، فكيف يَخلِقون وهم يُخلقُون؟!، تدبر قول الله تعالى إلى هؤلاء المشركين: ) قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَؤاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلْ اللَّهُ يَبْدَؤاْ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّا تُؤْفَكُونَ( (يونس: الآية 34)، ولقد خلق الله السماوات والأرض في ستة أيام، ليبين لنا أن كل شيء مخلوق بقدر محسوب وأجل مكتوب، وليس عشوائياً كما يظن الدهريون، بل إن الله هو الخالق الذي يعلم كل شيء عن مخلوقاته، فهو الذي يعلم ما يدخل في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السماء، وما يعرج فيها، وهو معنا أينما نكون قال تعالى: ]هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ (الحديد: الآية 4).

1. خلق القلم واللوح المحفوظ

وعن خلق القلم قال عطاء بن أبى رباح: لقيت الوليد بن عبادة بن الصامت فقال: حدثني أبى فقال سمعت رسول اللهr يقول: }إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ اكْتُبْ فَجَرَى بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى الأَبَدِ{ (سنن الترمذي:3241)، أي أن كل شيء، كائن ويكون، خطه القلم في اللوح المحفوظ، كما أمره الله، وعن اللوح المحفوظ قال عمران بن حصين: )قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا بَنِي تَمِيمٍ قَالَ قَالُوا قَدْ بَشَّرْتَنَا فَأَعْطِنَا قَالَ اقْبَلُوا الْبُشْرَى يَا أَهْلَ الْيَمَنِ قَالَ قُلْنَا قَدْ قَبِلْنَا فَأَخْبِرْنَا عَنْ أَوَّلِ هَذَا الْأَمْرِ كَيْفَ كَانَ قَالَ كَانَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ وَكَتَبَ فِي اللَّوْحِ ذِكْرَ كُلِّ شَيْءٍ( (مسند احمد: 19030).

2. خلق الماء والعرش والسماوات والأرض

خلق الله الماء الذي جعل منه كل شيء حي في هذا الوجود، وجعل عرشه فوقه سبحانه، قال تعالى: )وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ( (هود: الآية 7)، وقال أبى رزين: }يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيْنَ كَانَ رَبُّنَا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقَهُ؟ قَالَ: كَانَ فِي عَمَاءٍ[1] مَا تَحْتَهُ هَوَاءٌ وَمَا فَوْقَهُ هَوَاءٌ وَخَلَقَ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ{ (سنن الترمذي: 3034).وكانت السماء سماءً واحدة من الدخان فخلق الله الأرض بما عليها من جبال وبركة وقدر فيها الأقوات في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم خلق الله Y سبع سماوات في يومين اثنين، وزين السماء الدنيا بمصابيح، وجعلها رجوماً للشياطين، وملأها حرساً شديداً وشهباً.

إذاً ... العرش أولاً على الماء، ثم القلم فخط به الخط في اللوح المحفوظ، ثم خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش، قال تعالى: )قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ(9)وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ(10)ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ(11) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ( (فصلت: الآيات9- 12)

أما عن ترتيب خلق الله للمخلوقات كما رأى جمهور الفقهاء، قَال أبو هريرة رضي الله عنه: }أَخَذَ رَسُولُe بِيَدِي فَقَالَ: خَلَقَ اللَّهُ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ وَخَلَقَ الْجِبَالَ فِيهَا يَوْمَ الأَحَدِ وَخَلَقَ الشَّجَرَ فِيهَا يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلاثَاءِ وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الأَرْبِعَاءِ وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلام بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ[ (مسند أحمد: 7991)، أي آخر خلق خُلِق، هو آدم، في آخر ساعة من يوم الجمعة بعد العصر إلى الليل.

3. خلق الملائكة

الملائكة من أشرف مخلوقات الله عز وجل قال تعالى: )بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ(26)لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ( (الأنبياء: الآيتان 27,26)، وهم مخلوقون من نور، لقول رسول اللهr: ]خُلِقَتْ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ[ (صحيح مسلم: 5314)، وهم يُسبَّحون الله بالليل والنهار لا يفترون ولا يسأمون، لا نعلم حقيقتهم ولا نراهم، فهم مخلوقات من مخلوقات الله، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يُؤمرون، وهم مجبولون على الطاعة، منزهون عن المعصية.

وقد خلق الله الملائكة قبل خلق آدمu، فقد خاطب الله الملائكة في شأن أدمu قبل أن يخلقه، وهو الظاهر من قوله تعالى: ]وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ[ (البقرة: الآية 30)، ولأنهم وسائط بين الله ورسله في تبليغ الوحي إليهم، وبالشرائع التي شرعها الله للبشر, فيتقدم ذكرهم على الكتب والأنبياء والرسل في الخطاب القرآني، كقوله تعالى: ]كُلٌّ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه[ (البقرة: الآية 285)، وقوله تعالى: ]وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِه وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً بَعِيدًا[ النساء: الآية 136)، وقوله تعالى: ]وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ[ (البقرة: الآية 177).

وقد أمرنا الله بالإيمان بهم، وقد ورد لفظ الملك والملائكة 88 مرة في 86 آية من آيات القرآن الكريم، وهم غيب من خلق الله، أخبرنا عنهم رسول اللهr، ولهم صفات وأسماء:

أ.  أما عن الصفات فنذكر منها ما ورد في القرآن الكريم مثل: الملائكة، المدبرات أمرا: الذين ينفذون أمر الله على سائر المخلوقات، ومنهم الحفظة، الذين يقومون بحفظ الإنسان بأمر الله من الأذى والشرور، قال تعالى: ]لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ[ (الرعد: الآية 11)، وكذلك حديث رسول اللهe: ]عَلَى أَنْقَابِ الْمَدِينَةِ مَلائِكَةٌ لا يَدْخُلُهَا الطَّاعُونُ وَلا الدَّجَّالُ[ (صحيح مسلم: 2449)، ومنهم الكتبة الموكلون الذين يكتبون كل الأقوال والأفعال على الإنسان قال تعالى: ]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ (ق: الآية 18)، وهناك الملائكة الذين يتعاقبون والملائكة الذين يدخلون البيت المعمور كل يوم، قال رسول اللهe: ]َسَأَلْتُ جِبْرِيلَ فَقَالَ هَذَا الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ[ (أخرجه البخاري: 2968)، ومنهم ملك الموت، قال تعالى: ]قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ[ (السجدة: الآية 11)، ومنهم حملة العرش قال تعالى: ]وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ[ (الحاقة: الآية 17)، ومنهم الذين يطوفون من حول العرش، قال تعالى: :)وَتَرَى الْمَلَائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ( (الزمر: الآية 75)، وغيرها من صفات الملائكة.

ب. وأما عن أسمائهم فمنهم جبريلu (الروح الأمين)، وميكائيل وإسرافيل عليهما السلام، ففي حديث أبي سلمة قال: ]سَأَلْتُ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا بِأَيِّ شَيْءٍ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْتَتِحُ صَلاتَهُ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ قَالَتْ كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ افْتَتَحَ صَلاتَهُ فَقَالَ اللَّهُمَّ رَبَّ جِبْرِيلَ وَمِيكَائِيلَ وَإِسْرَافِيلَ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ أهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[ (سنن الترمذي: 3342) وفى قوله تعالى: ]مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ[ (البقرة: الآية 98)، فقد خص الله جبريل وميكال وإسرافيل بالذكر تشريفاً وتعظيماً لهم، ومنهم أيضاً "مالك" خازن النار الذي يتولى تعذيب الكافرين في الآخرة لقوله تعالى: ]وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ[ (الزخرف: الآية 77).

ج. والملائكة لا تظهر بصورتها النورانية للبشر، إنما تتمثل في صورتهم أي في صورة بشر، وقد رأى عدد كثير من الصحابة رضي الله عنهم الملائكة يوم (بدر) في صورة غير ملائكية، كما رأوا أمين الوحي جبريلu في صورة دُحية الكلبي، فحين حضر مجلس رسول اللهr رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر لا يرى عليه أثر السفر، وسأل الرسولe عن الإيمان وعن الإسلام وعن الإحسان، ثم عن الساعة، فلما سأل عمر رسول اللهr عنه قال رسول اللهr: ]يَا عُمَرُ هَلْ تَدْرِي مَنِ السَّائِلُ؟ ذَاكَ جِبْرِيلُ أَتَاكُمْ يُعَلِّمُكُمْ مَعَالِمَ دِينِكُمْ[ (سنن الترمذي: 2535).

وقد أرسل اللهY جبريلu إلى مريم فتمثل لها في صورة بشر، قال تعالى: )فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا( (مريم: الآية 17)، وكذلك أرسل الله رسلاً من الملائكة ومعهم جبريلu إلى إبراهيمu ليبشروه بإسحاق ويعقوب، فحضروا إليه وهم في صورة بشر، وسلموا عليه كما يسلم البشر، وتكلموا معه كما يتكلم البشر، غير أنهم لا يأكلون الطعام كما يأكله البشر، ولقد غاب ذلك عن إبراهيمu فلم يستطع معرفتهم من أول وهلة، حتى لقد أوجس منهم خيفة قبل أن يخبروه بحقيقتهم، وذلك في قوله تعالى: )هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ(24)إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ(25)فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ(26)فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ(27)فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ( (الذاريات: الآيات 24 – 28).

4. خلق الجان

خلق الله الجان قبل خلق الإنسان، وخلقهم من مارج من نار(نار السموم)، قال تعالى: ]وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ[ (الحجر: الآية 27)، قَالَ رَسُولُ الله r:}خُلِقَتِ الْمَلائِكَةُ مِنْ نُورٍ وَخُلِقَ الْجَانُّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ وَخُلِقَ آدَمُ مِمَّا وُصِفَ لَكُمْ{ (صحيح مسلم: 5314)، ونحن لا نعلم حقيقتهم إلا ما ورد عنهم في القرآن الكريم، وما أخبرنا به رسولنا الكريم r، فالجان هو كائن خفي يرى الإنسان من حيث لا يراه لقوله تعالى: ]إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ[ (الأعراف: الآية 27)، والاعتقاد بهم واجب وهم يتوالدون ويتناسلون، لقوله تعالى: ]أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ[ (الكهف: الآية 50)، والجان منهم المسلمون، ومنهم غير ذلك لقوله تعالى على لسان الجن: ]وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ[ (الجن: الآية 14)، وهم مخيرون، مثل الإنسان تماماً، في فعل الخير والشر، وهم محاسبون على أعمالهم، وعلينا الإيمان بوجودهم.

وقد ورد لفظ الجن والجان والجِنة 39 مرة في 38 آية من القرآن الكريم، وهم غيب من خلق الله، وإبليس من الجن وكان مؤمناً بالله، فلما رفض أن يسجُد لآدمu صار رمزاً للشر في الكون، فقد فسق عن أمر ربه، قال تعالى: ]وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ[ (الكهف: الآية 50).

ومنهم البر والفاجر، والصالح والطالح، قال تعالى على لسان الجن: ]وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا[ (الجن: الآية 11)، وفي حديث أبي سعيد: قال رسول اللهr: ]لا يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ الْمُؤَذِّنِ جِنٌّ وَلا إِنْسٌ وَلا شَيْءٌ إِلا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ[ (صحيح البخاري: 574).

ومن الناس من يظن أن كلمة الشيطان لا تطلق إلا على إبليس، أو على ذريته من الجن، لكن الحقيقة التي لا ريب فيها، أن كلمة الشياطين تطلق على العصاة من الجن والإنس معاً، المتمردين على منهج الله، قال تعالى: ]وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا[ (الأنعام: الآية 112)، ولأن الشياطين هم الذين ينشرون الكفر والفساد في الأرض، قال تعالى: ]وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ[ (الأنعام: الآية 121), فقد حذرنا الحق سبحانه وتعالى من الشيطان، لأنه يعمل على إبعادنا عن منهج الله سواء كان هذا الشيطان إنساً أم جناً، قال تعالى: ]وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[ (البقرة: الآية 208). وكلمة الشيطان اشتقت من كلمة شط شططا أي بعُد عن الحق والطاعة، والشيطان يأمر بالكفر ويعد بالفقر، وحينما يسقط الإنسان في شباكه، يتولى عنه ويتبرأ منه، ليزيده حسرة وندماً، قال تعالى: ]كَمَثَلِ الشَّيْطَانِ إِذْ قَالَ لِلإِنْسَانِ اكْفُرْ فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[ (الحشر: الآية 16).

وفى حديث صفية رضي الله عنها، أن رسول اللهr قال: ]إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنِ ابْنِ آدَمَ مَجْرَى الدَّمِ[ (صحيح البخاري: 6636)، وكذلك حديث أبي هريرةt: )أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ أَدْبَرَ الشَّيْطَانُ لَهُ ضُرَاطٌ حَتَّى لا يَسْمَعَ التَّأْذِينَ فَإِذَا قُضِيَ التَّأْذِينُ أَقْبَلَ حَتَّى إِذَا ثُوِّبَ بِالصَّلاةِ أَدْبَرَ حَتَّى إِذَا قُضِيَ التَّثْوِيبُ أَقْبَلَ حَتَّى يَخْطُرَ بَيْنَ الْمَرْءِ وَنَفْسِهِ يَقُولُ لَهُ اذْكُرْ كَذَا وَاذْكُرْ كَذَا لِمَا لَمْ يَكُنْ يَذْكُرُ مِنْ قَبْلُ حَتَّى يَظَلَّ الرَّجُلُ مَا يَدْرِي كَمْ صَلَّى[ (صحيح مسلم: 585).

قال رسول اللهr محذراً من الشيطان، ومن حقده وحسده لبنى آدم: ]إِذَا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ فَسَجَدَ اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي يَقُولُ يَا وَيْلِي أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بِالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ وَأُمِرْتُ بِالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ[ (صحيح مسلم: 115) وقال تعالى: ]وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[ (الزخرف: الآية 62).

ومما سبق، فإنه يجب علينا الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، فهم يبلغون منهج الله الذي فيه العقيدة الراسخة التي لا تختلف باختلاف العقود، وفيه الأحكام التي تناسب كل العصور، كما يجب أن نؤمن بالغيب، فهناك أمور غيبية موجودة في عالمنا ولا نراها ولا نعلم حقيقتها، وإنما نحس آثارها، كما نحس أثر الكهرباء والمغناطيسية والجاذبية، فمع أننا لا نراها إلا أننا نؤمن بها وبوجودها، فكذلك يمكن إدراك الأمور الغيبية وفهمها مثل ما ذُكر في القرآن الكريم عن الملائكة والجن, والجنة والنار، فإن الذي يخبرنا بها هو الله عز وجل.

ثانياً: الإجابة عن بعض التساؤلات

1. لماذا خلق الله الكون قبل خلق الإنسان؟

خلق الله الكون قبل خلق آدمu، وسخر له ما في الأرض جميعاً قبل أن يُهبطه عليها، فلما هبط آدمu بعد ذلك على الأرض وجد الكون مُهيأً له، وهذا تكريم من الله للإنسان وتفضيل له على كثير مما خلق من المخلوقات، قال تعالى: )وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي ءَادَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً( (الإسراء: الآية 70)، فالشمس تشرق على الإنسان لتدفئه، والمطر ينزل من السماء، فتحيا به الأرض بعد موتها، ويخرج منها نباتها وخيراتها لتكون طعاماً هنيئاً يتغذى به الإنسان، كما سخر له الأنعام ليأكل منها وليركبها، والهواء موجود في كل مكان ليتنفسه الإنسان بسهولة ويسر، ولولاه لمات مختنقاً، والليل جعله الله لباساً كي ينام الإنسان فيه ويستريح, والنهار جعله الله معاشاً، كي يعمل الإنسان فيه وينتج، وسخر له الفلك لتجري في البحر بأمره، وكذلك سخر الأنهار، وآتى الإنسان من كل ما سأل وطلب.

ومن دون تلك الأشياء لا يستطيع الإنسان أن يحيا حياته في هذا الكون، فكل الأشياء خلقها الله من أجل الإنسان، قال تعالى: ]اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنْ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنْ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمْ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمْ الأَنهَارَ(32)وَسَخَّرَ لَكُمْ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمْ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ(33)وَءاَتَاكُمْ مِنْ كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ[ (إبراهيم:الآيتان34,32)، فلم يبق للإنسان سوى عبادة الرحمن، قال تعالى:) وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ(56)مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ(57)إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ( (الذاريات: الآيات 56- 58).

وعن طريق التفكر في هذا الكون العجيب المبدع، يصل الإنسان إلى خالقه، ويبعث الله بالرسل والأنبياء يدعون قومهم إلى عبادة خالق تلك الأشياء، وعلي الناس أن يصدقوهم ويؤمنوا بما يقولون، وأرسل الله رسلاً من البشر إلى بشر مثلهم يفهمون طبيعتهم، ويخاطبونهم بلغتهم، فيستطيعوا بيسر وسهولة أن يوجهوا أنظارهم إلى هذا الكون، وهذا الملكوت وخالقه، فتتحرك مشاعرهم وأحاسيسهم، وتتجاوب أفئدتهم وعقولهم مع هذا الكون العظيم، فتدرك النفوس بفطرتها وجود الإله الواحد المبدع لهذا الكون.

2. ما هي مهمة الإنسان في الأرض؟

إن مهمة الإنسان في الأرض هي عبادة الله عز وجل، وأن يعمر الأرض التي استخلفه الله فيها، قال تعالى: ]وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ[ (الذاريات: الآية 65)، والعبادة هي أن نُطيع أوامر الله، وننتهي عما نهانا عنه، والمُسلم الحق لا بد أن يكون مؤمناً بوجود الله تعالى وبصفاته العُلى، وأسمائه الحُسنى، وبملائكته، وكتبه ورسله، واليوم الآخر، ويؤمن بأن الله هو فاطر السماوات والأرض، وأنه عالم الغيب والشهادة، وأنه سبحانه وتعالى خالق كل شيء، ورب كل شيء، وأنه على كل شيء قدير، لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار، وهو المستحق للعبادة وحده ولا يحق لأحد أن يتخذ من إله غيره.

ولكون الإنسان فطر على العبادة، فإن الحق سبحانه وتعالى يحاسب الإنسان في الآخرة على سعيه في الحياة الدنيا قال تعالى: ]وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلا مَا سَعَى [(النجم: الآية 39)، ولكي يقي الله الإنسان من عقابه، فإنه يوضح له الطريق الذي يسلكه لعبادة خالقه، قال تعالى: ]وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ[ (الأنعام: الآية 153)، كما وهب الله الإنسان حرية الاختيار، وكلفه التكاليف الشرعية, فإن آمن بالله، ونفذ ما أُمره به، فإنه ينال ظاهر النعم وباطنها في الدنيا والآخرة، وأما إن كفر بالله وترك ما أمر الله به، فإنه ينال ظاهر النعم في الدنيا وليس باطنها، ثم يكون مصيره إلى النار وبئس المصير، وهكذا ترك الله للإنسان حرية الاختيار ولم يجبر أحداً على الإيمان، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر، قال تعالى: )وَقُلْ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ( (الكهف: الآية 29).

ويختلف الإنسان عن الكائنات الأخرى في أن الله جعله مخيراً خلافاً لباقي المخلوقات التي لا اختيار لها، فهي تسجد لله طوعاً، حيث يقول سبحانه وتعالى: ]أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ[ (الحج: الآية 18).

3. لماذا أرسل الله الأنبياء والمرسلين؟

أرسل الله الأنبياء والمرسلين ليُعرِفوا الناس منهج الله، وليكونوا لهم مبشرين ومنذرين، قال تعالى: )وَمَا نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ( (الكهف: الآية 56), يبشرون المؤمنين الذين يعملون الصالحات بجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا، جزاء بما كانوا يعملون، وينذرون الكافرين الذين يعملون السيئات بعذاب أليم في نار وقودها الناس والحجارة، عليها ملائكة غلاظ شداد، لا يعصون الله ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، ينذرونهم أنكالاً وجحيماً وطعاماً ذا غصةٍ وعذاباً أليماً. هكذا يرسل الله رسله إلى الناس مبشرين لهم ومنذرين، كي لا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل، قال تعالى: ]رُسُلاَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُسل وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا[ (النساء: الآية 165).

ولقد أيد الله رسله بالمعجزات الخارقة، التي تخرق قوانين الكون ونواميسه، فلا يستطيع أن يخرق قوانين الكون ونواميسه إلا صانع هذا الكون وخالقه، ولذلك جاءت الرُسل بالمعجزات ليؤكدوا بها صدق رسالتهم، وتبين للناس أن تلك المعجزات الآتية من السماء إنما تأتيهم من عند الله، وجاءت المعجزات لتتحدى الناس فيما نبغوا فيه، فجاء موسى u بمعجزة العصا يلقيها أمام سحرة فرعون، الذين برعوا في السحر، فإذا بالعصا تتحول أمام أعينهم إلى ثعبان مبين، يلقف ما يأفكون، فلما رأوا بأعينهم هذا العلم الذي ليس بسحر، علموا أنه شيء لا يأتي من بشر، إنما يأتي من عند إله خالق قادر، يحول الأشياء، كما حول أصحاب السبت قردة خاسئين، لهذا خر السحرة لله ساجدين، وتحولوا في ساعة من نهار من كفرة ملعونين إلى عباد من عباد الله المؤمنين، وجاء عيسىu بمعجزة الطب في قوم نبغوا في عصره في هذا الفرع من فروع العلم، وجاء رسولنا الكريمr بمعجزة القرآن الكريم, يتحدى به قومه من العرب، الذين برعوا في اللغة والشعر، يتحداهم بأن يأتوا بعشر سور من مثله، أو بسورة واحدة من مثله فعجزوا عن الإتيان بذلك.

ولقد أرسل الله كثيراً من الرسل، كل رسول بلسان قومه ليبين لهم، ولقد بين الله تعالى لنا في كتابه أهمية أن يكون الرسول من جنس قومه وبلسانهم، كي لا تكون لهم حُجة على الله بأنهم لا يعلمون، و ينطبق هذا على الإنسان والملائكة والجان، فلو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين فيها كما يفعل الإنسان، لنزَّل الله عليهم من السماء ملكاً رسولاً، قال تعالى: ]قُلْ لَوْ كَانَ فِي الأَرْضِ مَلائِكَةٌ يَمْشُونَ مُطْمَئِنِّينَ لَنَزَّلْنَا عَلَيْهِمْ مِنَ السَّمَاءِ مَلَكًا رَسُولاً[ (الإسراء: الآية 95)، وكذلك يرسل الله رسله من الإنس والجن إلى قومهم لقوله تعالى في خطابه للجن والإنس يوم القيامة: )يَامَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ ءَايَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا( (الأنعام: الآية 130)، وقد قيل أن الرسل من الإنس فقط، وليس من الجن، كقول مجاهد وابن جريج وغير واحد من أئمة السلف والخلف، وقال ابن عباس الرسل من بني آدم، وأما الجن فهم نذر، ويؤكد ذلك قوله تعالى: )وَما أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ إِلاَّ إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الأَسْوَاقِ( (الفرقان: الآية 20)، والجن لا تأكل الطعام كما يأكل البشر، وقد أرسل الله محمداًr ليكون للعالمين نذيراً، فهو رسول الله إلى الجن والإنس كافة.

كما يرسل الله الرسل بلسان قومهم ليبينوا لهم ما أُرسلوا به لهم من ربهم في سهولة ويسر، فعن أبى ذرt قال: )قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَبْعَثِ اللَّهُ نَبِيًّا إِلَّا بِلُغَةِ قَوْمِهِ[ (مسند أحمد: 20441)، وقال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ (إبراهيم: الآية 4)، ولقد بعث الله الرسل والأنبياء لينذروا قومهم دون غيرهم، إلا محمداًe فقد بعثه الله بشيراً ونذيرا لكل البشر، وخصه بعموم الرسالة إلى سائر الناس.

ونظراً إلى أن الأنبياء والرسل لا يمكنهم أن يتلقوا رسالاتهم من الله مباشرة لتكوينهم البشرى الذي لا يحتمل ذلك، فقد اصطفى الله رسلاً من الملائكة ليكونوا وسائط من عنده إلى أنبيائه ورسله، فعن طريقهم أي عن طريق الملائكة يمكن للأنبياء والرسل استقبال كلام الله عز وجل، قال تعالى: ]اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً[ (الحج: الآية 75)، وقد كان جبريلu أمين الوحي يوحى بكلام الله تعالى إلى الأنبياء والمرسلين من البشر.

ومن العجيب أن الكافرين كانوا يظنون أن اللهY يمكن أن يبدل لهم الرسل المرسلين إلى البشر بأجناس أخرى غيرهم كالملائكة مثلاً، فكانوا يطلبون من الله أن ينزل عليهم من السماء ملائكة رسلاً لهم، أو أن يأتي مع رسولهم من البشر رسولٌ آخر من الملائكة يؤازره، إلا أنهم لو كانوا يؤمنون برسلهم حقاً ما سألوا الله ذلك !!، ومِنْ رحمة الله بالناس أن جعل رسلهم من البشر، حتى يكون تطبيق المنهج سهلاً عليهم ومُيسراً.

وفي ذكر عدد الأنبياء قال رسول الله r: ]َمِائَةُ أَلْفٍ وَأَرْبَعَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا الرُّسُلُ مِنْ ذَلِكَ ثَلاثُ مِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ جَمًّا غَفِيرًا[ (مسند أحمد: 21257)، والنبوة نعمة يمن الله بها على من يشاء ولا يبلغها أحد بعلمه ولا كشفه، ولا يستحقها باستعداد ولايته، ومن هؤلاء الرُسل خمسة من أولي العزم، هم: مُحمدr، ونوح، وإبراهيم، وموسى، وعيسى عليهم صلوات الله وسلامه جميعاً، قال تعالى: ]وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا[ (الأحزاب: الآية 7). (اُنظر شكل أولو العزم)

فالأنبياء والمُرسلون هم خير البشر، ولولا القرآن الكريم الذي نزل على نبينا محمدr، ما عرفنا حقيقة قصصهم، خاصة بعد أن كثر التحريف والعبث بسيرتهم من المغرضين .

هكذا نرى أن الله أرسل الأنبياء والمرسلين لإصلاح قلوب البشر، وإقامة دين الله في الأرض، وقد كانت رسالاتهم واحدة، وهدفها واحد هو عبادة الله وحده، وعدم الشرك به، والدين الذي شرعه الله لمحمدr، هو ذاته الدين الذي وصى به رسله وأنبياءه من قبل، قال تعالى: ]شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ[ (الشورى: الآية 13). فرسالات الله كلها واحدة وهى إقامتهم دينا قيماً حنيفاً موحداً، لأن الإله واحد، ودور الرُسل هو تبليغ قومهم بمنهج الله، ونصحهم بأن يعملوا بهذا المنهج لينالوا رضاه، ولينجوا من عذابه، فالأنبياء هم مصابيح الهدى، وهم الأسوة والقدوة، وهم المنذرون للبشر، وإن من أمة إلا خلا فيها نذير.

فوجودهم حق، وما كان الله ليترك الناس دون نذير، حتى لا يكون للناس على الله حُجة بأنهم لا يعلمون.



[1] العماء: أي ليس معه شيء وهو قول يزيد بن هارون0