إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1

المبحث الثاني

آدم وإدريس عليهما السلام

آدم أول خلق الله من البشر على الإطلاق، وأول الأنبياء عليهم السلام، وقد ذُكرت قصته في سور (البقرة، وآل عمران والأعراف، والإسراء، والكهف، وطه)، باسمه وصفته على نحو قوله تعال: }فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ{ (البقرة: الآية 37)، وفي سورتَي (الحجر، وص)، بصفته فقط على نحو قوله تعالى: }وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ{ (الحجر: الآية 28)، كما ذُكر اسم آدمu 25 مرة في 9 سور من القرآن الكريم.

أولاً: آدم عليه السلام

1. قصة خلق آدم عليه السلام, وسجود الملائكة له, وامتناع إبليس عن السجود تكبراً

تتلخص قصة آدمu, في أن الله سبحانه وتعالى قد أخبر ملائكته بخلق بشر من طين، وأمرهم بعد تسويته والنفخ فيه من روحه، أن يقعوا له ساجدين قال تعالى: }فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ( (الحجر: الآية 29)، أمرهم بالسجود له، فسجدوا له كلهم أجمعون إلا إبليس أبى واستكبر أن يكون مع الساجدين: }وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لأَدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنْ الْكَافِرِينَ{ (البقرة: الآية 34)، وهذا السجود الذي وقع من الملائكة لآدمu هو سجود تكريم، لا سجود عبادة, هو سجود تحية وتعظيم لآدمu, لأن الله سبحانه وتعالى سخر الكون كله له، ولذريته الآتية من بعده.

في البداية سوى الله تعالى آدمu وشكله على صورته، من طين من حمأ مسنون (متغير)، حتى إذا صار صلصالاً كالفخار، نفخ فيه من روحه، فإذا به إنسان حي من لحمٍ ودمٍ وعظامٍ وأعصاب، وقد خُلق آدمu في آخر ساعة من ساعات يوم الجمعة بين العصر والليل، كقول رسول الله e: ]َخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلام بَعْدَ الْعَصْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ آخِرَ الْخَلْقِ فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ( (مسند أحمد: 7991). فلما أمر الله الملائكة بالسجود له كما ذكرنا، سجد الملائكة كلهم أجمعون، إلا إبليس (كان موجوداً مع الملائكة)، ففسق عن أمر ربه وأبى أن يسجُد له وقال: ]أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[ (الأعراف: الآية 12)، وسأله ربه عن سبب عدم استجابته لأمره بالسجود لآدمu: ]قَالَ يَاإِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنتَ مِنْ الْعَالِينَ[ (ص: الآية 75) وكلمة (خلقت بيدي) هو تعبير مجازى(مثل كلمة يد الله فوق أيديهم) فليس كمثل الله شيء، هكذا خلق الله آدمu من طين بغير أب أو أم، أما نحن جميعاً فإننا خُلقنا بقانون الخِلقة، وهو اجتماع الرجل والمرأة ليكون الخلق وفقاً لسُنة الله تعالى في خلقه، ويختلف خلق آدمu عن باقي البشر في أن الله سبحانه وتعالى هو الذي سواه، ونفخ فيه من روحه، وفي هذا تشريف كبير له، فآدمu ليس مخلوقاً عاديا كغيره من البشر، إنه أصل البشر جميعاً، خلقوا جميعاً من نفسه، قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ (النساء: الآية 1).

2. أمر الله باستخلاف آدم عليه السلام في الأرض وتعليمه الأسماء كلها

قبل خلق آدمu، أخبر الله سبحانه وتعالى ملائكته بأنه سيجعل في الأرض خليفة، وذلك في قوله تعالى للملائكة: ]إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ(30)وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31)قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(32)قَالَ يَاءَادَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم ْفَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ[ (البقرة: الآيات 30-33).

رأت الملائكة أن هذا الخليفة (الإنسان) سوف يُفسد في الأرض ويسفك الدماء، بينما هم لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، يسبحون بحمده ويقدسون له، فأخبرهم الله أنه يعلم في هذا المخلوق من الأسرار ما لا يعلمون، ويعلم ما يكتمون في أنفسهم وما يبدون، وأراد الله تعالى أن تتحقق الملائكة بنفسها من ذلك الأمر، عن طريق اختبار عملي لآدمu ولهم, يكشف لهم به ما غاب عنهم من غيب, ويبين لهم أن آدمu قد فَضَّله الله عليهم بتعليمه الأسماء كلها، وهو شيء لا تعلمه الملائكة، قال تعالى: )وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا( (البقرة: الآية 31)، فلما عرض الله الأسماء على الملائكة وقال لهم: )أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ(31)قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ( (البقرة: الآية32)، فعجزت الملائكة عن معرفة تلك الأسماء.

وتأكيداً لفضل هذا الكائن الذي قالوا عنه بأنه يفسد في الأرض، ويسفك الدماء، أمر الله آدمu أن ينبئهم بأسمائهم، فلما فعل ذلك، بين الله لهم أنه وحده العالم بغيب السماوات والأرض، والعالم بما يبدونه من القول وما يكتمونه في أنفسهم لقوله تعالى: )يَاءَادَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ( (البقرة: الآية33)، فإن ما قالته الملائكة عن نبي الله (آدمu) ليس صواباً فقد حُجب عنهم علم آخر غيبي عند الله لا يعلمونه، وأن تفضيل آدمu عليهم وأمر الله لهم بالسجود له، هو نتيجة لعلم آخر من علوم الغيب، لا تعلمه الملائكة، علم يختص به اللهY وحده ولا يشرك فيه غيره.

3. خلق حواء وخروجها وآدم عليه السلام من الجنة بسبب إغواء إبليس

أسكِن الله سبحانه وتعالى آدمu الجنة، فكان يمشي فيها مستوحشا ليس له زوج يسكُن إليها، فنام نومة فاستيقظ، وعند رأسه امرأة جالسة خلقها الله من نفس آدمu ليسكن إليها، ولتكون له زوجة مباركة، وسماها "حواء" كما علمه الله أنها خلقت من شيء حي، وحواء هي أول امرأة خلقها الله على الإطلاق، خلقها لتؤنس آدمu وليسكن إليها، ومن نسلها جاءت البشرية كلها، وعمُرت الأرض بهم، قال تعالى: ]يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاًّ كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[ (النساء: الآية 1)، وقيل إن الله خلقها من ضلع آدمu لحديث أبى هريرة رضي الله عنه قال: )قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ خُلِقَتْ مِنْ ضِلَعٍ وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ كَسَرْتَهُ وَإِنْ تَرَكْتَهُ لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ فَاسْتَوْصُوا بِالنِّسَاءِ( (صحيح البخاري: 3084)، وقد ذُكر ذلك في العهد القديم[1].

ويرى الشيخ الشعراوي رحمه الله، أن خلق حواء ليس من ضلع آدمu كما يجمع الفقهاء، ولكنها خلقت مثلما خلق الله آدمu، حيث إن كلمة زوج لا تعني الرجل فقط، ولكنها تعني المرأة أيضاً، فالمرأة زوج والرجل زوج، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: ]وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[ (الذاريات: الآية 49)، كما يوضح الحق تبارك وتعالى أن كل شيء خلقه من زوجين اثنين.

أمر الله آدمu أن يسكن هو وزوجه الجنة، وأباح لهما أن يأكلا كل شيء في الجنة إلا شجرة حددها لهما، وأمرهما بعدم الاقتراب منها وإلا كانا من الظالمين، قال تعالى: )وَقُلْنَا يَاءَادَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَكُلا مِنْهَا رَغَدًا حَيْثُ شِئْتُمَا وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونَا مِنَ الظَّالِمِينَ( (البقرة: الآية 35)، لكن إبليس لم يتركهما ينعمان بالجنة، فوسوس لهما ليأكلا منها، وقال لهما إن ربكما لم ينهكما عن الأكل من تلك الشجرة، إلا لأن الأكل منها يجعلكما من الملائكة أو تكونان من الخالدين، قال تعالى: )فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْءَاتِهِمَا وَقَالَ مَا نَهَاكُمَا رَبُّكُمَا عَنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ إِلا أَنْ تَكُونَا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونَا مِنَ الْخَالِدِينَ(20)وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ(21)( (الأعراف: الآيتان 20، 21)، ولم يترك الشيطان فرصة إلا وسوس فيها لآدمu بالأكل من هذه الشجرة، سواء كان هو وزوجه أم هو وحده، وهذا ظاهر في قول الشيطان لآدمu منفرداً: ]هَلْ أَدُلُّكَ عَلَى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَمُلْكٍ لا يَبْلَى[ (طه: الآية 120) أو في نصائحه التي بلغت حد القسم لهما، ويقول الله تبارك وتعالى: ]وَقَاسَمَهُمَا إِنِّي لَكُمَا لَمِنَ النَّاصِحِينَ[ (الأعراف: الآية 21).

وظل إبليس يمنيهما بالأماني, ويقدم لهم النصائح المزيفة بالقول اللين تارة، و بالنصح الكاذب تارة أخرى، وأحياناً بالقسم لهما حتى نسي آدمu وزوجه أمر ربهما فأكلا من الشجرة، فبدت لهما سوءاتهما، وأسرعا يقطعان من أوراق الشجر لستر عوراتهما، قال تعالى: )فَدَلاهُمَا بِغُرُورٍ فَلَمَّا ذَاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُمَا سَوْءاتُهُمَا وَطَفِقَا يَخْصِفَانِ عَلَيْهِمَا مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ( (الأعراف: الآية 22)، هكذا أسقطهما الشيطان في ذلك الفخ الذي نصبه لهما، نصبه بذكاء ومكر وخديعة، لقد أزلهما الشيطان فأخرجهما وأبعدهما عما كانا فيه من جنة الله ونعيمها، قال تعالى: )فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ( (البقرة: الآية 36)، حدث ذلك في لحظة نجح فيها الشيطان في التأثير على آدمu وزوجه، وفي تلك اللحظة أيضاً نسي آدمu عهده مع ربه، قال تعالى: )وَلَقَدْ عَهِدْنَا إِلَى ءَادَمَ مِنْ قَبْلُ فَنَسِيَ وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا( (طه: الآية 115)، وكذلك قوله تعالى: )وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى( (طه: الآية 121).

حدث ذلك كله على الرغم من تحذير الله لآدمu وزوجه من هذا الشيطان اللعين، فقد أخبرهما بهذا العدو الذي يتربص بهما ويترصد لهما، وحذرهما أيضاً من خطره الذي ينتظرهما، ومن عواقب الاستجابة لمكره ووسوسته وخديعته، فقال تعالى لآدمu وزوجه محذراً إياهما: ]يَاءَادَمُ إِنَّ هَذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَى[ (طه: الآية 117)، وهو التحذير عينه الذي يحذرنا به الله من ذلك الشيطان اللعين في كل زمان، حيث يذكرنا سبحانه وتعالى دائما بما فعل الشيطان بآدمu وزوجه في الجنة من قبل، يذكرنا بالعواقب التي لحقت بهما نتيجة استجابتهما لإغراءاته ووسوسته، ويحذرنا من أن نفعل ما فعل أبوانا من قبل (آدمu وزوجه) فيكون فيه الخروج من نعمة الله وفضله، قال تعالى: )يَابَنِي ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ( (الأعراف: الآية 27).

لما أكل آدمu وزوجه من الشجرة، ونجح إبليس في إغوائهما، ناداهما الله عز وجل يلومهما على معصيتهما له، فقال سبحانه وتعالى لهما: )أَلَمْ أَنْهَكُمَا عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَأَقُلْ لَكُمَا إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمَا عَدُوٌّ مُبِينٌ( (الأعراف: الآية 22) وتذكر آدمu وزوجه أمر ربهما لهما، فندما على غفلتهما وسهوهما ومعصيتهما، واستغفرا ربهما راجين منه قبول توبتهما، وقالا: )رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ( (الأعراف: الآية 23).

وهكذا حدث ما كان مقدراً من قبل، فقد أمر الله وقدر، أن يجعل في الأرض خليفة، ولذلك خلق آدمu وزوجه، وسبب الأسباب، وقدر المقادير، وجعل الشيطان لهما عدواً في الجنة حتى يقع ما كان لابد من وقوعه، فخالفا أمر الله في الجنة بالأكل من الشجرة، وكان عقاب الله لهما هو الخروج منها وهبوطهما إلى الأرض، وهذا ما حدث تماماً، فقد أخرجهما الله من جنته، وطرد إبليس منها، ليهبطوا منها جميعاً إلى الأرض، فتكون لهم مستقراً ومتاعاً إلى حين، وليكون بعضهم لبعض عدواً على هذا الكوكب " كوكب الأرض" الذي اختاره الله لهم، والذي فيه يحيا آدمu وزوجه ويموتان هما وذريتهما، ومنها يخرجون جميعاً يوم القيامة، وليظل إبليس قرينا لهما، وعدواً لذريتهما من بعدهما إلى قيام الساعة، قال تعالى: ]فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ( (البقرة: الآية 36)، وقال تعالى: )فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ[ (الأعراف: الآية 25).

ثم تلقى آدمu من ربه كلمات قالها، فتاب الله عليه وهداه، وأعطاه فرصة له ولزوجه، وذريتهما من بعدهما ليعيشوا سعداء في الأرض، تلك الفرصة التي ستكون بالطبع مليئة بالاختبارات والفتن، وهى إرسال الأنبياء والرسل وإنزال الكتب السماوية ليكون في ذلك هداية للبشر على كوكب الأرض في الحياة الدنيا، فمن اتبع هدى الله فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن خالفه فله في الدنيا شقاء وفى الآخرة عذاب أليم، قال تعالى: )فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ[ (البقرة: الآية 38).

وأخيراً فإن آدمu وزوجه خُلقا ليكونا في الأرض، ومن أجل ذلك خلق الله سبحانه وتعالى الأرض قبلهما ليهبطا عليها، ولتكون مستقراً لهما ولذريتها ومتاعاً لهم إلى حين، قال رسول اللهr :]َاحْتَجَّ آدَمُ وَمُوسَى عَلَيْهِمَا السَّلام عِنْدَ رَبِّهِمَا فَحَجَّ آدَمُ مُوسَى قَالَ مُوسَى أَنْتَ آدَمُ الَّذِي خَلَقَكَ اللَّهُ بِيَدِهِ وَنَفَخَ فِيكَ مِنْ رُوحِهِ وَأَسْجَدَ لَكَ مَلاَئِكَتَهُ وَأَسْكَنَكَ فِي جَنَّتِهِ ثُمَّ أَهْبَطْتَ النَّاسَ بِخَطِيئَتِكَ إِلَى الأَرْضِ[ (صحيح مسلم: 4795).

تقول بعض الكتب أن آدمu أُهبط في بلاد الهند بسرنديب على جبل يُقال له "نود"، وأُهبطت حواء في "جدة" (اُنظر خريطة مكانا هبوط آدم وحواء) و(شكل ارتفاع الجبال)، وفرق الله بينهما فترة طويلة، وجاء كل واحد منهما يطلب صاحبه، حتى قرب أحدهما من صاحبه فازدلفا، فسُميت المزدلفة، واجتمعا بجمع فسُمي جمعاً، فتعرفا بعرفة في يوم عرفة، فسُمي عرفات، وبدأت حياتهما على الأرض، أما إبليس فيقال أنه نزل بالأبلة من أرض العراق، وهي البصرة حاليا والله أعلم.

4. إنظار إبليس إلى يوم الدين

غضب اللهY على إبليس لعدم سجوده لآدمu فقال له: ]مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك(َ (الأعراف: الآية 12) فقال إبليس متكبرا:ً )أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ( (الأعراف: الآية 12)، هكذا كان رد إبليس على ربه سبحانه وتعالى، معتقداً أن عنصر النار أشرف من عنصر الطين، فمن الظلم إذاً أن يُؤمر هو المخلوق من النار بالسجود لهذا الإنسان المخلوق من الطين، من أجل ذلك أخرجه الله Y من جنته صاغرا ذليلاً: )قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ[ (الأعراف: الآية13)، أخرجه الله منها مذءوماً مدحوراً، قال تعالى: )اخْرُجْ مِنْهَا مَذْءُومًا مَدْحُورًا لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ( (الأعراف: الآية 18).

لما وجد إبليس نفسه مطرودا من رحمة ربه، مغضوباً عليه، طلب من الله عز وجل أن ينظره إلى يوم الدين: ]قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ(14)قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ(15)[ (الأعراف: الآيتان 14، 15) فأجاب الله طلبه، غير أن إبليس ـ عليه اللعنة ـ توعد آدمu وذريته، بأن يغويهم ويبعدهم عن طريق ربهم، مستخدماً كل الأساليب الماكرة والأدوات المضللة لهم، يأتيهم بطرقه الخبيثة، وحيله الخادعة لإبعادهم عن صراط ربهمY، متخذا في سبيل ذلك كل إمكاناته لتشتيت أفكارهم، وتلبيس دينهم عليهم، مناوراً في أساليبه من كل اتجاه يراه مناسباً، لتنفيذ أغراضه نحوهم، يأتيهم عن أيمانهم وعن شمائلهم، ومن بين أيديهم ومن خلفهم، حتى يكونوا معه في نار جهنم، كما وعده الله في الآخرة، قائلا لله عز وجل : )فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لأقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ(16)ثُمَّ لأَتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ(17)( (الأعراف: الآيتان 16، 17).

أعطاه الله سبحانه وتعالى تلك الفرصة، ليظل إلى يوم الدين غاوياً ومضللاً لبني آدم لحكمة بالغة، هي اختبار المؤمنين في الحياة الدنيا بالفتن والمصائب، ليبلوهم أيهم أحسن عملا، فتسليط الشيطان عليهم هو الوسيلة للاختبار، فمن تبع خطوات الشيطان، فهو في الآخرة من المعذبين، والذين اتخذوا الشيطان لهم عدواً فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ذلك لأن الشيطان يأمر بالفحشاء والمنكر، قال تعالى: )يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ( (النور: الآية 21)، وقال تعالى: )إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُواْ حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ( (فاطر: الآية 6).

5. هيئة نبي الله آدم عليه السلام

إن الله سبحانه وتعالى خلق آدمu من تراب فجعله طيناً، حتى إذا كان حمأ مسنوناً، جعله صلصالاً كالفخار، ثم صوره على هيئته، ونفخ فيه من روحه، قال رسول اللهr: ]إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ فَجَاءَ بَنُو آدَمَ عَلَى قَدْرِ الأَرْضِ فَجَاءَ مِنْهُمُ الأَحْمَرُ وَالأَبْيَضُ وَالأَسْوَدُ وَبَيْنَ ذَلِكَ وَالسَّهْلُ وَالْحَزْنُ وَالْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ[ (سنن الترمذي: 2879)، وقد شاهد إبليس آدمu وهو يُخلق في الجنة، وأخذ يطيف به وينظر إلى هذا الكائن الجديد، وفى هذا قال رسول الله r: }لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الْجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَتْرُكَهُ فَجَعَلَ إِبْلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنْظُرُ مَا هُوَ فَلَمَّا رَآهُ أَجْوَفَ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلْقًا لا يَتَمَالَكُ[ (صحيح مسلم: 4727)، وعن هيئة آدم u وتعليمه التحية، قال رسول الله r: )خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ وَطُولُهُ سِتُّونَ ذِرَاعًا ثُمَّ قَالَ اذْهَبْ فَسَلِّمْ عَلَى أُولَئِكَ مِنْ الْمَلائِكَةِ فَاسْتَمِعْ مَا يُحَيُّونَكَ تَحِيَّتُكَ وَتَحِيَّةُ ذُرِّيَّتِكَ فَقَالَ السَّلامُ عَلَيْكُمْ فَقَالُوا السَّلامُ عَلَيْكَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ فَزَادُوهُ وَرَحْمَةُ اللَّهِ[ (صحيح البخاري: 3079)، وعن هيئته أيضاًu روى أبو هريرة: ]أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ كَانَ طُولُ آدَمَ سِتِّينَ ذِرَاعًا فِي سَبْعَةِ أَذْرُعٍ عَرْضًا[ (مسند أحمد: 10492)،

وعن ذرية آدم في حديث أبي هريرةt قال:)قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ مَسَحَ ظَهْرَهُ فَسَقَطَ مِنْ ظَهْرِهِ كُلُّ نَسَمَةٍ هُوَ خَالِقُهَا مِنْ ذُرِّيَّتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَجَعَلَ بَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ إِنْسَانٍ مِنْهُمْ وَبِيصًا مِنْ نُورٍ ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى آدَمَ فَقَالَ أَيْ رَبِّ مَنْ هَؤُلَاءِ قَالَ هَؤُلاَءِ ذُرِّيَّتُكَ[ (سنن الترمذي: 3002)، وعن شهادة ذرية آدمu بوحدانية الله عز وجل، قال سبحانه وتعالى: ]وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي ءَادَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ(172)أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ ءَابَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ(173)[ (الأعراف: الآيتان 173,172).

وأما عن حُسن آدمu فقد كان من أجمل خلق الله في الأرض، كان أجمل من يوسف بن يعقوب عليهما السلام لأنه خُلق بيد الله تعالى، على الرغم من أن يوسفu أعطاه اللهY شطر الحسن، قال رسول اللهr: ]أُعْطِيَ يُوسُفُ عَلَيْهِ َالسَّلامُ شَطْرَ الْحُسْنِ[ (أخرجه أحمد: 13539).

وعن علم آدمu فقد كانu أعلم أهل الأرض قاطبة، فالذي علمه هو الله سبحانه وتعالى، علمه الأسماء كلها، وعن ذرية آدم الأولى فقد كان يولد لآدمu في كل بطن ذكر وأنثى، فيتزوج كل ابن، أخت أخيه المولودة معه في بطن واحدة، ويتزوج الآخر بالأخرى وهكذا، ولا تحل أخت لأخيها الذي ولد معها.

6. العظة من قصة آدم عليه السلام

أ. يريد الله سبحانه وتعالى أن يبين لنا في قصة آدمu, أن الإنسان يُصيب ويُخطئ، ويخالف منهج الله، ثم يتنبه إلى خطئه، فيستغفر ربه ويتوب، فيتوب الله عليه، فآدمu عصى ربه فأكل من الشجرة التي نهاه الله عنها، قال تعالى: ]وَعَصَى ءَادَمُ رَبَّهُ فَغَوَى[ (طه: الآية 121)، ثم تلقى من ربه كلمات الاستغفار والتوبة فتاب عليه وهدى، قال تعالى: ]فَتَلَقَّى ءَادَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ[(البقرة: الآية 37).

ب. إن مهمة آدمu الأساسية في الأرض, هي طاعة الله وعبادته، والفترة التي قضاها آدمu في الجنة كانت تدريباً له على مهمته في الأرض، ويُبلغنا الحق سبحانه وتعالى بأن رحمته وسعت كل شيء، ولا يجب أن ييأس الإنسان العاصي من رحمة ربه، مهما كانت ذنوبه، فعلى العبد إذا قارف معصية أن يسارع في الإقلاع عنها، ثم يلجأ إلى الله بالندم والاستغفار، ثم يتوب إلى الله متاباً، ويأمل في الله خيراً دائما،ً فلا يقنط من رحمته مهما كانت ذنوبه، فإن الله يغفر الذنوب جميعاً، لقوله تعالى: ]قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ[ (الزمر: الآية 53).

ج. يجب على الإنسان أن يتخذ الشيطان عدواً له، وعليه أن يحذره ولا يتبع خطواته، ولا يستجيب لوساوسه، فهذا الشيطان هو الذي أخرج أبويه من الجنة، بعد أن وسوس لهما، قال تعالى: )يَابَنِي ءَادَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوءَْاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لاَ تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ((الأعراف: الآية 27).

د. إن الشيطان له أساليب ووسائل وأدوات، يستخدمها لاستدراج الإنسان نحو المعصية، ولقد حذرنا الله سبحانه وتعالى منه في آيات كثيرة، حذرنا من مكره وخداعه، ووسواسه وأتباعه، وعلى الإنسان أن يتخذه عدواً، كما أمرنا الله عز وجل بذلك في قوله تعالى: )إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ( (فاطر: الآية 6)، وقوله تعالى: )أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَابَنِي ءَادَمَ أَنْ لاَ تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ( (يس: الآية 60).

7. قصة قابيل وهابيل

قال الله تعالى: ]وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ ءَادَمَ بِالْحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ(27)لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ(28)إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاؤُاْ الظَّالِمِينَ(29)فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ(30)فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ[(المائدة: الآيات 27-31).

ذكر السدي عن أبي مالك وكثير من الصحابة, أن آدمu كان يزوج ذكر كل بطن بأنثى الآخر، وأن هابيل أراد أن يتزوج بأخت قابيل "إقليما" التي كانت جميلة، فأراد قابيل أن يستأثر بها لنفسه، فأمره آدمu أن يزوجها لأخيه هابيل، فلما أبى ذلك، أمرهما آدمu أن يقربا قرباناً لله، فقرب هابيل جذعة سمينة، وكان صاحب غنم، وقرب قابيل حزمة من زرع من رديء زرعه، فنزلت النار من السماء فأكلت قربان هابيل، وتركت قربان أخيه، فغضب قابيل حسدا منه لأخيه، فكيف يتقبل الله قربان أخيه، ولم يتقبل قربانه، ولما زاد حقد قابيل على أخيه قال له: لأقتلنك، حتى لا تنكح أختي، فقال هابيل: إنما يتقبل الله من المتقين.

وروى ابن عباس من وجه آخر: أن المقتول كان أشد الرجلين ولكن منعه الحرج أن يبسط يده إلى أخيه، وانتهز قابيل الفرصة فرمى أخيه بصخرة فوق رأسه، وهو نائم فقتلته، لقد خشي هابيل من غضب الله عليه إن حاول بسط يده إلى أخيه قابيل ليقتله، كما أراد هو به، لعلمه أنه لو فعل ذلك فسيكون من أصحاب النار وبئس المصير، فقال لقابيل: ]لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ[(المائدة: الآية 28)، ولهذا حذر رسول الله r من قتال المسلمين بعضهم بعضاً، وقد ثبت في الصحيحين عن رسول الله r أنه قال: ]إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ قَالَ إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ{ِ (صحيح البخاري: 6367)، و هذا ما قاله هابيل لأخيه قابيل محذراً من مغبة هذا الفعل الآثم: ]إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوأَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ وَذَلِكَ جَزَاؤُاْ الظَّالِمِينَ[ (المائدة: الآية 29)، أي إني أريد ترك مقاتلتك، وإن كنت أشد منك وأقوى فتبوء بإثمي وإثمك، وهذه هي القاعدة لمن قتل ظلماً، فإن قابيل يكون عليه كفل من هذا الدم لأنه أول من سن ذلك في الأرض، فعن عبد الله t قال: ]قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ[ (صحيح البخاري: 3088).

ونعود إلى موقف قابيل بعد أن قتل أخاه، ففي تلك اللحظة أصابته حسرة وحيرة، ولم يدر ما يصنع بجثة أخيه هابيل! فبعث الله غرابين ليرياه كيف يواري جسد أخيه، قال تعالى: ]فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَابًا يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْءَةَ أَخِيهِ قَالَ يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ[ (المائدة: الآية 31). (اُنظر شكل شجرة أبناء آدم u)

وزادت حسرة قابيل حين رأى فعل الغراب، وأحس بالعجز أمام ما فعله هذا الطير أمامه، فكيف لم يصل فكره إلى هذا الفعل الذي فعله الغراب في الأرض، لقد رأى قابيل غرابين يقتتلان، فقتل أحدهما الآخر، ثم عمد إلى الأرض يحفر فيها, ثم ألقاه ودفنه وواراه في التراب، فلما رأى قابيل ذلك يحدث أمامه من الغراب قال: ]يَاوَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ [(المائدة: الآية 31)، وشرع يفعل ما فعله الغراب ليواري جسد أخيه في التراب، ذُكر أن آدم u حزن على ابنه هابيل حُزناً شديداً بعد قتله.

ثم انتشر الناس بعد ذلك في الأرض، وكثروا فيها وعمروها، قال تعالى: ]َياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً[ (النساء: الآية 1)، وقد ذكر أهل التاريخ أن آدم u لم يمت حتى رأى من ذريته، من أولاده وأولاد أولاده أربعين ألف نسمة، والله أعلم.

قال تعالى: ]هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا[ (الأعراف: الآية 189).

هكذا خلق الله تعالى آدم وحواء ليكونا أصل البشر، وليبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً.

8. وفاة آدم ووصيته لابنه شيث عليهما السلام

شيث هو ابن آدمu وشيث معناها: هبة الله، وسمياه بذلك (أي آدم u وحواء) لأنهما رزقاه بعد أن قُتل هابيل.

قال محمد ابن اسحاق: لما حضرت آدمu الوفاة عهد إلى ابنه "شيث"، فعلمه ساعات الليل والنهار، وعلمه عبادات تلك الساعات، وأعلمه بوقوع الطوفان بعد ذلك، وقال أيضاً: إن أنساب بني آدم اليوم تنتهي كلها إلى "شيث"، وسائر أولاد آدم من غيره انقرضوا وبادوا، والله أعلم.

وتوفي آدمu يوم الجمعة، وجاءته الملائكة بحنوط وكفن من الجنة، وعزوا فيه ابنه ووصيه شيثاًu.

وقال أُبي بن كعب: "إن آدمu لما حضره الموت قال لبنيه إني أشتهي من ثمار الجنة، فذهبوا يطلبون له، فاستقبلتهم الملائكة، ومعهم أكفانه وحنوطه من أجل أنه كان صفي الرحمن، ومعهم الفؤوس، والمساحي، والمكاتل، فقالوا لهم: يا بني آدم ما تريدون وما تطلبون؟ قالوا: أبونا مريض، واشتهى من ثمار الجنة، فقالوا لهم ارجعوا فقد قَضى أبوكم، فجاءوا فلما رأتهم حواء عرفتهم، فلاذت بآدم، فقال: إليك عني، فإنما أتيت من قبلك، فخلي بيني وبين ملائكة ربي عز وجل، فقبضوه وغسّلوه وكفنوه وحنطوه، وحفروا له ولحدوه وصلوا عليه، ثم أدخلوه قبره فوضعوه فيه، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم".

قال ابن جرير الطبري:إن آدمu دُفن في الجبل (نود)، الذي أُهبط فيه في الهند، فلما كان زمن الطوفان حمل نوحu تابوت آدمu حواء في السفينة، وقال ابن عباس فدفنهما في بيت المقدس، وروى ابن عساكر عن بعضهم أنه قال: رأسه عند مسجد إبراهيم ورجلاه عند صخرة بيت المقدس، والله اعلم، وقد ماتت حواء بعده بسنة واحدة، ودُفنت مع زوجها في الغار الذي دُفن به، وكانت وفاة آدمu يوم الجمعة.

أما عن مقدار عمرهu، فقد قال ابن عباس وأبي هريرة: أن عمره اكتتب في اللوح المحفوظ ألف سنة.

فلما مات آدمu، قام بالأمر من بعده ولده "شيث" u، طبقاً لوصية آدمu له وهو في مرضه، وكان نبياً بنص الحديث الذي رواه ابن حبان في صحيحه عن أبي ذر مرفوعاً، أنه أُنزل عليه خمسون صحيفة، ولما توفي شيثu دُفن بالعراق وعهد إلى ابنه "أنوش"، فقام بالأمر من بعده، ثم من بعده ولده "قينين"، ثم من بعده ابنه "مهلاييل"، وهو الذي يزعم الأعاجم من الفرس أنه أول من قطع الأشجار، وبنى الموانئ والحصون الكبار، وأنه هو الذي بنى مدينة بابل ومدينة السوس الأقصى، وكان له تاج عظيم، وكان يخطب الناس، ودامت دولته أربعين سنة، فلما مات قام بالأمر من بعده ولده "يرد"، فلما حضرته الوفاة أوصى إلى ولده "خنوخ" وهو إدريسu على المشهور.

ثانياً: إدريس عليه السلام

هو إدريس بن يارد بن مهلائيل أو (مهلاييل) بن قينان أو (قينن) بن أنوش أو (يانش) بن شيث بن آدمu، واسمه في اللغة العبرية خنوخ، وفى اللغة العربية أخنوخ، قال الله تعالى: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا[ (مريم: الآية 56)، وقال تعالى: ]وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنْ الصَّابِرِينَ [(الأنبياء: الآية 85).

وقد أثنى الله عليه ووصفه بالنبوة والصديقية، وهو في عمود نسب رسول اللهr، على ما ذكره غير واحد من علماء النسب، وكان أول بني آدم أُعطي النبوة بعد "آدم" و"شيث" عليهما السلام، وأول من خاط الثياب، وأول من لبس المخيط، وأول من نظر في علم النجوم والحساب وسيرها.

وقد رفعه الله مكاناً علياً لقوله تعالى: )وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا( (مريم : الآية 57) قيل في السماء الرابعة، لحديث أنس بن مالك عن رسول اللهr قال:) لَمَّا عُرِجَ بِي رَأَيْتُ إِدْرِيسَ فِي السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ( (سنن الترمذي: 3082)، وقد ذكر ابن اسحاق أنه أول من خط بالقلم، وقد أدرك من حياة آدمu ثلاثمائة سنة وثمان سنين، وقد قال طائفة من الناس: إنه المشار إليه في حديث معاوية بن الحكم السُّلَمي لما سأل رسول الله r عن الخط بالرمال، فقال: ]كَانَ نَبِيٌّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ يَخُطُّ فَمَنْ وَافَقَ خَطَّهُ فَذَاكَ[ (صحيح مسلم: 836).

وذكرت بعض الكتب أن إدريسu ولد ببابل وبها نشأ، وأنه أخذ في أول عمره يتُعلم من "شيث" بن "آدم"، ولما كبر إدريسu آتاه الله النبوة، فنهى المفسدين من بني آدم عن مخالفتهم شريعة آدم وشيث عليهما السلام، فأطاعه أقلهم وخالفه جلهم، فنوى الرحلة عنهم وأمر بذلك من أطاعه منهم، فثقل عليهم الرحيل عن أوطانهم، فقالوا له وأين نجد إذا رحلنا مثل بابل، وكأنهم عنوا بذلك دجلة والفرات، فقال إذا هاجرنا لله رزقنا غيرها، فخرج وخرجوا وساروا إلى أن دخلوا هذا الإقليم الذي سُمي بابليون، فرأوا النيل ورأوه وادياً خالياً من ساكن، فوقف على النيل وسبح لله وسمى هذا الإقليم بابليون، وسارت كل الأمم على ذلك، إلا العرب فإنهم يسمونه إقليم مصر نسبة إلى مصر بن حام الذي أقام به بعد الطوفان، (اُنظر خريطة بعثة إدريس u).

1. صورة "هرمس الهرامسة" إدريس عليه السلام

كان رجلاً آدم[2] تام القامة، أجلح[3] حسن الوجه، كث اللحية[4]، مليح الشمائل[5] والتخاطيط[6]، تام الباع[7], عريض المنكبين، ضخم العظام قليل اللحم، براق العينين أكحلهما، متأنياً في كلامه كثير الصمت، ساكن الأعضاء، إذا مشى أكثر نظره إلى الأرض, كثير الفكرة به عبسة، وإذا اغتاظ احتد، يحرك سبابته إذا تكلم، وكان على فص خاتمه (الصبر مع الإيمان بالله يورث الظفر)، وعلى المنطقة[8] التي يلبسها (الأعياد في حفظ الفروض، والشريعة في تمام الدين، وتمام الدين كمال المروءة)، وعلى المنطقة التي يلبسها وقت الصلاة على الميت (السعيد من نظر لنفسه، وشفاعته عند ربه أعماله الصالحة) وكانت مدة مقامه في الأرض اثنتين وثمانين سنة.

2. أمثلة لمواعظ إدريس عليه السلام لقومه

كانت له مواعظ وآداب استخرجتها كل فرقة بلسانها تجري مجرى الأمثال والرموز، نذكر بعضها.

فمن ذلك قوله (لن يستطيع أحد أن يشكر الله على نعمه بمثل الإِنعام على خَلْقِه)، وقالu (من أراد بلوغ العلم وصالح العمل فليترك ما في يده أداء الجهل وسيئ العمل، كما ترى الصانع الذي يعرف الصنائع كلها إذا أراد الخياطة أخذ آلتها وترك آلة النجارة، فحب الدنيا وحب الآخرة لا يجتمعان في قلب أبداً)، وقالu (خير الدنيا حسرة وشرها ندم)، وقالu (إذا دعوتم الله سبحانه فأخلصوا النية وكذا الصيام والصلوات فافعلوا)، وقالu (لا تحلفوا كاذبين ولا تهجوا على الله سبحانه باليمين، ولا تُحلفوا الكاذبين فتشاركوهم في الإثم)، وقالu (تجنبوا المكاسب الدنيئة)، وقال (أطيعوا لملوككم واخضعوا لأكابركم واملأوا أفواهكم بحمد الله)، وقالu (حياة النفس الحكمة)، وقالu (لا تحسدوا الناس على مواتاة الحظ فإن استمتاعكم به قليل)، وقالu أيضاً (من تجاوز الكفاف لم يغنه شيء).

وجميع العلوم التي ظهرت قبل الطوفان إنما صدرت عن "هرمس الأول" الساكن بصعيد مصر الأعلى، وقالوا إنه أول من بنى الهياكل ومجد الله فيها، وأول من نظر في علم الطب، وألف لأهل زمانه قصائد موزونة في الأشياء الأرضية والسماوية، وقالوا: إنه أول من أنذر بالطوفان، فخاف ذهاب العلم ودروس الصنائع فبنى الأهرام في صعيد مصر الأعلى, وصور فيها جميع الصناعات والآلات, ورسم فيها صفات العلوم حرصاً منه على تخليدها لمن بعده، خيفة أن يذهب رسمها من العالم.



[1] عبارة التكوين: فأوقع الإله الرب سباتاً على آدم فنام، فأخذ واحدة من أضلاعه وملأ مكانها لحماً(22)وبنى الرب الإله الضلع التي أخذها من آدم امرأة وأحضرها إلى آدم(23)فقال آدم هذه الآن عظم من عظامي ولحم من لحمي تُدعى امرأة لأنها من امرئ. (أخذت من الإصحاح الثاني ـ تكوين).

[2]  آدم: شديد السمرة.

[3]  أجلح: أصلع.

[4] كث اللحية: كثيف اللحية.

 [5] الشمائل: السمات.

 [6] التخاطيط: شكل الوجه.

 [7] الباع: الخلقة.

[8] المنطقة: الحلة أو الرداء.