إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1

المبحث الرابع

هود وصالح عليهما السلام

أولاً: هودu

هو هود بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوحu، وهو من قبيلة يُقال لها عاد، وقد ذُكر اسم هودu في القرآن الكريم سبع مرات, في سور (الأعراف, هود, الشعراء).

عن ابن عباس: أن هوداًu كان أول من نطق بالعربية بعد آدمu, لأن هوداًu كان من قبيلة عاد, وهذه القبيلة من العرب العاربة التي تتحدث بالعربية، أما العرب المستعربة فهم ولد إسماعيل بن إبراهيم الخليل، وكان إسماعيل بن إبراهيم عليهما السلام هو أول من تكلم بالعربية الفصيحة البليغة، حيث كان قد أخذ كلام العرب من "جُرهم" الذين نزلوا عند أمه هاجر بالحرم.

لما دارت عجلة الزمن بعد الطوفان الذي غرق فيه قوم نوح، لم يكن على وجه الأرض من البشر غير المؤمنين, ومرت سنوات وسنوات، مات الآباء والأبناء، ونسى الناس وصية نوحu, وعادت عبادة الأصنام مرة أخرى، فقد أراد الأحفاد تخليد ذكرى أجدادهم الذين نجاهم الله من الطوفان، فصنعوا لهم تماثيل تخليداً لذكراهم، ثم تحول الأمر بعد ذلك إلى عبادة تلك التماثيل, وهكذا عادت الأرض تشكو من الظلام مرة أخرى، فأرسل الله هوداًu إلى قومه (عاد) نبياً لهم.

وقوم هود هم من أقدم الأمم وجوداً وآثاراً، فهم خلفاء قوم نوحu، قال تعالى: ]وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ[ (الأعراف: الآية 69), وقبيلة عاد هذه كانت تسكن في مكان يُسمى "الأحقاف"، وهو في صحراء ممتلئة بجبال من الرمال، في منطقة بين عمان وحضرموت، وشمالها الربع الخالي، وتطل على بحر العرب (اُنظر خريطة بعثة هودu)، ذكر ابن تيمية أنهم كانوا ثلاث عشرة قبيلة، وكانت ديارهم أخصب البلاد وأكثرها جناناً.

أما مساكنهم فكانت خياماً كبيرة, لها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، قال تعالى: ]أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6)إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7)الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ[ (الفجر: الآيات 6-8)، وكانوا أعظم أهل زمانهم في قوة الأجسام والطول والشدة والبطش، يتباهون بقوتهم ويقولون من أشد منا قوة، قال تعالى عنهم: ]فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً[ (فصلت: الآية 15)،فقد كانوا عمالقة أقوياء شديدي البأس، ولهم في الخلق بسطة، قال تعالى: ]وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً[ (الأعراف: الآية 69)، وعلى الرغم من ضخامة أجسامهم, كانت لهم عقول مظلمة, فهم يعبدون الأصنام ويدافعون عنها ويحاربون من أجلها، فقد كانوا عرباً جفاة متمردين عُتاة يعبدون الأصنام كافرين بالله، فبعث الله نبيهم هوداًu يدعوهم إلى عبادة الله الواحد القهار.

1. دعوة هود عليه السلام لقومه

أخذت دعوة هودu لقومه أسلوب الحوار الهادئ، قال تعالى: ]وَإِلَى عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ أَفَلا تَتَّقُونَ(65)قَالَ الْمَلأ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ إِنَّا لَنَرَاكَ فِي سَفَاهَةٍ وَإِنَّا لَنَظُنُّكَ مِنَ الْكَاذِبِينَ(66)قَالَ يَاقَوْمِ لَيْسَ بِي سَفَاهَةٌ وَلَكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ(67)أُبَلِّغُكُمْ رِسَالاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ(68)أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا ءَالاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(69)قَالُوا أَجِئْتَنَا لِنَعْبُدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَنَذَرَ مَا كَانَ يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(70)قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ أَتُجَادِلُونَنِي فِي أَسْمَاءٍ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَءَابَاؤُكُمْ مَا نَزَّلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ(71)[ (الأعراف: الآيات 65-71).

قال لهم بهدوء تام (انتظروا إني معكم من المنتظرين)، كان هودu يدعو قومه وينذرهم ويحذرهم من بأس الله، ويضرب لهم المثل بقوم نوح الذين أهلكهم الله من قبلهم، ويذكرهم بنعم الله تعالى عليهم، إذ جعلهم خلفاء من بعدهم، وزادهم في الخلق بسطة, وعليهم أن يستعملوا عقولهم ليتبينوا أن ما يعبدون من دون الله لا تنفعهم ولا تضرهم، وما هي إلا تماثيل اتخذوها آلهة من دون الله، وإن هي إلا أسماء سموها هم وأباؤهم ما أنزل الله بها من سلطان.

لقد كان هودu يدعو قومه بالعقل والمنطق، فهو يعرف أفضل الأساليب التي تؤثر في قلوب قومه، لذلك خاطبهم بما يعرفونه لعلهم إلى ربهم يرجعون، فقال لهم: ]أَلا تَتَّقُونَ(124)إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ(125)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(126)وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ(127)أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ(128)وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129)وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130)فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ(131)[ (الشعراء: الآيات 124-131). قال لهم هودu إن الله قد أرسله إليهم، وهو أمين عليهم، يقدم النصح دون أن يسألهم على ذلك أجرا، يأمرهم بتقوى الله وطاعته، ويحذرهم من عقابه، وينذرهم عذاب يوم عظيم إن ظلوا على حالهم هذا من الكفر والعبث، فقد كانوا يبنون بنايات ضخمة بغرض إظهار قوتهم عبثاً دون حاجة إليها، وهذا من باب العبث واللهو، كما أنهم لا يؤمنون بالآخرة ولهذا فإنهم يبنون بروجاً مشيدة ليسكنوا فيها كأنهم خالدون، وإذا بطشوا بطشوا جبارين بغير رأفة ولا رحمة ولا شفقة، قال لهم هودu موضحاً لهم تلك البلايا: )أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ ءَايَةً تَعْبَثُونَ(128)وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ(129)وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ(130( (الشعراء: الآيات 128- 130).

أخذ يعظهم ويذكرهم بربهم الذي أمدهم بما يعلمون، بما يشاهدون ويلمسون، ويذكرهم بربهم الذي أمدهم بأنعام وبنين، وجنات وعيون لعلهم إليه يرجعون، قال هودu: )وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ بِمَا تَعْلَمُونَ(132)أَمَدَّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ(133)وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(134)إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(135) [(الشعراء: الآيات 132-135). لكنهم رفضوا هذا النصح، وهذا الوعظ، وكذبوا بعذاب الله الذي حذرهم منه، وقالوا: )سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوَاعِظِينَ(136)إِنْ هَذَا إِلاَّ خُلُقُ الأَوَّلِينَ(137)وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ(138)( (الشعراء: الآيات 136-138)، وازداد قومه تجبراً وكبراً وعناداً, وقالوا ما نحن بتاركي آلهتنا, وما نحن لك بمصدقين, لأن ما نفعله قد ورثناه عن آبائنا وأجدادنا: ]يَاهُودُ مَا جِئْتَنَا بِبَيِّنَةٍ وَمَا نَحْنُ بِتَارِكِي ءَالِهَتِنَا عَنْ قَوْلِكَ وَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ[ (هود: الآية 53).

وازداد قوم هودu تكذيباً له ووصفوه بالجنون, وقالوا: لقد اعتراك بعض آلهتنا بسوء، فأصبت بالجنون، وظنوا أنهم بذلك، أي باتهامهم إياه بالجنون، سينصرف الناس عنه، قالوا: )إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَرَاكَ بَعْضُ ءاَلِهَتِنَا بِسُوءٍ( (هود: الآية 54).

سمع هودu ذلك فتيقن أنه لا فائدة من نصحهم، فأشهد الله تعالى عليهم، كما أشهدهم على نفسه بأنه برئ من تلك الآلهة التي يعبدونها من دون الله، وتحداهم بأن يكيدوا له، هم وآلهتهم دون أن ينظروه، وقال: ]إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ(54)مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ[ (هود: الآيتان 55,54)، قال لهم هذا وهو يعلم وجه المقارنة بين المؤمنين وبينهم، فالمؤمنين قلة ضعفاء، بينما هم أقوياء جبابرة، وعلى الرغم من ذلك يعلم من الله علم اليقين أنهم لن يستطيعوا أن يمسوه بسوء, وهو يستند في هذا إلى قوة الله تعالى وقدرته، بعد أن توكل عليه حق توكله، فالله ناصره هو والذين آمنوا معه لا محالة، وإليه عاقبة الأمور، وقال هودu: ]إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلاَّ هُوَ ءَاخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا[ (هود: الآية 56)، وذلك ليقينه بأن الله سينصر المؤمنين ويهلك الجبابرة الكافرين.

2. كيف أهلك الله قوم عاد

حينما كذبوا هوداًu وكانوا كثرة، نفذ الله وعده لنبيهu فأهلكهم كما وعد، قال تعالى: )فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْنَاهُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ(139)وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ( (الشعراء: الآيتان 139، 140).

لقد استخفوا بنبيهمu وبتحذيره، نسوا قوله: ]إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ[ (الأعراف: الآية 59)، وتحدوه ولم يبالوا بهذا الإنذار وهذا التحذير وقالوا: ]أَجِئْتَنَا لِتَأْفِكَنَا عَنْ ءَالِهَتِنَا فَأْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنْ الصَّادِقِينَ[ (الأحقاف: الآية 22) أي ائتنا بعقاب الله هذا الذي تهددنا به إن كنت من الصادقين، كان ردهم هذا بسبب استبعادهم حدوث العذاب الذي وعدهم هوداًu إياه.

فلما جاء أمر الله، أرسل عليهم سحاباً يستقبل أوديتهم ظاهره فيه الرحمة وباطنه فيه عذابهم وهلاكهم، فلما رأوه مستقبل أوديتهم ظنوا أنه عارض (سحاب) يحمل مطراً لهم، ففرحوا به فرحاً شديداً، واستبشروا به لحاجتهم لهذا المطر، إلا انه كان فيه عذاب أليم لهم من عند ربهم، قال تعالى: ]فَلَمَّا رَأَوْهُ عَارِضًا مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قَالُوا هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيهَا عَذَابٌ أَلِيمٌ(24)تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا فَأَصْبَحُوا لا يُرَى إِلاَّ مَسَاكِنُهُمْ كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ[ (الأحقاف: الآيتان 24، 25).

هكذا جاء وعد الله بإهلاكهم فأهلكهم، إن هؤلاء القوم الذين سخروا من نبيهم ولم يصدقوه، أهلكهم الله جميعاً بعذاب من السماء، بعد أن سخروا من نبيهم وقالوا: (إئتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين)، لقد أرسل الله عليهم عارضاً فيه عذاب أليم، وأرسل عليهم ريحاً صرصراً عاتية، سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوماً (متواصلة)، قال تعالى: ]وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ(6)سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ(7)فَهَلْ تَرَى لَهُمْ مِنْ بَاقِيَةٍ(8)[ (الحاقة: الآيات 6-8).

كانت الريح قوية وشديدة، تدخل من أفواههم فتخرج من أدبارهم مخرجة ما بداخل أجسادهم، فأصبحوا صرعى، أجسادهم كأعجاز نخل خاوية، فهل ترى لهم من باقية، إنه العذاب الذي يأتي الظالمين، عقاباً لهم من الله في الحياة الدنيا، ولعذاب الآخرة أشد لو كانوا يعلمون، ولقد شبه القرآن أجساد الهالكين من قوم عاد، بأنها كأعجاز نخل منقعر خاوية، قال تعالى: )إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ(19)تَنزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ(20)فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(21)( (القمر: الآيات 19-21)، وهذا دليل على أن الريح كانت شديدة للغاية لِدرجة لا يتحملها الجسد، فينقعر ويتقوس في مواجهة هذه الريح العنيف، ثم يفرغ ما في داخله فيصبح كأعجاز النخل الخاوية، إن تلك الريح العجيبة، سماها الله بالريح العقيم، كانت لا تترك من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، قال تعالى: )وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الرِّيحَ الْعَقِيمَ(41)مَا تَذَرُ مِنْ شَيْءٍ أَتَتْ عَلَيْهِ إِلاَّ جَعَلَتْهُ كَالرَّمِيمِ(42)( (الذاريات: الآيتان41، 42)، فأي ريح هذه؟!!، إنها أساليب ووسائل وأدوات إهلاك لا يتصورها البشر، أساليب ووسائل وأدوات إهلاك غير مألوفة للناس، إنها من صنع الله ذي البطش الشديد!!، الذي يزلزل الجبال ويفجر البراكين، ويرسل بالطوفان والريح العقيم.

وعلى الجانب الآخر وعد الله بنجاة هودu ومن آمن معه فتحقق وعده لهم، فنجى الله تعالى هوداًu والذين آمنوا معه، ولم يذكر القرآن كيف نجاهم الله من هذه الريح المخيفة، لكن من المؤكد أنها لم تمسهم، فتلك الريح العقيم لا تترك من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم, فلو كانت مستهم لهلكوا، لكن الله نجاهم بأسلوب لا يعلمه إلا هو، وما يهمنا هو تحقق النجاة للمؤمنين على الرغم من الهلاك المحقق للكافرين، قال تعالى: ]وَلَمَّا جَاءَ ءاَمْرُنَا نَجَّيْنَا هُودًا وَالَّذِينَ ءاَمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَنَجَّيْنَاهُمْ مِنْ عَذَابٍ غَلِيظٍَ[ (هود: الآية 58).

عن ابن عباس أن رسول اللهr قال: ]نُصِرْتُ بِالصَّبَا وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ[ (صحيح البخاري: 977)، حيث كانت تلك الريح العاتية الصرصر الباردة شديدة الهبوب، تلاحق الكافرين من قوم عاد أينما كانوا فلا تترك منهم أحداً، بل كانت تتبعهم حتى تدخل عليهم كهوف الجبال والمغارات والبيوت فتلفهم وتخرجهم وتهلكهم، وما كانوا ليظنوا ذلك من قبل، أو ليسوا هم الذين قالوا من قبل من أشد منا قوة ؟!!، فأراهم الله الذي خلقهم أنه أشد منهم قوة!!.

عن عائشة رضي الله عنها، عن رسول اللهe قالت:)كَانَ إِذَا رَأَى غَيْمًا أَوْ رِيحًا عُرِفَ ذَلِكَ فِي وَجْهِهِ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَى النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْغَيْمَ فَرِحُوا رَجَاءَ أَنْ يَكُونَ فِيهِ الْمَطَرُ وَأَرَاكَ إِذَا رَأَيْتَهُ عَرَفْتُ فِي وَجْهِكَ الْكَرَاهِيَةَ، قَالَتْ: فَقَالَ: يَا عَائِشَةُ مَا يُؤَمِّنُنِي أَنْ يَكُونَ فِيهِ عَذَابٌ قَدْ عُذِّبَ قَوْمٌ بِالرِّيحِ وَقَدْ رَأَى قَوْمٌ الْعَذَابَ فَقَالُوا: }هَذَا عَارِضٌ مُمْطِرُنَا{ (الأحقاف: الآية 24){ (أخرجه مسلم: 1497).

قال تعالى: ]فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْنَاهُمْ غُثَاءً فَبُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ[ (المؤمنين: الآية 41). ويقول أهل حضرموت: إن هوداًu سكن بلاد حضرموت بعد هلاك عاد إلى أن مات ودُفن في شرقي بلادهم على مسافة قريبة من مدينة "تريم" قرب "وادي برهوت"، وقد قيل عن عليّ كرم الله وجهه أنه مدفون في كُثيب أحمر وعند رأسه سُمرة في حضرموت، وذكر آخرون أنه بدمشق، والله أعلم.

هذه قصة جحود قوم عاد مع نبيهم هودu، وهي من القصص التي يلفت الله بها انتباه الناس إلى عاقبة الكافرين، الذين يظنون أنهم أشد قوة وبأساً على الناس في الأرض، وهى تحذير لكل من يستخف بقوة الله وبطشه وعقابه، وهى أيضاً إنذار لعاقبة كل من يبطش بالناس بطش الجبارين، ويذكر الله الناس بما فعل بقوم عاد فيقول سبحانه وتعالى: )أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6)إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7)الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلاَدِ(8)( (الفجر: الآيات6-8).

ثانياً: صالحu

هو صالحu بن عبيد بن ماسح بن عبيد بن حادر بن ثمود بن عاثر بن إرم بن نوح، ذكر اسم صالحu في القرآن الكريم تسع مرات، في سور (الأعراف, هود, الشعراء، النمل).

وثمود هم قبيلة صالحu، سُميت باسم جدهم ثمود بن عاثر, وكانوا عرباً من العاربة يسكنون "الحجر" بين الحجاز وتبوك في منطقة 380 كم شمال غرب المدينة المنورة على بحر القلزم (اُنظر خريطة بعثة صالح u).

وقوم ثمود جاءوا بعد قوم عاد، لقوله تعالى: ]وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عاد[ (الأعراف: الآية 74), وهم من أقدم الأمم وجوداً وآثاراً في الأرض، كانوا يتخذون من السهول قصوراً وينحتون من الجبال بيوتاً: ]وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا[ (الأعراف: الآية 74). (اُنظر صورة نحت في الجبل)

وقد تكررت قصة عذاب قوم عاد بشكل آخر مع قوم ثمود، على الرغم من إنها كانت قبيلة تعبد الأصنام أيضاً، وأرسل الله إليهم نبيهم صالحاًu يدعوهم إلى عبادة الله وحده وترك عبادة الأصنام، فقال: ]يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ[ (هود: الآية 61) الكلمة التي يقولها كل نبي لقومه لا تتبدل ولا تتغير, فأحدثت دعوته هذه هزة كبيرة في هذا المجتمع، وكان صالحu معروفاً بالحكمة والنقاء وفعل الخيرات، وكان قومه يحترمونه ويقدرونه قبل أن يوحي إليه الله ويُرسله إليهم.

ورثوا صناعة البناء من قوم عاد, ومساكنهم ما زالت موجودة حتى الآن تُسمى مدائن صالح، قال تعالى: ]وَقَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنْ مَسَاكِنِهِمْ [(العنكبوت: الآية 38)، والمكان الذي فيه ديارهم يُعرف اليوم (بفج الناقة), وحِجر ثمود في الجنوب الشرقي من أرض مدين وهي على خليج العقبة، وقد حذقوا النحت وفن العمارة فنحتوا بيوتهم في الجبال, وبعضها بنوها بصخورها، قيل إن ديار ثمود كانت من مستعمرات عاد،، فثمود هم الذين ورثوا حكم الأرض بعد عاد، وعلى الرغم مما أنعم الله به عليهم لكنهم لم يتعظوا بما حدث لعاد من قبلهم، وآثروا الكفر على الإيمان, فبعث الله صالحاًu إليهم يدعوهم، ويحذرهم من عقاب الله لهم إن أصروا على كفرهم بالله وتمادوا في غيهم، فاستجابت له طائفة من قومه وكفرت طائفة أخرى.

وتمادت الطائفة التي كفرت من قومه وتعنتت!!، فطالبوه أن يأتيهم بمعجزة أو بآية تبين صدق ما يقول, فبعث الله لهم ناقة ضخمة لم يروا مثلها, أخرجها لهم من صخرة كبيرة، وكانت الناقة سوداء الحدق, حمراء الوبر, تشرب يوماً ويشربون يوماً، قال تعالى: ]لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ[ (الشعراء: الآية 155)، فكانت لهم آية من ربهم، ولما رآوها وعاينوها، حذرهم صالحu بألا يمسوها بسوء وإلا حل عليهم عذاب من ربهم قريب، وأمرهم أن يتركوها تأكل في أرض الله، ولا يمسوها بأي سوء, وإلا حلت عليهم لعنة من عند الله.

اتخذوا كلام صالحu لعباً وهزواً وكذبوه، ظناً منهم أن ما يقوله صالحu لهم لن يحدث مطلقاً ولن يتحقق، فعقروها مخالفين بذلك أمر الله فيها، ولم يكتفوا بذلك بل هموا بقتل صالحu نفسه بعد أن قتلوها, فأخذهم الله بذنوبهم أخذ عزيز مقتدر، قال تعالى: ]وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ(61)قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ ءَابَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(62)قَالَ يَاقَوْمِ أَرَءَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَءَاتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنْصُرُنِي مِنَ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُه ُفَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ(63)وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ ءَايَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64) [(هود: الآيات 61-64).

قيل إن الذي تولى قتلها منهم هو رئيسهم: قدار بن سالف بن جندع، وهو أحد التسعة الذين قال عنهم الله سبحانه وتعالى: ]وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ[ (النمل: الآية 48)، كان هؤلاء في المدينة يفسدون في الأرض ولا يصلحون، وكانوا من كبراء القوم ورؤسائهم، كانوا أصحاب المشورة في عقر الناقة التي حذرهم صالحu من قتلها، وقد ذكر بعضهم أسماءهم فقال ابن عباس إن التسعة هم: (دعمى ودعيم وهرما وهريم وداب وصواب ورباب ومصرع وقدار بن سالف) وقيل أن الأخير هو الذي باشر عقرها بيده، وقد أخبر القرآن عنه كناية باسم (صاحبهم)، في قوله تعالى: ) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ( (القمر: الآية 29)، وكذلك باسم (أشقاها)، في قوله تعالى: ]إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا[ (الشمس: الآية 12).

انطلق هؤلاء الأشقياء يرصدون الناقة، فلما صدرت من وردها, كَمَنَ لها "مصرع" فرماها بسهم فأصاب عضلة ساقها, وجاء النساء يزمرن ترغيبا للقبيلة في قتلها، فسارع "مصرع وقدار بن سالف، وبعض من سفهاء القوم لعنهم الله إلى الإجهاز عليها، وكان أسرعهم "قدار بن سالف"، فقد شد عليها بالسيف فكشف عن عرقوبها فخرت ساقطة, ورغت رغاة واحدة عظيمة، ثم طعنها في لبتها، فصعدت جبلاً منيعاً ورغت ثلاث مرات حتى ماتت.

قال عبد الله بن زمعة: )سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا يَذْكُرُ النَّاقَةَ وَالَّذِي عَقَرَهَا فَقَالَ (إِذِ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا) انْبَعَثَ لَهَا رَجُلٌ عَارِمٌ عَزِيزٌ مَنِيعٌ فِي رَهْطِهِ مِثْلُ أَبِي زَمْعَةَ( (سنن الترمذي: 3266).

رغت الناقة ثلاث مرات قبل موتها، فلم يحدث لقومه شيئاً، فتشككوا في شأن العذاب الواقع عليهم والذي حذرهم منه نبيهم صالحu، فهاهم قد عقروا الناقة، ولم يحدث لهم شيء مما كان يقول صالحu، لذا سخروا منه وقالوا: )يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ[ (الأعراف: الآية 77).

كان الله قد أعلم صالحاًu بأن عقاب قومه سيأتيهم بعد ثلاثة أيام، فلما رأى صالحu استعجال قومه للعذاب وتهكمهم به قال لقومه: )تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ( (هود: الآية 65)، فلما جاء موعدهم نجَّى الله صالحاًu والذين آمنوا معه برحمته، وأنقذهم من خزي ذلك اليوم، بينما أخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين، قال تعالى: )فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ ءَامَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(66)وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ(67) كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلا إِنَّ ثَمُودَاْ كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلا بُعْدًا لِثَمُودَ( (هود: الآيات 66-68)،أخذتهم الصيحة، كما أخذتهم أيضاً الرجفة[1]، لقوله تعالى: )فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ( (الأعراف: الآية 78)، هكذا أهلكهم الله بالصيحة والرجفة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.

كان الله يملي لهم وهم لا يشعرون، كانوا يمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، قال تعالى: ]وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ(50)فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ(51)فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لأيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(52)وَأَنْجَيْنَا الَّذِينَ ءَامَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ[ (النمل: الآيات 50-53). فلما كان صبيحة يوم الهلاك تحنطوا وتأهبوا وقعدوا ينتظرون ماذا يحل بهم من العذاب والنِكال والنقمة، لا يدرون ماذا يُفعل بهم! ولا من أي جهة يأتيهم العذاب، فهذا هو اليوم الذي حدده لهم صالحu لنزول العذاب. فلما أشرقت الشمس, جاءتهم صيحة من السماء، قال تعالى: }إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ {(القمر: الآية 31), وجاءتهم رجفة من تحت أقدامهم، ففاضت أرواحهم وزهقت نفوسهم، وسكنت حركاتهم، وخشعت أصواتهم، وحقت الحقائق التي كانت غائبة عنهم، فأصبحوا في دارهم جاثمين، جثثاً هامدةً لا أرواح فيها ولا حراك: }فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {(الأعراف: الآية 78).

وفى الحديث الذي يبين إهلاك الكافرين من قوم صالحu عن آخرهم، قال جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام: )لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِe بِالْحِجْرِ قَالَ: لاَ تَسْأَلُوا الآيَاتِ وَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا فَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا فَعَقَرُوهَا فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ أَهْمَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ إِلاَّ رَجُلاً وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، قِيلَ: مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: هُوَ أَبُو رِغَالٍ فَلَمَّا خَرَجَ مِنَ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ( (مسند أحمد: 13644).



[1]  هزة شديدة وعذاب يفاجئهم يقضى عليهم ولا يمكنهم النجاة منه