إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1

المبحث السادس

من بناء البيت الحرام حتى وفاة إبراهيمu

أولاً: بناء البيت الحرام

بعد زواج إسماعيلu وموت أمه هاجر رضي الله عنها، حضر إبراهيمu إلي إسماعيلu ليطالع تركته، فلم يجده في بيته، فسأل زوجته عن أحوالهما، فأجابته إجابة لم يرتح لها، وترك رسالة معها لتبلغها إلى زوجها إسماعيلu عند عودته، وكانت تلك الرسالة تعنى طلاقها، فلما طلقها وتزوج غيرها، أتى إسماعيلu مرة أخرى فلم يجده، فسأل زوجته عن أحوالهما، فأجابته إجابة سر لها، ثم ترك رسالة معها لإسماعيلu تعني وجوب تمسكه بها وعدم تطليقها مثلما حدث لزوجته السابقة، ثم بدأ إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام في رفع القواعد من البيت.

وفى ذلك قال ابن عباس رضي الله عنه: )فَجَاءَ إِبْرَاهِيمُ بَعْدَمَا تَزَوَّجَ إِسْمَاعِيلُ يُطَالِعُ تَرِكَتَهُ فَلَمْ يَجِدْ إِسْمَاعِيلَ فَسَأَلَ امْرَأَتَهُ عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا ثُمَّ سَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِشَرٍّ نَحْنُ فِي ضِيقٍ وَشِدَّةٍ فَشَكَتْ إِلَيْهِ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَقُولِي لَهُ يُغَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ كَأَنَّهُ آنَسَ شَيْئًا فَقَالَ هَلْ جَاءَكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ جَاءَنَا شَيْخٌ كَذَا وَكَذَا فَسَأَلَنَا عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ وَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا فِي جَهْدٍ وَشِدَّةٍ قَالَ فَهَلْ أَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ أَمَرَنِي أَنْ أَقْرَأَ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَقُولُ غَيِّرْ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَقَدْ أَمَرَنِي أَنْ أُفَارِقَكِ الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَطَلَّقَهَا وَتَزَوَّجَ مِنْهُمْ أُخْرَى فَلَبِثَ عَنْهُمْ إِبْرَاهِيمُ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ أَتَاهُمْ بَعْدُ فَلَمْ يَجِدْهُ فَدَخَلَ عَلَى امْرَأَتِهِ فَسَأَلَهَا عَنْهُ فَقَالَتْ خَرَجَ يَبْتَغِي لَنَا قَالَ كَيْفَ أَنْتُمْ وَسَأَلَهَا عَنْ عَيْشِهِمْ وَهَيْئَتِهِمْ فَقَالَتْ نَحْنُ بِخَيْرٍ وَسَعَةٍ وَأَثْنَتْ عَلَى اللَّهِ فَقَالَ مَا طَعَامُكُمْ قَالَتِ اللَّحْمُ قَالَ فَمَا شَرَابُكُمْ قَالَتِ الْمَاءُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لَهُمْ فِي اللَّحْمِ وَالْمَاءِ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ يَوْمَئِذٍ حَبٌّ وَلَوْ كَانَ لَهُمْ دَعَا لَهُمْ فِيهِ قَالَ فَهُمَا لَا يَخْلُو عَلَيْهِمَا أَحَدٌ بِغَيْرِ مَكَّةَ إِلَّا لَمْ يُوَافِقَاهُ قَالَ فَإِذَا جَاءَ زَوْجُكِ فَاقْرَئِي عَلَيْهِ السَّلَامَ وَمُرِيهِ يُثْبِتُ عَتَبَةَ بَابِهِ فَلَمَّا جَاءَ إِسْمَاعِيلُ قَالَ هَلْ أَتَاكُمْ مِنْ أَحَدٍ قَالَتْ نَعَمْ أَتَانَا شَيْخٌ حَسَنُ الْهَيْئَةِ وَأَثْنَتْ عَلَيْهِ فَسَأَلَنِي عَنْكَ فَأَخْبَرْتُهُ فَسَأَلَنِي كَيْفَ عَيْشُنَا فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّا بِخَيْرٍ قَالَ فَأَوْصَاكِ بِشَيْءٍ قَالَتْ نَعَمْ هُوَ يَقْرَأُ عَلَيْكَ السَّلَامَ وَيَأْمُرُكَ أَنْ تُثْبِتَ عَتَبَةَ بَابِكَ قَالَ ذَاكِ أَبِي وَأَنْتِ الْعَتَبَةُ أَمَرَنِي أَنْ أُمْسِكَكِ ثُمَّ لَبِثَ عَنْهُمْ مَا شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ جَاءَ بَعْدَ ذَلِكَ وَإِسْمَاعِيلُ يَبْرِي نَبْلًا لَهُ تَحْتَ دَوْحَةٍ قَرِيبًا مِنْ زَمْزَمَ فَلَمَّا رَآهُ قَامَ إِلَيْهِ فَصَنَعَا كَمَا يَصْنَعُ الْوَالِدُ بِالْوَلَدِ وَالْوَلَدُ بِالْوَالِدِ ثُمَّ قَالَ يَا إِسْمَاعِيلُ إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي بِأَمْرٍ قَالَ فَاصْنَعْ مَا أَمَرَكَ رَبُّكَ قَالَ وَتُعِينُنِي قَالَ وَأُعِينُكَ قَالَ فَإِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أَبْنِيَ هَا هُنَا بَيْتًا وَأَشَارَ إِلَى أَكَمَةٍ مُرْتَفِعَةٍ عَلَى مَا حَوْلَهَا قَالَ فَعِنْدَ ذَلِكَ رَفَعَا الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ فَجَعَلَ إِسْمَاعِيلُ يَأْتِي بِالْحِجَارَةِ وَإِبْرَاهِيمُ يَبْنِي حَتَّى إِذَا ارْتَفَعَ الْبِنَاءُ جَاءَ بِهَذَا الْحَجَرِ فَوَضَعَهُ لَهُ فَقَامَ عَلَيْهِ وَهُوَ يَبْنِي وَإِسْمَاعِيلُ يُنَاوِلُهُ الْحِجَارَةَ وَهُمَا يَقُولَانِ (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) قَالَ فَجَعَلَا يَبْنِيَانِ حَتَّى يَدُورَا حَوْلَ الْبَيْتِ وَهُمَا يَقُولَانِ (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) ((صحيح البخاري: 3113).

قال تعالى: )وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنْ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ( (البقرة: الآية 127)، لقد بذل إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام وحدهما جهداً يعجز عن محاكاته آلاف الرجال، فأي جهد شاق بذله النبيان وحدهما في رفع قواعد البيت؟!، وقد غاصت قدما إبراهيمu في الحجر وتركتا آثارها فيه من عظم ثقله، ولقد ظل هذا الحجر ملصقاً بجدار الكعبة حتى أيام عمر بن الخطاب، ومن تزاحم الناس عليه، لرؤيته والتبرك به، والصلاة خلفه، ومع اشتداد حركة الطائفين، أمر عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، بعد مشورة الصحابة الكرام بوضعه في المكان الذي يراه الناس الآن، وهو ما نسميه بمقام إبراهيمu بجوار الكعبة المشرفة، وهو مكان ذو قدر عظيم، ذكره الله في كتابه الكريم، حيث قال عز وجل: ]وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى[ (البقرة: الآية 125).

وكان دعاؤه عند رفع القواعد من البيت: ]رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ (البقرة: الآية 129)، وبعد أن أكملا رفع قواعد البيت طلب إبراهيمu من إسماعيلu أن يبحث له عن حَجَر مناسب ليضعه في ركن الكعبة المشرفة، وإذا بجبريلu يأتي بالحجر الأسود من الهند، قيل هو الذي هبط به آدمu من الجنة، وكان لونه أبيض، ثم قيل إنه قد اسود بعد ذلك من ذنوب الناس والله أعلم!.

 أتم إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام بناء البيت، ثم أذِن الله سبحانه وتعالى للناس بالحج لقوله تعالى: ]وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ[ (آل عمران: الآية 97)، فقد جعلها الله فريضة على الناس لمن استطاع إليه سبيلاً، ولا أحد يعلم كم من الوقت استغرق في بناء الكعبة، كما لم يعلم الناس بالوقت الذي استغرق في بناء سفينة نوحu، وهذا لا يهم معرفته بالقطع، إنما الذي يجب أن نعرفه أن الله سبحانه وتعالى قد جعل البيت الحرام مثابة للناس وأمنا، يحج الناس إليه ويعتمرون، يأتونه من كل فج عميق, بل إن الله قد حفظ هذا المكان وحرمه منذ خلق السموات والأرض، فقد ثبت في الصحيحين إن هذا البلد حرمه الله يوم خلق الله السموات والأرض، فهو حرام إلى يوم القيامة، فعن ابن عباسt: )أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ مَكَّةَ فَلَمْ تَحِلَّ لأََحَدٍ قَبْلِي وَلاَ تَحِلُّ لأََحَدٍ بَعْدِي( (صحيح البخاري: 1702). (اُنظر خريطة طريق حج الأنبياء)

ولما تم بناء البيت طلب إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام من الله أن يعلمهما مناسكهما من الحج والعمرة وباقي العبادات، وقالا: )رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ( (البقرة: الآية128) فاستجاب الله دعاءهما، وأرسل إليهما جبريلu ليعلمهما مناسك الحج والعمرة.

والكعبة هي أول بيت وُضع للناس لعبادة الله تعالى في الأرض لقوله تعالى: )إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ( (آل عمران: الآية 96)، وظلت الكعبة على بناء إبراهيمu لمدة طويلة من الزمن، ثم أعادت قريش بناءها بعد ذلك، ثم بناها عبدالله بن الزبير على الشكل الذي أخبرته به عائشةt عن رسول اللهe، فلما قتله الحجاج في سنة ثلاث وسبعين من الهجرة، وكتب الحجاج إلى الخليفة عبد الملك بن مروان يخبره بأن ابن الزبير فعل ذلك من تلقاء نفسه، أمره الخليفة برد بناية البيت إلى ما كانت عليه مرة أخرى، فنقضوا الحائط الشامي، وأخرجوا الحجر منها، ثم سدوا الحائط وردموا الأحجار في جوف الكعبة، فارتفع بابها الشرقي وسدوا الغربي كلية كما نشاهده اليوم، فلما كان زمن المهدي بن المنصور استشار الإمام مالك بن أنس في ردها على الصفة التي بناها ابن الزبير من قبل، فلم يوافق خشية أن يتخذها الملوك لعبة، أي كلما جاء ملك بناها على الصفة التي يريدها.

وقبل بناء الكعبة كانت الشعوب والقبائل في سائر أنحاء الأرض يعبدون الأصنام والتماثيل (اُنظر خريطة أهم الأصنام)، والبيت الحرام هو أول بيت في القدم وضعه الله للناس ببكة[1], فعن أبى ذر رضي الله عنه قال: }قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِعَ فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ قَالَ الْمَسْجِدُ الْحَرَامُ قَالَ قُلْتُ ثُمَّ أَيٌّ قَالَ الْمَسْجِدُ الأَقْصَى قُلْتُ كَمْ كَانَ بَيْنَهُمَا قَالَ أَرْبَعُونَ سَنَةً ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلاَةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ{ (صحيح البخاري: 3115). (اُنظر صورة المسجد الحرام) و(شكل قبة الصخرة والمسجد الأقصى)

ومكة هي اسم البلد التي بها بيت الله الحرام، جعله الله أمناً وسلاماً لمن دخله، ولقد بارك الله في تلك البلدة وجعل بها خيرات كثيرة وسع’ في الرزق, فتلك دعوة إبراهيمu ]وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا ءَامِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ ءَامَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير( (البقرة: الآية 126)، والكعبة هي قبلة الناس في كل مكان، يتجه إليها الناس في الصلاة, ويقصدونها في الحج والعمرة, وفيها مقام إبراهيمu, يتخذه المسلمون مصلى لهم, ومن دخل بيت الله الحرام كان آمنا لقوله تعالى: ]فِيهِ ءَايَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ ءَامِنًا[ (آل عمران: الآية 97).

ومن دعوات إبراهيمu وإسماعيل: ]رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ(127)رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ(128)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ[ (البقرة: الآيات 127-129).

وقد أمر الله تعالى إبراهيمu بتطهير البيت الحرام للطائفين والقائمين والركع السجود، وأمره أيضاً بالأذان في الناس بالحج، وبتعظيم حرمات الله وشعائره، قال تعالى: ]وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ(26)وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالاً وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ(27)لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ(28)ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ(29) ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الأَنْعَامُ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ(30)حُنَفَاءَ لِلَّهِ غَيْرَ مُشْرِكِينَ بِهِ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ(31)ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ(32)لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ[ (الحج: الآيات 26-33).

لما أمر الله إبراهيمu بالأذان في الناس بالحج، قال إبراهيمu لربه: يا ربي كيف يصل صوتي لكل الناس، قال تعالى: إنما عليك الأذان، وعلينا البلاغ، فصعد إبراهيمu جبل عرفات, وأذن بنداء الله بالحج (يا عباد الله إن ربكم قد بنى بيتاً فحجوه، وأجيبوا داعي الله) فسمعه كل ما بين السماء والأرض، وما في أصلاب الرجال، وأرحام النساء، حتى بلغ صوته كل البشر في الأرض، وقذف الله تعالى في قلوب الناس حُب الكعبة وُحب البيت، فأجابه كل من آمن بالله، ممن سبق في علم الله تعالى أن يفتح الله عليه بالحج إلى يوم القيامة.

ثانياً: ضيف إبراهيم المكرمين

قال تعالى: )هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ( (الذاريات: الآية24) هم ثلاثة من الملائكة منهم جبريلu، وكان إبراهيمu كريما يكرم ضيفه ويزيد، فلما دخلوا عليه وسلموا عليه، سلم عليهم، واستقبلهم في بيته ضيوفاً مكرمين، وصنع لهم طعاماً بعد أن عمد إلى عجل سمين، فذبحه وسواه في النار وجاء به حنيذاً[2]، أثرت فيه النار، وجعلت لونه أحمر شهياً، فقربه إبراهيمu إليهم، لكن أيديهم لم تصل إليه، فارتاب منهم وأوجس في نفسه خيفة، قال تعالى يخبرنا عن قصتهم: )إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَمًا قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ(25)فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ(26)فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلاَ تَأْكُلُونَ(27)فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ(28)فَأَقْبَلَتْ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ(29)قَالُوا كَذَلِكَ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ( (الذاريات: الآيات25 - 30).

وبعد أن اطمأن إبراهيمu بعد البشارة، سمعتهم امرأته فضحكت من قولهم وتعجبت!!، وقالت: أألد وأنا عجوز عقيم، وهذا بعلي شيخاً؟، فأخبرتها الملائكة أن هذا هو أمر الله فلا تعجبي، ثم أخبروهما أنهم رسل من عند الله جاءوا ليبشروهما بإسحاق ويعقوب، بشروهما بتلك البشرى العجيبة بعد هذا العمر المديد، وهذا العقم الأكيد، قال تعالى: )فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ(71)قَالَتْ يَاوَيْلَتَا ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ(72) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ{ (هود: الآيات 71-73).

ولما سأل إبراهيمu ضيوفه من الملائكة عن مقصدهم، علم أنهم ذاهبون لإهلاك قوم لوط في سدوم وعامورة مكان البحر الميت حاليا، حيث قال إبراهيمu: )فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ(31)قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(32)لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ(33)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ(34)( (الذاريات: الآيات31 – 34).

ثالثاً. مجادلة إبراهيم عليه السلام في قوم لوط

بعد أن علم إبراهيمu من الملائكة أنهم ذاهبون لإهلاك قوم لوط، خاف أن يمس ابن أخيه لوطاًu من هذا العذاب، فقال لهم: إن فيها لوطاً، قالوا: نحن أعلم بمن فيها، فلا تخش عليه من شيء، إنا سننجيه وأهله، إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين، قال تعالى: )وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُواْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ(31)قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنْ الْغَابِرِينَ(32)( (العنكبوت: الآيتان 31، 32).

كان إبراهيمu رقيق القلب، فلما علم أن قوم لوط هالكون, وأن الملائكة ذاهبون لاستئصالهم، أخذته الشفقة عليهم، فأخذ يجادلهم، ويرجو الله أن يرحمهم، قال تعالى: ]فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ(74)إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ[ (هود: الآيتان 75,74)، وهذه المجادلة لم تُفصل في القرآن الكريم، ولكن أوردها العهد القديم[3]، وأوردتها بعض كتب التفسير، حيث بينت أن الملائكة لما قالوا لإبراهيمu إنا مهلكو هذه القرية قال: أتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟. قالوا لا، قال أفتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن ؟ قالوا لا، قال أرأيتكم إن كان فيها... وأخذ يضع من العدد حتى بلغ خمسة، فقالوا لا، عندئذ قال إن فيها لوطا، قالوا نحن أعلم بمن فيها، لننجينه وأهله إلا أمرآته، فسكت إبراهيمu عنهم واطمأنت نفسه، وقد أمر الله إبراهيمu بوقف هذا الجدل مع ملائكته بشأن تلك القرية، فقد نفذ فيها قضاء الله، وحقت عليهم كلمته، فلا راد لحكم الله بعدها، قال تعالى: )يَاإِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ ءاَتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ( (هود: الآية 76).

رابعاً: سؤال إبراهيم عليه السلام لربه (كيف يحى الله الموتى؟)

إن إبراهيمu هو خليل الله، ويحب الله حباً جماً، ويعلم أن الله سوف يحيي الموتى يوم القيامة، لكنه كان يريد أن يطمئن قلبه لشيء، فهذا الشيء يعرفه حق المعرفة لكنه لم يعاينه، فهو من الموقنين المتأكدين من حدوثه، لكنه يسأل عن كيفيته، إن قلبه كان يحدثه دائما عن كيفية الإحياء، وليس عن الإحياء نفسه، فكيف تتجمع أجزاء الناس مرة أخرى ليكونوا بعدها على صورتهم التي كانوا عليها من قبل؟، كيف تعود الروح إلى الجسد، كانت تلك الأسئلة تدور في ذهنه على  الرغم من إيمانه العميق بحدوثها، فقال إبراهيم لربه: )رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى( (البقرة: الآية 260)، قال تعالى: ]أَوَلَمْ تُؤْمِنْ( (البقرة: الآية 260).

إن إبراهيمu يؤمن تمام الإيمان بالإحياء من بعد الموت، ولكن قلبه هو الذي لم يهدأ، إن قلبه يريد أن يسكن، وأن يهدأ من التفكير في الصورة التي يكون الناس عليها يوم القيامة، بعد أن بليت عظامهم وأجسادهم، وبعد أن تفرقت أجزاؤهم، ثم كيف تكون صورتهم، وهم يتحولون تدريجياً من مرحلة الموت إلى مرحله الحياة مرة، والتفكر في صورة إحياء الموتى غير محظور على أحد، كما أن الإنسان لا يسيطر على قلبه ولا فكره، لذلك أجاب إبراهيمu ربه وقال: )بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي[ (البقرة: الآية 260).

أمر الله إبراهيمu أن يأخذ أربعة من الطير فيذبحها, وأن يفرق أجزاءها على الجبال، ثم يدعوها بإذن الله، فتأتيه سعيا، وحينئذ يكون قد رأى كيفية إحياء الموتى بعينه، قال تعالى لإبراهيمu: ]فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ[ (البقرة: الآية 260). ففعل إبراهيمu ما أمره الله به، ودعا الطيور فعادت إليه صحيحة، كأنها لم تذق للموت طعماً، فسبحان الله القادر الخالق، الحي القيوم، فعلى الرغم من علم إبراهيمu بقدرة الله تعالى على إحياء الموتى علماً يقينياً، إلا أنه أحب أن يشاهد ذلك عيانا,ً ويترقى من علم اليقين إلى عين اليقين، فأجابه الله إلى سؤاله وأعطاه غاية مأمولة.

خامساً: صحف إبراهيم عليه السلام

نزلت صحف من الله تعالى على إبراهيم وموسى عليهما السلام، قال تعالى: ]إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى(18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى[ (الأعلى: الآيتان 18، 19). وعن توقيت نزول صحف إبراهيم يروي واثلة بن الأسقع: )أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ أُنْزِلَتْ صُحُفُ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَام فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ( (مسند احمد: 16370).

وقيل عن صحف إبراهيمu إنها كانت كلها أمثالاً، منها: أيها الملك السلطان المُبتلى المغرور، إني لم أبعثك لتجمع الدنيا بعضها إلى بعض، ولكن بعثتك لترد عني دعوة المظلوم، فإني أردها ولو كانت من كافر، فالله سبحانه وتعالى يجيب دعوة المظلوم ولو كان كافراً.

ومن أمثالها أيضاً:

على العاقل ما لم يكن مغلوباً على عقله أن يكون له ساعات (يُقسم فيها وقته):

1. ساعة يناجي فيها ربه (المناجاة أن تخاطب الله وتحاوره وحدك).

2. ساعة يفكر فيها في صنع الله عز وجل (عبادة التفكر والتأمل).

قال تعالى: ]الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ[ (آل عمران: الآية 191). ففيها المناجاة وفيها عبادة التفكر والتأمل،

3. ساعة يُحاسب الإنسان فيها نفسه فيما قدم وأخر (عبادة المحاسبة لنفسه عن أفعاله التي فعلها في يومه).

4.  ساعة يقضي فيها حاجته من حلال (مطعم ومشرب وغيره).

وعلى العاقل ألا يكون طاعناً إلا في ثلاث:

1. تزوده لميعاده (بذله الجهد لأجل الآخرة).

2. ورغبة لمعاشه (بذله الجهد لأجل الرزق).

3. ولذة في غير مُحرم.

وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه (بتعلم أمر الواقع والزمان بكل جوانبه) مقبلاً على شأنه (غير كَسِل)، حافظاً للسانه (لا يتكلم إلا فيما يفيد)، هذا الكلام جزء من الحكم التي قالها ابن إسحاق عن صحف إبراهيم عليه السلام.

سادساً: صفات إبراهيمu وهيئته

1. إماماً للناس

جعله الله للناس إماماً يقتدون به، ويتأسون به: ]قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهَُ[ (الممتحنة: الآية 4)، لما وفَّى إبراهيمu ما أمره الله به من التكاليف العظيمة, وسأل الله أن تكون هذه الإمامة متصلة بسببه وباقية في نسبه، وخالدة في عقبه، أجابه الله إلى ما سأل ورام، وسلمت إليه الإمامة بزمام، ولكن الله استثنى من نيلها الظالمين واختص بها من ذريته العلماء العاملين, قال الله تعالى: ]وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[ (البقرة: ألآية 124).

فكل كتاب أنزل من السماء على نبي من الأنبياء بعد إبراهيم الخليلu كان لمن هم من ذريته وشيعته، وذلك أنه ولد لصلبه ولدان ذكران عظيمان: إسماعيل من هاجر، ثم إسحاق من سارة، وولد لإسحاق يعقوبu الذي يُنسب إليه سائر أسباطهم حتى ختموا بعيسى بن مريمu. وأما إسماعيلu فكانت منه العرب على اختلاف قبائلها، ولم يوجد في سلالته من الأنبياء سوى خاتمهمe على الإطلاق، وسيدهم، وفخر بني آدم في الدنيا والآخرة، محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم القرشي الهاشمي صلوات الله عليه وسلامه عليه، وهو السيد الذي يفتخر به أهل الجمع، ويغبطه الأولون والآخرون يوم القيامة, عن أبى بن كعب قال:)قال رسول اللهe: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُُمَّتِي، اللَّهُمَّ اغْفِرْ لأُُمَّتِي، وَأَخَّرْتُ الثَّالِثَةَ لِيَوْمٍ يَرْغَبُ إِلَيَّ الْخَلْقُ كُلُّهُمْ حَتَّى إِبْرَاهِيمُ eَ[ (صحيح مسلم: 1356)، فدل كلامه على أنه أفضل الخلائق عند الخلاق في هذه الحياة الدنيا، ويوم يُكشف عن ساق.

2. حنيفاً مسلما وما كان من المشركين

كما نزه الله عز وجل خليلهu أن يكون يهودياً أو نصرانياً، بين أنه إنما كان حنيفاً مسلماً ولم يكن من المشركين، قال تعالى: ]يَاأَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ(65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ(66)مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ(67)إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ ءَامَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ[ (آل عمران: الآيات 65-68)، فبين أنه كان على دين الله الحنيف, وهو القصد إلى الإخلاص، والإعراض عمداً عن الباطل إلى الحق، الذي هو مخالف لليهودية والنصرانية والشرك بالله.

3. خليلاً لله عز وجل

وقال تعالى في الترغيب إلى إتباع ملة إبراهيمu, لأنه كان على الدين القويم والصراط المستقيم: ]وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً[ (النساء: الآية 125)، ولهذا ألقى الله في قلبه الوجل والرقة، حتى كان خفقان قلبه ليُسمع من بعد، ولقد اتخذ الله إبراهيمu خليلاً.

4. أول من يكسى من الخلائق يوم القيامة

هو أول من يُكسى يوم القيامة من الخلائق، فعن ابن عباس عن النبيe أنه قال: )إِنَّكُمْ مَحْشُورُونَ حُفَاةً عُرَاةً غُرْلاً ثُمَّ قَرَأَ (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) وَأَوَّلُ مَنْ يُكْسَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِبْرَاهِيمُ( (صحيح البخاري:3100).

5. هو خير البرية

هو خير البرية كما جاء في الأحاديث فعن المختار بن فلفل قال:)سَمِعْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَا خَيْرَ الْبَرِيَّةِ قَالَ ذَلِكَ إِبْرَاهِيمُ( (سنن الترمذي: 3275).

6. وعن هيئته

عن جابر بن عبدالله بن عمرو بن حرام: )أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ عُرِضَ عَلَيَّ الأَنْبِيَاءُ وَرَأَيْتُ إِبْرَاهِيمَ صَلَوَات اللَّهِ عَلَيْهِ فَإِذَا أَقْرَبُ مَنْ رَأَيْتُ بِهِ شَبَهًا صَاحِبُكُمْ يَعْنِي نَفْسَهُ( (صحيح مسلم: 244). وعن سمرة بن جندب بن هلال قَالَ:)قَالَ رَسُولُ اللَّهِe أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتِيَانِ فَأَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ طَوِيلٍ لاَ أَكَادُ أَرَى رَأْسَهُ طُولاَ وَإِنَّهُ إِبْرَاهِيمُeَ( (صحيح البخاري: 3105).

7. وعن وقاره

قال سعيد بن المسيب:) كَانَ إِبْرَاهِيمُ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوَّلَ النَّاسِ ضَيَّفَ الضَّيْفَ وَأَوَّلَ النَّاسِ اخْتَتَنَ وَأَوَّلَ النَّاسِ قَصَّ الشَّارِبَ وَأَوَّلَ النَّاسِ رَأَى الشَّيْبَ فَقَالَ يَا رَبِّ مَا هَذَا فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى وَقَارٌ يَا إِبْرَاهِيمُ فَقَالَ يَا رَبِّ زِدْنِي وَقَارًا( (موطأ مالك: 1437).

سابعاً: أولاد إبراهيمu

أول من وُلد له من هاجر المصرية إسماعيلu، ثم وُلد له من سارة بنت عمه إسحاقu، وسيأتي تفصيل ذلك في أنبياء الله إسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، وقيل إن إبراهيمu تزوج "قنطورة" فولدت له زمران، ويقشان، ومادان، ومدين، وشياق، وشوح، والله أعلم.

ثامناً: وفاة إبراهيم (خليل الله)u

مات إبراهيمu وعمره مائتا سنة وهو الأرجح، وقد توفت سارة قبله، ودفن في المغارة التي دفنت فيها سارة بمزرعة عفرون الحيثي، وتولى دفنه إسماعيل وإسحاق عليهما السلام، وكان إبراهيمu قد اشترى من رجل من بني "حيث" واسمه "عفرون بن صخر" مغارة بأربعمائة مثقال، وهي المعروفة اليوم ببلدة الخليل وفيها الحرم الإبراهيمي بفلسطين.

وقد جعل الله لإبراهيمu قصراً في الجنة، فعن عبد الله بن عمرو قال: )قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ اللَّهَ اتَّخَذَنِي خَلِيلاً كَمَا اتَّخَذَ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاَ فَمَنْزِلِي وَمَنْزِلُ إِبْرَاهِيمَ فِي الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُجَاهَيْنِ وَالْعَبَّاسُ بَيْنَنَا مُؤْمِنٌ بَيْنَ خَلِيلَيْنِ( (سنن ابن ماجة: 138).

تاسعاً: بعض النقاط المهمة في قصة إبراهيم عليه السلام

1. إن ثورة إبراهيمu على الأصنام وعلى عبادتها لم تكن ثورة كلامية، بل كانت ثورة عملية، إذ جعل أصنامهم جذاذاً إلا كبيراً لهم، وجعله وسيلة لمحاجتهم حتى أفحمهم, فلجأوا إلى مناقشته، فلما غلبهم ألقوه في النار, فكانت عليه من الله برداً وسلاماً.

2. تدرج إبراهيمu في إظهار حجته أمام قومه، فتارة يلجأ إلى النجوم ليبين لهم أنها لا تصلح آلهة، وتارة يكسر لهم أصنامهم لعل كبيرهم يجيبهم عن الفاعل، فيعلموا أن تماثيلهم التي اتخذوها آلهة لهم لا تستطيع دفع الضر عن أنفسها، فكيف تكون آلهة لهم, ولم يلجأ إلى إعلان تبرئه من آلهتهم إلا بعد أن نفدت معهم كل الحجج، قال: ]إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[ (الأنعام: الآية 79).

3. إن إبراهيمu كان رقيق القلب, فحين قال له أبوه: ]لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا[ (مريم: الآية 46)، قال له إبراهيمu: ]سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا[ (مريم: الآية 47)، وطلب من الله أن يغفر لأبيه: ]وَاغْفِرْ لأَبِي إِنَّهُ كَانَ مِنَ الضَّالِّينَ[ (الشعراء: الآية 86)، ولم يدع على العاصين بالهلاك، بل طلب من الله المغفرة لهم والعفو والسماح، تدبر قولهu: ]فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[ (إبراهيم: الآية 36)، هكذا ينبغي أن يكون الداعي إلى الحق حليماً، واسع الصدر, عظيم الأناة، طويل البال.

4. الامتثال لأمر الله دون تردد، فإن إبراهيمu لما رأى في المنام أنه يذبح ابنه الذي ليس له سواه، امتثل لذلك الأمر، مقدماً رضا الله تعالى على رضا نفسه، دون تردد، وشرع في تقديم ابنه قرباناً لله إلى أن فداه الله بذبح عظيم، وكذلك لما قال له ربه أسلم، لم يتردد لحظة واحدة، بل قال أسلمت لله رب العالمين.

5. كان إبراهيمu مضيافاً، فقد قدم لضيوفه عجلاً سميناَ، وقربه إليهم، وقال ألا تأكلون؟, ولا يفعل ذلك إلا كريم.

6. كان إبراهيمu ذا نفس طلقة, يحب استكشاف الحقائق والوقوف على الدقائق، ولذلك طلب من الله أن يريه صنعه في كيفية إحياء الأموات، حتى يطمئن قلبه.

7. روح التضحية في سبيل الله بالنفس والولد، تتمثل التضحية بالنفس في شخص إسماعيلu، حيث لم يتردد لحظة واحدة في التضحية بنفسه فما إن عرض عليه أبوه ما آمر به من ذبحٍ حتى قال: ]يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[ (الصافات: الآية 102)، وتتمثل التضحية بالولد في فعل إبراهيمu إذ لم يتردد في ذبح ابنه حينما أسلم رأسه إليه تنفيذا للرؤية التي رآها من الله، قال تعالى: )فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ(102)فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءُْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ(106)وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ(107)( (الصافات: الآيات 102 – 107).



[1] بكة: هي المكان المزدحم الذي فيه الطواف والكعبة.

[2] حنيذ: مشوي.

[3] فُصلت في سفر التكوين ص 18، بند 22 وحتى 33، وتدور كلها حول طلب إبراهيم من ربه أن لا يهلك المدينة وفيها خمسون صالحاً، ثم خفض الرقم إلى خمسة وأربعين ثم ثلاثين، إلى أن وصل إلى عشرة، وختم حديثه مع ربه.