إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1
المبحث السابع
أنبياء الله إسماعيل وإسحاق ويعقوب ولوط عليهم السلام

أولاً: إسماعيلu

هو إسماعيل بن إبراهيم بن تارح بن ناحور بن ساروغ بن راغو بن فالغ بن عامر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوحu, وقد ذُكر اسم إسماعيلu في القرآن الكريم 12 مرة في 8 سور، (اُنظر خريطة بعثة إسماعيل u).

حقق الله دعاء إبراهيمu فوهب له ولدا صالحاً حليماً، فقد دعا إبراهيمu ربه وقال: }رَبِّ هَبْ لِي مِنْ الصَّالِحِينَ(100)فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلامٍ حَلِيم{ (الصافات الآيتان 100، 101), لما هجر إبراهيمu قومه سأل الله أن يهبه ولداً صالحاً، فوهبه الله على الكبر غلاماً حليماً هو إسماعيلu، فشكر إبراهيمu ربه وقال: )الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَهَبَ لِي عَلَى الْكِبَرِ إِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاء( (إبراهيم: الآية39). وكان إبراهيمu قد بلغ حينئذ ستاً وثمانين سنة.

إن في قصة إسماعيل الذبيحu، نموذجاً عظيماً لبر الوالدين، والصبر على الابتلاء، والاستسلام لقضاء الله، فقد استسلم لأبيه حين أبلغه أمر الذبح وقال: ]يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[ (الصافات: الآية 102). وقصة إسماعيلu هي جزء من قصة إبراهيمu، وليس غريباً أن تُذكر من خلالها، وقد أثنى الله تعالى عليه، ووصفه بأنه كان صادق الوعد، وكان رسولاً نبياً، وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة، وكان عند ربه مرضياً، قال تعالى: ]وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا(54)وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا[ (مريم: الآيتان 55,54).

وقد فضله الله على العالمين بالنبوة، قال تعالى: ]وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلًّا فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ[ (الأنعام: الآية 86)، وهو عند الله من الأخيار، لقوله تعالى: ]وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ[ (ص: الآية 48)، وقد أوحى الله إليه كما أوحى إلى نوحu والنبيين من بعده، قال تعالى: ]إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَءَاتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا[ (النساء: الآية 163).

1. قصة الذبيح إسماعيلu

قال تعالى: ]فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنْ الصَّابِرِينَ(102)فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ(103)وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(105)إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاَءُ الْمُبِينُ(106)وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ(107)[ (الصافات: الآيات 102-107)0

رأى إبراهيمu في المنام أنه يذبح ولده إسماعيلu، والمنامات عند النبيين حق، كان هذا اختباراً من الله عز وجل لخليله إبراهيم، وولده إسماعيل عليهما السلام, رأى إبراهيمu في المنام أنه يذبح ابنه الذي جاءه على الكبر، فامتثل لأمر الله، وعرض هذا الأمر على إسماعيلu ليكون أطيب لقلبه وأهون عليه: ]قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى[ (الصافات: الآية 102)، أي بلاء هذا؟!، إبراهيمu يريد أن يذبح ابنه تنفيذا لأمر الله، ويتمنى أن يمتثل ابنه لذلك الأمر على الرغم من مرارته، لكن القضية الكبرى هي أن الذبح سيكون بيده هو، وليس بيد غيره، ولولد عزيز عليه، وعلى قلبه، وهبه الله إياه على الكبر، وما الموقف إذا رفض الابن الانصياع إلى ذلك الأمر المحتوم والواجب تنفيذه؟!، لقد ظل إبراهيمu، وهو بشر، في صراع مرير مع نفسه، فهو بين أمرين، كلاهما عزيز على نفسه، فهو في المقام الأول لا بد له من تنفيذ أمر الله بالذبح، وهو أمر لا يمكن التردد في تنفيذه أو تأجيله، لأنه من الله، وفى الوقت نفسه لا بد أن يذبح ولده بنفسه، وهذا يشق على قلبه، غير أن الله قد هون عليه أمر ولده، فجعله يمتثل لأمر أبيه طواعية، فإسماعيلu يعلم أن ذلك الذي رآه إبراهيمu في المنام هو من وحى الله، ولا بد من تنفيذه والامتثال له، ولم يتردد إسماعيلu حين عرض عليه إبراهيمu أمر ذبحه فامتثل لأمر والده وقال: ]يَاأَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ[ (الصافات: الآية 102).

طمأن إسماعيلu قلب أبيه،وقال له افعل ما أمرك الله به، وسوف تجدني إن شاء الله من الصابرين، وتدل الآيات أن إسماعيلu قد خضع خضوعاً تاماً، وسلم تسليماً كبيراً في أمر ذبحه بيد أبيه، فهو يعلم أن ذلك هو أمر من الله لإبراهيمu، ويجب على إبراهيمu أن ينفذه، قال تعالى: ]فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ[ (الصافات: الآية 103)، أي فلما استسلما كلاهما لأمر الله وعزما على ذلك، وأكفأه أبوه على وجهه حتى لا يشاهده في حال ذبحه.

قال السدي وغيره: مرر إبراهيمu السكين على حلق إسماعيلu فلم تقطع شيئاً، فعند ذلك نودي من الله عز وجل: ]أَنْ يَاإِبْرَاهِيمُ(104)قَدْ صَدَّقْتَ الرُّءَْيَا[ (الصافات: الآيتان 105,104)، أي حدث المقصود من اختبارك، وطاعتك، ومبادرتك لأمر ربك، لقد كان ذلك بلاء مبيناً: ]إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاءُ الْمُبِينُ[ (الصافات: الآية 106)، أي الاختبار الظاهر البين لهما، وفدى الله إسماعيلu بذبح عظيم، قال تعالى: ]وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ[ (الصافات: الآية 107) قيل هو كبش من أكباش الجنة، هكذا يعلمنا الله أن الإنسان إذا استسلم لقضاء الله وقدره, يكشف الله عنه البلاء ويجعل له مع العسر يسرا، حتى ولو كان بينه وبين الموت شعرة.

وقد حاول اليهود في التوراة زعم أن الذبيح هو إسحاقu، وما حملهم على ذلك إلا حسدهم للعرب، لأن إسماعيلu هو أبو العرب الذين يسكنون الحجاز، ومنهم رسول اللهe, بينما إسحاق والد يعقوب عليهما السلام هو "إسرائيل" الذي ينتسبون إليه، فأرادوا أن يجروا هذا الشرف إليهم, فحرفوا كلام الله، وزادوا فيه، فهم قوم بُهت، لم يقروا بأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء، وفي التوراة وصف الذبيح بأنه ولد إبراهيمu الوحيد، وإسحاقu لم يكن وحيداً لإبراهيمu في يوم من الأيام، فقد كان له أخ سابق له من هاجر، هو إسماعيلu، وكان عمر إسماعيلu، كما تقول التوراة، أربع عشرة سنة حينما رزق إبراهيم بإسحاق عليهما السلام، وعاش إسماعيلu إلى أن مات أبوه إبراهيمu فحضر وفاته ودفنه، والسؤال المهم: كيف كان سيُذبح إسحاقu حسب قولهم، وقد وعد الله سارة بإسحاق، ومن وراء إسحاق يعقوب عليهما السلام؟! في قوله تعالى: ]وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ [(هود: الآية 71).

وقد قدمنا في قصة إبراهيمu، أن إسماعيلu لما شب تزوج امرأة من العماليق تُدعى عمارة بنت سعد بن أسامة بن أكيل العماليقي، وبعد أن أمره أبوه بفراقها، قائلاً له: (غير عتبة بيتك)، تزوج بغيرها، وهي السيدة رعلة بنت مضاض بن عمر الجرهمي، وولدت له اثني عشر ولداً ذكراً هم: (نابت، قيذر، أزبل، وميشي، مسمع، ماش، ودوصاً، آرر، يطور، نبش، طيما، قيذما) هكذا ذكرهم أهل الكتاب في كتابهم، وقد بقيت بعدها زوجة له.

2. وفاة نبي الله إسماعيل عليه السلام

قيل إن إسماعيلu لما حضرته الوفاة أوصى أخاه إسحاقu بأن يزوج ابنته "نسمة" لابن أخيه "العيص" بن إسحاق، فولدت له الروم (بني الأصفر)، قيل سموا بذلك لصفرة كانت في العيص، وقد ذُكر أن إسماعيلu عاش مائة وسبعاً وثلاثين سنة، عاصر مع والده إبراهيمu تسعاً وستين سنة، وقد ساعد أباه إبراهيمu في إقامة قواعد البيت، ونشر دعوة الله في الأرض، وعمارة البيت الحرام وتطهيره، وخدمة الحجيج.

وقد دُفن إسماعيلu في الحجاز عند قبر أمه هاجر رحمها الله تعالى، قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: شكا إسماعيلu إلى ربه تبارك وتعالى حرَّ مكة، فأوحى الله تعالى إليه: إني فاتح لك باباً من الجنة، يجري عليك روحها إلى يوم القيامة، وفي ذلك المكان تُدفن.

ثانياً: إسحاق عليه السلام

هو إسحاق بن إبراهيم بن تارح بن ناحور بن شاروخ بن راغو بن فالخ بن عامر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوحu, وقد ذُكر اسم إسحاقu 17مرة في القرآن الكريم في 12 سورة. (اُنظر خريطة بعثة إسحاق u).

بشرت الملائكة إبراهيمu بإسحاقu حيث قالوا: إنا قد جئنا لنبشرك بغلام عليم، فتعجب قائلاً: أبشرتموني على أن مسني الكبر!!، إن مثلي لا ينجب، ثم إن امرأتي عجوز عقيم لا تلد، وكانت سارة تسمع كلام الملائكة وهم يبشرون إبراهيمu، فضحكت وصكت وجهها من تلك البشرى العجيبة، وقالت: كيف ألد وأنا عجوز عقيم، وهذا بعلي شيخاً[1]؟ فقالت الملائكة إن ذلك الأمر هو من عند الله، يهب لمن يشاء إناثاً، ويهب لمن يشاء الذكور، أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً، ولم يُذكر في القرآن الكريم من قصة إسحاق إلا البشارة به، وأنه غلام عليم، ونبي من الصالحين.

قال تعالى عن بشارة سارة بإسحاق ويعقوب عليهما السلام: ] وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ(71)قَالَتْ يَاوَيْلَتَى ءَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ(72)قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ(73) [ (هود: الآيات 71-73).

لم يمر عام على بشارة سارة وهي بنت تسعين سنة حتى حملت بإسحاقu، وقد بارك الله عليه، كما بارك على إبراهيمu، قال تعالى: ]وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ[ (الصافات: الآية 113)، وقد جعل الله إسحاقu نبياً وجعل له لسان صدق علياً، لقوله تعالى: ]وَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَكُلاًّ جَعَلْنَا نَبِيًّا(49)وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيًّا[ (مريم: الآيتان 50,49). وقد وصف الله سبحانه وتعالى إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام، بأنهم من المصطفين الأخيار، وأنهم أولو الأيدي والأبصار قال تعالى: }وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ(45)إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ(46)وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ{ (ص: الآيات 45-47).

1. زواج إسحاقu

لم يذكر القرآن الكريم قصة زواج إسحاقu بينما ذكرها أهل الكتاب، فقالوا إنه تزوج من "رفقا" أو"رفقة" بنت "بتواييل" أو "بتوئيل"، فكانت عزاءً له بعد موت أمه.

2. وفاة إسحاقu

مات إسحاقu عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه العيص ويعقوبu عند قبرأبيه إبراهيمu في مزرعة حبرون، بمغارة المكفيلة ببيت المقدس، وهي مدينة الخليل اليوم.

ثالثاً: يعقوبu

هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح بن ناحور بن شاروخ بن راغو بن فالخ بن عامر بن شالح بن أرفخشذ بن سام بن نوحu, وقد ذُكر اسم يعقوب عليه السلام 16 مرة في القرآن الكريم فى10 سور، (اُنظر خريطة بعثة يعقوبu).

لم يذكر القرآن الكريم قصته إلا في سورة يوسف، حيث وردت قصتهu مع أبنائه الأثنى عشر، غير أن أهل الكتاب قد ذكروا قصته ورواها ابن كثير حيث قال: لما بلغ إسحاقu من العمر أربعين سنة، تزوج رفقا أو "رفقة" بنت بتواييل أو "بتوئيل" في حياة أبيه، وإنها كانت عاقراً، فدعا الله لها فحملت، وولدت له غلامين توأمين: أولهما اسمه "عيسو" أو عيص وهو الذي يسميه العرب "العيس" أو العيص وهو والد الروم، والثاني آخذ بعقب أخيه التوأم فسموه "يعقوب"u وهو المسمى بإسرائيل الذي ينتسب إليه بنو إسرائيل، ويذكر أهل الكتاب أن إسحاقu كان يحب عيسو أكثر من يعقوب لأنه بِكره، بينما "رفقا" كانت تحب يعقوبu أكثر من عيسو لأنه هو الأصغر.

1. زواج يعقوبu وهجرته إلى حران وعودته

ذكر أهل الكتاب أن رفقا لما شعرت بالعداوة بين العيص وبين أخيه يعقوبu، أمرت يعقوبu أن يذهب إلى أخيها "لابان" ابن ناحور بأرض حران، وأن يبقى عنده إلى حين يسكن غضب أخيه، وقالت لإسحاقu أن يوصيه ويدعو له، وأن يحفزه على الزواج من بنات "لابان" خال يعقوبu.

فخرج يعقوبu مهاجرا إلى حران، فأدركه المساء في موضع فنام فيه، فرأى في نومه معراجاً منصوباً من السماء إلى الأرض، وإذا بالملائكة يصعدون فيه وينزلون، والله تبارك وتعالى يخاطبه، ويقول له إني سأبارك عليك, وأكثر ذريتك, وأجعل هذه الأرض لك، ولعقبك من بعدك.

فلما هب من نومهu فرح بما رأى، ونذر لله لئن رجع إلى أهله سالماً ليبني في هذا الموضع معبداً لله عز وجل، وأن يجعل من جميع رزقه لله عشره، ثم عمد إلى ذلك الحجر، فجعل عليه دِهناً يتعرف به عليه، وسمى ذلك الموضع "بيت إيل"، أي بيت الله، وهو موضع بيت المقدس اليوم، الذي بناه يعقوبu بعد ذلك كما سيأتي.

فلما قدم يعقوبu على خاله بأرض حران، إذا له ابنتان: اسم الكبرى "ليا" واسم الصغرى "راحيل"، وكانت الأخيرة أحسنهما وأجملهما، فخطبها من خاله "لابان"، فأجابه إلى ذلك بشرط أن يرعى غنمه سبع سنين، فلما انقضت المدة صنع طعاماً، وجمع الناس عليه، وزف إليه "ليا" أو ليلاً وهى ابنته الكبرى، وكانت ضعيفة العينين قبيحة المنظر، فلما أصبح يعقوبu إذا هي "ليا" بدلا من "راحيل" التي كان يقصدها، فقال لخاله: لم غدرت بي؟! فقال: إنه ليس من سنتنا أن نزوج الصغرى قبل الكبرى، فإن أحببت أختها "راحيل" فاعمل سبع سنين أخرى، أزوجها لك، فعمل سبع سنين أخرى، فزوجها له مع أختها، وكان ذلك سائغاً في ملتهم في ذلك الوقت، ثم نُسِخ في شريعة التوراة بعد ذلك، ووهب "لابان" لكل واحدة من ابنتيه جارية، فوهب جارية اسمها "زلفى" لليا، ووهب جارية اسمها "بلهى" لراحيل، ومنَّ الله تعالى على "ليا" لضعفها فوهب لها أولاداً كان أولهم: روبيل، ثم شمعون، ثم لاوي، ثم يهوذا، فغارت عند ذلك "راحيل" وكانت لا تحمل، فوهبت ليعقوب جاريتها "بلهى"، فتزوجها، فحملت، وولدت له غلاماً سمته "دان"، وحملت، وولدت غلاماً آخر سمته "نيفتالي"، وكذلك فعلت "ليا" فوهبت له جاريتها "زلفى"، فحملت وولدت له ولدين: جاد، وأشير، ثم حملت "ليا" مرة أخرى أيضاً، وولدت له غلاماً خامساً سمته "إيساخر"، ثم سادساً سمته "زبلون"، ثم ولدت له بنتاً سمتها "دينا"، فصار لها سبعة من يعقوبu، ثم دعت "راحيل" الله تعالى وسألته أن يهب لها غلاماً من يعقوب، فسمع الله نداءها وأجاب دعاءها، فحملت منه غلامين غلاماً حسناً جميلاً سمته "يوسف"، وآخر سمته "بنيامين".

وبعد زواج يعقوبu من "راحيل" بست سنوات كان قد أتم عشرين سنة (وهى المدة التي قضاها بأرض خاله "لابان" يرعى فيها الغنم).

بعد تلك المدة طلب يعقوبu من خاله "لابان" أن يتركه ليسير إلى أهله، وأراد خاله أن يكرمه فقال له: إني قد بورك لي بسببك فسلني من مالي ما شئت، فقال يعقوبu: تعطني كل حمل يولد من غنمك هذه السنة الأبقع[2]، وكل حمل مُلمع[3] أبيض بسواد، وكل أملح[4] ببياض، وكل أحلج[5] أبيض من المعز، فقال: نعم، فعمل بنوه فأبرزوا من غنم أبيهم ما كان على هذه الصفات، فصار ليعقوبu بعدها أغنام كثيرة ودواب وعبيد، وأوحى الله إلى يعقوبu، أن يرجع إلى بلاد أبيه وقومه، فعرض ذلك على أهله فأجابوه مبادرين إلى طاعته.

فلما اقترب يعقوبu من أرض "ساعير" علم بأن أخاه (العيص) قد ركب إليه في أربعمائة رجل، فخشي يعقوبu ذلك، ودعا الله عز وجل وصلى له وتضرع إليه، وناشده عهده ووعده الذي وعده به، وأن يكف عنه شر أخيه (العيس)، وقام بإعداد هدية عظيمة لأخيه وهي: مائتا شاة، وعشرون تيساً، ومائتا نعجة، وعشرون كبشاً، وثلاثون لقحة[6]، وأربعون بقرة، وعشرون من الثيران، وعشرون أتاناً، وعشرة من الحمر، وأمر عبيده أن يسوقوا كلاً من هذه الأصناف على حدة، وليكن بين كل قطيع وقطيع مسافة، فإذا لقيهم (العيص) قال للأول: لمن أنت؟ ولمن هذه التي معك؟ فليقل لعبدك يعقوب أهداها لسيدي العيس، وليقل الذي بعده كذلك، وكذلك الذي بعده، ويقول كل منهم: وهو قادم بعدنا.

وتأخر يعقوبu بزوجتيه وأمتيه وبنيه، وجعل يسير ليلاً ويكمن نهاراً، فلما كان وقت الفجر من الليلة الثانية من خروج القطيع، تبدى له ملك من الملائكة في صورة رجل، قال له الملك: ما اسمك؟ قال له اسمي: يعقوب. قال: لا ينبغي أن تدعى بعد اليوم إلا إسرائيل، فقال له يعقوبu: ومن أنت؟ وما اسمك؟، فذهب عنه، فعلم أنه ملك من الملائكة.

ورأى يعقوبu أخاه عيسو وقد أقبل عليه في أربعمائة رجل، فتقدم أمامه أهله، فلما رآه العيس تقدم إليه واحتضنه وقبله وبكى، ورفع العيس عينيه ونظر إلى النساء والصبيان، وقال ليعقوبu: من أين لك كل هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين وهبهم الله لعبدك، فدنت زوجتا يعقوبu والأمتان وأبناؤه الأحد عشر (فلم تكن راحيل قد أنجبت بنيامين بعد) وقاموا جميعا بتحية "العيس"، ثم عرض يعقوبu هديته وألح بها عليه فقبلها، ورجع العيس فتقدم أمامه، ولحقه يعقوبu بأهله وما معه من الأنعام والمواشي والعبيد قاصدين جبال "ساعير".

فلما مر بساحورا ابتنى له بيتاً، ثم مرعلى أورشليم بقرية شخيم فنزل قبل القرية، واشترى مزرعة شخيم بن جمور بمائة نعجة، ثم ضرب هنالك فسطاطه، وبنى هناك بناءً يقال إنه هو بيت المقدس اليوم الذي جدده بعد ذلك سليمان بن داود عليهما السلام، وهو مكان الصخرة التي علمها بوضع الدهن عليها قبل ذلك كما ذُكرنا.

ثم حملت "راحيل" فولدت غلاماً هو "بنيامين" ليكون ليعقوبu اثنا عشر ولداً، وقد جهدت راحيل في طلقها به جهداً شديداً، وماتت عقبه، فدفنها يعقوبu في "أفراث"، وهي بيت لحم، وصنع يعقوبu على قبرها حجراً وهو المعروف بقبر راحيل إلى اليوم.

وجاء يعقوبu إلى أبيه إسحاقu، فأقام عنده بقرية حبرون في أرض كنعان حيث كان يسكن إبراهيمu، ثم مرض إسحاقu ومات عن مائة وثمانين سنة، ودفنه ابناه: العيس ويعقوبu مع أبيه إبراهيم الخليلu في المغارة التي اشتراها كما قدمنا[7].

2. رحلة يعقوبu إلى مصر ووفاته بها

خرج يعقوبu وبنوه وقومه إلى مصر بناءً على دعوة يوسفu حين قال لأهله: ]ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ءَامِنِينَ[ (يوسف: الآية 99), وذلك بعد أن أصبح على خزائن مصر، وهناك أقام يعقوبu بديار مصر سبع عشرة سنة، ثم توفي بعد أن بلغ من العمر مائة وسبعاً وأربعين سنة, بعد أن أوصى ابنه يوسفu بدفنه عند أبويه إبراهيم وإسحاق عليهما السلام, فنقله يوسفu إلى فلسطين ودفنه بالمغارة التي اشتراها إبراهيمu من عفرون بن صخر الحيثى بحبرون من قبل، وقد ذُكر أن أهل مصر بكوا عليه سبعين يوما، وكان يعقوبu قبل موته قد أوصى بنيه بوصية التوحيد والإخلاص لله, قال تعالى: ]أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ ءَابَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[ (البقرة: الآية 133).

رابعاً: لوطu

هو لوط بن هاران ابن أخي إبراهيمu، آمن لوط لإبراهيمu وقد ذُكر ذلك في القرآن، قال تعالى: ]فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ وَقَالَ إِنِّي مُهَاجِرٌ إِلَى رَبِّي[ (العنكبوت: الآية 26)، كما ذكر لوطu في القرآن الكريم 27 مرة، في 14 سورة، (اُنظر خريطة بعثة لوطu) وتوضح تلك الخريطة، منطقة بعث نبي الله لوطu.

وتبع لوطuعمه إبراهيمu في رحلاته، وذهب معه إلى مصر، وأغدق عليه ملك مصر، كما أغدق على إبراهيمu، وكثر ماله ومواشيه, ثم فارق، بعد ذلك، إبراهيمu عن تراض منهما، لأن الأرض لم تتسع لمواشيهما، ثم نزل لوطu في قرية سدوم (المؤتفكات) بدائرة الأردن، في أرض غور زغر.

كان أهل سدوم من أفجر الناس وأكفرهم،كانوا يقطعون السبيل ويأتون في ناديهم المُنكر، ولا يتناهون عن مُنكر فعلوه، لبئس ما كانوا يفعلون، ابتدعوا فاحشة ما سبقهم بها أحد من العالمين, كانوا يأتون الذكران من دون النساء، حتى اكتفى الرجال بالرجال، والنساء بالنساء، فهم قوم ذهب منهم الحياء, فلا يستقبحون قبيحاً.

إن كائنات الله في الأرض (نباتاً كانت أو حيواناً أو طيراً أو غيرها) لا يمكنها أن تفعل ما كان يفعله قوم لوط، فلا يمكن للذكر أن يأتي ذكراً مثله، فكيف لهم أن يفعلوا تلك الفاحشة، وهم ينتمون إلى جنس من أجناس الأرض، فضله الله على كثيرٍ من خلقه ؟!!.

ولما وجد لوطu أن تلك الفاحشة قد تفشت في قومه، دعاهم إلى عبادة الله تعالى، وترك تلك الأفعال المحرمة التي تغضب الله رب العالمين، كما أنذرهم عقاب الله وبأسه إن لم يعودوا إلى رشدهم ويقلعوا عن غيهم، غير أنهم كذبوه واستخفوا بدعوته، وأصروا على ما هم عليه من إتيان الذكور وترك الإناث، قال تعالى: ]وَلُوطًا إِذْ قَالَ لِقَوْمِهِ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الْفَاحِشَةَ مَا سَبَقَكُمْ بِهَا مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْعَالَمِينَ(28)أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنْكَرَ فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا ائْتِنَا بِعَذَابِ اللَّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ(29) ((العنكبوت: الآيتان 28، 29).

ولما وجدوا أن لوطاًu قد أصر إصراراً على تقبيح أفعالهم، ونهيهم عن السير في طريق شهواتهم وشذوذهم، هددوه بالرجم تارة، وبالإخراج من قريتهم تارة أخرى، قال تعالى: )فَمَا كَانَ جَوَابَ قَوْمِهِ إِلاَّ أَنْ قَالُوا أَخْرِجُوا ءَالَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ( (النمل: الآية 56)، ولما رأى لوطu إصرارهم على تلك الفاحشة، وفساد عقولهم، دعا الله أن ينصره عليهم، وقال: )رَبِّ انْصُرْنِي عَلَى الْقَوْمِ الْمُفْسِدِينَ( (العنكبوت: الآية 30)، فاستحقوا بذلك غضب الله تعالى عليهم، وحق عليهم عقابه، فأرسل الله ملائكته لإهلاكهم وتدمير قريتهم، قال تعالى: )وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُواْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ( (العنكبوت: الآية 31)، قيل إن الملائكة هم (جبريل، وميكائيل، وإسرافيل).

كانت الملائكة هم ضيوف إبراهيمu الذين بشروه بإسحاق ويعقوب عليهما السلام، وقد أخبروه بأنهم ذاهبون إلى قوم لوط لإهلاكهم وتدمير قريتهم، فلما قدموا إلى لوطu في صورة شبان حسان اغتم، وضاق بهم ذرعا، فلو تركهم لقومه لآذوهم، ولأصابوهم بسوء، وإن أضافهم عنده خشي ألا يستطيع حمايتهم.

فلما استقر الأمر على أن يستضيفهم عنده، وأسرع قومه إليه حين علموا بهم، وأخذوا يطلبونهم إليهم، ويلحون عليه دون حياء أو خجل، ثم دار حوار بينهم وبين لوطu، حوار يبين الحق من الباطل، حوار يبين وقاحتهم وفجورهم، قال تعالى: ]وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ(78)قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ(79)قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ ءَاوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(80)قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ[ (هود: الآيات 78-81)، وعن أبى هريرة رضي الله عنه قال: ) قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ عَلَى لُوطٍ إِنْ كَانَ لَيَأْوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ إِذْ قَالَ (لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ) فَمَا بَعَثَ اللَّهُ مِنْ بَعْدِهِ نَبِيًّا إِلَّا فِي ذِرْوَةٍ مِنْ قَوْمِهِ( (سنن الترمذي: 3041).

لما راود قوم لوط لوطاًu عن ضيفه، طمس الله أعينهم حتى لا يصلوا إليهم، قال تعالى: )وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ( (القمر: الآية 37)، ثم طمأنت الملائكة نبي الله لوطاًu فأخبروه بأنهم رسل من عند الله، جاءوا ليهلكوا أهل هذه القرية، بعد أن تفشت فيهم فاحشة، ما سبقهم بها من أحد من العالمين، كما أخبروه أيضاً بأنهم قد أرسلوا لنجاته، هو وأهله، إلا امرأته قدر الله أن تهلك مع الهالكين لكفرها، قال تعالى: )وَلَمَّا أَنْ جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالُوا لا تَخَفْ وَلا تَحْزَنْ إِنَّا مُنَجُّوكَ وَأَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ(33)إِنَّا مُنْزِلُونَ عَلَى أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ[ (العنكبوت: الآيتان 33، 34).

بدأت الملائكة تعطى تعليماتها للوطu، أخبروه كيف سينجونه هو وأهله!!، بينما أهل قريته لا يشعرون بما يحدث بين الملائكة ونبي اللهu، لقد اقتربت ساعة الهلاك، ولن تعود عقارب الزمن إلى الوراء، فقد حان وقت عقابهم ولا بد أن تنفذ الملائكة وعد الله، لابد من نصر لوطu والذين آمنوا معه على قومهم، قال تعالى: )إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ ءاَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الأَشْهَادُ( (غافر: الآية 51)، فهذا هو وعد الله الذي لا يُخلف.

كانت أوامر الملائكة للوطu واضحة ودقيقة قالوا: )فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(65)وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ( (الحجر: الآيتان 65، 66)، أوامر محددة وترتيبات واضحة، أمروه أن يسير خلف أهله، كي يحثهم على السير بسرعة، فلو كان في المقدمة لنظر خلفه للاطمئنان على أهله، وهذا يخالف أمرهم، بألا يلتفت منهم أحد، أمّا امرأته فيعلمون أنها ستهلك من دونهم، ويصيبها ما يصيب قومها، هذا كله كانت تعلمه الملائكة عن القرية من قبل هلاكها، فتلك المهمة قد أخبرهم الله بها لتنفيذها على هذا النحو.

إن الملائكة المنفذين لأوامر الله، ينفذون أوامره سبحانه بدقة بالغة، خطواتهم محسوبة، يأمرون لوطاًu أن يمضي هو وأهله حيث يؤمرون، يوجهونهم إلى الطريق والطريقة التي ينجون بها، وكأنهم قد ألبسوا آل لوط طوق النجاة، أليس ذلك هو وعد الله الذي وعدهم إياه؟.

إن الملائكة المنفذين يعلمون من الله أسلوب نجاة المؤمنين ووسيلته، وكذلك أسلوب إهلاك الكافرين ووسيلته، بل ويعلمون الأدوات التي ينفذون بها ذلك أيضاً، فهم ينفذون خطة إلهية محكمة لتدمير القرية وإهلاك أهلها، فها هم قد أُرسلوا إلى أهل هذه القرية ليهلكوهم بحجارة من طين، حجارة من سجيل منضود، معلمة ومُصَوَّبة يعرف كل حجر صاحبه الذي سوف يهلكه، يرصده فلا يفلته، إن الملائكة تعرف من الله تفاصيل المهمة التي أرسلوا لتنفيذها، حتى أنهم قد اخبروا بها إبراهيمu من قبل حين قالوا لإبراهيمu: )إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ(32)لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجَارَةً مِنْ طِينٍ(33)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ[ (الذاريات: الآيات 32-34).

وعن أسلوب إهلاك القرية، قال تعالى: ]فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ(82)مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ[ (هود: الآيتان 83,82)، يعني أنهم رفعوها لأعلى ثم قلبوها، فجعلوا عاليها سافلها، ثم جعلوها تهوي وغشوها بمطر من حجارة من سجيل، متتابع، ومسوم، أي معلم ومصوب على أهل البلدة الحاضرين والغائبين عنها في أماكن أخرى، قال تعالى: ]وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهِمْ مَطَرًا فَسَاءَ مَطَرُ الْمُنْذَرِينَ[ (الشعراء: الآية 173)، وقال تعالى: ]وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى(53)فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى[ (النجم: الآيات 54,53)، هكذا انتقم الله من قوم لوط في وقت قد حدده لهم (الصباح الباكر)، قال تعالى: )وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ[ (القمر: الآية 38)، بينما نجيّ لوطاًu وأهله في وقت آخر حدده أيضاً للناجين هو (وقت السحر)، قال تعالى: )إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ حَاصِبًا إِلاَّ ءَالَ لُوطٍ نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ( (القمر: الآية 34)، هكذا جعل الله لمهلكهم موعداً، إذا لا بد من وقوعه في وقته الذي حدده الله لهم، لعنة الله عليهم وغضبه، وقد أهلك الله امرأة لوط  معهم وجعلها مثلاً للكافرين، قال تعالى: )ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَتَ نُوحٍ وَاِمْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنْ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ( (التحريم: الآية10)0 (اُنظر صورة بحيرة لوط u)



[1] وقد جاء في التوراة قصة رزق إبراهيم وزوجه ولدهما إسحاق في سفر التكوين الإصحاح الحادي والعشرون:

1 وافتقد الرب سارة كما قال، وفعل الرب لسارة كما تكلم 2 فحبلت سارة وولدت إبراهيم ابناً في شيخوخته في الوقت الذي تكلم الله عنه 3 ودعا إبراهيم اسم ابنه المولود له الذي ولدته له سارة4 وختن إبراهيم إسحاق وهو ابن ثمانية أيام كما أمره الله 5 وكان إبراهيم ابن مائة سنة حيث ولد له إسحاق ابنه 6 وقالت سارة قد صنع إلي الله ضحكا كل من يسمع يضحك لي 7 وقالت من قال لإبراهيم سارة ترضع بنين حتى ولدت ابناً في شيخوخته فكبر الولد وفُطم وصنع إبراهيم وليمة عظيمة يوم فطام إسحاق.

[2] الأبقع: ما خالط لونه لون الأحمر.

[3] مُلمع: مشرق الضرع.

[4] أملح:" ما خالط بياضه سواد.

[5] أحلج: الحيوان لا قرن له.

[6] اللقحة: الناقة الحلوب غزيرة اللبن0

[7] تلك القصة وردت في العهد القديم ولم تتعرض لها المصادر الإسلامية على هذا النحو.