إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / أنبياء الله: تعريف وتاريخ




منظر علوي وجانبي للسفينة
آثار سد مأرب
أثر سفينة نوح
نحت في الجبل
مجسم لهيكل سليمان
مصحف عثمان
مكة المكرمة
مقام يحيى عليه السلام
المسجد الحرام
الكعبة المشرفة
بحيرة لوط عليه السلام
ختم الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى أمير البحرين
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى هرقل
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى النجاشي
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى المقوقس
رسالة الرسول - صلى الله عليه وسلم ـ إلى كسرى
صناعة الدروع والأسلحة
غار ثور
قبر أيوب عليه السلام

من مولد النبي إلى إرهاصات النبوة
من البعثة إلى الهجرة
من تأسيس الدولة إلى الوفاة
أولو العزم
نسب الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ارتفاع الجبال عن سطح البحر
شجرة أبناء آدم
قبة الصخرة والمسجد الأقصى

أهم الأصنام
ممالك اليمن
أوضاع اليهود بعد وفاة سليمان عليه السلام
هجرة إبراهيم عليه السلام
هجرة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
مراحل توحيد شبه الجزيرة العربية
أصحاب الرس
أصحاب السبت
أصحاب القرية
مكانا هبوط آدم وحواء
الوضع السياسي قبل البعثة
اتساع مملكة داود عليه السلام
توزيع الجنس البشري
بعثة نوح عليه السلام
بعثة هود عليه السلام
بعثة لوط عليه السلام
بعثة إلياس عليه السلام
بعثة أيوب عليه السلام
بعثة إدريس عليه السلام
بعثة إسماعيل عليه السلام
بعثة إسحاق عليه السلام
بعثة يونس عليه السلام
بعثة يوسف عليه السلام
بعثة داود عليه السلام
بعثة يعقوب عليه السلام
بعثة سليمان عليه السلام
بعثة صالح عليه السلام
بعثة شعيب عليه السلام
بعثة عيسى عليه السلام
بعثة ذي الكفل عليه السلام
بعثتا زكريا ويحيى عليهما السلام
حادث الفيل
خروج موسى من مصر
خروج موسى وهارون
رحلة محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى الشام
شبه الجزيرة العربية
طريق حج الأنبياء
عودة موسى إلى مصر
عبور بني إسرائيل
غزوات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ
ذرية نوح عليه السلام
قوم تُبع



قصص الأنبياء 1

المبحث الثاني عشر

موسىu من بعد هلاك فرعون حتى وفاته

أولاً: ما كان من أمر بني إسرائيل بعد هلاك فرعون

قال تعالى: ]وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ[ (الأعراف: الآية 137).

يبين الله تعالى ما كان من أمر فرعون وجنوده، كيف سلبهم عزهم ومالهم وأنفسهم، وكيف أورث بني إسرائيل أموالهم وأملاكهم من بعدهم، لقوله تعالى: ]كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ[ (الشعراء: الآية 59).

وبعد نجاة موسى وهارون عليهما السلام ومن معهما من بني إسرائيل، أخذت نساء بني إسرائيل يضربن الدفوف فرحاً بنجاتهم وبغرق فرعون وجنوده، ولما جاوز بنو إسرائيل البحر، وجدوا قوماً يعبدون أصناماً على هيئة بقر، فطلبوا من موسىu أن يجعل لهم عجلاً يعبدونه مثل هؤلاء القوم، قال تعالى: ]وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَهُمْ قَالُوا يَامُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ(138)إِنَّ هَؤُلاَءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ (الأعراف: الآيتان 139,138)، قالوا هذا من جهلهم وضلالهم، فحذرهم موسىu من ذلك القول، وبين لهم أن هؤلاء القوم هالكون بفعلهم، وبأعمالهم الباطلة الذاهبة هباء وسدى !!، وقال }أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَهًا وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ{ (الأعراف: الآية 140)، هكذا بين لهم موسىu أنهم لا يعقلون شيئا ولا يفقهون، أخذ يذكرهم بنعمة الله عليهم، فقد جعلهم ملوكاً، واتخذ منهم أنبياء، وآتاهم ما لم يؤت أحداً من أهل زمانهم، قال تعالى: ]وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَءَاتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ( (المائدة: الآية20).

ولما ذهبوا قاصدين الأرض المقدسة بفلسطين مكثوا ثلاثة أيام لا يجدون الماء، ثم وجدوا ماءً زعاقاً أجاجاً لم يستطيعوا شربه، فأمر الله موسىu أن يضرب بعصاه الحجر فانبجست منها اثنتا عشرة عيناً من الماء (عيون موسى بسيناء) قد علم كل أناس مشربهم، قال تعالى: )وَإِذْ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ( (البقرة: الآية 60)، فشربوا منها وأقاموا هناك، وعَلَّم الله موسىu الفرائض والسُنن والوصايا.

وبجانب الماء الذي فجره الله لهم من الأرض، ساق إليهم المن والسلوى وظللهم بالغمام[1]، قال تعالي: }وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ[ (البقرة: الآية 57).

ومع هذا الإكرام الإلهي لهم، تحركت نفوسهم المريضة واحتجوا على هذا الطعام، فقد اشتهت أنفسهم تلك الأطعمة المصرية التي كانوا قد اعتادوا عليها من قبل، من البقول، والقثاء، والفوم[2]، والعدس، والبصل، فقالوا لموسىu: )يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُم وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُو بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ[ (البقرة: الآية 61).

ثانياً: أمر الله لبني إسرائيل بدخول الأرض المقدسة

بعد أن خرج موسىu ببني إسرائيل من مصر، توجه بهم إلى الأرض المقدسة[3]حيث أمره الله بدخولها، قال ابن كثير هي بيت المقدس، وكان موسىu قد حرض بني إسرائيل على الجهاد ودخول بيت المقدس الذي كان بأيديهم في زمان أبيهم يعقوب، ثم لما اعتلى يوسفu العرش في مصر، ذهبوا إليه، وتركوا الأرض المقدسة التي كانوا بها، ثم ظلوا بمصر حتى خرجوا منها مع موسىu هربا من فرعون وجنوده، فلما وصلوا إلى الأرض المقدسة أمرهم موسىu بدخولها، وكان يسكنها في ذلك الوقت عمالقة جبارون، قال:) يَاقَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِين[ (المائدة: الآية21), لكن بني إسرائيل قوم اعتادوا الذلة وتمكن الصغار والهوان من أنفسهم، وألفوا الذل في أرض الفراعنة، فلم تكن لهم قوة على دخول تلك الأرض، وتمثل لهم شبح الموت فلم يشاءوا أن ينفذوا أمر ربهم، وقالوا لموسىu: ]يَامُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ[ (المائدة: الآية 22).

وقال لهم رجلان من الذين أنعم الله عليهم بالإيمان من الاثني عشر نقيباً: ]ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (المائدة: الآية 23)، قال الضحاك: هما رجلان على دين موسىu كانا من مدينة الجبارين هما (يوشع بن نون، وكالب بن يوقنا) فهما يعرفان العماليق (سكان مدينة الجبارين) حق المعرفة، يعرفان أنهم ذوو أجسام كبيرة، وقلوب ضعيفة، ولهذا قالا إذا دخلتم عليهم الباب أي (باب المدينة) فإنكم ستغلبونهم، فأبوا ذلك وقالوا لموسىu: ]فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ[ (المائدة: الآية 24).

وشكا موسىu إلى ربه أمر بني إسرائيل، فقد أدرك أن قومه لا يصلحون لشيء وقال: ]رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[ (المائدة: الآية 25)، فعاقبهم الله على ذلك بالتيه في الأرض أربعين سنة: }قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ[ (المائدة: الآية26) فكانوا يسيرون فيها على غير هدى أو مقصد ليلاً ونهاراً صباحاً ومساء، ويُقال إنه لم يخرج أحد من التيه ممن دخله، بل ماتوا كلهم في مدة أربعين سنة، وخلال تلك الفترة مات هارونu ومن بعده بثلاثة أعوام مات موسىu، ولم يبق من ذراريهم سوى يوشع بن نون، وكالب عليهما السلام، وهكذا كتب الله التيه على بني إسرائيل، فظلوا تائهين لمدة أربعين سنة.

ثالثاً: بنو إسرائيل في التيه ونزول التوراة على موسىu وطلبه رؤية ربه

رجع بنو إسرائيل عن قتال الجبارين، فعاقبهم الله تعالى بالتيه أربعين سنة, جرت خلالها أمور عجيبة، كانوا كأنهم يسيرون في دائرة مغلقة، فكلما ابتعدوا عن مكان عادوا إليه، من دون أن يدروا، يسيرون على غير هدى وبغير مقصد، ولما بلغوا جبل الطور، ترك موسىu قومه تحت إمرة أخيه هارونu، ثم صعد الجبل لميقات ربه، وقد سبق قومه متعجلاً الوصول إلى الميقات، شوقاً وحباً في ربه، وهناك أنزل الله عليه التوراة، لقد صعد موسىu إلى الجبل ليتلقى من ربه التوراة لمدة ثلاثين ليلة، وهو صائم، فلما أتم ميقات ربه استاك بلحاء شجرة ليغير من ريح فمه، فزاده الله عز وجل عشر ليالٍ أخرى ليتم الميقات أربعين ليلة، قال أكثر المفسرين كانت الليالي الثلاثون الأُوَل هي شهر ذي القعدة، وكانت الليالي العشر المتممات للميقات هي الليالي العشر الأُوَل من شهر ذي الحجة، قال تعالى: )وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاَثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً وَقَالَ مُوسَى لأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ وَلاَ تَتَّبِعْ سَبِيلَ الْمُفْسِدِينَ( (الأعراف: الآية 142).

وكانت الوصايا العشر هي:

عبادة الله وحده وعدم الإشراك به، عدم الحلف بالله كذبا، تخصيص يوم السبت للعبادة، إكرام الوالدين، معرفة أن الله وحده هو المانح والمعطى، عدم قتل النفس بغير حق، عدم الزنا، عدم السرقة، عدم شهادة الزور، لا يمد المرء عينيه إلى بيت صاحبه، أو امرأته أو عبده أو ثوره أو حماره.

غير أن موسىu كليم الله كان مشتاقاً لرؤية ربه، الذي يكلمه ولا يراه، فطلب النظر إلى ربه، أي أن الله يهيئه لرؤيته سبحانه وتعالى، فقال له ربه إنه لن يراه لأنه لن يصمد أمام رؤية نور الله عز وجل، ولكي يتأكد عملياً من مدى تأثير ذلك عليه، تجلى الله عز وجل للجبل، والمعروف أن الجبل هو أقوى وأكثر الأشياء ثباتاً على الأرض، فلما تجلى الله سبحانه وتعالى للجبل جعله دكا، ولم يتحمل موسىu هول ذلك المشهد فخر مغشياً عليه، فلما أفاق سبح لله وتاب إليه، ولم تكن توبته توبة معصية، إنما كانت توبة إنابة وخشوع لله عز وجل، قال تعالى: ]وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ(143)قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاَتِي وَبِكَلاَمِي فَخُذْ مَا ءَاتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ [(الأعراف: الآيتان 143، 144).

وأنزل الله على موسىu الألواح فيها من كل شيء، موعظة وتفصيلاً لكل شيء، وأمره بأن يأخذ ما جاء فيها بقوة، أي يطبق كل ما فيها بعزم وشدة، وأن يأمر قومه بأن يأخذوا بأحسنها.

رابعاً: عبادة بنو إسرائيل للعجل في غياب موسىu

كان موسىu قد اختار سبعين رجلاً من قومه للميقات، فلما قرب من الطور سبقهم شوقاً إلى سماع كلام ربه ورضاه، وسأل الله موسىu عن سبب تعجله عن قومه إلى الميقات، قال سبحانه: ]وَمَا أَعْجَلَكَ عَنْ قَوْمِكَ يَامُوسَى(83)قَالَ هُمْ أُولاَءِ عَلَى أَثَرِي وَعَجِلْتُ إِلَيْكَ رَبِّ لِتَرْضَى(84)قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ(85)( (طه: الآيات 83- 85)، وفى الميقات أخبر الله موسىu عن فتنة السامري لقومه من بعده، فقد استغل السامري غيبة موسىu وأضلَ قومه عن عبادة الله الواحد فصنع لهم عجلاً من الذهب له خوار كخوار الثور، وقال لهم هذا إلهكم وإله موسى، فغضب موسىu من قومه أشد الغضب لما سمع ذلك من ربه، وعاد إليهم وبيده الألواح أسفاً على ما فعلوه في غيبته، قال تعالى: )فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفًا قَالَ يَاقَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْدًا حَسَنًا أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ الْعَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخْلَفْتُمْ مَوْعِدِي(86)قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَارًا مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ(87) فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ(88)أَفَلا يَرَوْنَ أَلاَّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاَ وَلا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَلا نَفْعاً( (طه: الآيات83- 89).

عاد موسىu إلى قومه ومعه الألواح ثائراً يتملكه الغضب، وألقى الألواح من يده وأخذ برأس أخيه يجره إليه، يسأله عما حدث من قومه، ومن فتنة السامري لهم في غيبته، يسأله معاتباً كيف له أن يتركهم على هذا الحال، لقد ظن موسىu أن هارونu قد قصر في نصحهم وهدايتهم، فقال لهارونu: )يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا(92)أَلاَّ تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي(93)قَالَ يَبْنَؤُمَّ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي( (طه: الآيات 92- 94).

وكان موسىu رجلاً فيه حدة وقوة، وحاول هارونu أن يشرح لأخيهu ما حدث بينه وبين قومه في غيبته، موضحاً له محاولاته الجاهدة معهم كي يثنيهم عن ذلك، لكنهم تكاثروا عليه، واستضعفوه، وكادوا يقتلونه، وحاول هارونu أن يهدئ من غضب أخيه موسىu وأن يفلت من قبضته مذكراً إياه بأمه، وطالباً منه ألا يشمت به أعداءه، الذين كادوا يقتلونه، وقال لموسىu: }ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ{ (الأعراف: الآية 150).

استنكر هارونu فعل قومه في غيبة موسىu وقال لهم: )يَاقَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي( (طه: الآية 90)، لكن قومه كانوا أهل زيغ وضلال، فأصروا على عبادة العجل متحدين إياه، وعقدوا عزمهم على عبادة العجل فقالوا: )لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى( (طه: الآية 91) أي سيظلون عاكفين على عبادة العجل حتى يعود إليهم موسىu.

وكان السامري قد برع في صناعة وصياغة الذهب، وعلم أن قومه تستهويهم الأصنام، عرف ذلك منهم حين قالوا لموسىu (اجعل لنا إلهاً كما لهم إله)، وذلك وقت أن مروا على أناس يعكفون على أصنام لهم، فهنالك أدرك السامري الزيغ الذي يملأ قلوبهم، عرف أن من السهل التأثير عليهم وتغيير عقيدتهم، فقرر أن يصنع لهم عجلاً يشبه العجل الحقيقي، وجعله يحدث لهم خواراً كخوار الثور.

وبعد أن أخبر هارون موسىu بما حدث من قومه في غيبته، وبعد أن هدأ موسىu من غضبه، وترك رأس أخيه ولحيته، استغفر موسىu ربه وقال: ]رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلأَخِي وَأَدْخِلْنَا فِي رَحْمَتِكَ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[ (الأعراف: الآية 151)، ثم سأل موسىu السامري عما فعل قال: )فَمَا خَطْبُكَ يَاسَامِرِيُّ( (طه: الآية 95).

وكان السامري من أهل "باجرما"، وكان هناك من يعبدون البقر من قومه، فتمكنت من نفسه عبادة البقر مثلهم، والمشهور أن السامري قد رأى ما لم يره الآخرون من قومه، قالوا إنه رأى جبريلu على فرسه، وهو يغرق فرعون وجنوده، فقبض السامري بيده قبضة من أثر الفرس (أي من تحت حافره)، قال السامري: )بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا وَكَذَلِكَ سَوَّلَتْ لِي نَفْسِي(96)( (طه: الآية 96).

قال مجاهد ألقى السامري ما في يده على حلي بني إسرائيل، (وقد ذُكر أن بني إسرائيل قد استعاروا حلياً من آل فرعون قبل خروجهم من مصر)، ثم سبك السامري الحلي صنع منها عجلاً جسداً له خوار، ثم قال لقومه هذا إلهكم وإله موسى، هكذا أضل السامري قومه فعبدوا العجل في غياب موسىu، فلما عرف موسىu ذلك غضب من السامري غضباً شديداً وقال: }فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَيَاةِ أَنْ تَقُولَ لا مِسَاسَ وَإِنَّ لَكَ مَوْعِدًا لَنْ تُخْلَفَهُ{ (طه: الآية 97)، أي كما أخذت،ومسست ما لم يكن لك أن تأخذه وتمسه من أثر الرسول، فعقوبتك في الدنيا أن تقول لا مساس، فلا تمس الناس ولا يمسونك، عُزل عن المجتمع, وهام على وجهه في البراري, لا يمس أحداً, ولا يمسه أحد.

ثم شرع موسىu في حرق ذلك العجل المصنوع من الذهب، ذلك الإله الذي ظل السامري عاكفاً عليه هو وقومه في غيبته، وقال للسامرى: }وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا{ (طه: الآية 97)، فبعد أن أحرق موسىu العجل، ألقاه في اليم فبرد، وتطايرت ذراته في الهواء، فلم يبق منه شيء، وقال لبني إسرائيل منبهاً إياهم إلى وجود الله الواحد الذي وسع كل شيء علماً: ]إِنَّمَا إِلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا[ (طه: الآية 98).

خامساً: عقاب الله لبنى إسرائيل لعبادتهم العجل

عاقب الله السامري على صناعته العجل لقومه، بألا يمس أحداً ولا يمسه أحد، أما بنو إسرائيل فقد توعدهم الله بغضبه وبمذلته لهم في الحياة الدنيا، لقوله تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنَالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَذِلَّةٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ [(الأعراف: الآية152).

والغضب الذي صبه الله عليهم، ألا يقبل توبتهم عن عبادتهم العجل حتى يقتل بعضهم بعضاً، قال تعالي: ]وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَاقَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ { (البقرة: الآية-54). فأخذ يقتل بعضهم بعضاً بالخناجر والمشافر وغيرها، لا يحنو رجل على قريب ولا بعيد، ثم عفا الله بعد ذلك عن الباقين، فكان الذين قُتلوا في منزلة الشهداء، ومن لم يقتل منهم قبل الله توبته.

ثم اختار موسىu سبعين رجلاً من قومه ليعتذروا لله عن عبادة العجل، فلما ذهبوا لميقات ربهم، قالوا لموسىu نريد أن نرى الله جهرة، فأخذتهم الرجفة فماتوا جميعاً، قال تعالى: )وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا فَلَمَّا أَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ قَالَ رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ( (الأعراف: الآية 155).

ولما أخذتهم الرجفة ناشد موسىu ربه وأخذ يدعوه ويقول: يا رب ماذا يقول لي بنو إسرائيل حين أعود إليهم وقد مات خيارهم، لو شئت أن تهلكهم من قبل وإياي لأهلكتنا جميعا، أتهلكهم بما فعل السفهاء منهم، إن هي إلا فتنتك تضل بها من تشاء وتهدى من تشاء، وأخذ موسىu يتضرع إلى الله حتى استجاب له، وأحياهم من بعد موتهم لعلهم يشكرونه: قال تعالى: )وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ(55)ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ( (البقرة: الآيتان 55، 56).

سادساً: نتق الجبل فوق بني إسرائيل

بعد أن عرض موسىu على قومه ما جاء في التوراة من أمر ونهى، ثقل عليهم ذلك، وأبوا أن يقروا بما جاء فيها، فنتق الله الجبل فوقهم، أي رفعته الملائكة فوقهم كأنه سحابة تظلهم، ويقال إن الله أوحى إلى الجبل أن ينقلع من مكانه فانقلع إلى السماء، حتى إذا كان بين السماء وبين رؤوسهم قال لهم موسىu ألا ترون ما يقول الله عز وجل، لئن لم تقبلوا بما في التوراة وتأخذوا ما آتاكم ربكم بقوة، أي بجد وعزم لأرمينكم بهذا الجبل: )وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا ءاَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( (الأعراف: الآية 171)، فلما رأوا الجبل قد تعلق فوقهم ويلقي بظله على الأرض خروا لله سجداً على حاجبهم الأيسر، ونظروا إلى الجبل فوقهم خشية أن يسقط عليهم بأعينهم اليمنى، هكذا يفعل اليهود الآن فلا يسجدون إلا على حاجبهم الأيسر، ويقولون إن هذه السجدة هي التي رفعت بها العقوبة عنهم، قال تعالى: )وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمْ الطُّورَ خُذُوا مَا ءاَتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ( (البقرة: الآية 63).

سابعاً: قصة بقرة بني إسرائيل

قال الله تعالى: ]وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(67)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ(68)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ(69)قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ(70)قَالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ مُسَلَّمَةٌ لا شِيَةَ فِيهَا قَالُوا الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ(71)وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ(72)فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ (البقرة: الآيات 67-73).

قال ابن عباس وعبيدة السلماني وأبو العالية وغير واحد من السلف: إن رجلاً ثرياً من بني إسرائيل لم يكن له ولد يرثه, وكان له أقارب كل منهم يريد أن يستأثر بأمواله, والمال والذهب هما حياة بني إسرائيل، فتآمر على هذا الرجل ابن أخيه فقتله ليرثه ويستولي على أمواله، وأراد أن يُبعد التهمة عن نفسه, فحمل الجثة وألقاها على باب قرية مجاورة ليتهم أهلها بقتله, وفي الصباح قام أهل القرية فوجدوا جثة الثري أمام قريتهم, وعرفوا أنه غريب عن قريتهم، فسألوا عنه حتى وصلوا إلى ابن أخيه, فتجمع أهل القتيل عليهم واتهموهم بقتله, وكان أشدهم تحمساً ابن أخيه، فجعل يصرخ ويتظلم، فقالوا مالكم تختصمون ولا تأتون نبي الله؟ فجاء ابن أخيه فشكا أمر عمه إلى موسىu.

سألوا موسىu أن يسأل ربه عز وجل عن القاتل، فسأل موسىu ربه، فأمره أن يأمرهم بذبح بقرة، فقال موسىu لهم: ]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُواً[ (البقرة: الآية 67)، قالوا هل تسخر منا؟، فنحن نسألك عن أمر هذا القتيل، وأنت تأمرنا بشيء آخر، ]قَالَ أَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ[ (البقرة: الآية 67)، أي أعوذ بالله أن أقول لكم غير ما أوحي الله إلي، لكنهم شددوا على أنفسهم، وتراخوا في الفعل، فسألوه عن صفتها، ثم عن لونها، ثم عن سنها، فأجابهم موسىu بعد أن سأل ربه عن أسئلتهم، وبعد أن عقَّدوا الأمر على أنفسهم وصعبوه، ولو أنهم عمدوا إلى أي بقرة فذبحوها, لتم المطلوب، ولكنهم شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم.

سألوا موسىu أن يدعو ربه ليبين لهم ما هي تلك البقرة، فدعا موسىu ربه فأجابه، فقال موسىu لقومه: )إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ لا فَارِضٌ وَلا بِكْرٌ عَوَانٌ بَيْنَ ذَلِكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤْمَرُونَ( (البقرة: الآية 68)، وصفات هذه البقرة أنها عوان أي الوسط بين الفارض (الكبيرة)، والبكر(الصغيرة)، فلم يذبحوها، وشددوا وضيقوا على أنفسهم فسألوه عن لونها، فسأل موسىu الله عز وجل عن لونها، فأجابه الله على ذلك، فقال موسىu: )إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ( (البقرة: الآية 69) أي: لونها أصفر مشرب بحمرة، تسر الناظرين وهذا لون عزيز، ثم ساقوا حجة أخرى كي لا يذبحوها، فقالوا لموسىu: ]ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ[ (البقرة: الآية 70)، فرد عليهم موسىu بصفات أضيق مما تقدم، حيث أمرهم بذبح بقرة ليست بالذلول، أي (المُذللة) بالحراثة، وسقي الأرض بالساقية وغير ذلك، ومُسلمة: أي (صحيحة لا عيب فيها)، وقوله ]لا شِيَةَ فِيهَا[ (البقرة: الآية 71) أي ليس فيها لون يخالف لونها، وخالية من أي عيب، فلما حددوا معالمها وصفاتها قالوا: ]الآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ[ (البقرة: الآية 71).

قيل إنهم لم يجدوا بقرة بهذه الصفة إلا عند رجل منهم، كان باراً بأبيه، فطلبوها منه فأبى عليهم، فرغبوه في ثمنها حتى أخذوها, في البداية عرضوا عليه بوزنها ذهباً فأبى، فعرضوا عليه وزنها عشر مرات ذهبا، فباعها لهم، فأمرهم موسىu حينئذ بذبحها فذبحوها وما كادوا يفعلون: ]فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ[ (البقرة: الآية 72)، أي: ذبحوها، وهم مترددون في أمرها، ثم أمرهم الله أن يضربوا القتيل الذي وجدوه ببعضها (أي بأجزاء من جسمها) حتى يعلموا من القاتل، فلما فعلوا ذلك أحياه الله تعالى، فقام وتشخب أوداجه[4]، فسأله نبي الله موسىu، من قتلك؟ فقال ابن أخي هو الذي قتلني، ثم عاد ميتاً كما كان، قال الله تعالى: ]كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ[ (البقرة: الآية 73)، أي كما شاهدتم إحياء هذا القتيل بأمر الله، كذلك أمره في الآخرة، حيث يحيى الله سائر الموتى يوم القيامة.

ثامناً: قصة قارون

قيل هو قارون بن يصهب بن قاهث، ابن عم موسىu (موسى بن عمران بن قاهث)، فهو رجل من بني إسرائيل آتاه الله سعة في الرزق, واختصه بثراء واسع وكنوز عظيمة، حتى إن مفاتيح خزائنه كانت تنوء بالعصبة أولي القوة، وقد أخبر الله تعالى عن كثرة كنوزه في سورة القصص، وكان قارون مرموقاً في قومه، كل من رآه في زينته وأبهته تمنى أن يكون مثله، قال تعالى: ]إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَءَاتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ( (القصص: الآية 76).

وكان أولو العلم والإيمان من قومه يعظونه, ويبذلون له النصح والرشاد, ويحذرونه عاقبة ما هو عليه من الخيلاء والزهو والكبر والإفساد في الأرض، كما كانوا يقدمون له النصح بأن يبتغي فيما آتاه الله من الكنوز والأموال الكثيرة الدار الآخرة, وألا ينسى نصيبه من الدنيا، وألا يستخدم هذا الثراء فيما يُغضب الله بل يقوم بالإحسان إلى الفقراء كما أحسن الله إليه, قال تعالى عن قارون: )إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ(76)وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ(77)( (القصص: الآيتان 76، 77).

لكن قارون لم يبال بنصح الناصحين ولا إنذار المنذرين، وقال لهم مختالاً فخوراً: ]إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي[(القصص: الآية 78)، نسي أن الله هو الذي أنعم عليه بهذا المال وتلك الكنوز العظيمة، نسي أن الله عز وجل قد أهلك من قبله من القرون السابقة من هم أشد منه قوة وأكثر جمعاً, فما أغنت عنهم قوتهم ولا أموالهم ولا كنوزهم.

وفى أحد الأيام خرج قارون على قومه في زينته، خرج في موكب تحتشد له الحشود من الناس على جانبي الطريق، يظهر موكبه من بعيد كأنه قطعة صغيرة من الشمس، تلمع وتتلألأ في عيون الناظرين من شدة انعكاس الشمس عليها، تتحرك عربته المزينة كلؤلؤة مشعة تسير على الأرض، تتقدمها الخيول الكثيرة والحراس، إن هذا الموكب قطعة فنية رائعة، فالمركبة التي يركبها قارون مرصعة بالجواهر ومطعمة بالذهب الخالص والفضة والمعادن الثمينة، تعكس على عيون الناس أشعة الشمس المختلطة بألوان الطيف.

أما الخيول فهي قوية ومزينة بزينة باهرة، كأن خبراء الجمال في الدنيا قد اجتمعوا على تزيينها، وأما الحراس فهم يحملون في أيديهم السيوف اللامعة يرفعونها عالياً ويمسكون بها في قوة وانضباط، يلبسون ثياباً مزركشة ومحلاة ومزدانة بالألوان الزاهية، هي وحدها تلفت الأنظار، وتُعَدّ تحفة للملابس التي يلبسها الإنسان، ليعطوا بذلك إحساساً بالهيبة والإجلال لهذا الموكب الفريد، قال تعالى: ]فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا يَالَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ(79)وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ ءَامَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الصَّابِرُونَ(80)فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ الْمُنْتَصِرِينَ(81) [(القصص: الآيات 79-81).

هكذا نرى أن قارون عندما خرج على قومه في زينته, قال الذين يريدون الحياة الدنيا وزخرفها يا ليت لنا مثل ما أوتي قارون، فوعظهم أهل العلم بالبعد عن مطامع الدنيا وزخرفها، فإن الله لا يحب كل مختال فخور.

وفى حديث رسول اللهe، الذي يحذر فيه من الخيلاء وعقوبة الخسف، قال: )بَيْنَمَا رَجُلٌ يَجُرُّ إِزَارَهُ مِنَ الْخُيَلاَءِ خُسِفَ بِهِ فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ( (صحيح البخاري: 3226)، لم يعلم هؤلاء أن الله سيخسف به الأرض وهو في هذا النعيم، وبعد أن خسف الله به وبداره الأرض أدرك الذين تمنوا مكانه بالأمس أن الله قد من عليهم إذ لم يجعلهم أثرياء، فلو جعلهم مثل أثرياء مثل قارون ووهبهم كنوزاً مثله، لبغوا في الأرض واستكبروا فيها واختالوا على الناس، ولكان مصيرهم الخسف كما فُعل بقارون، قال تعالى: )وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ(82)تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِين( (القصص: الآيتان82، 83)، فالعبرة بمن أراد الآخرة، وسعى لها سعيها، وهو مؤمن، فالدار الآخرة جعلها الله لمن لا يريد علوا في الأرض ولا فسادا، بعكس ما كان يفعل قارون.

تاسعاً: قصة موسى والخضر عليهما السلام

قصة موسىu والخضر قصة العجائب الغيبية التي يقف أمامها العقل البشري حائراً، خاشعاً مسلماً لأمر الله وقضائه، فهي قصة رسول مُوحى إليه يكلم الله تكليماً، وقصة عبد صالح آتاه الله رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علماً.

قيل إن موسىu قام خطيباً في بني إسرائيل، فلما انتهى من خطبته سأله رجل منهم: هل تعلم أحداً أعلم منك؟ فقال: لا. فعتب الله عليه إذ لم يرد العلم إليه سبحانه، فأوحى الله إليه بأن يذهب عند ملتقى البحرين ليلتقي هناك بعبد من عباده، قيل هو(الخضر) كما جاء في صحيح البخاري، آتاه الله رحمة من عنده، وعلمه من لدنه علما. وفي حديث أبى بن كعب عن النبيe قصتهما، حيث قال: )قَامَ مُوسَى النَّبِيُّ خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ فَسُئِلَ أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ فَقَالَ أَنَا أَعْلَمُ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ قَالَ يَا رَبِّ وَكَيْفَ بِهِ فَقِيلَ لَهُ احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ فَإِذَا فَقَدْتَهُ فَهُوَ ثَمَّ فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ بِفَتَاهُ يُوشَعَ بْنِ نُونٍ وَحَمَلاَ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ حَتَّى كَانَا عِنْدَ الصَّخْرَةِ وَضَعَا رُءُوسَهُمَا وَنَامَا فَانْسَلَّ الْحُوتُ مِنَ الْمِكْتَلِ (فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَبًا) وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ لَيْلَتِهِمَا وَيَوْمَهُمَا فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ (آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا) وَلَمْ يَجِدْ مُوسَى مَسًّا مِنَ النَّصَبِ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ فَقَالَ لَهُ فَتَاهُ (أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلاَّ الشَّيْطَانُ) قَالَ مُوسَى (ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا) فَلَمَّا انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ إِذَا رَجُلٌ مُسَجًّى بِثَوْبٍ أَوْ قَالَ تَسَجَّى بِثَوْبِهِ فَسَلَّمَ مُوسَى فَقَالَ الْخَضِرُ وَأَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلاَمُ فَقَالَ أَنَا مُوسَى فَقَالَ مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ نَعَمْ قَالَ (هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رَشَدًا) قَالَ (إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) يَا مُوسَى إِنِّي عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لاَ تَعْلَمُهُ أَنْتَ وَأَنْتَ عَلَى عِلْمٍ عَلَّمَكَهُ لاَ أَعْلَمُهُ (قَالَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلاَ أَعْصِي لَكَ أَمْرًا) فَانْطَلَقَا يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُمَا سَفِينَةٌ فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ فَكَلَّمُوهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا فَعُرِفَ الْخَضِرُ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ فَجَاءَ عُصْفُورٌ فَوَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ فَنَقَرَ نَقْرَةً أَوْ نَقْرَتَيْنِ فِي الْبَحْرِ فَقَالَ الْخَضِرُ يَا مُوسَى مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلاَّ كَنَقْرَةِ هَذَا الْعُصْفُورِ فِي الْبَحْرِ فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ فَقَالَ مُوسَى قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا) فَكَانَتِ الأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا فَانْطَلَقَا فَإِذَا غُلاَمٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ مِنْ أَعْلاَهُ فَاقْتَلَعَ رَأْسَهُ بِيَدِهِ فَقَالَ مُوسَى (أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ) (قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا) قَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَهَذَا أَوْكَدُ (فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ) قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ فَأَقَامَهُ فَقَالَ لَهُ مُوسَى (لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ) قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى لَوَدِدْنَا لَوْ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَمْرِهِمَا( (صحيح البخاري: 119)، وتتلخص القصة في ثلاثة مشاهد عجيبة أشترط فيها الخضر ألا يسأله موسىu عن شيء خلالها، حتى يخبره هو بتأويلها:

1. المشهد الأول

ركوب الخضر وموسىu السفينة التي يمتلكها مساكين يعملون في البحر، ثم  يقوم بخرقها بلا سبب، قال تعالى: )فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا فِي السَّفِينَةِ خَرَقَهَا قَالَ أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا(71)قَالَ أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(72)قَالَ لاَ تُؤَاخِذْنِي بِمَا نَسِيتُ وَلاَ تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا(73)( (الكهف: الآيات 71 - 73)، لم يستطع موسىu أن يتحمل هذا المشهد الظالم دون أن يبدي اعتراضه، فمن المنطقي أن من ركب في سفينة لمساكين يعملون في بحر، أن يحافظ علي وسيلتهم التي يرزقون منها لا أن يخربها لهم!!، فلما ذكره الخضر بما تم الاتفاق عليه بينهما (بعدم سؤاله عن أي شيء يحدث أمامهما حتى يخبره بتأويله)، اعتذر موسىu له عن نسيانه وسؤاله له قبل أوانه.

2. المشهد الثاني

قتل الخضر غلاماً بغير ذنب وهو يلعب، قال تعالى: )فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلاَمًا فَقَتَلَهُ قَالَ أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَكِيَّةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا(74)قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِي صَبْرًا(75)( (الكهف: الآيتان 74، 75)، لقد فوجئ موسىu بهذا الفعل المنكر، فكيف يقتل الخضر غلاماً صغيراً بلا ذنب أو سبب، ذلك الدم الزكي الذي أهدره الخضر لا يمكن السكوت عليه، إن أقل ما يمكن لموسىu فعله هو استنكاره لما حدث من الخضر، فلا يمكن أن يقبل المنطق والعقل ما حدث!!، ولما ذكَّره الخضر بما اتفقا عليه من قبل، رجع موسى واعتذر عن سؤاله الذي كان في غير وقته، وقال: )إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلاَ تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا( (الكهف: الآية 76).

3. المشهد الثالث

دخول الخضر وموسىu قرية البخلاء، وامتناع أهلها عن ضيافتهما حين استطعما أهلها، ومع هذا قام الخضر ببناء جدار كاد أن يتهدم، بناه دون أن يأخذ عليه أجراً، قال تعالى: )فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً( (الكهف: الآية 77)، هنا يكتفي الخضر من مصاحبة موسىu ويتوقف، فقد صبر على أسئلته ثلاث مرات، وهذا يخالف شرط مصاحبته، لقوله: )فَإِنْ اتَّبَعْتَنِي فَلاَ تَسْأَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتَّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً( (الكهف: الآية 70).

وهنا يوضح العبد الصالح لموسىu سبب قيامه بتلك الأفعال العجيبة والغريبة، ثم بدأ يبين لموسىu علة ما حدث في المشاهد الثلاثة منه خلال آيات القرآن الكريم فيقول:

1. خرق السفينة: ]أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْباً( (الكهف: الآية79).

2. قتل الغلام: )وَأَمَّا الْغُلاَمُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا(80)فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا(81)( (الكهف: الآيتان80، 81).

3. بناء الجدار لقرية البخلاء: )وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا[ (الكهف: الآية 82)، إن أهل القرية لو علموا أو رأوا هذا الكنز لأخذوه، ولضاع حق اليتيمين فيه، فهؤلاء القوم لئام وبخلاء.

ويؤخذ في الحسبان أن الذي قص علينا قصة الخضرu هو الله تعالى: وإنها حدثت مع نبيه وكليمه موسىu، فهي رموز ضربها الله تعالى لنا حتى تكون قضية عقدية يستقبل بها الناس أحداث الحياة في مالهم إن كان سفينة، وفي ذواتهم إن كان ولداً، وفي جفوة الناس عنهم إن كانوا ظالمين.

إذاً الغاية من القصة هي الرضا بالقضاء والقدر، والتسليم لأمر الله تعالى تسليماً تاماً في كل الأمور سواء كانت خيراً أم شراً، فإن كل ما يحدث في الكون هو بقدر الله وقضائه، وعلى المرء أن يحمد الله تعالى ويشكره على كل حال، فأمر الله كله خير.

عاشراً: صفة موسىu وحجه إلى البيت العتيق

عن حجهu عن ابن عباس: )أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِوَادِي الأَزْرَقِ فَقَالَ أَيُّ وَادٍ هَذَا فَقَالُوا هَذَا وَادِي الأَزْرَقِ قَالَ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مُوسَى عَلَيْهِ السَّلاَم هَابِطًا مِنَ الثَّنِيَّةِ وَلَهُ جُؤَارٌ إِلَى اللَّهِ بِالتَّلْبِيَةِ( (صحيح مسلم: 241).

وعن صفتهu قال ابن عباس: )وَأَمَّا مُوسَى فَرَجُلٌ آدَمُ جَعْدٌ عَلَى جَمَلٍ أَحْمَرَ مَخْطُومٍ بِخُلْبَةٍ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِ إِذِ انْحَدَرَ فِي الْوَادِي يُلَبِّي( (صحيح البخاري:5458).

وعن صفته أيضاً قال ابن عمر: قال رسول الله e: )رَأَيْتُ عِيسَى ومُوسَى وَإِبْرَاهِيمَ فَأَمَّا عِيسَى فَأَحْمَرُ جَعْدٌ عَرِيضُ الصَّدْرِ وَأَمَّا مُوسَى فَآدَمُ جَسِيمٌ سَبْطٌ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ الزُّطِّ( (صحيح البخاري:3183).

    وعن صفة موسىu أيضاً في حديث أبى هريرةt إذ يقول:)قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ أُسْرِيَ بِهِ لَقِيتُ مُوسَى قَالَ فَنَعَتَهُ فَإِذَا رَجُلٌ حَسِبْتُهُ قَالَ مُضْطَرِبٌ رَجِلُ الرَّأْسِ كَأَنَّهُ مِنْ رِجَالِ شَنُوءَةَ( (صحيح البخاري: 3182).

حادي عشر: وفاة هارون وموسى عليهما السلام

يقول أهل الكتاب إن هارونu مات قبل موسىu، أما موسىu، فقد مات وعمره مائة وعشرون سنة، منها عشرون سنة في ملك أفريدون، ومائة سنة في ملك نبوخز، وعن مكان قبره في حديث أبى هريرة رضي الله عنه يقول: )قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهم عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَوْ كُنْتُ ثَمَّ لأَرَيْتُكُمْ قَبْرَهُ إِلَى جَانِبِ الطَّرِيقِ عِنْدَ الْكَثِيبِ الأَحْمَرِ( (صحيح البخاري: 1253)، ويُروى أن يوشع بن نون رآه بعد موته في منامه، فقال له: كيف وجدت الموت يا نبي الله؟ قال: كشاة تُسلخ وهي في الحياة.

ثاني عشر: ثناء الله تعالى على موسى وهارون عليهما السلام

علمنا من القصة ما كابده موسى وهارون عليهما السلام من بنى إسرائيل, وقد أثنى الله تعالى عليهما ثناءً طيباً لما كابداه من عنت قومهما وشدة مراسهم:

1. قال تعالى: } وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مُوسَى إِنَّهُ كَانَ مُخْلَصًا وَكَانَ رَسُولاً نَبِيًّا(51)وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا(52)وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيًّا(53){ (مريم: الآيات 51-53).

2. وقال تعالى: ]وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ(114)وَنَجَّيْنَاهُمَا وَقَوْمَهُمَا مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ(115)وَنَصَرْنَاهُمْ فَكَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ(116)وَءَاتَيْنَاهُمَا الْكِتَابَ الْمُسْتَبِينَ(117)وَهَدَيْنَاهُمَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(118)وَتَرَكْنَا عَلَيْهِمَا فِي الآخِرِينَ(119)سَلامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ(120)إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ(121)إِنَّهُمَا مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ[ (الصافات: الآيات 114-122).

3. وقال تعالى: ]قَالَ يَامُوسَى إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي[(الأعراف: الآية 144).

4. وقال تعالى: ] وَلَقَدْ ءَاتَيْنَا مُوسَى الْهُدَى[ (غافر: الآية53).

5. وقال تعالى: ] وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا[ (النساء: الآية 164).

6. وعن صبر موسىu على الأذى قال عبد الله بن مسعود بن غافل بن حبيب: )لَمَّا كَانَ يَوْمُ حُنَيْنٍ آثَرَ النَّبِيُّe أُنَاسًا فِي الْقِسْمَةِ فَأَعْطَى الْأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ مِائَةً مِنَ الْإِبِلِ وَأَعْطَى عُيَيْنَةَ مِثْلَ ذَلِكَ وَأَعْطَى أُنَاسًا مِنْ أَشْرَافِ الْعَرَبِ فَآثَرَهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْقِسْمَةِ قَالَ رَجُلٌ وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ الْقِسْمَةَ مَا عُدِلَ فِيهَا وَمَا أُرِيدَ بِهَا وَجْهُ اللَّهِ فَقُلْتُ وَاللَّهِ لَأُخْبِرَنَّ النَّبِيَّe فَأَتَيْتُهُ فَأَخْبَرْتُهُ فَقَالَ فَمَنْ يَعْدِلُ إِذَا لَمْ يَعْدِلِ اللَّهُ وَرَسُولُهُ رَحِمَ اللَّهُ مُوسَى قَدْ أُوذِيَ بِأَكْثَرَ مِنْ هَذَا فَصَبَرَ((صحيح البخاري:2917).

7. واتفقت الروايات كلها على أن الله تعالى لما فرض على محمدe وأمته خمسين صلاة في اليوم والليلة، مر بموسىu، فقال: ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف لأمتك، فلم يزل يتردد بين موسى وبين الله عز وجل، ويخفف عنه كل مرة، حتى صارت إلى خمس صلوات في اليوم والليلة، فجزى الله عنا محمداًe خيراً، وجزى الله عنا موسىu خيراً.

ثالث عشر: العظات المستفادة من قصة موسىu

1. إن الابتلاء الذي يُصاب به الإنسان في الدنيا يجب أن يقابله بالرضا، فقد يكون الخير العظيم في هذا الابتلاء، فها هو موسىu قد خرج خائفاً من آل فرعون، متبعاً نصيحة ذلك الرجل الذي جاء من أقصى المدينة، ناصحاً له بالابتعاد عن مصر؛ لأن الملأ يأتمرون به، فهاجر من مصر، وكان الخير كله في هجرته، فقد أبدله الله أهلاً بأهل وجيراناً بجيران، واصطفاه على الناس برسالته وبكلامه، وجعله رسولاً إلى بني إسرائيل لينقذهم من فرعون وآله الطغاة الماكرين.

2. إن الذي يتوكل على الله يهئ الله له من أمره يسراً، وقد قيض الله رجلاً لموسى (مؤمن آل فرعون) ليكون سبباً في نجاته.

3. إن الشخص المستمسك بربه لا يبالي بمن أمامه ولو كان عظيماً. فها هو فرعون يقول لموسىu: }إِنِّي لأَظُنُّكَ يَامُوسَى مَسْحُورًا { (الإسراء: الآية 101)، فيقول له موسىu غير مبال ببطش فرعون وقوته وملكه وسلطانه: } لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنزَلَ هَؤُلاء إِلاَّ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ بَصَائِرَ وَإِنِّي لأَظُنُّكَ يَافِرْعَوْنُ مَثْبُورًا{ (الإسراء: الآية 102).

4. إن الإيمان إذا تذوقه الإنسان، لا يبالي بما يحدث له من لوم أو تعذيب، فقد غلب الإيمان مشاعر السحرة فآمنوا بموسىu وإله موسى، ولم يبالوا بما أعده فرعون لهم من العذاب.

5. حلم موسىu وخوفه على قومه، فهاهو يتشفع لهم عند الله ليكشف عنهم العذاب (الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم)، على الرغم من أنهم كانوا ينكثون عهدهم مع الله في كل مرة، وكذلك حين ذهب نقباء قومه معه لتقديم توبة قومهم لربهم، فلما طلبوا رؤية الله تعالى جهلاً وعنتا,ً وأخذتهم الصاعقة، أخذ موسى يتضرع إلى الله ويقول: ]رَبِّ لَوْ شِئْتَ أَهْلَكْتَهُمْ مِنْ قَبْلُ وَإِيَّايَ أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا إِنْ هِيَ إِلاَّ فِتْنَتُكَ تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ(155)وَاكْتُبْ لَنَا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ إِنَّا هُدْنَا إِلَيْكَ[ (الأعراف: الآيتان 155، 156).



[1] المن: يميل طعمها إلى الحلاوة تفرزها بعض أشجار الفاكهة - والسلوى: نوع من أنواع الطيور يقال إنه "السمان".

[2] الفوم: أي الثوم – تفسير ابن كثير.

[3] قال مجاهد: هي "الطور وما حوله"، وقال ابن عباس والسدى وابن زيد: هي "اريحاء "، وقال الزجاج: هي "دمشق وفلسطين وبعض الأردن"، وقال قتادة: هي "الشام"، وهى تشمل كل ما قيل.

[4] أي تسيل دماً.