إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرى والمدن في القرآن الكريم




مدائن صالح
مدينة الحجر
مساكن الثموديين
معبد الكرنك
الأهرامات وأبو الهول
البحر الميت
البحر الميت من الفضاء
بيوت ثمودية
بيت المقدس
جبال تم نحتها بموقع العلا
خط بارليف
قبة الصخرة





المبحث الأول

المبحث الأول

قرى موصوفة

أولا: القرى المحصنة

قال تعالى: )لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْقِلُونَ( (الحشر: الآية 14).

قال الإمام القرطبي في تفسيره للقرى المحصنة : أي في قرى محصنة بالحيطان والدور، يظنون أنها تمنعهم منكم أيها المؤمنون، وفى تفسير الطبري: لا يقاتلكم اليهود جميعا إلا في قرى محاطة بالحصون المنيعة، أو من خلف حيطان، فتلك القرى هي قرى موصوفة بالقرى الحصينة، وهى من النوع الأول لأنواع القرى، وأحيانا يعرف العلماء الحصون بالأطام.

1. الأطم في اللغة: في لسان العرب، الأُطُم: هى حِصْنٌ مَبْنِيٌّ بحجارة، وقيل: هو كل بيت مُرَبَّع مُسَطَّح، وفى القاموس المحيط، الأُطْمُ، (بضَمَّةٍ ) وبضمتينِ: هى القَصْرُ، وهى كلُّ حِصْنٍ مبنِيٍّ بحجارَةٍ، وكلُّ بَيْتٍ مُرَبَّعٍ مُسَطَّحٍ.

2. والحِصْنُ في اللغة: هو كل موضع منيع لا يوصل إلى ما في جوفه، وجمع الحِصْنُ حصون، والحَصِينُ يعنى المُحْكَم أو المنيع، وحَصَّنْتُ القرية إذا بنيتَ وتَحصَّنَ العّدُوُّ فيها، وتَحَصَّن: إذا دخل الحصن واحتمى به.

3. مثال للقرى المحصنة التى بناها بنو النضير في عهد رسول الله e:

قال تعالى: ) هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ( ) الحشر: الآية 2).

هذه الآية تبين مدى شدة وقوة القرى الحصينة التي بناها بنو النضير، حتى حسبوا أن قراهم المحصنة هذه ستمنع وصول أيدي المؤمنين إليهم، وأن حصونهم ستمنعهم من عقاب الله، كما أن المؤمنين ظنوا أيضا أن تلك الحصون لن يخرج منها اليهود من شدة تحصنهم بها، قال تعالى: ) مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ( (الحشر: من الآية 2)، وهذا يؤكد أن اليهود كما قال عنهم القرآن الكريم، لا يقاتلون إلا وهم في قرى محصنة، أو من وراء جدر.

وفى معجم الأمكنة الوارد ذكرها في صحيح البخاري، تحت عنوان أطام المدينة، يقول سعد بن جنيدل عن تلك الحصون: هي حصون تبنى بالحجارة في المدينة، ويبين دقة جمع المعلومات التي توصف بعض تلك الأطام، فيقول: (اعتمد السنهوري في حديثه عن أطام المدينة، ومنازل قبائلها على ما ذكره المؤرخون: ابن شبَّة، والمطري، وابن النجار وغيرهم، وقد حرص في حديثه على الجمع بين أقوال من سبقه، وتحري الراجح منها، واستعان ببعض مشاهداته في هذه البلاد).

كما تحدث عبد القدوس الأنصاري، عن أطام المدينة وقال في حديثه: (وكان المُرْجى أن تُبقي لنا يد الأيام طائفة من الحصون والأطام الكثيرة، ولكنها لم تبق سوى ثلاثة منها هى: حصن كعب بن الأشرف، وأطم الضحيان، وأطم أبى دجانة بن سماك) ، وقد وصف عبد القدوس الأنصاري تلك الحصون والأطام كالأتي:

أ. حصن كعب بن الأشرف

يقوم الحصن على هضبة من الحرَّة الجنوبية الشرقية للمدينة، وطوله 33 م، وعرضه 33 م (أي مربع الشكل)، وهو تعريف الأطام، حيث يُعرف الأطم بأنه "كل بيت مربع مسطح"، كما أن ارتفاع ما بقي من جدرانه 4 م، وسمكها 1 م، والحصن له باب واحد في الجهة الغربية، وثمانية أبراج ضخام، بناؤها من حجارة ضخمة ملتصقة مباشرة ببعضها، وطول بعضها 140 سم، وعرضها 80 سم، وسمكها 40 سم، ولا أثر فيه للنقوش ولا للزخرفة، فالحصن عبارة عن بناء حربي محصن، وفى وسطه توجد رحبة واسعة مربعة الشكل، تبلغ مساحتها ألف م2، وهى غير مرصوفة ولا مبلطة.

فالصخور الحرَّية ناتئة فيها، وبينها انخفاضات وارتفاعات، وبجوانب الحصن من الداخل عشر غرف مختلفة الأقيسة، وأعاليه مهدمة، وفى الجهة الجنوبية خارج الحصن بئر ملاصقة له، وقد انهارت بطول الزمن، ويُدْخَل إليها من داخل الحصن بواسطة سلم حجري، ينزل المستقون منه، وقد طم التراب والحجارة المدخل والسلم.

ب. أطم الضحيان

هي أطم عظيمة مشيدة بحجارة الحرَّة السود، طولها نحو 27 م، وعرضها 12 م، وارتفاعها نحو 8 م، ولقد تساقط قسمه الجنوبي حتى ليكاد ينمحي أثره، أما القسم الشمالي فلا يزال متماسكاً عالياً مع تناثر كثير من حجارته العلوية، ولم يظهر أثر كبير لهذا التناثر من ضخامته، وهو واقع بالعرصة الكائنة غربي بئر شميلة، وشمالي العصبة. وأطم الضحيان طابعه جاهلي كأغلب أطام المدينة.

ج. أطم أبي دجانة

إن الطلل الباقي من هذا البناء المصمت، الشبيه في شكله واستدارته بأطم الضحيان، والموجود في الناحية الشمالية، من الحائط المربع في وهدة من الأرض، قرب الزقاق الموصل إلى فندق آل المدني، الذي أصبح مدرسة للبنات الآن، حيث تقع في الشمال الغربي من بئر بضاعة، و هذا الأطم هو بقية أطم أبي دجانة الأنصاري الساعدي.

والقرى المحصنة تأخذ أشكالاً متنوعة، منها القلاع، ومنها الحصون، ومنها الثغور، ومنها ما يسمى بالنقط القوية، كالتي كان يتحصن فيها الجيش الإسرائيلي في سيناء قبل حرب أكتوبر 1973، ومنها أيضا المستوطنات الإسرائيلية التي تحاط بأسوار وأسلاك شائكة وألغام، يتحصن فيها المستوطنون الإسرائيليون، سواء كانوا مدنيين أو عسكريين، كل هذه الأشكال المتنوعة في النهاية، تأخذ شكل القرى المحصنة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.

وتدخل الدبابات والمدرعات أيضاً ضمن ما يسمى بالقرى المحصنة، إذا تحركت فى مجموعات،حيث تشكل كل مجموعة منها ما يعد قرية صغيرة محصنة بالدروع، إلا أنها تتفرد عن غيرها من القرى المحصنة الأخرى، بأنها قرى متحركة، تتحرك على جنزير أو على عجل.

وسيظل اليهود يحتمون ويقاتلون من داخل تلك القرى المحصنة، على أنواعها المختلفة التي ذكرت، أو يقاتلون من وراء جدر كما ورد في القرآن الكريم، فما ذكر عن تلك القرى المحصنة في القرآن الكريم منذ أكثر من 1400 سنة، مازال وسيبقى موجودا طالما بقى القرآن الكريم، فحتى الآن لم تختف القرى المحصنة من الوجود، ولن تختفي مع مرور الأيام، لكنها قد تتلاشى وتندثر، ثم يظهر غيرها في شكل حديث ومتطور، غير الذي كنا نعرفه في عهد رسول الله e، فمن كان يتصور أن تتطور القرى المحصنة الواردة في القرآن الكريم، لتتخذ أشكالاً جديدة مثل القرى المحصنة المتحركة (الدبابات والمدرعات)؟.

إن ما ورد في القرآن الكريم من وصف للقرى المحصنة والجدر، سيبقى دائما وأبدا  موجودا بوصفه الوارد في كتاب الله حتى تقوم الساعة، وسوف تظل تلك العبارة القرآنية )لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعًا إِلَّا فِي قُرًى مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ(، سوف تتردد على ألسنة المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، مادام القرآن الكريم، والقرى المحصنة يراها الناس، في جميع وسائل الإعلام المرئية، ويسمعون عنها في جميع وسائل الإعلام المسموعة، ويقرءونها في جميع وسائل الإعلام المقروءة.

فعلى شاشات التلفزيون، وعبر الأقمار الصناعية وشبكة الإنترنت، ومن خلال الإذاعات، والصحف والمجلات، نشاهد ونسمع ونرى كيف يقاتل الإسرائيليون الشعب الفلسطيني الأعزل، إنهم يقاتلونهم وهم في قراهم المحصنة الثابتة والمتحركة، أو يقاتلونهم من وراء جدر وسواتر أسمنتية، يبنون جدرا عازلة بينهم وبين الفلسطينيين، ويحصنون قراهم أو (مستوطناتهم داخل الأراضي المحتلة) بحصون منيعة، كأنهم لا يقاتلون الإنسان، وإنما يقاتلون الجان.

لقد شاهد العالم، في عام 1973، قرى اليهود المحصنة، بعد هزيمتهم من الجيش المصري في حرب 1973، وهي القرى الحصينة التي كانوا يتحصنون فيها، من القوات المسلحة المصرية قبل الحرب، تلك الحصون المصممة لتتحمل أقوى أنواع الانفجارات الناتجة عن أشد أنواع القنابل والقذائف فتكاً.

لقد دمرها الله عليهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون، وبرغم تحصنهم في تلك القرى المحصنة، والتي كانت عبارة عن مجموعة من النقاط القوية الحصينة، على امتداد خط بارليف الشهير (اُنظر صورة خط بارليف الحصين)، إلا أن تلك الحصون قد هوت جميعاً حين أراد الله ذلك، هوت بشيء لم يخطر على بال!!، وأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقد فعل الله بهم ذلك من قبل في قرى بني النضير المحصنة، والتي ظنوا أنهم مانعتهم من الله، إلا أن حصونهم في هذه المرة، في حرب أكتوبر 1973، هوت بتأثير خراطيم مياه، وكانت مفاجأة ليس للجيش الإسرائيلي وحده بل للعالم كله!.

ومازالت بعض أثار تلك الحصون المتهاوية موجودة في سيناء، شاهدة على ذلك، وتستطيع أن تشاهد تفصيلاً، وعلى أرض الواقع، كيف كانوا يحصنون أنفسهم، إذا قمت بزيارة قصيرة لواحدة من تلك النقاط الحصينة الموجودة شرق قناة السويس، حيث كان الجيش الإسرائيلي يحتمي فيها من القوات المسلحة المصرية، ومثال ذلك، النقطة الحصينة الموجودة في (عيون موسى) شرق قناة السويس، فهي إحدى قرى اليهود المحصنة الباقية من حرب 1973، وهى شاهدة على هذا النوع من القرى المحصنة التي ورد ذكرها في القرآن الكريم.

ثانياً: القرى الظاهرة

قال تعالى:) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ( (سبأ: الآية 18).

1. الظاهر في اللغة:

الظاهر خلاف الباطن، قال تعالى: )أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً( (لقمان: من الآية 20)، وقول رسول الله e: (ما نزل من القرآن آية إِلاَّ لها ظَهْرٌ وبَطْنٌ ولكل حَرْفٍ حَدٌّ ولكل حَدّ مُطَّلَعٌ)؛ قال أَبو عبيد: قال بعضهم الظهر لفظ القرآن والبطن تأْويله.

وقيل: الظهر هو الحديث والخبر، والبطن هو ما فيه من الوعظ والتحذير والتنبيه والعبر، وقيل في تفسير قول رسول الله e لها (ظَهْرٌ وبَطْن)، قيل: ظهرها لفظها، وبطنها معناها، وقيل: أَراد بالظهر ما ظهر تأْويله وعرف معناه، وبالبطن ما بَطَنَ تفسيره، وقيل: قِصَصُه في الظاهر أَخبار، وفي الباطن عَبْرَةٌ وتنبيه وتحذير، وقيل: أَراد بالظهر التلاوة، وبالبطن التفهم والتعلم، وظَهَرَ الشيء ظُهوراً: تَبَيَّنَ، وأظْهَرْتُ الشيء: بَيَّنتُه، والظاهرة من العيون: أي الجاحظة، وظَهَرْتُ البيت: علوته، وظهر الشيء يظهر ظهورا، فهو ظاهر إذ انكشف وبرز، ولذلك سمِّيَ وقت الظُّهرِ والظَّهيرة، وهو أظهر أوقات النّهار وأَضْوَؤُها، وقريشُ الظَّواهِر سُمُّوا بذلك لأنهم ينزلون ظاهر مكة.

وفى تفسير القرطبي: قيل الظاهرة هي الصحة وكمال الخلق، والباطنة هي المعرفة والعقل. وقال المحسبي: الظاهرة نعم الدنيا، والباطنة نعم الآخرة.

2. القرى الظاهرة في القرآن الكريم[1]

في قوله تعالى: ) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ((سبأ: من الآية 18)، القرى الظاهرة، هي القرى البارزة على المحاور والطرق الرئيسة، أو القريبة منها، والتي يراها الغادون والقادمون، وظهور تلك القرى يمَّكِنْها من الاتصال بالمدن، والقرى المحيطة بها بسهولة ويسر، كما تتميز تلك النوعية من القرى، بزيادة نشاطها التجاري وكثرة الأسواق بها واقترابها من حضارة المدن.

قال وهب بن منبه عن القرى الظاهرة المذكورة في الآية 18 من سورة سبأ، هي قرى بصنعاء، وكذا قال أبو مالك، وقال مجاهد، والحسن، وسعيد بن جبير، ومالك عن زيد بن أسلم، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن زيد، وغيرهم، يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في (قرى ظاهرة) متواصلة، وقال العوفي عن ابن عباس: عن معنى القرى التي باركنا فيها: هي بيت المقدس، وقال أيضاً: هي قرى عربية بين المدينة والشام.

وفى تفسير الجلالين: جعل الله بين سبأ وبين القرى التي بارك الله فيها بالماء والشجر، جعل بينهما قرى الشام التي يسيرون إليها بالتجارة، وهي قرى ظاهرة متواصلة من اليمن إلى الشام، وقال قتادة: معنى ظاهرة أي المتصلة على طريق، يغدون فيقيلون في قرية، ويروحون فيبيتون في أخرى، وقيل كان على كل ميل قرية بسوق.

يذكرنا الله تعالى ما كان فيه أهل سبأ من النعمة، والغبطة والعيش الهنيء الرغيد، والبلاد الآمنة، والقرى المتواصلة المتقاربة بعضها من بعض، مع كثرة أشجارها وزروعها وثمارها، بحيث أن مسافرهم لا يحتاج إلى حمل زاد ولا ماء، بل إنه من حيث نزل وجد ماءً وثمرا، يقيِّل في قرية ويبيت في أخرى، بمقدار ما يحتاجه المسافرون في سيرهم ولهذا قال تعالى: )وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا( (سبأ: من الآية 18).

قال وهب بن منبه: عن القرى الظاهرة هي قرى بصنعاء، وكذا قال أبو مالك، وقال مجاهد والحسن وسعيد بن جبير ومالك، عن زيد بن أسلم وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد وغيرهم، يعني قرى الشام، يعنون أنهم كانوا يسيرون من اليمن إلى الشام في قرى ظاهرة متواصلة.

وقال العوفي عن ابن عباس: القرى التي باركنا فيها هى بيت المقدس، وقال العوفي عنه أيضا هي قرى عربية بين المدينة والشام ( قرى ظاهرة ) أي بينة واضحة، يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدة، ويبيتون في أخرى، ولهذا قال تعالى: ) وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ (، أي جعلناها بحسب ما يحتاج المسافرون إليه، قال تعالى: ) سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ(، أي الأمن حاصل لهم في سيرهم ليلاً ونهاراً.

وفى رسالة دكتوراه بجامعة الأزهر الشريف ـ بالقاهرة، بعنوان "مبهمات الأماكن الواردة في القرآن الكريم": القرى الظاهرة، هي القرى التي جعلها الله متواصلة، حسب احتياج المسافرين فيها، وكانت على الطريق بين اليمن والشام. وقال بعض علماء التفسير: أن تلك القرى كانت على امتداد الطرق التي بين اليمن والشام في عهد حضارة سبأ، وكانت تلك القرى الظاهرة على مسافات متقاربة، بحيث (تُقَيِّل) القافلة في قرية، و(تبيت) في القرية التي تليها، ومن ثم يجد المسافرون فيها الأمن والراحة، وذلك يشير إلى ما وصلت إليه حضارة العرب في سبأ، من رقى وازدهار، وامتداد سلطانها إلى ما حولها من الأقاليم.

وفى كتاب أخبار القرية في القرآن الكريم : في شرح معنى قوله تعالى: ) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آمِنِينَ( (سبأ: الآية 18). أن السبئيين هم قوم سكنوا بلاد اليمن، وأسسوا فيها مدنا عظيمة، ذات حصون وقلاع شامخة، وأقاموا سدا هو سد العرم المعروف تاريخياً، فأعطتهم أرضهم الخصبة الخير الوفير، وقد جعل الله بينهم وبين القرى المباركة قرى ظاهرة، يستريحون فيها عند السفر في التجارة من اليمن إلى الشام.

أما القرى غير الظاهرة فتسمى الكفور[2]، حيث تكون في أعماق الريف، بعيدة عن الأبصار، ويحتاج  الوصول إليها جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً، فهي عكس القرى الظاهرة، وهذا النوع من القرى، لا يتمتع المقيمون فيها بوفرة في المعلومات عن البلدان المجاورة، لبعدها الكبير عنهم فهم في أعماق الريف عادة؛ وغالباً ما تتأثر تجارتها بذلك نتيجة صعوبة اتصالها بالآخرين، وصعوبة الوصول إليها في عمق البلدان.

أما في العصر الحديث فقد استحدثت شبكة الطرق السريعة التي تربط بين كثير من أجزاء العالم، استحدثت نمطاً جديداً من وحدات السكن الصغيرة، تسمى (استراحة الطريق) Roadside, Rest, House، حيث تتوقف عندها السيارات للتزود بالوقود من ناحية، ويستريح فيها المسافرون بعضاً من الوقت من ناحية ثانية.

وقد تطورت تلك الاستراحات بعد ذلك لتشمل فنادق Motels عند مداخل المدن، وهذا النمط يقترب من النمط القديم الذي كان يسمى(الخان)، وهو الذي كان مخصصاً لخدمة القوافل في العالم القديم، وعلى ذلك تعد تلك القرى الظاهرة ممراً للمسافرين وليست مقراً.

 



[1] ظهر الشيء: بمعنى تَبَيَّنَ وبرز، والظَّاهِرَهُ من الأرض وغيرها: بمعنى المُشْرِفَةُ، وأظهر الشيء: بمعنى بينه، والقرى الظاهرة يعرفها المسافرون، يقيلون في واحدة (أي يستريحون فيها نهاراً )، ويبيتون في أخرى ليلاً.

[2] الكفور: هي القرى النائية البعيدة عن الأبصار، وهي عكس القرى الظاهرة .