إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرى والمدن في القرآن الكريم




مدائن صالح
مدينة الحجر
مساكن الثموديين
معبد الكرنك
الأهرامات وأبو الهول
البحر الميت
البحر الميت من الفضاء
بيوت ثمودية
بيت المقدس
جبال تم نحتها بموقع العلا
خط بارليف
قبة الصخرة





المبحث الخامس

المبحث الخامس

قرى طاغية متجبرة

أولاً: قوم فرعون

هذا هو المثال الأول لبعض القرى الظالمة، التي وردت في القرآن الكريم، واشتهرت بالطغيان والتجبر، وفى هذا المثال نبين قرية فرعون أو مدينة فرعون، وهى من القرى الظالمة التي اشتهرت بالطغيان والتجبر، وقد سبق الحديث عن القرى التي هي في حقيقتها مدن أو أشباه المدن، غير أن القرآن الكريم، يتعامل معها في جميع الأحوال على أنها قرى، وذلك كقوله تعالى: )وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِمْ مَوْعِدًا( (الكهف: الآية 59).

وقد بين القرآن الكريم في هذا المثال، واحدة من القرى الظالمة التي اشتهرت بالطغيان والتجبر، والتي يُضَربْ بها الأمثال في العالم كله، فقد كان فرعون طاغية من أعتى الطغاة على الأرض، أستخف قومه فأطاعوه فأصبح هو وجنوده من الطغاة المتجبرين في عهد موسى u.

1. طغيان فرعون

يتضح ذلك في قوله تعالى لموسى u: )اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى( (النازعات: الآية 17)، وقوله تعالى في سورة طه: )اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى( (طه: الآية 24). ويؤكد هذا الطغيان أيضاً، قوله تعالى لموسى وهارون عليهما السلام: )اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى( (طه:43 الآية ).

لقد استخف فرعون قومه فأطاعوه فأصبحوا طغاة مثله، قال تعالى: )فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ( (الزخرف: الآية 54).

وفى سورة الفجر، يبين الله طغيان فرعون، وما هم على شاكلته من القرى الطاغية المتجبرة مثل عاد وثمود. قال تعالى: )أَلَمْ تَرَى كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ) 6(إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7) الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ)8 (وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي)9 (وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ) 10 (الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ)11 (فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ) 12)( (الفجر: الآيات 6 – 12).

2. علو فرعون واستكباره في الأرض

 لقد جعل فرعون أهل مصر شيعاً متفرقين، يستضعف طائفة منهم، يذبح أبناءهم، ويستحيى نساءهم، ويؤكد القرآن الكريم تلك الحقيقة، حقيقة علو فرعون وتكبره في الأرض.

قال تعالى: )إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِ نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنْ الْمُفْسِدِينَ( (القصص: الآية 4).

وقال تعالى: )وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنْ الْمُسْرِفِينَ( (يونس: الآية 83).

وقال تعالى على لسان فرعون: )يَاأَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَاهَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنْ الْكَاذِبِينَ( (القصص: من الآية 38).

لقد بلغ من علوه وتجبره على قومه، أن قال أنا ربكم الأعلى، قال تعالى: )فَحَشَرَ فَنَادَى(23) فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمْ الْأَعْلَى (24)( (النازعات: الآيتان 23، 24). لقد أصبح فرعون مثالاً للحكام الطغاة المستبدين في العالم، مثالاً للطغاة المتجبرين في الأرض، في كل العصور.

3. شكوى امرأة فرعون إلى الله من طغيان فرعون وتجبره

إن طغيان فرعون وتجبره، جعل امرأة فرعون تشتكيه إلى الله، وقد بين القرآن الكريم ذلك في قوله تعالى: )وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا اِمْرَأَةَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ( (التحريم: الآية 11).

4. آل فرعون يمثلون القرى الطاغية المتجبرة في الأرض

لقد كان آل فرعون، وجنوده، يسومون بنى إسرائيل سوء العذاب، كانوا يذبحون أبناءهم، ويستحيون نساءهم. تدبر قوله تعالى: )وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ أَنجَاكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذَابِ وَيُذَبِّحُونَ أَبْنَاءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءَكُمْ وَفِي ذَلِكُمْ بَلَاءٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَظِيمٌ( (إبراهيم: الآية 6).

هكذا كان فرعون وقومه في مصر، يطغون ويتجبرون، وهناك من القرى والمدن في هذا العالم، يطغون ويتجبرون في الأرض بغير الحق، فعلوا ذلك في الماضي مثل قوم عاد وثمود، ويفعلون ذلك في الحاضر، ممن نسمع عنهم الآن، ونراقب أخبارهم في وسائل الإعلام المسموعة والمرئية والمقروءة، وسيفعل الظالمون الطاغون المتجبرون ذلك في المستقبل، وسيأخذهم الله أخذ عزيز مقتدر، كما أخذ فرعون وجنوده من قبل.

5. نهاية الطغاة المتجبرين

تدبر تلك المشاهد القرآنية، التي تبين حال فرعون، وجنوده، وقومه وهم يهلكون في العديد من الآيات:

قال تعالى: )وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَجُنُودُهُ بَغْيًا وَعَدْوًا حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ( (يونس: الآية 90).

وقوله تعالى: )وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ( (الأعراف: الآية 137).

وقوله تعالى: )وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمْ الْبَحْرَ فَأَنْجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنْتُمْ تَنظُرُون( (البقرة :الآية 50).

6. مصر هي قرى ومدن فرعون

قيل أن فرعون كان له ألف مدينة، واثنا عشر ألف قرية، ولعل أقدم المدن التي نشأت في مواطن حضارات العالم القديم، كانت هي تلك التي نشأت في مصر (اُنظر صورة الأهرامات وأبو الهول)، وقد ارتبطت المدن المصرية الباكرة بالدين، حيث يمكن جعل الدين عنصراً من عناصر التمايز الرئيس بين المدينة والقرية في مصر القديمة؛ فقد كان المعبد يمثل مركزاً للحياة والعمران في المدينة المصرية (اُنظر صورة معبد الكرنك).

ومن حول المعبد كانت المدينة تنمو وتمتد مساحتها، وتدور صور الحياة فيها، وكان وجود آلهة محلية للقطاعات عاملاً مهماً في نشأة المدن الإقليمية بمعابدها، وكان المعبد أو مقر الإله يقوم في وسط العواصم الإقليمية، في مبنى شامخ عظيم الجدران، يشرف على الأبنية من حوله وعلى الحقول المحيطة به.

ويذكر القرآن الكريم، كلمة (مصر) في العديد من الآيات منها قوله تعالى: )وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ( (البقرة: من الآية 61)، الموضع في هذه الآية هو لفظ (مصر) ولعلماء التفسير قولان:

أ‌.   أن المراد به مصر من الأمصار، وقد رَّجَع هذا القول الإمام ابن كثير في تفسيره.

ب. أن المقصود به (مصر) البلد المعروف الذي يطلقون عليه (مصر الفرعونية).

والظاهر أن القول الثاني هو الأرجح، لأن بنى إسرائيل كانوا يعيشون في مصر، قبل دخولهم أرض التيه، وقد تعودوا على مختلف أنواع المأكولات، من بقول وحبوب وغيرها، وكانوا يشتغلون بالزراعة، وألفوا الحياة فيها، فلما ذهبوا مع موسى u هرباً من فرعون، ومَّن الله عليهم، ونجاهم من عدوهم، ورزقهم رزقاً حسناً، وأنزل عليهم المن والسلوى، وظلل عليهم الغمام أيضاً. تاقت نفوسهم إلى رزق مصر وطعامها، فطلبوا من موسى u أن يدعو الله، ليخرج لهم مما كانت تنبت لهم الأرض فى مصر، وذلك حين قالوا: )فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا(.

قال موسى u: )اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ(، أي عودوا إلى (مصر) التي كنتم تعيشون فيها، فإن لكم ما سألتم. والأمر هنا )اهْبِطُوا مِصْرًا(، قد يكون للتقريع والتعجيز فإنهم (أي بنو إسرائيل) كانوا في التيه ولا يستطيعون الخروج منه.

وقد جاء ذكر مصر والإشارة إليها في مواضع كثيرة من القرآن الكريم، كما في قوله تعالى: )وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى وَأَخِيهِ أَنْ تَبَوَّءا لِقَوْمِكُمَا بِمِصْرَ بُيُوتًا( (يونس: من الآية 87)، ومصر في هذه الآية على قولان:

·   الأول: في قول مجاهد هي الإسكندرية، والإسكندرية من أرض مصر.

·   والثاني: في قول الضحاك: إنها مصر، ومصر هي ما بين البحر إلى أسوان.

وفى قوله تعالى: )وَقَالَ الَّذِي اشْتَرَاهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا( (يوسف: من الآية 21).

وفى قوله تعالى: )وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَنْ نَفْسِهِ( (يوسف: من الآية 30).

وفى قوله تعالى: )وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا وَالْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنَا فِيهَا وَإِنَّا لَصَادِقُونَ( (يوسف: من الآية 82)، والقرية في هذه الآية هي مصر وقيل هي منف، (أنظر خريطة خروج موسى u من مصر). قيل أيضا هي أحدى قرى مصر.

وفى قوله تعالى: )فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ( (يوسف: من الآية 99).

وفى قوله تعالى: )وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَاقَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي( (الزخرف: من الآية 51).

وقوله تعالى: )وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمْ الْوَارِثِينَ (5) وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ(6)( (القصص: الآيتان 5، 6). قال العلماء أن الأرض في هاتين الآيتين تعنى أرض مصر.

وأيضاً في قوله تعالى: )وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَامُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِين (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنْ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21)( (القصص: الآيتان 20، 21).

وفى قوله تعالى: )وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا( (القصص: من الآية 15)، وكذلك في قوله تعالى: )فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ( (القصص: من الآية 18)، هذه المدينة التي ورد ذكرها في الآيتين (هي عين شمس عاصمة الفراعنة في عهد موسى u)، وهو ما ذكره ياقوت في "المشترك وضعاً والمفترق صقعاً"، كما جاء أيضا في "تقويم البلدان"، وقد ذكر القزويني في كتابه "آثار البلاد وأخبار العباد": أن عاصمة فرعون في عهد موسى هي (منف) وهى الأرجح، (أنظر خريطة خروج موسى u من مصر).

وفى ذكر اليم الذي أُلقى فيه موسى u في قوله تعالى: )إِذْ أَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّكَ مَا يُوحَى(38) أَنْ اقْذِفِيهِ فِي التَّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسَّاحِلِ ((طه: الآية 38، ومن الآية 39). اليم هو البحر، والمراد به هنا (نهر نيل مصر)، لأن موسى بن عمران u وُلد في مصر، ولما خافت عليه أمه ألقته في اليم (نهر النيل) بوحي من الله: )وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنْ الْمُرْسَلِينَ( (القصص: الآية 7).

 وقد جاء في رحلة محمد بن أحمد جبير الكناني: أن موسى u كان في قرية تسمى (أشكر) في الضفة الشرقية من نيل مصر، على نحو 80 كم من الفسطاط، ومن هذه القرية ألقته أمه في اليم، وهى قرية تابعة حالياً لمركز (فاقوس) على طريق الحسينية (محافظة الشرقية)، وعلى بعد 40 كم من الزقازيق، ويمر بالقرب من قرية (أشكر) بحر موسى الذي يُطلق عليه حالياً (بحر موسى)، ويُعتقد أن موسى u حينما أُلقى في نهر النيل من قرية (أشكر) أخذه ماء النيل في اتجاه (صان الحجر)، وهى البلدة الأثرية التي كان بها بعض قصور الفراعنة في عهد موسى u.

وفى قوله تعالى: )إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى( (طه: الآية 12).

وقوله تعالى: )هَلْ أتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى(15) إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِي الْمُقَدَّسِ طُوًى (16)( (النازعات: الآيتان 15، 16). يأتي ذكر الوادي المقدس طوى، وهو الوادي الذي تلقى موسى u فيه الرسالة من الله، ، ويقع الوادي المقدس في شبه جزيرة سيناء في مصر، ويطل على جبل الطور من الجنوب الغربي.

كانت هذه بعض الملامح التي تبين إحدى القرى الطاغية المتجبرة، هي مصر التي كان يحكمها فرعون، وهو الذي استخف قومه فأطاعوه، فأصبحت مصر في عصره نموذجاً للقرى الطاغية المتجبرة، التي أخبر عنها القرآن الكريم.

ثانياً: قوم عاد

هذا هو المثال الثاني لبعض القرى الظالمة، التي وردت في القرآن الكريم، واشتهرت بالطغيان والتجبر، وفى هذا المثال نُبين قرية قوم عاد من أمثلة القرى الطاغية المتجبرة التي وردت في القرآن الكريم.

قال تعالى: )وَاذْكُرْ أَخَا عَادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقَافِ وَقَدْ خَلَتْ النُّذُرُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ( (الأحقاف: الآية 21).

وقال تعالى: )أَلَا إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ أَلَا بُعْدًا لِعَادٍ قَوْمِ هُودٍ( (هود: من الآية 60).

فقوم عاد هم قوم هود u، والأحقاف جمع حقف من الرمل، والعرب يسمون الرمل المعوج أحقافاً وحقفاً، وأحقوقف الهلال والرمل إذ أعوج، وقرية الأحقاف، هي قرية من قرى الكفار بالأحقاف باليمن، تقع شمال شرق (حضرموت) في جنوب اليمن، (أنظر خريطة بعثة هود u)، قال المسعودي في مروج الذهب: فحل عاد بن عوض وولده الأحقاف، من بلاد حضرموت.

وقال الأستاذ عبد الوهاب النجار في (قصص الأنبياء): كانت منازل عاد بأرض الأحقاف، وهى تقع شمال حضرموت. وقال الدكتور عبد الوهاب عزام في (مهد العرب): والذي في شمال حضرموت وشرقها يسمى الأحقاف. وقال الأستاذ صالح بن على الحامد في(تاريخ حضرموت): وأرض الأحقاف التي ذكرها الله I في القرآن الكريم ناحية بقرب حضرموت، وهى متصلة بها من ناحيتها الشرقية، كانت موطن عاد الأولى.

ومن عهود غير قريبة، كان وادي حضرموت يسمى (وادي الأحقاف). وقال بن حوقل في (صورة الأرض): حضرموت شرقي عدن، قريبة من البحر، ورمالها كثيرة وغزيرة، تعرف باسم الأحقاف، وكانت تسكنها قبيلة تسمى (عاد)، وكانت هذه القرية في صحراء تمتلئ بجبال رملية، وتطل على البحر، وكانت مساكنهم كبيرة الحجم، ولها أعمدة شديدة الضخامة والارتفاع، وكانت أجسامهم تتميز بالقوة والشدة والطول، يتباهون دائماً بقوتهم، ويقولون لمن يراهم من الناس: من أشد منا قوة ؟.. فلم يكن في زمانهم أحد في قوتهم، ومع ذلك كانت عقولهم مغلقة ومظلمة، وكانت عبادتهم المفضلة هي الأصنام.

قال عنهم رب العالمين أنهم قوم ]لم يُخْلَق مثلهم في البلاد[، دليلاً على قوتهم، قال تعالى: )أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ(6)إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ(7)الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلَادِ(8)((الفجر: الآيات 6 – 8). والصحيح الذي عليه المحققون من علماء التفسير، أن إرم ذات العماد هي قبيلة عاد نفسها، وليست مدينة كما هو شائع بين كثير من الناس، وسبب ذلك:

1. أن لفظ إرم عطف بيان على لفظ (بعاد) أو بدلاً منه.

2. أن عادا هم من أولاد إرم بن عوض بن سام بن نوح u.

3. ما جاء في هذه الآية من وصف أرم بلفظ (لم يخلق مثلها)، يؤكد أنها قبيلة وليست بناء، فلم يقل (لم يبن مثلها) وإلا كانت تعود على البناء.

4. وصفها بذات العماد يعنى القوة والبأس.

أرسل الله هوداً u رسولاً إليهم، كان هود u يدعوهم لترك عبادة الأصنام، فلم يبالوا بما يقول، وكانوا يستهزئون منه ويسخرون، فلما جاء أمر الله بإهلاكهم، نجى الله هوداً u والذين آمنوا معه برحمته، وأهلك الكافرين. أرسل عليهم ريحاً صر صرا عاتية، سخرها عليهم سبع ليالي وثمانية أيام متواصلة، ولو عاصرنا زمانهم وشاهدنا هلاكهم، لرأينا القوم في هذه القرية صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية، كانت تلك الريح لا تترك من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم، إنساناً كان أو حيواناً أو نباتاً، كأنها آتية من الجحيم !!.

يقول الدكتور مصطفى محمود عن قوم عاد: "إن قوم عاد يمثلون دوراً محورياً في القرآن، وهم يمثلون رموز الوفرة والغنى والثراء والعلوم والمعارف والإنشاءات العملاقة، والقوة المادية، والفقر الروحي، والعلو والتسلط والسيادة على الآخرين. وكل هذا نجده في أمريكا اليوم".

ويقول أيضاً "لا شك أن أمريكا هي رمز العلمانية والمادية، ولا شك أن الأمريكان هم عظماء هذه الدنيا بالمعنى المادي الدنيوي، وأيضاً بمعنى التفوق والسبق في العلوم والفنون والمعارف، وأساليب القتال، وهم أصحاب ناطحات السحاب والأبراج الشواهق. وفى هذه الأبراج تجد النوادي الوجودية، ونوادي الشواذ، وقاعات القمار، وكل صنوف العبث ودعارة الأطفال، ومدمني المخدرات. هي إذن عاد الثانية بدون منافس".

ثالثاً: قوم ثمود

هذا هو المثال الثالث لبعض القرى الظالمة، التي وردت في القرآن الكريم، واشتهرت بالطغيان والتجبر، وفى هذا المثال نبين قرية قوم ثمود، وهى من أمثلة القرى الطاغية المتجبرة التي وردت في القرآن الكريم.

قال تعالى: )وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آية فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ(73) وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ(74) قَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِمَنْ آمَنَ مِنْهُمْ أَتَعْلَمُونَ أَنَّ صَالِحًا مُرْسَلٌ مِنْ رَبِّهِ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلَ بِهِ مُؤْمِنُونَ(75) قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا بِالَّذِي آمَنتُمْ بِهِ كَافِرُونَ(76) فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَاصَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ(77) فَأَخَذَتْهُمْ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ(78)( (الأعراف: الآيات 73 – 78).

إن كلمة )دَارِهِمْ( تعنى ديار قوم صالح، وتعرف قديماً بالحجر (اُنظر صورة مدينة الحجر)، وحالياً يطلق عليها (مدائن صالح)، وتقع شمال المدينة المنورة، وتبعد عن المدينة المنورة بحوالي 300 كم، (أنظر خريطة بعثة صالح u)، وتبعد عن مدينة العلا نحو 25 كم شماليها، حيث تقع العلا بينها وبين المدينة (اُنظر صورة جبال تم نحتها). وقد مر رسول الله e على مدائن قوم صالح (اُنظر صورة مدائن صالح) وهو ذاهب لغزوة تبوك، في السنة التاسعة من الهجرة. وقد جاء ذكر مدائن قوم صالح والإشارة إليها في العديد من الآيات:

قال تعالى: )وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا قَالَ يَاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُمْ مِنْ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ(61)قَالُوا يَاصَالِحُ قَدْ كُنتَ فِينَا مَرْجُوًّا قَبْلَ هَذَا أَتَنْهَانَا أَنْ نَعْبُدَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا وَإِنَّنَا لَفِي شَكٍّ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ(62)قَالَ يَاقَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كُنتُ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَآتَانِي مِنْهُ رَحْمَةً فَمَنْ يَنصُرُنِي مِنْ اللَّهِ إِنْ عَصَيْتُهُ فَمَا تَزِيدُونَنِي غَيْرَ تَخْسِيرٍ(63)وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آية فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64)فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ(65)فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(66)وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ(67)( (هود: الآيات 61 – 67).

وقال تعالى: )وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا إِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحًا أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ يَخْتَصِمُونَ(45)قَالَ يَاقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ(46)قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ قَالَ طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ(47)وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ(48)قَالُوا تَقَاسَمُوا بِاللَّهِ لَنُبَيِّتَنَّهُ وَأَهْلَهُ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيِّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(49)وَمَكَرُوا مَكْرًا وَمَكَرْنَا مَكْرًا وَهُمْ لَا يَشْعُرُونَ(50)فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ(51)فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآية لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ(52)وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ(53)( (النمل: الآيات 45 - 53).

وقال تعالى: )وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِي( (الفجر: الآية 9).

وقال تعالى: )أَتُتْرَكُونَ فِي مَا هَاهُنَا آمِنِينَ(146) فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ(147) وَزُرُوعٍ وَنَخْلٍ طَلْعُهَا هَضِيمٌ(148) وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ(149)( (الشعراء: الآيات 146- 149). (اُنظر صورة مساكن الثموديين).

وقال تعالى: )كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ(23) فَقَالُوا أَبَشَراً مِّنَّا وَاحِداً نَّتَّبِعُهُ إِنَّا إِذاً لَّفِي ضَلَالٍ وَسُعُرٍ(24) أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ(25) سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ(26) إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ(27) وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ(28) فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ(29) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ(30) إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً وَاحِدَةً فَكَانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ(31)( (القمر: الآيات 23 - 31).

وقال تعالى: )وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ(80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(81)وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ(82)فَأَخَذَتْهُمْ الصَّيْحَةُ مُصْبِحِينَ(83)( (الحجر: الآية 80).

والحِجر يُطلق على عدة معان، منها حِجر الكعبة (حجر إسماعيل u)، ومنها (المنع) كما في سورة الفرقان في قوله تعالى: )وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا( (الفرقان: الآية 53)، ويطلق عليه العقل كما في قوله تعالى: )هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ( (الفجر: الآية 5). والمراد بالحِجر في سورة الحِجر، هو الوادي الذي فيه مدائن قوم صالح (ثمود).

قال الألوسي في تفسيره لسورة الحِجر في قوله تعالى: )وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ( (الحِجر: الآية 80): قال الراغب: "يسمى ما أُحيط به الحجارة حِجراً، وبه سمي حِجر الكعبة، وديار ثمود".

قوم ثمود كانوا من سكان شبه الجزيرة العربية القدماء، عاشوا منذ منتصف الألفية الرابعة قبل الميلاد إلى القرن الثاني قبل الميلاد، ويُعتقد بأنهم نشأوا جنوب شرق الجزيرة العربية، بين اليمن وعمان والربع الخالي في مدينة تسمى ثمود، ولكنهم انتشروا شمالاً نحو الحجاز، وسكنوا يثرب، وتيماء، والطائف، والحجر، والجوف، وحائل، والبتراء، وجازان.

وحسب الكتب القديمة فقد كانوا حضراً، وكان الله قد أطال أعمارهم، حتى أن أحدهم ليبني البيت من اللبن فينهدم وهو حي، فلمّا رأوا ذلك اتخذوا من الجبال بيوتًا (صورة بيوت ثمودية في جيزانوالكتابات والرسومات الثمودية لم يجدها علماء الآثار فقط في مدينة ثمود باليمن، وإنما في أنحاء شبه الجزيرة العربية كافة.

قال ابن جرير: الحِجر مدينة لثمود، والمقصود أن به منازل ثمود قوم صالح u (اُنظر صورة مساكن الثموديين). قال تعالى: )وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ)80) وَآتَيْنَاهُمْ آيَاتِنَا فَكَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ(81) وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا آمِنِينَ(82)( (الحِجر: الآيات 80 - 82). وقيل آمنين، أي آمنين من الخراب، أن تخرب بيوتهم التي نحتوها من الجبال، وقيل آمنين من الموت. وعن عبد الله بن عمر قال: مررنا مع رسول الله e على الحِجر، فقال رسول الله e: "لَا تَدْخُلُوا مَسَاكِنَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ إِلَّا أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ أَنْ يُصِيبَكُمْ مَا أَصَابَهُمْ ثُمَّ تَقَنَّعَ بِرِدَائِهِ وَهُوَ عَلَى الرَّحْلِ" (البخاري: 3129).

عن نافع: )أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ أَخْبَرَهُ أَنَّ النَّاسَ نَزَلُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ e عَلَى الْحِجْرِ أَرْضِ ثَمُودَ فَاسْتَقَوْا مِنْ آبَارِهَا وَعَجَنُوا بِهِ الْعَجِينَ فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ e أَنْ يُهَرِيقُوا مَا اسْتَقَوْا وَيَعْلِفُوا الْإِبِلَ الْعَجِينَ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْتَقُوا مِنْ الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَرِدُهَا النَّاقَةُ( (مسلم: 5293).

وقال الاصطخري: الحِجر قرية صغيرة قليلة السكان، وهى من وادي القرى، وبها كانت منازل ثمود الفارهة. قال تعالى: )وَتَنْحِتُونَ مِنْ الْجِبَالِ بُيُوتًا فَارِهِينَ( (الشعراء: الآية 149). وقال: رأيتها بيوتاً مثل بيوتنا في أضعاف الجبال (اُنظر صورة مساكن الثموديين)، وتسمى تلك الجبال (الأثالث)، وهى جبال إذا رآها الرائي من بعد ظنها متصلة، فإذا توسطها رأى كل قطعة منفردة بنفسها، يطوف بكل قطعة منها الطائف، كل قطعة قائمة بنفسها لا يصعدها أحدٌ إلا بمشقة شديدة، وبها بئر ثمود التي قال الله فيها وفى الناقة: )لَهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُوم( (الشعراء: من الآية 155).

وقال الحميري: الحِجر بلد ثمود بين الشام والحجاز، وقيل هو من وادي القرى، وهو حصين بين الجبال، وبه بيوت منقورة بالحجر، وبها الآن بئر ثمود، والحِجر يحيط بها من كل ناحية جبال ورمال لا يكاد أحد يرتقي ذروتها إلا بعد الجهد والمشقة، وكان نبيهم صالحاً u، وبيوتهم باقية منحوتة في الجبال، ورمتهم باقية وآثارهم بادية، وهم بين الشام والحجاز(صورة بيوت ثمودية في جيزان).

وقال البكري: الحِجر هو بلد ثمود بين الشام والحجاز، ولما نزل الرسول e بالحِجر في غزوة تبوك، استقي الناس بئرها، فلما راحوا، قال e: "لا تشربوا من مائها، ولا تتوضأوا منه للصلاة، ولا يخرجن منكم الليلة احد إلا ومعه صاحبه"، ففعل الناس ما أمرهم به الرسول e إلا رجلين من بنى ساعدة، خرج أحدهما لحاجته فخُنق على مذهبه، فدعا له رسول الله e فشفي، وخرج الأخر في طلب بعير له، فاحتملته الريح حتى طرحته بجبلي طيء، فأهدته طيء لرسول الله e حين قدم المدينة.

أرسل الله إلى ثمود صالحاً u رسولاً منهم، يدعوهم لترك عبادة الأصنام فلم يبالوا بما يقول، بل كانوا يسخرون منه ويستهزئون به.

ولقد تحدوا نبيهم أن يأتي بمعجزة، فأرسل الله إليهم ناقة مباركة معجزة خارقة وآية من آياته، أمرهم ألا يمسوها بسوء ويذروها تأكل في ارض الله، يقال إنها كانت تشرب المياه التي في الآبار في يوم دون بقية الحيوانات، حتى إذا انقضى ذلك اليوم، أصبح الشرب مباحاً لبقية الحيوانات، ولقد خرجت تلك الناقة من صخور الجبل وسميت (ناقة الله) لأنها معجزة الله، أرسلها إليهم لعلهم إليه يرجعون.

فلم يبالوا بها وكذبوا نبيهم، وأرسلوا تسعة مجرمين من المدينة استباحوا دمها، فوعدهم صالح u بهلاكهم بعد ثلاثة أيام، فلما جاء أمر الله نجى صالحاً u والذين آمنوا معه برحمة منه، وأهلك الكافرين، أهلكهم بالصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين.

تدبر حوار صالح u مع قومه في هذا الأمر، قال تعالى: )وَيَاقَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللَّهِ لَكُمْ آية فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللَّهِ وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ(64) فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ(65) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا صَالِحًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنَّا وَمِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ(66) وَأَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ(67)( (هود: الآيات من 64- 67).

تُعد مدائن صالح من أقدم الآثار وأشهرها وأعظمها عبرة، ومدائن صالح تقع بالقرب من مدينة تبوك في شمال المملكة العربية السعودية، وتشمل عدة كهوف ومقابر منحوتة في الجبال لأقوام حكموا شعوب هذه المنطقة، من آشوريين وأنباط ورومان وعرب، كما ارتبطت المدائن بقوم ثمود الذين عايشوا النبي صالح u. ومدائن صالح u سُميت في عهد الرسول e بمدينة (الرحبة). (اُنظر صورة مدائن قوم صالح).

ويُشاهد عند مدخل كل جبل دهليز مفرغ، ثم سُلم من الصخر يصعد إلى بعض المجالس الجبلية وبعض المصاعد التي توصل إلى غرف واسعة، أمامها مقدمة جبلية فيها نحت كالشباك تطل منه على نوافذ صغيرة يدخل منها نور وشمس وريح، حتى إن الهواء إذا انطلق بشدة في جوف هذه الجبال، يخيل إلى الزائر أنه أصوات موسيقية، كما يشاهد على المداخل ونوافذ معظم الجبال نقوشاً قديمة الحفر، وبعض الكتابة "الثمودية"، كأنها توحي باسم صاحب الجبل المنحوت وأفراد عائلته وتاريخ نحته.

تقع الحجر على بعد 22 كم شمال شرق مدينة العلا ـ عند دائرة عرض 47ـ26 شمالاً، وخط طول 53ـ37 شرقاً ويطلق الحِجر على هذا المكان منذ أقدم العصور، ويستمد الحِجر شهرته التاريخية من موقعه على طريق التجارة القديم الذي يربط جنوب شبه الجزيرة العربية والشام.

حسب علم الآثار، فقد سكن مدينة الحِجر الثموديون في الألفية الثالثة ق.م. ومن بعدهم سكنها اللحيانيون في القرن التاسع ق.م، وفي القرن الثاني ق.م احتل الأنباط مدينة الحجر، وأسقطوا دولة بني لحيان واتخذوا من بيوت الحجر معابد ومقابر، وقد نسب الأنباط بناء مدينة الحجر لنفسهم في النقوش التي عثر عليها. وتحتوي مدينة الحجر على كمية هائلة من النقوش المعينية، واللحيانية، والتي تحتاج لدراسة وفك لرموزها. ومناطق العلا وديدان والخربية هي آثار لحيانية، وأقدمها ربما يعود إلى 2110 ق.م وقد دمر جزء منها بزلزال، وأما مدينة الحجر فهي آثار المعينيين، التجار الثموديين الأوائل القادمين من جنوب الجزيرة العربية.

وفي عام 2008، أعلنت منظمة الأمم المتحدة للعلوم والتربية والثقافة، أن مدائن صالح موقع تراث عالمي، وبذلك يصبح أول موقع في السعودية ينضم إلى قائمة مواقع التراث العالمي، ثم يلي ذلك حي الطريف في مدينة الدرعية التاريخية.

روى البخاري: عن عبد الله بن عمر t قال: (بعت من أمير المؤمنين عثمان t مالاً بالوادي بمال له بخيبر، فلما تبايعنا رجعت على عقبي حتى خرجت من بيته خشية أن يرادَّنى البيع، وكانت السُنة، أن المتبايعين بالخيار حتى يتفرقا، قال عبد الله: فلما وجب بيعي وبيعه، رأيت أنى قد غبنته بأني سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال، وساقني إلى المدينة بثلاث ليال)، والمقصود بالوادي في هذا الحديث هو وادي القرى وهو كذلك بلاد ثمود.

قال ابن حجر: الوادي يعنى وادي القرى، وقوله: (سقته إلى أرض ثمود بثلاث ليال) أي زدت المسافة التي بينه وبين أرضه التي صارت إليه، على المسافة التي كانت بينه وبين أرضه التي باعها بثلاث ليال، وقوله: (وساقني إلى المدينة بثلاث ليال) يعنى انه نقَّص المسافة التي بيني وبين أرضى التي أخذ بها، على المسافة التي كانت بيني وبين أرضى التي بعتها بثلاث ليال، وإنما قال: إلى المدينة لأنهما جميعاً كانا بها، فرأى ابن عمر الغبطة في القرب من المدينة، وذلك أن أرض ابن عمر التي باعها على عثمان t كانت في وادي القرى، وأرض أمير المؤمنين عثمان t التي باعها على ابن عمر، كانت في خيبر، فقربت أرض ابن عمر له في خيبر بمسافة ثلاثة أيام، وبعدت أرض أمير المؤمنين عثمان t بمسافة ثلاثة أيام شمالاً لأنها أصبحت في وادي القرى.

وبهذا يتبين أن المسافة بين المدينة وبين أدنى وادي القرى، مسيرة ست ليال، وأن خيبر تقع في منتصف هذه المسافة.