إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرآن الكريم









الملحق الرقم ( 3 )

مقدمة

من فضل الله على الإنسان، أنه لم يتركه في الحياة ضائعاً، بل غرس فيه فطرة سليمة تقوده إلى الخير وترشده إلى البرِّ. ثم زاد الله من فضله، فبعث إلى الإنسان، بين فترة وأخرى، رسولاً يحمل إليه كتاباً يدعو إلى معرفة الله وتوحيده، يبشره وينذره، قال تعالى: ]وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اُعْبُدُوا اللهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ[ (سورة النحل: الآية 36). وذلك لإقامة الحجة على الإنسان، قال تعالي: ]رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ[ (سورة النساء: الآية 165).

فلمّا اكتمل نضج الإنسانية، وازداد رقيها وتطورها، أراد الله أن يختم الرسالات، فأشرقت الدنيا برسالة محمد r ليكمل البناء، الذي بدأه إخوانه السابقون من الرسل. وأيده الله بآخر كتبه، وأعظمها، القرآن الكريم رسالة الإنسانية كافة: ]تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا[ (سورة الفرقان: الآية 1). ]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[ (سورة الأعراف: الآية 158). ذلك أن رسالة الإسلام، التي حملها القرآن إلى الناس، على لسان نبيه، هي للناس كل الناس، وبذلك تختلف عن الرسالات الأخرى، حيث كان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة.

فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي. كَانَ كُلُّ نَبِيٍّ يُبْعَثُ إِلَى قَوْمِهِ خَاصَّةً، وَبُعِثْتُ إِلَى كُلِّ أَحْمَرَ وَأَسْوَدَ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَلَمْ تُحَلَّ لأَحَدٍ قَبْلِي؛ وَجُعِلَتْ لِيَ الأَرْضُ طَيِّبَةً طَهُورًا وَمَسْجِدًا، فَأَيُّمَا رَجُلٍ أَدْرَكَتْهُ الصَّلاَةُ صَلَّى حَيْثُ كَانَ؛ وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ بَيْنَ يَدَيْ مَسِيرَةِ شَهْرٍ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 810).

ولن تكون هناك رسالة أخرى بعد رسالة محمد عليه أفضل الصلاة والسلام: ]مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ[ (سورة الأحزاب: الآية 40).

أولاً: القرآن لغة واصطلاحاً

القرآن في اللغة مصدر مرادف للقراءة، على وزن فُعلان، مثل غُفران وشكران، ومعناها ضم الحروف والكلمات بعضها إلى بعض في الترتيل، ومنه قوله تعالى: ]إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْءَانَهُ (17) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ[ (سورة القيامة: الآيتان 17، 18). ثم نُقل من هذا المعنى المصدري، وجُعل اسما للكلام المعجز، المنزّل على محمد r المكتوب في المصاحف، المنقول عنه نقلاً متواتراً بلا شبهة.

وفي الاصطلاح: القرآن والقراءات حقيقتان متغايرتان، فالقرآن هو الوحي المُنزّل على محمد r للبيان والإعجاز، والقراءات اختلاف ألفاظ الوحي المذكور في الحروف أو كيفيتها، من تخفيف وتشديد وغيرهما.

وذكر بعض العلماء أن هذا الكتاب سَمّي "قرآناً"، من بين كتب الله السابقة، لكونه جامعاً لثمرة كتبه، بل جامعاً لثمرة جميع العلوم. كما أشار تعالى إلى ذلك بقوله: ]وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ[ (سورة النحل: الآية 89)، وقوله ]مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ[ (سورة الأنعام: الآية 38). وهو كلام الله المُنزّل على محمد،  المُتعبد بتلاوته، المبدوء بسورة الفاتحة المختوم بسورة الناس، المنقول إلينا بالتواتر.

وقد سماه الله بأسماء كثيرة، منها:

القرآن: ]إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[ (سورة الإسراء: الآية 9).

والكتاب: ]لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُم[ْ (سورة الأنبياء: الآية 10).

والفرقان: ]تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا[ (سورة الفرقان: الآية 1).

والذكر: ]إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ[ (سورة الحجر: الآية 9).

والتنزيل: ]وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِين[َ (سورة الشعراء: الآية 192).

ووصف الله القرآن بأوصاف كثيرة، كذلك، منها:

"نور": ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا[ (سورة النساء: الآية 174).

وهدى، وشفاء، ورحمه، وموعظة: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ[ (سورة يونس: الآية 57).

ومبارك: ]وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ[ (سورة الأنعام: الآية 92).

ومبين: ]قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ[ (سورة المائدة: الآية 15).

وبشرى: ]مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ[ (سورة البقرة: الآية 97).

وعزيز: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ[ (سورة فصلت: الآية 41).

ومجيد: ]بَلْ هُوَ قُرْءَانٌ مَجِيدٌ[ (سورة البروج: الآية 21).

وبشير ونذير: ]كِتَابٌ فُصِّلَتْ ءَايَاتُهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا[ (سورة فصلت: الآيتان 3، 4).

وكل اسم أو وصف للقرآن الكريم، مستمد أو مشتق من معنى من معانيه.

ثانياً: الفرق بين القرآن والحديث القدسي

قد تلتبس على بعض الناس ألفاظ القرآن مع ألفاظ الحديث القدسي، وهو الحديث الذي، ينسبه النبي، r إلى الله تعالى. أي أن النبي يروي الحديث، الذي هو من عند الله، بلفظ من عنده. وإذا روى الحديث أحد الرواة، رواه عن رسول الله، مسنداً إلى الله عز وجل، فيقول: قال رسول الله، r قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى.

هناك عدة فروق بين القرآن الكريم، والحديث القدسي، أهمها:

1. أن القرآن كلام الله أوحى به إلى رسوله بلفظه، وتحدى به العرب، فعجزوا عن أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور مثله، أو بسورة واحدة من مثله. بينما الحديث القدسي لم يقع به التحدي والإعجاز.

2. القرآن الكريم لا ينسب إلاّ إلى الله تعالى، فيقال: قال الله تعالى. بينما الحديث القدسي قد يروى مضافاً إلى الله وتكون النسبة إليه حينئذ نسبة إنشاء، فيقال قال الله تعالى، أو يقول الله تعالى، وقد يروى مضافاً إلى رسول الله r وتكون النسبة حينئذ نسبة إخبار لأنه، عليه الصلاة والسلام، هو المخبر به عن الله، فيقال: قال رسول الله، r فيما يرويه عن ربه عز وجل.

3. القرآن الكريم جميعه منقول بالتواتر[1]، فهو قطعي الثبوت[2]. والأحاديث القدسية أكثرها أخبار آحاد[3]، فهي ظنية الثبوت. وقد يكون الحديث القدسي صحيحاً[4]، وقد يكون حسناً[5]، وقد يكون ضعيفاً[6].

4. القرآن الكريم من عند الله لفظاً ومعنى، فهو وحي باللفظ والمعنى. والحديث القدسي معناه من عند الله، ولفظه من عند الرسول، r على الصحيح؛ فهو وحي بالمعنى دون اللفظ، ولذا تجوز روايته بالمعنى عند جمهور المحدثين.

5. القرآن الكريم متعبد بتلاوته، فهو الذي تتعين القراءة به في الصلاة ]فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْءَانِ[ (سورة المزمل: الآية 20) وقراءته عبادة يثيب الله عليها، وفقاً لِما ورد في الحديث أنّ رَسُولُ اللَّهِ r قال: ]مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ وَالْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا لاَ أَقُولُ الم حَرْفٌ وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ[ (رواه الترمذي، الحديث الرقم 2835) والحديث القدسي لا يُقرأ (يتلى) في الصلاة، ولكن الله يثيب على فهمه والعمل به.

ثالثاً: القرآن والإعجاز

نزل القرآن واللغة العربية في قمة ازدهارها، حيث كانت تقام المهرجانات الأدبية في أسواق العرب المختلفة. وكان فحول الشعراء يتبارون في القصيد والإنشاد، ليسمع الآخرون أشعارهم، ويفاضلوا بينهم. إلاّ أن نزول القرآن أحدث ضجة في صفوف بلغائهم، فكان المقصد من نزوله أن يقوم آية شاهدة برسالة الرسول، r وأن يبقى على الدهر معجزة خالدة، ينطق بالهدى ودين الحق. وأن تكون المعجزة في نقطة قوتهم، وهي البلاغة، مع أن وِجوه إعجاز القرآن كثيرة، إلاّ أن بلاغته العليا هي أبرز وجوهه وجوداً، فقد تحدى الله بالقرآن أئمة البيان في عصر ازدهاره والنبوغ فيه، فعجزوا عن محاكاته، وكان سائر الخلق أشد عجزاً. فبلاغة القرآن تمثلت فيما اشتمل عليه من الخصوصيات والاعتبارات الزائدة، فهي سارية فيه سريان الماء في العود الأخضر، أو سريان الروح في الجسم الحي، وأنّ نظم القرآن مصدر لهداياته كلّها.

ومن عجيب أمر القرآن وأمر العرب، أنه طاولهم في المعارضة، وتنازل لهم عن التحدي بجميع القرآن إلى التحدي بعشر سور مثله، ثم إلى التحدي بسورة واحدة من مثله، وهم على رغم هذه المطاولة، ينتقلون من عجز إلى عجز، ومن هزيمة إلى هزيمة. فقد قال لهم في أول تحدٍّ لهم: ]أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لاَ يُؤْمِنُونَ (33) فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ[ (سورة الطور: الآيتان 33، 34). فلما عجزوا، مدّ لهم في الحبل، وخفّف عنهم حجم التحدي حين قال: ]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (13) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ[ (سورة هود: الآيتان 13، 14). فلما عجزوا هذه المرة أيضاً، طاولهم مرة أخرى، وأرخى لهم الحبل إلى آخره، وخفّف حجم الإعجاز مرة أخرى إلى أقلّ قدر يمكن أن يتمثل فيه الإعجاز، فقال: ]أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ[ (سورة يونس: الآية 38). وقال: ]وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ[ (سورة البقرة: الآيتان 23، 24).

وقد حسمت الآية التالية الأمر: ]قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْءَانِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا[ (سورة الإسراء: الآية 88).



[1] التواتر: رواية جماعة يستحيل منهم التواطؤ على الكذب عن جماعة مثلهم.

[2] قطعي الثبوت: هو المتواتر ثبوته عن الشارع.

[3] أخبار الآحاد: هو ما رواه الفرد عن غيره متصل السند، ومنه الصحيح والحسن والضعيف.

[4] الصحيح: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط عن مثله إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة.

[5] الحسن: ما اتصل سنده بنقل العدل الضابط، الذي خف ضبطه، عن مثله إلى منتهاه، من غير شذوذ ولا علة.

[6] الضعيف: ما فقد شرطاً من شروط الصحيح أو الحسن.