إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرآن الكريم









الملحق الرقم ( 3 )

رابعاً: القرآن المكي والمدني

ينقسم القرآن، إلى نوعين: مكي، ومدني، نسبة إلى مكان النزول.

فالمكي هو الذي نزل على رسول الله، r مدة مقامه في مكة، وهي أثنتا عشرة سنة وخمسة أشهر وثلاثة عشر يوماً، من سابع عشر من رمضان سنة 41، إلى أول ربيع الأول سنة 54، من ميلاده الشريف.

والمدني هو الذي نزل عليه، r مدة مقامه في المدينة، وهي تسع سنوات وتسعة أشهر وتسعة أيام، من أول ربيع الأول سنة 54 إلى تاسع ذي الحجة سنة 63، من ميلاده الشريف.

والآيات المكية ذات خصائص تختلف عن خصائص الآيات المدنية، سواء في وقعها أو في معانيها، وإن كانت الآيات المدنية مبينة على المكية في الأحكام والتشريع.

فالآيات المكية تخاطب قوماً، يعبدون الأوثان، ويشركون بالله، وينكرون الوحي، ويكذبون بيوم الدين، يقولون: ]أَئِذَا مِتْنَا وَكُنَّا تُرَابًا وَعِظَامًا أَئِنَّا لَمَبْعُوثُونَ[ (سورة الصافات: الآية 16)، كما يقولون: ]مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ[ (سورة الجاثية: الآية 24). وهم ألداء في الخصومة، أهل مماراة ولجاجة في القول، عن فصاحة وبيان. لذلك نزل الوحي المكي قوارع زاجرة، وشهباً منذرة، وحججاً قاطعة، يحطم وثنيتهم في العقيدة، ويدعوهم إلى توحيد الألوهية والربوبية، ويهتك أستار فسادهم، ويسفه أحلامهم، ويقيم دلائل النبوة، ويضرب الأمثلة للحياة الآخرة وما فيها من جنة ونار، ويتحداهم ـ على فصاحتهم ـ بأن يأتوا بمثل القرآن، ويسوق إليهم قصص المكذبين الغابرين عبرة وذكرى. فنجد في القرآن المكي ألفاظاً شديدة القرع على المسامع، تقذف حروفها شرر الوعيد وألسنة العذاب، فآياته هي الرادعة الزاجرة، والصاخبة والقارعة، والغاشية والواقعة، وألفاظ الهجاء في فواتح السور، وآيات التحدي في ثناياها، ومصير الأمم السابقة، وإقامة الأدلة الكونية، والبراهين العقلية.

وحين اشتد أذى مشركي مكة، على الجماعة القليلة العدد، التي آمنت بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره، وامتحنت في عقيدتها بأذى المشركين فصبرت، وهاجرت بدينها مؤثرة ما عند الله على متاع الحياة، نزلت الآيات المدنية، طويلة المقطع، تتناول أحكام الإسلام وحدوده، وتدعو إلى الجهاد والاستشهاد في سبيل الله، وتفصّل أصول التشريع، وتضع قواعد المجتمع، وتحدد روابط الأسرة، وصلات الأفراد، وعلاقات الدول والأمم، كما تفضح المنافقين وتكشف دخيلتهم، وتجادل أهل الكتاب وتلجم أفواههم. وهذا هو الطابع العام للقرآن المدني.

1. فوائد العلم بالمكي والمدني

وللعلم بالمكي والمدني فوائد، أهمها:

أ. الاستعانة به في تفسير القرآن: فإن معرفة مواقع النزول تساعد على فهم الآية وتفسيرها تفسيراً صحيحاً، وإن كانت العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ويستطيع المفسِّر في ضوء ذلك، عند تعارض المعنى في آيتين أن يميز بين الناسخ والمنسوخ، فإن المتأخر يكون ناسخاً للمتقدم.

ب. تذوق أساليب القرآن، والاستفادة منها في أسلوب الدعوة إلى الله، فإن لكل مقام مقالاً، ومراعاة مقتضى الحال من أخص معاني البلاغة. وخصائص الأسلوب المكي والمدني في القرآن، تعطي الدارس منهجاً لطرائق الخطاب في الدعوة إلى الله، بما يلائم نفسية المخاطب، ويمتلك عليه لبه ومشاعره، ويعالج فيه دخيلته بالحكمة البالغة. ولكل مرحلة من مراحل الدعوة موضوعاتها وأساليب الخطاب فيها، كما يختلف الخطاب باختلاف أنماط الناس ومعتقداتهم وأحوال بيئتهم. ويبدو هذا واضحاً جلياً في أساليب القرآن المختلفة، في مخاطبة المؤمنين والمشركين والمنافقين وأهل الكتاب.

ج. الوقوف على السيرة النبوية، من خلال الآيات القرآنية. فإن تتابع الوحي على رسول الله r ساير تاريخ الدعوة بأحداثها في العهدين المكي والمدني، منذ بدأ الوحي حتى آخر آية نزلت. والقرآن الكريم هو المرجع الأصيل لهذه السيرة، الذي لا يدع مجالاً للشك فيما روي عن أهل السير موافقاً له، ويقطع دابر الخلاف عند اختلاف الروايات.

2. معرفة المكي والمدني

اعتمد العلماء في معرفة المكي والمدني، على منهجين أساسين، هما: المنهج السماعي النقلي، والمنهج القياسي الاجتهادي.

أ. المنهج السّماعي النقلي

يستند إلى الرواية الصحيحة عن الصحابة، الذين عاصروا الوحي، وشاهدوا نزوله؛ أو عن التابعين، الذين تلقوا عن الصحابة وسمعوا منهم كيفية النزول، ومواقعه وأحداثه. ومعظم ما ورد في تحديد المكي والمدني من هذا القبيل. وقد حفلت بأمثلة منه كتب التفسير بالمأثور، ومؤلفات أسباب النزول، ومباحث علوم القرآن. يقول القاضي أبو بكر بن الطيب الباقلاني، في "الانتصار"؛ "إنما يرجع في معرفة المكي والمدني لحفظ الصحابة والتابعين، ولم يرد عن رسول الله r، في ذلك قولا لأنه لم يؤمر به، ولم يجعل الله علم ذلك من فرائض الأمة، وإن وجب في بعضه على أهل العلم، ومعرفة تاريخ الناسخ والمنسوخ، فقد يعرف ذلك بغير نص الرسول r.

ب. المنهج القياسي الاجتهادي

يستند إلى اختلاف خصائص المكي عن المدني، فإذا ورد في السّورة المكية آية تحمل التنزيل المدني، أو تتضمن شيئاً من حوادثه، قالوا إنها مدنية. وإذا ورد في السورة المدنية آية تحمل طابع التنزيل المكي، أو تتضمن شيئاً من حوادثه، قالوا إنها مكية، وإذا وجد في السورة خصائص المكي قالوا إنها مكية، وإذا وجد فيها خصائص المدني قالوا إنها مدنية. وهذا قياس اجتهادي، ولذا قالوا، مثلاً: كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الخالية مكية، وكل سورة فيها فريضة أو حدٌّ مدنية، وهكذا. قال الجعبري: "لمعرفة المكي والمدني طريقان: سماعي وقياسي"، ولا شك أن السماع يعتمد على النقل، والقياس يعتمد على العقل، والنقل والعقل هما طريقا المعرفة السليمة والتحقيق العلمي.

3. الفرق بين المكي والمدني

للعلماء في الفرق بين المكي والمدني ثلاثة آراء، كل رأي منها بُنِيَ على اعتبار خاص:

أ. اعتبار النزول

فالمكي: ما نزل قبل الهجرة، وإن كان بغير مكة؛

والمدني: ما نزل بعد الهجرة وإن كان بغير المدينة.

فما نزل بعد الهجرة، ولو في مكة أو عرفه، مدني، كالذي نزل عام الفتح، من قوله تعالى: ]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ[ (سورة النساء: الآية 58)، فإنها نزلت في مكة في جوف الكعبة عام الفتح الأعظم؛ أو ما نزل بحجة الوداع كقوله تعالى: ]الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا[ (سورة المائدة: الآية 3).

ب. اعتبار مكان النزول

فالمكي: ما نزل في مكة وما جاورها، كمنى وعرفات والحديبية.

والمدني: ما نزل في المدينة وما جاورها، كأحد وقباء وسلع.

ويترتب على هذا الرأي عدم ثنائية القسمة، وحصرها، فما نزل بالأسفار أو بتبوك أو بيت المقدس لا يدخل تحت القسمة، فلا يسمى مكياً ولا مدنياً. كما يترتب عليه كذلك، أن ما نزل في مكة بعد الهجرة يكون مكياً.

ج. اعتبار المخاطب

فالمكي: ما كان خطاباً لأهل مكة.

والمدني: ما كان خطاباً لأهل المدينة.

ويُبني على هذا الرأي، عند أصحابه، أن ما في القرآن من قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ[ مكي، وما فيه من قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا[ مدني.

ولكن هذا الضابط لا يَطْرد في السّور المكية أو المدنية. فسورة البقرة مدنية، وفيها ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ (سورة البقرة: الآية 21)، وقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأّرْضِ حَلاًلاً طَيِّبًا وَلاَ تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ[ (سورة البقرة: الآية 168)، وسورة النساء مدنية، وأولها ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ[ وسورة الحج مكية، وفيها  ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[ (سورة الحج: الآية 77). فالقرآن الكريم هو خطاب الله للخلق أجمعين، ويجوز أن ُيخاطَب المؤمنون بصفتهم وباسمهم وجنسهم. كما يجوز أن يُؤمر غير المؤمنين بالعبادة، كما يؤمر المؤمنون بالاستمرار عليها والازدياد منها.

4. مميزات المكي والمدني

استقرأ العلماء السّور المكية والمدنية، واستنبطوا ضوابط قياسية لكل من المكي والمدني، تبين خصائص الأسلوب والموضوعات، التي يتناولها. وخرجوا من ذلك بقواعد ومميزات.

أ. ضوابط المكي، ومميزاته الموضوعية

(1) كل سورة فيها سجدة فهي مكية.

(2) كل سورة فيها لفظ (كلا) فهي مكية، ولم ترد إلاّ في النصف الأخير من القرآن. وذُكرت ثلاثاً وثلاثين مرة في خمس عشر سورة.

(3) كل سورة فيها  يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، وليس فيها ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا[ فهي مكية، إلاّ سورة الحج ففي أواخرها ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا[ ومع هذا فإن كثيراً من العلماء يرى أن هذه الآية مكية كذلك.

(4) كل سورة فيها قصص الأنبياء والأمم الغابرة، فهي مكية، سوى البقرة.

(5) كل سورة فيها قصة آدم وإبليس فهي مكية، سوى البقرة كذلك.

(6) كل سورة تُفْتَتَح بحروف التهجي (ألم) و(الر) و(حم) ونحو ذلك، فهي مكية سوى الزّهراوين: وهما البقرة وآل عمران، واختلفوا في سورة الرعد.

هذا من ناحية الضوابط، أمّا من ناحية المميزات الموضعية وخصائص الأسلوب، فتُجملُ فيما يأتي:

(1) الدعوة إلى التوحيد وعبادة الله وحده، وإثبات الرسالة، وإثبات البعث والجزاء، وذكر القيامة وهولها، والنار وعذابها، والجنة ونعيمها، ومجادلة المشركين بالبراهين العقلية، والآيات الكونية.

(2) وضع الأسس العامة للتشريع والفضائل الأخلاقية، التي يقوم عليها كيان المجتمع، وفضح جرائم المشركين في سفك الدماء، وأكل أموال اليتامى ظلماً، ووأد البنات، وما كانوا عليه من سوء العادات.

(3) ذكر قصص الأنبياء والأمم السابقة زجراً لهم، حتى يعتبروا بمصير المكذبين قبلهم، وتسلية لرسول الله،  حتى يَصْبر على أذاهم ويطمئن إلى الانتصار عليهم. 

(4) قِصَر الفواصل مع قوة الألفاظ، وإيجاز العبارة، بما يقرع الآذان، ويشتد وقعه على المسامع، ويصعق القلوب، ويؤكد المعنى بكثرة القسم، كقصار المفصل، إلاّ نادراً.

ب. ضوابط المدني ومميزاته الموضوعية

(1) كل سورة فيها فريضة أو حد، فهي مدنية.

(2) كل سورة فيها ذكر المنافقين فهي مدنية، سوى العنكبوت فإنها مكية.

(3) كل سورة فيها مجادلة أهل الكتاب، فهي مدنية.

هذا من ناحية الضوابط، أمّا من ناحية المميزات الموضوعية وخصائص الأسلوب فتُجملُ فيما يأتي:

(1) بيان العبادات، والمعاملات، والحدود، ونظام الأسرة، والمواريث، وفضيلة الجهاد، والصلات الاجتماعية، والعلاقات الدولية في السِّلم والحرب، وقواعد الحكم، ومسائل الشرع.

(2) مخاطبة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، ودعوتهم إلى الإسلام، وبيان تحريفهم لكتب الله، وتجنيهم على الحق، واختلافهم من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم.

(3) الكشف عن سلوك المنافقين، وتحليل نفسيتهم، وإزاحة الستار عن خباياهم، وبيان خطرهم على الدين.

(4) طول المقاطع والآيات في أسلوب يقرر الشريعة، ويوضح أهدافها ومراميها.