إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / القرآن الكريم









الملحق الرقم ( 3 )

ثاني عشر: ترجمة القرآن الكريم

اختلف العلماء في ترجمة القرآن الكريم، فمنهم مانعون لها، ومنهم مجيزون لها بشروط.

1. أدلة المانعين للترجمة

أ. إن إعجاز القرآن يكمُن في نُظمه المستمدة من أسلوبه وبيانه وبلاغته، وكل ذلك لا يمكن أن يُترجم. وإن فيه ألفاظاً لا مقابل لها في اللغات الأخرى، وذلك يدفع المترجم إلى أن التعبير عن معانيها بلكمات تُحدث شيئاً من التغيير، فإذا نُقلت هذه الترجمة إلى لغة أخرى، فقد يحدث فيها تغيير آخر، وهكذا، فينفتح على القرآن باب التحريف.

ب. إن للنُظم القرآني في اللغة العربية، من الروعة والطلاوة واللذة والتأثير في النفوس، ما لا يمكن أن يوجد في التراجم، ومن ثم فالاعتماد على التراجم يحرم من يقرأها من ذلك كله، كما يَحْرِمه من الينبوع الصافي للمعارف الإلهية.

ج. إن ترجمة القرآن ترجمة حرفية غير ميسورة. فيضطر المترجم إلى نقل المعاني، التي يفهمها أو يفهمها غيره من العلماء، وهذا لا يكون النص المُترجم "قرآناً"، ولا يمكن أن يسمى نصاً شرعياً تُستخرج منه الأحكام.

2. أدلة المجيزين للترجمة بشروط

أ. أجاز بعض العلماء، ترجمة "معاني القرآن" ، لأن المسلمين أجمعوا على جواز تفسير القرآن باللفظ العربي، على أن يأخذ الفقيه الأحكام بناء على ما يفهمه من النظم العربي، باعتبار أن ما فهمه هو معنى كلام الله. فكما صح هذا، يصح كذلك، أن يُنقل هذا المعنى إلى اللغة الأخرى، على أنه المعنى المفهوم للناقل والمترجم. والمحذور هو أن يفهم غير العربي، الذي تنقل له الترجمة، أن هذا المعنى هو مراد الله تعالى قطعاً.

ب. في القرآن الكريم وجوه إعجاز ـ خلاف اللغة والنظم ـ وألوان من معاني حِكَمِ الله وأسراره الباهرة، وما سرد من قصص، وما أخبر عنه من غيب، ولا يصح أن تبقى هذه المعاني محجوبة عن الناس، بسبب الخوف من الترجمة.

ج. لا توجد خطورة من ترجمة المعاني، لأن الناس متى علموا، علماً لا لبس فيه، أن الترجمة ليست قرآناً، وليس لها خصائص القرآن، وأنها لا تحمل الإعجاز الموجود في النظم العربي، بل ولا تحمل معاني النظم العربي جميعها، وإنما تحمل المعاني التي فهمها المفسرون، وجد الناس الأمن والطمأنينة التامة، إلى أن التراجم لا تأخذ قُدسية القرآن في نصه العربي، وأنه لا يمكن أن يخطر بالبال أن هذه التراجم هي القرآن المُنَزّل على الرسول الكريم، صلوات الله عليه وسلامه.

د. قال الحافظ بن حجر العسقلاني في شرحه للبخاري، إن الوحي كله، متلواً أو غير متلو، إنما نزل بلسان العرب، ولا يتناقض ذلك مع أنّ النبي r بُعث إلى الناس كافة، عرباً وعجماً، لأن اللسان، الذي نزل به الوحي (على النبي) عربي، وهو يُبلّغه إلى طوائف العرب، وهم يترجمون لغير العرب بألسنتهم.

هـ. إنّ جمال معاني آيات القرآن لا يمكن أن يفارقها تماماً في اللغات الأخرى، فقد تضيع روعة الألفاظ وشدة تأثيرها البياني، ولكن تبقى روعة المعاني.

و. الترجمة نوع من التفسير، ومن يمنعها يمنع التفسير، فلا حرج في الترجمة من قِبَلِ المترجمين المُخلصين، لا أهل الأهواء والأغراض، الذين تتوق نفوسهم لتحريف الكلم عن مواضعه.

3. أنواع الترجمة

أ. الترجمة الحرفية

وهي نقل ألفاظ من لغة إلى نظائرها من اللغة الأخرى، بحيث يكون النظم موافقاً للنظم، والترتيب موافقاً للترتيب.

حُكمها

لا توجد أدنى شبهة في حرمة الترجمة الحرفية؛ فالقرآن كلام الله المُنَزّل على رسوله، المعجز بألفاظه ومعانيه، المتعبد بتلاوته. ولا يقول أحد من الناس إن الكلمة من القرآن إذا تُرجمت يقال فيها إنها كلام الله، كما لن يتأتى الإعجاز بالترجمة، لأن الإعجاز خاص بما أُنزل باللغة العربية. فترجمة القرآن الحرفية على هذا، مهما كان المترجم على دراية باللغات وأساليبها وتراكبها، تُخْرِج القرآن عن أن يكون قرآناً.

ب. الترجمة المعنوية

وهي بيان معنى الكلام بلغة أخرى، من غير تقييد بترتيب كلمات الأصل، أو مراعاة لنظمه.

حكمها

للقرآن الكريم معان أصلية، وأخرى ثانوية. والمراد بالمعاني الأصلية، تلك التي يستوي في فهمها، كل من عرف مدلولات الألفاظ المفردة، ووجوه تراكيبها معرفة إجمالية.

والمراد بالمعاني الثانوية خواص النظم، التي يرتفع بها شأن الكلام، وبها كان القرآن مُعجزاً، وهي لطائف خاصة في المعاني. ومن ثم فترجمة معاني القرآن الثانوية أمر غير ميسور، إذ لا توجد لغة توافق اللغة العربية في دلالة ألفاظها، على هذه المعاني، المسماة عند علماء البيان " خواص التركيب ". ووجوه البلاغة القرآنية تكمُن في اللفظ والتركيب: تنكيراً وتعريفاً، أو تقديماً وتأخيراً، أو ذكراً وحذفاً، إلى غير ذلك مما تسامت به لغة القرآن، وكان له وقعه في النفوس. هذه الوجوه لا يفي بحقها لغة أخرى، لأن أي لغة لا تحمل تلك الخواص.

أمّا المعاني الأصلية، فيمكن نقلها إلى لغة أخرى، وإن كانت لا تخلو من ضرر. قد يكون للفظ الواحد في القرآن معنيان، أو معان تحتملها الآية؛ فيضع المترجم لفظاً يدل على معنى واحد، حين لا يجد لفظاً يشاكل اللفظ العربي في احتمال تلك المعاني المتعددة. ونذكر مثالاً واحداً على هذا، في قوله تعالى: ]وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ[ (سورة المائدة: الآية 48). فكيف تُترجم كلمة " مهيمناً "، ولها عدة معان في العربية، منها: مؤتمناً، وشاهداً، وأميناً، وشهيداً، وحاكماً. واسم المهيمن يتضمن هذا كله، فهو أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قَبْله، إذ جعل الله هذا الكتاب آخر الكُتب، وخاتمها، وأشملها، وأعظمها، وأكملها، حيث جمع فيه محاسن ما قبله وزاده من الكمالات ما ليس في غيره.

كذلك، قد يستعمل القرآن اللفظ في معناه المجازي، فيأتي المُترجم بلفظ يرادف اللفظ العربي، في معناه الحقيقي. ولهذا ونحوه تقع أخطاء كثيرة فيما تُرجم لمعاني القرآن.

ج. الترجمة التفسيرية

وهي ترجمة تفسير القرآن، بمعنى شرح الكلام وبيان معناه بلغة أخرى، بما يتفق مع نصوص الكتاب وصريح السُّنة، ليتم إبلاغ الأمم الأخرى. وهذا من واجبات الإسلام، لأن الله أرسل محمداً لجميع الخلق، قال تعالى: ]وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا[ (سورة سبأ: الآية 28)، وقال تعالى: ]قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا[ (سورة الأعراف: الآية 158).

ولعل ما قرره علماء الأزهر الشريف، من جواز الترجمة التفسيرية، بشرط أن يوضع أولاً تفسير للكتاب الكريم باللغة العربية، ثم يترجم هذا التفسير إلى اللغات المختلفة، هو أوفق الآراء، وذلك في ضوء الشروط أدناه:

(1) معرفة المترجم لأوضاع اللغتين، لغة الأصل ولغة الترجمة.

(2) معرفة المترجم لأساليب اللغتين وخصائصهما.

(3) وفاء الترجمة بجميع معاني الأصل ومقاصده، على وجه مطمئن.

(4) أن تكون صيغة الترجمة مستقلة عن الأصل، بحيث يمكن أن يُستغنى بها عنه، وأن تحل محله كأنه لا أصل هناك ولا فرع.

(5) أن تُعرض الترجمة، بعد ذلك، على لجنة مختارة من العلماء والفقهاء، لإدخال التعديلات المطلوبة، أو تلافي ما قد يوجد من مخالفات شرعية.

د. حكم الصلاة بقراءة قرآن مترجم

اختلف العلماء في صحة الصلاة بقراءة قرآن مترجم، وانقسموا فريقين:

قال الأول منهما: إن الصلاة لا تجوز، إلاّ بتلاوة القرآن باللسان العربي.

وقال الثاني برأي الأحناف، وهو جواز ذلك لمن لا يحسن العربية. وقالوا: إن القرآن معجز في النظم والمعاني، فإذا قدر المسلم عليها، فلا يتأدى الواجب إلاّ بهما، ولكن إذا عجز عن ذلك أتى بما قدر عليه، كمن عجز عن الركوع والسجود فله أن يصلى بالإيماء. واستدل أبو حنيفة بما روي أن الفرس كتبوا إلى سلمان الفارسي، t، أن يكتب لهم الفاتحة بالفارسية، فكتب لهم "بسم الله الرحمن الرحيم: بنام يزوان يخشايند[1]. فكانوا يقرأون ذلك في الصلاة[2] حتى لانت ألسنتهم.

ونَصُ كلام الأحناف: "إنما جوّزنا القراءة بترجمة القرآن للعاجز عن العربية، إذا لم يخل بالمعنى، لأنه قرآن من وجه باعتبار اشتماله على المعنى، فالإتيان به أولى من الترك مطلقاً، إذ التكليف بحسب الوسع". ويُروى أن أَبا حنيفة رجع عن هذا القول.

والراجح ما ذهب إليه الجمهور من العلماء، قال الحافظ بن حجر العسقلاني: "إن كان القارئ قادراً على تلاوته باللسان العربي فلا يجوز له العدول عنه، ولا تجزي صلاته، (أي بقراءة الترجمة). وإن كان عاجزاً، فإنّ الشارع جعل للعاجز عن القراءة بالعربية بدلاً، وهو الذكر". أي أن يقول غير القادر سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، ولا إله إلاّ الله. وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "كان أئمة الدين على أنه لا يجوز أن يقرأ بغير العربية، لا مع القدرة عليها، ولا مع العجز عنها". وقال: "وأيضاً فإن نفس اللغة العربية من الدِّين، ومعرفتها فرض واجب، فإن فَهْمَ الكتاب والسُّنة فرض، ولا يفهمان إلاّ بفهم اللغة العربية، وما لا يتم الواجب إلاّ به فهو واجب".



[1] بنام أي بسم، ويزدان أي الله، ويخشايند أي الرحمن الرحيم.

[2] حديث غير موجود في الكتب المعتمدة.