إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشياطين









شُبُهات

المبحث الأول

طبيعة وصفات وأهداف الشياطين

أولاً: طبيعة وصفات الشياطين

من ينظر في ما جاء في القرآن والحديث، عن الشيطان، يعلم أنه مخلوق يعقل، ويدرك، ويتحرك، وليس كما يرى بعض المفسرين: "إن المراد بالشياطين، نوازع الشرّ في النفس الإنسانية، وقواها الخبيثة، كما أن المراد بالملائكة نوازع الخير فيها". وليس كما ترى طائفة أخرى، أن الجن هم الميكروبات والجراثيم، التي كشف عنها العلم الحديث، فهذا خلاف ما أورده الله عن الشيطان في القرآن الكريم.

يوصف إبليس وذريته من الشياطين بجملة من الصفات: الخُلقية والخلقية، فأمّا الصفات الخلقية فهي صفات الجن، ومن ذلك:

1. إنهم مخلوقون من النار، قال تعالى: ]قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ[ (سورة الأعراف، الآية: 12). وقال تعالى: ]وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَار[ (سورة الرحمن: الآية 15).

2. إنهم يتشكلون، فمنهم من يتشكلون في صور الإنس والبهائم والحيات وغيرها، كما دلت على ذلك الأحاديث النبوية، فإذا تشكلوا أمكن رؤيتهم، فعن أبي هريرة t أنه قال: قال رسول الله r: ]‏إِنَّ عِفْرِيتًا مِنْ الْجِنِّ تَفَلَّتَ عَلَيَّ الْبَارِحَةَ ‏ ‏أَوْ كَلِمَةً نَحْوَهَا ‏ ‏لِيَقْطَعَ عَلَيَّ الصَّلَاةَ فَأَمْكَنَنِي اللَّهُ مِنْهُ فَأَرَدْتُ أَنْ أَرْبِطَهُ إِلَى ‏ ‏سَارِيَةٍ ‏ ‏مِنْ سَوَارِي الْمَسْجِدِ حَتَّى تُصْبِحُوا وَتَنْظُرُوا إِلَيْهِ كُلُّكُمْ فَذَكَرْتُ قَوْلَ أَخِي ‏ ‏سُلَيْمَانَ ‏ ‏رَبِّ ‏هَبْ لِي مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي [.(رواه البخاري، كتاب الصلاة، الحديث الرقم 441).

3. إنهم يتناكحون ويتناسلون ولهم ذرية، قال تعالى: ]أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلا[ (سورة الكهف: الآية 50). وقال تعالى عن نساء الجنة: ]فِيهِنَّ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلاَ جَانٌّ[ (سورة الرحمن: الآية 56).

4. إنهم يأكلون ويشربون، فعن ابن عمر، أن رسول الله r قال: ]إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَأْكُلْ بِيَمِينِهِ وَإِذَا شَرِبَ فَلْيَشْرَبْ بِيَمِينِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَأْكُلُ بِشِمَالِهِ وَيَشْرَبُ بِشِمَالِهِ[ (رواه مسلم، كتاب الأشربة، الحديث الرقم 3764).

يقول ابن قيم الجوزية، وكان رسول الله r، إذا وضع يده في الطعام قال: بسم الله. ويأمر الآكل بالتسمية، ويقول: ]‏إِذَا أَكَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَذْكُرْ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَإِنْ نَسِيَ أَنْ يَذْكُرَ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فِي أَوَّلِهِ فَلْيَقُلْ بِسْمِ اللَّهِ أَوَّلَهُ وَآخِرَهُ[ (رواه أبوداود، الحديث الرقم 3275).

والصحيح وجوب التسمية عند الأكل، وتاركها يشاركه الشيطان في طعامه وشرابه، ومن ثم، قال رسول الله r: ]إِنَّ الشَّيْطَانَ يَسْتَحِلُّ الطَّعَامَ أَنْ لاَ يُذْكَرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْه[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 3761).

ثانياً: الصفات الخُلُقية للشيطان

1. الرجيم: بمعنى المرجوم، أي المطرود من رحمة الله. قال تعالى: ]فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ[ (سورة النحل: الآية 98). وسمي الشيطان بذلك؛ لأنه عصى الله برفضه السجود لآدم؛ فطرده الله من رحمته.

2. المارد: قال تعالى: ]وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ[ (سورة الصافات: الآية 7). ويطلق هذا الوصف على جنس الشياطين، لتمردهم على طاعة الله، وعدم امتثال أمره.

3. الوسواس الخناس: قال تعالى: ]قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (1) مَلِكِ النَّاس (2) إِلَهِ النَّاس (3) مِنْ شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاس (4) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (5) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاس[ (سورة الناس: الآيات 1 ـ 6). وسمي الشيطان بذلك؛ لأنه يوسوس للإنسان بالشر، ويخنس عند ذكر العبد ربه، أي يبتعد. قال ابن عباس: "الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس، فإذا ذكر الله خنس. وقيل: ينفث في قلب ابن آدم عند الحزن، وعند الفرح، فإذا ذكر الله خنس.

ثالثاً: أصل إبليس

الراجح، من أقوال العلماء، أن إبليس من الجن، فهذا ما صرّح به القرآن، في قوله تعالى: ]إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ[ (سورة الكهف: الآية 50). وليس من الملائكة؛ لأن الملائكة لا تعصي الله، وإبليس عصى أمر ربّه، والملائكة خُلقت من النور، وإبليس خُلق من النار، كما هو صريح القرآن، في قوله تعالى: ]وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ[ (سورة الرحمن: الآية 12).

وقد نازع في هذه المسألة بعض المتقدمين والمتأخرين. وقالوا: بل كان إبليس من الملائكة، واحتجوا، في ذلك، بقوله تعالى: ]وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلاَئِكَةِ اسْجُدُوا لآِدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ[ (سورة البقرة: الآية 34)، وأمثال هذه الآية التي يستثني الله فيها إبليس من الملائكة، والمستثنى لا يكون إلاّ من جنس المستثني منه عادة. وما احتجوا به، من أن الله استثنى إبليس من الملائكة، ليس دليلاً قاطعاً عند من يجعله من الجن؛ لاحتمال أن يكون الاستثناء منقطعاً، لورود النص على أنه من الجن.

قال الحسن البصري: "لم يكن إبليس من الملائكة، طرفة عين؛ لأنه أصل الجن، كما أن آدم أصل البشر". والذي حققه ابن تيمية: أن الشيطان كان من الملائكة، باعتبار صورته، وليس منهم، باعتبار أصله.

رابعاً: الطاغوت

قال تعالى: ]لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لاَ انْفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (سورة البقرة: الآية 256). وقال: ]أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنَ الْكِتَابِ يُؤْمِنُونَ بِالْجِبْتِ وَالطَّاغُوت[ (سورة النساء: الآية 51). وقال: ]الَّذِينَ ءاَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ[ (سورة النساء: الآية 76).

قال عمر بن الخطاب: الطاغوت هو الشيطان. وعن جابر بن عبدالله، أنه سئل عن الطواغيت فقال: "هم كهان تنزل عليهم الشياطين". وقال مجاهد: "الطاغوت هو الشيطان، في صورة إنسان، يتحاكمون إليه، وهو صاحب أمرهم".

خامساً: صورة الشيطان

الشيطان قبيح الصورة، وقد شبه الله ثمار شجرة الزقوم، التي تنبت في أصل الجحيم، برؤوس الشياطين، لما عُلم من قبح صورهم وأشكالهم، قال تعالى:  ]إِنَّهَا شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيم (64) طَلْعُهَا كَأَنَّهُ رُءُوسُ الشَّيَاطِينِ[ (سورة الصافات: الآيتان 64 ـ 65).

وفـي الحديث عن ابن عمر أن النبي r قـال: ]وَقْتُ الظُّهْرِ إِذَا زَالَتْ الشَّمْسُ وَكَانَ ظِلُّ الرَّجُلِ كَطُولِهِ مَا لَمْ يَحْضُرْ الْعَصْرُ وَوَقْتُ الْعَصْرِ مَا لَمْ تَصْفَرَّ الشَّمْسُ وَوَقْتُ صَلاَةِ الْمَغْرِبِ مَا لَمْ يَغِبْ الشَّفَقُ وَوَقْتُ صَلاَةِ الْعِشَاءِ إِلَى نِصْفِ اللَّيْلِ الأَوْسَطِ وَوَقْتُ صَلاَةِ الصُّبْحِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ مَا لَمْ تَطْلُعْ الشَّمْسُ فَإِذَا طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَأَمْسِكْ عَنْ الصَّلاَةِ فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ[ (رواه مسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، الحديث الرقم 966). وقال كذلك: ]إِذَا طَلَعَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَبْرُزَ وَإِذَا غَابَ حَاجِبُ الشَّمْسِ فَدَعُوا الصَّلاَةَ حَتَّى تَغِيبَ وَلاَ تَحَيَّنُوا بِصَلاَتِكُمْ طُلُوعَ الشَّمْسِ وَلاَ غُرُوبَهَا فَإِنَّهَا تَطْلُعُ بَيْنَ قَرْنَيْ شَيْطَانٍ[ (رواه البخاري، كتاب بدء الخلق، الحديث الرقم 3032).

وقد كان النصارى، في القرون الوسطى، يصورون الشيطان على هيئة رجل أسود، ذي لحية مدببة، وحواجب مرفوعة، وفم ينفث لهباً، وقرون وأظلاف وذيل.

والمعنى أن طوائف من المشركين كانوا يعبدون الشمس ويسجدون لها عند طلوعها، وعند غروبها؛ فعند ذلك ينتصب الشيطان في الجهة التي تكون فيها الشمس حتى تكون عبادتهم له. وقد نهينا عن الصلاة في هذين الوقتين.

سادساً: مساكن الشياطين

الجن يسكنون هذه الأرض، التي نعيش فوقها، ويكثر وجودهم في الخراب والفلوات، ومواضع النجاسات، كالحمامات والحشوش والمزابل والمقابر، وقد جاءت الأحاديث التي تنهي عن الصلاة في الحمام فقد روى ابن عمر أن رسول الله r`]نَهَى أَنْ يُصَلَّى فِي سَبْعَةِ مَوَاطِنَ فِي الْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَقْبَرَةِ وَقَارِعَةِ الطَّرِيقِ وَفِي الْحَمَّامِ وَفِي مَعَاطِنِ الإِبِلِ وَفَوْقَ ظَهْرِ بَيْتِ اللَّهِ[ (رواه الترمذي، كتاب الصلاة، الحديث الرقم 316)، لأجل ما فيها من نجاسة، ولأنها  مأوى الشياطين، وفي المقبرة؛ لأنها قد تكون ذريعة إلى ارتكاب اعتقاد محرم، إضافة إلى أن المقابر قد تكون مأوى للشياطين.

ويكثر وجودهم في الأماكن، التي يستطيعون أن يفسدوا فيها، كالأسواق؛ فقد أوصى الرسول أحد أصحابه قائلاً: ]لاَ تَكُونَنَّ إِنْ اسْتَطَعْتَ أَوَّلَ مَنْ يَدْخُلُ السُّوقَ وَلاَ آخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا فَإِنَّهَا مَعْرَكَةُ الشَّيْطَانِ، وَبِهَا يَنْصِبُ رَايَتَهُ[ (رواه مسلم، الحديث الرقم 4489).

وتبيت الشياطين في البيوت، التي يسكنها الناس، وتطردها التسمية، وذكر الله، وقراءة القرآن، خاصة سورة البقرة، وآية الكرسي منها، وأخبر الرسول أن الشياطين تنتشر، وتكثر بحلول الظلام، ولذا أمرنا أن نكف صبياننا في هذه الفترة.

والشياطين تهرب من الأذان ولا تطيق سماع صوته، وتحب الجلوس بين الظل والشمس؛ ومن ثم نهى الرسول عن الجلوس بينهما. وفي رمضان تصفد الشياطين.

سابعاً: القدرة على التشكل

للشياطين قدرة على التشكل، بأشكال الإنسان والحيوان؛ فقد جاء الشيطان المشركين يوم بدر في صورة سراقة بن مالك، ووعد المشركين بالنصر، وفيه نزل قوله تعالى: ]وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لاَ غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ[ (سورة الأنفال: الآية 48).

ولكن عندما التقى الجيشان، وعاين الملائكة تتنزل من السماء، ولى هارباً: ]فَلَمَّا تَرَاءَتِ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ إِنِّي أَرَى مَا لاَ تَرَوْنَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ[ (سورة الأنفال: الآية 48).

وقد يتشكل الشيطان في صورة حيوان: جمل، أو حمار، أو بقرة، أو قط أو كلب، خاصة الكلب الأسود. ومن ثمّ، أخبر الرسول r أن مرور الكلب الأسود يقطع الصلاة. وعلّل ذلك بأن ]الْكَلْبُ الأَسْوَدُ شَيْطَانٌ[ يقول ابن تيمية: "الكلب الأسود شيطان الكلاب، والجن تتصور بصورته كثيراً، وكذلك بصورة القط الأسود؛ لأن السواد أجمع للقوى الشيطانية من غيره، وفيه "قوة الحرارة".

وردت نصوص في تمثل الشيطان في الكلب الأسود، كما وردت نصوص أخرى في مصاحبة الشياطين لبعض الحيوانات، ومنها الإبل، للحديث المروي عن النبي r قال: ]عَلَى ذِرْوَةِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ وَلاَ تُقَصِّرُوا عَنْ حَاجَاتِكُمْ[ (سنن الدرامي، الحديث الرقم 2552).

ومن أجل ذلك نهى r عن الصلاة في مبارك الإبل، بقوله: ]لاَ تُصَلُّوا فِي مَبَارِكِ الإِبِلِ فَإِنَّهَا مِنْ الشَّيَاطِينِ، وَسُئِلَ عَنْ الصَّلاَةِ فِي مَرَابِضِ الْغَنَمِ فَقَالَ صَلُّوا فِيهَا فَإِنَّهَا بَرَكَةٌ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 156)

ثامناً: الشيطان يجري من ابن آدم مجرى الدم في العروق

عن صفية بنت حيي[1] زوج النبي قالت: ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ فَمَرَّ رَجُلانِ مِنْ الأَنْصَارِ فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ r أَسْرَعَا فَقَالَ النَّبِيُّ r عَلَى رِسْلِكُمَا إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ فَقَالاَ سُبْحَانَ اللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنْ الإِنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءاً أَوْ قَالَ شَيْئًا[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 3039)

تاسعاً: لا يستطيعون أن يتجاوزوا حدودا معينة في اجتياز الفضاء

قال تعالى: ]يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ فَانْفُذُوا لاَ تَنْفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَان(33) فَبِأَيِّ أَلاَءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَان (34) يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِنْ نَارٍ وَنُحَاسٌ فَلاَ تَنْتَصِرَانِ[ (سورة الرحمن: الآيات 33 ـ 35).

فمع قدراتهم، وسرعة حركتهم، لهم حدود لا يستطيعون أن يتعدوها، وإلاّ أصابهم هلكوا.

ويبدو أن هذا بدأ مع بعثة الرسول r، لقول الله تعالى: ]وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَسًا شَدِيدًا وَشُهُبًا (8) وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآْنَ يَجِدْ لَهُ شِهَابًا رَصَدًا[ (سورة الجن: الآيتان 8، 9).

عاشراً: لا يستطيعون فتح باب أُغلق وذُكر اسم الله عليه

أخبر بذلك الرسول r إذ يقول: ]أَجِيفُوا الأَبْوَابَ وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَـا فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا أُجِيف[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 13765).

ويقول r: ]أَغْلِقُوا أَبْوَابَكُمْ وَخَمِّرُوا آنِيَتَكُمْ وَأَطْفِئُوا سُرُجَكُمْ وَأَوْكُوا أَسْقِيَتَكُمْ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لاَ يَفْتَحُ بَابًا مُغْلَقًا وَلاَ يَكْشِفُ غِطَاءً وَلاَ يَحُلُّ وِكَاءً[ (رواه أحمد، الحديث الرقم 13711).

حادي عشر: لا يتمثلون بالرسول في الرؤيا

تعجز الشياطين عن التمثل في صورة الرسول r، في الرؤيا، ففي الحديث: ]مَنْ رَآنِي فَإِنِّي أَنَا هُوَ فَإِنَّهُ لَيْسَ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَتَمَثَّلَ بِي[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 2206).

والظاهر من ذلك، أن الشيطان لا يتمثل في صورة الرسول الحقيقية، ولا يمنعه هذا من التمثل في غير صورة الرسول، والزعم بأنه رسول الله.

ومن ثمّ، لا يجوز أن يُحتج بهذا الحديث، على أن كل من رأى الرسول، في المنام، أنه رآه حقاً، إلاّ إذا كانت صفته هي الصفة التي روتها كتب الحديث. وإلاّ فكثير من الناس يزعم أنه رآه في صورة مخالفة للصورة المروية في كتب الثقات. وقيل هذا الخطاب موجه لمن رآه من الصحابة فقط؛ لأنهم هم الذين يعرفون الصفات الدقيقة للنبي.

ثاني عشر: هل تموت الشياطين؟

لا شك أن الجن، ومنهم الشياطين، يموتون، إذ هم داخلون في قوله تعالى: ]كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَامِ[ (سورة الرحمن: الآيتان 26 و27).

وفي الحديث عن ابن عباس أن النبي r كان يقول: ]أَعُوذُ بِعِزَّتِكَ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ الَّذِي لاَ يَمُوتُ وَالْجِنُّ وَالإِنْسُ يَمُوتُونَ[ (رواه البخاري، كتاب التوحيد، الحديث الرقم 6835). أمّا مقدار أعمارهم فلا نعلمها، إلاّ ما أخبرنا الله عن إبليس أنه سيبقى حياً إلى أن تقوم الساعة:  ]قَالَ أَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُون (14) قَالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ[ (سورة الأعراف، الآيتان: 14 و15).

أمّا غيره فلا ندري مقدار أعمارهم، ومما يدل على أنهم يموتون، أن خالد بن الوليد قتل شيطانة العزى، عند الشجرة، التي كانت تعبدها العرب، وأن صحابياً قتل جنياً تمثل له على صورة أفعى.

ثالث عشر: هل يسلم الشيطان؟

كل إنسان يلازمه شيطان، لا يفارقه، خاصة إذا غفل عن ذكر الله؛ ففي القرآن الكريم: ]وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ[ (سورة الزخرف: الآية 36)، كما قال الله تعالى في الآية الأخرى: ]وَقَيَّضْنَا لَهُمْ قُرَنَاءَ فَزَيَّنُوا لَهُمْ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم[ (سورة فصلت: الآية 25). ويرى بعض العلماء أن هذا القرين يمكن أن يسلم، ويستدلون بقول رسول الله r: ]مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ وَقَدْ وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنْ الْجِنِّ وَقَرِينُهُ مِنْ الْمَلاَئِكَةِ قَالُوا وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ وَإِيَّايَ لَكِنَّ اللَّهَ أَعَانَنِي عَلَيْهِ فَأَسْلَمَ فَلاَ يَأْمُرُنِي إِلاَّ بِخَيْرٍ[. إلاّ أن بعض العلماء يرفض ذلك ويقول: الشيطان لا يكون مؤمناً، ووجه قوله: فأسلم أي فانقاد هو واستسلم، أو فأسلمُ أنا من شره.

وممن يرى أن الشيطان يمكن أن يسلم الإمام ابن حبان، قال معلقاً على الحديث: "في هذا الخبر دليل على أن شيطان المصطفى r أسلم، حتى أنه لم يكن يأمره إلاّ بخير، إلا أنه كان يسلم منه، وإن كان كافراً". وفي الحقيقة، إن هذا خاص بالقرين الموكل بالنبي، r، ولم يرد في غيره، ما يفيد ذلك.

رابعاً: دور الشيطان وأهدافه

1. حكمة خلق إبليس

إبليس فتنة امتحن الله به خلقه؛ ليظهر به خبيثهم من طيبهم، ومؤمنهم من كافرهم، ولتقوم الحجة على العباد، فمن أطاع الله دخل الجنة، ومن عصاه دخل النار، والله في ذلك حكيم عليم، فقد أعطاهم العقل، وبعث إليهم الرسل، فمن آمن، كان إيمانه بتوفيق من الله، ومن عصاه، بعد قيام الحجة عليه، كان عصيانه طاعة للشيطان، بعد قيام الحجة عليه؛ ولذلك، اقتضت حكمته، سبحانه، امتحان أولاد آدم، من بعد أن امتحن أبويهم؛ ليميز الله بين العباد، ويظهر فيهم فضله وعدله.

2. حكمة إمهال إبليس

لمّا كان إبليس قد أصرّ على المعصية، وخاصم ربه، فيما ينبغي التسليم لحكمه، كان إمهاله في الدنيا، ليزداد إثماً فوق إثمه، الذي ارتكبه، بعصيان أمر ربه. فيكون رأس أهل الشرّ، في العقوبة، كما كان رأسهم في المعصية والكفر؛ فلا ينزل عذاب، بأهل النار، إلاّ بدئ به، ثم يسري منه إلى أتباعه، بمقتضى عدل الله وحكمته. والله لا يُسأل عما يفعل؛ فله أن يخلق ويفعل ما شاء، سبحانه وتعالى.

3. ضعف كيد الشيطان

قـال تعالـى:  ]إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا[ (سورة النساء: الآية 76). ومـن ذلك، أنـه لا سلطان له على عباد الله الصالحين، فلم يعط الله ـ سبحانه ـ الشيطان القدرة على إجبار الناس، وإكراههم على الضلال والكفر، ]إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ وَكَفَى بِرَبِّكَ وَكِيلا[ (سورة الإسراء: الآية 65). ]وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالآْخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظ[ (سورة سبأ: الآية 21). ومعنى ذلك أن الشيطان ليس له طريق يتسلط به عليهم لا من جهة الحجة، ولا من جهة القدرة. والشيطان يدرك هذه الحقيقة، ]قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لأَزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِين(39) إِلاَّ عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ[ (سورة الحجر: الآيتان 39، 40). وإنما يتسلط على العباد الذين يرضون بفكره، ويتابعونه عن رضا وطواعية: ]إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلاَّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ[  (سورة الحجر، الآية: 42)، وفي يوم القيامة يقول الشيطان لأتباعه الذين أضلهم وأهلكهم: ]وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلاَّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي[ (سورة إبراهيم: الآية 22). وفي الآية الأخرى:]إِنَّمَا سُلْطَانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُون[ (سورة النحل: الآية 100).

والسلطان هو تسلطه عليهم بالإغواء والإضلال، وتمكنه منهم، بحيث يحرضهم على الكفر والشرك، وفعل المعاصي، كما قال تعالى: ]أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا[ (سورة مريم: الآية 83)، ومعنى تؤزهم: تحركهم وتهيجهم على ارتكاب الكفر والمعاصي، وتغريهم بذلك إغراءً، وتسوقهم إليها سوقاً.

وسلطان الشيطان على أوليائه،لم يكن إجباراً منه، أو قسراً، وإنما استجابوا له، لحظة دعوته إياهم، لما وافقت أهواءهم وأغراضهم؛ فهم الذين أعانوا على أنفسهم، ومكّنوا عدوهم من سلطانه عليهم بموافقته ومتابعته، فلما فعلوا ذلك، سُلِّط عليهم عقوبةً لهم. فالله لم يجعل للشيطان على العبد سلطانا، بل جعل للعبد سبيلا للخلاص من تسلط الشيطان، بالطاعة، والاستعانة بالله. وقـد يُسلـط الشيطان على بعض المؤمنين بذنوبهم، ففي الحديث ]إن الله تعالى مع القاضي ما لم يحد، فإذا جار تبرأ منه، وألزمه الشيطان[ (رواه الحاكم والبيهقي، بإسناد حسن).

4. خوف الشيطان

إذا رسخ الإيمان في قلب العبد، وكان وقّافا عند حدود الله، فإن الشيطان يفرق منه، ويفر، كما قال الرسول  لعمر بن الخطاب: ]إِنِّي لأَنْظُرُ إِلَى شَيَاطِينِ الإِنْسِ وَالْجِنِّ قَدْ فَرُّوا مِنْ عُمَرَ[ (سنن الترمذي، كتاب المناقب، الحديث الرقم 3624). بل أقسم الرسول، بقوله ]وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلاَّ سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ[ (رواه البخاري، الحديث الرقم 5621). وليس ذلك خاصاً بعمر، فإن من قوي إيمانه تمكن من أن t يقهر شيطانه، ويذله.

5. إبليس في معركته مع الإنسان

إبليس هو الذي يخطط للمعركة ضد بني الإنسان، ويقودها. ومن قاعدته، يرسل البعوث، والسرايا، في الاتجاهات المختلفة، ويعقد مجالس يناقش جنوده وجيوشه فيما أدوه، من مهام شريرة، كلفهم بها، ويثني على الذين أحسنوا وأجادوا، في الإضلال وفتنة الناس. فعن جابر t، عن النبي قال: ]إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ[ (رواه مسلم، كتاب صفة الجنة، الحديث الرقم 5032).

فمن الواضح أن له جنوداً من الجن، ومن الإنس، يؤيد ذلك قوله تعالى: ]وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِك[ (سورة الإسراء: الآية 64). فالناس فريقان: أولياء للرحمن، وأولياء للشيطان. وأولياء الشيطان هم الكفرة، على اختلاف مللهم ونحلهم ]إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُون[ (سورة الأعراف: الآية 27).

والشيطان يسخر هؤلاء لإضلال المؤمنين بما يلقونه، من الشبه والشكوك ]وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إِلَى أَوْلِيَائِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُون[ (سورة الأنعام: الآية 121). وما هذه الشبهات، التي يثيرها الكفار، من ملحدين وغيرهم، إلاّ من هذا القبيل.

ويدفعهم الشيطان لإيذاء المؤمنين نفسيا ]إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ أَمَنُوا[ (سورة المجادلة: الآية 10)، فقد كان يدفع المشركين للتناجي عند وجود بعض المسلمين على مقربة منهم فيظن المسلم أنهم يتآمرون عليه .بل يدفعهم إلى حرب المسلمين وقتالهم ]الَّذِينَ أَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا[ (سورة النساء: الآية 76).

وهو دائما يحاول أن يلقي الخوف في قلوب المؤمنين، من جنده وأوليائه: ]إِنَّمَا ذَلِكُمُ الشَّيْطَانُ يُخَوِّفُ أَوْلِيَاءَه فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 175)، وأولياؤه جمع كبير قد يمثلون الأغلبية ]وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلاَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ[ (سورة سبأ: الآية 20).

والحاصل، إن الشيطان يستخدم أولياءه، من الجن والإنس؛ ليبث الخوف في قلب كل من أراد أن يتقرب إلى الله، والواجب على المسلم، إذا ألقى الشيطان الخوف في نفسه، أن يعلم أن الإقدام على الحق ليس هو الذي يدني الأجل، وليس السكوت على الباطل يبعد الأجل، فكم من مؤمن صدع بالحق، ومات على فراشه، وكم من جبان قُتل في بيته، فلقد كان خالد بن الوليد مقداماً شجاعاً، ولكنه مات على فراشه.

وحذّرنا الله من الخوف من أولياء الشيطان، فقال: ]فلا تخافوهم[، بل امضوا فيما أمرتكم به، واعلموا أن الله إذا كان مع عبد، فإنه لا يغلبه أحد. والمطلوب صدق النية والإخلاص والتوكل التام، ولذا قال تعالى: ]فَلاَ تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[ (سورة آل عمران: الآية 175)، ولذا قيل: من خاف الله، خافه كل شيء، ومن اتقى الله، اتقاه كل شيء، ومن خاف من غير الله، خاف من كل شيء.



[1] صفية بنت حيي بن أخطب، كان أبوها يهودياً فأسلمت وتزوجها الرسول بعد غزوة بني النضير وتوفيت في المدينة، عام 50 هـ.