مقدمة

الصيام من العبادات، التي عرفها الإنسان منذ أقدم العصور، وفي مختلف الديانات، سواء الوثنية أو ديانات التوحيد. وإلى هذا المعنى، الوارد في صيام التوحيد، أشار الله U في قوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ (سورة البقرة: الآية 183). والصيام ركن من أركان الإسلام، إلاّ أن جزاءه منوط بالله سبحانه وتعالى، كما ورد في الحديث: ]الصَّوْمُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِهِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2183)، ذلك أن الصوم عبادة خاصة لا يطلع عليها الآخرون، ولا يعلم صدقها من زيفها إلاّ علام الغيوب.

يتناول البحث الصيام في قسمين: الأول منها، يعالج الصيام عند المسلمين، فيتناول مشروعيته، وأحكامه، وأركانه، وشروطه، وسننه، وآدابه، ومكروهاته،  وأنواعه، والأعذار المبيحة للفطر، وما يفسد الصيام وما لا يفسده، والحكمة منه. ثم يتحدث عن أثر الصيام وفضله من النواحي المختلفة: الدينية والصحية والنفسية والاجتماعية. كما يورد سُنناً من مستحبات الشهر الكريم وفضائله، مثل حكم الإفطار على تمر وماء، وتعجيل الإفطار، وتأخير السحور، وقيام رمضان، والاعتكاف، وليلة القدر، وإخراج زكاة الفطر. ثم يعرض لأهم الأحداث التي وقعت، للمسلمين والأمة الإسلامية، في شهر رمضان.

ويتناول القسم الثاني الصيام عند غير المسلمين. فيقف على صيام أهل الكتاب، من يهود ونصارى، وفقاً لمذاهبهم وطوائفهم المختلفة، الأرثوذكس والبروتستانت مثلاً. ويستعرض ألواناً وأنماطاً من صنوف الصيام المختلفة عند غير أهل الملل السابقين منهم والمعاصرين.

وعلى كلٍ، فالبحث يحاول أن يلمّ بهذه العبادة على مجرى التاريخ، وكيف بلغت ذروتها في الإسلام، عندما أصبحت عبادة متكاملة، تجمع الصحة للبدن، والمتعة للروح.