إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الصيام









المبحث الأول

المبحث الأول

الصيام عند المسلمين

أولاً: مشروعيته وأحكامه

1. الصيام لغة وشرعاً

الإمساك عن الطعام والشراب والكلام والنكاح. وفي لسان العرب: ترك الطعام والشراب والنكاح والكلام. وقد جعل العلماء الصمت عن الكلام من الصيام، مصداقاً لقوله تعالى، على لسان السيدة مريم ]إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا[ (سورة مريم: الآية 26)، وقال بن منظور "قيل معناه، صمتاً، ويقويه قوله تعالى: ]فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا[ (سورة مريم: الآية 26).

2. صيام رمضان شرعاً

شرع سبحانه وتعالى الصيام شهراً من كل عام، وقد فرض صيام شهر رمضان على المسلمين بعد مضي ليلتين خلتا من شعبان في السنة الثانية للهجرة بقوله تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون[َ (سورة البقرة: الآية 183). وقال تعالى: ]فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ[ (سورة البقرة: الآية 185).

والصيام أحد أركان الإسلام الخمسة لقوله r ]بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إلاّ اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 5743).

3. أنواعه

من أنواع الصيام: الواجب، والمستحب، والنافلة، والحرام، والمكروه. وتندرج تحت كل نوع من هذه الأنواع فروع، وذلك باختلاف الأوقات، والحالات التي يكون فيها الصيام.

أ. الصيام الواجب

(1) صيام شهر رمضان

وهو ركن من أركان الإسلام، وفرض عين واجب على كل مسلم عاقل بالغ مكلف، ومدته شهر واحد في كل عام.

(2) صيام القضاء

قضاء رمضان لمن أفطر فيه لعذر؛ كمن كان مريضاً، أو مسافراً، لقوله تعالى: ]وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[ (سورة البقرة: الآية 185).

(3) صيام النذر

من ألزم نفسه طوعاً واختياراً أن يصوم شكراً لله أو عبادة وتقرباً، عدداً من الأيام حددها، وجب عليه الوفاء بنذره لقوله تعالى ]وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ[ (سورة الحج: الآية 29).

(4) صيام الكفارات

وينقسم صيام الكفارات بدوره إلى خمسة أنواع هي:

(أ) كفارة اليمين: فإن من حلف يميناً، وحنث، لزمه إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو تحرير رقبة، فمن لم يجد واحداً من هذه الثلاثة، وجب عليه صيام ثلاثة أيام لقوله تعالى: ]لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ ءَايَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ (سورة المائدة: الآية 89).

(ب) كفارة القتل الخطأ: لمن لم يجد تحرير رقبة مؤمنة، قال تعالى: ]وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إلاّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وكان الله عليما حكيما[ (سورة النساء: الآية 92).

(ج). كفارة من يحرم بالحج متمتعاً إن لم يجد الهَدْي: أو أراد أن يفتدي بالصيام من فعل محظور من محظورات الإحرام، كلبس المخيط، قال تعالى: ]فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ[ (سورة البقرة: الآية 196).

(د) كفارة الظهار:[1] لمن قال لزوجته أنتِ عليَّ كظهر أمي، وأراد أن يعود لها إن لم يجد رقبة يحررها، قال تعالى ]فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَاسَّا فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً[ (سورة المجادلة: الآية 4).

(هـ) كفارة الجماع العمد في نهار رمضان لمن لم يجد رقبة يحررها. فعن أبي هريرة t قال: ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ هَلَكْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ r. قَالَ: وَمَا أَهْلَكَكَ؟ قَالَ: وَقَعْتُ عَلَى امْرَأَتِي فِي رَمَضَانَ. قَالَ: هَلْ تَجِدُ مَا تُعْتِقُ رَقَبَةً؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لا. قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ مَا تُطْعِمُ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1870).

ب. الصيام المستحب

(1) وهي الأيام التي كان النبي r يصومها ويُرغب  في صومها وهي يوم عاشوراء، وهو عاشر المحرم، وتسوعاء، التاسع منه. لما ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما ]أن رسول الله r صام يوم عاشوراء، فقال: يكفر السنة الماضية[. (رواه، البخاري ومسلم).

(2) صيام ثلاثة أيام من كل شهر (الثلاثة البيض)، وهي الثالث عشر والرابع عشر، والخامس عشر، من كل شهر، وسميت بيضاً، لابيضاضها ليلاً بالقمر، حيث يكون بدراً. وقد روى أبو ذر أن النبي r قال ]‏يَا ‏أَبَا ذَرٍّ ‏إِذَا صُمْتَ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَصُمْ ثَلاثَ عَشْرَةَ وَأَرْبَعَ عَشْرَةَ وَخَمْسَ عَشْرَةَ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 692).

(3) صيام ستة أيام من شوال، فعن أبي أيوب الأنصاري عن النبي r قال: ]مَنْ صَامَ رَمَضَانَ ثُمَّ أَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوَّالٍ كَانَ كَصِيَامِ الدَّهْرِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1984).

(4) صيام يوم عرفة: عَنْ أَبِي قَتَادَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَال:] قَالَ لَهُ رَجُلٌ أَرَأَيْتَ صِيَامَ عَرَفَةَ؟ قَالَ: أَحْتَسِبُ عِنْدَ اللَّهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الْمَاضِيَةَ وَالْبَاقِيَةَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 21572).

(5) صيام يومي الاثنين والخميس، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ r ]كَانَ يَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ. فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ تَصُومُ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ. فَقَالَ: إِنَّ يَوْمَ الاثْنَيْنِ وَالْخَمِيسَ يَغْفِرُ اللَّهُ فِيهِمَا لِكُلِّ مُسْلِمٍ، إِلا مُهْتَجِرَيْنِ، يَقُولُ دَعْهُمَا حَتَّى يَصْطَلِحَا[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1730).

(6) صيام العشر الأول من ذي الحجة. فعَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: ]أَرْبَعٌ لَمْ يَكُنْ يَدَعُهُنَّ النَّبِيُّ r صِيَامَ عَاشُورَاءَ، وَالْعَشْرَ، وَثَلاثَةَ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ الْغَدَاةِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2373).

(7) صيام ما يستطيعه الإنسان من أيام في الأشهر الحرم. فقد ورد عن مُجِيبَةَ الْبَاهِلِيَّةِ عَنْ أَبِيهَا أَوْ عَمِّهَا أَنَّهُ ]أَتَى رَسُولَ اللَّهِ r ثُمَّ انْطَلَقَ. فَأَتَاهُ، بَعْدَ سَنَةٍ، وَقَدْ تَغَيَّرَتْ حَالُهُ وَهَيْئَتُهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمَا تَعْرِفُنِي؟ قَالَ: وَمَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الْبَاهِلِيُّ، الَّذِي جِئْتُكَ عَامَ الأوَّلِ. قَالَ: فَمَا غَيَّرَكَ، وَقَدْ كُنْتَ حَسَنَ الْهَيْئَةِ؟ قَالَ: مَا أَكَلْتُ طَعَامًا إِلاَّ بِلَيْلٍ، مُنْذُ فَارَقْتُكَ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ r: لِمَ عَذَّبْتَ نَفْسَكَ؟ ثُمَّ قَالَ: صُمْ شَهْرَ الصَّبْرِ، وَيَوْمًا مِنْ كُلِّ شَهْرٍ. قَالَ: زِدْنِي، فَإِنَّ بِي قُوَّةً. قَالَ: صُمْ يَوْمَيْنِ. قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: صُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ. قَالَ: زِدْنِي. قَالَ: صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ، صُمْ مِنَ الْحُرُمِ وَاتْرُكْ. وَقَالَ بِأَصَابِعِهِ الثَّلاثَةِ فَضَمَّهَا، ثُمَّ أَرْسَلَهَا[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2073).

ج. صيام النافلة

وهو صيام لغير وقت ولا سبب، في غير الأيام التي يجب الصيام فيها أو يُمنع. ويجوز للصائم، تطوعاً، أن يُفطر إن شاء، ولا شيء عليه. فقد ورد عن أم هانئ رضي الله عنها أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r دَخَلَ عَلَيْهَا يَوْمَ الْفَتْحِ فَأُتِيَ بِشَرَابٍ، فَشَرِبَ، ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَقُلْتُ: إِنِّي صَائِمَةٌ. فَقَالَ:] إِنَّ الْمُتَطَوِّعَ أَمِيرٌ عَلَى نَفْسِهِ فَإِنْ شِئْتِ فَصُومِي وَإِنْ شِئْتِ فَأَفْطِرِي[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 25673). وقد ذهب أكثر أهل العلم، إلى جواز الفطر لمن صام تطوعاً، واستحبوا له قضاء ذلك اليوم.

د. الصيام المنهيّ عنه

(1) صيام يوم عيد الفطر، ويوم عيد الأضحى، وأيام التشريق بعده للحجاج. لحديث أبي سعيد الخدري t ]أن النبي r نَهَى عَنْ صِيَامِ يَوْمَيْنِ يَوْمِ الْفِطْرِ وَيَوْمِ ‏النَّحْرِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 10223). وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]يَوْمُ عَرَفَةَ، وَيَوْمُ النَّحْرِ، وَأَيَّامُ التَّشْرِيقِ، عِيدُنَا أَهْلَ الإسْلامِ. وَهِيَ أَيَّامُ أَكْلٍ وَشُرْبٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2066).

(2) صيام يوم عرفة للحجاج، لما ورد عن أبي هريرة t أن رسول الله r ]نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ عَرَفَةَ بِعَرَفَةَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2084).

(3) صيام الدهر، فعن أبي قتادة الأنصاري أن رسول الله r سُئل عن صيام الدهر فقال ]لاَ صَامَ مَنْ صَامَ الأبَدَ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2335).

(4) صيام يوم الشك، وهو آخر يوم من شعبان إذا لم يُرَ الهلال بسبب علة من غيم أو غبار؛ لحديث عمار بن ياسر ]مَنْ صَامَ الْيَوْمَ الَّذِي يَشُكُّ فِيهِ النَّاسُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ [r (سنن الترمذي، الحديث الرقم 622).

(5) صيام الوصال، وهو ألا يفطر الصائم عند غروب الشمس، ويواصل الصوم لليوم التالي، لقول النبي r ]إِيَّاكُمْ وَالْوِصَالَ مَرَّتَيْنِ. قِيلَ: إِنَّكَ تُوَاصِلُ. قَالَ: إِنِّي أَبِيتُ يُطْعِمُنِي رَبِّي وَيَسْقِينِ فَاكْلَفُوا مِنَ الْعَمَلِ مَا تُطِيقُونَ[ (سنن الدارمي، الحديث الرقم 1641).

(6) صيام يوم السبتعلى وجه الخصوص مُنْفَرِداً؛ لقوله r ]لا تَصُومُوا يَوْمَ السَّبْتِ إلاَّ فِيمَا افْتَرَضَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ أَحَدُكُمْ إلاَّ لِحَاءَ عِنَبَةٍ أَوْ عُودَ شَجَرَةٍ فَلْيَمْضُغْهُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 675). وذلك، لأن اليهود تُعظم يوم السبت.

(7) صيام يوم الجمعة منفرداً، لقول النبي r ]لاَ تَخْتَصُّوا لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ بِقِيَامٍ مِنْ بَيْنِ اللَّيَالِي وَلاَ تَخُصُّوا يَوْمَ الْجُمُعَةِ بِصِيَامٍ مِنْ بَيْنِ الأيَّامِ إلاّ أَنْ يَكُونَ فِي صَوْمٍ يَصُومُهُ أَحَدُكُمْ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1930).

(8) صيام الحائض، والنفساء.

هـ. الصيام المكروه

(1) صيام المرأة بغير إذن زوجها، فعن أبي هريرة t عن النبي r قال ]لاَ تَصُومُ الْمَرْأَةُ وَزَوْجُهَا شَاهِدٌ يَوْمًا مِنْ غَيْرِ شَهْرِ رَمَضَانَ إلاَّ بِإِذْنِهِ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1751).

(2) صيام المسافر، إذا شقّ عليه الصيام، لحديث جابر بن عبدالله t قال: ]إَنَّ النَّبِيَّ  rكَانَ فِي سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلٌ قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ. فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قَالُوا: هَذَا صَائِمٌ. فَقَالَ النَّبِيُّ r: لَيْسَ مِنَ الْبِرِّ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ[ (سنن الدارمي، الحديث الرقم 1647).

4. ثبوت هلال شهر رمضان المبارك

أ. ينبغي على الناس، أن يلتمسوا الهلال، في اليوم التاسع والعشرين، من شعبان، وإن رأوه صاموا، وإنْ غُمَّ عليهم، أكملوا عدَّة شعبان ثلاثين يوماً، ثم صاموا. فعن أبي هريرة t أن النبي r قال: ]صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُبِّيَ عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلاثِينَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1776).

ب. ويثبت هلال شهر رمضان بشهادة عدل واحد، ولو أنثى، بشرط أن يصف الشاهد كيفية رؤيته، كأن يكون في مكان عالٍ، أو خارج البلد.

ج. ويثبت هلال شهر رمضان، إن كانت السماء صافية، بشهادة جمع من الناس.

د. لا اعتداد برؤية الهلال نهاراً لا قبل الظهر ولا بعده، لكن يُعتد بالرؤية بعد الغروب فعلاً، عملاً بالأحاديث الصحيحة.

هـ. وتتحرى في أيامنا هذه رؤية الهلال، بواسطة علماء الفلك، والأرصاد الجوية، ولكن يُعتد شرعاً بشهادة الشهود العدل.

و. وإذا رأى أهل بلد هلال رمضان، لزم سائر البلاد الصيام بهذه الرؤية. إذ لا عبرة باختلاف المطالع لدى جمهور العلماء. فرؤية الهلال في أي مكان تُعدّ رؤية ملزمة لجميع الناس. وهو رأي حوله خلاف بين المذاهب.

ويترتب على ثبوت رؤية الهلال، الإمساك عن المفطرات، من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس، وذلك بدلالة قوله تعالى: ]وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ[ (سورة البقرة: الآية 187).

فقد حدد الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة، توقيت الصيام بدقة، فيما بين طلوع الفجر وبين مغرب الشمس، فالخيط الأبيض (هو نور الفجر) والخيط الأسود (هو ظلام الليل) ومعنى هذا أن يأكل الصائم ويشرب حتى يستيقن طلوع الفجر، فإن الله جعل نهاية الأكل والشرب التبين (أي وضوح رؤية الخيط الأبيض من الأسود).

وقال رجل لابن عباس رضى الله عنهما: إني أتسحر فإذا شككتُ أمسكتُ؛ فقال ابن عباس: كل ما شككت حتى لا تشك.

وقد عرف المسلمون الأوائل، توقيت أكلة السحور في أواخر الليل، عندما يستمعون إلى صوت بلال بن رباح t وهو يؤذن، وهذا يعني أن الأكل والشرب لا يزال مباحاً. وهذا الأذان هو ما نسميه في زماننا بالأذان الأول، وهو قبل أذان الفجر بنحو ساعة؛ ثم إنَّ المسلمين آنذاك ـ وهم على عهد رسول الله r إذا سمعوا الأذان بصوت (ابن أم مكتوم) فهذا يعني الامتناع عن كل شيء، وبأن الفجر قد طلع، فيمسكون عن كل ما يفطر.

أمّا بالنسبة لوقت الإفطار، فقد روى الخليفة عمر بن الخطاب t قال، قال رسول الله r: ]إِذَا أَقْبَلَ اللَّيْلُ مِنْ هَا هُنَا، وَأَدْبَرَ النَّهَارُ مِنْ هَا هُنَا، وَغَرَبَتِ الشَّمْسُ، فَقَدْ أَفْطَرَ الصَّائِمُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1818).

أمّا في البلاد التي يتساوى فيها الليل والنهار، أو في حالة استمرار طلوع النهار، ما عدا ساعات قليلة، فيقدر وقت الصيام بحسب أقرب البلاد إليها. واختلف الفقهاء في التقدير، في البلاد التي يطول نهارها، ويقصر ليلها، والبلاد التي يقصر نهارها، ويطول ليلها، على أي البلاد يكون؟ فقيل: يكون التقدير على البلاد المعتدلة، التي وقع فيها التشريع، كمكة والمدينة. وقيل: أقرب بلاد معتدلة إليهم.

5. أركان الصيام

لابد لصحة الصيام من توافر ركنين أساسيين هما: النية، والإمساك عن المفطرات.

أ. النيَّة: من شروط صحة الصيام، وهي أساس في الصيام، وسائر العبادات، ولا يصح الصيام إلا بنيّة، لحديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب r المتفق عليه قال سمعت رَسُولُ اللَّهِ r يقول: ]إِنَّمَا الأعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1882). وينبغي أن تكون النية سابقة للفجر، ولكل يوم من أيام رمضان. فعَنْ حَفْصَةَ رضي الله عنها عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ: ]مَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ قَبْلَ الْفَجْرِ فَلا صِيَامَ لَهُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2291). والمَعْنَى هَذَا عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ، لاَ صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُجْمِعِ الصِّيَامَ (أي ينوي الصيام) قَبْلَ طُلُوعِ الْفَجْرِ، فِي رَمَضَانَ، أَوْ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، أَوْ فِي صِيَامِ نَذْرٍ إِذَا لَمْ يَنْوِهِ مِنَ اللَّيْلِ لَمْ يُجْزِهِ، وَأَمَّا صِيَامُ التَّطَوُّعِ فَمُبَاحٌ لَهُ أَنْ يَنْوِيَهُ بَعْدَ مَا أَصْبَحَ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ. وتكفي النية مرة واحدة للصيام المتتابع؛ فإن انقطع تتابعه بمرض أو سفر فلابد من تبييت النية لكل يوم يصومه. ويكفي في النية أن يعزم بقلبه أنه سيصوم غداً، أو يباشر عملاً يدل على عزمه، كإعداد السحور أو تناوله ـ والاستيقاظ له، مثلاً.

ب. الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الصادق، إلى غروب الشمس.وتفسد المفطرات الصوم إذا تناولها الصائم عمداً، فإن تناولها ناسياً فصومه صحيح. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1952).

6. شروط الصيام

لكي يكون الصيام صحيحاً، فلا بد من توافر الشروط الآتية:

أ. الإسلام: لا يصح الصيام إلا من مسلم ولا صيام لغير المسلم.

ب. البلوغ: يجب الصيام بالبلوغ، وكذلك سائر أعمال الأبدان ـ كالصلاة والحج ـ فلا تجب إلاّ بالبلوغ. ولكن يمكن للصبي، الذي لم يبلغ، أن يتعود على الصيام منذ الصغر، ليستطيعه في الكبر. فعَنْ الرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ قَالَتْ ]أَرْسَـلَ النَّبِيُّ r غَدَاةَ عَاشُورَاءَ إِلَى قُرَى الأَنْصَارِ: مَنْ أَصْبَحَ مُفْطِرًا فَلْيُتِمَّ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ صَائِمًا فَليَصُمْ. قَالَتْ: فَكُنَّا نَصُومُهُ بَعْد،ُ وَنُصَوِّمُ صِبْيَانَنَا، وَنَجْعَلُ لَهُمْ اللُّعْبَةَ مِنْ الْعِهْنِ (الصوف) فَإِذَا بَكَى أَحَدُهُمْ عَلَى الطَّعَامِ، أَعْطَيْنَاهُ ذَاكَ، حَتَّى يَكُونَ عِنْدَ الإفْطَار[ِ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1919).

ج. العقل: فعن عَائِشَةَ عَنِ النَّبِيِّ r قَالَ ]رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثلاثَةٍ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 910).

د. الصحة: يقول المولى U ]وعلى الذين يُطِيقُونَهُ[2] فديَةٌ طعامُ مسكينٍ[ (سورة البقرة: الآية 184). يطيقونه، أي لا يحتملون صيامه.

هـ. الإقامة: فلا يجب على المسافر صيام رمضان، بل يقضيه بعد السفر. وإن كان الأفضل صيامه في السفر إن لم يكن عليه مشقة، لقوله تعالى ]وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ[ (سورة البقرة: الآية 184).

و. الطهارة من دم الحيض والنفاس: فلا يصح صوم الحائض والنفساء، بل تفطران وجوباً، وعليهما القضاء، لقول عائشة رضي الله تعالى عنها ]كَانَ يُصِيبُنَا ذَلِكَ فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ وَلا نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاةِ [ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 508).

ثانياً: أحكام الصيام

1. سنن الصيام وآدابه ومستحباته

أ. تأخير السحور، بحيث يكون قبل الفجر بمدة قصيرة، وقد أجمعت الأمة على استحباب السحور، وأنه لا إثم على من تركه. ويتحقق السحور بكثير الطعام وقليله، ولو بجرعة ماء، فعن أنس بن مالك t أن رسول الله r قال ]تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1789).

ب. تعجيل الإفطار بعد الغروب، ويستحب للصائم أن يعجل الإفطار، متى تحقق غروب الشمس. فعن سهل بن سعد، أن النبي r قال: ]‏لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1821).

وينبغي أن يكون الإفطار على رُطبات وتراً، فإن لم يجد فعلى الماء. فعن أنس بن مالك t قال: ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَعَلَى تَمَرَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ حَسَا[3]. حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2009).

ج. الدعاء عند الإفطار وأثناء الصيام، فعن عبدالله بن عمرو بن العاص t، أن النبي r قال: ]إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1743). وقال ابن عمر رضي الله عنهما ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r إِذَا أَفْطَرَ قَالَ: ذَهَبَ الظَّمَأُ، وَابْتَلَّتِ الْعُرُوقُ، وَثَبَتَ الأجْرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2010). ومن دعائه أيضاً ]اللَّهُمَّ لَكَ صُمْتُ، وَعَلَى رِزْقِكَ أَفْطَرْتُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2011). وفي دعاء آخر زاد على ذلك: ]فتقبل مني، إنك أنت السميع العليم[. وفي دعاء آخر]الحمد لله الذي أعانني فصمتُ، ورزقني فأفطرتُ[.

د. الكف عما يتنافى مع الصيام، من آداب الصيام كف الجوارح كلها عن المحرمات، ويتم ذلك، بالإمساك عن المفطرات المعنوية التي تذهب الصوم كالغيبة، والنميمة، والكذب، والنظر المحرم. ويتحقق كمال الصوم بصيانة الجوارح السبع، كما يقول علماؤنا وهي: العين، والأذن، واللسان، والبطن، والفرج، واليد، والرجل من استرسالها في المخالفات. لذا، قال الشاعر:

إذا مَا المَرَءُ صَامَ عَنِ الخَطَايا                            فَكُلُّ شُهُوره شَهْرُ الصِّيَامِ

فينبغي أن يمتنع الصائم عن الأعمال التي تخدش صومه، حتى ينتفع به، فقد ورد عن أبي هريرة t، أنَّ النبي r قال: ]مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ، وَالْعَمَلَ بِهِ، فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1770).

هـ. السِّواك، ويستحب للصائم أن يستاك في نهار رمضان، ولا فرق بين أول النهار وأخره.

و. كثرة الصدقات وكثرة التزاور، من سجايا المسلمين المحمودة في رمضان، كثرة الصدقات، وكثرة التزاور، وهما من أسباب التحاب والتآلف. والبحث في الأساليب والوسائل التي يمكنهم القيام بها لتربية النشىء في بلادهم، وتعليمهم ما ينفعهم، وينفع أمتهم كلها، حتى تصبح منتدياتهم مهبط الفضائل ومبعث روح الحياة العزيزة.

ز. الاشتغال بالعلم وسؤال أهله عن الأدوار التي تعترض صيامه، وقراءة القرآن، وكثرة الجلوس في مجالس العلم والطاعات، والصلاة على النبي r، وعدم إضاعة أوقات الفراغ، في مالا ينفع. ومن أصابه تعب، أو ملل، فلينم ولو قليلاً، فكل عمل الصائم عبادة : نومه عبادة، وصمته تسبيح، وعمله مضاعف، ودعاؤَه مستجاب. كما يطلب تفطير الصائم، كسباً للثواب، وزيادة في الأجر، وتوثيقاً لروح الأخوة، فعَنْ زَيْدِ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ t قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 735).

ح. الاجتهاد في العبادة في العشر الأواخر من رمضان، والاعتكاف فيها حرصاً على أداء الصلوات الخمس في أوقاتها، وتحرياً لليلة القدر. فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي r ]إِذَا دَخَلَ الْعَشْرُ أَحْيَا اللَّيْلَ وَأَيْقَظَ أَهْلَهُ وَجَدَّ وَشَدَّ الْمِئْزَر[[4]َ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2008). وهي كناية عن اعتزال النساء.

ط. إخراج صدقة الفطر في آخر رمضان، ويجوز تقديمها.

2. مكروهات الصيام

يكره للصائم:

أ. مضغ العلك القوي (اللبان) وهو الذي كلما مضغه الإنسان، صلب وقوي. ومضغ العلك يفطر، إذا كانت أجزاء منه تصل إلى الجوف كاللبان الصناعي الذي يضاف إليه بعض السكريات، وما كان منه طبيعياً، ولكنه رديء، تتحلل منه أجزاء تصل إلى الجوف.

ب. تذوق ما له طعم كملح، وعسل، وخل، لنظر حاله، ولو لصانعه، مخافة أن يسبق لحلقه شيء منه.

ج. مقدمات الجماع ولو نظراً، لأن ذلك ربما أدى إلى الفطر بالمذي أو المني.

د. المبالغة في المضمضة والاستنشاق.

3. الأعذار المبيحة للفطر في شهر رمضان

·   يرخص الفطر للشيخ الكبير: الذي يعجز عن الصيام، والمريض مرضاً لا يرجى شفاؤه وشهد بذلك طبيب عدل مسلم، أن الصيام يعرض حياة المريض للخطر. وعلى المفطر في هذه الحالة، إطعام مسكين واحد، عن كل يوم من أيام رمضان، أمّا إذا كان المريض يرجى برؤه فعليه القضاء إذا برىء، ولا كفارة عليه.

·   أمّا إذا كان المريض يستطيع الصيام فيجب عليه الصوم: لأن رخصة الفطر في حالة المرض بسبب الخوف من هلاك النفس، لأن المحافظة عليها من مقاصد الشريعة.

·   ولا يلزم المسافر الصيام: وله أن يصوم إن شاء، وعليه قضاء ما أفطره. والمسافر من يترك محل إقامته سواء كان تركه لسفرة واحدة، أم لسفرات متكررة، تقتضي منه عدم الاستقرار في مكان معين. فإن كان المسافر عن محل إقامته قد استقر في مكان آخر، كما هو الحال بالنسبة للطلاب، أو التجار، أو الموظفين، الذين يقيمون مدة معروفة ومحددة في البلد الذي يسافرون إليه وجب عليهم الصيام. والمباح له الفطر في السفر، هو المسافر لغرض مشروع، فلا يجوز الفطر في سفر معصية. وألا ينوي المسافر إقامة أربعة أيام أثناء سفره. وأن يبيت نيّة الفطر، ويباشر السفر قبل الفجر، لأن السفر لا يبيح قصراً ولا فطراً إلاّ بالنية والفعل. لقوله تعالى: ]وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ[ (سورة البقرة: الآية 185).

·   الحائض والنفساء: لا يلزم الحائض والنفساء الصوم، ولا يجوز منهما. وعلى الحائض أو النفساء إذا طَهُرَتْ، أن تقضي ما فاتها. لحديث عائشة رضي الله عنها قَالَتْ ]كُنَّا نَحِيضُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ r ثُمَّ نَطْهُرُ فَيَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصِّيَامِ ولا يَأْمُرُنَا بِقَضَاءِ الصَّلاةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 717)

·   الحامل والمرضع: يباح للحامل والمرضع الإفطار، إن خافتا على حياتهما، أو على المولود. وإذا أفطرتا وجب القضاء عليهما، مع الإطعام على المرضع فقط لا الحامل. فإذا المرضع كانت موسرة تصدقت مع كل يوم تصومه بُمدّ من قمح. وقد فرق العلماء بين الحامل والمرضع، فلم يوجبوا على الحامل الإطعام، لأنهم اعتبروا الحمل عذراً يبيح الفطر، مثل المرض.

·   إرهاق الجوع والعطش: يجوز الفطر لمن تعرض لجوع أو عطش شديدين، يجعلان هلاكه محتملاً. وينبني على هذا، أن المسلم الذي يعمل في بلاد أجنبية، وفي أعمال شاقة، كعمل المناجم، وكان يترتب على صيامه تركه العمل وفقدان مصدر رزقه ورزق من يعول، جاز له الفطر للضرورة، وعليه القضاء لقوله تعالى: ]وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ[ (سورة البقرة: الآية 195).

·   الإكراه: يباح الفطر لمن أكره عليه، بشيء كالقتل، أو قطع عضو، وكذا المرأة إذا وُطئت وهي نائمة ولم تشعر، أو وُطئت مكرهةً، أفطرت وعليها القضاء.

وفي كل ما سبق من أعذار مبيحة للفطر، ينبغي التبكير بقضاء الصيام، ولا يجوز تأخيره لرمضان آخر من دون عذر.

·   من مات وعليه صيام: اختلف الفقهاء في حكم من مات وعليه صيام، وكان يمكنه صيامه قبل موته. فقد ذهب جمهور العلماء، منهم أبو حنيفة ومالك، والمشهور عن الشافعي، إلى أن وليه لا يصوم عنه، ويطعم عنه مُدّاً، عن كل يوم. والمذهب المختار عند الشافعية، أنه يستحب لوليه أن يصوم عنه، ويبرأ به الميت، ولا يُحتاج إلى طعام عنه. والمراد بالولي: القريب، سواء كان عصبة أو وارثاً أو غيرهما. وإذا صام أجنبي عنه، صحَّ، إن كان بإذن الولي، وإلاَّ فإنـه لا يصح. فعَنْ عَائِشَـةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صِيَامٌ صَامَ عَنْهُ وَلِيُّهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2048). وعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ ]جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ r فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ، أَفَأَقْضِيهِ عَنْهَا؟ قَالَ: "نَعَمْ". قَالَ: "فَدَيْنُ اللَّهِ أَحَقُّ أَنْ يُقْضَى[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1817).

4. ما لا يفسد الصيام

لا يفسد الصيام ما يأتي:

أ. الداخل في الجوف، وما يظن أنه كذلك:

(1) غلبة القيء، ولم يرجع منه شيء لحلقه: لأن القيء من دون تعمد تتطلبه مصلحة الجهاز الهضمي، ويتم به التخلص مما يضايق الإنسان، ولذا لا يعد من المفطرات.

(2) نزول الماء والانغماس فيه. فإذا دخل الماء في جوف الصائم من غير قصد فصومه صحيح.

(3) الحقنة مطلقاً، سواء أكانت للتغذية أم لغيرها، سواء أكانت للعروق أم تحت الجلد، فإنها وإن وصلت إلى الجوف، فإنها تصل إليه من غير المنفذ المعتاد. وحول هذا الأمر خلاف؛ لأن هناك من يرى أن استعمال الحقنة للتغذية، مما يُبطل الصيام. المضمضة والاستنشاق: إلا أنه تكره المبالغة فيهما، فعن لقيط بن صبرة أن النبي r قال: ]إذَا اسْتَنْشَقْتَ فَبَالِغْ إِلاَّ أَنْ تَكُونَ صَائِمًا[(مسند أحمد، الحديث الرقم 15785).

(4) التقطير في الأذنين، أو العينين، أو تكحيلهما، أو رش الفم أو الحلق بدواء للضرورة، كحالات الربو وضيق التنفس.

(5) إذا جهل الصائم وقت الإفطار، أو وقت السحور فأفطر قبل غروب الشمس، أو تسحر بعد أذان الفجر لم يفسد صومه.

(6) السواك للصائم إذا كان يابساً، ويكره التسوك بالسواك الرطب، أو معجون الأسنان، لأنه ربما يتحلل منه أجزاء تصل إلى حلقه، فتفطره.

(7) من أكل أو شرب ناسياً، أو دخل إلى جوفه شيء من المفطرات، لم يبطل صيامه، لقوله تعالى: ]وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ[ (سورة الأحزاب: الآية 5). وعن أبي هريرة t قال: قال النبي r: ]مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1952).

ب. الدم

دم الرِّعاف (وهو الدم الذي يخرج من الأنف)، والاستحاضة، ودم الجروح النازفة، ودم الحِجامة، لا يعد شيء من ذلك مفطراً. وقد ]احْتَجَمَ النَّبِيُّ ‏r‏ ‏وَهُوَ صَائِمٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5261).

ج. المباشرة الزوجية:

(1) التلذذ بالقبلة، والمباشرة ـ وهي التقاء جسد الرجل بزوجته ـ أو النظر، أو الفكر، إذا لم تسبب هذه الأشياء خروج شيء من المذي أو المني. عن السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: ]كَانَ النَّبِيُّ r‏ يُقَبِّلُ ‏وَيُبَاشِرُ وَهُوَ صَائِمٌ وَكَانَ أَمْلَكَكُمْ لإِرْبِهِ[ (الإرب: الحاجة والشهوة. لإربه: لنفسه).(صحيح البخاري، الحديث الرقم 1792).

(2) الاحتلام، لكونه يقع بغير إرادة المحتلم.

(3) عقد نية الصيام وهو جنب ـ فمن جامع بالليل ولم يغتسل قبل الفجر، له أن يغتسل بعد طلوعه.

5. مفطرات الصيام

أ. الأكل والشرب، وما دخل الجوف ولو كان غير نافع أو مغذ كالدخان.

ب. القيء عمداً، أما إذا غلبه القيء فلا قضاء عليه ولا كفارة. فعن أبي هريرة، أن النبي r قال: ]‏‏مَنْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ وَمَنْ اسْتَقَاءَ عَمْدًا فَلْيَقْضِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 653).

ج. الحيض والنفاس.

د. الاستمناء، سواء أكان سببه تقبيل الرجل لزوجته، أم ضمها إليه، أو كان باليد؛ فهذا يبطل الصيام ويوجب القضاء.

هـ. الجماع عمداَ، يوجب القضاء والكفارة، إذا كان في نهار رمضان. وتكون الكفارة بأحد أشياء ثلاثة، على الترتيب:

(1) عتق رقبة مؤمنة.

(2) صيام شهرين متتابعين.

(3) إطعام ستين مسكيناً.

و. نزف الدم عمداً. أمّا إذا خرج من دون تدخل، كما يخرج من الأسنان، أو الأنف، فلا يبطل بذلك الصيام، ويدخل في حكم نزف الدم كل إخراج للدم عمداً أو التبرع به، ويجب القضاء في حال الفطر بسبب نزف الدم عند الضرورة.

6. الترهيب من الفطر في رمضان

لمّا فرض الله سبحانه وتعالى صيام رمضان، على كل مسلم ومسلمة، كان من الواجب علينا اتباع أوامره، لما في صيام رمضان من الخير الكثير، والمنفعة الجمّة، ولما في تركه من العقاب، والبعد عن رحمة الله، في الدنيا والآخرة. ولذا نجد هناك الكثير، من الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة، التي تحثنا على الصيام، وتنزل في قلوبنا الخوف والرهبة، من شدة العقاب يوم القيامة، إن تهاونا في صيامه. فعن أبي هريرة t أن النبي r قال: ]مَنْ أَفْطَرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ مِنْ غَيْرِ رُخْصَةٍ ولا مَرَضٍ لَمْ يَقْضِ عَنْهُ صَوْمُ الدَّهْرِ كُلِّهِ وَإِنْ صَامَهُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 655).

فالصيام يحقق للمسلم غايتين: أولهما، طاعة الله ومرضاته، في القيام بركن من أركان الإسلام. وثانيهما، تحقق فوائد صحية وبدنية ونفسية عظيمة. والغايتان، كلتاهما، لمصلحة العبد وسعادته في الدنيا والآخرة، إن صام امتثالاً لأمر الله، وإن لم يصم فهو بذلك يضر نفسه، ويهدم ركناً من أركان دينه، ولن يضر الله شيئاً.

7. حُكم الفطر في رمضان

من امتنع عن الصيام، من غير أهل الأعذار، إمّا أن يكون امتناعه عن جحود وإنكار، وإمّا عن تهاون وإهمال. فمن جحد وجوب صيام رمضان، فهو كافر إجماعاً. ويستتاب ثلاث مرات، فإن تاب، وإلاَّ قُتل. ومن أقرّ بوجوبه، وامتنع عن صومه، فهو عاصٍ (فاسق)، يجبر على الصيام. فإن لم يفعل، قُتل، حدّاً، كتارك الصلاة.

ومع أن نصاً، سواء في الكتاب أو السُّنة، لم يرِد في حق تارك الصيام، كما ورد في حق تارك الصلاة أو الزكاة، مثل قوله U: ]فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ[ (سورة التوبة: الآية 11)، أو قول الرسول r ]أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَشْهَدُوا أَنْ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَأَنَّ ‏مُحَمَّدًا r رَسُولُ اللَّهِ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ قَدْ حَرَّمَ عَلَيَّ دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 8188). إلاّ أن بعض العلماء قاسوا حكم تارك الصيام بحكم المرتد، وهو من بدّل دينه، مختاراً، عاقلاً، غير مكرَه، أو "من جحد فريضة من فرائض الشرع المُجمع عليها، كالصلاة أو الزكاة أو الحج فقد كفر. ومن ثمّ، قيس قتل الممتنع عن الصيام (جحوداً أو تهاوناً أو مجاهرة) بقتل تارك الصلاة (جحوداً أو تهاوناً). فكلاهما يُقتل حدّاً (أي يُقتل شرعاً بجنايته، سواء كانت رِدة أو زندقة أو ترك الصلاة أو الامتناع عن الصيام)، لأنها، جميعها، كفرٌ بعد إيمان، حُكمه القتل حدّاً. ولمّا كان الصيام هو الركن الوحيد من أركان الإسلام، الذي تتمثل فيه خصوصية العلاقة بين العبد وربه، لأنه عبادة لا يطّلع على حقيقتها أحدٌ إلاّ الله سبحانه وتعالى. لذا، فإن قتل تارك الصوم، لا يكون بسبب عدم صومه تهاوناً أو كسلاً، ولكن بسبب إما: جحده لفريضة الصيام أصلاً، أو مجاهرته بالفطر مع القدرة على الصيام. والله أعلم.

8. الحكمة من الصيام

فرض الله سبحانه وتعالى الصيام، لحكم بالغة، منها ما نعرف ومنها ما نجهل، ونحاول هنا أن نَتَلَمَّس بعض الحكم والغايات من فريضة الصيام.

أ. الصيام حافز على التقوى

والتقوى في معناها البسيط، هي الامتثال بأوامر الله تعالى. فالصيام يربي في المؤمن طاعة الله U وخشيته، والصائم يمسك عن شهواته، طائعاً ممتثلاً، فرحاً مسروراً، بطاعة مولاه، فهو لا يمتنع عن شهواته ويقاومها، إلا لأنه يطيع ربه ويخشاه، إذ يمكنه أن يأكل ويشرب، حيث لا يراه أحد، ولكنه يعلم أنَّ الله U يراه، فيذعن لأمره، ويكف من أجله سبحانه وتعالى، الذي قال في كتابه الحكيم: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ (سورة البقرة: الآية: 183).

والصيام مدرسة، يتعلم فيها الصائم سمو الروح، ولذة مناجاة الله، وهناء النفس، فلا عجب أن يسمى مدرسة الثلاثين يوماً.

ب. الصيام قوة للروح

ومما يعين على تقوى الله U أن يَقْوى الجانب الروحي في المسلم، ليسيطر على الجانب المادي فيه، هذا الجانب المادي، إذا تغلب يصبح الإنسان حيواناً. وما الإنسان إلا بالروح، وإنما فرض الله سبحانه وتعالى الصيام، لتقوية روح الإنسان، وتهذيب نفسه، ليتحرر من سلطان غرائزه، وينطلق من سجن جسده، ويتغلب على شهواته. فليس غريباً أن ترتقي روح الصائم، وتقرع أبواب السماء بدعائه فتفتح، ويدعو ربه فيستجيب له. فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ t قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ r ]ثلاثَةٌ لاَ تُرَدُّ دَعْوَتُهُمُ، الصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَالإمَامُ الْعَادِلُ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 3522).

ج. الصيام تربية للإرادة

ورد في الحديث: ]َالصَّوْمُ نِصْفُ الصَّبْرِ[.(سنن الترمذي، الحديث الرقم 3441). فالصائم يجوع ويعطش، ولكنه يصبر طائعاً محتسباً، وبذلك يتمرس على قوة الإرادة، ومضاء العزيمة. وقد وضع الأستاذ الألماني "جيهاردت"، كتاباً في تقوية الإرادة، جعل أساسه الصيام، ذهب فيه إلى أن الإنسان يعيش مالكاً زمام نفسه، لا أسير ميوله المادية.

د. الصيام وسيلة فعالة للعفة

والصيام وقاية للشباب، من تغلب شهواتهم عليهم، وهو وسيلة فعالة للعفة والاستقامة، وكسر لحدة الشهوة، وحماية من الانزلاق في الفواحش. يقول رسولنا الكريم r في نداء الشباب ]يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ الْبَاءةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، فَإِنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ، وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ، فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ، فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ[[5] (مسند أحمد، الحديث الرقم 3903).

هـ. الإحساس بالنعمة

والصيام يُعَرِّفُ المرءَ مقدار نعم الله عليه، فالإنسان إذا تكررت عليه النعم ألِفَها، وطال أُنْسُه بها. والنعم لا تُعْرَفُ إلا بفقدانها، فالشبع، لا تُدرك أهميته إلاّ عند الجوع، وبضدها تتميز الأشياء. ففي الصيام، إدراك لقيمة الطعام، والشراب، والشبع والارتواء، ولا يعرف ذلك إلاّ إذا ذاق الجسم مرارة الجوع والعطش.

و. تذكير بعوز المحرومين

ومن أسرار الصيام الاجتماعية، أنه تذكير عملي، بجوع الجائعين، وبؤس البائسين، في مجتمعات مسلمة، تعاني من الحروب، والمجاعات، والكوارث، والجفاف، والفيضانات، والسيول، فالذي لا يحس بالجوع والعطش، لا يحس بآلامهما عند الآخرين. فلا يرق لحالهم ولا يفيض عليهم مما أفاض الله عليه. أمّا إذا عانى مرة أو مرات، مما يعانون كان مؤهلاً لأن يلتفت إليهم، ويتعاون مع إخوانه في مساعدة المحتاج منهم، وإطعام الجائع، وكسوة العاري، ومسح المرارة والآلام، عنهم. قال تعالى: ]وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى[ (سورة المائدة: الآية 2).

ز. طاعة الله وامتثال أوامره

الصيام أولاً وأخيراً، حق لله على العباد، فإذا أمر الله بأمر، أو نهي، وجب على العباد الامتثال والطاعة. قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ[ (سورة الأنفال: الآية 24).

ح. للصيام أثره في تهذيب النفوس وصحة الأبدان

الصيام يخلص الجسم من كثير من علله وأمراضه؛ فإن كثيراً مما يصيب الناس من أمراض، إنما منشؤه عن بطونهم، التي يتخمونها بما لذَّ وطاب من الأطعمة، غير مفرقين بين ما ينبغي وما لا ينبغي، غير منفذين أمر الله U في كتابه الكريم ]وَكُلُوا وَاشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[ (سورة الأعراف: الآية 31)، وغير ملتزمين بقول رسول الله r ]مَا مَلأَ ابْنُ آدَمَ وِعَاءً شَرًّا مِنْ بَطْنٍ، حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ. فَإِنْ كَانَ لاَ مَحَالَةَ فَثُلُثُ طَعَامٍ، وَثُلُثُ شَرَابٍ، وَثُلُثٌ لِنَفْسِه[ (مسند احمد، الحديث الرقم 16556). كما ورد في القول المأثور: "صوموا تصحوا"، وكذلك، "المعدة بيت الداء، والحمية بيت الدواء".

فالصيام تهذيب للنفس، وعلاج للبدن، ودروس عملية في الصبر، وتحمل المشاق، وقوة الإرادة، يُريحُ فيه الصائم أجهزته، وغدده الهضمية من عنائها الطويل. وهو أيضاً رياضة بدنية، تعطي الجسم صحة وقوة، إذ هو يقضي على كثير من الأمراض التي تنشأ عن الإفراط في الطعام والشراب.

والإسلام يهتم بتربية الجسم، والمحافظة على صحة الأبدان، فالعقل السليم، في الجسم السليم، والمؤمن القوي، خير من المؤمن الضعيف، الذي لا يستطيع أن يحمي دينه ووطنه.

ط. الصيام دعوة للانضباط والنظام

وفي فريضة الصيام، انضباط ونظام للمجتمع الإسلامي، حيث يصوم المسلمون، في وقت واحد. والتاريخ ناطق وشاهد، بأنّ كل أمة انضبطت في أخلاقها وسلوكها، وانتظمت في علمها وعملها، وبناء مجتمعها، اتحدت كلمة أبنائها، وعلا شأنها، وارتفع ذكرها، وقويت شوكتها، وهابها أعداؤُها، وبلغت ذروة المجد والشرف.




[1] الظهار: ظَاهَرَ، مُظاهَرَةً، وظِهَاراً. ظاهَر فلان فلاناً على الأمر: عاونه وأيّده ونصره وساعده عليه. ظاهَرَ فلان فلاناً في الأمر: خالفه وعارضه فيه، كأنه أدار له ظهره متنكراً. ظاهر الرجلُ من المرأة: ابتعد عنها، أي طلقها، وذلك بقوله لها "أنت عليّ كظهر أمي" أو "أنت علي كظهر ذات رحم" أي محرمة عليَّ. ظاهَرَ فلان بين الشيئين: طابق بينهما.

[2] الطوق ـ الطاقة أي أقصى غاية، وهو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله الإنسان بمشقة منه.

[3] حسا شرب. قال سيبويه، التَّحَسِّي عَمَلَ في مهلة، والحُسْوَة ملء الفم، والحَسْوَة، المرة الواحدة. 3/181. والمعنى شرب جرعات على مهل من الماء.

[4] والمئزر: هو الثوب يلف به النصف الأسفل من البدن. ويكنّى به عن الاستعداد، فيُقال: "شد للأمر مئزره". أمّا إن قيل شدّ مئزره دون النساء، فمعناه اعتزلهن. وإن قيل: فلان عفيف المئزر، فهو كناية عن تعففه عمّا حرم عليه من النساء.

[5] الوجاء: هو فتور الرغبة الجنسية، وانكسار الشهوة. يُلجأ إليه دفعاً للانحراف، وعصمة من الزلل الأخلاقي، وحضاً لسوية الإنسان. فالصوم يقطع النكاح، كما يقطعه الوجاء.

[6] خَلَفَ. وخَلَف فم الصائم خُلُوفاً، أي تغيرت رائحته.

 

[7] أي قليل من التمر.

[8] حسا: أي جرع جرعات قليلة من الماء.

[9] سميت الترويحة، في شهر رمضان، بذلك لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات، وفي الحديث: صلاة التراويح؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين والتراويح جمع ترويحة.

[10] والعكوف الإقامة في المسجد، قال الله تعالى: "وأنتم عاكفون في المساجد". قال المفسرون وغيرهم من أهل اللغة، عاكفون مقيمون في المساجد، لا يخرجون منها إلا لحاجة الإنسان، يصلي فيه ويقرأ القرآن، ويقال لمن لازم المسجد، وأقام على العبادة فيه عاكف ومعتكف.

[11] اللغو: كلام لا فائدة فيه من القول أو الفعل.

[12] لرفث: كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة، في سبيل الاستمتاع بها، من غير كناية.

[13] طعمة: طعام.

[14] الصاع: يساوي (1720.32 جراماً) أي حوالي كيلوجرامين تقريباً.

[15] الأقط: اللبن المجفف.

[16] الفقير: من لا يملك شيئاً.

[17] المسكين: من يملك القليل من الطعام أو المال.