إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الصيام









المبحث الأول

ثالثاً: أثر الصيام وفضله

1. فضل الصيام دينياً

أ. شهر رمضان أفضل الشهور عند الله، ولذلك خصه بنزول القرآن الكريم فيه. قال تعالى: ]شهرُ رمضانَ الذي أُنزِلَ فيهِ القُرآنُ هُدىً للناسِ وبيناتٍ من الهُدَى والفُرقان[ (سورة البقرة: الآية 185).

ب. جزاء الصائم موكل إلى الله U حيث نسبه إلى نفسه، في حديث رواه أبو هريرة، عن النبي r قال: ]قال الله U كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ لَهُ إِلاّ الصَّوْمَ فَإِنَّهُ لِي وَأَنَا أَجْزِي بِه[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 3813). وقال المصطفى r ]الصِّيَامُ ‏‏جُنَّةٌ ‏‏وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلا ‏‏يَرْفُثْ ‏‏وَلا ‏يَصْخَبْ ‏‏فَإِنْ سَابَّهُ أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ فَلْيَقُلْ إِنِّي امْرُؤٌ صَائِمٌ وَالَّذِي نَفْسُ ‏مُحَمَّدٍ ‏بِيَدِهِ ‏‏لَخُلُوفُ[6] ‏‏فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ يَفْرَحُهُمَا إِذَا أَفْطَرَ فَرِحَ وَإِذَا لَقِيَ رَبَّهُ فَرِحَ بِصَوْمِهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1771).

ج. الصيام عبادة خفية، لا يشوبها رياء ولا سمعة، ولا نفاق، فليس على الصائم رقيب، إلاّ الله تعالى.

د. يكون الصيام شفيعاً لصاحبه، فيقبل الله شفاعته يوم القيامة، بعد أن يسمح بها، على نحو ما ورد من قوله ـ سبحانه وتعالى، في آية الكرسي ]من ذا الذي يشفع عنده إلاّ بإذنه[ (سورة البقرة: الآية 255). فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]الصِّيَامُ وَالْقُرْآنُ يَشْفَعَانِ لِلْعَبْدِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يَقُولُ الصِّيَامُ أَيْ رَبِّ مَنَعْتُهُ الطَّعَامَ وَالشَّهَوَاتِ بِالنَّهَارِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ وَيَقُولُ الْقُرْآنُ مَنَعْتُهُ النَّوْمَ بِاللَّيْلِ فَشَفِّعْنِي فِيهِ قَالَ فَيُشَفَّعَانِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 6337).

هـ. وفي رمضان يفتح الله أبواب الرحمة، ويغلق أبواب جهنم، وتسلسل الشياطين. فعَنِ النَّبِيِّ r أَنَّهُ قَالَ: ]فِي رَمَضَانَ تُفَتَّحُ أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَتُغَلَّقُ أَبْوَابُ النَّارِ وَيُصَفَّدُ فِيهِ كُلُّ شَيْطَانٍ مَرِيدٍ وَيُنَادِي مُنَادٍ كُلَّ لَيْلَةٍ يَا طَالِبَ الْخَيْرِ هَلُمَّ وَيَا طَالِبَ الشَّرِّ أَمْسِكْ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 18041).

و. وصيام رمضان عن إيمان وإخلاص، يكفر ما تقدم من الذنوب. فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله r ]مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 6979).

ز. والريان باب في الجنة، أعدّه الله تعالى للصائمين. فعن سهل بن سعد t عن النبي r قال: ]إِنَّ فِي الْجَنَّةِ بَابًا، يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ، يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ، يَوْمَ الْقِيَامَةِ. لا يَدْخُلُ مَعَهُمْ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ. يُقَالُ: أَيْنَ الصَّائِمُونَ؟ فَيَدْخُلُونَ مِنْهُ. فَإِذَا دَخَلَ آخِرُهُمْ، أُغْلِقَ، فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1947).

ح. وفي رمضان، ليلة خير من ألف شهر، فيها قال الله تعالى: ]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ(1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ(2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْر[ (سورة القدر: الآيات 1ـ 3),. وقال جلّ من قائل: ]إنّا أنزلناهُ في ليلةٍ مباركة[ (سورة الدخان: الآية 3).

2. أثر الصيام صحِّياً

للصيام عدد لا حصر له من الفوائد الصحية للجسد، خاصة العلاجية منها، لبعض الأمراض، أو الوقاية منها. فضلاً عن الفوائد التي تعود على الجسم في صورة زيادة الحيوية، والنشاط وكفاءة الأعضاء.

ونظراً إلى الفوائد العديدة للصيام، فقد أنشأ عدد كبير من مشاهير الأطباء العالميين مصحات علاجية، للعديد من الأمراض، تعتمد أساسًا على الصيام ـ كأسلوب أساسي للعلاج ـ وقد حققت هذه المصحات نتائج علاجية طيبة.

أ. فالصيام يساعد على تنظيم معدل مرات التنفس، وذلك لأن الأمعاء بما فيها من قليل الطعام لا تضغط على الصدر ـ القلب والرئتين ـ فيحدث التنفس بصورة مريحة، وتتمدد الرئة دون عائق. وكذلك، فإن عضلة القلب سيكون عملها منضبطاً، فلا حِمْل عليه ولا ضغطاً، لأن الجسم ليس في حاجة لبذل مجهود كبير.

ب. ويساعد الجسم، على التكيف مع كميات أقل من الغذاء، لمزاولة الحياة العادية، والنشاط اليومي بصورة طبيعية.

ج. نظرًا إلى أنّ الجسم يستهلك، أثناء الصيام، كمية أقل من الغذاء، لتزويده بالطاقة الحرارية، فإن هذا يريح الجهاز الهضمي، وغدده المساعدة، كالكبد والبنكرياس، مع تجديد ما تلف من خلايا وأنسجة.

د. كما يقلل العبء الملقى على الجهاز الدوري، القلب والأوعية الدموية والدم.

هـ. كما أن نواتج التمثيل الغذائي، وفضلاته، تكون أقل، وبالتالي فلن ترهق الكليتين في إزاحة نفايات الغذاء.

و. يقي الصيام الإنسان من البدانة وأخطارها، فإذا صام المرء فإن جسمه سيحصل على طاقته الحرارية من كمية الغذاء الأقل، عن المعدل اليومي، وبالتالي نجد أنه سيكون في حاجة لمصدر آخر، لتزويده بالطاقة الحرارية، يأخذها من الدهون المترسبة تحت الجلد، وبالعضلات والأنسجة الأخرى، وبذا يكون الصيام صيانة دورية، ومانعًا متجددًا من حدوث السمنة.

3. من الفوائد العلاجية للصيام

يرى الأطباء أن الصيام مفيد لحالات عديدة من الأمراض، مثل:

أ. ارتفاع ضغط الدم، لأن كمية الغذاء، يصحبها هبوط نسبة الكولسترول (المواد الدهنية) في الدم، وقلة الملح التي يتناولها الفرد. مما يساعد على توازنه.

ب. كذلك مريض الذبحة الصدرية، يرتاح للأسباب نفسها، ومثله مرضى قصور الدورة التاجية، ومرضى قصور الشرايين الطرفية، وكذلك المصابون باضطرابات دقات القلب، نتيجة أسباب نفسية وعصبية.

ج. يفيد الصيام الجهاز الهضمي، ويفيد الكثير من حالات مرض المصران الغليظ، كحالات القولون العصبي، والالتهابات القولونية، كحالات الدوسنتاريا المزمنة.

د. يساعد الصيام، في علاج أمراض المفاصل، وبخاصة مرض التهاب المفاصل (النقرس)، المسمى بـ "داء الملوك"، وهناك مدارس طبية عدة لعلاج الأمراض المفصلية بالصيام، منها مدرسة دكتور (آلان)، وكذلك مدرسة (ماك فادون) الأمريكي.

هـ. يستفيد كثير من مرضى الأمراض الجلدية من الصيام، لأنهم يقللون من تناول المواد الدسمة.

و. يفيد الصيام مرضى السكر البالغين ، وخاصة الحالات المصحوبة بزيادة الوزن، والصيام جزء مهم في العلاج لتقليل الوزن.

وقد انتشرت في معظم بلدان العالم المصحات التي تعتمد على الصيام في العلاج. يقول الطبيب العربي، الأستاذ الدكتور عبدالعزيز إسماعيل: " إنّ الصيام يستعمل طبيًا في حالات كثيرة، ويستعمل وقائيًا في حالات أكثر؛ يستعمل في اضطرابات الأمعاء المزمنة والمصحوبة بتخمر، ويستعمل عند زيادة الوزن الناشئة من كثرة الغذاء، وكذلك في ارتفاع ضغط الدم" .

4. أثر الصيام نفسياً

لا تقتصر فوائد الصيام الطبية على الجسد فقط، إذ أثبتت الدراسات، أن الصيام يعتبر من خير وسائل تربية النفس، وتقوية الإرادة. وقد اتخذ الإسلام عدة طرق، ليقبل الصائم على صومه في رضى وراحة نفسية، فمن ذلك:

أ. بدء فريضة الصيام، في جو تعمه الفرحة النفسية، والبهجة القلبية، فقد ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ ‏r‏ ‏إِذَا رَأَى الْهِلالَ قَالَ ‏اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُمَّ أَهِلَّهُ عَلَيْنَا بِالأَمْنِ وَالإِيمَانِ وَالسَّلامَةِ وَالإِسْلامِ وَالتَّوْفِيقِ لِمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى رَبُّنَا وَرَبُّكَ اللَّهُ[(سنن الدارمي، الحديث الرقم 1625).

ب. لما كان الرسول r خبيراً بما ينتاب الصائم من ضيق، وتوتر وغضب، في بعض الأحيان، فيخرج عن طوره، وقد يقذف ببعض الشتائم، فقد أوصى الصائم، بأن يضبط نفسه وأعصابه، ويردد عبارة "إني أمرؤ صائم" فيكبح جماح نفسه ويتسامح.

ج. ومن فضائل الصيام ـ أيضاً ـ أنه يُقوي الإيمان ويزيد قوة التحمل، يقول الرسول عليه الصلاة والسلام: الصوم نصف الصبر. وقد أكدت دراسات المعاهد النفسية، أن أهم جذور الأمراض النفسية، التي يعالجها الصيام هي الكراهية، والحقد، والأنانية، والشك، والقلق، وكلها، لاشك، أعراض الحرمان من الإيمان بالله تعالى.

د. والصيام وسيلة مهمة للتوبة، وتغيير العادات الخاطئة، والسلوكيات الفاسدة، فتبدأ النفس في مقاومة هذه العادات، التي تكون لها السيادة والغلبة، لسيادة الجو الروحي في رمضان، فيسهل على النفس، اقتلاع الكثير من عاداتها وسلوكياتها الفاسدة، وهذه ظاهرة نفسية نراها محققة، فالذين لا يُصَلُّوَن طوال العام، يقلعون عن هذا، ويراجعون أنفسهم، ويصلون في رمضان، والذين يتناولون المكيفات، ويدخنون السجائر، يجبرهم الصيام على تركها طوال النهار.

5. أثر الصيام اجتماعياً

حث الإسلام على توحيد صفوف المسلمين، وجمع كلمتهم، فالمؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً، ومن حِكَمِ الصيام وفضائله الاجتماعية، نجد ما يلي:

أ. نشر المحبة بين أفراد الأسرة الواحدة، وجمع شملها على مائدة الإفطار.

ب. اجتماع المسلمين للذكر، والتسبيح، وتلاوة القرآن، أو الاستماع إلى دروس العلم والوعظ.

ج. نشر المحبة والألفة بين أفراد المجتمع، فالصائم في صومه قد تهذبت أخلاقه، وصفت نفسه، وهو تحت الإحساس بالجوع، كثير الصدقة على المحتاجين، سريع الإجابة إلى فعل الخير.

د. يجتمع أهل الحي في المسجد، في صلاة العشاء والقيام، وترفرف على مجتمعهم رايات السلام، وتحوطهم الأخوة والوئام.

هـ. يحقق الصيام المساواة بين أفراد المجتمع، بطريق عملي، فالغني القادر، والفقير المحتاج، والمسكين المعدم، والكبير والصغير، وصاحب العمل، وأجيره، كلهم يمسكون عن الأكل في لحظة واحدة، ويعودون إليه في وقت واحد.

رابعاً: مستحبات الشهر

1. الإفطار على تمر وماء

·    عن سلمان بن عامر t عن النبي r قال: ]‏إِذَا أَفْطَرَ أَحَدُكُمْ فَلْيُفْطِرْ عَلَى تَمْرٍ فَإِنَّهُ بَرَكَةٌ فَإِنْ لَمْ يَجِدْ تَمْرًا فَالْمَاءُ فَإِنَّهُ طَهُورٌ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 594).

·    وعن أنس t أن ]النبي r كان يُفْطِرُ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى رُطَبَاتٍ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتُمَيْرَاتٌ[7] فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تُمَيْرَاتٌ حَسَا[8] حَسَوَاتٍ ‏ ‏مِنْ مَاءٍ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 632).

·    إن وراء هذا الهدي النبوي حكمةً رائعة، وهدياً طبياً، وصحيًا عظيمًا، فقد اختار النبي r هذه المأكولات ـ دون غيرها ـ لما لها من فوائد صحية عظيمة، فقد أثبتت الدراسات الغذائية، التي أجريت على التمر، هذه الخصائص:

أ. أسرع شيء يمكن امتصاصه وذهابه إلى الدم، هي المواد السكرية والنشوية، وبخاصة تلك التي تحتوي على سكر أحادي ـ جلوكوز ـ أو ثنائي ـ سكروز لأن المواد السكرية في صورة محلول مائي، يمكن امتصاصها في صورة ميسرة بالمعدة والأمعاء، خلال مدة قصيرة (5 ـ 10) دقائق بالنسبة للمعدة والأمعاء الخالية، والرطب تحقق هذه الفائدة.

ب. يحتوي البلح (التمر) على مواد سكرية، تبلغ نسبتها، حوالي 70%. ويحتوي على حوالي 68% من وزنه ماء، و 2. 2% من وزنه بروتينات، وحوالي 3% ألياف سيليولوزية، و6% دهون.

ج. تحتوي الرطب على نسبة عالية من الماء، ووجود التمر منقوعاً، يزود الجسد بالماء بكمية معقولة، تذهب منه الإحساس بالعطش.

د. ويقول العلامة الأستاذ الدكتور أنور المفتي ـ يرحمه الله، "إن الأمعاء تمتص المواد السكرية الذائبة، في أقل من خمس دقائق، فيرتوي الجسم، وتزول أعراض نقص السكر فيه".

هـ. يحتوي التمر على معادن مهمة أشهرها:

·   البوتاسيوم.

·   والصوديوم.

·   والكالسيوم.

·   والماغنسيوم.

وهي معادن لها أهميتها، فيما يتعلق بالعمليات الكيماوية، في جسم الإنسان، وتساعد في وقاية الصائمين من أمراض سوء التغذية، ونقص الأملاح المعدنية.

و. وجود الألياف السيليولوزية بنسبة عالية، في تركيب الرطب والتمر (حوالي 3%) له مزايا أخرى تفيد الصائم، فهذه الألياف، تعمل كأسفنجة تمتص الماء داخل الأمعاء، فلا تترك الماء يندفع مباشرة إلى الدم والأنسجة، فيؤذيها.

ز. يحتوي البلح الرطب، على كمية من هرمون "البتوسين" وهذا الهرمون، من خواصه عمل انقباضة في الأوعية الدموية بالرحم، ومن ثمّ يساعد على منع حدوث النزيف الرحمي.

لذا، كانت تلك الحكمة النبوية السامية، في تفضيل التمر والماء، وهما من العناصر المهمة لجسم الإنسان.

2. الإفطار الجماعي

من المشاهد المحمودة في شهر رمضان، تقديم الإفطار الجماعي، فقد حثنا الرسول الكريم r، على مشاركة الآخرين في إفطارنا، حيث قال: ]مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ غَيْرَ أَنَّهُ لا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا[. (سنن الترمذي، الحديث الرقم 735). وكذلك، من فضائل الشهر تبادل دعوات الإفطار بين المسلمين، مما يزيد من تآلف القلوب. فعن عبد الله بن الزبير t، قال: أفطر رسول الله r، عند سعد بن معاذ فقال ]أَفْطَرَ عِنْدَكُمُ الصَّائِمُونَ، وَأَكَلَ طَعَامَكُمُ الأبْرَارُ، وَصَلَّتْ عَلَيْكُمُ الْمَلائِكَةُ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1737).

فالإفطار الجماعي، فيه بركة وأجر عظيم. وفيه عدة دلالات لتأليف قلوب المسلمين، فمن ذلك:

أ. إذابته للفوارق والطبقات، بين الأغنياء والفقراء.

ب. شعور الفقراء بعطف الأغنياء عليهم، وعدم التأفف والترفع عن مجالستهم.

ج. دلالته على تبادل المحبة بين المسلمين.

د. دلالته على سماحة الخلق، وسخاء النفس، وكرم المسلم، حينما يقدم على إفطار غيره من الصائمين.

3. تعجيل الإفطار

يستحب للصائم أن يعجل الفطر، متى تحقق غروب الشمس. ومن سنة النبي r أنه كان يعجل فطره، فقد روى أن النبي r، قال: ]‏لا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ[. (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1838). وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول الله r ]إِذَا قُدِّمَ الْعَشَاءُ فَابْدَءُوا بِهِ قَبْلَ أَنْ تُصَلُّوا صَلاةَ الْمَغْرِبِ ولا تَعْجَلُوا عَنْ عَشَائِكُمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 632).

وتكمن الحكمة في تعجيل الفطر فيما يلي:

أ. عندما يتناول الصائم عند فطره القليل من الطعام، في صورة رطبات أو تمرات أو عصير فاكهة، تستطيع أمعاؤه الخالية امتصاص المواد السكرية بصورة سريعة، ويحدث بذلك ارتفاع سريع لمعدل سكر الدم، فيؤدي إلى عودة مباشرة إلى نشاط الجسم وحيويته.

ب. ارتفاع معدل سكر الدم، خلال مدة قصيرة، يساعد على زوال الشعور بالجوع، وحين يعود المسلم من الصلاة، لإكمال طعامه، فإنه لن يتناول طعامه بنهم وشراهة، وإنما سيأكل قدرًا معتدلاً.

ج. دخول قدر قليل من الطعام إلى المعدة، ثم تركها فترة دون إدخال طعام آخر عليها، يعد منبهًا معقولاً لحال المعدة والأمعاء. وهذا القدر القليل ينبه جدار المعدة للتقبض، وتنبه الغدد اللعابية، وغدد جدار المعدة، لبدء إفرازاتها بصورة أكبر، لتستعد لعمل أكبر، عند تناول طعام الفطور بعد الصلاة، ولتتم الهضم بكفاءة أكبر.

د. إقبال المسلم على التبكير بالفطر، يريح نفسه، ويجعله يشعر ببهجة الصيام وراحة القلب.

هـ. حتى لا ينشغل بال المُصَلِّي بالطعام، إذا صلىَّ دون إفطار ولا يعطي صلاته حقها.

4. تأخير السحور

عن أنس t قال: قال رسول الله r ]تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1835). وقال r: ]‏لا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الإِفْطَارَ وَأَخَّرُوا السُّحُورَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 20350).

والسحور سنة مستحبة، ولا إثم على من تركه، وتكمن الحكمة في تأخيره، في الأسباب التالية:

أ. يعطي السحور الصائم قوة ونشاطًا، ويُهَوِّنُ عليه صيامه.

ب. تناول السحور في فترة متأخرة عن الفطر، يجعل كمية الطعام موزعة على فترات زمنية متباعدة، تمكن الجهاز الهضمي، من أداء عمله في سهولة وراحة.

ج. تأخير السحور، يشعر الصائم بقصر فترة الصيام، وتقلل من إحساسه بالجوع والعطش.

د. تأخير السحور يُقَرِّبُ الصائم من صلاة الفجر، فلا يتكاسل عنها وينام.

خامساً: فضائل الشهر

1. قيام رمضان (صلاة التراويح)[9]

من سنن رمضان صلاة التراويح، وتكون بعد العشاء، ركعتين ركعتين، وسميت التراويح لأن المصلي يجلس ليستريح بين كل تسليمتين؛ وتُصَلَّى قبل الوتر. ويستمر وقتها إلى آخر الليل. وقد رغب رسول الله r فيها: فعن أبي هريرة t أن رسول الله r قال: ]مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 6979).

وقد كان النبي r يصلي التراويح مع الناس، ثم بدا له ألا يصليها معهم، خشية أن تفرض عليهم. فعن عائشة رضي الله عنها قالت:] أن رسول الله r، خَرَجَ لَيْلَةً مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ، فَصَلَّى فِي الْمَسْجِدِ وَصَلَّى رِجَالٌ بِصَلاتِهِ. فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا. فَاجْتَمَعَ أَكْثَرُ مِنْهُمْ فَصَلَّى فَصَلَّوْا مَعَهُ. فَأَصْبَحَ النَّاسُ فَتَحَدَّثُوا فَكَثُرَ أَهْلُ الْمَسْجِدِ مِنَ اللَّيْلَةِ الثَّالِثَةِ. فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ r فَصَلَّى فَصَلَّوْا بِصَلاتِه.ِ فَلَمَّا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الرَّابِعَةُ، عَجَزَ الْمَسْجِدُ عَنْ أَهْلِهِ، حَتَّى خَرَجَ لِصَلاةِ الصُّبْحِ، فَلَمَّا قَضَى الْفَجْرَ أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ، فَتَشَهَّدَ ثُمَّ قَالَ: "أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَخْفَ عَلَيَّ مَكَانُكُمْ، وَلَكِنِّي خَشِيتُ أَنْ تُفْتَرَضَ عَلَيْكُمْ، فَتَعْجِزُوا عَنْهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1873). فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ r وَالأمْرُ عَلَى ذَلِكَ.

ويجوز أن يصلّي المسلم صلاة القيام منفرداً وصلاته مع الجماعة في المسجد أفضل، وذلك أبلغ من تشجيعه على العبادة. وفي عهد سيدنا عمر t، رأى أن يجمع الناس في قيام رمضان في أول الليل.

أ. الحكمة من صلاة التراويح

تكمن الحكمة من صلاة التراويح، فيما يلي:

(1) جو الصلاة الروحي السامي، يؤدي إلى راحة النفس، وهدوئها، فيتم الهضم في جو سليم وصحي، من الناحية النفسية، بكفاءة، وتنتفي أُسس حدوث الأمراض وأسبابها المتعلقة بالهضم.

(2)  صلاة التراويح، وحركة العضلات أثناء الركوع والسجود والقيام تقوي عضلات جدار البطن فتمنع الترهل والسمنة وتشويه القوام.

(3) حين يركع المصلي ويسجد، يزيد معدل تدفق الدم، إلى النصف العلوي من الجسم، وبخاصة المخ والرأس، وتكرار هذا الفعل، يجعل كمية الدم، وما يحمله من غذاء للخلايا أكبر، وبالتالي يزداد معدل التنبه والتركيز، والقدرة على التفكير بعمق.

ب. عدد ركعات قيام الليل (التراويح)

(1) اختلف العلماء فـي عدد ركعات قيام رمضان، فقالت السيدة عائشة ـ رضي الله عنها ـ إن رسول الله r، كان يصلي في رمضان، وغيره، بإحدى عشرة ركعة.

(2) هذا هو المسنون الوارد عن الرسول r، وصحّ أن الناس كانوا يصلون على عهد عمر، وعثمان، وعلي رضي الله عنهم عشرين ركعة ، ثم يوترون بثلاث، قالت عائشة رضي الله عنها ]مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r‏ ‏يَزِيدُ فِي رَمَضَانَ وَلا فِي غَيْرِهِ عَلَى إِحْدَى عَشْرَةَ رَكْعَةً [.(صحيح مسلم، الحديث الرقم 1219). وروى الجماعة عن عائشة رضي الله عنها، أن النبي r ما كان يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشرة ركعة.

ج. القراءة في قيام رمضان (التراويح)

قال الإمام أحمد، يرحمه الله: يقرأ الإمام بالقوم في رمضان، ما يخفّ على الناس، ولا يشق عليهم، ولا سيمَّا في الليالي القصار، والأمر على ما يحتمله الناس.

2. الاعتكاف

الاعتكاف، من نوافل الخير المستحبة، وهو قربة مرغب فيها للرجال والنساء، وخاصة في العشر الأواخر من رمضان، لمواظبته ، عليه في العشر الأواخر.

أ. معناه:

لغة: الاعتكاف هو الحبس[10]، واللبث (أي لَزِمَ المكان)، وملازمة النفس، لخير أكان أم لشر. وشرعاً: لزوم المسجد طاعة لله سبحانه وتعالى.

ب. الدليل على مشروعيته

أجمع العلماء على مشروعية الاعتكاف. فقد ورد عن السيدة عائشة رضي الله عنها قولها: ]أَنَّ النَّبِيَّ r‏ ‏كَانَ ‏ ‏ يَعْتَكِفُ ‏ ‏ الْعَشْرَ الْأَوَاخِرَ مِنْ رَمَضَانَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ [U (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2006).

ج. شروط صحة الاعتكاف

(النية ـ الإسلام ـ التمييز ـ الصيام ـ المسجد ـ التتابع (أي عدم قطع الاعتكاف) ـ الطهارة من الجنابة، والحيض، والنفاس.

د. مكان الاعتكاف

الاعتكاف يكون في المسجد، ولا يصح الاعتكاف في غيره لقوله تعالى: ]وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ[ (سورة البقرة: الآية 187).

هـ. أقل الاعتكاف

أقله يوم وليلة، وأكمله عشرة أيام، وأعلاه كمالاً شهر، وما زاد عليه فمكروه.

و. الاعتكاف المنذور

من نذر الاعتكاف، أو الصلاة في مسجدٍ معين ـ غير المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال ـ لم يلزمه الاعتكاف أو الصلاة في هذا المسجد، الذي عينه، لقوله r: ]لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 22730).

ز. ما يباح للمعتكف:

يباح للمعتكف ما يأتي:

(1) خروجه من معتكفه لتوديع أهله

عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيٍّ قَالَتْ: ]كَانَ رَسُولُ اللَّهِ r مُعْتَكِفًا فَأَتَيْتُهُ أَزُورُهُ لَيْلاً فَحَدَّثْتُهُ، ثُمَّ قُمْتُ فَانْقَلَبْتُ. فَقَامَ مَعِي لِيَقْلِبَنِي (أي ليرجعني)، وَكَانَ مَسْكَنُهَا فِي دَارِ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ. فَمَرَّ رَجُلانِ مِنَ الأنْصَارِ، فَلَمَّا رَأَيَا النَّبِيَّ أَسْرَعَا، فَقَالَ: عَلَى رِسْلِكُمَا، إِنَّهَا صَفِيَّةُ بِنْتُ حُيَيٍّ. فَقَالا: سُبْحَانَ اللَّهِ، يَا رَسُولَ اللَّهِ. قَالَ: إِنَّ الشَّيْطَانَ يَجْرِي مِنَ الإنْسَانِ مَجْرَى الدَّمِ، وَإِنِّي خَشِيتُ أَنْ يَقْذِفَ فِي قُلُوبِكُمَا سُوءًا أَوْ قَالَ شَيْئًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 3039).

(2) الخروج لحاجة لابد منها

وحاجة الإنسان هي كل ما يحمله على الخروج، من بول أو غائط، أو غسل جمعة أو عيد، أو وضوء أو غسل جنابة، أو للأكل والشرب، إذا لم يكن له من يأتيه به، بشرط ألاّ يتجاوز محلاً قريباً إلى مكان أبعد منه، وإلاّ فسد اعتكافه.

فعن عائشة رضي الله عنها قالت: ]كَانَ النَّبِيُّ ‏r‏ ‏إِذَا اعْتَكَفَ يُدْنِي إِلَيَّ رَأْسَهُ ‏فَأُرَجِّلُهُ‏ ‏وَكَانَ لا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إِلاَّ لِحَاجَةِ الإِنْسَانِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 445).

(3) ورخص بالخروج من المعتكف للمريض مرضاً يمنعه من المكث في المسجد، أو يمنعه من الصيام خاصة، دون المكث في المسجد، لأن من شروط صحة الاعتكاف الصيام، وقد عجز عنه. ولا يخرج المعتكف لعيادة مريض، ما لم يكن أحد أبويه أو هما معاً، ولا لجنازة أحد إلاّ لجنازة أبويه.

ح. مبطلات الاعتكاف

يبطل الاعتكاف بفعل شيءٍ مما يأتي:

(1) الخروج من المسجد لغير عذر.

(2) الرِّدة لأنها تنافي العبادة.

(3) المجنون، لأن القلم مرفوع عنه لذهاب عقله.

(4) الجماع لقوله تعالى: ]ولا تُبَاشِرُوهُنّ وأنتُم عاكِفٌون في المساجدِ[ (سورة البقرة: الآية 187).

(5) المباشرة فيما دون الفرج إن أنزل. ولا بأس باللمس بدون شهوة.

(6) الحيض والنفاس، لأن شروط الاعتكاف النقاء من الحيض والنفاس.

3. ليلة القدر

ليلة مباركة نزل فيها القرآن جملة واحدة من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا، ثم نزل به جبريل على الرسول r، على مدى ثلاث وعشرين عاماً. وقد نزلت بشأنها سورة كاملة من سور القرآن الكريم هي سورة القدر ]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (1) وَمَا أَدْرَاكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ (2) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (3) تَنَزَّلُ الْملائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (4) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْر[ِ (سورة القدر: الآيات 1 ـ 5). وليس لليلة القدر تحديد دقيق، إنما تتحرى في العشر الأواخر منه. وسُميت كذلك لما يكتب فيها من الأقدار والأرزاق والآمال. وتكون في الأيام الوتر بدءاً من ليلة الحادي والعشرين. عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ  tعَنْ النَّبِيِّ r قَالَ: ]مَنْ قَامَ لَيْلَةَ الْقَدْرِ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 6979).

4. زكاة الفطر

هي الزكاة التي تجب على المفطر من صيام شهر رمضان، فهي مرتبطة بعبادة الصيام.

أ. حكمها:

واجبة بالسنة على كل فرد من المسلمين: صغير أو كبير، ذكر أو أنثى. فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رَضِي اللَّهم عَنْهمَا قَالَ: ]فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r زَكَاةَ الْفِطْرِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ أَوْ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ، عَلَى الْعَبْدِ وَالْحُرِّ وَالذَّكَرِ وَالأُنْثَى وَالصَّغِيرِ وَالْكَبِيرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَمَرَ بِهَا أَنْ تُؤَدَّى قَبْلَ خُرُوجِ النَّاسِ إِلَى الصَّلاةِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1373).

ب. حكمتها

شرعت زكاة الفطر في شعبان من السنة الثانية من الهجرة لتكون طهرة للصائم مما عسى أن يكون وقع فيه، من اللغو والرفث ولتكون عوناً للفقراء، والمعوزين. لقول ابن عباس ـ رضي الله عنهما ]فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ‏r زَكَاةَ الْفِطْرِ طُهْرَةً لِلصَّائِمِ مِنْ اللَّغْوِ[11] وَالرَّفَثِ[12] ‏وَطُعْمَةً[13] لِلْمَسَاكِينِ مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَات[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1371).

ج. مقدارها

الواجب في زكاة الفطر: صاع[14]. من غالب قوت أهل البلد، لقول أبي سعيد الخدري t: ]كُنَّا نُخْرِجُ إِذْ كَانَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ ‏r‏ زَكَاةَ الْفِطْرِ عَنْ كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ حُرٍّ أَوْ مَمْلُوكٍ ‏صَاعًا ‏مِنْ طَعَامٍ أَوْ ‏‏صَاعًا ‏مِنْ ‏أَقِطٍ[15] ‏أَوْ ‏صَاعًا ‏‏مِنْ شَعِيرٍ أَوْ ‏‏صَاعًا ‏‏مِنْ تَمْرٍ أَوْ ‏‏صَاعًا ‏مِنْ زَبِيبٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1377).

د. إخراجها نقداً

يرى بعض الفقهاء أن الواجب أن تخرج زكاة الفطر من أنواع الطعام ولا يعول عنه إلى النقود إلاّ لضرورة.

وأجاز أبو حنيفة إخراج القيمة وقال: إذا أخرج المزكي من القمح فإنه يجزئ نصف صاع.

هـ. وقت إخراجها

اتفق الفقهاء على أنها تجب في آخر رمضان واختلفوا في تحديد الوقت الذي تجب فيه، فذهب بعضهم إلى أن وقت وجوبها غروب الشمس ليلة الفطر، وذهب آخرون إلى أن وقت وجوبها طلوع الفجر من يوم العيد، واتفقوا على أنه لا يجوز تأخيرها عن صلاة العيد وقد تقدم في حديث بن عباس t ]مَنْ أَدَّاهَا قَبْلَ الصَّلاةِ فَهِيَ زَكَاةٌ مَقْبُولَةٌ وَمَنْ أَدَّاهَا بَعْدَ الصَّلاةِ فَهِيَ صَدَقَةٌ مِنْ الصَّدَقَاتِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1371).

واتفقت الآية على أن زكاة الفطر لا تسقط بالتأخير بعد الوجوب بل تصير دَيْناً في ذمة من لزمته حتى تؤدى ولو في آخر العمر.

و. تعجيلها عن وقت الوجوب

اتفق جمهور الفقهاء على أنه يجوز تعجيل زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو بيومين لفعل بن عمر ذلك. واختلفوا فيما زاد على ذلك. فعند أبي حنيفة يجوز تقديمها على شهر رمضان. وقال الشافعي يجوز التقديم من أول الشهر.

ز. نقلها من بلد إلى أخرى

أجمع الفقهاء على أنه يشرع صرف الزكاة كل بلد في فقراء أهله، واختلفوا في نقلها من بلدة إلى أخرى، بعد إجماعهم على جواز نقلها إلى من يستحقها إذا استغنى أهل بلد المزكي عنها.

ح. مصرفها

تدفع زكاة الفطر للحرّ المسلم الفقير[16] والمسكين[17] أولى ويجوز دفعها لفقير واحد، إذا لم يعثر الصائم على أكثر من فقير، ويجوز دفعها للفقير الغريب الذي لا تلزم المزكي نفقته، ولا يجوز للزوجة دفعها لزوجها الفقير، ولا يدفعها الزوج لزوجته الفقيرة لوجوب نفقتها عليه.

ط. مستحباتها

(1) إخراجها بعد فجر العيد، ولو بعد الغدوّ إلى المصلّى.

(2) إخراجها من أحسن قوت أهل البلد، إن كان غالب قوتهم واحداً ومن أحسن أقواتهم إن تعددت.

(3) غربلة القمح وغيره.

(4) دفعها للإمام العدل ليفرقها.

سادساً: أهم الأحداث التي وقعت في شهر رمضان

1. نزول القرآن

أنزل الله كتابه المبين، في هذا الشهر، هدى ورحمة للعالمين، وفي هذا قال تعالى: ]شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْءَانُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ[ (سورة البقرة: الآية 185).

"نزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا، حيث أملاه جبريل، صلوات الله عليه، على السفرة (الملائكة)، الكاتبين الذين يكتبون القرآن، وقد نزل القرآن جملة واحدة في ليلة القدر، إلى السماء الدنيا، ثم بعد ذلك نزل شيئاً فشيئاً، على رسول الله r.

وفيه ليلة خير من ألف شهر، وفيها قال تعالى: ]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ[ (سورة الدخان: الآية 3). وقال تعالى: ]إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ[ (سورة القدر: الآية 1),

2. غزوة بدر

فيه كانت غزوة بدر الكبرى، كانت في يوم الجمعة، السابع عشر من شهر رمضان، من السنة الثانية للهجرة، قال تعالى: ]وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ[ (سورة آل عمران: الآية 123).

3. فتح مكة

إن شهر رمضان قوة وعطاء، وكان رسول الله r وأصحابه، أكثر ما يكونون قوة وحيوية ومثابرة على العبادة ومضاعفتها فيه. وهذا يقتضي القول إن شهر رمضان شهر العمل وشهر الصبر، وليس شهر الضعف والكسل والنوم. وفيه غزا الرسول r أهم غزواته.

ففي هذا الشهر، غزا رسول الله r غزوة الفتح في العاشر من رمضان، في السنة الثامنة من الهجرة، ومعه عشرة آلاف من المسلمين، وكان يصوم ويصومون. قال تعالى:] إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا[ (سورة الفتح: الآية 1).

4. انتشار الإسلام في اليمن

وفيه انتشر الإسلام في اليمن في السنة العاشرة من الهجرة الشريفة.

5. فتح الأندلس

فتحها القائد المسلم طارق بن زياد، بعد انتصاره على جيش الصليبيين، في الثامن والعشرين من رمضان، سنة اثنتين وتسعين من الهجرة.

6. معركة الزّلاقة

هي معركة دارت بين جيش المرابطين المسلمين في الأندلس، بقيادة يوسف بن تاشفين، وجيش الصليبيين بقيادة ألفونسو، وانتصر فيها المسلمون، في يوم الجمعة الخامس والعشرين من رمضان سنة، أربعمائة وتسع وسبعين للهجرة.

7. موقعة عين جالوت

انتصر فيها المسلمون، بقيادة السلطان قطز، على جيش المغول، في يوم الجمعة، الخامس والعشرين من رمضان، سنة ستمائة وثمان وخمسين من الهجرة، وتم على إثر هذا الانتصار توحيد مصر وبلاد الشام.

8. حرب العاشر من رمضان (أكتوبر 1973، معركة تحرير بعض الأراضي العربية، التي احتلتها إسرائيل عام 1967)

وكان ذلك في العاشر من رمضان، سنة ألف وثلاثمائة وثلاث وتسعين من الهجرة ـ 6 أكتوبر 1973م، حيث حقق المسلمون نصراً عزيزاً على الإسرائيليين، وتم خلاله تحطيم أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر.




[1] الظهار: ظَاهَرَ، مُظاهَرَةً، وظِهَاراً. ظاهَر فلان فلاناً على الأمر: عاونه وأيّده ونصره وساعده عليه. ظاهَرَ فلان فلاناً في الأمر: خالفه وعارضه فيه، كأنه أدار له ظهره متنكراً. ظاهر الرجلُ من المرأة: ابتعد عنها، أي طلقها، وذلك بقوله لها "أنت عليّ كظهر أمي" أو "أنت علي كظهر ذات رحم" أي محرمة عليَّ. ظاهَرَ فلان بين الشيئين: طابق بينهما.

[2] الطوق ـ الطاقة أي أقصى غاية، وهو اسم لمقدار ما يمكن أن يفعله الإنسان بمشقة منه.

[3] حسا شرب. قال سيبويه، التَّحَسِّي عَمَلَ في مهلة، والحُسْوَة ملء الفم، والحَسْوَة، المرة الواحدة. 3/181. والمعنى شرب جرعات على مهل من الماء.

[4] والمئزر: هو الثوب يلف به النصف الأسفل من البدن. ويكنّى به عن الاستعداد، فيُقال: "شد للأمر مئزره". أمّا إن قيل شدّ مئزره دون النساء، فمعناه اعتزلهن. وإن قيل: فلان عفيف المئزر، فهو كناية عن تعففه عمّا حرم عليه من النساء.

[5] الوجاء: هو فتور الرغبة الجنسية، وانكسار الشهوة. يُلجأ إليه دفعاً للانحراف، وعصمة من الزلل الأخلاقي، وحضاً لسوية الإنسان. فالصوم يقطع النكاح، كما يقطعه الوجاء.

[6] خَلَفَ. وخَلَف فم الصائم خُلُوفاً، أي تغيرت رائحته.

 

[7] أي قليل من التمر.

[8] حسا: أي جرع جرعات قليلة من الماء.

[9] سميت الترويحة، في شهر رمضان، بذلك لاستراحة القوم بعد كل أربع ركعات، وفي الحديث: صلاة التراويح؛ لأنهم كانوا يستريحون بين كل تسليمتين والتراويح جمع ترويحة.

[10] والعكوف الإقامة في المسجد، قال الله تعالى: "وأنتم عاكفون في المساجد". قال المفسرون وغيرهم من أهل اللغة، عاكفون مقيمون في المساجد، لا يخرجون منها إلا لحاجة الإنسان، يصلي فيه ويقرأ القرآن، ويقال لمن لازم المسجد، وأقام على العبادة فيه عاكف ومعتكف.

[11] اللغو: كلام لا فائدة فيه من القول أو الفعل.

[12] لرفث: كلمة جامعة لما يريد الرجل من المرأة، في سبيل الاستمتاع بها، من غير كناية.

[13] طعمة: طعام.

[14] الصاع: يساوي (1720.32 جراماً) أي حوالي كيلوجرامين تقريباً.

[15] الأقط: اللبن المجفف.

[16] الفقير: من لا يملك شيئاً.

[17] المسكين: من يملك القليل من الطعام أو المال.