إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الصيام









المبحث الثاني

المبحث الثاني

الصيام عند غير المسلمين

الصيام عند معظم الأمم، هو الكف عن تناول الطعام، والشراب وشهوة الفرج. وقد يكون كذلك بمعنى الكف عن الكلام. وهذا الكف هو ما اصطلح العلماء على تسميته "صيامًا".

ونجد من الصيام الوضعي ـ أي الذي وضعه البشر ـ ما كَفَر به أصحابه، وأعلنوا ـ صراحة ـ عدم جدواه. ومن الوضعي، ما فرضه مخترعوه، في ظروف غير ملائمة للإنسان، ولم يكن ذلك منهم تشريعًا تقرر عن ارتجال، بل كان ـ للأسف ـ مقصودًا فرضه في هذه الأحوال، عن رويّة وتفكير.

ومن العقائد ما كان الصيام فيها بعيدًا عن الشمول، فقصرت فرضه على بعض من الناس، من دون غيرهم. وقست بعض العقائد ففرضته على الهرِم كأنّه في شبابه. وأغربت أخرى، فحرّمت الغذاء على الإنسان مدى الحياة. وقابلتها ديانة، حرّمت الصيام، كذلك، مدى الحياة.

صراع عجيب ما قصدَ إلى علاج الجسد، ولا هدفَ إلى مران الروح. ولئن دلّت قسوة بعض التشاريع، على مقدار طاقة الإنسان، في تحمل الصيام، فقد أتاحت للإنسان، أن يتبين مدى رحمة الله، فيما شرع من صيام في الإسلام.

 ومن خلال الاستقراء للتاريخ الإنساني، يتضح أنّ الحضارات القديمة كلها، عرفت الصيام وسيلة للتقرب إلى الآلهة، أو عرفته وسيلة للتطهير والسمو بالنفس.

أولاً: الصيام عند أهل الكتاب

كتب الله الصيام على الأمم التي سبقتنا من أهل الكتاب، قال تعالى: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ[ (سورة البقرة: الآية 183).

1. الصيام في اليهودية

عرف اليهود الصيام، فقد تلقى سيدنا موسى u ألواح التوراة وفي نسختها هدى ورحمة للذين هم لربهم يرهبون. فكان سيدنا موسى u يصوم أربعين يومًا في العام، ولا يزال اليهود المتدينون يصومون حتى الآن، وإن اختلفوا في وقت الصيام وعدد أيامه.

قال تعالى ]وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً[ (سورة الأعراف: الآية 142). وقال ابن كثير في تفسيره: "إنّ موسى u صامها وطواها، أي لم يتخللها فطر أبدًا. وكان صيامه، كفًا عن الطعام والشراب والجماع، وكان ذلك مقصورًا عليه، في تلك الأيام.

فأمّا بنو إسرائيل، فيصومون الفرض، يوماً واحدًا في العام، هو يوم الغفران، وما عداه من صيام فهو نفل عندهم. ويبدأون الصيام، قبل غروب التاسع من تشري (رأس السنة العبرية )، بنحو ربع ساعة، ويستمر الصيام، إلى ما بعد غروب شمس العاشر من الشهر، بنحو ربع ساعة، فهو لا يزيد بحال عن خمس وعشرين ساعة متتالية، ويطلقون عليه يوم "كيبور" وهو عاشوراء اليهود.

ويُلاحظ، أن صيامهم قد خلا من فترة السحور. فعَنْ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r قَالَ: ]فَصْلُ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 643). فقد كُتب على أهل الكتاب ـ واليهود منهم ـ أن يستمر فطرهم من بعد الغروب إلى الفجر، وامتاز المسلمون بحل تلك الفترة لهم.

أ. صيام النفل عند اليهود

توزعت أيام صيام النفل عند اليهود، على مختلف شهور السنة. وترتبط ـ عادة ـ بأعياد لبعضها مناسبات، وقعت لهم بأنحاء شتى من العالم القديم، قبل مجيء الإسلام، في فارس ومصر وبابل وغيرها. وتبلغ أعيادهم المرتبطة بالصيام خمسة عشر عيدًا، أو تزيد، بعضها يقضي بصيام يوم، وبعضها يقضي بصيام سبعة أيام. وعيد الفصح، من أهم هذه الأعياد، ومعناه الاجتياز والعبور، وهو عيد اجتيازهم مع موسى ـ وهروبهم من الاستعباد في مصر، في حوالي القرن الثالث عشر قبل الميلاد. وقصة عيد الفصح مروية في الإصحاح الثاني عشر، من الكتاب المقدس (التوراة) في سفر الخروج.

ومن النفل صيام سيدنا داود u فقد كان يصوم يوماً، ويفطر يومًا. وهذا ما ارتضاه سيدنا محمد r، لأمته إذا تنفلت، ونهى عن صيام الدهر قائلاً: ]‏لا صام من صام الدهر[. فقد ورد، عن عَبْد َاللَّهِ بْنَ عَمْرٍو رَضِي اللَّه عَنْهمَا أنه بَلَغَ النَّبِيَّ r ‏أَنِّي أَسْرُدُ الصَّوْمَ وَأُصَلِّي اللَّيْلَ فَإِمَّا أَرْسَلَ إِلَيَّ وَإِمَّا لَقِيتُهُ فَقَالَ r:‏ ]أَلَمْ أُخْبَرْ أَنَّكَ تَصُومُ وَلا تُفْطِرُ وَتُصَلِّي فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ فَإِنَّ لِعَيْنِكَ عَلَيْكَ حَظًّا وَإِنَّ لِنَفْسِكَ وَأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَظًّا قَالَ إِنِّي لأَقْوَى لِذَلِكَ. قَالَ فَصُمْ صِيَامَ ‏‏دَاوُدَ u قَالَ وَكَيْفَ قَالَ كَانَ يَصُومُ يَوْمًا وَيُفْطِرُ يَوْمًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1841).

وفي رواية أخرى، قال عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما ]أُخْبِرَ رَسُولُ اللَّهِ‏ r‏ ‏أَنِّي أَقُولُ وَاللَّهِ لأَصُومَنَّ النَّهَارَ وَلأَقُومَنَّ اللَّيْلَ مَا عِشْتُ فَقُلْتُ لَهُ قَدْ قُلْتُهُ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي قَالَ ‏فَإِنَّكَ لا تَسْتَطِيعُ ذَلِكَ فَصُمْ وَأَفْطِرْ وَقُمْ وَنَمْ وَصُمْ مِنْ الشَّهْرِ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ فَإِنَّ الْحَسَنَةَ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا وَذَلِكَ مِثْلُ صِيَامِ الدَّهْرِ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمَيْنِ قُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ قَالَ فَصُمْ يَوْمًا وَأَفْطِرْ يَوْمًا فَذَلِكَ صِيَامُ ‏‏دَاوُدَ u‏ وَهُوَ أَفْضَلُ الصِّيَامِ فَقُلْتُ إِنِّي أُطِيقُ أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ النَّبِيُّ r‏ ‏لا أَفْضَلَ مِنْ ذَلِكَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1840).

ولليهود نوعان من الصيام:

(1) صيام فردي: ويصومه الأفراد، أو الأسر، في حالات الحزن التي تنزل بهم، أو عند التكفير عن خطيئة، اقترفها الفرد منهم.

(2) صيام جماعي: ومن هذا النوع نوع ثابت على مرّ الزمن، كالصيام لذكرى الاضطهاد، والتشريد الذي نزل بهم. وهناك صيام جماعي، غير ثابت، عند حدوث أشياء تحزن اليهود وتقلقهم، كالصيام عند رداءة المحصول، أو غارات الجراد، أو الهزائم في الحروب.

عند الصيام، لا يباشر اليهودي النساء، ولا يأكل ولا يشرب إلاّ عند الضرورة القصوى، واليهودي لا يباشر النساء، أيضاً، في حالات الحرب.

ب. الصيام الأبدي عند اليهود

حرم "العهد"[1]. على بني إسرائيل، أنواعاً من الطعام تحريمًا تامًا، كما حرّم بعضها، في ظرف خاص، ومن تلك المحرمات:

(1) القربان: وقد يكون من البقر، أو الغنم، أو الطير، وقد يكون من الزيت، أو الدقيق أو اللبن، أو الفطير. ويقدم عن طريق كاهن، في مناسبات عدة، كالسلامة، أو الخطيئة، أو الإثم أو غيرها، وقد تحرق القرابين كلها، وبعض القرابين يحرق جزء منه، ويكون الباقي من نصيب الكاهن يحل له أكله، ولكنه محرم على بقية اليهود.

(2) بعض الحيوان: فقد حُرِّم عليهم، من حيوان البر، كل حيوان "مشقوق الظلف، أي الظفر "المشقوق" أو مجتر". وحرم عليهم من حيوان البحر كُلُّ ما ليس ذا زعانف وحرشف ـ أي قشر. وحرّم عليهم أنواع من الطير، كالغراب، والنعام، والحدأة، وغيرها. وحرّم عليهم من الحيوان كذلك، كل ما يمشي على بطنه.

(3) الشحم: حرم عليهم شحم البهائم التي تقدم كقرابين، بالإضافة إلى ما جاء في العهد: "كل شحم ثورٍ أو كبشٍ أو ماعزٍ لا تأكلوا".

(4) الميتة: حُرِّمَتْ ميتة ما حلّ طعامه، وحرم شحم الميتة، وشحم بهيمة افتُرِسَتْ.

(5) النجس: مثل الدم، فكل الدم المسفوح حرام، في الطير أو في البهائم.

(6) الخمر: ورد تحريم الخمر، عند الدخول في خيمة الاجتماع، تلك التي ضربت لهم أثناء التيه في الصحراء. وَعَدَا وصية أوصى بها "يونا داب" بنيه في سفر "ارحيا"، ألاّ يقربوا الخمر، لا نجد نصًا في العهد، يحرمها تحريماً تاماً. وليس في العهد أنّ موسى u شرب خمراً أبداً.

ج. صيام الصّمت

هو شعيرة دينية، واردة عند بني إسرائيل، وقد كان هذا النوع من الصيام موجودًا في الديانات القديمة، وهو موجود بكل عقيدة تقوم على الكهانة، وقد عُنِىَ كثير من كتبة أسفار "العهد"، بتسجيل أنماط من هذا الصّمت، الذي يمثل فرصة للتوبة، التي تشفع لصاحبها.

ومن أندر النصوص لهذه العبادة، نصيحة داود u لبني إسرائيل: "ارتعدوا ولا تُخطئوا . تكلموا من قلوبكم على مضاجعكم، واسكنوا". وكان داود u كثير الاعتكاف، ورويَ أنه كان يعتكف يوماً، ويخرج للناس يومًا.

ويحدثنا القرآن الكريم، عن صيام الصّمت في بني إسرائيل، فقد مارسته مريم البتول ـ عليها السلام ـ، فقد عاشت تتعبد ببيت المقدس، واستجابت لصيامٍ مطروقٍ، وعبادة مألوفة لها، ولقومها، حتى إنها حين أشارت إلى المسيح u في المهد، لم يحتج القوم لصمتها، بل احتجوا من إحالتها الجواب عليه، فلما تكلم، أحنوا رؤوسهم لبراءتها عليها السلام، قال تعالى: ]فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا (26) فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ قَالُوا يَامَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا (27) يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا (28) فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا[ (سورة مريم: الآيات 26 ـ 29).

2. الصيام عند النصارى

أ. الصيام في المذهب الكاثوليكي

الصيام شريعة كنائسية، تكيفها الكنيسة حسب مقتضيات الزمان والمكان، ويحتل الصيام، الوصية الثانية، من وصايا الكنيسة ونصها: (صم الصوم الكبير وسائر الأصوام المفروضة).

·   يبدأ الصيام في الكاثوليكية، من نصف الليل إلى نصف النهار، والامتناع فيه عن المأكل والمشرب، ليس غير، ولا يلتزم الكاثوليكي، بصيام السبت والأحد، والأعياد التي تأتي في أيام الصيام.

·   يبتدئ الإلزام بالصيام "بعد انتهاء السنة الخامسة عشرة من العمر، وينتهي بالسنة الستين للرجال، والخمسين للنساء" على الأرجح.

·   الصيام اللازم في الكاثوليكية هو الصيام الكبير فقط، بعد أن أبطلت الكنيسة غيره من أنواع الصيام.

(1) الصوم الكبير

موسم ديني نصراني، تراعيه الكنائس النصرانية في الربيع. وهو بمثابة استعداد لعيد الفصح[2]، وتعقد الكثير من الكنائس، صلوات قداس خاصة، خلال هذا الموسم. وإلى جانب حضور تلك الصلوات، يحافظ النصارى خلال هذا الصوم الكبير، على الصيام والصلاة، وتقديم القرابين.

يبدأ الصوم الكبير، يوم أربعاء الرماد[3]. في كثير من الكنائس، أمّا في الكنائس الكاثوليكية الشرقية، والأرثوذكسية الشرقية، فيبدأ الصوم الكبير يوم الاثنين، وهو يسمى أحيانا باثنين الباعوث أو شم النسيم. ويستمر الصوم الكبير لمدة (40) أربعين يومًا تقريبًا، وباستثناء أيام السبت والأحد في الكنائس الشرقية.

والعدد أربعون، يستدعى إلى الأذهان، الأربعين يومًا التي صامها المسيح u في البرية، كما يصف الإنجيل. وتحتفظ معظم الكنائس، بطقوس خاصة بآلام المسيح u (أي معاناته وموته)، في زعمهم المردود بالقرآن الكريم، ]وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ[ (سورة النساء: الآية 157) للأسبوع الأخير من الصوم الكبير، الذي يسمى أسبوع الآلام. وفي القرن العاشر الميلادي، أصبح الصوم الكبير فترة للتكفير عن الذنوب، والإعداد لعيد الفصح عند جميع النصارى. وقد تم تحديد الصوم الكبير، بأربعين يوماً، في القرن السابع الميلادي، أي بعد ظهور المسيح ـ  بأكثر من ستمائة سنة.

(2) صيام الصمت في الكاثوليكية

أخذت الكنيسة بصيام الصمت، ومارسه الكاثوليك، كهنة وشعباً، في الأديرة والكنائس وخارجهما. وهو يختلف عند رجال الدين عنه عند الشعوب.

فهو عند الشعب منوط بالرغبة، وأيامه قليلة محدودة، والأمر فيه ميسر، حتى لا يتعارض مع العمل الذي يؤديه الفرد. أما عند رجال الدين في الأديرة مثلاً، فهو لازم، ويرتبط عادة بأيام لها أعيادها، ومناسباتها الدينية.

ب. الصيام في المذهب الأرثوذكسي

الصيام عند المسيحيين الأرثوذكس، الامتناع عن أكل كل ما فيه روح كلحم الحيوان، وكل ما يتولد منه، أو يُستخرج من أصله ـ من الزفر ـ ويقتصر الصائم على أكل البقول، ولا ينعقد سر الزواج في أثناء الصيام، والصيام عندهم يكون يوم الأربعاء، وهو يوم المؤامرة، التي انتهت بالقبض على عيسى u ويوم الجمعة، وهو اليوم الذي صلب فيه عيسى u في اعتقادهم.

(1) الصيام في الاصطلاح الكنسي للأرثوذكسية: هو الانقطاع عن الطعام فترة من الزمن، يأكل بعدها الصائم طعامًا خاليًا من الدسم الحيواني.

(2) يعتبر الصوم الكبير أهم صيام وأعمه، عند الأرثوذكس ومدته خمسة وخمسون يوماً، تنتهي دائما بعيد القيامة، الذي يعقبه الفصح، ويبدأ دائمًا بيوم "اثنين" من أيام الأسبوع، فيما بين الثاني من فبراير إلى اليوم الثامن من مارس.

(3) يصوم الأرثوذكس، أربعين يوماً، يسمونها "صيام الميلاد"، وتكون في الفترة من 25 نوفمبر إلى 6 يناير تقريباً، أي قبل عيد الميلاد عند الشرقيين.

(4) تمارس الكنيسة منذ عصر الرسل، صيام الأربعاء، والجمعة، وصيام "العنصرة"، الذي أطلق عليه فيما بعد "صيام الرسل"، ولا ضبط ثابت لهذا الصيام وإنما يزيد وينقص، فكما أنه لا ابتداء ثابت له، فكذلك لا يحد بعدد معلوم من الأيام.

(5) يصوم الأرثوذكس أيضاً، للعذراء خمسة عشر يوماً، تبدأ في أول مسرى.

(6) شرع "الأنبا أبرام"، للكنيسة السريانية، صيام نينوى، ثلاثة أيام، كالتي قضاها يونان ـ يونس u ببطن الحوت، كما ورد بالعهد القديم (يونان 1 ـ 17)، وقد نقل الأرثوذكس هذا الصيام إلى تشريعاتهم.

(7) صيام "البراموى ـ الاستعداد"، وهو بدوره متفاوت بين يوم وثلاثة أيام، ويسبق عيد[4]. أو عيد العماد، الذي يكون في 11 طوبة. فإذا جاء العيد يوم السبت يكون البرامون يوماً واحداً (الجمعة) وإذا كان الأحد فيكون يومين (الجمعة والسبت) وإذا كان الاثنين فيكون ثلاثة أيام (الجمعة والسبت والأحد).

ج. الصيام في المذهب البروتستانتي

انفصم هذا المذهب عن المذهب الكاثوليكي، بثورة قادها زعيمه "مارتن لوثر" ضد مبادئ البابا، ساخرًا من مبادئه، ومنكراً عصمته، وأن تكون فحص الآيات الدينية وقفًا عليه وحده. وأعلنت بعض الدول انضمامها لهذا المذهب، وجعلته دينًا رسميًا لها. وأنكرت البروتستانتينية، "فرض" الصيام، مع ما أنكرت من تشريعات البابوية، وقوانين الكنيسة التي لم تكن في الإنجيل.

والبروتستانتينية لم تلغ الصيام، بل جعلته منوطًا بالرغبة، لأنها ترى الأناجيل، التي بين أيديها، لا تنص صراحة على فرضية الصيام، بجانب أنها ترى صيام المسيح الأربعيني خاصًا به. وهي تقر أن الصيام محبوب، وعبادة سامية، لذلك اختطت لنفسها هذا المنهج، فأبطلت الصيام كفرض وأعلنته كرغبة دان بها كل البروتستانت، شرقًا وغربًا.

والبروتستانتينية لم تشرع مواعيد لبدء الصيام أو نهايته، كما لم تشرع عُمراً محدداً لابتدائه، فحسب البروتستانتي أن يحس برغبته في الصيام، فيصوم عقب استيقاظه، ويظل صائمًا قدر طاقته، فإذا أفطر حلّ له كل شيء من حيوان وغيره. فالبروتستانتينية لا تأخذ بنظرية "الانقطاع" عن الحيوان ونتاجه، لأنها لم تجدها في الأناجيل المختلفة.

وعمدت بعض الفرق البروتستانتينية إلى استبدال الصيام بعمل آخر، فرغبت للأتباع، أن يمتنعوا عن بعض الأطعمة التي يشتهونها، ويدخرون ثمنها ليعطى للفقراء.

3. ما اتفقت عليه فرق النصارى

اتفقت الفرق المسيحية فيما يختص بالصيام، على الآتي:

أ. تمليك الكنيسة حق تشريع الصيام بألوانه وأشكاله.

ب. اعتبار "الصلة الجنسية" والمباشرة لا شأن لها بالصيام، ولا تفسده من قريب أو من بعيد.

4. أوجه الاختلاف بين صيام فرق النصارى

يختلف الصيام بين الفرق المسيحية فيما يلي:

أ. لم تتفق في فرضية الصيام.

ب. لم تتفق في ابتداء الصيام ونهايته، وكذلك في مدته الزمنية.

ج. الصمت: يقبل عليه الكاثوليك، وهو ذو شأن في شعائرهم الدينية.

د. الحيوان ونتاجه: يمتنع عنه الكاثوليك والأرثوذكس، ويرفضه البروتستانت.

هـ. صيام السبت أقرته الكاثوليكية، ومنعته الأرثوذكسية، إلا في سبت واحد، يقع قبل عيد القيامة مباشرة.

ثانياً: الصيام عند غير أهل الملل

1. الصيام عند البدائيين

عاشت الأمم البدائية، سواء ما كان منها في الشرق أو في الغرب ـ فرقًا تطور بعضها أشواطاً حضارية، بعدت به عن بدائيته، بينما ظل بعض منها يعيش حتى اليوم في بدائيته. وعلماء الحضارات سجلوا لنا تاريخ كل هذه الأمم، كما سجلوا لنا عاداتهم وتقاليدهم ودياناتهم.

وفي ضمير تلك الأمم، استقر الشعور بالقوة العظمى، التي تدير الكون، فكانت العقيدة الدينية، التي دفعتهم إلى طلب التقرب إلى الله عن طريق:

·   عبادة أجرام السماء، أو مختارات مما يدب على الأرض.

·   عبادة الأسلاف من الآباء والأجداد.

·   ما يقومون بصنعه من آلهة.

وفي كل من هذه العبادات كان الصيام واحدًا من شعائرها، وجرى في معظم طقوسها على ضربين:

·   فرض عام، يشمل جميع الأفراد بالقبيلة، يؤدونه في زمن واحد.

·   صيام يرتبط بأحوال شخصية عارضة، يمارس من أجلها.

وتضم إلى هذا النوع ما تستدعيه "الوظيفة من صيام".

وينبغي أن نلاحظ، أنّ معظم طقوس هذه الأديان، انتقل مع عشائره، عندما صعدت إلى مراحل أرقى، فظهر "بروما" و"اليونان" و"الهند".

وكانت شخصية الكاهن عند البدائيين ـ وهو أيضًا الساحر، والطبيب في معظم الأديان ـ ذات نفوذ غير محدود، فهو صاحب الكلمة، وصاحب التشريع للصيام والصلاة، وغيرهما من العبادات.

وكانت أيام الصيام كثيرة للغاية، لدى أولئك البدائيين، بما لها من مناسبات عديدة، وربما كانت كثرتها وتواليها، في بعض الأحيان، مغرية بسوء الظن، في صدور الناس بالكاهن الصائم، فكان عليه أن يثبت للناس صدق صيامه بدليل مادي يقطع الشك، ويعقل ألسنة السوء.

صيام اللحم عند البدائيين

أحب البدائي اللحم حبًا شديداً، فهو نهم به، لا يلتفت إلى ظروف المستقبل، ولا يفكر في ادخاره لوجبة أخرى. ولكن نجد بعضهم يمتنع عن اللحم، أو نوع منه، لفترة رسمتها طقوسه الدينية.

فالزوجان من قبائل الأرابيش "بجزر المحيط الهادي"، عليهما بعد ولادة الزوجة، أن يمتنعا عن تناول اللحم شهرًا أو نحوه، والقبائل "التوتمية" تعتبر سلامة أفراد "التوتم الحيواني"، مظهراً من مظاهر تقديسه، فحرمت ـ إلا في ظروف مقيدة جدًا ـ مسّ الحيوان التوتم بسوء، فضلاً عن تناول لحمه. فإذا كان هذا "التوتم" غزالاً ـ على سبيل المثال ـ وجبت حمايته، ومن ثم امتنع تناول لحمه إلا في ظروف خاصة جداً.

والأنثى من قبائل "الأرابيش"، تبتعد فترة الحمل، عن تناول الفأر الهندي، أو الضفدعة، أو الثعبان المائي. وهي أصناف تأكلها كلها في الأحوال العادية، وتمتنع عنها ـ أثناء الحمل ـ مخافة أن تصاب هي أو حملها بسوء.

2. صيام قدامى المكسيك

كان الكاهن المكسيكي القديم، يعمد إلى عقل لسانه بقطعة من الخشب، تخترق اللسان، وتربطه بالشفتين، ابتداء من اليوم الأول لصيامه. وكان هذا الصيام يستغرق في أحد العقائد المكسيكية القديمة مائة وستين يوماً بلا انقطاع، يصومها الكاهن المعقول، فإذا جازها بنجاح رفعه أداؤها ـ في أنظارهم ـ إلى مستوى أنصاف الآلهة، فإذا عجز، فعليه أن يكفِّر سنة عن هذا العجز، بأن يسجن نفسه في دهليز أحد.

ومن واجبات الكاهن، الخلوة مع نفسه. ويقتضي النظام، أن يدخل الكاهن الخلوة، عندما يخرج سلفه، وتقتضي الشعائر ـ إذا دخل ـ أن يجلس بغير حراك صامتًا، مركزًا أفكاره في المراسيم والطقوس. ويتضح مما سبق أنّ صيام الكهنة في تلك الشعوب، كان حرمانًا تامًا من الطعام والشراب، والكلام والعمل.

هذا الكاهن، بما له من نفوذ، هو الذي يشرع للقبيلة، صيامها العام والخاص. فكان على شعب الكاهن المكسيكي القديم، أن يصوم فترة معينة، قبل أن يتناول طعامه من التمثال المقدس، الذي كان يصنع من الغلال والخضر ويعجن بدماء صبيان يُضَحى بهم لهذه الغاية. ولم يكن هذا اللون الوحشي من الصيام، وقفاً على قدامى المكسيك، بل كان منتشرًا في أوساط البدائيين. فربطوا بتلك الشعيرة جُرماً دونه كل الجرائم.

3. الصيام عند الهنود الحمر

يبدأ صيام عشائر "السناتيموك"[5]. العام، في بعض ألوانه بغروب الشمس، وينتهي بظهورها ساطعة، لا بوقت شروقها من اليوم التالي، فإذا سترها غيم عكفوا على صيامهم إلى أن يزول الغيم، ويبدو قرصها ساطعاً.

وكانت العقيدة الهندية، التي يقدس أتباعها الشمس، تأمر بصيام يومي له المدة نفسها، فيبدأون بالغروب ويختمون صيامهم بالسطوع. أي ظهور الشمس.

وبخلاف هذا النوع من الصيام الجماعي، فثمة أحوال خاصة، يلتزم فيها البدائي بالصيام الذي يشرع له من أجلها، وغالبًا ما يرتبط صيامه بحال منها، فهو مقيم عليه ما دامت هذه الحال، ومن هنا لم يكن مرتبطًا بيوم من الشهر معلوم، ومن أحواله: الوضع، والطمث، والعرس، والبحث عن "التوتم" الخاص (أي التعويذة التي تحرسه)، الذي يعتبر لصاحبه الحارس الأمين.

فعشائر "الأرابيش" في المحيط الهادي، تجعل صيام الوالدين معاً، مقرراً في اليوم الأول من الوضع، في المنزل الذي أعد خصيصًا لإيواء الوالدة. كما يجب عليهما أن يصوما بعد انتهاء فترة "الطمث"، ثم تعود المرأة بعد ذلك لبيتها.

وعلى كل فتاة من هذه القبيلة، أن تصوم خمسة أيام أو ستة متتابعة، تمتنع خلالها من الطعام والشراب تماماً، إذا هي بلغت الحلم، وتمّ أول طمث لها.

كذلك على العروسين من هنود "الأزتك" بالمكسيك القديمة، أن ينسحب كل منهما إلى داره، بعد انتهاء وليمة العرس، ليبدءا صيامًا وتكفيرًا يستمر أربعة أيام.

و"التوتمية"[6]. وهي من أقدم الديانات البدائية، لها صيام خاص بـ"التوتم الفردي"، وهو "توتم" يعتقد صاحبه أنه نصيره وحاميه.

فإذا أراد الفرد، أن يكتشف "توتمه" الشخصي، فعليه أن يبدأ عزلة تامة، بعيداً عن الناس، ويظل صائمًا مكبًّا على أوراده ليل نهار، لا يدّخر في ذلك طاقة، حارمًا نفسه تمامًا من كل لذائذها، إلى أن تبدو له رؤيا ترشده إلى "توتمه" ولو اقتضى الأمر شهورًا، فإذا عرف "توتمه" اتخذه تميمة ـ وهو ما يسميه العامة حجاباً ـ يعلقها في رقبته أو حيث يريد، وينتهي عندئذ صيامه، وما ترتب عليه من حرمان.

وتعتبر قبائل "البيبلوس" في الجنوب الغربي من أمريكا الشمالية، هذه الطقوس الفردية "خبرات تجلب التصدع"، ومن ثمّ ترفض القيام بها.

ويطلب الكثير من "البيبلوس" الصيام، من حيث هو شعيرة تعبدية عامة، ويرفضونه كرتبة للتجلي الروحي، وسبيلا للاستكشاف، ويعتبرون القوة الحامية للشخص منهم، تأتيه من انتسابه لطائفة دينية، وحفظ شعائرها. فهذه الشعائر ـ في زعمهم ـ كفيلة بحمايته، والذود عنه، طالما عكف عليها، ومارسها، وانصاع لطقوسها.

4. صيام اليونان والرومان

كان لدى اليونانيين والرومانيين دينهم، وكان لهذا الدين صيام:

أ. خاص بالدور الكهنوتي للصغير والكبير.

ب. وصيام تختلف أنواعه للشعب.

فمنه ما يؤدى قضاءً لحق الشعيرة، ومنه ما يؤدى لظروف عارضة، كما كانت ظروف التنبؤ بالغيب، تقتضي صيامًا بدورها.

وكان شعب الإغريق يقبل جميعه، على أنواع مختلفة من الصيام، أيام النوازل والخطر، كما كانت هناك بلدان تستقل بصيام خاص بها فكانت مدينة "تورنتم" تصوم في كل عام شكرًا لله على النجاة، من حصار نزل بها فلما تخلصت منه، لزمت هذا الصيام.

وكانت هناك أيام صيام تسبق تنقيح القوانين كل عام. وكان الشعب كله يصوم عشرة أيام، قبل الحرب استنزالاً لنصر.

وكان للتنبؤ صيام، وعلى الكهنة ـ استعدادًا للتنبؤ ـ أن تصوم ثلاثة أيام، لا تتناول خلالها إلا ورق الغار، لتمضغه وتمتص من رحيقه.

وكان رجال الدين في جزيرة كريت، يصومون مدى الحياة، عن أكل اللحوم والأسماك والطيور.

5. الصيام في مصر القديمة

كانت تشريعات مصر في الصيام، متفرعة، تجمع بين الفرض والنافلة، والامتناع المطلق عن الطعام والشراب، والامتناع عن أحدهما، وحددت له الأوقات الثابتة، أو المتعلقة بظروف عارضة. فقد كانوا يعتقدون، أن بقاء الصحة في حالة جيدة، لا يتأتى إلا في حالة صيام ثلاثة أيام من كل شهر.

وكان على خادم المعبد، صيام سبعة أيام متتالية، من غير ماء، قبل أن يلتحق بالمعبد. وقد تمتد هذه الفترة إلى اثنين وأربعين يومًا.

ويمر الكاهن في صيامه بمراحل، أولاها صيام عشرة أيام عن أكل اللحم، وشراب النبيذ. ثم يعقب ذلك، تلقينه وإجابته المتعلقة بالمسائل المقدسة، وذلك بعد صيام عشرة أيام أخرى.

6. بعض ممارسات الأمم القديمة للصيام

أ. من الصيام الذي لا يعد منهاجاً دينياً، صيام ثلاثة أيام، أمر بها الإمبراطور الصيني "ناى دزونج" الذي حكم الصين من عام 627 إلى 650م. فقد أصدر هذا الإمبراطور، قانوناً يقضي، بألاّ يصدِّق أي إمبراطور على حكم الإعدام، إلا بعد أن يصوم ثلاثة أيام، وذلك بعد أن سرّه سروراً بليغاً، أولئك السجناء، الذين صدرت ضدهم أحكام بالإعدام، فصرفهم الإمبراطور من السجن إلى حرث الأرض، مكتفيًا منهم بوعد بالعودة إلى السجن، فلما انتهى عملهم، عادوا جميعاً فأمر بالإفراج عنهم، ثم اتخذ هذا القرار.

ب. وفي عهد "يوانج شوانج" كان العلاج الطبيعي في الهند، يبدأ بصيام سبعة أيام غالبًا ما كانت تنتهي بالشفاء، وإلا بدأ الطبيب عمله، مستعينًا بالأدوية والعقاقير.

ج. وتوجد وصية مصرية قديمة، من وصايا "التنجيم"، خاصة بطرد الخوف من السحر والأيام النحسات، تطلب إلى من وجهت إليه، أن يمتنع عن الأكل والشرب، في اليوم التاسع عشر، من الشهر الرابع، من فصل الفيضان، وهو الشهر الذي يقابل كيهك في الشهور القبطية، والوصية تعود إلى عهود الزعامسه في الدولة الحديثة.

د. على أنّ أخطر ما درج عليه فريق من البشر في هذا الباب، نوع من الصيام عجيب غريب ـ سواء امتنع فيه الصائم عن الطعام أو الشراب، أو امتنع عن اللحم ونتاج الحيوان من لحم وبيض ولبن وزبد، وما إلى ذلك ـ فغرابته بسبب ما يُمارس من أجله؛ فهو يمارس بدعوى "طرد الجن" إذا مسّ إنسانًا، ثم تعدى الأمر إلى دعوى "السيطرة على الجن نفسه".

وأهل هذا الصيام، موجودون بالشرق الأدنى، ويسمونه رياضة، وعلى المتريض أن يصوم لهذه الرياضة بشرطها، وأن يؤديها بحقها غير منقوص، حتى يتمكن من رد كيد الوشاة، والجمع بين المحبين.

7. الصيام في الهند

كانت الأجرام الفلكية ـ خاصة المجموعة الشمسية ـ ديانة لها مكانتها في الهند، وكانت "الجندريهكنية"، عقيدة يخص أهلها القمر بالتعظيم، ويعدونه من الملائكة، وكانوا يسجدون لتمثاله، ويقدمون له القرابين، وله صيام خاص يستغرق النصف من كل شهر قمري، فلا يفطر فيه الأتباع، حتى يطلع القمر، فإذا انتهى الشهر وأتى الهلال الجديد أفطروا، وأتوا إلى صنمهم بالقربان، ثم صعدوا الأسطح داعين، فإذا انتهوا من دعائهم شرعوا في طعامهم.

أ. البرهمية

يختلف كبار الكهنة البرهميين عن صغارهم، في واجب الصيام: فطبقة "السيناتا"، التي تمثل كبارهم، تصوم يوميًا فترة تزيد قليلاً عن ساعة فلكية، تبدأ بغروب الشمس وتنتهي بغياب الشفق، ويمتنعون خلالها عن الطعام والشراب.

وفيما عدا هذا الصيام، الخاص بطبقة "السيناتا"، يجب على الكهنة عمومًا ـ صغاراً وكبارًا ـ أن يصوموا أول فصل الخريف والشتاء، والربيع والصيف، مضافًا إلى ذلك اليوم الأول، والرابع عشر، من كل شهر قمري. كما يجب على البراهمة، جميعًا الصيام إذا عرض الكسوف للشمس، ويستمر الصيام مدة الكسوف، وهو صيام يجب فيه الكف عن الصلاة، والاتصال الجنسي.

والصيام في الديانة الهندية البرهمية شاق قاس، فقد لا يرتبط بزمان معلوم البداية، أو النهاية، وقد ترتبط نهايته في بعض الأحيان، بختام الحياة في الإنسان نفسه.

ب. اليوجية

اليوجية عقيدة من العقائد المسلِّمة بأصول الفيدا[7]، ولها فلسفتها الخاصة، التي ميزتها عن البرهمية. وانتهت هذه الفلسفة بأقطابها، وزعمائها، بالخلاص من المادة، أن يقيموا على صيام دائم أبداً، يحقق لهم ما يريدون، ويتخلصوا نهائيًا من الغذاء بكافة ألوانه، تاركين الجسد يستمد قوته من الشمس مباشرة.

ولم يعد الأمر هنا، مجرد صيام ينتظر به الصائم فرحًا بفطره، وفرحًا بمرضاة ربه، أو هما معًا، إذ لا فِطْرَ هنا، ولا رَبَّ يُرْجَى رضاه. فكانت "اليوجية" في ذلك ـ مذهباً عجيباً في صيامها، وغايتها من الصيام تصويرها لأتباعها أن يكونوا آلهة.

ج. الجانتية

الجانتية ديانة لا تؤمن بالله، وقد ظهرت في منتصف القرن السادس قبل الميلاد، وصيامها ليس مجرد مبدأ مقرر في عبادة فحسب، بل هو عمدتها في الخلاص، وخطوتها الأولى والآخرة نحو الموت، وشعيرتها، أن يموت من ينتمون إليها، انتحاراً بجوع دائم أبدي، بجانب أنواع الموت الأخرى، وعلى أفرادها أن يصوموا على أي ضرب ونوع.

د. البوذية

البوذية ديانة ملحدة لا تؤمن بالله، وكفر زعيمها بوذا بالصيام، وأضرب عنه، وانشقت البوذية، إلى ثمانية عشر فرعاً، بعد قرنين من وفاته. ومن فرق البوذية فرقة فرضت صياماً أبدياً على الناسك من أتباعها، فليس يَطْعَمُ غير وجبة واحدة في الضُحى، مستمرًا على ذلك طيلة حياته. ورسم كهنة البوذية صيام أربعة أيام من كل شهر قمري: الأول، والتاسع، والخامس عشر، والثاني والعشرين، مضافًا إليها عند ختام الفصل المطير.

8. الصيام في الشرق قديماً

أ. فارس

كانت بلاد فارس بعد الميلاد مسرحًا لدعوات مسيحية متعددة، ففيها  أعلن القس "ماني ابن فنق" أنّ للكون إلهين، إله للخير وإله للشر،  وأعلن أن "المسيح أرسل لينير الأرواح". وأن الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الإنسان من الشر المستطير، الذي سيطر على العالم ممارسته لصيام حرماني طويل يؤدي إليه.

ولذلك يُقدم "مانى" برنامج صيامه، سلاحاً مرهفاً، للقضاء على الإنسان، بدل أن يكون عاملاً من عوامل رقيه ورفعته، وبرنامج صيامه هذا يرينا أنه بدأ نصرانياً زرادشتياً، وانتهى برهمياً جانتياً، حين طلب الآتي:

(1) صيام سبعة أيام أبدًا من كل شهر.

(2) وعندما تغيب الشمس، ويصير القمر نورًا كله، يُصام يومان لا يفطر بينهما.

(3) فإذا أهل الهلال، يُصَامُ يومان لا يفطر بينهما.

(4) ثم بعد ذلك يصام إذا صار نورًا يومان، في الجدي، ثم إذا أهل الهلال ونزلت الشمس الدلو، ومضى من الشهر ثمانية أيام.

(5) يصام حينئذ ثلاثون يوماً، يفطر كل يوم عند غروب الشمس.

(6) الأحد يعظمه عامة (المانوية). والاثنين يعظمه خواصهم. كذا أوجب عليهم مانى. على أن صيام الأحد، والاثنين، هو بعينه تقديس بابل من ديانتها للشمس والقمر. وقد شارك مانى غلوه، وتطرفه، بل أكثر منه، فرقتان نصرانيتان أخريان، هما: المرقيونية، والديصانية فطلبتا الصيام أبدًا.

ب. بابل وآشور

كانت ديانة البابليين الكلدانيين، ذات أثر مباشر على نمو العقائد الفكرية، في منطقتي بابل وآشور. وكان الصيام ركناً أصيلاً، في تشريعات تلك الديانة، فبقى بذلك عنصرًا في ديانات الأمم الصغيرة، المجاورة، فيما بعد.

ج. صيام الكلدان

كان صيام الكلدان ثلاثين يوماً، عدد ما تقطعه الشمس من كل برج من بروجها، يمسكون فيه عن الطعام والشراب، من شروق الشمس إلى غروبها، ويفطرون على غير اللحم من الألبان والنباتات، إلا ما حرم منها عندهم ويقسمون هذه إلى ثلاثة أقسام:

(1) قسم يصومون فيه أربعة عشر يومًا متتالية في فصل الشتاء، موافقة لأعداد الكواكب السبعة المشهورة قديمًا وأفلاكها.

(2) وقسم يصومون فيه سبعة أيام في الربيع، موافقة لأعداد الكواكب وحدها.

(3) وقسم يصومون فيه تسعة أيام في أواخر الصيف موافقة للأفلاك ".

د. صيام الصابئة

عاشت فرقة الصابئة، في الأقاليم الجنوبية من أرض العراق، فيما قبل ألفي سنة قبل الميلاد. ولا تزال الصابئة تعيش، حتى الآن، ولكن في كثافة محدودة من السكان، وعلى مدى هذا الزمن، كانت ديانتهم مفتوحة، لتضم ما يستحسنون لها من فرائض وشعائر للديانات الأخرى. وكان منهجهم في الصيام مماثلاً للمنهج البابلي المتقدم، في صيام الكلدانيين، ثلاثين يومًا مفرقة على السنة.

يقول ابن النديم فيهم: "والمفترض عليهم من الصيام، ثلاثون يوماً، أولها: لثمان مضين من اجتماع آذار، وتسعة أخر، أولها لتسع بقين من اجتماع كانون الأول، وسبعة أيام أخر، أولها لثمان مضين من شباط، وهو أعظمها. ولهم تنفل من صيامهم، وهو ستة عشر، وسبعة وعشرون يومًا.

وقال عن عيدهم في نيسان: ويوم الثامن منه، يصومون ويفطرون، على لحوم الخراف. وعن تشرين الثاني يقول: "يصومون في أحد وعشرين تسعة أيام، أخرها يوم تسعة وعشرين، لرب البخت (المشترى)". وعن شباط يقول: يصومون فيه سبعة أيام أولها التاسع منه، وهذا الصوم للشمس، الرب العظيم، رب الخير، ولا يأكلون في هذه الأيام شيئًا من الزفر، ولا يشربون الخمر".

"وقد يتنفلون بصيام أيام النسىء، ويروى عنهم أيضًا أنهم يصومون خمسة أسابيع، يأكلون فيها الطعام نهارًا وليلاً، ويجتنبون أكل اللحوم المباحة لهم، وهي غير ذات الذَنَبْ. ويقال إنّ الصيام بنوعيه، قديم عندهم، يرجع إلى أيام البابليين.

هـ. صيام الموحدين

في "أور" جنوب "بابل"، ظهر إبراهيم الخليل u على نبينا محمد r، وكان ذلك قبل الميلاد بنحو ألفي سنة. وقد تقرر الصيام في شريعته، فكان لونًا من عبادتها، ونقل صيامه ثلاثة من أصحاب رسول الله r وهم: معاذ بن جبل، وابن مسعود، وابن عباس رضي الله تعالى عنهم، ولقد ورد ذلك صريحًا في حديث ابن ماجة t من رواية ابن لهيعة رحمه الله، ففي تتمته ]وصام إبراهيم u ثلاثة أيام من كل شهر، وصام الدهر وأفطر الدهر[.



[1] كلمة عهد كلمة قديمة في العبرية تعني ميثاق أو اتفاقية. ويكوّن العهد القديم مع العهد الجديد الكتاب المقدس لدى النصارى. أمّا اليهود فلا يقبلون إلاّ بالعهد القديم، الذي يسمونه الكتاب المقدس العبري.

[2] من أهم أعياد النصارى السنوية، وهو احتفال بعودة المسيح u أو قيامه، بعد صلبه، كما يعتقدون.

[3] أربعاء الرماد: أول يوم من أيام الصوم الكبير عند النصارى. وهذا اليوم يمثل موسم الصوم، الذي تحتفي به الكنائس النصرانية، وخاصة الرومان الكاثوليك، والكنيسة الإنجليكانية والكنيسة اللوثرية. وفي كثير من الكنائس فإن الاحتفال بأربعاء الرماد، يتمركز حول الرماد المتبقي من إحراق أشجار النخيل، التي استخدمت في احتفال عيد النخيل في العام السابق، والقس يبارك الرماد. ويستخدم الرماد عندهم رمزًا للطهر والتقوى.

[4] الغطاس عيد الغطاس: عيد نصراني، تحتفل به الكنائس الرومانية الكاثوليكية والكنائس البروتستانتينية، إحياء لذكرى تقديس الرضيع المسيح عيسى u على يد الرجال الثلاثة الحكماء، الذين قدموا من الشرق. وكذلك تحتفل الكنائس الشرقية بتعميد المسيح عيسى u وأهم شيء يؤدَّى في الكنائس الشرقية، في هذه المناسبة، هو التبرك بالماء العمد.

[5] السناتيموك: من عشائر الهنود الحمر بأمريكا.

[6] تنتشر "التوتمية" بين قبائل البدائيين حتى اليوم باستراليا وغينيا الجديدة وأيرلندا، وقبائل الهنود الحمر بأمريكا. والنظام التوتمي معتقد يجعل العشيرة منحدرة من أصل حيواني أو نباتي تتخذه القبيلة رمزاً لها ولقباً يحمله جميع أفرادها.

[7] الفيدا: معناها الحرفي هو المعرفة، وهي أسفار المعرفة التي تشمل رج ـ ساما ـ باجور ـ أتارفا.