إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / التقوى ... والعلم ... والعمل (تفسير آخر الآية 282 من سورة البقرة، والآية 105 من سورة التوبة)









9

9. المسلم القوي

من أهم مظاهر القوة في الإسلام، تلك القوة التي يدعمها العمل، فقد ورد في الحديث أن المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف. وتشمل القوة هنا مجالات متعددة لا حصر لها، فتكون قوة في البدن بتحمل المشاق والجهاد في سبيل الله والدعوة، أو في كسب الرزق والسعي في أقطار الأرض. كما أنها قد تكون قوة في العقل بحسن توجيه النفس وملك شهواتها وكبح نزواتها. وقد تكون قوة مادية بإعداد ما يلزم المسلم لنُصرة  عقيدته في الحرب والسلم، أو عمارة الأرض واستخراج مواردها واستثمارها لصالح الإنسان. إذن فهذا المسلم المتصف بالقوة، تكمن قوته في مجالات مختلفة جسدية وعقلية ونفسية وروحية ومادية. وفي قصة سيدنا موسى مع بنات شعيب مصداقٌ لهذه القوة. فقد قال تعالى على لسان إحدى ابنتي شعيب لوالدها ]يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ[ (سورة القصص: الآية 26). فالقوة هنا وظفت للخير، ووصف سيدنا موسى بأنه "القوى الأمين"، مقابل القوة الطائشة أو الجائرة أو الظالمة، قوة فرعون وأشباهه من الطواغيت، الذين استغلوا قوتهم في أبواب الشر. ودلالة ذلك ارتباط فعل الله بالقوة والعزة معاً في كثيرٍ من الآيات الكريمة.

ومن ثم، كان من الواجب على الإنسان الاهتمام بكل ما يفيد العمل ويزيده قوة، أو يكون من مقتضياته، كالاهتمام بالرياضة البدنية المشروعة، لجعل الجسم لائقاً صحياً، وقادراً على أداء وظائفه التي أرادها الله له. والانخراط في التدريبات العملية على مختلف المهن والاهتمام بها، واستخدام السلاح، لأن في ذلك تدريباً عملياً على كثير من الفنون والمهارات، وممارسة فعلية لتنشيط الجسم ، وجعله قوياً. وقد كان الصحابة رضي الله عنهم ، يتدربون على النبال ويتسابقون. وعن عبدالله بن عمر أن رسول الله r سابق بين الخيل التي أضمرت من الحفياء، وأمدها ثنية الوداع، وسابق بين الخيل التي لم تضمر من الثنية إلى مسجد بني زريق. فإعداد القوتين المادية والروحية عمل لابد منه لتحقيق العزة للمسلمين، والغلبة على الأعداء. ودفاع الإنسان عن الضرورات الخمس، وهي النفس، والعقل، والمال، والنسل، والعرض عمل واجب. ولا يتحقق الدفاع عنها مجتمعة، إلا بالدفاع عن الوطن وحمايته، لأنه لو استُبيح حماه فقد استبيحت تلك الضرورات، والله سبحانه يقول: ]وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ[ (سورة التوبة: الآية 120).

إنّ مفهوم العمل في الإسلام واسع ومتسع، ويشمل الفعل الماديّ والمعنوي، وليس بالضرورة أن يكون العمل هو فعل الجوارح بل مكنونات القلوب، قد تُصبح عملاً يحاسب عليه الإنسان، له خيره وعليه شره. لذلك عدّ الله سبحانه وتعالى قول الإنسان عملاً من أعماله، قال تعالى: ]مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ[ (سورة ق: الآية 18). كما قال تعالى: ]فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ[ (سورة الحج: الآية 30). وقال تعالى ]إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا[ (سورة النساء: الآية 108). وذرية الإنسان من عمله وقد قال الرسول r ]‏إِذَا مَاتَ الإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَمَلُهُ إِلاَّ مِنْ ثَلاثَةٍ مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ وَعِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 3591). ثم ذكر ]وَوَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ [(سنن النسائي، الحديث الرقم3591). كما نهى الله نوحاً عن السؤال عن مصير ابنه لأنه ]عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلاَ تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ[ (سورة هود: الآية 46). جاءت هذه الآية في سياق استعلام نوح عن ابنه، فوصفه الله سبحانه بأنه "عمل غير صالح"، وذلك لكفره ومخالفته أباه، نبي الله نوحاً u. وفي الحديث، ]سأل أبو ذر الرسول r، ‏قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ r أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ قَالَ إِيمَانٌ بِاللَّهِ تَعَالَى وَجِهَادٌ فِي سَبِيلِهِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ r فَأَيُّ الرِّقَابِ أَفْضَلُ قَالَ أَنْفَسُهَا عِنْدَ أَهْلِهَا وَأَغْلَاهَا ثَمَنًا قَالَ فَإِنْ لَمْ أَجِدْ قَالَ تُعِينُ صَانِعًا أَوْ تَصْنَعُ ‏لأَخْرَقَ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 20368)، ومعنى الحديث تُقدم العون والمساعدة للآخرين، أو تُعلمهم صناعة لا يحسنونها. فإتقان العمل ضربٌ من العبادة لأن قيمة كل امرئ ما يحسن. والأخرق، هو من يحاول صنعة لا يتقنها، فوجَّه الرسول بمساعدة هؤلاء، بتعليمهم تلك الحرف على وجهها الصحيح. ويدخل في ذلك تطوير جميع الصناعات، ومساعدة الآخرين. فإتقان العمل، مهما كان، مفخرة للإنسان، حتى قيل إن أحدهم أراد أن يُحرج وزيراً، فقال له: تذكر يا سعادة الوزير، أنك كنت ماسح أحذية، فقال الوزير: نعم نعم، ولكني كنت أجيدها. وإتقان العمل، بجانب كونه عبادة، فيه إدخال السرور على قلب المؤمن، وقد عدّ الرسول ذلك، من أفضل الأعمال بعد الجهاد.

فضبط النفس صدقة، والصدق عمل، بل إن تَبَسُّمَ الإنسان في وجه أخيه عمل. ونظر الإنسان عمل قد يؤثم عليه، إذا وقع في المحاذير، وكذلك سَمْعُ الإنسان عمل، ولَمْسُه عمل، وذلك لقوله تعالى: ]حَتَّى إِذَا مَا جَاؤُهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ[ (سورة فصلت: الآية 20). فلا يخلو الإنسان ـ ولو لطرفة عين ـ من عمل يُحسب له أو عليه. ولهذا كله كان العمل مناط الثواب والعقاب.