إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحَرمان الشريفان، والتوسعات المختلفة




مآذن الحرم التسعة
واجهة ومئذنة
واجهة ومئذنة أخرى
واجهة ومئذنة القبلة
أحد الشوارع
الواجهات الخارجية
الواجهة الشرقية
المدخل الشمالي الرئيسي
الأسقف الداخلية والعقود المدببة
المظلات وهي مغلقة
المظلات وهي مفتوحة
الأعمدة وقواعدها
الأعمدة في الحرم
التوسعة السعودية الثانية والثالثة
التكامل والانسجام
الحجر الأسود
الروضة الشريفة
العقود المدببة (الأبلق)
القباب المتحركة المغلفة
القباب المتحركة المفتوحة
بوابة المروة وساحة المسعى
توسعة خادم الحرمين الشريفين
بداية التوسعة السعودية
ساحة المطاف
زخارف الواجهات الخارجية
سطح الحرم وساحة السعي
كسوة الكعبة

مخطط مقارن للمسجد
إضافة دار الندوة
مسقط للحرم المكي
مسقط أفقي بعد توسعة
مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ
المنطقة المحيطة والأراضي المنزوعة
المنطقة المركزية والخط الدائري
الأحياء الملتفة حوله
الأجزاء المضافة
المخطط بعد العمارة العثمانية
التأثير على المحيط العمراني
التوسعات في عهد المهدي العباسي
الحرم في عهد عمر بن الخطاب
الحرم في عهد قريش
الركن اليماني
الشوارع والطرق
الكعبة بعد العمارة العثمانية
توسعات في عهد الملك عبدالعزيز
توسعة أبو جعفر المنصور
توسعة المهدي
توسعة الوليد بن عبدالملك
توسعة عبدالله الزبير
تصور لمسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم




المبحث السادس

المبحث السادس

الحرم النبوي الشريف والتوسعات الأولى والثانية

تقع المدينة المنورة في الجزء الشمالي الغربي من المملكة العربية السعودية، على دائرة عرض 28َ 24 ْ شمالا"، وخط طول َ36 39 ْ شرقا". وتبعد حوالي 400 كم شمالي مكة المكرمة، وتبعد عن البحر الأحمر بحوالي 150كم، وتقع على هضبة متوسطة الارتفاع يصل ارتفاعها عن سطح البحر إلى600 م. تحيط بالمدينة المنورة الجبال والحرّات، ففي الشمال الغربي منها جبل سلع، وهي محصورة بين لابتين أو حرتين بركانيتين، حرة واقم في الشرق، وحرة الوبرة في الغرب، وإلى الشمال يقع جبل أحد، وفي الجنوب الغربي جبل عير. ويكتنف المدينة ثلاثة أودية، هي: وادي بطحان، الذي يأتي من جنوبي المدينة المنورة ويمر وسطها، ويعرف هذا الوادي باسم (أبو جيدة). أما وادي العقيق جنوب غرب المدينة، والذي يزيد طوله على 150 كم"، فيسمى أعلاه بالنقيع ويسمى بالعقيق في ذي الحليفة. ويأتي وادي قناة من جهة الشرق (أي من جهة العاقول) وتتجه أودية المدينة جهة الشمال الغربي حيث تلتقي في زغابة. وكانت المسافات المحصورة بين المدينة والحرات الشرقية، وبين المدينة وقباء، عبارة عن واحات خضراء أثرت بشكل واضح على مناخ المدينة.

ومناخ المدينة المنورة صحراوي جاف صيفاً دافئ شتاءً. ويزيد متوسط الحرارة العظمى على ثلاثين درجة مئوية، ولا يقل متوسط درجة الحرارة الصغرى السنوي عن عشرين درجة مئوية، وأشد شهور السنة حرارة يوليو وأغسطس، وأقلها حرارة ديسمبر ويناير. وترتفع الرطوبة النسبية قليلا" في فصل الشتاء، لتصل45 في المائة. تهطل الأمطار عادة على المدينة في فصل الشتاء، وتختلف كميات المطر من سنة إلى أخرى. وتتعرض المدينة المنورة للعواصف الرملية والرياح المتربة؛ بسبب الصحاري التي تحيط بها، ويكون اتجاه الرياح في فصل الربيع وبداية الصيف من جهة الغرب، وفي فصل الشتاء يغلب الاتجاه الشرقي.

والمدينة المنورة مدينة قديمة ذكرها (المعينيون) في كتاباتهم، باسمها القديم (يثرب). وفي ذلك دليل على وجودها خلال الألف الأولى قبل الميلاد. وقد اكتسبت المدينة المنورة أهميتها من أسباب متعددة ومجتمعة، منها توفر المياه بها، وخصوبة أرضها، ووفرة إنتاجها، وتيسر الوصول إليها عبر خطوط طبيعية من تهامة ونجد والحجاز ووقوعها على خط التجارة القديم بين الجنوب والشمال والشرق، ووجود أسواق تجارية هامة بها للتبادل بين القبائل.

تعتبر قرية (العيون) شمال المدينة الحالية أقدم المواضع، التي سكنت في المدينة المنورة؛ لكثرة مياهها وعيونها، وموقعها بين جبل أحد وودادي قناة. ويليها قرى قباء وقربان والعوالي في منطقة مربعة، بها آثار حصن قديم (حصين النصف)، وسوق (بني قينقاع)، وبقايا دور وآبار مطمورة.

وكانت مساكن المدينة المنورة ذات نظام وتخطيط خاص معروف (بالأحياء الخاصة). وهي أشبه بالحارات الخاصة المقفولة في كثير من مدن الحجاز، ولكنها كانت مستديرة مقفولة على نفسها بسور وفي وسطها حوش كبير فيه البئر، ويستخدم مأوى للماشية وبه بعض النخل والزراعة البسيطة.

قدم رسول الله r المدينة مهاجراً عام 622م، فأقام مسجده وبيته بجانبه. وبنى الصحابة رضوان الله عليهم بيوتهم حوله من الناحية الجنوبية والشرقية. كما انتقل الأوس والخزرج بعد دخولهم في الإسلام إلى جانب المسجد. وتكونت المدينة كوحدة متكاملة حول المسجد النبوي الشريف، ممثلة أول مدينة في الإسلام، وظلت عاصمة للإسلام طوال عهد الخلفاء الراشدين الثلاثة، رضي الله عنهم، قبل نقل العاصمة إلى الكوفة في عهد الخليفة الراشد علي بن أبي طالب t. فبعد الهجرة النبوية الشريفة، ارتفع شأن المدينة المنورة، عند العرب، وخاصة بعد أن تم الصلح بين قبيلتي الأوس والخزرج على يدي الرسول r، فبدأت هذه المناطق تتحد حول المسجد لتشكل مدينة واحدة مترابطة، وظلت مناطق السكنى الأصلية محتفظة بأسمائها بصفتها منازل وبيوت لكل قبيلة، ثم اتخذت، فيما بعد، أشكال أحياء في المدينة (اُنظر شكل الأحياء الملتفة حوله).

أهم تأثير للمسجد النبوي الشريف على المحيط العمراني للمدينة النبوية أن أصبح النواة الأساسية والعلامة المميزة لها ومن ثم بدأ تأثيره على المدن الإسلامية الأخرى.

أولاً: نشوء وتوسعات الحرم النبوي

1. بناء المسجد النبوي. آية اختيار موقع المسجد

عندما بركت ناقته r، بركت في مكان، أصبح فيما بعد باب مسجده r، فقال رسول الله r ]هذا المنزل إن شاء الله[، ثم أخذ في النزول، فقال: ]وَقُلْ رَبِّ أَنْزِلْنِي مُنْزَلاً مُبَارَكًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ[ (سورة المؤمنون: الآية 29). وكان مربداً ليتيمين هما: سهل وسهيل ابنا رافع بن أبي عمرو بن عائذ بن ثعلبة بن غنم بن مالك بن النجار، وكانا في حجر أسعد بن زرارة، كما في صحيح البخاري عند أكثر رواته. وفي الصحيح أن رسول الله r أرسل إلى بني النجار؛ بسبب موضع المسجد، فقال: ]‏فَقَالَ ‏يَا ‏‏بَنِي النَّجَّارِ ‏‏ثَامِنُونِي ‏‏بِحَائِطِكُمْ ‏ ‏هَذَا قَالُوا لا وَاللَّهِ لا نَطْلُبُ ثَمَنَهُ إِلاَّ إِلَى اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 410) وفي رواية: فدعا بالغلامين وساومهما بالمربد ليتخذه مسجداً. فقالا. بل نهبه لك يا رسول الله r. فأبى أن يقبله منهما هبة، حتى ابتاعه منهما، ثم بناه مسجداً. وكان أسعد بنى المربد مسجداً قبل أن يقدم النبي r.

كان أول عمل قام به الرسول r، هو أن اختار موقع المسجد. وأول بناء عمله الرسول r والمهاجرون والأنصار معه، هو بناء مسجد قباء في طريق الرسول r إلى يثرب، قبل مسجده.

2. تجهيز الموقع

كانت الأرض غير مستوية وفيها نخل وخرائب وقبور وبعض المياه، فبدأ الرسول r وأصحابه بقطع النخيل، واستفاد منه في البناء، كما أمر بتسوية الخرائب وتصفية الماء حتى تنشيف الأرض وتنظيفها، ثم أمر بالقبور فنبشت وكانت قبور مشركين، ثم أمر بتسوية الأرض حتى أصبحت صالحة للبناء.

3. أساس المسجد

وقد أرسى حيطان المسجد بالحجارة، ثم بنى الجدران باللبن، وجعل عرض الحائط لبنة. وقد طلب المسلمون من الرسول r أن يُظلَّ المسجد مخافة الشمس، فوافقهم على ذلك، فأقام السواري (الأعمدة) من جذوع النخل، ثم طرحت عليها العوارض الخشبية، ثم وضعت على السقف خصف الجريد والإذخر، وجعل وسطه رحبة خالية. وقد أصابت المسلمين الأمطار، فجعل السقف يوكف المطر على المصلين، فاشتكوا إلى الرسول من ذلك، وطلبوا من الرسول r (تطيين) السقف لحجز المطر عن المصلين، فقال r:]نعم ابنوا لي عريشاً كعريش موسى ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى u، والأمر أعجل من ذلك[ قيل فما ظلة موسى u قال: ]كان إذا قام أصاب رأسه السقف[، فقام الرسول r وأصحابه (بتطيين) السقف، وعمل الرسول r معهم، وجعل رسول الله r قبلته ناحية بيت المقدس في هذا البناء الأول، الذي بني قبل تحويل القبلة.

وقد جعل الرسول r للمسجد ثلاثة أبواب أحدها باب أبى بكر t، وهو في الحائط الجنوبي جهة القبلة اليوم، وذلك لأن القبلة كانت ناحية بيت المقدس، وباب عاتكة ويقال باب الرحمة، والباب الذي كان يدخل منه الرسول r في الجهة الشرقية. وعندما غيرت القبلة، سد النبي r الباب الجنوبي. وقد كان ارتفاع السقف في هذه العمارة خمسة أذرع (2.25 م).

وروى ابن عائذ أن النبي r صلى فيه، وهو عريش، اثني عشر يوماً ثم سقف. وروى محمد بن الحسن المخزومي، ويحيى بن الحسن عن شهر بن حوشب قال: لما أراد رسول الله  rأن يبني المسجد، قال: ]ابنوا لي عريشاً كعريش موسى u ثمامات وخشبات وظلة كظلة موسى u والأمر أعجل من ذلك[. قيل: وما ظلة موسى u؟ قال: ]كان إذا قام أصاب رأسه السقف[.

وروى يحيى بن الحسن من طريق عبد العزيز بن عمر، عن يزيد بن السائب، عن خارجة بن زيد بن ثابت  ، قال: "بنى رسول الله r، مسجده سبعين في ستين ذراعاً أو يزيد، ولبّن لبنه من بقيع الخبخبة وجعله جداراً، وجعل سواريه خشباً شقة شقة، وجعل وسطه رحبة، وبنى بيتين لزوجتيه".

عن مالك بن أنس t عن زيد بن أسلم عن ابن عمر، أن رسول الله r أقام رهطاً على زوايا المسجد ليعدل القبلة، فأتاه جبريل u، فقال: "يا رسول الله r ضع القبلة وأنت تنظر إلى الكعبة"، ثم قال بيده هكذا، فانماط كل جبل بينه وبينها فوضع تربيع المسجد، وهو ينظر إلى الكعبة لا يحول دون نظره شيء. فلما فرغ قال جبريل بيده، فأعاد الجبال والشجر والأشياء على حالها وصارت قبلته إلى الميزاب، فقال رسول الله r ]ما وضعت قبلة مسجدي هذا حتى رفعت لي الكعبة فوضعتها أمامها[.

وكان للمسجد بعد تغيير القبلة، ثلاثة أبواب: باب المؤخرة، وباب الرحمة، والباب الذي يدخل منه الرسول الكريم r. وقد زاده الرسول r في السنة السابعة من الهجرة 10 أذرع في الشرق و20 في الغرب، وزيدت أعمدة النخل واحداً في الشرق واثنين في الغرب. كما توجد الحجرة النبوية الشريفة التي تضم جسد رسول الله r وجسدي صاحبيه الراشدين الصديق، والفاروق رضي الله عنهما والروضة المطهرة ومحراب صلاة التهجد ومقر أصحاب الصفة في عهد النبي r في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد.

وقد ازدادت أهمية المدينة المنورة بعد أن أمر r وأصحابه بالهجرة إليها، حيث شع منها نور الإسلام، حتى أصبحت العاصمة السياسية لدولة الإسلام. وفي عهد الرسول r والخلفاء الراشدين أصبحت أهم مدينة في المنطقة كلها، وعاصمة لدولة مترامية الأطراف. والمدينة المنورة هي المدينة الثانية بعد مكة المكرمة العاصمة الدينية للعالم الإسلامي، بما فيها من مجاورين للحرم النبوي وأئمة وحفظة لكتاب الله وسنة رسوله r. وقد أدى ذلك في النهاية إلى أن تصبح عاصمة للجزيرة العربية كلها سياسياً ودينياً وثقافياً واقتصادياً ولكن ذلك لم يدم طويلاً، فقد انتقلت العاصمة مع احتدام الصراع السياسي إلى الكوفة ثم إلى دمشق وبغداد.

ثانياً: أول مسجد في الإسلام

والمِسْجِدْ بكسر الميم الحصير الصغير، قالها ابن منظور في لسان العرب. وأما عرْفاً فكل موضع من الأرض لقوله r: ]‏جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 560). ولما كان السجود أشرف أفعال الصلاة لقرب العبد من ربه، اشتق اسم المكان منه، فقيل مسجد، ولم يقولوا مركع. ثم إن العرف خصص المسجد بالمكان المهيأ للصلوات الخمس، حتى يخرج المسلمون إلى المُصَلىّ ذلك المجتمع الذي تتم فيه صلاة الأعياد ونحوها، فلا يعطى حُكْمه، وكذلك الربط والمدارس فإنها هُيئت لغير ذلك.

المسجد الأول الذي بني في دار الهجرة (المدينة المنورة)، عندما وصلها الرسول الكريم r، هو مسجد قباء جنوب غرب المدينة، وهو ثابت في أوليته بنص قرآني ]لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِين[ (سورة التوبة: الآية 108) وهو في قلب قرية قباء وأصبح الآن داخل المدينة المنورة، بعد توسعتها إثر توسعة المسجد النبوي الشريف. وقد مرت عليه مجموعة من التوسعات ووصلت مساحته الإجمالية الآن إلى 4500 م2 تقريباً، ويتسع إلى ثمانية آلاف مصلِ.

وقد كان أصل مسجد قباء مربداً لكلثوم بن الهدم، وقد أسسه الرسول  لبني عمرو بن عوف ويرجح أن يكون المسقط الأصلي عبارة عن قطعة أرض مربعة، أحيطت بسور من الحجر أخذ من الحرة المجاورة. ومن المؤكد أنه لم يكن به أروقة مغطاة عند الإنشاء، حيث إن الفترة، التي قضاها الرسول r، كانت قصيرة (أربعة أيام) ولا تسمح بعمل سقيفة، إلا أن السمهودي نقلاً عن ابن زبالة، أشار إلى أن المسجد كان، به على زمن الرسول r أي بعد ذلك، صفة من سبعة أساطين (يرجح أن تكون رواقاً واحداً)، وقد زيد في المسجد على زمن عثمان بن عفان t.

وهدم المسجد وأقامه بعد توسعته، عمر بن عبد العزيز، عندما كان والياً على المدينة المنورة في عهد الوليد بن عبدالملك. وقد توالت على المسجد ترميمات وإصلاحات، وإعادة بناء كان آخرها في عام 1400هـ في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز رحمه الله تعالى عندما رمم كامل المسجد.

ثالثاً: المسجد النبوي

1. مكونات المسجد النبوي

من المؤكد، أن تصميم المسجد النبوي على عهد الرسول r، قد وضع اللبنة الأولى في تصميم المساجد الإسلامية ألا وهو فراغ مفتوح محدد، ثم أضيفت له ظلة فوق صفوف أعمدة، عبارة عن سقف باتجاه القبلة (ظلة شمالية باتجاه بيت المقدس وظلة جنوبية باتجاه الكعبة)، مع صحن كبير عبارة عن فضاء، إما من جهتيه، أو على الأقل جهة واحدة، لاتجاه القبلة. نشاهد هذا المسقط في المسجد الأول في البصرة (14هـ ـ 635م)، والكوفة (17هـ ـ 638م)، وعمرو بن العاص في الفسطاط 21هـ (642م)، والقيروان 50هـ (671م). ولم يتحول مسقط المسجد النبوي إلى صحن محاط بأروقة إلا عند إعادة بنائه في عهد الوليد بن عبدالملك، على يد عمر بن عبدالعزيز t 88 ـ 91هـ (704 ـ 707م). وفي هذه الفترة ظهر أول محراب مجوف في عمارة المساجد، فقد كانت في السابق محاريب مسطحة. وتسمى اصطلاحاً العنزة كما نراها الآن في مسجد القرويين بفاس. وقد بنى الرسول r تسع حجرات لأزواجه المطهرات شرق المسجد.

لم يكن المسجد النبوي، في عهد الرسول r في فجر الإسلام، كما نراه الآن. بدأ بسيطاً ثم توسع عبر القرون، ملبياً حاجة المصلين، بعد أن أقره ولاة الأمر والعلماء من المسلمين. كما أن المظهر (المحسوس) للمسجد نتج عن تمازج الثقافات وتطور تقنية المباني وخاماتها، عبر العالم الإسلامي. ونتيجة لهذه التطورات المتتالية، أصبحت هناك مكونات أساسية للمسجد نلخصها فيما يلي:

أ. الظلة

جعل النبي r، لمسجده في المدينة المنورة، ظلتين: ظلة القبلة (الجنوب) وظلة الشام (الشمال) وجعل بين هاتين الظلتين رحبة تفصل بينهما، وهذه الرحبة هي التي تحولت في المسجد إلى ما يعرف باسم الصحن أو الحصوة. وظلة المسجد، وهي القسم المسقوف من المسجد، وتقع ناحية القبلة. وقد وجدت الظلة مع مسجد الرسول r في المدينة: ظلة الشام عندما كانت قبلة المسلمين بيت المقدس، وظلة الجنوب، عندما تحولت القبلة إلى الكعبة المشرفة، وتسمى ظلة القبلة، وتحوى الروضة الشريفة. وفي ظلة مسجد رسول الله r، عناصر وضعها بنفسه r أهمها: جدار القبلة، والمنبر، والصفة والسواري، وقد أضاف خلفاء المسلمين عناصر ملحقة بالظلة، مثل المحراب، والمقاصير، والأساطين (الأعمدة) تعلو سقفها سقوف جذوع النخل والطين أو القباب أو الخرسانة المسلحة.

ب. الروضة النبوية المطهرة

في الصحيحين حديث عبد الله بن زيد المازني t "ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة" زاد البخاري من حديث أبى هريرة t "ومنبري على حوضي". وهي بقدر ما بين المنبر والبيت الذي فيه القبر الآن.

ج. الحصوة

صحن المسجد. والصحن لغة هو ساحة الدار، وللمسجد رحبته وهو القسم غير المسقوف فيه، ويعتبر امتداداً لمكان الصلاة، ويستوعب المصلين، الذين ضاق بهم مكان الصلاة. والحصوة قديمة عهد بالمسجد النبوي، إذ هي المنطقة الفاصلة بين الظلتين (الظلة الشمالية والظلة الجنوبية). إذ اهتم، r، وأصحابه بالمسجد وعزل المصلين عن الجلبة الخارجية، التي قد تصرف الناس عن التفرغ للعبادة والإصغاء إلى ما يتلى من كتاب الله أو الخطب فلم يكن في المسجد النبوي أو أي من المساجد الأولى في الإسلام نوافذ أو شرفات.

2. العناصر الملحقة بالمسجد النبوي

المحراب: ويعتبر من أهم عناصر المسجد، وهو الحنية المجوفة في جدار المسجد جهة القبلة، والقبلة هي الاتجاه نحو الكعبة، وليس ضرورياً أن يكون المحراب حنية، وإنما يكفي تعيين موضعه في جدار صدر المسجد. وفي بعض المساجد الأولى وضعت علامة تشير إلى المكان، الذي يقف فيه الإمام. والراجح أن المسجد في عهد الرسول r لم يكن به محراب.

أ. جدار القبلة

يعتبر تحديد جدار القبلة في المسجد النبوي الشريف معجزة نبوية، تتراءى للمرء على مر الزمان، إذ إن المسافة البعيدة بين الكعبة المشرفة وموقع مسجد رسول الله r تزيد عن450 كم، وتم تحديد القبلة دون الرجوع إلى أي آلة مساحة، حيث زوى جبريل u الأرض، ورأى رسول الله r الكعبة نصب عينيه، وحدد جدار القبلة بنفسه.

ب. المنبر

هو مرتفع مواجه للمصلين، يرتقيه الخطيب. ويخبرنا رواة الحديث أن الرسول r كان يقف أول الأمر، ويستند إلى جذع نخلة في المسجد، عندما يلقي خطبته، فاقترحت عليه إحدى الصحابيات أن يصنع له ابنها النجار منبراً من الخشب فاستجاب r لهذا الطلب، بأن صنع له منبراً من ثلاث درجات مرتفعة كي يراه الناس، وعندما اعتلى r المنبر الجديد ذا المراقي، حن الجذع ولم يسكت عن الحنين، حتى وضع عليه يده الشريفة فسكت.

ج. الصفة

وهي مكان مرتفع اتخذه صحابة رسول الله r شمال الروضة الشريفة؛ للعبادة وتلقي أخبار الوحي وتبليغه لمختلف أحياء المدينة المنورة؛ لأن المصطفى r كان يخبر من في المسجد حال نزول الوحي عليه. وقد امتدح الله أهل الصفة بقوله ]وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا[ (سورة الكهف: الآية 28)

د. المقصورة

هي حجرة بُنيت في صدر المسجد على يمين القبلة أو يسارها، وهدفها حماية إمام المسلمين من الأخطار. ولم تكن معروفة في أوائل عهد المسلمين. ويرى بعض المؤرخين أن أول من اتخذ المقصورة لصلاته هو الخليفة عثمان بن عفان في مسجد الرسول r. ولا تحتوى الكثير من المساجد على هذه المقصورة.

هـ. المكبرية

وهي السُدة أو المسمعة، وهي السقيفة، التي تبنى في حائط المسجد، قبالة المحراب والمنبر، وتكون عادة من الخشب، وترفع فوق أرض المسجد على أعمدة عالية ثابتة. والغرض منها على هذا النحو، هو تمكين المؤذن من متابعة الركوع والسجود والقيام، فيرفع صوته بالتكبير والتحميد بعد الإمام؛ كي يُسمع المأمومين البعيدين تكبيرته. وقد عرفت المكبرية في مسجد الرسول r منذ توسعة الوليد بن عبد الملك. ولم يعرف أن أحداً بنى مكبرية نقالة على نحو ما عهد عن بعض المنابر والمحاريب.

و. المئذنة

أو المنارة، وهي البناء المرتفع الذي يرتقيه المؤذن ليبلغ ويرفع الأذان للصلوات الخمس. ولم تكن المئذنة المرتفعة معروفة في عهد النبي r، ولا في زمن الخلفاء الراشدين. إلا أن أساسها، وهو الآذان من مكان مرتفع، كان معمولاً به أيام الرسول r وترجح روايات المؤرخين أن الخليفة، معاوية t، هو أول من أشار ببناء المآذن. وأصبحت المئذنة جزءاً متمماً للمسجد، ارتقت عمارتها بشكل سريع، وأصبحت لها أشكال هندسية متنوعة مع تجميلها وتزيينها بالزخارف والنقوش والتفنن في بنائها، وأصبحت في الوقت الحاضر أداة لحمل مكبرات الصوت، إضافة إلى أنها عنصر دلالة للمسجد.

ز. الميضأة

وهي المكان المخصص للوضوء، حيث إن الصلاة لا تجوز من غير وضوء، ولهذا كانت الميضأة ووجود مرافق صحية، ضرورة في كل مسجد.

وقد كانت الميضأة في المساجد القديمة، غالباً، في أحد جوانب الصحن، بعيداً عن مكان الصلاة.وتأتي على شكل حوض كبير يتحلق الناس حوله ويتوضؤون بمياهه المنقولة من الآبار أو المتدفقة من الزلاقات، وهذا طبعاً قبل أن تتطور أمور التغذية بالمياه والصرف الصحي لها. كما تفنن المسلمون في تصميم الأدوات الصحية، التي توفر شروط الطهارة البدنية من الأوساخ والقاذروات إلى وقتنا الحاضر.

ح. الجدران وأساليب الإنشاء

بنى r جدران المسجد من اللبن المجفف، وقد بنيت الجدران، في المرة الأولى، من لبنة ونصف، وفي المرة الثانية من لبنتيـن.

ط. تنظيف الموقع

منذ أن وقع اختياره r على الموقع، أمر الصحابة بتنظيفه من الأوساخ والحشائش والقبور والمياه الراكدة، ثم بعد ذلك حفر الأساس وأسس بالحجارة.

ي. السواري

وتسمى الأساطين أو الأعمدة، وتبنى من جذوع النخل أو الأشجار أو الطين أو الحجر أو الحديد أو الخرسانة المسلحة. وقد بنى r سواري مسجده من جذوع النخل، ثم أدخل عليها الخليفة الراشد عمر، t، تعديلاً فبناها بالحجر. وقد ذكر أن الخليفة عمر بن عبد العزيز t، كان والياً على المدينة بناها من الحديد، وكان عبد الملك بن مروان قد جعل على رؤوس الأساطين صفائح الذهب، وآزر داخل المسجد بالرخام وزينه بالفسيفساء.

ك. الأسقف

بنى الرسول r سقف مسجده من الطين المحمل على عروق من جذوع النخل، ثم أدخل الخليفة الراشد عثمان بن عفان t، الساج بدل عروق النخل لتحمل السقف الطيني. وبعد ذلك استخدمت طبقتان من التسقيف: إحداهما تجميلية، والأخرى وظيفية، في عهد الخليفة العباسي المهدي. وبعد ذلك أدخل السلاطين العثمانيون القبة، عند بناء المسجد النبوي.

وبناؤها محدب على شكل نصف كرة، وقد تتخذ القبة الشكل البيضاوي أو المخروطي أو الحلزوني أو البصلي.

وقد حلت أعمدة وأسقف الخرسانة المسلحة محل أساطين الحجر والقبب، في تسقيف التوسعات السعودية الحالية للمسجد النبوي الشريف.

رابعاً: التوسعات التاريخية

1. التوسعة الأولى: سُنّة التوسعة

أما البناء الآخر للمسجد النبوي في عهد الرسول r، فكان في السنة السابعة من الهجرة. وروى الطبراني عن أبي المليح أنه قال: "قال رسول الله r لصاحب البقعة، التي زيدت في مسجد المدينة، وكان من الأنصار ]لك بها بيت في الجنة[. قال: فجاء عثمان t، فقال له: لك بها عشرة آلاف درهم، فاشتراها منه، ثم جاء عثمان t إلى النبي r فقال: يا رسول الله r اشتر مني البقعة، التي اشتريتها من الأنصاري، فاشتراها منه ببيت في الجنة. فقال عثمان t: إني اشتريتها بعشرة آلاف درهم، فوضع رسول الله r لبنة، ثم دعا أبا بكر t فوضع لبنة، ثم دعا عمر t فوضع لبنة، ثم دعا عثمان t فوضع لبنة، ثم قال للناس ]ضعوا[ فوضعوا.

كذلك ثبت عمل ثمامة بن أثال t مع الرسول r في البناء، وكان إسلامه متأخراً. وكذلك عمل أبو هريرة t معهم في بناء المسجد النبوي. وورد ذلك في أحاديث كثيرة، وهذا يدل على أن هذا البناء الذي شهده أبو هريرة وقع متأخراً لأن أبا هريرة t لم يسلم بعد الهجرة مباشرة، وإنما اسلم متأخراً عنها. والأرجح أن إسلام أبي هريرة t، كان في السنة السابعة عام فتح خيبر. وفي هذا البناء الثاني زاد الرسول r من مساحة المسجد، فأصبح 100 ذراع في 100 ذراع أي (45م× 45م)، وجعل أساسه من الحجارة وحيطانه من اللبن، وزاد في عرض الحائط حتى أصبح لبنتين مختلفتين، وزاد في ارتفاع السقف، فأصبح سبعة أذرع أي (3.15 م). وقد عمل الرسول r مع أصحابه في جمع اللبن، وكان قد وجه القبلة بنفسه على الاتجاه الصحيح نحو الكعبة. وكان الرسول r يحمل اللبن في هذا البناء أيضاً حتى ظن بعض الصحابة أنه تعب فأراد أن يحمله عنه، فقال الرسول r: خذ غيره وكان الرسول r يرتجز مع الصحابة في البيت الذي يقول:

لا عيش إلا عيش الآخرة                             فارحم الأنصار والمهاجرة

وكان هذا الرجز مما يسلي العاملين في البناء من المهاجرين والأنصار وكان بعضهم يرتجز بالبيت القائل:

لئن قعدنا والنبي يعمل                                لذاك منا العمل المضلل

وآخرون منهم يرددون:

لا يستوي من يعمر المساجدا                         يدأب فيها قائماً وقاعداً

                             ومن يُرى عن الغبار حائداً

وقد كان، من أكثر الصحابة حماسة وعملاً في بناء المسجد، عمار بن ياسر t، وقد دعا له رسول الله r بخير، وهو يعمل عمل رجلين، حيث إنه يحمل لبنتين لبنتين، بينما غيره يحمل لبنة لبنة، وإضافة إلى نشاط عمار في بناء المسجد، فإن الصحابة كلهم اشتركوا في العمل، كل حسب جهده، وعلى رأسهم أبو بكر وعمر، رضي الله عنهما. وكان هذا التطور في بناء المسجد تبعاً لكثرة الداخلين في الإسلام، ولزيادة عدد المصلين منهم مع رسول الله r، وللنشاط الإسلامي العام بعد فتح الرسول r خيبر. وقد كان، لرسول الله r، توجيهات في أثناء عملية البناء، استفاد منها الصحابة رضي الله عنهم، كما أخذ الفقهاء بعض الأحكام الفقهية مثل تقديم من يجيد العمل على من لا يجيده، بصرف النظر عن تقوى كل منهما. فقد وفد رجل من بني حنيفة إلى النبي  وكان الرجل ممن يحسنون خلط الطين وعمل مع الصحابة في المسجد، فأخذ الحنفي المسحاة وأخذ يعالج الطين ويخلطه والرسول r ينظر إليه ويقول: إن هذا الحنفي لصاحب طين. وروى الإمام أحمد ويحيى بن الحسن عن طلق بن علي t، قال: أتيت رسول الله r وهو يبني المسجد، والمسلمون يعملون فيه معه، وكنت صاحب علاج وخلط طين، فأخذت المسحاة أخلط الطين والنبي r ينظر إليَّ ويقول ]إن هذا الحنفي لصاحب طين[. وكان يقول r ]قربوا اليمامي من الطين، فإنه أحسنكم له مسكاً وأشدكم منكباً[. وقد كان المسجد بسيطاً وتم فرشه بالرمل والحصباء.

أ. أدوات البناء

ومما لا شك فيه، أن العرب في الحجاز قد عرفوا أدوات البناء، بمختلف أنواعها، فعرفوا المسحاة والمكتل، كما عرفوا الصافور، وهي الفأس العظيمة، التي لها رأس واحد دقيق تكسر بها الحجارة، والمعول وهو الفأس العظيمة من حديد، والتي ينقر بها الصخر، كما عرفوا العتلة وهي آلة من حديد كأنها عصا ورأسها رأس فأس، ولا تزال تعرف وتسمى بالاسم نفسه حتى اليوم، كما عرفوا اللبن، وهو خليط الطين المربع على قوالب والمجفف بالشمس حتى يمكن حمله ووضعه بسهولة، و(الملبن) هو القالب الذي يشكل به اللبن، كما كانوا يجيدون خلط الطين. وقد كانت أدوات البناء متوافرة بكميات كافية للعديد من عمال البناء. ويدل على ذلك ظهور هذه الأدوات حينما أراد الرسول r حفر الخندق، حيث إن هذه الأدوات لكثرتها مكنت المسلمين من إنجاز العمل في ستة أيام فقط.

وبزيادته r لمسجده، يكون قد سن لمن بعده الزيادة في المسجد إذا احتيج إلى ذلك. وظل المسجد النبوي في عهد رسول الله r غير مفروش، فاستحسن رسول الله r فْرشه بالحصباء. وكان يُضاء في الليل بإيقاد سعف النخل فيه، وظل على ذلك تسع سنين تقريباً، حتى قدم تميم الداري إلى المدينة المنورة في سنة تسع من الهجرة، وكان قد أحضر معه قناديل وحبالاً وزيتاً فعلق تلك القناديل بسواري المسجد، وأوقدها فأضاءت المسجد، فقال رسول الله r ]نورت مسجدنا نور الله عليك[.

وكان للمسجد جهة القبلة (بيت المقدس ـ الحائط الشمالي) ثلاثة أروقة، بكل رواق ستة أعمدة (أسطوانات)، وكان بمؤخر المسجد (بالجهة الجنوبية) صفة (ظلة) يأوي إليها المهاجرون، الذين لا دار لهم ولا مأوى. وكان المصطفى r يأنس بهم ويناديهم إلى طعامه وشرابه فكانوا معدودين في عياله وكان بعض الصحابة رضوان الله عليهم يأخذ الواحدَ منهم والاثنين والثلاثة فيطعمهم في بيته، كما كانت تعلق لهم أقناء الرطب بين سارتين في المسجد فيأكلون حتى يشبعوا، ويأتي غيرهم وهكذا. وقد ذكر أسماءهم أبو نعيم في الحلية، فزادوا عن المائة. ومن أشهر أهل الصفة أبو هريرة  عبدالرحمن بن صخر t فقد صور لنا معاناة أهل الصفة من الجوع وقلة الملابس وتكثير الطعام بين يدي رسول الله r، مما يحسن الرجوع إليه في المصادر التاريخية.

وكان ارتفاع سقف المسجد يبلغ ارتفاع قامة الإنسان أي حوالي ثلاثة أذرع ونصف الذراع (حوالي 1.75 متراً). وعمل باب في مؤخرة المسجد، وباب في الحائط الغربي، عرف بباب عاتكة، ثم عرف بعد ذلك وحتى الآن، بباب الرحمة، وآخر بالحائط الشرقي، عرف بباب عثمان، ثم عرف بعد ذلك بباب جبريل. وبلغ ارتفاع سور المسجد 5 ـ 7 أذرع (2.5 ـ 3.5 م). وقد أفاد بعض المؤرخين بأن حائط القبلة، قبل التحول إلى الكعبة، أُقيم من جذوع النخل مصفوفة.

حجرات زوجات النبي r: كان كل بيت عبارة عن مربع يبلغ طول ضلعه 8 - 9 أذرع (400 - 450 م) سقفه يمكن ملامسته من الداخل ـ لعله كان بارتفاع أروقة المسجد وبه من الداخل حجرة طول ضلعها 6 - 7 أذرع (3.00 ـ 3.5 متر) صنعت حوائطها من أكسية من الشعر مربوطة في خشب عرعر (السرو) أي أن كل بيت له صالة مدخل صغيرة، قبل الحجرة. وكانت أبواب البيوت بحائطها الغربي شارعة في المسجد، وبعد تحول القبلة من القدس إلى الكعبة في مكة يوم الثلاثاء 15 شعبان 2هـ الموافق 11 يناير 624م، أُغلق الباب في الحائط الجنوبي، وحل محله باب في الحائط الشمالي وعملت ثلاثة أروقة جهة الجنوب على غرار تلك التي بالجهة الشمالية، واحتفظ بباب عثمان وباب عاتكة، واستمر المسجد على وضعه هذا مع زيادة في عدد الحجرات، حيث أفادت المصادر أن الرسول r كان كلما تزوج أقام بناء بيت، وقد أقام الرسول r بيوتاً آخرها إلى الباب الذي يلي باب عثمان t (باب جبريل u) أي إلى باب النساء، وهو باب أحدثه عمر بن الخطاب t. ومن المؤكد أن كل الحجرات كانت على الجانب الشرقي خارج المسجد بأبواب شارعة في المسجد. وهذا كان السبب في أن الزيادات التي حدثت في المسجد كانت كلها جهة الغرب والشمال والجنوب. وعندما توسع المسجد جهة الشرق، في عهد الوليد بن عبد الملك، على يد واليه على المدينة، عمر بن عبد العزيز، هدمت البيوت.

وكان أربعة من هذه البيوت باللبن وسقف من جذوع النخيل وغطاء من الجريد والسعف، عليه لياسة من الطين، والبيوت الخمسة الباقية من جريد مطينة. والباب عرضه يزيد عن ذراع (حوالي 0.60 – 0.70 من المتر)، وارتفاعه ثلاثة أذرع (حوالي 1.50 م) عليها مسوح من شعر اسود ويتفق عدد الغرف مع عدد أمهات المسلمين، حيث إن الرسول r كان له اثنتا عشرة زوجة ـ بعد وفاة السيدة خديجة ـ توفي منهن ثلاث خلال حياته.

ولم يشتمل المسجد النبوي على مئذنة ولا محراب مجوف، فقد كان بلال يصعد إلى سطح منزل لأسرة من بني النجار؛ لكونه أعلى منزل حول المسجد وإن كان هناك قول آخر بأن بلالاً كان يصعد إلى دعامة مربعة في دار عبد الله بن عمر في جنوب المسجد ويرفع الآذان من فوقها.

وقد أفادت المصادر المختلفة بعمل منبر للرسول r من خشب الأثل (Tamarisk)، يتكون من درجتين ومقعد، وذلك عندما شق القيام عليه ويرجح أن يكون ذلك في عام ـ 9 هـ /630م وكان عرض المنبر ذراعاً (حوالي 0.50 م)، وطوله ذراعان (حوالي 1 م) وارتفاعه ذراعان (حوالي 1 متر). وقد اختلف حول اسم الصانع فبعض المصادر ترجع الفكرة إلى تميم الداري، وآخرون يرون أن الصانع هو غلام العباس بن عبد المطلب.

ب. مآذن المسجد النبوي الشريف

وكان المصطفى r قد أهمه أمر الأذان، فذكر بعض المسلمين أشياء يجمعون بها الناس للصلاة، فقال بعضهم البوق، وقال بعضهم الناقوس، فبينما هم على ذلك أتى إلى رسول الله r عبدالله بن زيد الخزرجيt ، فقال له إنه طاف بي هذه الليلة طائف، مر بي رجل عليه ثوبان أخضران يحمل ناقوساً في يده، فقلت له: أتبيع هذا الناقوس؟ قال: وما تصنع به ؟ قال: قلت ندعو به إلى الصلاة قال: أفلا أدلك على خير من ذلك ؟ قال: قلت: وما هو ؟ قال تقول: الله أكبر الله أكبر إلى آخر الأذان، فلما أخبر رسول الله r قال إنها رؤيا حق إن شاء الله، فقم مع بلال فألقها عليه فليؤذن بها، فإنه أندى منك صوتاً. فلما أذن بها بلال سمعها عمر بن الخطاب t، وهو في بيته فخرج إلى رسول الله r يجر رداءه وهو يقول: يا نبي الله، والذي بعثك بالحق لقد رأيت مثل الذي رأى. فقال النبي r ]فالحمد لله فذلك أثبت[. ولم يكن للمسجد النبوي الشريف في عهد المصطفى r، ولا في عهد خلفائه الراشدين، مآذن (منائر) يرقى المؤذن فيؤذن عليها. وكان بلال بن رباح t يؤذن للفجر من فوق بيت امرأة من بني النجار.

وذكر أهل السير أن بلالاً كان يؤذن على اسطوانة بدار عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، يرقى إليها على سبعة أقتاب (أي درج)، بجوار المسجد النبوي الشريف.

مما سبق يتبين أن الحاجة إلى رفع الأذان من مكان عال دفعت المسلمين في المدينة المنورة إلى الانتقال بموضع الأذان من مستوى سطح المسجد إلى سطح أعلى المنازل المجاورة، ثم إلى سطح المسجد النبوي الشريف فيما بعد مع بناء شيء يزيد من ارتفاعه، ثم إلى اتخاذ المآذن على مختلف ارتفاعاتها.

ج. المنابر في المسجد النبوي الشريف

قال النبي r ] ‏مَا بَيْنَ بَيْتِي وَمِنْبَرِي رَوْضَةٌ مِنْ رِيَاضِ الْجَنَّةِ وَمِنْبَرِي عَلَى حَوْضِي[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 10580). ويعتبر المنبر تطوراً واضحاً من المنبر، الذي اتخذه الرسول r في مسجده بالمدينة المنورة، فقد كثر المسلمون واتسع المسجد وأقبلت الوفود تترى متسابقة إلى رسول الله r؛ لتسمع منه فتدخل في الإسلام. وكان المصطفى r يستند إلى جذع نخلة في أثناء خطبته إذا طال به الوقت.

وعن ابن عباس t: أن رسول الله r كان يخطب إلى جذع، فأتاه رجل رومي فقال: اصنع لي منبراً أخطب عليه. فلما قام يخطب حن الجذع حنين الناقة إلى ولدها، فنزل إليه رسول الله r فضمه إليه فسكت، فأمر به أن يدفن ويحفر له.

قال ابن النجار: طول منبر النبي r أي ارتفاعه ذراعان وشبر وثلاثة أصابع، وعرضه ذراع راجح، وطول صدره، أي ارتفاع مسنده وهو مستند النبي r ذراع، وطول رمانتيه، اللتين كان يمسكهما بيديه الكريمتين إذا جلس شبر وإصبعان. وكان عثمان t أول من كسا المنبر قبطية.

خلال السنوات العشر الأولى من الهجرة النبوية المباركة، دانت المدينة لأمر الرسول r، فكان r الحاكم والقائد والمرشد لتعاليم الدين الحنيف، وكان مسجده الشريف المركز الإداري والديني والتعليمي، فعلا بذلك شأنها، وارتفعت مكانتها بين قبائل المنطقة، وأصبحت العاصمة الأولى للدولة الإسلامية. وقد استمر ازدهار المدينة المنورة تحت إمرة الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعلي بن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. وقد ازدادت رقعتها وكثر سكانها، وجاءتها غنائم الفتوحات الإسلامية من جميع الأرجاء. وعلى الرغم من انتقال مركز الخلافة الإسلامية، منها في السنة السادسة والثلاثين من الهجرة النبوية، خلال خلافة الراشد علي بن أبي طالب t، فقد احتفظت المدينة المنورة بمكانتها الدينية، وحظيت باهتمام خلفاء الدولة الإسلامية وحكامها، وكذلك كل المسلمين في جميع أنحاء المعمورة. وانعكس ذلك في اهتمامهم بعمارة المسجد النبوي الشريف، الذي هو أحد المساجد الثلاثة، التي لا تشد الرحال إلا إليها، وإلى الاهتمام برعاية شؤونها العمرانية والاجتماعية. وحتى نهاية القرن الهجري الأول، كانت حدود المدينة هي البقيع شرقاً ومسجد الغمامة غرباً.

فمنذ أن وضع الرسول r أول مخطط لأول مسجد في الإسلام تركز النمو العمراني حوله، وأصبح مركز المدينة الحضري، ومنه انطلقت الدعوة إلى دين الله، والتمسك بعروته الوثقى، وذلك عندما التف فيه الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين حول المصطفى r. انتقل هذا المخطط إلى كل أصقاع الجزيرة العربية، وظل محافظاً على شكله من دون أي تغيير جوهري، فقد كان مخططاً بسيطاً وحيداً يتوسط أحياء المدينة ويقرب شتاتها، وهذا هو المعيار التخطيطي الأساسي للمسجد. أما التكوين المعماري للمسجد فهو مكونٌ من ثلاثة أروقة، يستظل بها المصلون والمتعبدون، وفناء كبير. والمسجد ذو مداخل عدة ولا توجد به مئذنة أو محراب (اُنظر شكل تصور لمسجد الرسول r). هذه مواصفات يمكن استنباط الكثير من معايير التصميم منها. إذ إن الرسول r، قد وضع ثوابت في تصميم المسجد، لا يمكن المساس بها، من أهمها اتجاه القبلة لصفوف المسجد، واستطالة شكله، ومنبر يعلو عليه الخطيب. أما المتغيرات، التي لا تنطوي على محرم شرعي، فقد أباحها علماء المسلمين. ولم يبتعد هذا المخطط الأصلي عن ملامحه العمرانية والمعمارية، بشكل ملحوظ، إلا في بلاد الشام وما بين النهرين ووادي النيل، حيث أتاح تفاعل الحضارات المتنوعة مزيداً من التطوير والإضافات، فاختيار موقع المسجد (بيت الله) وحوله البيوت، يشكل ضمناً النواة للعمارة الإسلامية؛ لأن المسجد هو مكان تجمع المسلمين وتعاونهم على البر والتقوى. بينما بقي المسجد في شبه الجزيرة العربية أقرب ما يكون في تصميمه لشكل المسجد الإسلامي الأصيل، أي لمخطط المسجد النبوي الأصلي. فالمسجد التقليدي في بلدان شبه الجزيرة لا يزال مكوناً من فناء كبير مكشوف، وأروقة مفتوحة، ومئذنة، ومحراب. ومع ذلك يمكننا أن نلاحظ أن هذا المسجد، الذي ظل محافظاً على أصالته المعمارية، في بلدان شبه الجزيرة العربية طيلة، أربعة عشر قرناً من الزمان، بدأ في الحقبة الأخيرة يقع تحت تأثير بعض الأساليب المعمارية الحديثة الوافدة، التي أخذت تحل بالتدريج محل الخبرة المعمارية، التي توارثها المعماري المحلي، وتناقلها أباً عن جد عبر القرون.

أدى مسجد الرسول r وظائف متعددة، حيث شمل دور المسجد كل أنماط الحياة الدينية والسياسية والعسكرية والاجتماعية والاقتصادية.فقد جمع المسجد النبوي الشريف المركز الإداري والتعليمي والعسكري للدولة الإسلامية. ومنه، كان منطلق الأحداث الحاسمة، التي رافقت جهاد أوائل المسلمين، يقودهم رسول الله r، ومن تلك الأحداث غزواته r، وفتح مكة. ومعظم التطورات، التي وقعت وشارك المسلمون فيها بالرأي والموقف، كانت في رحاب المسجد الشريف. وفيه أيضاً اتُخذت قرارات خطيرة، غيرت مجرى تاريخ العالم كله في ذلك الحين، إذ كان مقراً للحكم والإدارة أيام ثلاثة من الخلفاء الراشدين وملتقى لأهل الرأي والمشورة من كبار الصحابة، رضي الله عنهم.

لقد كانت مداخل مسجد رسول الله r ومنزله نواة النمو العمراني للمدينة المنورة. وكانت المساحة، التي تحيط بموضع بيت النبي r ومسجده، عبارة عن أرض فضاء تُستغل من قبل ضيوف ووفود العرب، التي رغبت في مقابلته، r. ومنذ ذلك الوقت وما تلاه أضحت المداخل المخصصة للمسجد هي شرايين الحركة للمسجد، الذي أصبح هو قلب المدينة. وعلى مدى السنوات العشر، التي قضاها النبي r في المدينة المنورة، نمت المدينة حول مسجده، r، نمواً سكانياً وعمرانياً، لم تشهده يثرب من قبل.

استمر خلفاء الدولة الإسلامية وحكامها بالاهتمام بالمدينة المنورة وشؤونها الإدارية والعمرانية، في صيانة وتوسعة المسجد النبوي الشريف، وبناء المبرات والمؤسسات الخيرية للزوار والمجاورين للمسجد.

ويحتل المسجد النبوي الشريف مكانة خاصة بين المساجد الكبرى في العالم أجمع، وهو المسجد، الذي قال فيه المصطفى r ]لا تُشَدُّ الرِّحَالُ ‏إِلاَّ إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ مَسْجِدِي هَذَا ‏وَمَسْجِدِ الْحَرَامِ ‏وَمَسْجِدِ الأَقْصَى[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 2475). ومن هذا المنطلق الديني تطورت عمارة الحرم المدني، وبات موضع الاهتمام والعناية من قبل الخلفاء والسلاطين والملوك، الذين تعاقبوا على حكم الدولة الإسلامية.

2. التوسعة الثانية

جدد أبو بكر t مسجد رسول الله r، على نفس الهيئة، واستبدل جذوع النخل القديمة جذوعاً جديدة سنه 12هـ. أجمع المؤرخون أن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب t زاد في مسجد رسول الله r في عام سبعة عشر من الهجرة، من الجهات الثلاث: الجنوبية والشمالية والغربية. فأدخل دار العباس بن عبد المطلب  في المسجد، وأبدل بأساطينه، التي من جذوع النخل ومن اللبن، أخرى، وسقفه بالجريد، وجعل له 6 أبواب: بابين عن يمين القبلة وبابين عن شمالها وبابين خلفها. وبلغ ارتفاع الجدران 11 ذراعاً. وقد اشترى عمر t ما حول المسجد من الدُّور، وعوض أهلها من بيت مال المسلمين، وكان سبب التوسعة في عهد عمر بن الخطاب t إلحاح المسلمين عليه بذلك. وكان عمر بن الخطاب t أول من طيب المسجد بالطيب أي: بخَّره.

وقد استعمل عمر t في التوسعة الجديدة، أعمدة من جذوع النخل، والطوب اللبن لبناء الأسوار، وعملت لياسة طينية فوق الأروقة الأربعة، وبلغ ارتفاع سقف المسجد 11 ذراعاً (5.50 م) وسمك السقف (جسور + تغطية) ذراعان (1 م)، وعملت سترة للسطح بارتفاع ثلاثة أذرع (1.50 م). وبنى أساسه بالحجارة، بارتفاع قامة الإنسان (1.75 م).

استدعت توسعة عمر بن الخطاب t للمسجد النبوي الشريف أن يضم الدور، التي كانت قريبة من المسجد ويدخلها فيه، فكان يعرض على أهلها التعويض من بيت مال المسلمين لمن أراد البيع، ومن أراد أن يتصدق بداره على المسجد قبل منه ذلك وشكره على صدقته. فكان ممن تصدق بداره: عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وأبناء أبي بكر الصديق، رضي الله عن الجميع، فقد روى السمهودي في رواية ليحيى عن أبي الزناد: أن عمر بن الخطاب t، لما زاد في المسجد، دعا من كان له إلى جانبه منزل، فقال: اختاروا مني بين ثلاث خصال: إما البيع فأثمن، وإما الهبة فأشكر، وإما الصدقة على مسجد رسول الله r، فأجابه الناس.

وروى السمهودي عن ابن سعد عن سالم أبي النضر، قال: لما كثر المسلمون في عهد عمر t، وضاق بهم المسجد، اشترى عمر t ما حول المسجد من الدور، إلا دار العباس بن عبد المطلب وحجرات أمهات المؤمنين رضي الله عنهن، فقال عمر t للعباس: يا أبا الفضل، إن مسجد المسلمين قد ضاق بهم، وقد ابتعت ما حوله من المنازل نوسع به على المسلمين في مسجدهم. فقال العباس: ما كنت لأفعل، قال: فقال له عمر t: اختر مني إحدى ثلاث إما أن تبيعنيها بما شئت من بيت المال، وإما أن أخطك حيث شئت من المدينة، وأبنيها لك من بيت مال المسلمين وإما أن تصدق بها على المسلمين فتوسع في مسجدهم فقال: لا، ولا واحدة فقال عمر t اجعل بيني وبينك من شئت، فحكما أُبي بن كعب فقضى للعباس. والعباس بن عبد المطلب هو عم رسول الله r وداره كانت عزيزة عليه؛ لأن المصطفى r خطها له بنفسه الشريفة وأقطعه إياها، بعد قدومه المدينة المنورة، فجعل يبني داره وهو يرتجز ويقول:

بنيتها باللبن والحجارة                                   والخشبات فوقها مطارة

                             يا ربنا بارك لأهل الدارة

والمصطفى r يقول]اللهم بارك في هذه الدارة[.

تحري عمر لوضع القبلة

لقد كان الخلفاء الراشدون، رضي الله عنهم، ومن جاء بعدهم من السلف، الذين قاموا بتوسعة وعمارة المسجد النبوي، يحترمون قبلة المسجد النبوي ويرون أنها وضعت بالوحي، فهي مسامتة للبيت الحرام، ولهذا لم يقدم أحد من الخلفاء والسلاطين والملوك على زيادة المسجد من جهة القبلة بعد عمر وعثمان رضي الله عنهما حتى وقتنا الحاضر. فلما أراد عمر t أن يضع مكان القبلة ويؤخرها إلى مكان جدار زيادته استعان بالصحابة رضوان الله عليهم ليشهدوا وضع قبلتهم.

أ. وصف المسجد بعد التوسعة العُمَرية

كانت توسعة عمر بن الخطاب t للمسجد النبوي الشريف مراعية ما عليه المسجد في عمارة الرسول r له، من مواد البناء والشكل الخارجي والداخلي حتى الأبواب والأعمدة وغيرها فقد أمر عمر t، عند بناء المسجد، باجتناب الزخرفة وإضافة الألوان الملفتة للنظر، فقال عند بناء المسجد "أكنَّ الناس من المطر، وإياك أن تحمر أو تصفر فتفتن الناس".

كما تم تحصيب أرضية المسجد بحصباء من وادي العقيق. فقد روي عنه أنه قال: "ما ندري ما نفرش في مسجدنا، فقيل له: افرش الخصف والحصر، قال: هذا الوادي المبارك فإني سمعت رسول الله r يقول ]العقيق واد مبارك[. قال: فحصبه عمر t من رمل وادي العقيق.

كما أدخل عمر بن الخطاب t المصابيح لإضاءة المسجد، وكذلك بدأ في تجمير المسجد أيام الجمع ورمضان، وجعل له حصة من الطيب يجمر بها.

ومن أهم ما قام به عمر t في هذه التوسعة، أن جعل في الجهة الشمالية الشرقية من المسجد النبوي الشريف بالنسبة لزيادته t، البطيحاء: وهي برحة واسعة، حصبها بحصباء العرصة الحمراء، وحمل الناس الذين يريدون التحدث في أمور الدنيا على الخروج إليها، رغبة منه أن يجنب المسجد اللغط، وحرصاً منه على أن تظل للمسجد هيبته ووقاره في قلوب المسلمين.

كما جعل عمر t للمسجد ستة أبواب، أي أنه أضاف ثلاثة أبواب جدد إلى الأبواب، التي كانت في حوائط المسجد على عهد الرسول r، فأصبحت أبواب المسجد على النحو التالي:

(1) الحائط الشمالي: بابان (أضيف باب مستجد).

(2) الحائط الشرقي: بابان، باب جبريل أو باب عثمان t (واستحدث باب النساء).

(3) الحائط الغربي: بابان، باب الرحمة أو باب عاتكة (واستحدث باب السلام).

ب. مقدار زيادة عمر t

لم يزد من الناحية الشرقية، إذ كانت بها بيوت أمهات المؤمنين، وكُنَّ ما يزلن يُقمن فيها، وفي بيت عائشة منها قبر النبي r وقبر أبي بكر t، وقد دخلت دار أبي بكر t في هذه الزيادة لوقوعها في الناحية الغربية. ويقال إن دار أبي بكر t التي بالناحية الغربية خرجت من ملكه في حياته حين احتاج إلى شيء يعطيه الوفود، فباعها لحفصة بنت عمر أم المؤمنين، رضي الله عنها، بأربعة آلاف درهم. وإن جزءاً منها أُدخل في زيادة المسجد أيام عمر t، وأدخل جزء منها في أيام عثمان t.

ج. الشكل الهندسي في زيادة عمر t

لم يُحدث عمر بن الخطاب t حين أنشأ هذه الزيادة في عمارة المسجد النبوي أكثر من أنه زاد في رقعته، كما تقدم، وزاد في عدد أبوابه.

فقد بنى الجدران كما بناها رسول الله r من قبل، وجعل الأساس من الحجارة، وما فوقه من اللبن، والعمد من الخشب، والسقف من الجريد.