إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحَرمان الشريفان، والتوسعات المختلفة




مآذن الحرم التسعة
واجهة ومئذنة
واجهة ومئذنة أخرى
واجهة ومئذنة القبلة
أحد الشوارع
الواجهات الخارجية
الواجهة الشرقية
المدخل الشمالي الرئيسي
الأسقف الداخلية والعقود المدببة
المظلات وهي مغلقة
المظلات وهي مفتوحة
الأعمدة وقواعدها
الأعمدة في الحرم
التوسعة السعودية الثانية والثالثة
التكامل والانسجام
الحجر الأسود
الروضة الشريفة
العقود المدببة (الأبلق)
القباب المتحركة المغلفة
القباب المتحركة المفتوحة
بوابة المروة وساحة المسعى
توسعة خادم الحرمين الشريفين
بداية التوسعة السعودية
ساحة المطاف
زخارف الواجهات الخارجية
سطح الحرم وساحة السعي
كسوة الكعبة

مخطط مقارن للمسجد
إضافة دار الندوة
مسقط للحرم المكي
مسقط أفقي بعد توسعة
مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ
المنطقة المحيطة والأراضي المنزوعة
المنطقة المركزية والخط الدائري
الأحياء الملتفة حوله
الأجزاء المضافة
المخطط بعد العمارة العثمانية
التأثير على المحيط العمراني
التوسعات في عهد المهدي العباسي
الحرم في عهد عمر بن الخطاب
الحرم في عهد قريش
الركن اليماني
الشوارع والطرق
الكعبة بعد العمارة العثمانية
توسعات في عهد الملك عبدالعزيز
توسعة أبو جعفر المنصور
توسعة المهدي
توسعة الوليد بن عبدالملك
توسعة عبدالله الزبير
تصور لمسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم




المبحث السابع

خامساً: التوسعة السابعة: توسعة السلطان عبد المجيد سنة 1265 ـ 1277 هـ

فقد أُجريت في عهده أكبر عمارة شهدها المسجد النبوي الشريف، في العهد العثماني وما قبله، حيث شملت المسجد كله، ماعدا الحجرة النبوية الشريفة والمحاريب الثلاثة والمنبر والمنارة الرئيسية. وقد استغرقت فترة البناء والتعمير اثنتي عشرة سنة، من عام 1265 إلى 1277 هـ/ 1848 ـ 1861م. وعن سبب العمارة، ذكر البرزنجي أنه، في عام 1263هـ، بعد ما مضى على المسجد النبوي الشريف ما يقارب أربعمائة عام على عمارة السلطان قايتباي، سرى الخراب إلى بعض سقوفه وأعمدته، وأصبح في حاجة إلى التعمير والتجديد. وهذا ما دعا شيخ الحرم (داود باشا) وأعيان المدينة المنورة إلى الكتابة إلى السلطان عبدالمجيد عن حالة المسجد وما به من تشققات وشروخ في جدرانه وقبابه، تشكل خطراً للسقوط في أي لحظة. واستجابة للالتماس المقدم من شيخ الحرم وأعيان المدينة المنورة سنة 1263هـ، تقرر إرسال أحد كبار رجال الدولة، ومعه أحد المهندسين المتخصصين لفحص المسجد، وتقديم تقرير شامل عنه. وكان ذلك في عام 1265هـ، وقاموا بهذه المهمة. وقد تأكد لديهم صحة ذلك. كما تأكد لديهم أيضاً من خلال سقوط إحدى قباب المسجد في العام نفسه، على زوار مسجد الرسول r فقضت عليهم. وبعد ذلك عادوا إلى الآستانة (إستانبول) وأطلعوا السلطان عبدالمجيد على التقرير، الذي يتضمن ضرورة العمارة والتجديد بالمسجد النبوي، لأن حالته خطيرة لا تتحمل التأخير فعندئذ قرر السلطان عبدالمجيد عمارة المسجد النبوي الشريف. وقد ذكر الشهري 1402هـ، أنه كان للسلطان ميل شديد إلى تجديد بناء المسجد النبوي الشريف على شاكلة مساجد إستانبول المشهورة بفخامة البناء وعلو قبابها، التي تعتمد على أربعة أكتاف فقط، بيد أن هذا النوع من التسقيف يحتاج، في واقع الأمر، إلى تغيير موقع أسطوانات المسجد المشهورة، مما حدا بالسلطان إلى العدول عن هذا الرأي. ومهما يكن فقد انتدب مدير هيئة المباني الخاصة بإستانبول (عبدالحليم أفندي)؛ لتولي الإشراف على عمارة المسجد النبوي الشريف، مصحوباً بالمهندسين، والفنيين، والبنائين، والنجارين، والحدادين، ومواد البناء اللازمة، وغيرها، في بواخر عن طريق ينبع البحر. وبعد وصولهم إلى المدينة المنورة، في الأول من شهر رجب سنة 1266هـ، أخذوا في البحث عن جبل لاستخدام حجارته في بناء المسجد حتى اهتدوا إلى جبل قرب الجماوات، في الجنوب الغربي من المدينة في منطقة آبار علي ـ ذي الحليفة بوادي العقيق ـ يقرب لونه من لون العقيق الأحمر، فقرروا صلاحيته وقطع الحجارة منه لبناء العقود والأسطوانات؛ لأنه سهل في النحت وأجمل في اللون. فأقاموا عنده ورشاً لنحت الحجارة وتسويتها، حسب المقاسات المطلوبة للعمارة، فمنها الأحجار الصغيرة والكبيرة والمتوسطة، ومنها الأسطوانات قطعة واحدة، وبعضها قطعتان. وخصصوا الحجر الأسود لبناء جدران المسجد لقوته وصلابته، وصنعوا من أجل نقلها إلى منطقة العمل بالمسجد عربات تجرها الدواب من آبار علي، مروراً بالباب الشامي إلى شارع الساحة فباب الرحمة فدار الضيافة، التي كانت تقع شمال المسجد حيث خصصت لتكون منطقة عمل. وقد جهزت هذه الطرق لنقل الأحجار احتراماً لمشاعر سكان المدينة المنورة من حدوث ما يعكر صفوهم. وبعد ذلك بدؤوا بهدم الظلة الشمالية من المسجد النبوي الشريف. وفي تلك السنة حج (عبدالحليم أفندي) المشرف على العمارة، فأدركته المنية في منى، فمات بها سنة 1266 هـ، مما أعاق العمل بعض الشيء. وقد تولى الإشراف بعده مجموعة من المهندسين، كان أولهم المهندس (محمد رائف باشا)، الذي احتاج إلى فتح باب في السور الداخلي للمدينة، مما يلي الشمال، سماه باب المجيدي. وجرياً على العرف المتبع في جميع مراحل بناء المسجد النبوي الشريف منذ تأسيسه، حيث يقتضي الأمر ألا يعطل المسجد من أداء شعائر العبادة في أي وقت وتحت أي ظروف، فقد اضطر المهندس المذكور إلى إجراء ترميم عام لجميع أنحاء المسجد، تلاه بهدم قبة الصحن، ثم شرع في استكمال هدم ما تبقى من سقف الظلة الشمالية. ووصف البرزنجي حالة المسجد النبوي قبل العمارة المجيدية له بقوله: كان المسجد النبوي الشريف أكثره سقوفاً على عبارات من خشب وعقود من الآجر وأساطين من الحجر الأسود المنحوت، قطعاً ململمة مصنوعة أنثى في ذكر بأعمدة الحديد، مفرغاً بينها الرصاص، مضخمة بتلبيس الجص والنورة متقاربة بعضها من بعض. وقد أخذ موافقة السلطان عبدالمجيد على بدء العمارة ببناء مكاتب للتعليم مؤلفة من طابقين ومخازن للزيت خارج الجدار الشمالي للمسجد فتم ذلك وفتح بينهما باب، عرف فيما بعد بالباب المجيدي. ثم استكمل بناء الظلة الشمالية، وانتقل بعدها إلى الظلة الشرقية، فهدم الجدار الممتد من المنارة الرئيسية إلى باب جبريل، وأخرجه عن موضعه الأول بمقدار (3.25م) بقصد التوسعة بينه وبين الحجرة الشريفة، ثم عُزِل (محمد رائف) وحل محله (بكير باشا)، الذي وصل المدينة المنورة في 11/8/1269هـ؛ لاستكمال أعمال بناء المسجد، فأتم بناء العقود والقبب من المنارة الرئيسية إلى باب جبريل، وأتم مؤخرة المسجد. ونقل أعمال البناء إلى الجانب الغربي من الصحن، فهدم المنارة الواقعة في ركنه الشمالي الغربي (التشكيلية)، ونصب الأعمدة في ثلاثة صفوف أقام فوقها العقود والقباب، حتى وافاه الأجل في جمادى الأولى سنة 1271 هـ. وخلال هذه الفترة، زار المدينة المنورة بيرتون، عام 1269هـ (اُنظر شكل مخطط الشوارع والطرق) و(صورة واجهة ومئذنة) (وصورة واجهة ومئذنة أخرى) (وصورة واجهة ومئذنة القبلة).

فأعطى وصفاً يوضح فيه حالة المسجد النبوي الشريف، وهو تحت العمارة المجيدية آنذاك أجمل ذلك في النقاط التالية:

أ. المسجد النبوي الشريف متوازي الأضلاع به ساحة وسطى مكشوفة تسمى الصحن، يحيط بها بهو له صفوف عديدة من الأسطوانات والأروقة.

ب. تعلو المسجد سقوف مقببة.

ج. الجناح الشرقي به ثلاث صفوف من الأعمدة، والجناح الغربي به أربعة صفوف.

د. الأعمدة بعضها مدهون ومزين بزخارف نباتية سوداء وحمراء.

هـ. الجناح الشمالي ما زالت العمارة جارية به.

و. المئذنة الشمالية الغربية (الخشبية) هدمت وأعيد بناؤها.

ز. باب السلام غُطيت جوانبه بالرخام والقيشاني، وبه كتابات مذهبة.

ح. يعلو منارة باب السلام مخروط ذهبي.

ط. تتكون منارة باب الرحمة من جزأين، وتنتهي أيضاً بمخروط.

ي. يوجد أمام أبواب المسجد عدة درجات.

ك. وجود نوافذ بحائط القبلة ذات زجاج ملون.

ل. وجود زخارف نباتية بارتفاع (1.75م) في أسطوانات الروضة.

م. عدد المآذن خمس، وتنتهي المنارات بشكل بيضاوي.

ن. به سياج من خشب مربع الشكل، يسمى (حديقة السيدة فاطمة).

س. يوجد بالصحن نخلات قديمة يباع ثمرها بأسعار عالية. (اُنظر شكل التأثير على المحيط العمراني).

وبعد وفاة (بكير باشا)، قام شيخ الحرم (دلاولا باشا)، بالإشراف على استكمال ما تبقى من أعمال، حتى قدم (أدهم باشا) إلى المدينة المنورة في 25/2/1272هـ، مشرفاً على ما تبقى من العمارة، فأتم بناء القباب والدكاك عند باب النساء وباب جبريل، وقام بتوسعة بين الأساطين وبناء رواقين، واستمر في إشرافه حتى وافاه الأجل في أواخر سنة 1373هـ، فأسند شيخ الحرم وبقية أعضاء لجنة الشورى المساندة لرئيس المشروع، أمر الإشراف على سير العمل، إلى المهندس (صالح أفندي)، فبدأ في إضافة رواقين إلى ظلة القبلة مما يلي الصحن. وبتوجيه من الباب العالي تقرر تجديد عمارة ظلة القبلة على الصفة التي بنيت بها أجزاء المسجد الأخرى، مع ضرورة التقيد بنصب الأعمدة الجديدة في مواضعها القديمة لوجود ثمانية أعمدة (أسطوانات ) من العهد النبوي ضمن الأعمدة المزمع تجديدها، والمقدرة بـ (143) عموداً، فضلاً عن أخرى تنسب لسيدنا عمر وسيدنا عثمان رضي الله عنهما، وما عدا ذلك فلا حرج في التصرف فيه. وفي هذه الأثناء، تم الاختيار من الآستانة (إستانبول) للإشراف على ما تبقى من أعمال، فوقع الاختيار على (راشد أفندي)، فوصل المدينة المنورة سنة 1274هـ، بصحبة عدد من المهندسين، فأكمل ما بدأه سلفه، ونقل البناء إلى الجانب الغربي من مقدم المسجد وأتمه في أقل من عام. ثم أوقف في ذي الحجة عام 1275هـ لمعارضة أهل المدينة المنورة لبعض آرائه حول تغيير مواقع بعض الأعمدة. وأسند الإشراف إلى (أسعد أفندي عرياني زادة)، وكان إذ ذاك حاجاً في مكة المكرمة، فلما أسند إليه التكليف، انتقل إلى المدينة المنورة في أوائل جمادى سنة 1276هـ، فشرع في إتمام بناء السقف العلوي القبلي في مدة بسيطة، واستطاع المشرف الجديد أن يضمن استمرارية العمل وتفادي المنازعات، التي أعاقت أسلافه عن مواصلة العمل، وذلك بتوزيع المهام والمسؤوليات على المتخصصين واختياره الموفق لاشتراك بعض أهل المدينة المنورة في مجلس، أنيط بأعضائه الحضور عند نزع الأعمدة والأحجار القديمة من مقدم المسجد النبوي الشريف، ونصب الجديدة، وإبداء الرأي، ومناقشته أهل الخبرة بحضور شيخ الحرم (كما فعل السلف في أثناء توسعة المسجد النبوي الشريف في عهد عمر بن الخطاب وأبى بكر وعثمان وعمر بن عبدالعزيز، رضوان الله عليهم) فأعدوا الأساطين في مواضعها الأولى من غير تغيير، ووضعوا علامات يحددون بها المسجد النبوي الشريف، على ما كان عليه في عهد الرسول r وهذه العلامات هي:

أ. مسن جهة القبلة: الدرابزين المصنوع من النحاس الأصفر في نهاية الروضة الشريفة، والذي عنده خزانات من الألمنيوم الأصفر توضع فيها المصاحف الآن.

ب. من جهة الشمال: بداية الصحن الأول الذي يلي المسجد المسقف، وهناك أسطوانة تطل على الجهة الشمالية للصحن كتب عليها (حد مسجد النبي r) وهذه الجهة التي كُتب أعلاها الحديث الشريف "صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجد الحرام".

ج. من الجهة الشرقية: جدار الحجرة الشريفة، على يسار المتجه إلى القبلة وهو واقف بالروضة، والجدار الذي بالروضة هذا ليس هو جدار الحجرة، وإنما هو جدار المقصورة، التي ضربت حول القبر الشريف في عهد السلطان قايتباي، وبداخلها حائط الجدار الذي بناه عمر بن عبد العزيز، رحمه الله؟ ويليه ملاصقاً له، جدار الحجرة النبوية ولهذا يقول المؤرخون: إن جزءاً كبيراً من الروضة قد أدخل في المقصورة.

د. من الجهة الغربية: الأسطوانة الخامسة قبل الجدار الغربي للمسجد، وقد كتب على أعلاها عقد مموه بماء الذهب (حد مسجد النبي r)، ويليها إلى الغرب أسطوانتان توسعة سيدنا عمر t، ثم أسطوانة توسعة سيدنا عثمان t، ثم أسطوانة وعقد إلى جدار المسجد توسعة الوليد رحمه الله.

ثم شرعوا في تكملة عمارة المسجد، وجعلوا بناءه أساطين تعلوها قباب، وكانت بعض الأساطين قطعة واحدة، بينما كان بعضها قطعتين، وشيدوا عليها عقوداً نصف دائرية تقوم عليها قباب مختلفة الأحجام والتصميم، ولكنها تتشابه في كل رواق في أكثر أروقة المسجد، وجعلوا لها نوافذ، وزخرفوها من الداخل، وزينوها بصور الأشجار والأزهار. وبنوا جدار القبلة من الرخام الصيني المزخرف. وعملت الأعمدة من الحجر الأحمر، وغطيت بطبقة من الرخام المزخرف بماء الذهب. وحافظ المسجد على أبوابه الأربعة الرئيسية، وزيد باب المجيدي في الناحية الشمالية، وأقيمت المئذنة المجيدية في مكان المئذنة الخشبية. أما الجزء الشمالي المضاف ففيه صالتان، تفتح على كل منهما أربع حجرات، وبين الصالتين سلم يصعد منه إلى ميضأة بالطابق الأول، وتحت المسجد ميضأتان. والصالة الغربية بدون سقف، بها مخازن الزيت والقناديل والحصر، أما الصالة الأخرى فكانت مدرسة (كتاب) لتعليم الصبيان، تتكون من طابقين. والأروقة شرق الصحن خصصت للنساء، عمل حولها مقصورة من الخشب. وكسيت قواعد الأعمدة بالنحاس الأصفر. وتتميز العمارة المجيدية بالزخارف على أسطح القباب الداخلية وكذلك تذهيب المحاريب الثلاثة والمنبر، وبالأعمدة الحجرية المطوقة بقواعد من النحاس الأصفر، وبكتابة الآيات القرآنية وأسماء الرسول r على جدار القبلة. وقد كتبت الآيات والنصوص والقصائد بخط الثلث الجميل وبماء الذهب البديع، كتبها الخطاط التركي الشهير (عبد الله زهدي). وذكر البرزنجي أن أعمال الكتابة استغرقت ثلاث سنوات.

وجرياً على المتبع عند إتمام كل عمل معماري، فلابد من تثبيت نصوص تاريخية للعمارة في أماكن بارزة، وقد طلب من السلطان عبدالمجيد اختيار ما يؤكد إتمام العمارة في عهده من التواريخ والأشعار والنصوص؛ لتنقش في الموضع، الذي اختير بعناية في منتصف واجهة العقود المطلة من ظلة القبلة على صحن المسجد، فاختار بالتشاور مع دار الفتوى نقش كلمة "قال رسول الله r" في الموضع المعد لنقش الطغراء المجيدية، وأتبعها بنقش نص الحديث الشريف ]صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي ‏أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاةٍ فِيمَا سِوَاهُ إِلاَّ ‏الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1396).

وكان الانتهاء من العمارة في شهر ذي الحجة عام 1277هـ، وكلفت هذه العمارة مائة وأربعين ألف كيس ذهب, يحتوي الكيس الواحد على خمس ذهبات مجيدية، كل ذهبة مائة وثلاثون قرشاً رائجاً آنذاك. وبلغ عدد العاملين من البنائين والنجارين والدهانين والحدادين والسباكين، أكثر من ثلاثمائة وخمسين عاملاً، عدا المهندسين والفنيين والمشرفين، وقدر مكتب مشروع الحرم النبوي الشريف زيادة السلطان عبدالمجيد بـنحو (1293م2)، وأصبح للمسجد النبوي الشريف بعد توسعة السلطان عبد المجيد خمس منارات هي:

أ. المنارة الشمالية الغربية: وتسمى التشكيلية والخشبية، وتعرف بالمجيدية نسبة إلى السلطان عبدالمجيد، الذي جددها في عمارته، وجعلها على رسم منائر الآستانة بثلاث شرفات، ثم أزيلت في العمارة السعودية الأولى، وبني بدلها منارة على أجمل وأحدث طراز.

ب. المنارة الشمالية الشرقية: وتسمى السنجارية وتعرف بالسليمانية، وهي التي أقامها السلطان سليمان القانوني، بدلاً من السنجارية، وتعرف بالعزيزية لعمارة السلطان عبدالعزيز خان بن محمود لها، حيث بناها على هيئة المنارة المجيدية، وجعل لها ثلاث شرفات. وقد أزيلت هذه المنارة في العمارة السعودية، وبني بدلاً منها منارة على شكل بديع ورائع.

ج. المنارة الجنوبية الشرقية: وتعرف بالرئيسية، وتحمل هذا الاسم حتى وقتنا الحاضر وهي المنارة المجاورة للقبة الخضراء، وتقع في الركن الجنوبي الشرقي من المسجد ـ وهي المعروفة قديماً بالملائكة، ويعرفها الناس في وقتنا الحاضر بمهبط الوحي، وهى التي عمرها الأشرف قايتباي ثلاث مرات عام 886هـ، 888هـ، 892هـ، ونزل في أساسها إلى الماء، واتخذ لها حجارة سوداء، وزاد في طولها إلى120 ذراعاً (60م)، ولا زالت حتى الآن على عمارة قايتباي، وتقوم الحكومة السعودية بتجديدها من وقت لآخر حتى تبقى في أجمل صورة وأروع منظر.

د. المنارة الجنوبية الغربية: وتسمى منارة باب السلام، وهي من عمارة الناصر محمد بن قلاوون سنة 706هـ. والذي بناها هو شيخ الخدام شبل الدولة كافور المظفري، المعروف بالحريري. وهذه المنارة لا زالت قائمة، يزيد من الحفاظ عليها، ما تبذله الحكومة السعودية من تجديدها من وقت لآخر؛ للبقاء على رونقها وجمالها.

هـ. المنارة الغربية: وتسمى منارة باب الرحمة، بناها الأشرف قايتباي سنة 888هـ، وبُنيت خارج جدار المسجد النبوي الشريف ملاصقة للمدرسة المحمودية، التي كانت هناك. وقد أزيلت في العمارة السعودية الأولى (اُنظر شكل الكعبة بعد العمارة العثمانية) و(شكل مسقط الحرم المكي) و(صورة القباب المتحركة المغلقة).

اُستخدمت في هذه العمارة الحجارة المنحوتة، من جبل غرب وادي العقيق، واُستبدلت القباب بالسقوف الخشبية، وزخرفت هذه القباب بأصناف الصور الطبيعية، وكتب بداخلها بعض الآيات القرآنية، وكتب على الجدران بعض الآيات والأحاديث النبوية. كما أقيمت الأعمدة الحجرية تحمل عقوداً مزينة بالزخارف وتحمل العقود قباب المسجد وبُنيت في المسجد أربع مآذن، لا زالت اثنتان منها قائمان حتى الآن، بعد التوسعة السعودية، إحداهما فوق باب جبريل u وتسمى المئذنة الرئيسية، والأخرى على باب السلام. شُيدت العمارة العثمانية بكل عناية وإتقان، وعلى أجمل فن من الفنون المعمارية، ولا تزال بالمسجد بقسمه الجنوبي. وقد نُقشت جدارنه وسقوفه بزخارف بديعة وطُليت بالدهان الأحمر، وبلغ عدد الأعمدة في العمارة العثمانية 327 عموداً.

لقد أعيد بناء المسجد على الطراز العثماني، وزينت حوائطه بالكتابات المذهبة، وتميز المسجد بقبابه العثمانية وعقوده، وما زال هذا الجزء باقياً بجماله ورونقه، ويظهر متجانساً مع ما حوله، على رغم اختلاف الناحية الشكلية.

وكان للمسجد في التوسعة العثمانية خمسة أبواب، غاية في الروعة والإبداع والإتقان، وبقي قائماً منها، بعد العمارة السعودية، باب جبريل u وباب الرحمة وباب السلام وباب النساء. بدأت العمارة العثمانية في عام خمسة وستين ومائتين وألف، وانتهت في عام سبعة وسبعين ومائتين وألف من الهجرة.

سادساً: الاهتمام بالمحافظة على أمكنة المسجد الأثرية

قام المهندسون بهدم جزء من المسجد، ثم أقاموا مكانه ما يحل، ثم أخذوا يهدمون بعد ذلك غيره ويعيدون تشييده حتى أتموا عمارة المسجد كله، فيما بين سنة 1265و 1277هـ. وقد تناولت هذه العمارة المسجد بأجمعه، ما عدا المقصورة وما فيها. وبدقتهم الأثرية، ظل كل أثر في المسجد باقياً على عهده مثبتاً في مكانه. فقبلة المسجد النبوي الأثري مكتوب على محرابها "هذا مصلى النبي r"، والروضة المطهرة معلمة أساطينها بالبلاط الأبيض من النصف الأدنى، كما أن الأسطوانات التي تحمل الأسهم الخضر الملونة بماء الذهب، هي حدود المسجد النبوي للبناء الأول الذي بناه النبي r، أما الأعمدة التي تحمل اللون الوردي والمكتوب أعلاها بماء الذهب "هنا حدود المسجد النبوي" فهذه الحدود تحتوي البناء الثاني، الذي بناه رسول الله  أيضاً، وزاد به في المسجد في المرة الثانية بعد فتح خيبر. ويلاحظ أن هذه الكتابة لحدود المسجد من جميع نواحيه، ماعدا الناحية الشمالية، أعني مكان الحصباء الملاصقة آخر المسجد العثماني فإنه لم يكتب شيء من تلك الجهة لأنه في زيادة الوليد تركوا جزءاً من حدود المسجد توسعة للرحبة، التي فرشت بالحصباء.

سابعاً: أثر توسعات الحرم على البيئة العمرانية للمدينة المنورة

كانت يثرب قبل سنة 622م مجرد مجموعة من مناطق سكنية مستقلة، ولم تتحد هذه المناطق لتشكل مدينة واحدة مترابطة، إلا بعد هجرة النبي من مكة، ويبدو مع ذلك أن مناطق السكنى الأصلية ظلت محتفظة بأسمائها، كمنازل وبيوت لكل قبيلة، اتخذت فيما بعد أشكال أحياء في المدينة.

وحتى نرى كيف اتخذت عملية الاستيطان في المدينة المنورة شكلها النهائي، يستحسن أن نبدأ بتحديد موقع مسجد النبي r ومنزله. تروى كتب السيرة النبوية أن النبي r لما دخل المدينة لم يشأ أن يحدد بنفسه أين يستقر، فعرض له قبائل الأنصار كلهم يدعونه ويعدونه النصر والمنعة. وكان النبي r على ناقته، والأنصار عن يمينه وشماله وخلفه وما يمر بدار إلا قالوا: هلم إلى العز والمنعة والثروة، فيقول لهم خيراً ويدعو، ويقول: إنها مأمورة، خلوا سبيلها. ولما أتت موضع المسجد بركت وهو عليها، فأمر أن يحط رحله وأن يكون هذا المكان منزله. لقد كانت المساحة التي تحيط بموضع بيت النبي r ومسجده عبارة عن أرضٍ فضاء أو مستغلة استغلالاً طفيفاً. ومنذ ذلك الوقت وما تلاه، أضحت المنطقة المخصصة للمسجد هي قلب المدينة، ويذكر البلاذري ت 279هـ (892م)، فيما يتعلق بهذا الموضوع، أن الأنصار وهبت للنبي r كل فضل كان في خططِها.

توضح عملية النمو العمراني في المدينة المنورة، مثلها مثل مدن الأمصار وبغداد وسامراء، أن هذه المدن قسمت إلى خطط، كانت تُعطى للقبائل وكتائب الجيش والأفراد، وأن هذه الخطط كونت أحياء المدينة الأصلية. ولقد ترك التقسيم الفرعي للخطط أو الإقطاعات لسكان الحي. ويجب ألا يدفع هذا إلى الاعتقاد بغياب قواعد خاصة بالتنظيم المكاني للخطة. إن هذه العملية بدأها النبي r نفسه في المدينة النبوية، حيث أقطع الخطط للقبائل المختلفة، والدور للأفراد. وبناء على تعليمات من عمر بن الخطاب t، فإن هذه العملية قد استمرت في مدن الأمصار عبر قادة الجيش. لقد استقر المهاجرون، الذين صحبوا النبي r من مكة، أو الذين وفدوا بعد ذلك، في أراض زراعية كانت مهجورة، لم تشغلها منازل القبائل الأصلية، أو في أراض وهبها الأنصار للنبي r ، ولقد اتخذت منازل القبائل والعشائر الوافدة حديثاً إلى المدينة المنورة طابع التكتل، بحيث يتجمع أفراد العشيرة أو القبيلة معاً في منطقة واحدة، وينطبق ذلك حتى على المهاجرين الأوائل، الذين سكنوا حول مسجد النبي  مكونين مجاورة سكنية واحدة أو أكثر.

ويذكر السمهودي نقلاً عن البلاذري ت 279هـ، فيما يتعلق بهذا الموضوع، أن الأنصار وهبت للنبي r كل فضل (أي وهبت الأراضي الزائدة) كان في خططها.

ويورد ياقوت الحموي ت 626هـ (1229م)، في رواية عن الأراضي، التي كان النبي r يمنحها، ما يعطي انطباعاً بأن النبي r أخذ على عاتقه المهمة الرئيسية لتوزيع الأراضي وتوطين الناس في المدينة. يقول ياقوت: قدم الرسول r مهاجراً إلى المدينة، فأقطع الناس الدور والرباع، فخط لبني زهرة في ناحية من مؤخر المسجد، وجعل لعبد الله وعتبة ابني مسعود الهذليين الخطة المشهورة بهم عند المسجد، وأقطع الزبير بن العوام بقيعاً واسعاً، وجعل لطلحة بن عبيد الله موضع دوره، ولأبي بكر الصديق موضع داره عند المسجد، وأقطع كلاً من عثمان وخالد بن الوليد والمقداد وغيرهم، مواضع دورهم، وكان رسول الله r يقطع أصحابه هذه القطائع، فما كان في عفائن الأرض فإنه أقطعهم إياه، وما كان من الخطط المسكونة العامرة فإن الأنصار وهبوه له فكان يقطع من ذلك ما شاء.

ونص ياقوت هنا يدل على أن النبي r أقطع القطائع للقبائل والأفراد. وفي رواية ابن شَبَّة عن استيطان قبائل المهاجرين أوضح أنه كانت هناك إقطاعات من النبي r ويقول: "نزل بنو غفار ابن مليل بن ضمرة القطيعة، التي قطعها لهم النبي r". ويمضي ابن شَبَّة في وصف مواقع المنازل، التي أقطعت لقبائل المهاجرين، وتعرض كذلك لمنازل مزينة ومن حل معها من قيس عيلان ومنازل جهينة وبلى، ومنازل ابن جشم وبني كعب بن عمرو. ويتضح، من رواية ابن شبة لمنازل المهاجرين ومنازل الأنصار، أن المدينة المنورة كانت في زمن النبي r منقسمة إلى أحياء، يقطن أفراد كل قبيلة أو عشيرة حياً واحداً. ولم يذكر رواة منح الإقطاعات أي شيء عن كيفية تقسيم كل قطعة، ومع ذلك يبدو أن التقسيمات الفرعية داخل كل خطة كانت تترك للقبيلة نفسها. وهذا هو ما فعله الزبير في خطته الكبيرة (بقيع الزبير)، حيث يعدد لنا ابن شبة ستاً من الدور في هذه الخطة كانت كلها لورثة الزبير.

وفي ثنايا كلام ابن شَبَّة، عن سوق المدينة المنورة خلال حكم هشام بن عبد الملك 105-125هـ (724ـ 743م)، يشير إلى أن بعض المساحات في بقيع ابن الزبير كانت لا تزال في ذلك الوقت أراضي خالية، ويوضح هذا أن كل قبيلة أو عشيرة أو حتى الأفراد، كانوا يقسمون خططهم تبعاً لاحتياجاتهم، وأنه ليس بالضرورة أن تكون كل خطط المدينة قد بُنيت خلال الفترة المبكرة.

أما بالنسبة لما احتوت عليه كل خطة أو حي، فإن ابن شَبَّة، عند تتبعه لأحياء المهاجرين، يذكر وجود المساجد في عدد منها، ويروي بكير (ت 122هـ/740م) أنه، خلال عهد النبي r، كان بالمدينة المنورة تسعة مساجد، إضافة إلى مسجده r، وأن هذه المساجد كانت تقام فيها الصلاة تبعاً لأذان بلال t. ووفقاً لرواية بكير فإن هذه المساجد عُرفت بأسماء الأحياء التي فيها، ولما كانت هذه المساجد تقام الصلاة فيها اعتماداً على سماع آذان بلال، فإن ذلك يدل على أن هذه المساجد كانت قريبة من مسجد النبي r، وأنها كانت في المدينة الأساس. وفيما يتعلق بمقابر كل قبيلة، فيبدو أنها كانت قريبة من منازلها وذلك وفقاً للتقاليد القبلية، ولقد ظل هذا الإجراء متبعاً في المدينة حتى السنة العاشرة بعد الهجرة (631م) حين بدئ في تلك السنة باستخدام البقيع (بقيع الغرقد)، الذي لا يزال مدافن أهل المدينة حتى اليوم، ومع ذلك فقد اختارت كل قبيلة بقعة خاصة بها في البقيع تدفن فيها موتاها.

ارتبطت توسعات الحرم النبوي الشريف، منذ توسعة عمر بن الخطاب لنشوء الحاجة، بنزع الملكية للعقارات المحيطة بالحرم. وأمر نزع الملكية هو حق الدولة في تملك العقار الخاص خدمة للمصلحة العامة، مقابل تعويض عادل. ويُلجأ إلى نزع الملكية في أوقات خاصة؛ لتنفيذ مشاريع التوسعات للحرم النبوي الشريف؛ ولضمان تطبيق الخطط الرئيسية الناتجة عن زيادة زوار المسجد.

وقد لجأ الكثير من ولاة الأمر إلى نزع الملكية في الحالات، التي اتضحت فيها خدمتها للمصلحة العامة، كزيادة مساحة المسجد ومحيطه العمراني، أو كحق المرور أو مد شبكات التجهيزات والمرافق العامة. ففي هذه الحالة تكون المنفعة العامة مقررة بشكل واضح، وعادة يكون الاعتراض في هذه الحالة حول موضوع التعويض. وقد لُجئ إلى نزع الملكية الخاصة في فترة الخمسينيات من القرن الميلادي الحالي وما بعدها في حالات التجديد العمراني.

امتد العمران من جهتي الغرب والشمال الغربي مكوناً الكتلة العمرانية التي أحاط بها السور الداخلي، وذلك في العهد المملوكي وحتى بداية العهد العثماني. وقد توقف الامتداد جهة الشرق لوجود بقيع الغرقد في هذه الجهة. وهو محاط بالسور الداخلي، ويتصف بتراص البنيان وضيق الشوارع والطرقات وتعرجها، وندرة الميادين والساحات، عدا عدد محدود من الأحواش والبرحات الصغيرة، وذلك نتيجة لوجود الحرم النبوي الشريف ضمن هذه الكتلة، إضافة إلى تركز النشاطات التجارية والثقافية والدينية حوله. وتزداد الكثافة السكانية في هذا الجزء من المدينة عن أي جزء آخر، وترتفع المباني لثلاثة وأربعة طوابق. ويعتبر شارع سويقة محور الحركة التجارية الرئيسي، الذي بين الحما والسوق الكائن بالمناخة خارج باب المصري.

تميزت المدينة الإسلامية بالكتل البنائية المتراصة، التي تحصر بينها فراغات عمرانية مفتوحة متنوعة المساحات، متصفة بالتكوين الطبيعي، الذي يشبه الكائن الحي،كما ترتبط الكتل والفراغات بعضها ببعض، مولدة الشعور بالتوازن بين الكتل المبنية والفراغات. ونتيجة لهذا التنوع الملاحظ في الكتل، برز نمط عمراني متجانس في مظهره العام، متباين في تفاصيله. ومن أهم خصائص المدن الإسلامية، وضوح نظام الحركة، الذي يبدأ من الطرقات المسدودة أو الأحواش، كما هو شائع في المدينة المنورة، وينتهي إلى مركز المدينة، ماراً بسلسلة من الطرقات والشوارع ذات السعات المتدرجة. وقد نجح المسلمون بشكل عام في إعطاء جزء كبير من الفراغات العامة، صفة الخصوصية الجزئية وشبه التامة، لذلك كان الناس يتمتعون في هذه الفراغات ببيئة داخلية محتواة، بشكل يلائم احتياجاتهم المعيشية.

تتكون البنية العمرانية للمدينة المنورة من كتلة متراصة من المباني، والمتاجر، والمدارس، والأربطة، التي تُحيط بالمسجد النبوي الشريف، الذي يحتل المركز، وتفضي الشوارع الرئيسية إلى أبوابه المتميزة. ويمثل الحرم عنصراً مهماً ترتبط به جميع أجزاء المدينة، كارتباط أجزاء الجسم بالقلب عن طريق الأوردة والشرايين.

ويقع الحرم في وسطه، وتتصف الكتلة العمرانية لهذا الجزء بأنها متراصة البنيان، ضيقة الشوارع والطرقات، تكاد تخلو من الميادين والساحات الفسيحة، عدا عدد محدود من الأحواش الصغيرة. لذلك يظهر صحن الحرم النبوي بشكل واضح، مشكلاً الفراغ الرئيس المفتوح. كما يتصف نمط الطرقات بالتعرج والانتهاء بطرقات غير نافذة، ما عدا شارع العينية، الذي فتح في مرحلة متأخرة باستقامة واضحة.

كان، لوجود المسجد النبوي الشريف، أثر كبير على تشكيل الخصائص المميزة للمدينة، أبرزها الكثير من الرحالة. وفي بداية الدولة الإسلامية أصبح المسجد مزاوجاً بين البيئة المحلية، التي انطلق منها الإسلام، وحضارات أمم مختلفة دخلت فيه، وهذا أدى إلى نشوء فن عمراني جديد هو مزيج من الموروث والمكتسب، ذو صبغة إسلامية.

وساعد، على قيام الطابع الإسلامي، ما كان من ظروف ترابط البيئة وقيام الخلافة الإسلامية، التي كانت تمثل وحدة البلاد، التي دخلت في الإسلام، ودخلت من ثم إلى مرجعية الخلافة، سواء كانت في المدينة المنورة أو الكوفة أو دمشق أو بغداد أو الآستانة أو غيرها، إلى جوانب عوامل وظيفية، كتماثل البرنامج المعماري في الجوامع كلها، نتيجة للثوابت في الصلاة والقبلة.