إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحَرمان الشريفان، والتوسعات المختلفة




مآذن الحرم التسعة
واجهة ومئذنة
واجهة ومئذنة أخرى
واجهة ومئذنة القبلة
أحد الشوارع
الواجهات الخارجية
الواجهة الشرقية
المدخل الشمالي الرئيسي
الأسقف الداخلية والعقود المدببة
المظلات وهي مغلقة
المظلات وهي مفتوحة
الأعمدة وقواعدها
الأعمدة في الحرم
التوسعة السعودية الثانية والثالثة
التكامل والانسجام
الحجر الأسود
الروضة الشريفة
العقود المدببة (الأبلق)
القباب المتحركة المغلفة
القباب المتحركة المفتوحة
بوابة المروة وساحة المسعى
توسعة خادم الحرمين الشريفين
بداية التوسعة السعودية
ساحة المطاف
زخارف الواجهات الخارجية
سطح الحرم وساحة السعي
كسوة الكعبة

مخطط مقارن للمسجد
إضافة دار الندوة
مسقط للحرم المكي
مسقط أفقي بعد توسعة
مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ
المنطقة المحيطة والأراضي المنزوعة
المنطقة المركزية والخط الدائري
الأحياء الملتفة حوله
الأجزاء المضافة
المخطط بعد العمارة العثمانية
التأثير على المحيط العمراني
التوسعات في عهد المهدي العباسي
الحرم في عهد عمر بن الخطاب
الحرم في عهد قريش
الركن اليماني
الشوارع والطرق
الكعبة بعد العمارة العثمانية
توسعات في عهد الملك عبدالعزيز
توسعة أبو جعفر المنصور
توسعة المهدي
توسعة الوليد بن عبدالملك
توسعة عبدالله الزبير
تصور لمسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم




المبحث الثامن

المبحث الثامن

التوسعات السعودية للحرم النبوي الشريف، من الأولى حتى الثالثة

من دراسة تاريخ عمارة المسجد النبوي الشريف، على مر العصور، نجد أن كل العمارات، التي تلاحقت على بنائه وتصميمه وتوسعته، ليست متشابهة، حيث إن كلاً منها تأخذ عناصر تصميمها وأنظمتها الإنشائية، من أجود الموجود في العصر الذي تمت فيه. فنجد أن قمة التواضع في التشييد وضعها رسول اللهفي أول بناء للمسجد. يلي ذلك استخدام طرق إنشاء مختلفة، عندما أعيد بناء المسجد ليتلاءم مع تحويل القبلة إلى مكة، وكذلك استخدام طرق إنشاء أخرى، عندما وسع المسجد في السنة السابعة من الهجرة، تلتها تجديدات أبي بكر الصديق، الذي اكتفى بقلع السواري وإحلال بديل لها، وتلاه عمر وعثمان، رضي الله عنهما، اللذان أدخلا طرقاً ومواد تستخدم لأول مرة. كما أن العمارات المتتالية كانت تستفيد من إبقاء أجزاء من العناصر المكونة للعمارة، التي سبقتها، وتستخدم بعضاً من مواد البناء الصالحة. وأول عمارة ضخمة مميزة كانت العمارة المجيدية، حيث كانت مادتها وطرازها وتصميمها تختلف كلية عن العمارات، التي سبقتها.

صاحب نجاح الملك عبدالعزيز في توطيد واستتباب الأمن والأمان والاستقرار، بعد تأسيس المملكة العربية السعودية في عام 1351 هـ، الزيادة الكبيرة في أعداد ضيوف الرحمن من الحجاج. وبشر اكتشاف البترول والبدء في استغلاله، بعهد ورخاء اقتصادي، فرأى جلالته أنه من الضروري البدء في توسعة الحرمين الشريفين وإعادة إعمارها. وكان قد أمر رحمه الله أن يبدأ العمل في المسجد النبوي الشريف، بإجراء الإصلاحات والترميمات في أرضيته وفي الأروقة المحيطة بالصحن عام 1348هـ (1929 ـ 1930م) ثم أصلحت بعض الأعمدة والسواري الشرقية والغربية عام 1350هـ (1931 ـ 1932م).

في 12 شعبان عام 1368 هـ يونيه 1949م، أعلن المغفور له الملك عبدالعزيز، في خطابه إلى الأمة الإسلامية، عزمه على توسعة المسجد النبوي الشريف. وكان لهذا النبأ وقع في نفوس جميع المسلمين فاستقبلوه في مشارق الأرض ومغاربها بالفرح والسرور. وتأكد لكل ذي بصيرة أن أرض الحرمين الشريفين باتت في أيد أمينة، يهمها إعمارها وتوسعتها وتوفير الأمن والرخاء لساكنها وزائرها على حد سواء.

إن مسألة تحقيق سهولة وصول المصلين إلى الحرم النبوي الشريف بيسر وسهولة في أثناء أعمال التوسعة لهي من المعضلات الرئيسة، التي يواجهها منفذ المشروع. وكان ذلك يتم بفتح الممرات الممهدة والطرق المتسعة النظيفة، وبتغيير أماكنها كلما احتاج العمل إلى ذلك، بأسلوب هندسي ليس فيه أي مضايقات للمصلين، وكذلك باللافتات الإرشادية حسب الاتجاه إلى أبواب المسجد، وتخصيص مداخل وأماكن لمصلى النساء، مزودة بوسائل التظليل والإضاءة والتهوية والسجاد، مثلها مثل أماكن الصلاة للرجال، وذلك لضمان أن يؤدي المصلون وزوار مسجد الرسول عبادتهم في يسر وسهولة على مدار مدة التنفيذ لهذا العمل العملاق والمشروع العظيم.

تهدف هذه الورقة إلى إلقاء الضوء على مشاريع عمارة وتوسعة الحرم النبوي الشريف، التي استهلها المغفور له الملك عبدالعزيز، وتوجتها عمارة وتوسعة خادم الحرمين الشريفين.

أولاً: التوسعة السعودية الأولى: توسعة الملك عبدالعزيز والملك سعود

اختير للقيام بهذا العمل مدير العمائر والإنشاءات الحكومية، محمد بن لادن رحمه الله - حيث صدرت إليه الأوامر الملكية؛ لإعداد ما يلزم من دراسات لوضع المسجد النبوي الشريف، ورفع كل التقارير عن حالته. قام بن لادن مع فريق من المهندسين بزيارة الموقع وتفحصه من جميع الجوانب، وحصر المباني اللازمة إزالتها لأعمال التوسعة، ثم اصطحب تلك التقارير وعرضها على الملك عبدالعزيز في الرياض عام 1370هـ. وقد حرصت تلك التقارير الفنية والهندسية على المحافظة على المبنى الجنوبي، وإزالة الأجنحة الثلاثة المتصلة به، وهدم المآذن الخلفية والتعويض عنها بمئذنتين في الركنين الشماليين، مع توسعة الجهة الشمالية من المسجد. وبعد اطلاع الملك على هذه التقارير، أصدر أمره الكريم إلى سمو وزير الداخلية الأمير عبدالله الفيصل برقم 27/4/288/88 وتاريخ 11/9/1370هـ، بالبدء بمشروع التوسعة، وتكليف محمد بن لادن المدير العام للعمائر والإنشاءات الحكومية، بأعمال التوسعة والصيانة للمسجد النبوي الشريف.

وعاد محمد بن لادن إلى المدينة المنورة في نهاية شهر رمضان عام 1370هـ، مدعوماً بالتوجيهات الكريمة في هذا الخصوص، وشكل لجنة من وجهاء المدينة لتقدير قيمة العقارات، التي تدخل في التوسعة، وصرف تلك التعويضات لأصحابها، وحضر الاجتماع الذي أقامته إمارة المدينة المنورة في داخل الحرم الشريف في الأول من شوال عام 1370هـ برئاسة أمير المدينة المنورة عبدالله السديري رحمه الله. وبدئ في التوسعة على بركة الله وتوفيقه، بصرف التعويضات لأصحاب العقارات، التي ستتأثر كلياً أو جزئياً بأعمال التوسعة. وبلغت مساحة الدور المنزوعة الملكية 22955م2، منها 6024م2 أضيفت للمسجد، وخُصص الباقي البالغ 16931م2 ليكون ميادين وشوارع حول المسجد النبوي (اُنظر شكل توسعات في عهد الملك عبدالعزيز).

1. البدء في توسعة المسجد النبوي

صدر أمر جلالة الملك عبدالعزيز آل سعود، رحمه الله، إلى المعلم محمد بن لادن المشرف العام على أعمال العمارة والتوسعة لمسجد رسول الله، بأعمال التوسعة والصيانة، وصرف ما يحتاجه المشروع من نفقات، من دون قيد أو شرطْ مع توسيع الطرق التي حول المسجد. أخذ المعلم محمد بن لادن يعد العدة ويستقدم المهندسين والخبراء والفنيين ومواد البناء ويرسل ذلك إلى المدينة، وبعد استكمال ما يلزم للمشروع، بدئ في التنفيذ في 5 شوال سنة 1370 هـ. وانتهت العمارة والتوسعة سنة 1375 هـ، وهي العمارة التي يشاهدها المرء الآن للجزء الشمالي من المسجد، المتصلة بالباقي من عمارة السلطان عبدالمجيد. (اُنظر شكل مسقط أفقي بعد توسعة).

وبعد مشاورات بين محمد بن لادن والمدير العام لمكتب مشروع التوسعة محمد صالح قزاز والمهندسين الفنيين، رأى الجميع إزالة ذلك القسم وعمارته وإجراء التوسعة في هذه المنطقة الشمالية، كما وسع من جهة الشرق والغرب قليلاً. وقد أزيلت المباني في مناطق التوسعة، ومما أزيل في الجهة الغربية المدرسة المحمودية التي كانت متصلة بالمسجد النبوي، ومبنى إدارة العين الزرقاء، وغير ذلك مما أدخل في ميدان المسجد النبوي الغربي، كما أزيلت مبان أخرى في الشمال والغرب والشرق لتوسعة الطرق حوله.

تمت أعمال التصميمات المعمارية للتوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي وقام بها المعماري العربي فهمي مؤمن، رحمه الله، على طراز جديد وبديع، مستوحى من الطراز الإسلامي المملوكي. وجاءت الأعمدة والعقود المدببة في غاية الروعة وجمال النسب، وكذلك المآذن.

وكانت هياكل العمارة بالأسمنت المسلح قوية جميلة رائعة، والأرضيات من الموزايكو. وقد أسس مصنعً خاصً لصنع الموزايكو في آبار علي، لتموين العمارة ومونها، فكان أنجح مصنع لأنبل غرض. وكان المهندسون الذين يديرونه من ذوي الخبرة العالمية.

وقد اتصلت العمارة والتوسعة السعودية مع عمارة السلطان عبدالمجيد الباقية، وشكل هذا الاتصال تلاحماً فريداً بين العمارتين.

2. تهيئة موقع التوسعة

بدئ في هدم المباني المحيطة بالمسجد النبوي الشريف في 5 شوال 1370هـ 10 يوليه 1951م، وذلك بإزالة الدور والمباني المحيطة بالمشروع، كما بدئ في إزالة المآذن الشمالية والأروقة الشمالية والشرقية والغربية للمسجد، مع البدء في حفر الأساسات اللازمة للمشروع.

ففي ربيع الأول عام 1372هـ نوفمبر 1952م، وضع حجر الأساس، في احتفال كبير حضره الملك سعود - رحمه الله حين كان ولياً للعهد آنذاك. وفي 14شعبان عام 1372هـ/ أبريل 1953م، بدئ في حفر الأساس في الجهة الغربية بمنطقة باب الرحمة. وفي ربيع الأول 1373هـ/ نوفمبر 1953م، زار الملك سعود المدينة المنورة بعد وفاة الملك عبدالعزيز رحمهما الله وتسلمه مقاليد الحكم فتشرف ـ رحمه الله ـ ببناء أربعة أحجار من الرخام البني والأبيض في إحدى زوايا الجدار، تأسياً بالنبي، وذلك في شهر ربيع الأول عام 1373هـ.

بعد تولي الملك سعود رحمه الله الحكم، أولى مسيرة التوسعة جل اهتمامه، فأنشأ لهذا المشروع مكتباً خاصاً يضم أكثر من خمسين موظفاً يقومون بالأعمال الإدارية والحسابية والهندسية وكل ما يلزم لإنجاز التوسعة.

وقد استمر العمل في هذه التوسعة يسير بانتظام، واستخدام أحدث الطرق الهندسية في أعمال الهدميات والإنشاءات. افتتح المسجد بعد التوسعة في 5 ربيع الأول عام 1375هـ/ 22 أكتوبر 1955م، وقد نتج عن التوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي أن أضيف إلى مسطح المسجد (6024 م2)، فأصبح مسطحه الإجمالي (16327 م2)

3. الفكرة المعمارية

نبعت الفكرة المعمارية لأعمال التوسعة السعودية الأولى، من الإبقاء على جناح القبلة للتوسعة المجيدية، ذي الاثنى عشر رواقاً والذي تبلغ مساحته 4056م2، تشمل الجزء القبلي المسقوف، حيث يقع في هذا الجزء الحجرة المطهرة، بقبتها الخضراء، ومصلى المصطفى، والروضة المطهرة والمنبر الشريف، والأسطوانات الأثرية، والمئذنة الرئيسية، ومئذنة باب السلام، ومصلى رسول اللهإلى بيت المقدس. وأضيف ما مساحته 6024م2، تم نزع ملكيتها وإعادة بناء 6247م2، مما هدم من أروقة العمارة المجيدية. أصبح إجمالي مسطح المسجد 16327م2، وبلغ مجموع التوسعة السعودية الأولى 12271م2، وهي أضخم وأكبر توسعة تناولت المسجد النبوي الشريف منذ إنشائه حتى ذلك الوقت.

التوسعة السعودية الأولى عبارة عن مستطيل، طوله 128م وعرضه 91م. يتكون هذا المستطيل من صحن (حصوة) شمال الجزء المتبقي من العمارة المجيدية يحف به أروقة بشرقي وغربي وشمال المسجد. وفي الجهة الشمالية لهذا الجناح يوجد صحن آخر مماثل للصحن الأول تماماً بكل ما فيه. كان الجناح الشمالي في مؤخر المسجد النبوي الشريف يتكون من خمسة أروقة، وبه ثلاثة أبواب من الغرب إلى الشرق كما يلي: باب عمر بن الخطاب، باب المجيدي (الباب المجيدي) باب عثمان t.

وفي الركنين الشمالي الشرقي والشمالي الغربي أقيمت مئذنتان، ارتفاع كل منهما سبعون متراً. وقد غطت العمارة السعودية الجدار الغربي بأكمله، من باب السلام إلى باب عمر، بتكسية مماثلة للتوسعة السعودية من الجهة الشمالية والشرقية، حتى يكون المسجد في صورة متناسقة. وفي الجانبين الشرقي والغربي للصحن توجد ثلاثة أروقة في كل جانب، وخلف هذا الصحن، الذي يمتد من الشرق إلى الغرب، جناح يضم ثلاثة أروقة، أضيئت بكشافات كهربائية عظيمة.

وقد فتح، في الجهة الشرقية من هذا الجناح، باب كبير مكون من ثلاث فتحات، سمى باب الملك عبدالعزيز، تخليداً لاسم صاحب التوسعة رحمه الله. وفي الجهة الغربية منه، فتح باب مماثل للباب السابق، سمى باب الملك سعود لاسم من انتهت التوسعة على يديه رحمهما الله.

تمتاز الفكرة الإنشائية للعمارة السعودية الأولى للمسجد النبوي الشريف، بأنها أقيمت على شكل هيكل من الخرسانة المسلحة، مكونة أعمدة تحمل على رؤوسها عقوداً مدببة ذات شكل أبلق (حجر أبيض وبجانبه حجر أسود). وأما السقف فقد قسم إلى مربعات على هيئة السقوف الخشبية، وزخرفت بأنواع الزخارف المختلفة. ويعلو هذه الأعمدة تيجان من النحاس الأصفر المنقوش المفرغ بأنواع من الزخرفة البديعة. وأما قواعد الأعمدة فقد كسيت بالرخام، الذي يغلب عليه اللون الأبيض، كما دهنت الأعمدة باللون الأبيض الناصع. ويغلب على لون العمارة السعودية الأولى اللون الأبيض المطعم بقليل من اللونين الأحمر والأسود. إلا أن تحديثاً وتجديداً حصل في العمارة السعودية الأولى عام 1413 هـ، حيث كسيت جميع الأعمدة بالرخام الأبيض المماثل لأعمدة التوسعة السعودية الثانية للمسجد النبوي الشريف، في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظه الله. وأصبحت تلك الأعمدة لا تختلف عن أعمدة التوسعة السعودية الثانية.

وأما العمارة المجيدية الباقية إلى الآن، فقد كان يغلب عليها اللون الأحمر، وقد طليت باللون الأبيض، الذي يغلب عليه اللون الكريمي، حتى ينسجم المبنى مع التوسعة السعودية الأولى والثانية، كما طليت أيضا تيجان الأعمدة المصنوعة من الحجر بنقشها الجميل. ومعظم قواعد الأعمدة للعمارة المجيدية ملفوفة بأطواق من النحاس الأصفر. وضمن اهتمامات الدولة بالمسجد النبوي الشريف، فقد أمرت الدولة بتطويق هذه الأعمدة بطبقة من الخرسانة المسلحة إلى النصف زيادة في تماسكها وطول عمرها، ولف أعلاها بأطواق من النحاس الأصفر فبدت غاية في الإبداع والجمال.

غطيت أرضية الصحن بالرخام، الذي لا يمتص حرارة الشمس، ويحتفظ بدرجة حرارة لطيفة لا تؤذي المارين عليه. وفي هذا الصحن نصبت ثمانية أعمدة من الرخام الأبيض اللون، وصنعت لها تيجان من البرونز الأصفر المنقوش، ونصبت فوقها أسطوانات مزخرفة من البرونز، وبداخلها لمبات مبطنة بالزجاج لإضاءة الصحن، حيث حرص معماري المشروع على تحقيق التكامل والانسجام ما بين التوسعة السعودية الأولى والعمارة المجيدية، التي تقرر الإبقاء عليها (اُنظر صورة التكامل والانسجام).

بلغ عدد الأعمدة في العمارة السعودية الأولى 474 عموداً مربعاً، و232 عموداً مستديراً. وأقيم كل عمود على قاعدة مربعة، وينتهي كل عمود بتاج من الزخارف الجصية. وكانت منابت العقود محمولة على أعمدة بنيت من الأسمنت المسلح، وغُطيت قواعدها بالرخام الأسود حيث طُليت هذه الأعمدة باللون الأبيض، وغُطيت رؤوسها بشبكة من النحاس الأصفر ووضعت فوق كل منها 8 مصابيح نحاسية أُلصقت في أربعة جوانب.

كما بلغ عدد العقود 689 عقداً منقوشة الشكل، بُنيت من الأسمنت المسلح، وغُطيت هذه العقود بالحجر الصناعي المزخرف، وتحمل العقود سقوف المسجد. وغُطيت السقوف بالحجر الصناعي. ورُوعي في ذلك استخدام اللون الأبيض المزخرف بالأشكال الهندسية. وبلغ طول الجدار الشرقي 128م، وطول الجدار الغربي 128م، وطول الجدار الشمالي 91م. وبلغ عدد الأروقة في القسم الشمالي 5 أروقة، و3 أروقة في الجانب الشرقي، و3 أروقة في الجانب الغربي، و3 أروقة في الوسط، وهناك حصوتان. وبلغ عدد النوافذ 44 نافذة، حُليت بزخارف إسلامية جميلة الشكل، كما بلغ عدد المصابيح 2411 مصباحاً، موزعة على الأعمدة والصحنين.

مما تقدم، يمكننا توضيح حالة المسجد النبوي الشريف بعد العمارة السعودية الأولى له على النحو التالي:

أ. القسم الجنوبي مما يلي باب الرحمة وباب النساء، وهو من عمارة السلطان عبد المجيد عام1265-1277هـ.

ب. القسم الشمالي مما يلي باب الرحمة وباب النساء، وهو من عمارة الملك عبد العزيز آل سعود عام 1370- 1375هـ.

ج. مباني الحجرة المطهرة، وقواعد القبة الخضراء وأعمدتها، هي من عمارة السلطان قايتباي عام 887هـ.

د. النوافذ القائمة حول الحجرة النبوية الشريفة، هي من إنشاءات الظاهر بيبرس عام 668هـ والملك زين الدين كتبغا عام 694هـ.

هـ. القبة الخضراء وأول من صبغها باللون الأخضر السلطان عبدالمجيد، عام 1223هـ.

و. المحراب النبوي من إنشاءات قايتباي عام 888- 890هـ.

ز. المحراب السليماني، الذي يقع على يمين المنبر هو من إنشاءات الأشرف إينال عام 860هـ.

ح. المحراب العثماني في الجدار القبلي للمسجد، هو من عمارة السلطان قايتباي عام 888- 890هـ.

4. مساحة التوسعة السعودية الأولى

وحيث إن التوسعة السعودية الأولى، شملت أجزاء من العمارة المجيدية، التي هدمت، وأعيد بناؤها ضمن العمارة السعودية الأولى، وتلك الأجزاء تبدأ من باب الرحمة غرباً إلى باب عمر شمالاً، ومن باب النساء شرقاً إلى باب عثمان شمالاً، فيحسن بنا أن نوضح ذلك فيما يلي (اُنظر شكل المنطقة المحيطة والأراضي المنزوعة):

أ. مساحة المسجد النبوي الشريف قبل التوسعة السعودية الأولى 10303م2.

ب. مساحة الأجزاء، التي هدمت من الجهات الثلاث 6247م2.

ج. الباقي من المساحة في الجهة القبلية من البناء المجيدي 4056م2.

د. مساحة الزيادة في التوسعة السعودية الأولى 6024م2.

هـ. مساحة الأجزاء التي أعيد تعميرها في التوسعة السعودية الأولى 6247م2.

و. مساحة التوسعة السعودية الأولى الإجمالية 12271م2.

ز. مساحة المسجد الإجمالية بعد التوسعة السعودية الأولى 16327م2.

5. أبواب المسجد النبوي الشريف بعد التوسعة السعودية الأولى

باب السلام: ويقع في الركن الجنوبي الغربي من المسجد النبوي الشريف، وهو يحاذي الباب الذي أحدثه عمر بن الخطاب t، في زيادته للمسجد النبوي الشريف.

باب الصديق: ويقع غرب المسجد النبوي الشريف، ويعرف بخوخة أبى بكر الصديقt . روي في الصحيح: أن رسول الله r قال: ]‏إِنَّ ‏أَمَنَّ النَّاسِ‏ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحْبَتِهِ أَبُو بَكْرٍ ‏وَلَوْ كُنْتُ مُتَّخِذًا ‏خَلِيلاً ‏لاتَّخَذْتُ ‏أَبَا بَكْرٍ خَلِيلاً ‏وَلَكِنْ أُخُوَّةُ الإِسْلامِ لا تُبْقَيَنَّ فِي الْمَسْجِدِ ‏‏خَوْخَةٌ ‏إِلاَّ ‏خَوْخَةَ ‏أَبِي بَكْرٍ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 4390). فكانوا في كل عمارة للمسجد النبوي الشريف يبنون باباً بحذاء الخوخة ليدل على مكانها، وفي العمارة السعودية الأولى، أحدثوا بوابة كبيرة بثلاث فتحات بين باب السلام وباب الرحمة، وسميت باب الصديق عملاً بتوصية المصطفى.

·   باب الرحمة: ويقع غرب المسجد وكان يعرف بباب عاتكة ـ وقد تقدم الحديث عنه.

·   باب جبريل: ويقع شرق المسجد شمال شرق الحجرة الشريفة ـ وقد تقدم الحديث عنه.

·   باب النساء: ويقع شرق المسجد بعد باب جبريل من الشمال، وهو بحذاء الباب الذي فتحه عمر بن الخطاب t في زيادته للمسجد النبوي ـ كما تقدم.

·   باب عبد العزيز: ويقع شرق المسجد بعد باب النساء، وهو عبارة عن ثلاثة أبواب واسعة تطل على شارع الملك عبدالعزيز من الشرق.

·   باب عثمان بن عفان: ويقع في الركن الشمالي الشرقي للمسجد النبوي الشريف.

·   باب المجيدي: ويقع في وسط الجدار الشرقي من المسجد النبوي الشريف، وهو عبارة عن باب واحد، وكان يسمى بهذا الاسم بعد عمارة السلطان عبدالمجيد للمسجد، وأعيد اسمه في التوسعة السعودية الأولى تخليداً لاسم السلطان عبدالمجيد.

·   باب عمر بن الخطاب: ويقع في الركن الشمالي الغربي من المسجد النبوي، وهو عبارة عن باب واحد.

·   باب سعود: ويقع غرب المسجد، بعد باب الرحمة من الجهة الشمالية، وهو عبارة عن ثلاثة أبواب واسعة ويواجه باب عبدالعزيز.

6. التفاصيل العمرانية والمعمارية للتوسعة السعودية الأولى

من المعروف أن المسجد النبوي لم يكن له منارة على عهد الرسول r، وكذا في عهد الخلفاء الراشدين، وإنما كان يؤذن على أسطوانة بدار عبدالله بن عمر، وهي المعروفة الآن بدار العشرة، وهي في قبلة المسجد. فقد كان بلال يرقى إليها على سبعة أقتاب، فلما كانت زيادة الوليد أحدث عمر بن عبدالعزيزt  عامله على المدينة، فأقام أربع مآذن، في كل زاوية مئذنة.

وكانت المئذنة التي عند باب السلام مطلة على دار مروان، فلما حج سليمان بن عبدالملك أذن المؤذن فأطل عليه، فأمر بهدم تلك المئذنة.

وفي العصر المملوكي أعاد بناءها (706 هـ/1306م) السلطان محمد بن قلاوون، وقيل أعادها شيخ الحرم شبل الدولة كافور المظفرى. أما المئذنة، التي على باب الرحمة، فقد أنشأها السلطان قايتباي. وهكذا كان بالمسجد خمس مآذن، في كل ركن من أركانه الأربعة مئذنة، وخامسة أمام باب الرحمة. وكانت المئذنة التي في الزاوية الجنوبية الغربية تسمى بمئذنة باب السلام، وهى عثمانية الطراز، فهي تنتهي بما يشبه رأس قلم الرصاص. والتي في الزاوية الجنوبية الشرقية، تسمى المئذنة الرئيسية، وهي التي يؤذن عليها رئيس المؤذنين، وهي ترجع إلى عهد السلطان قاتيباي. أما التي تقع في الركن الشمالي الشرقي، فتسمى المئذنة السليمانية. والتي في الركن الشمال الغربي تسمى المئذنة المجيدية. وقد أزيلت ثلاث مآذن في التوسعة السعودية الأولى، وهي مئذنة باب الرحمة في الضلع الغربي للمسجد، كما أزيلت المئذنتان الشمالية الغربية، أي المئذنة المجيدية، والتي في الركن الشمالي الشرقي، وهي المعروفة بالمئذنة السليمانية (اُنظر صورة أحد الشوارع) و(صورة الواجهة الشرقية).

أصبحت مآذن المسجد النبوي الشريف في العمارة السعودية الأولى 1370 ـ 1375هـ أربع مآذن. فقد أزيلت (المئذنة الشمالية الغربية التشكيلية)، و(المئذنة الشمالية الشرقية السنجارية) و(مئذنة باب الرحمة)، وبنى بدلاً منها منارتان إحداهما في الجهة الشمالية الشرقية، والأخرى في الجهة الشمالية الغربية. وتتميز إنشاءات المآذن في التوسعة السعودية الأولى بما يلي:

أ. يبلغ عمق أساس كل مئذنة 17م، وارتفاعها 70م.

ب. تتكون كل مئذنة من أربعة طوابق، كما يلي:

·   الطابق الأول السفلي: ويبدأ من بداية جدران المسجد، وهو مربع الشكل، ينتهي بشرفة مربعة، كذلك تقوم على كوابيل مكونة من ثلاثة صفوف من الدلايات، وبكل ضلع من أضلاع الطابق الأول من المئذنة، توجد فتحة ضيقة مزججة، تمتد من قرب القاعدة وتنتهي إلى ما يقرب من كوابيل الشرفة. وهذه الفتحات القصد منها الإضاءة، فضلاً عن تجميل وزخرفة الطابق الأول من المئذنة. وينتهي الطابق الأول إلى ما يعلو جدار المسجد بمقدار الثلث. فهو مربع ويستمر أعلى سطح المسجد، وينتهي بمقرنصات تحمل أعلاها شرفة.

·   الطابق الثاني: وهو مثمن الشكل، وينتهي بشرفة مثمنة، ترتكز على ثلاثة صفوف من الدلايات. وقد فتح في كل وجه من أوجه المثمن فتحة ممتدة، يعلوها عقد ذو زاوية (Keel arch) ويعلو الفتحة نافذة مستديرة. وبأسفل الطابق فتحت أربع نوافذ مربعة الشكل. زين بعقود تنتهي بشكل مثلثات، وينتهي في أعلاه بمقرنصات تعلوها شرفة.

·   الطابق الثالث: ويتكون الطابق الثالث من شكل أسطواني خال من الفتحات، ومن ثم فقد زخرف بأحجار ملونه بأسلوب الأبلق، على شكل متعرج (Zigzag) فهو مستدير بنفس ارتفاع الطابق الثاني تقريباً، حلي بدالات ملونة، وينتهي بمقرنصات تحمل أعلاها شرفة دائرية.

·   الطابق الرابع: أما الطابق الرابع فيتكون من ثمانية أعمدة، تنتهي بشرفة تقوم على صفين من الدلايات. (الجوسق) وقد ارتفع قليلاً، حيث عمل له طابق خامس، بشكل خوذة مضلعة، تنتهي بشكل شبه مخروطي، يعلوه قبة بصلية، وينتهي من أعلى بمقرنصات أيضاً، تعلوها شرفة يعلوها هلال من النحاس، وبه مانعة للصواعـق.

7. تأثير التوسعة السعودية الأولى على المحيط العمراني

تعد المدينة المنورة أول مدينة إسلامية، وأول تجربة عمرانية احتضنت المسلمين، وتكوّن بين أرجائها نموذج حي للمجتمع الإسلامي. وقد حافظت المدينة المنورة على نمط أحيائها السكنية ذات الصبغة المنفصلة (فكرة الأحواش)، والأحياء ذات الكتل المتراصة ومتعرجة الطرقات، وذلك عندما تكتلت حول مسجد الرسول.

وبنية المدينة المنورة العمرانية تشكلت تدريجياً على مر السنين، مقدمة نموذجاً رائعاً ونمطاً فريداً للمدينة الإسلامية، وقد مرت عليها فترات نمو وازدهار أكسبتها خصائص عمرانية فريدة، ونقلت إليها تقنيات بناء مختلفة.

تعتبر المدينة المنورة مركزاً رئيسياً للإسلام، إذ إنها تأتي ثاني أقدس مدينة للمسلمين، بعد مكة المكرمة؛ نظراً لوجود مسجد الرسول r وقبره فيها.

بوابات المسجد النبوي الشريف حددت شوارع المدينة وطرقها، باعتبارها محوراً رئيساً من محاور تخطيطها، في إبراز محاور التخطيط الأخرى المؤثرة على تخطيط المدينة النبوية، عند توضيح التصنيف الأساس لها، إلى شوارع عامة وطرق خاصة، يختص كل منها بنظام معين من الالتفاف.

والمسجد النبوي الشريف من التكوينات المعمارية الأساسية بالمدينة، يمثل محوراً رئيسياً من محاور تخطيطها، واقتضت وظائفه الدينية والتعليمية والسياسية، أن يكون موضعه وسط المدينة؛ ليكون قريباً من كل موضع فيها. ومن حوله خطت الخطط، التي توجهت شوارعها الرئيسة إليه، وهو يتوسطها. وظل المسجد، بوسطية موضعه في المدينة، في الفترة التاريخية، التي لم يسمح فيها بإقامة أكثر من خطبة في المدينة، عاملاً مؤثراً على توجيه شوارع المدينة الرئيسة، وبالتالي على الشوارع والسكك والأزقة الفرعية المتصلة بها. وتعتبر المدينة المنورة أولى المدن الإسلامية، التي بدأت فيها هذه الظاهرة. واستمرت في "مدن الأمصار": البصرة، والكوفة، والفسطاط، والقيروان، كما أنها استمرت في واسط، وبغداد، وفاس، والقطائع، والقاهرة، وغيرها من المدن الإسلامية الناشئة. وفي المدن التي فتحها المسلمون، اختير للمسجد الجامع موضع متوسط أيضاً، ووجهت الطرق، خاصة في الإمدادات العمرانية الجديدة، نحو المسجد. ومن أبرز الأمثلة على ذلك دمشق وقرطبة. وكان، لارتباط المسجد الجامع بعلاقة التجاور مع دار الإمارة أو القصر، أثر في هذا التوجه، حيث إن الحاجة إلى التوجه إلى مركز الإدارة والحكم قائمة، وسهولة الوصول إليه مطلوبة، وكان وضعها في هذا الموضع مقصوداً لتحقيق هذه الغاية.

واعتبرت الشوارع الرئيسة في المدينة هي المبتدئة من أبواب المسجد النبوي، وتتفرع منها وتصب فيها جميع الشوارع الفرعية، والسكك والأزقة الجانبية، والتي كان اتساعها أقل بطبيعة الحال عن الشارع الأعظم. فقد روعي التدرج في قطاعات الطرق حسب الأهمية وتدفق الحركة على كل محور من محاور المرور في المدينة. وارتبط هذا التدرج بالعوامل الأخرى، التي أثرت على شوارع المدينة، من حيث تحديد اتجاهاتها ومقاييسها وشكلها العام، بل طريقة توزيع المباني على جانبيها، وارتفاعات هذه المباني.

وإذا وضعنا في الاعتبار أن ضيق الشارع أو اتساعه مرتبط أصلاً بحركة المرور، وبوسائل النقل المستخدمة، يتضح لنا أن هذه الشوارع والطرق الخاصة، لم تكن تضيق بأصحابها الذين لهم حق الارتفاق بها، ذلك لأنهم كيفوا أنفسهم على استخدامها والارتفاق بها، بما يتفق وتحقيق المنفعة وإزالة الضرر، في إطار المبدأ الإسلامي "لا ضرر ولا ضرار".

ظهرت أول تأثيرات التوسعة السعودية الأولى للمسجد النبوي الشريف، عندما بدئ في هدم المباني المحيطة بالمسجد النبوي الشريف في 5 شوال 1370هـ 10 يوليه 1951م، وذلك بعد قيام اللجنة، التي شكلت بتقدير من وجهاء المدينة وبصرف التعويضات اللازمة لأصحاب تلك الدور والعقارات. كما بدئ في إزالة المآذن الشمالية والأروقة الشمالية والشرقية والغربية للمسجد، مع البدء في حفر الأساسات اللازمة للمشروع.

صاحب أعمال التوسعة زحف للمركز التجاري باتجاه الشمال والشرق للمسجد، وقد بدأت بالظهور في ذلك الوقت العمارات السكنية شبه البرجية.

وتبع ذلك زيادة في حركة التعمير خارج حدود المدينة القديمة، وبداية ظهور المخططات العمرانية ذات التقسيم الشبكي، والفيلات السكنية البديلة لبيوت القاعة.

وتعتبر شبكة الطرق الحضرية الرئيسية أول متطلبات التخطيط بعد التوسعة. وبالنظر إلى مخطط المدينة المنورة، بعد انتهاء أعمال التوسعة، نجد أنه إشعاعي التكوين، وذلك لخدمة حركة المرور، المرتبطة بالمسجد النبوي الشريف.

وقد شقت الطرق الواسعة؛ لتستوعب السيارات والحافلات المؤدية إلى المسجد النبوي؛ لتنقل الزوار من مكة المكرمة وبقية مدن المملكة إلى هذا المكان الشريف.

ثانياً: التوسعة السعودية الثانية

أدى ما وفرته الدولة من أمن وأمان وراحة واستقرار لضيوف الرحمن، إضافة إلى توفير الخدمات المساندة في الشوارع الفسيحة والميادين الواسعة حول المسجد، والتي تستوعب حركة السيارات والحافلات، مع إحاطتهم بالرعاية والعناية، إلى توفير أسباب المتعة لهم في هذا المكان الطاهر، فتزايدت أعدادهم. وقد أدت زيادة أعداد الحجاج وزوار مسجد المصطفى r، إلى اتخاذ إجراء حاسم لمواجهة هذه الزيادة، وذلك بتوسعة المسجد النبوي الشريف.

لم يكد يمضى على التوسعة السعودية الأولى عام واحد، حتى ظهرت للمغفور له الملك فيصل، رحمة الله عليه، الحاجة الملحة إلى زيادة رقعة المسجد النبوي، نظراً لازدياد عدد الحجيج للأسباب السالف ذكرها. ومن ثم، فقد أصدر الملك فيصل أمره بمباشرة التوسعة السعودية الثانية للمسجد، وقد رأى جلالة الملك فيصل، رحمه الله، المحافظة على كل ما يسجل ويوثق تاريخ المسجد النبوي، وذلك بالإبقاء على مباني التوسعة الأولى تماماً، وترميمها. كما رأى إبقاء العمائر المحيطة من الجهة القبلية والشرقية، وكذا الشمالية، بقدر الإمكان، على أن تكون الزيادة من الجهة الغربية.

وهكذا صدر أمر جلالة الملك فيصل، رحمة الله عليه، بمباشرة هذه التوسعة، والتي قدر لها أن تتم كلها في الناحية الغربية للمسجد، بحيث تبدأ من الضلع الغربي وتمتد حتى تصل إلى الشارع العيني، وبذلك يكون طول هذه الزيادة (1656م) ، كما أن تمتد من الجنوب (القبلي) الغربي إلى الشمال الغربي حتى (الساحة) بطول يبلغ مقداره (185م) تقريباً.

فعند وقوف ولي الأمر على الحاجة الماسة إلى تخفيف الضغط على مبنى المسجد النبوي الشريف، وإزاء تضاعف أعداد الحجاج، قرر المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز إجراء توسعة جديدة، وتمثلت في إضافة (30000) متر مربع جديد إلى أرض المسجد. لم تتناول أعمال هذه التوسعة العمارة السعودية الأولى للمسجد نفسه، بل جهزت تلك المساحة لإقامة مصلى كبير مظلل، يتسع لعدد من المصلين يماثل عددهم داخل المسجد. ثم بعد ذلك أضيفت مساحة (5550 م2)، وظللت كذلك، مما أتاح المجال لاستيعاب أعداد كبيرة من المصلين.

ثالثا: التوسعة السعودية الثالثة

تمت التوسعة السعودية الثالثة في عهد جلالة الملك خالد بن عبدالعزيز ـ رحمه الله ـ بإضافة ما مساحته (45000م2) والتي أصبحت ميداناً مظللاً فسيحاً، أضيف إلى أرض المسجد الخارجية، وذلك لاستيعاب أكبر عدد من المصلين. لم تتناول أعمال هذه التوسعة عمارة المسجد. شملت هذه التوسعة سوق القماشة، الذي اندلعت النيران فيه في 18 رجب سنة 1397 هـ، ويقع في الجنوب الغربي من المسجد النبوي الشريف، حيث أزيلت المنطقة وتم تعويض أصحاب الدور والعقارات وضمت الأرض بعد تسويتها إلى ساحات المسجد النبوي الشريف. امتدت التوسعة إلى شارع العينية والمواضىء، التي كانت أمام المسجد من الجهة الغربية، وكل المساكن والشوارع، التي تقع في هذا الاتجاه، كما امتدت من الجنوب إلى الشمال حتى شارع الساحة، ومن جدار الحرم الغربي إلى المناخة وقد أصبح جزء من هذه المساحة مواقف للسيارات، بينما غطي الجزء الآخر، كسابقه، بمظلات مؤقتة، وجهز بالإضاءة اللازمة وبالمراوح ومكبرات الصوت. وبلغت المساحة الإجمالية (45000م2)، مما ساعد على توسعة المسجد، وأصبح جاهزاً لزوار مسجد الرسول r.

رابعاً: تأثير التوسعة السعودية الثانية والثالثة على المحيط العمراني

ظهرت أول تأثيرات التوسعة السعودية الثانية والثالثة للمسجد النبوي الشريف، عندما بدئ في هدم المباني المحيطة بالتوسعة السعودية الأولى، بعدما نزعت الدولة ملكية الدور، التي بجوار الحرم النبوي الشريف من الناحية الغربية، وعوضت أصحابها بالمال الجزيل. وفي عام 1393هـ، بدئ في الهدم وتم ذلك في ثلاثة أشهر، وبعد أربعة أشهر أخرى كانت الأرض صالحة للصلاة عليها، بعد أن هيئت فيها مظلات تقي المصلين من حر الشمس والأمطار. صاحب أعمال التوسعة القيام ببعض أعمال التجديد الحضري للشوارع والميادين، وذلك برصفها وإنارتها. كما أن زحف المركز التجاري باتجاه شمال غرب المسجد، قد ساعد في تحويل الكثير من المباني السكنية إلى محلات تجارية وظهور العمارات السكنية شبه البرجية في شمال غرب منطقة المسجد. وتبع ذلك زيادة في حركة التعمير خارج حدود المدينة، واستمرار ظهور المخططات العمرانية ذات التقسيم الشبكي. (اُنظر صورة التوسعة السعودية الثانية والثالثة).

وتعتبر شبكة الطرق الحضرية الرئيسية أول متطلبات التخطيط الحضري، بعد هاتين التوسعتين. وبالنظر إلى مخطط المدينة المنورة، بعد انتهاء أعمالهما، نجد أنه إشعاعي التكوين، وذلك لخدمة حركة المرور المرتبطة بالمسجد النبوي الشريف.

ونظراً لأن شبكة الطرق لم تكن متوائمة مع الأعداد المتزايدة من السيارات والحافلات، في ذلك الوقت؛ لذلك رؤى إنشاء الطريق الدائري الأول لتحقيق نوع من الانسيابية في حركة المرور حول المنطقة المركزية، وتحقيق اتصال مباشر بين الطرق الإشعاعية الرئيسية.

وقد واكب أعمال التوسعتين انتعاش الأحوال الاقتصادية، وخاصة التجارية، التي ترتبط بالزيادة المطردة للحجاج، كما أن وجود المطار الدولي قد سهل اتصال المدينة المنورة بالعالم الإسلامي.