إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الحَرمان الشريفان، والتوسعات المختلفة




مآذن الحرم التسعة
واجهة ومئذنة
واجهة ومئذنة أخرى
واجهة ومئذنة القبلة
أحد الشوارع
الواجهات الخارجية
الواجهة الشرقية
المدخل الشمالي الرئيسي
الأسقف الداخلية والعقود المدببة
المظلات وهي مغلقة
المظلات وهي مفتوحة
الأعمدة وقواعدها
الأعمدة في الحرم
التوسعة السعودية الثانية والثالثة
التكامل والانسجام
الحجر الأسود
الروضة الشريفة
العقود المدببة (الأبلق)
القباب المتحركة المغلفة
القباب المتحركة المفتوحة
بوابة المروة وساحة المسعى
توسعة خادم الحرمين الشريفين
بداية التوسعة السعودية
ساحة المطاف
زخارف الواجهات الخارجية
سطح الحرم وساحة السعي
كسوة الكعبة

مخطط مقارن للمسجد
إضافة دار الندوة
مسقط للحرم المكي
مسقط أفقي بعد توسعة
مقام إبراهيم ـ عليه السلام ـ
المنطقة المحيطة والأراضي المنزوعة
المنطقة المركزية والخط الدائري
الأحياء الملتفة حوله
الأجزاء المضافة
المخطط بعد العمارة العثمانية
التأثير على المحيط العمراني
التوسعات في عهد المهدي العباسي
الحرم في عهد عمر بن الخطاب
الحرم في عهد قريش
الركن اليماني
الشوارع والطرق
الكعبة بعد العمارة العثمانية
توسعات في عهد الملك عبدالعزيز
توسعة أبو جعفر المنصور
توسعة المهدي
توسعة الوليد بن عبدالملك
توسعة عبدالله الزبير
تصور لمسجد الرسول ـ صلى الله عليه وسلم




المبحث حادي عشر

المبحث حادي عشر

الدروس المستفادة من عمارة وتوسعات الحرمين الشريفين

أولاً: التراتيب الإدارية والسلوكية

اقتداء المساجد في صلاتهم بمؤذن المسجد الجامع

كانت مساجد المدينة تسعة سوى مسجد رسول الله r، كلهم يصلون بأذان بلال، t.

وذكر الكتاني، في التراتيب الإدارية، أن أهل السير ذكروا أن بلالاً كان يؤذن على أسطوان في قبلة المسجد يرقى إليها بأقتاب فيها، وكانت خارجة من المسجد، لم تكن فيه. إنه لم يكن منار في زمانه r وإنما هو من سنة الصحابة.

1. فرش المسجد

الخُمرة، كالحصير الصغير، من سعف النخل، يضفر بالسيور ونحوها، بقدر الوجه والكفين للمصلي، وفي المعالم للخطابي الخمرة "السجادة التي يسجد عليها المصلي". روى البخاري عن ميمونة عن عائشة قالت: ‏قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ‏‏r]‏نَاوِلِينِي ‏الْخُمْرَةَ ‏مِنْ الْمَسْجِدِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 23054). وروى النسائي عن ميمونة قالت ]كان رسول الله r يَضَعُ رَأْسَهُ فِي حَجْرِ إِحْدَانَا فَيَتْلُو الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ وَتَقُومُ إِحْدَانَا ‏بِالْخُمْرَةِ ‏إِلَى الْمَسْجِدِ فَتَبْسُطُهَا وَهِيَ حَائِضٌ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 382).

2. ترتيب الساتر للإمام

ورد في الصحيحين عن ابن عمر، كان رسول الله r يغدو إلى المصلى والعنزة تحمل بين يديه ويصلي إليها، والعنزة عصا قدر نصف الرمح أو أكبر لها ساق مثل ساق الرمح. وفي كتاب البيان والتبيين أنه كان له r مخصرة وقضيب وعنزة تحمل بين يديه.

3. آداب المسجد دروس معنوية

إذا كان التزام الأدب في بيوت العظماء والأمراء واجباً فالتزامه في بيت خالق العظماء ورب الأمراء أكثر وجوباً.

والمسجد بيت الله، وهو ملتقى المسلمين في صلواتهم وندواتهم، فيما يخص شؤونهم، لذا لزم أن يكون له قواعد تنظم شؤون المسلمين فيه، وآداب تتناسب مع رفعة مكانته وخطورة شأنه. والآداب منها ما يتعلق بالمسجد عامة، ومنها ما يتعلق بصلاة الجماعة فيه.

وقد حدثت دواعي هذه الآداب في المسجد النبوي الشريف، بحيث وجه r صحابته بها وأصبحت جزءاً من السنن المكملة للإيمان.

هناك العديد من الآداب المتعلقة بالمسجد، وهي من الثوابت المعنوية، التي يجب على المسلم الالتزام بها:

أ. ليس من أدب الإسلام الخروج من المسجد بعد سماع الأذان حتى نصلي المكتوبة مع الجماعة إلا لعذر. عن أبي الشعثاء t قال: "كنا قعوداً مع أبى هريرة t في المسجد فأذن المؤذن، فقام رجل من المسجد يمشي ـ قبل أن يصلي الفريضة مع الجماعة ـ فأتبعه أبو هريرة t بصره حتى خرج من المسجد، فقال أبو هريرة t ]‏أَمَّا هَذَا فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ [r (سنن أبو داود، الحديث الرقم 451).

ب. ليس من أدب الإسلام رفع الصوت في المسجد أو الخصومة فيه: عن السائب بن يزيد الصحابي t، قال: "كنت في المسجد فحصبني رجل (رماني بحصاة) فنظرت فإذا عمر بن الخطاب t، فقال: اذهب فأتني بهذين فجئته بهما فقال: من أين أنتما فقالا: من أهل الطائف، فقال: ]لَوْ كُنْتُمَا مِنْ أَهْلِ الْبَلَدِ لَأَوْجَعْتُكُمَا تَرْفَعَانِ أَصْوَاتَكُمَا فِي ‏مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ  [r(صحيح البخاري، الحديث الرقم 450).

ج. عدم رفع الصوت أثناء الخطبة والانتباه للخطيب: ففي الحديث عن أبى هريرة t، أن رسول الله r قال: ]‏إِذَا قُلْتَ لِصَاحِبِكَ أَنْصِتْ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ فَقَدْ لَغَوْتَ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 1559).

د. عدم رفع الصوت في قراءة القرآن لئلا يشوش القراء بعضهم على بعض أو على المصلين والذاكرين. عن ابن عمر رضي الله عنهما، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ r ‏خَرَجَ عَلَى النَّاسِ وَهُمْ يُصَلُّونَ وَقَدْ عَلَتْ أَصْوَاتُهُمْ بِالْقِرَاءَةِ فَقَالَ:]‏إِنَّ الْمُصَلِّي يُنَاجِي رَبَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فَلْيَنْظُرْ مَا يُنَاجِيهِ وَلا يَجْهَرْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِالْقُرْآنِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 18249).

هـ. عدم استخدام المسجد للبيع والشراء أو للسؤال عن ضائع أو لأي عمل يخرج عن الأهداف التي وجد المسجد من أجلها. فعن عمر بن شعيب t عن أبيه عن جده رضي الله عنهم أن رسول الله r ]نَهَى عَنْ الشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنْ ‏تُنْشَدَ ‏فِيهِ ضَالَّةٌ وَأَنْ يُنْشَدَ فِيهِ شِعْرٌ وَنَهَى عَنْ ‏التَّحَلُّقِ ‏قَبْلَ الصَّلاةِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 911). وقال: حديث حسن. وقال الشيخ ابن تيمية: أصل السؤال محرم في المسجد إلا لضرورة فإن سأل ولم يؤذ أحداً، كتخطيه الرقاب، ولم يكذب ولم يجهر جهراً يضر الناس كأن يسأل أثناء الخطبة أو الصلاة فجائز.

و. المحافظة على نظافة المسجد: وذلك بعدم رمي الأوساخ أو البصاق فيه، لحديث أنس t، أن رسول الله r قال: ]الْبُصَاقُ فِي الْمَسْجِدِ خَطِيئَةٌ، وَكَفَّارَتُهَا دَفْنُهَا[ (سنن النسائي: الحديث الرقم 715). متفق عليه. هذا إذا كانت أرض المسجد من تراب أو رمل، أما إذا كانت أرضه من بلاط فكفارتها مسحها بمنديل من ورق أو غيره، ورميه خارج المسجد بعد المسح به.

ز. عدم أكل البصل والثوم قبيل الذهاب إلى المسجد؛ لكي لا يتأذى المصلون برائحته. عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله r قال ]‏مَنْ أَكَلَ مِنْ هَذِهِ الشَّجَرَةِ ـ‏ ‏يَعْنِي الثُّومَ ـ‏ ‏فَلا يُؤْذِينَا فِي مَسْجِدِنَا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 7292). وعن جابر t قال: قال النبي r ]‏مَنْ أَكَلَ ثُومًا أَوْ بَصَلاً فَلْيَعْتَزِلْنَا ‏أَوْ قَالَ فَلْيَعْتَزِلْ مَسْجِدَنَا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 14760).

ح. من أدب المسجد أن يكون المسلم نظيف الجسم والثياب حين ذهابه إلى المسجد: قال تعالى: ]يا بنى آدم خُذوا زينتكم عند كل مسجد[ (سورة الأعراف: الآية 31). وعن ابن عمر رضي الله عنهما، أن رسول الله r قال: إذا جاء أحدكم الجمعة فليغتسل  متفق عليه. وفي ذلك دلالة على وجوب غسل الجمعة. وعن سلمان، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله r ]‏لا يَغْتَسِلُ رَجُلٌ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَيَتَطَهَّرُ مَا اسْتَطَاعَ مِنْ طُهْرٍ وَيَدَّهِنُ مِنْ دُهْنِهِ أَوْ يَمَسُّ مِنْ طِيبِ بَيْتِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ فَلا يُفَرِّقُ بَيْنَ اثْنَيْنِ ثُمَّ ‏ ‏يُصَلِّي مَا كُتِبَ لَهُ ثُمَّ يُنْصِتُ إِذَا تَكَلَّمَ الإِمَامُ إِلاَّ غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْجُمُعَةِ الأُخْرَى[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 834).

ط. من السنة أن يصلي الداخل إلى المسجد ركعتين، سنة تحية المسجد. عن قتادةt ، قال: قال رسول الله r ]‏إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلا يَجْلِسْ حَتَّى يُصَلِّيَ رَكْعَتَيْنِ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 21600)، وإن اضطر للجمع بين تحية المسجد وسنة الوقت الذي حضر لصلاته، فلا بأس. والله أعلم.

ي. من آداب المسجد أن يدعو الذاهب إلى المسجد بالدعاء المأثور التالي: عن عبدالله بن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي r خرج إلى المسجد وهو يقول: ]اللَّهُمَّ اجْعَلْ فِي قَلْبِي نُورًا وَفِي بَصَرِي نُورًا وَفِي سَمْعِي نُورًا وَعَنْ يَمِينِي نُورًا وَعَنْ يَسَارِي نُورًا وَفَوْقِي نُورًا وَتَحْتِي نُورًا وَأَمَامِي نُورًا وَخَلْفِي نُورًا وَاجْعَلْ لِي نُورًا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 5841). ويستحب لداخل المسجد أن يقدم رجله اليمنى، وإذا خرج أن يقدم رجله اليسرى، لحديث أنس t قال (إن السنة إذا دخلت المسجد أن تبدأ برجلك اليمنى). وقال البخاري: كان عمر t يفعله. ومن السنة أن يقول، حين دخول المسجد، "بسم الله، اللهم صل على محمد" كما في رواية أنس بن مالك. وفي رواية أبى أسيد رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r ]‏إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمْ الْمَسْجِدَ فَلْيُسَلِّمْ عَلَى النَّبِيِّ ‏r‏‏ ‏ثُمَّ لِيَقُلْ اللَّهُمَّ افْتَحْ لِي أَبْوَابَ رَحْمَتِكَ فَإِذَا خَرَجَ فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 393).

ك. من السنة للمسلم العائد إلى مقر سكناه بعد سفر، أن يدخل المسجد ويصلي فيه، قبل أن يذهب إلى بيته.

4. آداب صلاة الجماعة في المسجد

الإسلام دين اجتماعي يحرص على توثيق أواصر المحبة والتعاون بين أفراد مجتمعه، وينهى عن كل ما يضعف هذه العلاقات. فالعبادات الجماعية في الإسلام تهدف إلى ترابط وتعاون وتكافل أفراد المجتمع الإسلامي، كما تهدف صلاة الجماعة إلى تعارف المصلين في مسجد الحي أو مسجد السوق، ليتفقدوا الغائب ويساعدوا المحتاج ويزوروا المريض. ونظراً لأثر صلاة الجماعة الفعال في المجتمع المسلم، فقد شدد علينا رسول الله r بضرورة الحفاظ عليها، فقال في حديث رواه أبو هريرة t ]‏وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِحَطَبٍ فَيُحْطَبَ ثُمَّ آمُرَ بِالصَّلاةِ فَيُؤَذَّنَ لَهَا ثُمَّ آمُرَ رَجُلاً فَيَؤُمَّ النَّاسَ ثُمَّ ‏أُخَالِفَ ‏إِلَى رِجَالٍ فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ بُيُوتَهُمْ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 839). وذلك لعدم حضورهم صلاة الجماعة. وفي حديث آخر عن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: ]صَلاةُ الرَّجُلِ فِي الْجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ ‏عَلَى صَلاتِهِ فِي بَيْتِهِ وَفِي سُوقِهِ خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى الْمَسْجِدِ لا يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاةُ لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلْ الْمَلَائِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاهُ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ وَلا يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاةَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 611).

هناك مجموعة من الآداب، التي يجب الالتزام بها وهي:

أ. أن نتوقف عن أداء صلاة السنة متى أقيمت الصلاة، ونلحق بالإمام؛ لحديث أبى هريرة، رضي الله عنه، أن رسول الله r قال: ]‏إِذَا أُقِيمَتْ الصَّلاةُ فَلا صَلاةَ إِلاَّ الْمَكْتُوبَةُ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1160).

ب. أن يقف الإمام وسط الصف لحديث أبى هريرة t أن رسول الله r قال: ]وَسِّطُوا الإِمَامَ وَسُدُّوا الْخَلَلَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 583).

ج. أن يكون ترتيب المصلين خلف الإمام حسب الأولويات التالية: الرجال المتفقهون، ثم الرجال العقلاء، ثم الأحداث، ثم النساء؛ لحديث ابن مسعود t، قال: كان رسول الله r يمسح مناكبنا في الصلاة يسويها ويقول ]اسْتَوُوا وَلا تَخْتَلِفُوا فَتَخْتَلِفَ قُلُوبُكُمْ لِيَلِنِي مِنْكُمْ أُولُو ‏الأَحْلَامِ ‏وَالنُّهَى ـ الحليم هو المتثبت من الأمر، يعني المتفقه، والنهى جمع نهية وهم الرجال العقلاء ـ ‏ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (يعنى الأحداث) ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ (يعني النساء)[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 654). وفي حديث أبى هريرة t ، أن رسول الله r قال]خَيْرُ صُفُوفِ الرِّجَالِ أَوَّلُهَا وَشَرُّهَا آخِرُهَا وَخَيْرُ صُفُوفِ النِّسَاءِ آخِرُهَا وَشَرُّهَا أَوَّلُهَا[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 664). وذلك حفاظاً على اختلاط الرجال بالنساء خوف الفتنة ـ والله أعلم.

د. أن يكمل المصلون الصف الأول ويوصلوا الصفوف. عن جابر بن سمرة t قال: خرج علينا رسول الله r في المسجد فقال: ]أَلا تَصُفُّونَ كَمَا تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ تَصُفُّ الْمَلائِكَةُ عِنْدَ رَبِّهَا قَالَ يُتِمُّونَ الصُّفُوفَ الأُوَلَ وَيَتَرَاصُّونَ فِي الصَّفِّ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 651). وأن نبدأ الصف الجديد من الوسط ـ خلف الإمام ـ بعد اكتمال الصف السابق وليس من الجانبين، كما يحسن بداخل للمسجد أن يوازن بين شطري الصف الأخير ويكمل الشطر الأقل عدداً.

هـ. أن نحافظ على استقامة الصف في صلاة الجماعة. عن أنس، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله r ]سَوُّوا صُفُوفَكُمْ فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ تَمَامِ الصَّلاةِ[ (سنن ابن ماجة، الحديث الرقم 983). وفي رواية البخاري ]فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 681). ويحسن بالإمام أن يأمر بتسوية الصفوف وسد الخلل قبل الدخول في الصلاة. فعن أنس t، أن النبي r كان يقبل علينا بوجهه قبل أن يكبر فيقول ]تَرَاصُّوا وَاعْتَدِلُوا[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 11807).

و. أن ننصاع إلى نصيحة من بجانبنا إذا أرشدنا إلى تسوية الصف ورصه؛ لحديث ابن عمر، رضي الله عنهما، قال: قال رسول الله r ]‏أَقِيمُوا الصُّفُوفَ ـ بتسويتها ـ وَحَاذُوا بَيْنَ الْمَنَاكِبِ وَسُدُّوا الْخَلَلَ ـ الفرج ـ وَلِينُوا بِأَيْدِي إِخْوَانِكُمْ ‏‏وَلا تَذَرُوا فُرُجَاتٍ لِلشَّيْطَانِ وَمَنْ وَصَلَ صَفًّا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَ صَفًّا قَطَعَهُ اللَّهُ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 570).

ز. عدم المرور أمام المصلي عن قرب، أما إذا كان المار بعيداً عنه، فلا حرج في ذلك؛ لحديث عبدالله بن الحارث بن الصمة الأنصاري t، قال: قال رسول الله r ]‏لَوْ يَعْلَمُ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي مَاذَا عَلَيْهِ ـ من الإثم ـ لَكَانَ أَنْ يَقِفَ أَرْبَعِينَ خَيْرًا لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ [(موطأ مالك، الحديث الرقم 329). مر شاب من قريش بين يدي أبي سعيد t، وهو يصلي، فدفعه ثم عاد فدفعه ثلاث مرات فلما انصرف قال: إن الصلاة لا يقطعها شيء، ولكن قال رسول الله r ]‏ادْرَءُوا‏ ‏مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 518).

ح. ليس من الأدب تخطي رقاب الناس؛ للوصول إلى الصف الأول طمعاً في ثوابه. لا شك أن ثواب الصف الأول أعظم من ثواب غيره، ولكن تحصيل ثوابه يكون بالحضور إلى المسجد مبكراً فيستمع الأذان، ثم يأخذ مكانه في الصف الأول، قبل أن يكتمل ولا يكون الثواب بإزعاج الناس وتخطي رقابهم. فعن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال ]‏لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ ـ الأذان ـ وَالصَّفِّ الأَوَّلِ ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلاَّ أَنْ ‏يَسْتَهِمُوا ‏عَلَيْهِ ‏لاسْتَهَمُوا[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 537). ومما يوضح هذا المعنى حديث أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: ]‏مَنْ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ـ غسل كامل البدن ـ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً (بعيراً) وَمَنْ ‏‏رَاحَ ‏‏فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَيْضَةً فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتْ الْمَلائِكَةُ يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1403). (غسل الجنابة يعني كغسل الجنابة في الصفة). عن عبدالله بن بسر t ‏أن رسول الله r، بينما هو يخطب يوم الجمعة، إذ رأى رجلاً يتخطى رقاب الناس، حتى تقدم فجلس. فلما قضى النبي r صلاته عارض الرجل حتى لقيه فقال له: ]ما منعك أن تصلي معنا؟ فقال: أو لم ترني؟ فقال: رأيتك آنيت ـ يعنى تأخرت ـ وآذيت ـ الحضور بتخطي رقابهم[ وفي ذلك إشارة إلى أنه حبط عمله، وأضاع ثواب الجماعة بتخطي رقاب الناس. أما إذا تقدم ليسد ثغرة تركها السابقون فلا حرج في ذلك ـ والله أعلم.

ط. من أدب الجماعة، بل من شروط صحة صلاة الجماعة، أن يتابع المقتدي إمامه في الصلاة، فلا يسبقه في ركوع أو سجود أو رفع، ولا يتأخر عنه بحيث يفوت أكثر من ركن لحديث رسول الله r ]‏أَلا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ رَأْسَهُ رَأْسَ حِمَارٍ[ (سنن أبن ماجه، الحديث الرقم 951). ولحديث أبي هريرة t، أن رسول الله r قال ]‏إِنَّمَا جُعِلَ الإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 509)، ولحديث أنس t، أن رسول الله r قال: ]يَا أَيُّهَا النَّاسُ ‏إِنِّي إِمَامُكُمْ فَلا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ وَلا بِالسُّجُودِ وَلا بِالْقِيَامِ وَلا بِالْقُعُودِ وَلا ‏بِالانْصِرَافِ (يعنى بالسلام)[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 11559).

ي. عدم جلوس الاحتباء أثناء خطبة الجمعة إلا للمضطر؛ لأن هذه الجلسة تساعد على النوم، ولا تمكن صاحبها من الحفاظ على وضوئه. وجلسة الاحتباء هي جلوس المصلي وركبتاه إلى صدره، لحديث معاذ بن أنس الجهني، t، ]أن النبي r نَهَى عَنْ ‏الْحِبْوَةَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَالإِمَامُ يَخْطُبُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 472).

ك. دخول المسجد بسكينة ووقار. إذ ليس من الأدب أن يتراكض المتأخرون عن الجماعة لإدراك الركعة مع الإمام؛ لأن ثواب الجماعة كتب لهم منذ دخولهم المسجد، كما أن الركض في بيت الله لا يتناسب مع أدبنا مع الله تعالى. ففي الحديث عن أبي هريرة t، أن رسول الله r قال: ]إذا سمعتم الإقامة فامشوا إلى الصلاة وعليكم السكينة والوقار، ولا تسرعوا فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 600).

ل. يستحب للإمام أن يخفف الصلاة بالمأمومين؛ لحديث أبي هريرة t، أن النبي r قال: ]إذا صلى أحدكم بالناس فليخفف، فإن فيهم الضعيف والسقيم والكبير (في السن) فإذا صلى لنفسه فليطول ما شاء[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 9915). كما يستحب له في الركعة الأولى أن يطول قليلاً ليدرك المتأخرون الصلاة، كما يستحب له إن أحس بقدوم أحد وهو في الركوع، أن يتمهل حتى يدرك القادم الركوع.

م. يحسن أن لا يصلى خلف الصف منفرداً، فإذا كان الصف مكتملاً فله أن يجدب وبلطف واحداً من الصف المكتمل أمامه؛ ليرجع ويقف بجانبه، ويحسن بالمجذوب الاستجابة لطلب أخيه. ففي حديث علي بن شيبان أن رسول الله r ]رأى رجلاً يصلي خلف الصف فوقف حتى انصرف الرجل فقال له: استقبل صلاتك فلا صلاة لمفرد خلف الصف[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 15708). وقال أحمد: حديث حسن. قال ابن الهمام: يحمل الحديث على نفي الكمال.

ن. إذا اضطر الإمام لترك الصلاة لعذر قاهر، يحسن به أن يستخلف أحداً ليكمل الصلاة بالمأمومين، كما فعل سيدنا عمر t، حين طعن وهو في الصلاة، فقدم عبد الرحمن بن عوف، كما ورد في رواية البخاري، رضي الله عنه. كما يجوز لمن دخل الصلاة مع الإمام أن يخرج منها بنية المفارقة لعذر مشروع ويتمها وحده.

س. استحباب وقوف المأموم المنفرد على يمين الإمام ووقوف الاثنين فأكثر خلف الإمام لحديث جابر t قال: ]قام رسول الله r ليصلي فجئت فقمت على يساره فأخذني بيدي فأدارني حتى أقامني عن يمينه، ثم جاء جابر بن صخر فقام عن يسار رسول الله  rفأخذ بأيدينا جميعاً فدفعنا حتى أقامنا خلفه[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 5328).

ثانياً: التراتيب القضائية

الدور التي وسع بها عمر t الحرمين

تبدأ هذه التراتيب بأمر نزع الملكية لصالح المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف. إن توسعة عمر t في المسجد الحرام، تطلبت منه أن يهدم المساكن التي حول المطاف، بعد إعطائه الخبر لصاحب المسكن، لأنه دخل على المسجد، واختلفت الصورة عندما بدأ في توسعة المسجد النبوي الشريف؛ فالتوسعة من الجهة الغربية استدعت أن يأخذ عمر t الدور، التي كانت قريبة من المسجد ويدخلها فيه، على أنه لم يدخل كل البيوت، التي اشتراها أو تبرع بها أصحابها في المسجد، بل أدخل الجزء، الذي اقتضته الزيادة فقط، وترك الباقي لأصحابه. ومن الدور، التي أدخلت في المسجد، دار العباس بن عبد المطلب، ودار أبي بكر الصديق، ودار لجعفر بن أبى طالب رضي الله عنهما، ودور أخر كانت محيطة بالمسجد.

لما زاد عمر بن الخطاب t في المسجد، دعا من كان له إلى جانبه منزل فقال: اختاروا من بين ثلاث خصال: إما البيع فأثمن، وإما الهبة فأشكر، وإما الصدقة على مسجد رسول الله r، فأجابه الناس.

أما الدور التي أدخلها عثمان t في الحرمين الشريفين، عند توسعته المطاف وبناء أول رواق للمسجد الحرام، فقد عارضه نزع الملكية بعض ملاك العقار، لكنه تعامل معهم بحزم وقوة بأن زجهم بالسجن، ولم يخرجهم إلا بشفاعة بعض الصحابة. عند ذلك قبلوا التعويض، أما الدور التي أدخلها عثمان t بالمسجد النبوي، فإن أمور الزيادة اقتضت أن يشتري عثمان t، أجزاء من الدور، التي كانت محيطة بالمسجد ليوسعه بها، ومن الدور التي اشتراها أو اشترى بعضها، ما يأتي:

أ. دار حفصة بنت عمر بن الخطاب في الجنوب.

ب. جزء من دار مروان بن الحكم، التي هي جزء من دار العباس بن عبد المطلب.

ج. جزء من دار جعفر بن أبى طالب.

ففي رواية عقبة عن عبدالرحمن بن سعد عن أشياخه، (أن عمر قدم جدار القبلة إلى المقصورة، ثم قدمه عمر إلى موضعه اليوم، وأدخل بقية دار العباس بن عبد المطلب t، مما يلي القبلة والشام والمغرب، وأدخل بعض بيوت حفصة بنت عمر مما يلي القبلة، فقام المسجد على تلك الحال حتى زاد فيه الوليد).

فأما دار حفصة، فقد روى ابن زبالة عن عبد الله بن عمر بن حفص، قال: سمعت أبي يقول: "لما احتيج إلى بيت حفصة قالت: فكيف بطريقي إلى المسجد؟ فقال لها: نعطيك أوسع من بيتك ونجعل لك طريقاً مثل طريقك"

وأما دار مروان بن الحكم، فيقول ابن النجار: واشترى من مروان بن الحكم داره، وكان بعضها لآل النجار، وبعضها دار العباس لها باب إلى المسجد. وأما دار جعفر بن أبى طالب، فقد روي عن أبي الحسن المدائني، أنه قال في حديث ساقه: أن النبي r خط لجعفر بن أبى طالب داراً وهو بأرض الحبشة، فاشترى عثمان نصفها بمائه ألف، فزادها في المسجد.

وقد سبق، في زيادة عمر t أنه أخذ دار العباس، كما اشترى نصف دار جعفر بن أبي طالب، مما قد يحدث لبساً وخلطاً على القارئ؛ ولتحقيق ذلك أقول: إننا قد أثبتنا أن عمر، رضي الله عنه، لم يأخذ دار العباس كلها، بل أخذ الجزء، الذي احتاج إليه، وترك الباقي فاشتراه مروان، فلما كان في زيادة عثمان اشترى الجزء الباقي منها، وأدخله في المسجد.

وبالنسبة لدار جعفر فإن عمر t، اشترى نصفها بمائه ألف، وهنا يكون عثمان t، قد اشترى النصف الثاني بالسعر نفسه، وأدخله في المسجد. وبهذا يزول اللبس ويتضح الأمر.

نزع الملكية هو حق الدولة في تملك العقار الخاص؛ خدمة للمصلحة العامة، مقابل تعويض عادل. وتلجأ الدولة لنزع الملكية، في الوقت الحاضر، لتنفيذ المشاريع، ولضمان تطبيق المخططات الرئيسية للمدن.

يلجأ نزع الملكية غالباً، في الحالات التي تتضح فيها خدمته للمصلحة العامة، كحق المرور أو مد شبكات التجهيزات والمرافق العامة. وقد لجئ نزع الملكية، خاصة في فترة الخمسينات من القرن الميلادي الحالي وما بعدها، في حالات التجديد العمراني. ففي هذه الحالة يلجأ لنزع الملكية؛ لتوفير حق المرور، أو لتوفير المرافق والخدمات، حين تكون المنفعة العامة مقررة بشكل واضح، وعادة يكون الاعتراض في هذه الحالة، حول موضوع التعويض. كما تلجأ الدولة إلى نزع الملكية لتوفير حق المرور للشبكات والتجهيزات الأساسية والمرافق والخدمات العامة. ففي معرض نزع الملكية للنفع العام، لدينا واقعة من التاريخ الإسلامي أطرافها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب (ت23 هـ/644م) والعباس بن عبد المطلب، رضي الله عنهما، فحين قرر الخليفة عمر توسعة المسجد النبوي الشريف؛ ليستوعب الأعداد المتزايدة من المسلمين في المدينة المنورة "دعا من كان له إلى جانبه منزل، فقال: اختاروا من بين ثلاث خصال: إما البيع فأثمن، وإما الهبة فأشكر، وإما الصدقة على مسجد رسول الله r، فأجابه الناس، وامتنع العباس، فقال له عمر t: إما أن تبيعنيها، بما شئت من بيت المال، وإما أن أخطك حيث شئت من المدينة وأبنيها بما شئت من بيت المال المسلمين، وإما أن تتصدق بها على المسلمين، فتوسع في مسجدهم. ولكن العباس رفض أياً من تلك الخيارات. واتفق الطرفان على الاحتكام إلى أبي بن كعب. وحكم لصالح العباس، t "اذهب فلا أعرض لك في دارك، فقال العباس: أما إذا قلت ذلك، فإني قد تصدقت بها على المسلمين أوسع عليهم في مسجدهم " فخط له عمر t داره المعروفة بالزوراء، وبناها من بيت مال المسلمين.

وقد صاحب، أعمال التوسعات السعودية القيام، صرف مبالغ كبيرة على نزع الملكيات للعقارات المحيطة بالحرم، والتي قد تفوق تقديراتها تكاليف العمارة.

ثالثاً: تقنيات التصميم والبناء والتأثيث

1. التصميم وتقنيات البناء

لما أتم عمر t تحديد الدور المحيطة بالمسجد الحرام، اللازمة لتوسعة المطاف وإحاطتها بالأسوار، سواء كان ذلك بالتعويض أو بالهبة أو بالتصدق، شرع في بناء جدار المسجد الحرام. أما فيما يخص المسجد النبوي، فقد حرص t أن تكون جميع الدور إما بالشراء أو الهبة أو التصدق؛ لأن الرسول r هو الذي اختط هذه الدور للصحابة رضوان الله عليهم. وحرص كما قدمنا على ألا يغير شيئاً من هيئة المسجد، التي ألفها المسلمون، فبنى أساسه بالحجارة، كما فعل الرسول r، إلا أنه زاد في الأساس، حتى بلغ قامة، ثم أتم بناءه باللبن وجعل ارتفاعه أحد عشر ذراعاً، أي ما يقارب من خمسة أمتار ونصف، وجعل عمده جذوع النخل، وسقفه بالجريد، وجعل له سترة محيطة بسطحه، بارتفاع ثلاثة أذرع، وكانت زيادتهt ، في المسجد من جهاته الثلاث (الجنوب والشمال والغرب)، كما تقدم ذكر ذلك، ولم يزد من جهة الشرق شيئاً.

وأحدث عمر t، في المسجد ثلاثة أبواب؛ ليواجه بذلك كثرة الناس وإقبالهم على الدخول والخروج، فأصبح بذلك للمسجد ستة أبواب: بابان عن يمين المتجه للقبلة، وهما باب عاتكة الموجود في زمن الرسول r، والمعروف بباب الرحمة، والثاني باب أحدثه هو، وهو المعروف بباب السلام، وجعل له بابين عن يسار المتجه للقبلة، وهما باب آل عثمان، وهو الذي كان يدخل منه الرسول r، والمعروف الآن بباب جبريل u، والثاني أحدثه هو، وهو المعروف بباب النساء.

وجعل له بابين في مؤخره، وهما: الباب الذي كان على عهد رسول الله r، والثاني أحدثه هو t.

روى مسلم في صحيحه عن محمود بن لبيد t، أن عثمان بن عفان t، أراد بناء المسجد، فكره الناس ذلك، فأحبوا أن يدعه على هيئته، فقال: سمعت رسول الله r يقول ]من بنى مسجداً لله بنى الله له بيتاً في الجنة[ (سنن أبن ماجه، الحديث الرقم 730).

وفي البخاري، عن عبيد الله الخولاني t، أنه سمع عثمان بن عفان t يقول عند قول الناس فيه حين بنى مسجد الرسول  إنكم أكثرتم، وإني سمعت النبي r يقول ]من بنى مسجداً ـ قال بكير: حسبت أنه قال: يبتغي به وجه الله ـ بنى الله له مثله في الجنة[ (سنن أبن ماجه، الحديث الرقم 728).

وهذان النصان صريحان في أن المسلمين أنكروا على عثمان، وكرهوا أن يبني المسجد، على هذا النمط الجديد، ولا يجوز أن يكون الإنكار والكراهية لمجرد بناء المسجد، ذلك لأنهم هم الذين شكوا إليه ضيق المسجد، وطلبوا منه أن يوسعه، ولأنهم أيضا هم الذين استحسنوا منه فكرة الهدم والبناء، حين عرض عليهم الأمر ووافقوا عليه، فما كان لهم بعد ذلك أن ينكروا البناء أو يكرهوا التجديد. فالإنكار والكراهية إذن لما أحدثه من تغيير هيئة البناء، وبنائه على الشكل، الذي ذكر في الأحاديث الصحيحة. ولهذا قال البغوي بعدما ذكر الحديث، الذي فيه أن عثمان بناه بالحجارة وجعل عمده الحجارة المنقوشة وسقفه بالساج قال: (ولعل الذي كرهه منه الصحابة هو هذا).

ونقل ابن حجر عن ابن بطال رحمهما الله قوله: هذا يدل على أن السنة في بنيان المسجد القصد وترك الغلو في تحسينه، فقد كان عمر مع كثرة الفتوح في أيامه وسعة المال عنده لم يغير المسجد، عما كان عليه، وإنما احتاج إلى تجديده لأن جريد النخل كان قد نخر في أيامه، ثم كان عثمان t والمال في زمانه أكثر فحسنه بما لا يقضتي الزخرفة، ومع ذلك فقد أنكر بعض الصحابة عليه. لكن عثمان t، تلقى المعارضة بصدر رحب، وقلب سليم وأوضح للمعارضين وجهة نظره، وبين أنه لم يفعل ذلك إلا طلبا، للأجر، ورجاء المثوبة، والذي دفعه إلى هذا قول النبي r ]من بنى مسجدا، لله بنى الله له مثله في الجنة[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 828).

فقد أراد t أن يحسن في المسجد، على قدر الدنيا، ليحسن الله له بيته في الجنة على قدر الآخرة، فهو إذن متأول وهو معذور، فلا داعي للكلام والنقد، ولا معنى للمعارضة، قبل التأكد من الدوافع التي دعت إلى الفعل. ولهذا لما أكثر المسلمون الكلام رد عليهم بقوله: إنكم أكثرتم، وإني سمعت النبي يقول: من بنى مسجداً....الحديث.

2. التأثيث والزخرفة

من أهم الأمور التي تواجه من يتولى عمارة المساجد بعد تمامها، هي زخرفتها وفرشها وإضاءتها وتجهيزها وتكييفها، والأصل فيها الإباحة. من المعلوم أن المسجد في عهد رسول الله r لم يكن مفروشاً حتى وكف عليهم المطر، ففرشوه بالحصباء، وظل كذلك في خلافة أبى بكر t. وفي خلافة عمر t، فرشه بالحصير. ومن الثوابت في عمارة المسجد عدم استخدام ذوات الأرواح في الزخرفة.

رابعاً: إضاءة المسجد

مر بنا أن المسجد، في عهد رسول الله r، كان يضاء بسعف النخل، حتى قدم تميم الداري سنة تسع من الهجرة، وكان معه قناديل وزيت وحبال، فأمر أحد غلمانه فعلق القناديل وأوقدها فأضاء بها المسجد، وسر بذلك رسول الله، وقال له نورت مسجدنا، نور الله عليه.

وقد توالت أساليب إنارة الحرمين، عبر تاريخهما، باستخدام أحسن ما كان متوافراً، في كل عهد، مثل القناديل، والشمعدانات، والفوانيس، والأتاريك، حتى وصول تقنية الكهرباء حديثاً، فتم انتشار استعمالها بشكل أضفى عليهما بهاءً ونوراً، وزاد في زينتيهما وسهل إقامة الشعائر آناء الليل وأطراف النهار.

خامساً: تجمير المسجد

تنظيف المساجد وتطهيرها من الأمور التي اهتم بها الإسلام، وحث عليها. ويكون ذلك بإخراج القمامة والتقاط الخرق والعيدان، وتطييبها وتخليقها وتجميرها. قال تعالى:] وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُود[ (سورة البقرة: الآية 125)

فتخليق المسجد وتجميره مأمور بهما، منذ عهده، ولكن عمر t، هو أول من جعل حصة خاصة للمسجد من الطيب يجمر بها ـ أي يبخر بها.

وهكذا نرى أن عمر t، لما جيء له بسفط العود، ولم يكن كافياً لتوزيعه على المسلمين جميعاً، أمر به فجعل في المسجد، حتى ينتفع به جميع المسلمين، حيث يتردد الجميع على المسجد، فينالون من طيبه، وهو بذلك كان أول من جعل للمسجد هذا الحظ من التجمير، حتى روى السمهودي أن عمرt، أتى بمجمرة من فضة، وأنه دفعها إلى أحد الصحابة وقال: أجمر بها في الجمعة وشهر رمضان. وكان يجمر بها في الجمعة، وكانت توضع بين يدي عمر بن الخطاب t.

سادساً: الفراغات المفتوحة

استحدث عمر t، البطيحاء، إلى جوار المسجد، فكانت أول فراغ عام مفتوح حول المسجد. وأراد عمر بذلك أن يجنب المسجد اللغط ورفع الأصوات وإنشاد الشعر إلى غير ذلك مما رآه عمر، يقلل من هيبة المسجد في نفوس الناس، ويجرئهم على ارتياده في جميع أحوالهم، ولو كانت لا تتلاءم ومنـزلة المسجد.

ولقد كان t، حريصاً على أن تظل هيبة المسجد قائمة في قلوب المسلمين؛ ومن أجل هذا، لما سمع رجلاً يضحك، أرسل إليه وقال من أنت؟ فقال: أنا رجل من ثقيف فقال: أمن أهل البلد أنت؟ فقال بل من أهل الطائف. فتوعده فقال: لو كنت من أهل البلد لنكلت بك إن مسجدنا هذا لا ترفع فيه الأصوات.

وقد اعترض بعض المسلمين على عمر t هذا الاستحداث، وأثار نقاشاً وجدلاً شديدين، لأن هيئة المسجد قد اختلفت عليهم، فلم يعودوا يرونه على ما كان عليه أيام رسول الله r وخليفته من بعده.

وقد اهتم من قام بأعمال توسعة الحرمين الشريفين، بالساحات المحيطة بهما، بصفتها عناصر عمرانية، وذلك لما لهما من دور كبير في استيعاب الأعداد الكبيرة من المصلين، في أثناء فترة الحج وأيام الجمع والأعياد، كما أنها تشكل امتداداً آنياً للحرمين وقت الصلاة فقط، أما في الحالات العادية فهي عبارة عن أماكن مفتوحة.

سابعاً: الأمن والسلامة

يعتبر اتخاذ المقصورة في المسجد النبوي الشريف، من الحلول المبتكرة لأمور أمن وسلامة المسلمين، فالمقصورة بناء مثل الغرفة، تبنى في المحل الذي يصلى فيه الإمام بالناس أي مكان المحراب - ولم يكن ذلك معروفاً في عهد رسول الله ولا في عهد أبي بكر وعمر، رضي الله عنهما، ثم أحدثت بعد ذلك واختلفت الروايات في أول من اتخذها.

وعن مالك بن أنس t رحمه الله  قال: لما استخلف عثمان t بعد مقتل عمر بن الخطاب، عمل عثمان مقصورة من لبن يصلي فيها بالناس خوفاً من الذي أصاب عمر بن الخطاب t، وكانت صغيرة.

يمكن القول إن عثمان t، هو أول من بنى المقصورة باللبن، ثم بناها بالحجارة المنقوشة معاوية بن أبى سفيان t. بعد الاعتداء عليه.

نجد أن المسلمين، ابتداءً برسول الله r وصحابته والتابعين، إلى التوسعات السعودية، حافظوا على الثوابت السابقة، وعندما تعارضت المتغيرات مع مصلحة المسلمين في التوسعة لم يجدوا حرجاً في إيجاد البدائل، التي تخدم المسجد والمصلين.

ويتميز المسجد الحرام، عن سائر مساجد الأرض، بأنه ليس مكاناً للصلاة فقط، ولكن أيضاً مكان مقدس لأداء بعض أهم مناسك الحج والعمرة، والتي تعتمد على الطواف حول الكعبة المشرفة، والسعي بين الصفا والمروة، وشرب ماء زمزم. والصلاة بالمسجد الحرام تكون على هيئة دوائر متتالية تشكلها حركة الطائفين حول الكعبة. فبذلك فإن الشكل الدائري للمصلين بالمسجد الحرام، هو ما يميزه عن سائر مساجد الأرض.

في تصميم المساجد أو توسعتها، لا ينبغي تحويل المتغيرات إلى ثوابت، وهذا الخطأ وقع فيه كثير من المهتمين بتصميم المساجد، حيث جعلوا من الطراز والأعمدة والأشكال والتقنيات ومواد البناء والمعالجات المناخية والبيئية المقتبسة من مناطق أخرى، جعلوا من هذه المتغيرات أو من بعضها، ثوابت، مما ضيق وحجر مفهوم ممارسة المهنة ذات الطابع الإسلامي. وكان الأجدر التركيز على الثوابت والآداب الإسلامية الخاصة بالمساجد، والتمشي مع روح العصر حتى نحافظ على استمرارية القيم المنبعثة من العقيدة، وترك المجال للإبداع في المستجدات، التي لا تمس الثوابت، أسوة بالسلف، الذين تجمعوا لعمارة المحلية في كل بلد ذهبوا إليه واستخدموا مواد وتقنيات البناء المتوافرة في كل مكان وزمان تثبت في المساجد القبلة، وكل ما لم يدخل ضمن الثوابت ويستجد في حاجة المسلمين.

أما الكلام عن الطرز المستخدمة في عمارة الحرمين الشريفين، فكما هو معروف أن الطراز هو عبارة عن نموذج خاص، يعبر عن مجموعة من الصـفات تلتقي عندها سلسلة من الأشياء. وهو الذي يميز المعماري عن غيره، أو عصـراً معيناً بذاته، والذي يطلق عليه الأسلوب. وهذا يختلف من عصـر لآخر، ومن منطقة لأخرى، ومن فنان لآخر. فمعماريو الحرمين لم يجمعوا ويتفقوا على طراز معين ومعاصـر لكل مشروع من مشاريع التوسعة على مر العصور يفضل على غيره، ولم تعمل دراسات تبين لنا وتشرح لنا الفروق في طرز الحرمين في ضوء المعطيات الجديدة، وكل ما عندنا هو محصلة ما أنتجه السلف من المعماريين، من أعمال، أعطت، لكل مشروع من مشاريع التوسعة، طرازه المميز.

بالتوسعة يكون الحرمان (المكي والمدني) قد وصلا إلى درجة رفيعة من الإتقان، مما يستطاع عمله بالمال والرجال. ومن حيث المساحة الداخلية والخارجية والسعة العامة والمرافق وغيرها، فاقت هذه التوسعة جميع التوسعات. وبهذا المستوى الرائع في التصميم والتنفيذ يقف الحرمان الشريفان قمة شامخة في عالم المعمار الإسلامي، ويشكلان أنموذجاً معمارياً يفتخر به كل مسلم على وجه البسيطة. فالعمل استفاد كثيراً من معطيات تقنية المعمار الحديثة، مع الاحتفاظ بالثوابت الشرعية، كمعايير المعمار، والإنشاء، والهندسة، والمتجددة. فالعمارة للحرمين الشريفين، على مر العصور، ما هي إلا انعكاس واضح لبعض آداب وتعاليم الشريعة الإسلامية، التي تبلورت مع تجارب المسلمين في البناء، وكونت عمارة إسلامية واضحة المعالم. الحرمان الشريفان يتزودان، من معين واحد (الحاج والمعتمر والزائر والراكع والساجد). فالحج والعمرة إلى بيت الله الحرام والزيارة لمسجد رسول الله r والسلام عليه وعلى صاحبيه، رضي الله عنهما، وزيارة المآثر الإسلامية في المدينة المنورة التي ثبت أن الرسول r داوم على زيارتها.

وجد الباحث أن توسعات الحرمين الشريفين، على مدى العصور، تحدث نتيجة للزيادة المطردة لأعداد المسلمين، الذين يؤمون هذين الحرمين، أو لظروف غير طبيعية، كحوادث الحريق، الذي حدث بالحرمين خلال القرن السابع والثامن والتاسع الهجري، مما استدعى عمارة غير مرتبطة بالزيادات في أعداد الحجاج والمعتمرين. هناك من ولاة الأمر من جَمَعَ بين عملين متزامنين لتوسعة الحرمين الشريفين، مثل عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان والمهدي العباسي، والملك عبدالعزيز، والملك سعود، وخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز حفظـه الله.

إن ما صرف على مشاريع الحرمين منذ تأسيسهما، ويصرف على إدارتهما وصيانتهما، ومقارنته بالمنفعة التي جلبتها على الأعداد الهائلة من المستخدمين عبر الزمان، ونصيب كل فرد في هذا الإنفاق، نجده قليلاً جداً بالمقارنة مع ما يصرفه الإنسان لمنزله ومأكله ومشربه ومركبه. فالحمد لله على أن قيض للمسلمين من يقوم ويرعى مثل هذه الأعمال. تشكلت العمارة للحرمين الشريفين على مر العصور، لمثل هذين المعلمين كتفاعل حقيقي بين ولاة الأمر والمعماريين والمهندسين ومهرة البُناة. فالنتيجة على مر العصور هي قمة أعمال صناع وأرباب حرف محليين أو قدموا من بلاد الإسلام المختلفة، وأبرزوا مهارتهم بدافع من الإخلاص والمحبة للحرمين، فأثمروا إبداعات ثرية في العديد من جوانب العمارة، كتشكيل الفراغات والواجهات، ومتانة البناء، وتوفير احتياجات الحجاج والمعتمرين والزوار. وهذا ما تعكسه بحق العناصر والتفاصيل المعمارية في مباني الحرمين الحالية (العثمانية والسعودية). ولابد من متانة في البناء، وكفاءة وراحة في الاستخدام، وجمال في المظهر، حتى لو كلف الوقت والمال؛ لأن مئات الملايين من المسلمين تستخدمهما وصدق الشاعر عندما قال:

ألم تر الحبل بتكراره                                    في الصخرة الصماء قد أثّراً