إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزكاة









الفقراء في الحضارات القديمة

المبحث الأول

الفقراء والزكاة

أولاً: الفقراء في الحضارات القديمة

في أي أمة من الأمم، أجال الباحث نظره، وجد طبقتَين من الناس، لا ثالثة لهما: الطبقة الموسرة، والطبقة المعسرة. ووجد بإزاء هذا، أمراً جديراً بالملاحظة، وهو أن الطبقة الموسرة، تتضخم إلى غير حدّ. والطبقة المعسرة، لا تفتأ تهزل، حتى تلتصق بأديم الأرض؛ فيتداعى البناء الاجتماعي، لوهن أساسه، وربما لا يدري المترفون من أي النواحي، خرّ عليهم السقف.

لقد عرف الإنسان الفقر والحرمان، من أزمنة قديمة، وعرف التاريخ الفقراء والمحرومين، من عهود سحيقة. والسؤال المهم، هو: ماذا قدمت الإنسانية، لإصلاح وضع الفقراء، وتضييق الشق بينهم وبين الأغنياء؟.

الحق أن الحضارة الإنسانية، لم تخلُ، في عهد من عهودها، من أناس، يدعونها إلى ذلك المعني الإنساني الأصيل، وهو إحساس الإنسان بآلام أخيه، ومحاولة إنقاذه من بؤسه وحرمانه، أو التخفيف من ويلاته، على الأقل. ولذا، فإن الأديان، حتى الوضعية منها (التي لم تُعْرف لها صلة بكتاب سماوي)، لم تغفل هذا الجانب الإنساني الاجتماعي، الذي لا يتحقق إخاء، ولا حياة طيبة، من دونه.

جاء في شرائع "حمورابي"، "أن الآلهة أرسلته لمنع الأقوياء من اضطهاد الضعفاء، وليرشد الناس، ويؤمن الرفاهية للخلق".

1. الهندكية

إن الصدقة واجب ديني، عند الهنادك، لا بدافع البر والمؤاساة والرفق والعطف؛ ولكن من باب تقاليد الأريحية والسخاء، وذلك لسد حاجات الفقراء والمساكين. ولكنهم حصروا الذين ينالون الصدقات والإعانات، في طبقة خاصة، هي طبقة البراهمة، وبعض طوائف النساك المعروفة الأخرى. فأولئك، وحدهم، يستحقون المنح والعطاء والصدقة Dakshina، دون طوائف المجتمع الأخرى. أما جزاء هذه الصدقة وثوابها، فهو على مقدارها وكميتها.

وكانت العطايا والمنح تنقسم إلى نوعين:

الأول: وقف العقارات (الأبنية والبيوت وغلات القرى).

والثاني: دفع العُشر من دخل الفرد في الصدقة. وكان البراهمة، علاوة على ذلك، ينالون الشيء الكثير من الصدقات، في الأعياد والمهرجانات الدينية، والتقاليد الاجتماعية، نقوداً وطعاماً.

إن البراهمة كانوا هم المحور الوحيد، الذي يدور حوله هذا النظام الكبير للصدقات، والذي يمتد على حقبة طويلة في التاريخ، ورقعة كبيرة من الأرض، ويردف البراهمة النسّاك. وهكذا، نشأت في المجتمع الهندوكي، من غير شعور وإدراك، طبقة عالة، في كل شيء، على الصدقات والإعانات، وعاشت غنية بالاستجداء والتكفف. وقد جر ذلك إلى قبائح خلقية، واستغلال وانتهازية، وتواكل وكسل، وبطالة، وإخلاد إلى الراحة.

وفي جانب آخر، خُصَّت البقرة، وحدها، بأكبر جزء من هذه الصدقات والعطايا؛ من أجل تقديسها، وعقيدة التناسخ، التي لم تزل شعار الديانات الهندكية. وأنفقت عليها مبالغ باهظة، بخست حق ذوي الحاجة من بني آدم، وأفراد الأسرة البشرية، التي كرمها الله.

2. الصدقة في الديانة اليهودية

إن اليهودية لم تنظر إلى حياة البطالة نظرة إعجاب واستحسان. ولم تشجعها، شأن الديانة الهندوكية، التي مضى ذكرها؛ بل إنها، بالعكس، حاولت إيجاد الثقة بالنفس، والاعتزاز بالفقراء والمساكين.

إن التقاليد اليهودية، تفرض على اليهودي، أن يتصدق بعُشر دخله؛ إلا أنها لا تسمح له بالخُمس، لئلا يقع في ضائقة، فيحتاج هو نفسه إلى الصدقات. وقد سُمِحَ بتدخل الحكومة، كذلك، في تحصيل الصدقات، إذا دعت إليه الحاجة. "وكان هناك نظام خاص مستقل، لإعانات الفقراء، وأهل الحاجة، في عهد التلمود. وهو يتلخص في تقديم وجبات الطعام، يومياً، والنقود، أسبوعياً. وكان العهدة في هذا الأمر، على شخصين أو ثلاثة، من الثقات الأمناء، فكانوا يجمعون التبرعات من الجماعة. كما كانت جماعة أخرى، مؤلفة من ثلاثة أفراد، تقع عليها مسؤولية الفحص في السائلين والفقراء. وكان يجب عليهم أن يكملوا مهمتهم، ويؤدوا واجبهم، مهتمين بعواطف الفقراء والمساكين ومشاعرهم؛ وقد استمر هذا التقسيم إلى زمن طويل". وعلى الرغم من أن هناك تشابهاً جزئياً، بين اليهودية وتعاليم الإسلام، في هذا الجانب، فإننا نجد فرقاً كبيراً، بينه وبين نظام الزكاة والصدقات في الإسلام؛ وهو أنه توجد في اليهودية فرقة خاصة لأخذ الزكاة، وتدبيرها وتوزيعها في هذه الفرقة؛ وهي فرقة تنتمي إلى سلالة خاصة، ونسب خاص. وهم يرثون هذا المنصب، أباً عن جد؛ فقد جاء في القانون الأساسي لليهود، أن يقدم عُشر الإنتاج الزراعي إلى "اللاويين، ويقدم هؤلاء عُشر هذا العشر إلى رجال الدين".

ثانياً: معاملة الفقراء، في الكتب السماوية

1. في التوراة

جاءت نصوص في التوراة، نصوص تشدد على إعطاء الفقراء، وبيان ثواب المعطي عند الرب، منها:

·   "الصالح العين، هو يبارك؛ لأنه يعطي من خبزه للفقير".

·   "من يعطي الفقير لا يحتاج، ومن يحجب عنه عينيه، عليه لعنات كثيرة".

·   "إن كان فيك فقير أحد من إخوتك، في أحد أبوابك، في أرضك، التي يعطيك الرب إلهك، فلا تقس قلبك، ولا تقبض يدك عن أخيك الفقير؛ بل افتح يدك له، وأقرضه مقدار ما يحتاج إليه. أعطه ولا يسود قلبك عندما تعطيه؛ لأنه بسبب هذا الأمر، يباركك الرب إلهك، في كل أعمالك، وجميع ما تمتد إليه يدك؛ لأنه لا تفقد الفقراء في الأرض. لذلك، أنا أوصيك، قائلاً: افتح يدك لأخيك المسكين والفقير، في أرضك".

·   "من يسد أذنيه عن صراخ المسكين، فهو أيضاً يصرخ، ولا يستجاب له. الهدية في الخفاء، تطفئ الغضب".

2. الفقراء في الإنجيل

جاء في الإنجيل، العهد الجديد، ما يشير إلى إعطاء الفقراء وبرهم، من ذلك:

·   "من سألك فأعطه. ومن أراد أن يقترض منك، فلا ترده".

·   "بيعوا مالكم، وأعطوا صدقة".

·   "ومن له ثوبان، فليعط من ليس له. ومن له طعام، فليفعل هكذا".

وعند تأملك تلك النماذج الرائعة في سد حاجة الفقراء، والعطف عليهم، وإعطائهم حدّ الكفاف، يظهر أن تلك الدعوات، لا تخرج عن كونها ترغيباً في الإحسان والعطف، وترهيباً من الأنانية والبخل.

وليس فيها إلزام أو التزام، يعاقب من تركه؛ بل هي اجتهادات فردية. وإن كل تلك الدعوات، لم تضع نظاماً متكاملاً؛ فهي لم تحدد مقدار المال، أو كيفية الإخراج، أو بياناً لفئات المستحقين.

ولذلك، فإن الفقراء والضعفاء، كانوا تحت رحمة الأغنياء القادرين ومنّتهم. إذا حركهم حب الله والآخرة، أو حب الثناء والمروءة، فجادوا بشيء، ولو قليلاً، على ذوي الضعف والحاجة والفقر، فهُم أصحاب الفضل والمنة. وإذا غلب على الأغنياء حب المال وحب الذات، واستغنوا عن الثناء، ضاع الفقراء، وافترستهم مخالب الفاقة، ولم يجدوا من يدافع عنهم، أو يطلب لهم حقاً، إذا لم يكن لهم حق معلوم.

3. حديث القرآن عن الفقراء في تعاليم الديانات السابقة

وما وصلنا عن كتب الأديان السماوية، في القرآن الكريم، يؤكد أن تلك الأديان، قد حرصت على البر بالفقراء والضعفاء، بشكل أعمق أثراً، من كل الفلسفات الوضعية. قال ـ تعالى ـ على لسان أنبياء الله إبراهيم وإسحق ويعقوب: ]وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ[ (سورة الأنبياء: الآية 73).

وعلى لسان نبي الله، المسيح u في المهد، جاء في القرآن: ]وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا[ (سورة مريم: الآية 31).

وتحدث القرآن عن بني إسرائيل، في قوله تعالى: ]وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ[ (سورة البقرة: الآية 83).

وعن أهل الكتاب، بقوله تبارك وتعالى: ]وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ[ (سورة البينة: الآية 5).

ثالثاً: عناية الإسلام بالفقراء

إن الإسلام قد عني بالمجتمع الإنساني عموماً، وعني عناية خاصة، بالفئات الضعيفة فيه؛ وهذا سر ما نلاحظه في القرآن الكريم، من تكرار الدعوة إلى الإحسان باليتامى والمساكين وابن السبيل، وفي الرقاب، يستوي في ذلك مكي القرآن ومدنيه. وذلك؛ لأن كل واحد من هذه الأصناف، يشكو ضعفاً في ناحية؛ فاليتيم ضعفه في فقْد الأب، والمسكين ضعفه من فقْد المال، وابن السبيل ضعفه من فقْد الوطن؛ والرقيق ضعفه من فقْد الحرية.

إن عناية الإسلام بعلاج الفقر، ورعاية الفقراء وذوي الحاجة والضعف، لم يسبق لها نظير في ديانة سماوية، ولا في شريعة وضعية، سواء ما يتعلق بجانب التربية والتوجيه، وما يتعلق بجانب التشريع والتنظيم، وما يتعلق بجانب التطبيق والتنفيذ.

ولعل من أهم ما جاء به الإسلام، في المجال الاقتصادي والاجتماعي، مبدأ الضمان الاجتماعي، بمعنى ضمان الحدّ اللائق لمعيشة كل فرد، مما عبر عنه فقهاء الإسلام باصطلاح "حد الكفاية" Minimum d'sufisance، تمييزاً له عن "حدّ الكفاف" M. Vital، الذي هو الحد الأدنى للمعيشة.

ولم يكتف الإسلام بالدعوة إلى ضمان حدّ الكفاية؛ وإنما أنشأ له، ومنذ أربعة عشر قرناً، حين كانت تسود الجاهلية والضياع، مؤسسة مستقلة، هي مؤسسة الزكاة، التي هي، بالتعبير الحديث، مؤسسة الضمان الاجتماعي في الإسلام؛ إذ لها كيان مستقل عن خزانة الدولة، بمواردها ومستحقيها، والعاملين عليها، وتتمثل بفرع مستقل في بيت مال المسلمين.

وتعتبر حرب الخليفة أبي بكر t لمانعي الزكاة، منذ أربعة عشر قرناً، أول حرب في التاريخ، تخوضها دولة، من أجل الضمان الاجتماعي.

رابعاً: تعريف الزكاة

1. الزكاة في اللغة: هي النماء، وهي الطهارة، وهي الصلاح، والمدح؛ وهي حصانة المال؛ وهي الشكر لله، بل هي البركة كلها. وتفصيل ذلك على النحو التالي:

2. النماء: زكا الزرع يزكو (زَكَاءً) بالفتح والمد أي نما. وزكا الشيء، إذا نما وزاد. وهذا المعنى موجود في الزكاة الشرعية؛ لأنها لا تجب إلا على كل مال نامٍ، أو قابل للنماء. والنماء ليس مقصوراً على المال؛ إذ هو يحقق، في نفس الوقت، نمواً نفسياً ومادياً للغني الملتزم بالزكاة، والفقير المستحق لها. قال تعالى: ]قُلْ إِنَّ رَبِّي يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ[ (سورة سبأ: الآية 39). وقال كذلك: ]وَمَا ءاتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا ءاتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ[ (سورة الروم: الآية 39)

3. الطهارة: أصل الزكاة في اللغة: الطهارة والنماء والبركة والمدح. قال تعالى: ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 103)، أي طهرها من الأدناس؛ لأن غالب الثروة، لا تخلو من الخبث، فلا يطهرها سوى إخراج الزكاة. والزكاة تطهر الإنسان من الشح.

4. الصلاح: والزكاة، كذلك، الصلاح: وأصلها من زيادة الخير. يقال رجل زكي: أي زائد في الخير، من قوم أزكياء، وزكّى القاضي الشهود: إذا تبين زيادتهم في الخير. قال تعالى: ]فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا[ (سورة الكهف: الآية 81)، قيل أي صلاحاً.

5. المدح: تطلق الزكاة على المدح. قال تعالى: ]الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ وَاسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى[ (سورة النجم: الآية 32)، أي ولا تمدحوا أنفسكم.

خامساً: الزكاة في الشرع

تطلق على أداء حق، يجب في أموال مخصوصة، على وجه مخصوص؛ ويعتبر في وجوبه الحول والنصاب.

وتطلق الزكاة على المال المخرج نفسه، كما في قولهم: عزل زكاة ماله. والساعي يقبض الزكاة. ويقال: زكى ماله، أي أخرج زكاته.

قال ابن العربي: "كما تطلق الزكاة على الصدقة، الواجبة والمندوبة؛ والنفقة، والحق والعفو".

وللزكاة تعريفات مختلفة بين المذاهب الإسلامية. ومن تأمل تعريفات الفقهاء، يتبين أن الزكاة، عندهم، أطلقت على معنيَين.

1. أولهما فعل الإيتاء نفسه. أي: أداء الحق الواجب. وهو على تعريف الموسوعة الإسلامية.

2. الثاني: إطلاقها على الجزء المقدر من المال، الذي فرضه الله تعالى حقاً للفقراء. وبذلك عرفها الشافعية بقولهم: "اسم لقدر مخصوص، من مال مخصوص، يجب صرفه لأصناف مخصوصة، بشرائط".

وبذلك عرفها الدكتور القرضاوي بقوله: "تطلق على الحصة المقدرة من المال، والتي فرضها الله للمستحقين. كما تطلق على نفس إخراج هذه الحصة".

وسُميت الحصة المخرجة من المال زكاة؛ لأنها تزيد في المال، الذي أُخرِجت منه، وتوفره في المعنى، وتقيه الآفات.

قال شيخ الإسلام، ابن تيمية: "نفس المتصدق تزكو، وماله يزكو، يطهر ويزيد في المعنى".

3. أصل لفظ الزكاة

إن الزكاة لفظة عربية، معروفة قبل ورود الشرع، مستعملة في أشعار العرب، وذلك أكثر من أن يستدل له.

ونُسِبَ إلى داود الظاهري: "أن لا أصل لهذا الاسم، في اللغة؛ وإنما عُرِفَ بالشرع". وقال العلماء: وهذا القول، وإن كان فاسداً، فليس الخلاف فيه مؤثراً في أحكام الزكاة.

ولذلك، فإن دعوى المستشرق اليهودي، "شاخت"، كاتب مادة "زكاة"، في دائرة المعارف الإسلامية المترجمة، "بأن النبي r قد استعمل كلمة (زكاة) بمعنى أوسع من استعمالها اللغوي بكثير، آخذاً من استعمالها عند اليهود"؛ وأن "كلمة الزكاة"، ليس لها أصل تاريخي مقنع في أصول المفردات العربية"، هي دعوى باطلة.

وقد أجاد الأستاذ محمد أنس الزرقاء، في معرض رده على "شاخت"، بقوله: "قول شاخت بانتقال كلمة (زكوات)، من العبرية والآرامية إلى العربية، هو مجرد زعم، لا دليل عليه. وهو في هذا الزعم، يتبع منهجاً شائعاً بين علماء اليهود، في الإصرار على نسبة كل الكلمات المشتركة بين اللغات السامية، إلى اللغة العبرية". "وحتى إن سلمنا، جدلاً، بأن كلمة (زكاة) منتقلة إلى العربية من العبرية؛ فإن ذلك سابق للإسلام، كما هو ثابت في كتب اللغة، فكيف يصح الادعاء بأن النبي r اقتبس معناها من اليهود؟".

"وكذلك، فإن القرآن الكريم، قد استعمل كلمة الزكاة، بمعناها المعروف لدى العرب، منذ أوائل العهد المكي؛ ومعروف، بيقين، أن النبي r لم يكن يعرف العبرية، ولا أي لغة غير العربية. كما أنه لم يتصل باليهود، إلا بعد هجرته إلى المدينة، فمتى وكيف أخذ عن اليهود واليهودية؟".

سادساً: ألفاظ ذات صلة بالزكاة

1. الصدقة

تطلق بمعنيَين:

الأول: ما أعطيته من مال، قاصداً به وجه الله ـ تعالى ـ فيشمل ما كان واجباً، وهو الزكاة؛ وما كان تطوعاً. والصَّدقة: ما تصدَّقت به على الفقراء.

وعند الأئمة الأربعة: هي العطية، التي تبتغي بها المثوبة من الله ـ تعالى.

الثاني: أن تكون بمعنى الزكاة، أي في الحق الواجب خاصة؛ ومنه الحديث: ]لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ مِنْ الإِبِلِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1355).

2. العطية

العطية: هي ما أعطاه الإنسان من ماله لغيره، سواء كان يريد بذلك وجه الله تعالى أو يريد به التودد.

وهي، عند الحنابلة: تمليك في الحياة، بغير عوضٍ. وهي تشمل الهبة والهدية والصدقة؛ وعلى ذلك، فلفظ العطية أعم من لفظ الصدقة؛ وكذلك، فإن الصدقة أعم من الزكاة.

سابعاً: حكم الزكاة وفرضيتها

الزكاة فريضة من فرائض الدين، وركن من أركان الإسلام الخمسة. فرضت في المدينة المنورة، في شوال من السنة الثانية من الهجرة النبوية، وذلك بعد فرض رمضان وزكاة الفطر. ولا تجب على الأنبياء، إجماعاً؛ لأن الزكاة طهرة لمن عساه أن يتدنس، والأنبياء مبرؤون منه؛ ولأن ما في أيديهم ودائع لله؛ لأنهم لا ملك لهم، ولا يُورثون أيضاً.

ثامناً: أدلة وجوب الزكاة

الزكاة واجبة، بنص كتاب الله تعالى وسُنة رسوله، وإجماع الأمة.

1. أما الكتاب

فقوله تعالى: ]وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ[ (سورة البقرة: الآية 110).

وقد قُرنت الزكاة بالصلاة، في القرآن الكريم، في اثنين وثمانين موضعاً؛ ما يدل على كمال الاتصال بينهما.

وقوله تبارك وتعالى: ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 103).

وقوله تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءَاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[ (سورة الأنعام: الآية 141).

2. ومن السُّنَّة

قول رسول الله r: ]بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 7).

وكان النبي r يرسل السعاة، ليقبضوا الصدقات. وأرسل معاذاً t إلى أهل اليمن، وقال له r: ]فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1308).

3. أما الإجماع

فقد أجمع المسلمون، في جميع الأعصار، على وجوبها، من حيث الجملة، واتفق الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ على قتال مانعيها.

تاسعاً: أطوار فرضية الزكاة

لقد عني الإسلام بالفقراء، وحث على إعطائهم وسد حاجاتهم، وذلك منذ بزوغ فجره، في مكة المكرمة. وقد جاء في سورة المدثر، وهي من أوائل ما نزل من القرآن، أن سبب دخول المجرمين النار، قولهم: ]قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ(43) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ[ (سورة المدثر: الآيتان 43، 44).

ومن ذلك، جاء الحث على إطعام المسكين. قال تعالى: ]فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ(11) وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ(12) فَكُّ رَقَبَةٍ(13) أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ(14) يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ(15) أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ[ (سورة البلد: الآيات 11 ـ 16).

وفي تدرج تشريعي رباني فريد، يجعل للفقراء في أموال الأغنياء حقاً معلوماً. قال تعالى: ]وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ(24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ[ (سورة المعارج: الآيتان 24، 25). وبناءً على ذلك، اختلف في أول فرض الزكاة، فذهب الأكثرون إلى أنه وقع بعد الهجرة. وذكر ابن خزيمة في صحيحيه، أن فرضها كان قبل الهجرة؛ واحتج بقول جعفر بن أبي طالب t للنجاشي: ]ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام[ (أخرجه ابن خزيمة في صحيحه). ويمكن أن يحمل ذلك على أن المراد بقوله: "يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام" أي في الجملة؛ ولا يلزم من ذلك، أن يكون المراد بالصلاة الصلوات الخمس، ولا بالصيام صيام رمضان، ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة، ذات النصاب والحول. ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة، اتفاقهم على أن صيام رمضان، إنما فرض بعد الهجرة، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية، بلا خلاف. ثبت من حديث ]قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ r بِصَدَقَةِ الْفِطْرِ قَبْلَ أَنْ تَنْزِلَ الزَّكَاةُ فَلَمَّا نَزَلَتْ الزَّكَاةُ لَمْ يَأْمُرْنَا وَلَمْ يَنْهَنَا وَنَحْنُ نَفْعَلُهُ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2460).

وهذا الحديث دل على أن فرض صدقة الفطر، كان قبل فرض الزكاة، فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان؛ وذلك بعد الهجرة.

عاشراً: الحكمة من فرض الزكاة

إن الزكاة ليست غرامة، بل هي عبادة خالصة لله ـ تعالى ـ، كسائر العبادات. وقد روعي في الزكاة مصلحتان: مصلحة إصلاح النفوس، وكفالة المجتمع. فمن حكمة الزكاة وفوائدها:

1. صون المال وتحصينه من تطلع الأعين، وامتداد أيدي الآثمين والمجرمين. قال رسول الله r: ]حصّنوا أموالكم بالزكاة، وداووا مرضاكم بالصدقة، وأعدوا للبلاء بالدعاء[. (رواه الطبراني وأبونعيم في الحلية عن ابن مسعود)

2. عون للفقراء والمحتاجين، تأخذ بأيديهم، لاستئناف العمل والنشاط، إن كانوا قادرين؛ وتكفل لهم حدّ الكفاية، إن كانوا عاجزين عن الكسب؛ فتحمي المجتمع من داء الفقر وآفة التصارع الطبقي، فترفع الشحناء، وتثبت الألفة والمحبة والتكامل بين طبقات المجتمع.

3. تطهر النفس من داء الشح والبخل، وتعود المؤمن البذل والسخاء. فالشح أقبح الأخلاق. وأنفع الأخلاق في المعاد، بعد الإيمان، هو سخاوة النفس؛ لأن أصل السخاوة قهر الملكية البهيمية؛ قال تعالى: ]وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[ (سورة الحشر: الآية 9).

وإنما تزول صفة البخل بأن تتعود النفس بذل المال؛ فحب الشيء لا ينقطع، إلا بقهر النفس على مفارقته، حتى يصير ذلك اعتياداً.

فالزكاة، بهذا المعنى، طهرة: أي تطهر صاحبها من خبث البخل المهلك. وطهارته بقدر بذله، وبقدر فرحه بإخراجه، واستبشاره بصرفه لله تعالى.

4. الزكاة تعبير عن الشكر لله على نعمة المال. فإن لله U على عبده، نعمة في نفسه، وفي ماله؛ والعبادات البدنية شكر لنعمة البدن، والعبادات المالية شكر لنعمة المال. إذا نظر الغني إلى الفقير، وقد ضيق عليه في الرزق، فاحتاج إلى الغني، كان أولى بالغني أن يؤدي شكر الله تعالى على إغنائه، وذلك بإخراج ربع العشر أو العشر من ماله.

5. الزكاة تدفع أصحاب الأموال المكنوزة دفعاً إلى إخراجها؛ لتشترك في زيادة الحركة الاقتصادية؛ ويشير إلى ذلك قول النبي r: ]أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 580).

ما الحكمة من إدخال الزكاة في العبادات

ما الحكمة من إدخال الزكاة في أركان الإسلام، مع أنها تصرف مالي، وليست من عبادة الأبدان؟ والجواب أن التلفظ بكلمتي الشهادة التزام للتوحيد، وشهادة بإقرار المعبود شرط هذا الالتزام، أن لا يبقى للمؤمن محبوب سوى الواحد. فامتحن المؤمنون بتصديق دعواهم بمفارقة أموالهم، كما امتحن المجاهدون ببذل أنفسهم لله تعالى.

حادي عشر: حكم مانعي الزكاة

لمانع الزكاة عقاب في الآخرة، وعقاب في الدنيا؛ وذلك؛ لأن التشريع الإسلامي، يعمل على إيقاظ القلوب وعلاج النفوس، قبل وقوع الجرم؛ وفي ذلك وقاية من أمراض النفس، قبل ظهور المرض؛ إذ إن التحذير بعقاب الآخرة وعيد للقلوب الغافلة، وتحريك للنفوس الشحيحة إلى البذل، فالإسلام يسوقها، بالترغيب والترهيب، إلى أداء الواجب طوعاً، وإلا سيقت إليه بقوة القانون وسيف السلطان.

ويتمثل العقاب الأخروي في العذاب الأليم، ويوضح ذلك ما قاله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ(34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ[ (سورة التوبة: الآيتان 34، 35).

كما جاء تصوير عقاب الآخرة لمانع الزكاة، في حديث رسول الله r: ]مَا مِنْ صَاحِبِ كَنْزٍ لا يُؤَدِّي زَكَاتَهُ إِلا أُحْمِيَ عَلَيْهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُجْعَلُ صَفَائِحَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبَاهُ وَجَبِينُهُ حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ بَيْنَ عِبَادِهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1648).

وفي هذا الوعيد تخويف من تعطيل حقوق الفقراء، وحث على أداء حق الله في المال. فإن لم يفد هذا العلاج في إصلاح النفوس، وشفاء أمراض القلوب، من داء الشح والبخل، فإن الشريعة المطهرة، تسنّ من التشريعات ما يحمل البخلاء على احترام أحكامها. فتخوف الأغنياء من عقوبة الدنيا، وذلك بسحق أموالهم، وكذلك أخذ الزكاة منهم بغلبة السلطان.

ثاني عشر: العقوبة الدنيوية لمانع الزكاة

ولم تقف السُّنة النبوية عند حدّ الوعيد بالعذاب الأخروي، لمن يمنع الزكاة، بل هددت بالعقوبة الدنيوية، وهي نوعان: شرعية وقدرية.

1. العقوبة القدرية، في الدنيا، لمانعي الزكاة

وهي العقوبة، التي جعلها الله قانوناً إلهياً، لمن يتعدى حدوده سبحانه قال رسول الله r: ]ما منع قوم الزكاة إلا ابتلاهم الله بالسنين[ (رواه الترمذي).

وفي حديث آخر: ]وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنْ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 4009).

2. العقوبة الشرعية

وهي العقوبة، التي يتولاها الحاكم. فمن منع الزكاة، وهو في قبضة الإمام، تؤخذ منه قهراً؛ لقول النبي r: ]أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَمَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ فَقَدْ عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفْسَهُ إِلا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1312). ومن حقوق الشهادة أداء الزكاة، قال أبو بكر الصديق t بمحضر الصحابة: "الزكاة حق المال". وذهب جمهور الفقهاء إلى أن مانع الزكاة، إذا أخذت منه قهراً، لا يؤخذ معها من ماله شيء. واستدلوا بالحديث: ]لَيْسَ فِي الْمَالِ حَقٌّ سِوَى الزَّكَاة[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1779)؛ وبأن الصحابة رضي الله عنهم لم يأخذوا نصف أموال الأعراب، الذين منعوا الزكاة. وذهب بعض الفقهاء إلى أن مانع الزكاة، يؤخذ شطر ماله، عقوبة له، مع أخذ الزكاة منه. واستدلوا بقول النبي  في الزكاة: ]مَنْ أَعْطَاهَا مُؤْتَجِرًا لَهُ أَجْرُهَا وَمَنْ مَنَعَهَا فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ إِبِلِهِ عَزْمَةً مِنْ عَزَمَاتِ رَبِّنَا لا يَحِلُّ لآلِ مُحَمَّدٍ r مِنْهَا شَيْءٌ[ (سنن النسائي، الحديث الرقم 2406). ومعنى قوله مؤتجراً: أي طالباً الأجر، محتسباً الثواب عند الله تعالى. وقد رجح هذا المذهب الدكتور يوسف القرضاوي، وكذا الدكتور وهبة الزحيلي.

أما من كان خارجاً عن قبضة الإمام، ومنع الزكاة، فعلى الإمام أن يقاتله؛ لأن الصحابة قاتلوا الممتنعين عن أدائها؛ وقال الصديق t ]والله! لو منعوني عقالاً، كانوا يؤدونه إلى رسول الله r لقاتلتهم عليه[. وأقره الصحابة على ذلك. فإن ظفر بهم أخذها من غير زيادة، على قول جمهور الفقهاء.

وإن كان مانع الزكاة قد منعها، بخلاً أو تأولاً، فلا يحكم بكفره؛ لذا، إن مات في قتاله عليها، ورثه المسلمون من أقاربه، وصلي عليه صلاة الجنازة.

أما من منع الزكاة منكراً لوجوبها، فإن كان جاهلاً، ومثله يجهل ذلك؛ لحداثة عهده بالإسلام، فإنه يعرف وجوبها، ولا يحكم بكفره؛ لأنه معذور. فإن لم يكن كذلك، فإنه يحكم بكفره، ويكون مرتداً، وتجري عليه أحكام المرتد؛ لكونه أنكر معلوماً من الدين، بالضرورة. وقد أجمع المسلمون على أن من أنكر فرض الزكاة، كان كافراً.