إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزكاة









الباب الثاني

المبحث الثاني

شروط الزكاة

للزكاة شروط وجوب، وشروط صحة؛ فتجب، بالاتفاق، على الحر المسلم، البالغ، العاقل، إذا ملك نصاباً ملكاً تاماً، وحال عليه الحول؛ وتصح بالنية المقارنة للأداء، اتفاقاً ولا خلاف في أنها تجب على النساء، كما تجب على الرجال. وهي تجب على أهل البادية، بالإجماع.

أولاً: شروط وجوب الزكاة

1. الإسلام

اتفق المسلمون على أن فريضة الزكاة، لا تجب على غير مسلم، لأنها فرع الإسلام، وهو مفقود، فلا يطالب بها، وهو كافر؛ كما لا تكون ديناً في ذمته، يؤديها إذا أسلم؛ ولأن المطالبة بالفرائض، في الدنيا، لا تكون إلا بعد الإسلام، وهذا قدر متفق عليه، سواء كان الكافر حربياً أو ذمياً، لأنه حق لم يلتزمه، ولأنها واجب طهرة للمزكي، والكافر لا طهرة له، ما دام على كفره.

ولذلك، فقد اتفق المسلمون على أنه لا زكاة على كافر، في شيء من أمواله. فإن أسلم، فقد تفضل الله U بإسقاط ما سلف عنه من كل ذلك، بلا خلاف.

الزكاة تكافل اجتماعي، وضريبة مالية، تحصلها الدولة من الأغنياء، وتنفقها على الضعفاء، من رعايا الدولة المسلمة؛ وقد كفل الإسلام لأهل الذمة، أن يعيشوا في كنف دولة الإسلام، مصونة حرماتهم، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، فلماذا فرق الإسلام في الزكاة، بين المسلمين وغيرهم من الأقليات غير المسلمة، التي تعيش في ظل دولة الإسلام، فلم يفرض على غير المسلمين الزكاة؟

وتتضح حكمة الإسلام في عدم فرض ذلك، بمراعاة أمرين:

الأول: أن الزكاة تكليف اجتماعي، وحق معلوم للسائل والمحروم، تؤخذ من أغنياء الأمة لترد على فقرائها، قياماً بحق الأخوة، وحق المجتمع، وحق الله.

الثاني: أن الزكاة عبادة من عبادات الإسلام، ودعامة من دعائم الدين الخمس. ولهذا، قضت مشيئة الله، أن لا يُفرض على غير المسلمين ضريبة، لها صبغة دينية؛ وهو ما يبين مدى سماحة الإسلام، في معاملة غير المسلمين، ومدى احترام الشريعة الإسلامية لعقائد غير المسلمين.

أما المرتد، فما وجب عليه من الزكاة في إسلامه؛ وذلك إذا ارتد، بعد تمام الحول على النصاب، لا يسقط، في قول الشافعية والحنابلة؛ لأنه حق مال، فلا يسقط بالردة، كالدين، فيأخذه الإمام من ماله، كما يأخذ الزكاة من المسلم الممتنع. فإن أسلم، بعد ذلك، لم يلزمه أداؤها.

وذهب الحنفية إلى أنه بالردة، تسقط الزكاة، التي وجبت في مال المرتد، قبل الردة؛ لأن من شرطها النية، عند الأداء؛ ونيته العبادة، وهو كافر، غير معتبرة، فتسقط، بالردة، كالصلاة، حتى ما كان منها زكاة الخارج من الأرض.

وأما إذا ارتد، قبل تمام الحول على النصاب، فلا يثبت الوجوب، عند الجمهور.

والأصح، عند الشافعية، أن ملكه لماله موقوف، فإن عاد إلى الإسلام، تبين بقاء ملكه، وتجب فيه الزكاة، وإلا فلا.

2. الحرية

لا تجب الزكاة على العبد، اتفاقاً؛ لأنه لا يملك، والسيد مالك لما في يد عبده والمكاتب ونحوه، وإن ملك؛ إلا أن ملكه ليس تاماً.

3. البلوغ والعقل

هما شرط، عند الحنفية. فلا زكاة على صبي، ولا مجنون، في مالهما؛ لأنهما غير مخاطبين بأداء العبادة، كالصلاة والصوم. واستدلوا بقول النبي r: ]رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاثَةٍ عَنْ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ وَعَنْ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ وَعَنْ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 2825).

ولأنها عبادة، فلا تتأدى إلا بالاختيار، تحقيقاً لمعنى الابتلاء؛ ولا اختيار للصبي والمجنون، لعدم العقل؛ وقياساً على عدم وجوبها على الذمي؛ لأنه ليس من أهل العبادة.

ذهب المالكية والشافعية والحنابلة، إلى أن الزكاة، تجب في مال كل من الصغير والمجنون، ذكراً كان أو أنثى. واستدلوا بقول النبي r: ]أَلا مَنْ وَلِيَ يَتِيمًا لَهُ مَالٌ فَلْيَتَّجِرْ فِيهِ وَلا يَتْرُكْهُ حَتَّى تَأْكُلَهُ الصَّدَقَةُ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 580)، والمراد بالصدقة الزكاة المفروضة؛ لأن اليتيم لا يخرج من ماله صدقة تطوع؛ إذ ليس للولي، أن يتبرع من مال اليتيم بشيء؛ ولأن الزكاة تراد لثواب المزكي ومواساة الفقير، والصبي والمجنون كلاهما من أهل الثواب وأهل المواساة؛ ولأن الزكاة حق، يتعلق بالمال، فأشبه نفقة الأقارب، وأروش الجنايات، وقيم المتلفات.

واستندوا إلى عموم النصوص، التي دلت على وجوب الزكاة في مال الأغنياء، وجوباً مطلقاً، ولم تستثن صبياً ولا مجنوناً.

ويتولى الولي إخراج الزكاة من مالهما؛ لأنه يقوم مقامهما في أداء ما عليهما من الحقوق، كنفقة القريب؛ وعلى الولي أن ينوي أنها زكاة. وإن لم يخرجها الولي، وجب على الصبي، بعد البلوغ، والمجنون، بعد الإفاقة، إخراج زكاة ما مضى.

وروي عن ابن مسعود، أنه قال: "تجب الزكاة، ولا تخرج حتى يبلغ الصبي، أو يفيق المجنون؛ وذلك أن الولي ليس له ولاية الأداء".

ومما يتصل بهذا، زكاة مال الجنين، من إرث أو غيره؛ ذكر فيها الشافعية طريقين؛ والمذهب أنها لا تجب؛ وبذلك قطع الجمهور؛ لأن الجنين، لا يتيقن حياته، ولا يوثق بها، فلا يحصل تمام الملك واستقراره؛ فعلى هذا، يبتدئ حول ماله من حين ينفصل.

الخلاصة

إن مال الصبي والمجنون، تجب فيه الزكاة، لأنها حق يتعلق بالمال، فلا يسقط بالصغر والجنون. وتستوي في ذلك جميع أنواع الأموال، من أراضٍ وعقارات ونقود.

ويقوم الولي الشرعي بإخراج الزكاة من مال الصبي أو المجنون.

ولكنْ، هناك سؤال: ماذا لو خشي الولي، أن يطالبه الصبي، بعد البلوغ، أو المجنون، بعد الإفاقة، بغرامة ما دفع من مالهما، بناء على مذهب الإمام أبي حنيفة؟

لذلك، رأى بعض المالكية، أن يرفع الأمر إلى قاضٍ شرعي، يحكم للولي بلزوم إخراج الزكاة. وهذا الحكم يرفع الخلاف، فلا يستطيع قاضٍ آخر، أن ينقض حكم القاضي الأول.

ثانياً: العلم بفرضية الزكاة

ذهب المالكية، والشافعية، والحنابلة، إلى أن العلم بكون الزكاة مفروضة، ليس شرطاً لوجوبها؛ فتجب الزكاة على الحربي، إذا أسلم في دار الحرب، وله أموال، ومكث هناك سنين، ولا علم له بالشريعة الإسلامية، ويخاطب بأدائها، إذا خرج إلى دار الإسلام.

وذهب أبو حنيفة، وصاحباه، إلى أن العلم بكون الزكاة فريضة، شرط لوجوبها؛ فلا تجب على الحربي، في الصورة المذكورة.

ثالثاً: الزكاة في المال العام (أموال بيت المال)

نص الحنابلة على أن مال الفيء، وخُمس الغنيمة، وكل ما هو تحت يد الإمام، مما يرجع إلى الصرف في مصالح المسلمين ـ لا زكاة فيه. ولم يتعرض لهذه المسألة، مع مراعاتها في التطبيق؛ إذ لم يعهد، علماً ولا عملاً، أخذ الزكاة من الأموال العامة.

رابعاً: شروط المال، الذي تجب فيه الزكاة

يشترط في المال، الذي تجب فيه الزكاة، من حيث الجملة، شروط عدة:

1. كون المال مملوكاً لمعين

فلا زكاة في ما ليس له مالك معين. وهذا بالاتفاق، ولكنهم اختلفوا في زكاة المال الموقوف، بناء على اختلافهم في من يمتلك الوقف. فذهب الجمهور إلى أن الوقف، لا زكاة فيه؛ لأن الملك ينتقل لله، لا إلى الموقوف عليه؛ ولأن الزكاة تمليك، والتمليك في غير الملك، لا يتصور. وقال الحنابلة بوجوب الزكاة في الوقف المعين؛ لأنه يملكه، فتجب فيه الزكاة. وذهب المالكية إلى وجوب الزكاة على الواقف؛ لأن الوقف، عندهم، لا يخرجه عن ملك الواقف.

2. تمام الملك

عبارة الحنفية الملكية المطلقة، والمقصود ما كان في يد مالكه، ينتفع به ويتصرف فيه.

وهناك حالات يكون الملك فيها ناقصاً، منها:

أ. مال الضِّمار[1]

يطلق الفقهاء مصطلح "المال الضمار"، على المال، الذي لا يتمكن صاحبه من استنمائه، لزوال يده عنه، وانقطاع أمله في عوده إليه. وعند الحنفية: "كل ما بقي أصله في ملكه، ولكن زال عن يده زوالاً، لا يرجى عودته، في الغالب".

وقد ذكر الفقهاء للمال الضمار صوراً عديدة، أهمها:

(1) المال المغصوب، إذا لم يكن لصاحبه على الغاصب بينة؛ فإن كانت عليه بينة، فليس بضمار.

(2) المال المفقود.

(3) المال الساقط في البحر، لأنه في حكم العدم.

(4) المال المدفون في الصحراء، إذا نسي صاحبه مكانه، ثم تذكره، بعد زمان.

(5) المال الذي أخذه الحاكم، مصادرة [2]ظلماً، ثم وصل إليه، بعد سنين.

(6) الدين المجحود، الذي جحده المديون، سنين، علانية، إذا لم يكن عليه بينة، ثم صارت له بينة، بعد سنين، بأن أقر الجاحد به.

(7) المال الذي ذهب به العدو إلى دار الحرب.

(8) المال المودع عند من لا يعرفه، إذا نسي شخصه، سنين، ثم ذكره.

زكاة المال الضِّمار

اتفق الفقهاء على أنه لا زكاة في المال، ما دام مفقوداً، على هذه الحال؛ لكنهم اختلفوا في وجوب الزكاة في المال الضمار، إذا وصل إلى يد مالكه، بعد يأسه من الحصول عليه. وذلك على ثلاثة أقوال:

(1) القول الأول

ذهب الشافعي، في الجديد؛ وأحمد، في رواية عنه، وهو الراجح عند الشافعية والحنابلة ـ إلى أنه لا زكاة فيه، وهو ضمار؛ وإنما تجب فيه الزكاة للسنين الماضية، إذا وصلت إليه يده.

واستدلوا على ذلك:

بقول الصحابة، حيث روى أبو عبيدة، في كتابه "الأموال"؛ وابن أبي شيبة، عن عليّ t، أنه سُئل عن الدّين المظنون: يزكيه؟ فقال: إن كان صادقاً، فليزكه، إذا قبضه لما مضى. وروى أبو عبيد، بسنده عن ابن عباس t، أنه قال: ]إذا لم تَرْجُ أخْذَهُ، فلا تزكّه، حتى تأخذه. فإذا أخَذْتَهُ، فزكّ عنه ما عليه[.

بأن السبب، وهو الملك، قد تحقق... وفواتُ اليد غيرُ مُخلّ بالوجوب (كمال ابن السبيل).

(2) القول الثاني

وذهب مالك، في المشهور عنه؛ والأوزاعي، والحسن البصري ـ إلى أنَّ على مالكه أن يزكيه، لسنة واحدة، إذا قبضه. وقد رجح هذا الرأي، من المعاصرين، أبو الأعلى المودودي، في فتاواه.

واستدلوا على ذلك:

بما روي عن مالك، في الموطأ؛ وأبي عبيد، في الأموال؛ وابن أبي شيبة، في مصنفه ـ أن عمر بن عبدالعزيز، كتب في مال، قبضه بعض الولاة، ظلماً، يأمر برده إلى أهله، وتؤخذ زكاته لما مضى من السنين. ثم عقَّب، بعد ذلك، بكتاب أن لا يؤخذ منه إلا زكاة واحدة، فإنه كان ضماراً.

(3) القول الثالث

وذهب أبو حنيفة؛ والشافعي، في القديم؛ وأحمد، في رواية، اختارها شيخ الإسلام، ابن تيمية، ورجحها جمع من الحنابلة؛ وابن حزم إلى أنه لا تجب الزكاة في المال الضّمار، ويستقبل مالكه حولاً، مستأنفاً من يوم قبضه. وهو مروي عن عثمان بن عفان، وابن عمر رضي الله عنهم ونقله ابن حبيب، عن الإمام مالك.

واستدلوا على ذلك:

·   بقول الصحابة، حيث روي عن علي t، أنه قال: لا زكاة في المال الضمار.

·   بأن من شروط وجوب الزكاة في المال، الملك التامّ، وهو غير متحقق فيه؛ إذ هو مملوك، رقبة، لا يداً، فقد خرج عن يده وتصرفه، فلم تجب عليه زكاته.

·   بأنّ المال الضمار غير منتفع به في حق المالك؛ لعدم وصول يده إليه؛ والمالُ إذا لم يكن مقدوراً الانتفاع به في حق المالك، لا يكونُ المالك غنياً.

·   ولأن السبب في وجوب الزكاة، هو المال النامي، ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ولا قدرة عليه في الضمار، فلا زكاة.

هذا القول هو الراجح، لقوة برهانه، وسلامته من الإيراد عليه. وقد اختاره وتبناه مجلس مجمع الفقه الإسلامي، في دورته الثانية المنعقدة في جدة، في الفترة ما بين 10و16 ربيع الثاني 1406 هـ، حيث جاء في قراره الرقم (1)، في بشأن زكاة الديون: "تجب الزكاة على ربّ الدين، بعد دوران الحول، من يوم القبض، إذا كان المدين معسراً، أو مماطلاً.

ب. الزكاة في مال الأسير والمسجون، ونحوهما

إن المأسور أو المسجون، ربما لا يستطيع الانتفاع بماله؛ لأنه ممنوع من التصرف فيه.

وذكر الحنابلة، أن ذلك لا يمنع وجوب الزكاة عليه؛ لأنه لو تصرف في ماله، ببيع أو هبة، نفذ. وكذا لو وكل عليه، نفذت الوكالة.

وفرق المالكية بين الأموال الظاهرة والأموال الباطنة، للمسجون، فأوجبوا عليه الزكاة في الأموال الظاهرة. أما الباطنة، فأسقطوا عنه الزكاة فيها، وجعلوها كالأموال الضائعة؛ لذا، يزكيها، إذا أطلق لسنة واحدة.

ج. زكاة الديون

وهذا الموضوع متفرع من شرط تمام الملك. وإشكالية الدين، أن المال مملوك للدائن، والمتصرف فيه المدين. ولذلك، اختلفت أقوال الفقهاء حول زكاة الدين على من تقع، أهي على الدائن، لكونه المالك الحقيقي للمال؟ أم على المدين، لكونه المتصرف فيه ؟ أم يعفى كلاهما؛ لأن كلاً منهما غير مستكمل لشرط تمام الملك؟ أم الزكاة على كليهما؟ وهذا الاحتمال لم ينقل عن أحد من العلماء، وذلك منعاً للازدواج.

ويمكن حصر أقوال الفقهاء فيما يلي:

(1) لا زكاة في الدين

هو مذهب ابن عمر؛ وعائشة؛ وعكرمة، مولى ابن عباس ـ رضي الله عنهم ـ. وروى ابن حزم، عن السيدة عائشة، أم المؤمنين: (ليس في الدين زكاة)، ومعناه أنه لا زكاة على الدائن ولا على المدين. وأيد ذلك ابن حزم؛ وهو مذهب الظاهرية.

ووجه هذا القول ودليله، أن ملك كل من الدائن والمدين، غير تام. أما المدين؛ فلأن المال، الذي بيده، ليس مملوكاً له؛ وإنما يحق له التصرف فيه، والانتفاع به؛ لأن صاحب المال (الدائن)، الذي يملك، يأخذه متى شاء.

أما الدائن، فليس عليه زكاة؛ لأن المال، ليس في يده، حقيقة؛ ولأن غيره (المدين)، هو المتصرف في المال. فكان ملك الدائن غير تام.

وذهب إلى هذا القول بعض المعاصرين، مثل الشيخ المختار السلامي، وفضيلة العلامة الدكتور مصطفى الزرقاء ـ رحمه الله.

(2) وذهب جمهور الفقهاء إلى أن الدين نوعان: دين حال، ودين مؤجل

(أ) الدين الحال: وهو ما يجب أداؤه عند طلب الدائن؛ فتجوز المطالبة بأدائه، من الفور. وهو قسمان دين حال، مرجو الأداء؛ ودين حال، غير مرجو الأداء.

·   الدين الحال، المرجو الأداء: وهو ما كان على مُقّرٍّ به، باذلٍ له. وفيه للفقهاء أقوال:

·   مذهب الحنفية والحنابلة

إن زكاته تجب على الدائن، كل عام؛ لأنه مال مملوك له. إلا أنه لا يجب عليه إخراج الزكاة منه، ما لم يقبضه، فإذا قبضه زكاه، لكل ما مضى من السنين.

·   مذهب الشافعية

يجب إخراج زكاته، في نهاية كل حول؛ لأنه قادر على أخذه، والتصرف فيه.

·   مذهب المالكية

يزكيه، إذا قبضه، لسنة واحدة فقط.

واستثنى الشافعية والحنابلة ما كان من الدين ماشية (الأنعام)، فلا زكاة فيه؛ لأن شرط الزكاة في الماشية، عندهم، السوم (كما سيأتي)؛ وما في الذمة، وهو الدين، لا يتصف بالسوم.

(ب) الدين الحال، غير المرجو الأداء: وهو ما كان على معسر، أو جاحد، أو مماطل. وفيه مذاهب.

·   الحنفية والحنابلة، في رواية عن الإمام أحمد

إنه لا زكاة فيه؛ لعدم تمام الملك، لأنه غير مقدور على الانتفاع به.

·   الشافعي، ورواية أخرى عن الإمام أحمد

يزكيه، إذا قبضه، لما مضى من السنين.

·   الإمام مالك

يزكيه، إذا قبضه، لعام واحد، وإن أقام عند المدين أعواماً.

(ج) الدين المؤجل

وهو ما لا يجب أداؤه، قبل حلول أجله. ولكن لو أُدي، قبله، يصح، ويسقط عن ذمة المدين.

وذهب الحنابلة والشافعية، في الأظهر، إلى أن الدين المؤجل بمنزلة الدين على المعسر، فيجب إخراج زكاته. ولم يفرق الحنفية والمالكية بين الدين المؤجل والحال.

والخلاصة في زكاة الديون

صدرت الفتوى الشرعية في زكاة الديون، عن المجمع الفقهي، في القرار التالي:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه.

قرار رقم 1

بشأن زكاة الديون

أما بعد:

    فإن مجلس الفقه الإسلامي، المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي، في دورة انعقاد مؤتمره الثاني، بجدة، من 10 ـ 16 ربيع الثاني 1406هـ / 22 ـ 28 ديسمبر 1985.

    بعد أن نظر في الدراسات المعروضة، حول "زكاة الديون"، وبعد المناقشة المستفيضة، التي تناولت الموضوع، من جوانبه المختلفة، تبين:

1. أنه لم يرد نص من كتاب الله تعالى، أو سنة، رسولهr ، يُفصل زكاة الديون.

2. أنه قد تعدد ما أُثِر عن الصحابة والتابعين، رضوان الله عليهم، من وجهات نظر في طريقة إخراج زكاة الديون.

3. أنه قد اختلفت المذاهب الإسلامية، بناءً على ذلك، اختلافاً بيناً.

4. أن الخلاف قد انبنى على الاختلاف في قاعدة: هل يعطى المال الممكن الحصول عليه، حكم المال المحصول عليه فعلاً.

صفة الحاصل؟

    وبناء على ذلك قرر:

1. أنه تجب زكاة الدين على رب الدين، عن كل سنة، إذا كان المدين مليئاً باذلاً.

2. أنه تجب الزكاة على رب الدين، بعد دوران الحول، من يوم القبض، إذا كان المدين معسراً، أو مماطلاً.

    والله أعلم.

3. النماء

ووجه اشتراطه، أن المقصود من شرعية الزكاة، إضافة إلى الابتلاء، مواساة الفقراء، على وجه لا يصير به المزكي فقيراً؛ بأن يعطي من فضل ماله قليلاً من كثير. والإيجاب في المال، الذي لا نماء له، يؤدي إلى خلاف ذلك، مع تكرر السنين.

والنماء متحقق في السوائم بالدر والنسل، وفي الأموال المعدة للتجارة، والأرض الزراعية العشرية، وسائر الأموال، التي تجب فيها الزكاة. ولا يشترط تحقق النماء، بالفعل، بل تكفي القدرة على الاستنماء، بكون المال في يده، أو يد نائبه.

وبهذا الشرط خرجت الثياب، التي لا تراد لتجارة، سواء كان صاحبها محتاجاً إليها أو لا؛ وأثاث المنزل؛ والحوانيت؛ والعقارات؛ والكتب، لأهلها أو غير أهلها. وكذا الأنعام، إن كانت معدة للحرث، أو الركوب، أو التسمين.

والذهب والفضة، لا يشترط فيهما النماء، بالفعل؛ لأنهما للنماء خلقة، فتجب الزكاة فيهما، نوى التجارة أم لم ينو، أصلاً، إلا ما كان لحلي النساء.

وفقد النماء سبب آخر لعدم وجوب الزكاة في أموال الضمار، بأنواعها المتقدمة؛ لأنه لا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ومال الضمار لا قدرة عليه.

وهذا الشرط، يصرح به الحنفية، ويراعيه غيرهم في تعليلاتهم، دون تصريح به.

4. الزيادة على الحاجات الأصلية

وهذا الشرط يذكره الحنفية. وبناء عليه، قالوا: لا زكاة في كتب العلم، المقتناة لأهلها وغير أهلها، ولو كانت تساوي نصاباً. وكذا دار السكنى، وأثاث المنزل، ودواب الركوب، ونحو ذلك.

قالوا: لأن المشغول بالحاجة الأصلية كالمعدوم. وفسره ابن ملك بما يدفع عنه الهلاك تحقيقاً، كثيابه، أو تقديراً، كدينه.

ولم يذكر أي من أصحاب المذاهب هذا الشرط مستقلاً؛ لأن الزكاة أوجبها الشرع في أجناس معينة من المال، إذا حال الحول على نصاب كامل منها؛ فإذا وجد ذلك، وجبت الزكاة، واستغناء بشرط النماء، والنتيجة واحدة.

5. الحول

المراد بالحول، أن يتم على المال، بيد صاحبه، سنة كاملة، قمرية؛ فإن لم تتم، فلا زكاة فيه. إلا أن يكون بيده مال آخر، بلغ نصاباً، قد انعقد حولُه، وكان المالان مما يضم أحدهما إلى الآخر، فيرى بعض الفقهاء، أن الثاني يزكى مع الأول، عند تمام حول الأول.

ودليل اعتبار الحول هو قول النبي r: ]لا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1342).

ويستثنى، من اشتراط الحول في الأموال الزكوية، الخارج من الأرض؛ من الغلال الزراعية، والمعادن، والركاز، فتجب الزكاة في هذين النوعين، و لو لم يحل الحول؛ لقوله تعالى في الزروع: ]وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[ (سورة الأنعام: الآية 141). ولأنها نماء بنفسها، فلم يشترط فيها الحول، إذ إنها تعود، بعد ذلك، إلى النقص، بخلاف ما يشترط فيه الحول، فهو مرصد للنماء.

والحكمة في أن ما أرصد للنماء اعتبر له الحول، ليكون إخراج الزكاة من النماء؛ لأنه أيسر، لأن الزكاة إنما وجبت مواساة. ولم يعتبر حقيقة النماء، لأنه لا ضابط له، ولا بد من ضابط، فاعتبر الحول.

المال المستفاد، أثناء الحول

إن لم يكن عند المكلف مال، فاستفاد مالاً زكوياً لم يبلغ نصاباً، فلا زكاة فيه، ولا ينعقد حوله. فإن تم عنده نصاب، انعقد الحول من يوم تم النصاب؛ وتجب عليه زكاته، إن بقي إلى تمام الحول.

وإن كان عنده نصاب، وقبل أن يحول عليه الحول، استفاد مالاً من جنس ذلك النصاب، أو مما يضم إليه، فله ثلاثة أقسام:

الأول: أن تكون الزيادة من نماء المال الأول، كربح التجارة، ونتاج السائمة؛ فهذا يزكى مع الأصل، عند تمام الحول. قال ابن قدامة: لا نعلم في ذلك خلافاً؛ لأنه تبع للنصاب من جنسه، فأشبه النماء المتصل.

الثاني: أن يكون المستفاد من غير جنس المال، الذي عنده، كأن يكون المال إبلاً فيستفيد ذهباً أو فضة. فهذا النوع لا يزكى عن حول الأصل، بل ينعقد حوله يوم استفادته، إن كان نصاباً، اتفاقاً.

الثالث: أن يستفيد مالاً من جنس نصاب عنده، قد انعقد حوله، وليس المستفاد من نماء المال الأول؛ كأن يكون عنده عشرون مثقالاً ذهباً، ملكها في أول المحرم، ثم يستفيد ألف مثقال، في أول ذي الحجة، فقد اختلف العلماء في ذلك:

فذهب الشافعية والحنابلة، إلى أنه يضم إلى الأول في النصاب، دون الحول، فيزكي الأول، عند حوله، أي في أول المحرم، في المثال المتقدم. ويزكي الثاني، لحوله، أي في أول ذي الحجة، ولو كان أقلّ من نصاب؛ لأنه بلغ، بضمه إلى الأول، نصاباً. واستدلوا بعموم قول النبي r ]لا زَكَاة فِي مَال حَتَّى يَحُول عَلَيْهِ الْحَوْل[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1342). وبقوله: ]مَنْ اسْتَفَادَ مَالاً فَلا زَكَاةَ عَلَيْهِ حَتَّى يَحُولَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ عِنْدَ رَبِّهِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 572).

وذهب الحنفية إلى أنه يضم كل ما يأتي في الحول، إلى النصاب، الذي عنده، فيزكيها جميعاً، عند تمام حول الأول. قالوا: لأنه يضم إلى جنسه في النصاب، فوجب ضمه إليه في الحول، كالنصاب؛ ولأن النصاب سبب، والحول شرط، فإذا ضم النصاب، الذي هو سبب، فضمه إليه في الحول، الذي هو شرط، أولى؛ ولأن إفراد كل مال، يستفاد بحول، يفضي إلى تشقيص الواجب في السائمة، واختلاف أوقات الواجب، والحاجة إلى ضبط مواقيت التملك، ووجوب القدر اليسير، الذي لا يتمكن من إخراجه، وفي ذلك حرج، وإنما شرع الحول للتيسير، وقد قال الله تعالى: ]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءاتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ[ (سورة الحج: الآية 78)، وقياساً على نتاج السائمة، وربح التجارة. واستثنى أبو حنيفة ما كان ثمن مال، قد زكي، فلا يضم، لئلا يؤدي إلى الثَّني[3].

وذهب المالكية إلى التفريق في ذلك، بين السائمة والنقود. فقالوا في السائمة، كقول أبي حنيفة، قالوا: لأن زكاة السائمة موكولة إلى الساعي، فلو لم تضم، لأدى ذلك إلى خروجه، أكثر من مرة؛ بخلاف الأثمان، فلا تضم، فإنها موكولة إلى أربابها.

6. أن يبلغ المال نصاباً

والنصاب مقدار المال، الذي لا تجب الزكاة في أقلّ منه؛ وهو يختلف باختلاف أجناس الأموال الزكوية، فنصاب الإبل خمس منها، ونصاب البقر ثلاثون، ونصاب الغنم أربعون، ونصاب الذهب عشرون مثقالاً، ونصاب الفضة مائتا درهم، ونصاب الزروع والثمار خمسة أوسق.

ونصاب عروض التجارة مقدر بنصاب الذهب أو الفضة.

والحكمة في اشتراط النصاب واضحة، وهي أن الزكاة واجب مواساة؛ ومن كان فقيراً لا تجب عليه المواساة، بل تجب على الأغنياء إعانته؛ فإن الزكاة تؤخذ من الأغنياء، لترد على الفقراء. وجعل الشرع النصاب أدنى حدّ الغنى، لأن الغالب في العادات، أن من ملكه، فهو غني إلى تمام سنته.

7. الفراغ من الدين

وهذا الشرط معتبر من حيث الجملة، عند جمهور الفقهاء، ومنهم الشافعي، في قديم قوليه. وعبَّر بعضهم بأن الدين مانع من وجوب الزكاة؛ فإن زاد الدين، الذي على المالك، عما بيده، فلا زكاة عليه. وكذا إن لم يبق، بيده بعد ما يسد به دينه، نصاب فأكثر. واحتجوا بقول النبي r ]إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه[[4].

وقوله: ]rأمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم فأردها على فقرائكم[ ومن عليه ألف، ومعه ألف، فليس غنياً، ولقول عثمان t ]هذا شهر زكاتكم، فمن كان عليه دين، فليؤده، وليزك بقية ماله[.

ولا يعتبر الدين مانعاً، إلا إن استقر في الذمة، قبل وجوب الزكاة. فأما إن وجب، بعد وجوب الزكاة، لم تسقط؛ لأنها وجبت في ذمته، فلا يسقطها ما لحقه من الدين، بعد ثبوتها.

وذهب الشافعي، في الجديد، إلى أن الدين، لا يمنع الزكاة، أصلاً؛ لأن الحر المسلم، إذا ملك نصاباً، حولاً، وجبت عليه الزكاة فيه؛ لإطلاق الأدلة الموجبة للزكاة في المال المملوك.

خامساً: زكاة المال الحرام

قد تكون حرمة المال متعلقة بأحد أمور:

1. حرمة متعلقة بذات المال، كالخمور، والمخدرات، والخنازير، والأصنام، وآلات اللهو المحرمة.

2. وقد تكون حرمة المال لمعنى، تعلق بطريقة الحصول على المال، كالأعيان المغصوبة والمسروقة، والمصادرة بغير حق، والرشوة.

3. وقد تكون حرمة المال لوصف، علق به، وأصله مباح، كالمعاملات الربوية.

4. وقد تعود الحرمة إلى استعمال المال في غير موضعه، كالحلي المحرم، وكاستعمال أواني الذهب والفضة.

وقد اتجه جمهور أهل العلم، إلى وجوب الزكاة في الحلي المحرم. وإن كان معداً للاستعمال، كأواني الذهب والفضة، والحلي المحرم على الرجال؛ فلم يكن التحريم موجباً لسقوط الزكاة؛ قال شيخ الإسلام، ابن تيمية : "وأما ما يحرم، كالأواني، ففيه الزكاة".

وقال في شرح المنتهى : "وتجب الزكاة في حلي محرم، وآنية ذهب وفضة؛ لأن الصناعة المحرمة كالعدم".

وقد فرق بعض العلماء بين ما كان حلالاً، بأصله وذاته، ولكن تعلق به وصف، أوجب حرمته؛ وبين ما كان حراماً، بأصله، كالخمر، والخنزير. فهل لهذا التفريق، في وجوب الزكاة في المال الحرام، لوصف تعلق به، دون ذاته، أثر ؟ وهل يعتبر المال الحرام، لوصفه، دون ذاته، مملوكاً لمن هو بيده؟

وذهب الجمهور إلى أن المال الحرام كله، المأخوذ غصباً، أو سرقة، أو رشوة، أو ربا، أو نحو ذلك، ليس مملوكا لمن هو بيده، فلا تجب عليه زكاته؛ لأن الزكاة تمليك، وغير المالك لا يكون منه تمليك؛ ولأن الزكاة تطهر المزكّي، وتطهر المال المزكَّى؛ لقوله تعالى: ]خذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 103). وقال النبي r: ]لا تُقْبَلُ صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ وَلا صَدَقَةٌ مِنْ غُلُولٍ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 329). والمال الحرام كله خبث، لا يطهر. والواجب فيه رده إلى أصحابه، إن أمكن معرفتهم، وإلا وجب إخراجه كله عن ملكه، على سبيل التخلص منه، لا على سبيل التصدق؛ وهذا متفق عليه بين أصحاب المذاهب.

قال الحنفية: لو كان المال الخبيث نصاباً، لا يلزم من هو بيده الزكاة؛ لأنه يجب إخراجه كله، فلا يفيد إيجاب التصدق ببعضه.

وفي الشرح الصغير، لدردير من المالكية، تجب الزكاة على مالك النصاب، فلا تجب على غير مالك، كغاصب، ومودَع.

وقال الشافعية، كما نقله النووي عن الغزال، وأقره: إذا لم يكن في يده إلا مال حرام محض، فلا حج عليه، ولا زكاة، ولا تلزمه كفارة مالية.

وقال الحنابلة: التصرفات للغاصب في المال المغصوب، تحرم، ولا تصح؛ وذلك كالوضوء من ماء مغصوب، والصلاة بثوب مغصوب، أو في مكان مغصوب، وكإخراج زكاة المال المغصوب، والحج منه، والعقود الواردة عليه، كالبيع والإجارة.

وذهب شيخ الإسلام، ابن تيمية، إلى التفريق بقوله: "وأما المقبوض بعقد فاسد، والميسر، ونحوهما، فهل يفيد الملك ؟ على ثلاثة أقوال للفقهاء:

أحدهما: أنه يفيد الملك، وهو مذهب أبي حنيفة.

الثاني: لا يفيده، وهو مذهب الشافعي وأحمد.

الثالث: أنه إن فات، أفاد. وإن أمكن رده إلى مالكه، ولم يتغير في وصف، ولا سعر، لم يفد الملك. وهو المحكي عن مذهب مالك".

خلاصة المبحث أن المال الحرام نوعان:

أحدهما: حرام لذاته، كالخمر والخنزير، أو حرام على من هو بيده، لأخذه بغير وجه حق، كالمغصوب، والمسروق والرشوة. فهذا لا يجوز أن تنسب ملكيته لمن هو بيده، ولا يجوز التصرف فيه تصرف المالك في ملكه؛ ولزم من هو بيده التخلص منه، بإتلاف ما لا يجوز، تملكه لحرمة ذاته، وبردّ المغصوب إلى أهله. وليس في هذا النوع زكاة على من هو بيده.

الثاني: حرام لوصفه، كالربا، والميسر. فهذا اختلف فيه العلماء، في اعتبار ملكيته لمن هو بيده، على ثلاثة أقوال؛ لعل أرجحها القول الثالث. قال الحنابلة، إن إخراج الزكاة من هذا النوع أولى، وذلك على سبيل التخلص منه.

وعلى القول بأن المال المغصوب، يدخل في ملك الغاصب، في بعض الصور، كأن اختلط بماله، ولم يتميز، فإنه يكون بالنسبة إلى الغاصب مالاً زكوياً؛ إلا أنه لما كان الدين، يمنع الزكاة، والغاصب مدين بمثله أو قيمته، فإن ذلك يمنع الزكاة فيه. قال ابن عابدين: من ملك أموالاً غير طيبة، أو غصب أموالاً وخلطها، ملكها بالخلط، ويصير ضامناً، وإن لم يكن له سواها نصاباً، فلا زكاة عليه فيها، وان بلغت نصاباً؛ لأنه مدين، وأموال المدين، لا تنعقد سبباً لوجوب الزكاة، عند الحنفية؛ فوجوب الزكاة مقيد بما إذا كان له نصاب سواها. ولا يخفى أن الزكاة، حينئذ، إنما تجب فيما زاد عليها، لا فيها.

ثم إن المال المغصوب، الذي لا يقدر صاحبه على أخذه، لا زكاة فيه. ومتى قدر صاحبه عليه، فقيل: ليس عليه زكاة، لما مضى من السنين؛ لأنه كان محجوزاً عنه، ولم يكن قادراً على استنمائه (تنميته)، فكان ملكه ناقصاً. وقيل: عليه زكاته، لما مضى؛ وهذا مذهب الشافعية، في الجديد.

وقال الحنابلة: يخرج زكاته، ويعود بها على الغاصب. وليس ذلك، عند الحنابلة، من باب تزكية الغاصب للمال الحرام؛ وإنما ذلك لأنه نقص حصل في المال، وهو بيد الغاصب، أشبه ما لو تلف بعضه.



[1] الضمار: ما لا يرجى من الدين والوعد، وكل ما لا تكون منه على ثقة.

[2] الفرق بين المصادرة والغصب: أن المصادرة: أن يأمره بأن يأتي بالمال، والغصب: أخذ المال مباشرة على وجه القهر.

[3] الثني: تكرار الصدقة في المال الواحد لعام واحد.

[4] حديث: "إذا كان لرجل ألف درهم وعليه ألف درهم فلا زكاة عليه"، ذكره ابن قدامة في المغني (3/41)، ولم يعزه إلى أي من المصادر الحديثية.