إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزكاة









الباب الثالث

المبحث الثالث

الأموال التي تجب فيها الزكاة

وهي ما يسمى، في عرف الاقتصاديين، وعاء الزكاة وشروطه. ولقد جعل الإسلام كل صنف من أصناف الأموال، زكاة، إذا استوفى ذلك الصنف شروط أداء الزكاة، منفصلاً عن بقية الأصناف. وهذا ما وصلت إليه أحدث النظريات العلمية، في مجال تطبيق الضرائب، كمبدأ تعدد الضريبة على رأس المال والدخل، وإعفاء الحد الأدنى من الدخل.

وفائدة جعل كل صنف من أصناف الزكاة مستقلاً، سواء أكانت أموالاً نقدية أم أموالاً عينية ـ أنها لا تشعر الغني بثقل ما طلب منه من جهة، وتحقق العدالة في تحديد الحد الأدنى لذلك المال، الذي تجب فيه الزكاة، بحيث يدخل صاحبه في زمرة الأغنياء؛ ثم جعل نسبة على كل صنف من أصناف الزكاة، تختلف عن الأخرى؛ فالأرض الزراعية، لا زكاة عليها، مع أنها مصدر الإنتاج؛ والزكاة على الخارج منها فقط؛ لذا، كانت نسبة الزكاة على المزروعات والثمار الخارجة من الأرض، أكثر من نسبة الزكاة في عروض التجارة، حيث تجب الزكاة فيها على رأس المال والربح.

وفيما يأتي تفصيل الأموال، التي تجب فيها الزكاة.

1. أموال الزكاة، التي أوردها النص

إن الأموال، التي ثبتت فيها الزكاة، بالسُّنة النبوية، خمسة هي:

أ. النقدان، وهما الذهب (المثقال أو الدينار) والفضة (الدراهم).

ب. الركاز والمعادن.

ج. الزروع والثمار، وهو الناتج من الأراضي الزراعية.

د. عروض التجارة، وهي كل ما يعد للبيع والشراء، بقصد الربح.

هـ. الأنعام، وتشمل الإبل والبقر والغنم.

2. أموال مستحدثة، لم يرد فيها نص بذاتها

لقد ظهرت، في العصور الحاضرة، صنوف جديدة من المال، لم تكن معروفة في عهد النبوة، بل لقد أصبحت هذه الأموال المعاصرة، هي الغالبة. ومن تلك الأموال:

أ. الآلات الصناعية، كالمصانع، والسفن، والسيارات.

ب. العقارات المستغلة، كالعمارات، والفنادق، والمطاعم.

ج. الأوراق المالية، كالعملة الورقية، والأسهم، والسندات.

د. كسب العمل، كالمرتبات، والأجور، وأرباح المهن الحرة.

هـ. الثروة المعدنية، كالنفط، والثروة البحرية.

وهذه الأموال، في بعضها خلاف بين الفقهاء المعاصرين, فذهب بعضهم إلى وجوب الزكاة في كل الأموال، التي يمكن فيها النماء، بالفعل أو بالقوة؛ لأن ذلك هو علة أموال الزكاة. وذهب آخرون إلى أن الزكاة متعلقة بأنواع محددة، دون غيرها.

أولاً: زكاة النقدَين، الذهب والفضة

الذهب والفضة معدنان نفيسان، ناط الله سبحانه بهما من المنافع، ما لم ينط بغيرهما من المعادن. ولندرتهما ونفاستهما، أقدمت أمم كثيرة، منذ عهود بعيدة، على اتخاذهما نقوداً وأثماناً للأشياء.

ولذا اعتبرتهما الشريعة الإسلامية ثروة نامية بخلقتها، وأوجبت فيهما الزكاة، إذا كانا نقوداً، أو تبراً، أو سكوكاً، أو مصوغاً؛ وكذلك إذا اتخذا أواني، أو تحفاً، أو تماثيل، أو حلياً للرجال. أما حلي النساء، ففيها خلاف بين الفقهاء.

1. أدلة وجوب الزكاة في النقدَين

وجوب الزكاة في النقدَين ثابت، في الكتاب والسُّنة والإجماع.

أما الكتاب، فقوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّ كَثِيرًا مِنَ الأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ[ (سورة التوبة: الآية 34).

أما السُّنة، فقد ثبت عن رسول الله r أنه قال: ]مَا مِنْ صَاحِبِ ذَهَبٍ وَلا فِضَّةٍ لا يُؤَدِّي مِنْهَا حَقَّهَا إِلا إِذَا كَانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ صُفِّحَتْ لَهُ صَفَائِحُ مِنْ نَارٍ فَأُحْمِيَ عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَيُكْوَى بِهَا جَنْبُهُ وَجَبِينُهُ وَظَهْرُهُ كُلَّمَا بَرَدَتْ أُعِيدَتْ لَهُ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ حَتَّى يُقْضَى بَيْنَ الْعِبَادِ فَيَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ وَإِمَّا إِلَى النَّارِ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1647).

وفي رواية: ]ما من صاحب كنز لا يؤدي زكاته إلا أحمي عليه في نار جهنم[.

أما الإجماع، فقد اتفق المسلمون، في كل العصور، على وجوب الزكاة في النقدَين.

2. نصاب النقدَين

نصاب الذهب عشرون مثقالاً[1]، أو ديناراً[2]؛ والمعتمد عند جمهور العلماء، أن المثقال يساوي 4.25 جرامات، فيكون نصاب الذهب ـ 85 جراماً. فمن يملك من الذهب هذا المقدار، فقد ملك نصاباً، ويستقبل حولاً. والدليل على نصاب الذهب حديث السيدة عائشة، ]أَنَّ النَّبِيَّ r كَانَ يَأْخُذُ مِنْ كُلِّ عِشْرِينَ دِينَارًا فَصَاعِدًا نِصْفَ دِينَارٍ وَمِنْ الأَرْبَعِينَ دِينَارًا دِينَارًا[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1781).

نصاب الفضة مائتا درهم، تساوي، عند الحنفية، 700 جرام تقريباً، وعند الجمهور، 642 جراماً.

ورجح الشيخ يوسف القرضاوي، أن وزن الدرهم ـ جرامين و975 من الجرام. وعلى ذلك، فنصاب الفضة= 2.975 × 200 ـ 595 جراماً.

ولذلك، فمن ملك من الفضة الخالصة هذا المقدار، يكون قد ملك نصاباً. والدليل على نصاب الفضة ما ثبت في الصحيحين، أن النبي r قال: ]لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ مِنْ الْوَرِقِ صَدَقَةٌ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1629).

أ. المقدار الواجب في الذهب والفضة

إذا بلغت الفضة 595 جراماً، وبلغ الذهب 85 جراماً، كما رجح العلماء، فقد وجب في كل منهما مقدار ربع العشر، وهو 2.5%.

وذهب الجمهور إلى أنه يضم الذهب إلى الفضة، في تكملة النصاب، ويخرج من أيهما؛ فيصح أن يخرج من الذهب عن الفضة، والعكس؛ إذ إنهما من جنس واحد. ومنع الشافعية ذلك؛ لأنهما ليسا جنساً واحداً، كالإبل والبقر؛ والراجح أنهما جنس واحد، ويصح ضم أحدهما إلى الآخر.

ب. ما نقص عن النصاب، وما زاد عليه

تجب الزكاة، بالإجماع، في الذهب، إذا كان عشرين مثقالاً، أي 85 جراماً. أما ما دون ذلك، فلا زكاة فيه؛ إلا أن يتم بفضة. فإن لم يبلغ الذهب عشرين مثقالاً، فالإجماع على عدم وجوب الزكاة فيه.

أما الزيادة على النصاب، فلا شيء فيها، عند الحنفية، حتى تبلغ أربعين درهماً؛ فيكون فيها درهم، ثم في كل أربعين درهماً درهم، ولا شيء فيما بينهما. كذلك، لا زكاة في زيادة الدنانير (من الذهب)، حتى تبلغ أربعة دنانير. وذهب الجمهور إلى أن ما زاد على المائتين، فزكاته بحسابه، وإن قلّت الزيادة. وكذا، إذا زاد الذهب على عشرين، أخذ من الجميع 2.5%.

3. نصاب الأوراق النقدية

لقد اختفت، في عصرنا الحاضر، النقود، الذهبية والفضية، وأصبح التعامل، أساساً، بموجب نقود ورقية، وهي ما يسمى بالنقود الائتمانية. تعامل بها الناس، في حياتهم اليومية، في جميع معاملاتهم المالية. وأصبحت هذه النقود هي مقياس الغنى، ومعيار الاستغناء؛ وهي سمة مميزة من سمات عصرنا، فوجب التعامل مع تلك الظاهرة. والمبحث المهم، والحالة هذه، هو بأي النقدين يحدد نصاب الأوراق النقدية؟ وذلك لأن الشارع قد حدد لكل منهما نصاباً، يخالف الآخر، فهل يحدد بالفضة؟ أو يحدد بالذهب؟

ذهب كثير من العلماء المعاصرين، إلى أن الأوراق الورقية، يحدد نصابها بالفضة، وذلك لأمرين:

الأول: أن نصاب الفضة مجمع عليه، وثابت بالسُّنة المشهورة الصحيحة، وأحاديثه أقوى من أحاديث نصاب الذهب.

الثاني: أن التقدير بنصاب الفضة أنفع للفقراء، وهو مقصود الزكاة؛ إذ يقدَّر النصاب بالفضة بنحو 50 ريالاً سعودياً.

وذهب علماء آخرون إلى تقدير نصاب الأوراق النقدية، بالذهب؛ لأن الفضة تغيرت قيمتها، بعد عصر النبوة؛ وذلك، لاختلاف قيمتها باختلاف العصور. وأما الذهب، فاستمرت قيمته ثابتة، إلى حدّ بعيد. وهذا ما ذهب إليه من المعاصرين الأساتذة، أبو زهرة، وخلاف، والدكتور يوسف القرضاوي؛ وهذا هو الراجح؛ لأنه بالمقارنة بالأنصبة الأخرى، في الإبل أو الغنم، يتضح أن الذي يقاربها في هذا العصر، هو نصاب الذهب، لا نصاب الفضة. وكذلك، فإن النصاب هو ما يكفي أقلّ أهل بيت مؤنة سنة كاملة، فهل خمسون ريالاً سعودياً، تكفي لمعيشة أسرة، أي أسرة، سنة كاملة، أو شهراً واحداً، أو حتى أسبوعاً واحداً؟.

ولذا، فإن الأولى، أن يقتصر على تقدير النصاب، في هذا العصر، بالذهب؛ لأنه إذا كان التقدير بالفضة أنفع للفقراء، فهو إجحاف بأرباب الأموال. وأرباب الأموال في الزكاة، ليسوا هم الرأسماليين وكبار الموسرين، بل هم جمهور الأمة.

وقد ذهب بعض المعاصرين إلى أن نصاب الأوراق النقدية، يكون بتقدير قيمة نصاب الأنعام، مثل أن يكون نصاب الغنم 40 شاة، الشاة تقدر بـ 500 ريال، فيكون النصاب 40 × 500 = عشرين ألف ريال.

ثانياً: زكاة الركاز والمعادن

المعادن، في اللغة: المواضع التي تستخرج منها جواهر الأرض، كالذهب والفضة والنحاس وغير ذلك، وأحدها معدن.

والمعدن، عند الفقهاء: هو كل ما خرج من الأرض، مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة.

الكنز: المثبت في الأرض، من الأموال، بفعل الإنسان.

الركاز: يعمهما (يعني المعدن والكنز)؛ لأنه من الركز، مراداً به المركوز، أعم من كون راكزه الخالق ـ سبحانه ـ أو المخلوق.

فالمعدن هو الركاز، عند الحنفية. وهما مختلفان، عند الجمهور. فالمعدن: هو الذهب والفضة، عند المالكية والشافعية. بينما يشمل كل أنواع المعادن، الجامدة والسائلة، عند الحنابلة. والركاز: هو المال المدفون في الأرض، سواء كان ذهباً أو فضة، أو غيرهما.

1. مقدار الزكاة في الكنوز المدفونة

الكنوز: هي ما دفنه القدماء في الأرض، من المال، على اختلاف أنواعه.

وقد أوجب الفقهاء فيها الخمس، على من وجدها؛ لحديث أبي هريرة t: قال رسول الله r ]فِي الْمَعْدِنِ جُبَارٌ وَفِي الرِّكَازِ الْخُمُسُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 581). والمدفون في الأرض ركاز، بالإجماع؛ وعلى ذلك، قال العلماء:

أ. الجمهور على أن الركاز، يشمل كل مال ركز ودفن في الأرض.

ب الخمس على الواجد، سواء أكان مسلماً أم ذمياً، صغيراً أم كبيراً.

ج.  بقية الركاز لواجده، إن وجده في موات أو أرض، لا يعلم لها مالك. أما ما يجده في ملك مسلم أو ذمي، فهو لصاحب الملك.

د. الجمهور أنه لا يعتبر النصاب في الركاز؛ لأنه مال ظهر عليه بغير جهد ومؤنة، فلم يحتج إلى التخفيف، بإعفاء القليل منه.

هـ. اتفق العلماء على أنه لا يشترط الحول، بل يلزم إخراج الخمس، في الحال.

2. مصرف الركاز

لم يحدد الشارع مصارف الركاز؛ ولذا، اختلف الفقهاء هل هي مصارف الزكاة، أم هي مصارف الفيء، أي المصالح العامة للدولة؟

ذهب الإمام الشافعي، ورواية من الإمام أحمد: مصرف الركاز هو مصرف الزكاة. واستدلا بفعل الإمام علي t، ولأنه مستفاد من الأرض، فأشبه الزرع والثمر.

وذهب الإمام أبو حنيفة، والإمام مالك، ورواية عن الإمام أحمد. أن مصرفه مصارف الفيء: أي مصالح الدولة، ويخلط بالميزانية العامة. واستدلوا على ذلك بفعل الخليفة عمر بن الخطاب t، حيث قسم الركاز على من حضره من المسلمين، وأعطى صاحب الركاز الخمس؛ ولأن الركاز يجب على الذمي، والزكاة لا تجب عليه.

3. زكاة الثروة المعدنية (المعادن)

إن الثروة المعدنية هي تلك الثروة الهائلة، التي ركزها الخالق ـ سبحانه ـ في الأرض، وخلطها بترابها، لتكون قوتاً للإنسان، وذخراً لموارده الطبيعية؛ ولذا هذاه إلى استخراجها، حتى يقيم حضارة، ويعمر الأرض. وتمثلت هذه الثروة في معادن، كالذهب والفضة والنحاس والقصدير والنفط والحديد. ولا شك أن هذه المعادن لها قيمتها وأهميتها، في حياة الإنسان، وخاصة في العصر الحديث، حيث تعد هذه الثروات عصب الحضارة وشريانها، ومن هنا، تنافست الشركات العالمية في الحصول على حق الامتياز، في التنقيب عن هذه المعادن، خاصة النفط.

فما هو حكم الشريعة الإسلامية فيما يحصل من هذه المعادن؟ على الرغم من اختلاف الفقهاء في فهْم النصوص وتحقيق مناطها، فهُم متفقون، في الجملة، على وجوب حق، يؤخذ مما يستخرج من المعدن. لعموم قوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ[ (سورة البقرة: الآية 267).

4. هل كل المعادن، فيها زكاة؟

قصر الشافعية زكاة المعادن على الذهب والفضة. وألحق الحنفية بالذهب والفضة، كل معدن، يقبل التشكيل بالنار، الجامد أو السائل؛ فلا زكاة فيها، عندهم.

وذهب الحنابلة إلى وجوب الزكاة في كل المعادن، التي تستخرج من الأرض، مما يخلق فيها من غيرها، مما له قيمة، سواء أكان جامداً كالحديد والرصاص، أو من المعادن السائلة، كالنفط والكبريت؛ وهو مذهب كل فقهاء الشيعة. والراجح هو ما ذهب إليه الحنابلة؛ إذ لا فرق في المعنى، بين المعدن الجامد والسائل، فكلها أموال ذات قيمة؛ ويسمى النفط، في هذا العصر، بالذهب الأسود. وكذلك، يشهد للحنابلة عموم قوله تعالى: ]وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ[ (سورة البقرة: الآية 267)

5. المقدار الواجب إخراجه، في زكاة المعدن

هل الواجب في زكاة المعدن الخمس أو ربع العشر؟

ذهب الحنفية، والشيعة، إلى أن الواجب هو الخمس. وذهب الحنابلة، إلى أن الواجب هو ربع العشر. وهو قول للشافعي ومالك.

ورأى بعض الفقهاء رأياً آخر، نظر فيه إلى مقدار الجهد المبذول، والنفقات والمؤنة، في استخراج المعدن، بالنسبة إلى القدر الخارج منه. فإن كانت نفقة المقدار الخارج قليلة، فالواجب هو الخمس (20%)؛ وإن كانت مرتفعة، فالواجب ربع العشر (2.5%)؛ وهذا قول الإمام مالك، والإمام الشافعي ـ رحمهما الله ـ.

6. على من يجب إخراج زكاة المعدن

رأى الجمهور أن المعدن مملوك، لمن وجد في أرضه. وذهب المالكية إلى أن ما يخرج من الأرض، فهو ملك لبيت مال المسلمين؛ فالمناجم والنفط السائل في باطن الأرض، ملك للدولة. وقد علل ذلك بأن مصلحة المسلمين، أن تكون هذه الأموال لمجموعهم، لا لآحادهم؛ لأن هذه المعادن، قد يجدها شرار الناس، فإن تركت لهم، أفسدوها؛ وقد يؤدي التزاحم عليها إلى التقاتل وسفك الدماء والتحاسد. فجعلت تحت سلطان ولي الأمر، النائب عن المسلمين، ينفق غلاتها في مصالحهم.

7. النصاب في المعدن

ذهب الجمهور إلى وجوب اعتبار النصاب، في المعدن الخارج من الأرض. وخالف ذلك الحنفية، فلم يشترطوا النصاب، وأوجبوا الزكاة في الخارج، سواء كان قليلاً أو كثيراً.

والصحيح، الذي تؤكده الأدلة، اعتبار النصاب في المعدن، من دون اعتبار الحول.

ثالثاً: زكاة الزروع والثمار

ما تجب فيه الزكاة من أجناس النبات: أجمع العلماء على أن في التمر (ثمر النخل) والعنب (ثمر الكرم)، من الثمار، والقمح والشعير، من الزروع، زكاة، إذا تمت شروطها. وإنما أجمعوا على ذلك، لما ورد فيها من الأحاديث الصحيحة، منها حديث عبدالله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: ]الزكاة في الحنطة والشعير والتمر والزبيب[ (أخرجه، الدار قطني)؛ وفي لفظ: ]العشر في التمر والزبيب والحنطة والشعير[.

ثم اختلف العلماء في ما عدا هذه الأصناف الأربعة: فذهب أبو حنيفة إلى أن الزكاة، تجب في كل ما يقصد بزراعته استنماء الأرض، من الثمار والحبوب والخضراوات والأباريز، وغيرها مما يقصد به استغلال الأرض، دون ما لا يقصد به ذلك، عادة، كالحطب والحشيش والبذور، التي للأدوية. لكن، لو قصد بشيء من هذه الأنواع كلها، أن يشغل أرضه بها؛ لأجل الاستنماء، وجبت الزكاة؛ فالمدار على القصد.

واحتج بقول النبي r: ]فِيمَا سَقَتْ السَّمَاءُ وَالْعُيُونُ أَوْ كَانَ عَثَرِيًّا الْعُشْرُ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1388). فإنه عام، فيؤخذ على عمومه؛ ولأنه يقصد بزراعته نماء الأرض واستغلالها، فأشبه الحب. وذهب صاحبا أبي حنيفة، إلى أن الزكاة لا تجب، إلا فيما له ثمرة باقية حولاً.

وذهب المالكية إلى التفريق بين الثمار والحبوب. فأما الثمار، فلا يؤخذ من أي جنس منها زكاة، غير التمر والعنب. وأما الحبوب، فيؤخذ من الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والعدس، ومن القطاني السبعة: الحمص والفول والعدس واللوبيا والترمس والجلبان والبسيلة، وذوات الزيوت الأربع: الزيتون والسمسم والقرطم وحب الفجل. فهي كلها عشرون جنساً، لا يؤخذ من شيء سواها زكاة.

وذهب الشافعية إلى أن الزكاة، لا تجب في شيء من الزروع والثمار، إلا ما كان قوتاً؛ والقوت هو ما به يعيش البدن، غالباً، دون ما يؤكل تنعماً أو تداوياً. فتجب الزكاة من الثمار، في العنب والتمر خاصة؛ ومن الحبوب في الحنطة والشعير والأرز والعدس؛ وسائر ما يقتات اختياراً، كالذرة والحمص والباقلاء. ولا تجب في السمسم والتين والجوز واللوز والرمان والتفاح، ونحوها، والزعفران والورس.

وذهب أحمد، في رواية، عليها المذهب، إلى أن الزكاة، تجب في كل ما استنبته الآدميون من الحبوب والثمار، وكان مما يجمع وصفين: الكيل، واليبس مع البقاء (أي إمكانية الادخار).

قالوا: ولا تجب الزكاة فيما عدا ذلك، كالخضار كلها، وكثمار التفاح والمشمش والتين والتوت والموز والرمان والبرتقال، وبقية الفواكه، ولا في الجوز؛ نص عليه أحمد.

واحتج الحنابلة لذلك، بأن النبي r قال: ]لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ مِنْ تَمْرٍ وَلا حَبٍّ صَدَقَةٌ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1627)؛ فدل على اعتبار الكيل. وأما الادخار، فلأن غير المدخر، لا تكمل فيه النعمة، لعدم النفع به مآلاً.

وذهب أحمد، في رواية؛ وهو مروي عن ابن عمر رضي الله عنهما ـ إلى أنه لا زكاة في شيء غير هذه الأجناس الأربعة؛ لأن النص بها ورد، ولأنها غالب الأقوات، ولا يساويها في هذا المعنى، وفي كثرة نفعها، شيء غيرها؛ فلا يقاس عليها شيء.

1. الزكاة في الزيتون

تجب الزكاة في الزيتون، عند الحنفية والمالكية، وهو قول الزهري والأوزاعي ومالك والليث والثوري. وهو قول الشافعي، في القديم. ورواية عن أحمد؛ وهو مروي عن ابن عباس، لقوله تعالى: ]وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَءاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ[ (سورة الأنعام: الآية 141)، بعد أن ذكر الزيتون، في أول الآية؛ ولأنه يمكن ادخار غلته، فأشبه التمر والزبيب.

وذهب الشافعية، في الجديد، وأحمد، في الرواية الأخرى، إلى أنه لا زكاة في الزيتون؛ لأنه لا يدخر يابساً، فهو كالخضراوات.

2. شروط وجوب الزكاة في الزروع والثمار

لا يشترط الحول في زكاة الزروع والثمار، اتفاقاً؛ لقوله تعالى: ]وَءاتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ[ (سورة الأنعام، الآية 141)، ولأن الخارج نماء في ذاته، فوجبت فيه الزكاة، فوراً، كالمعدن، بخلاف سائر الأموال الزكوية؛ فإنما اشترط فيها الحول؛ ليمكن فيه الاستثمار.

3. النصاب في الزروع والثمار

ونصابها خَمْسَةِ أَوْسَاقٍ ، عند الجمهور، وهو ما يساوي، في العصر الحاضر، 647 كيلوجراماً. وقال أبو حنيفة: "لا يشترط نصاب، لزكاة الزروع والثمار، بل هي واجبة في القليل والكثير؛ ما لم يكن أقلّ من نصف صاع".

4. وقت وجوب الزكاة، في الحب والثمر

اختلف الفقهاء في الوقت، الذي تجب فيه زكاة الزروع والثمار.

فذهب المالكية، والشافعية، وأبو حنيفة، إلى أنها تجب عند إفراك الحب، وطيب الثمر والأمن عليه من الفساد؛ والمراد بإفراك الحب طيبه واستغناؤه عن السقي، وإن بقي في الأرض، لتمام طيبه، وطيب الثمر، نحو أن يزهي البسر، أو تظهر الحلاوة في العنب. قالوا: "لأن الحب، باشتداده، يكون طعاماً، حقيقة، وهو قبل ذلك بقل. والثمر، قبل بدو صلاحه، بلح وحصرم، وبعد بدو صلاحه، ثمرة كاملة؛ ولأن ذلك وقت الخرص، والمراد بالوجوب، هنا، انعقاد سبب الوجوب، ولا يكون الإخراج، إلا بعد اليبس والجفاف".

وذهب أبو يوسف، من الحنفية؛ وهو قول ابن أبي موسى، من الحنابلة، وقول ابن عرفة؛ من المالكية ـ إلى أن الوجوب، يتعلق باليبس واستحقاق الحصاد.

5. الأرض المستعارة والمستأجرة

ذهب جمهور الفقهاء (المالكية والشافعية والحنابلة والصاحبان)، إلى أن من استعار أرضاً، أو استأجرها، فزرعها، فالزكاة على المستعير والمستأجر؛ لأن الغلة ملكه، والعبرة في الزكاة بملكية الثمرة، لا بملكية الأرض أو الشجر.

وذهب أبو حنيفة إلى أن العشر على المؤجر؛ لأن الأرض كما تستنمى بالزراعة، تستنمى بالإجارة.

رابعاً: زكاة عروض التجارة

والعرض بسكون الراء، هو كل مال، سوى النقدَين. وقيل: العروض هي الأمتعة، التي لا يدخلها كيل، ولا وزن، ولا يكون حيواناً، ولا عقاراً.

وهي، في اصطلاح الفقهاء، كل ما أعد للتجارة، كائنة ما كانت، سواء من جنس تجب فيه زكاة العين، كالإبل والغنم والبقر، أو لا، كالثياب والحمير والبغال.

1. حكم الزكاة في عروض التجارة

جمهور الفقهاء، على أن المفتى به، هو وجوب الزكاة في عروض التجارة[3]، واستدلوا لذلك بقوله تعالى: ]يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلا أَنْ تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ[ (سورة البقرة: الآية 267).

وبحديث سمرة: ]عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ r كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نُخْرِجَ الصَّدَقَةَ مِنْ الَّذِي نُعِدُّ لِلْبَيْعِ[ ( سنن أبو داود، الحديث الرقم 1335).

2. شروط وجوب الزكاة في العروض

أ. الشرط الأول: أن لا يكون لزكاتها سبب آخر، غير كونها عروض تجارة (السوائم التي للتجارة).

فلو كان لديه سوائم للتجارة، بلغت نصاباً، فلا تجتمع زكاتان، إجماعاً، لحديث: ]لا ثني في الصدقة[، بل يكون فيها زكاة العين (أي الأنعام)، عند المالكية والشافعية، في الجديد؛ كأن يكون عنده خمس من الإبل للتجارة، ففيها شاة، ولا تعتبر القيمة؛ فإن كانت أقلّ من خمس، فإنها تقوم؛ فإن بلغت نصاباً من الأثمان، وجبت فيها زكاة القيمة.

وإنما قدموا زكاة العين على زكاة التجارة؛ لأن زكاة العين أقوى ثبوتاً؛ لانعقاد الإجماع عليها، واختصاص العين بها، فكانت أولى.

وذهب الحنفية والحنابلة، إلى أنها تزكى زكاة التجارة؛ لأنها أحظ للمساكين، لأنها تجب فيما زاد بالحساب. لكن، قال الحنابلة: إن بلغت عنده نصاب سائمة، ولم تبلغ قيمته نصاباً من الأثمان، فلا تسقط الزكاة، بل تجب زكاة السائمة، كمن عنده خمس من الإبل للتجارة، لم تبلغ قيمتها مائتي درهم، ففيها شاة.

ونظير هذا، عند الفقهاء، غلة مال التجارة؛ كأن يكون ثمراً، مما تجب فيه الزكاة، إن كان الشجر للتجارة.

ب. الشرط الثاني: تملك العرض بمعاوضة

يشترط أن يكون قد تملك العرض بمعاوضة، كشراء بنقد، أو عرض، أو بدين حال، أو مؤجل. وكذا لو كان مهراً، أو عوض خلع.

وهذا مذهب المالكية والشافعية. فلو ملكه بإرث، أو بهبة، أو باحتطاب، أو باسترداد بعيب، أو نحو ذلك، فلا زكاة فيه.

قالوا: لأن التجارة كسب المال ببدل، هو مال، وقبول الهبة، مثلاً، اكتساب بغير بدل، أصلاً.

وعند الشافعية، في مقابل الأصح، أن المهر، وعوض الخلع، لا يزكيان زكاة التجارة.

وقال الحنابلة: الشرط أن يكون قد ملكه بفعله، سواء كان بمعاوضة، أو غيرها من أفعاله، كالاحتطاب، وقبول الهبة. فإن دخل في ملكه بغير فعله، كالموروث، أو مضي حول التعريف في اللقطة، فلا زكاة فيه.

ج. الشرط الثالث: نية التجارة

اتفق الفقهاء على أنه يشترط في زكاة مال التجارة، أن يكون صاحبه قد نوى، عند شرائه، أو تملكه، أنه للتجارة. والنية المعتبرة، هي ما كانت مقارنة لدخوله في ملكه؛ لأن التجارة عمل، فيحتاج إلى النية مع العمل. فلو ملكه للقنية، ثم نواه للتجارة، لم يصر لها. ولو ملك للتجارة، ثم نواه للقنية، وأن لا يكون للتجارة ـ صار للقنية، وخرج عن أن يكون محلاً للزكاة، ولو عاد فنواه للتجارة. وقال ابن الهمام: لما لم تكن العروض للتجارة خلقة، فلا تصير لها، إلا بقصدها فيه.

قال المالكية: لو نوى مع التجارة القنية، بأن ينوي الانتفاع بالشيء، كركوب السيارة، أو سكنى المنزل، ثم إن وجد ربحاً، باعه، ففيه الزكاة، على المرجح، عندهم.

قالوا: فإن ملكه للقنية فقط، أو للإجارة فقط، أو لهما معاً، أو بلا نية، أصلاً، فلا زكاة عليه.

د. الشرط الرابع: بلوغ النصاب

ونصاب العروض بالقيمة، ويقوم بذهب أو فضة، فلا زكاة في ما يملكه الإنسان من العروض، إن كانت قيمتها أقلّ من نصاب الزكاة، في الذهب أو الفضة، ما لم يكن عنده من النقدّين نصاب، أو تكملة نصاب.

وتضم العروض بعضها إلى بعض، في تكميل النصاب؛ وإن اختلفت أجناسها.

واختلف الفقهاء فيما تقوم به عروض التجارة: بالذهب أم بالفضة.

فذهب الحنابلة وأبو حنيفة، في رواية عنه، عليها المذهب ـ إلى أنها تقوم بالأحظ للفقراء؛ فإن كان إذا قومها بأحدهما، لا تبلغ نصاباً، وبالآخر تبلغ نصاباً ـ تعين عليه التقويم بما يبلغ نصاباً.

وقال الشافعية، وأبو يوسف: يقومها بما اشترى به من النقدَين. وإن اشتراها بعرض، قومها بالنقد الغالب في البلد. وقال محمد: يقومها بالنقد الغالب، على كل حال، كما في المغصوب والمستهلك.

ولم يتعرض المالكية لما تقوم به السلع، مع أنهم قالوا: إنها لا زكاة فيها، ما لم تبلغ نصاباً. ولأن الغالب، في هذا العصر، التعامل بالأوراق المالية، فإن التقويم يكون بها، وفقاً لنصاب الذهب، الذي سبق تحديده.

هـ. الشرط الخامس: الحول

والمراد أن يحول الحول على عروض التجارة؛ فما لم يحل عليه الحول، فلا زكاة فيه، وهذا إن ملكه بغير معاوضة، أو بمعاوضة غير مالية، كالخلع، عند من قال بذلك. أما إن اشتراه بمال من الأثمان، أو بعرض تجارة آخر، فإنه يبني حول الثاني على حول الأول؛ لأن مال التجارة تتعلق الزكاة بقيمته، وقيمته هي الأثمان نفسها.

فإن أُبدل بعرض التجارة عرض قنية، أو سائمة لم يقصد بها التجارة، فإن حول زكاة التجارة ينقطع.

وربح التجارة، في الحول، يضم إلى الأصل، فيزكى الأصل والربح، عند آخر الحول. فإذا حال الحول، وجب على المالك تقويم عروضه وإخراج زكاتها، عند الجمهور، خلافاً للإمام مالك.

و. الشرط السادس: تقويم السلع

كيفية التقويم والحساب في زكاة التجارة

(1) ما يقوم من السلع، وما لا يقوم

الذي يقوم من العروض، هو ما يراد بيعه، دون ما لا يعد للبيع؛ فالرفوف التي يضع عليها السلع، لا زكاة فيها، وهي ما تسمى بالأصول الثابتة.

ومما ذكره الحنفية، أن العطار، لو اشترى قوارير، فما كان من القوارير لحفظ العطر عند التاجر، فلا زكاة فيه، وما كان يوضع فيه العطر للمشتري، ففيه زكاة.

ومواد الوقود، كالحطب، ونحوه، ومواد التنظيف، كالصابون، ونحوه، والتي أعدها الصانع، ليستهلكها في صناعته على أنها مواد مستهلكة، لا ليبيعها، فلا زكاة فيما لديه منها. والمواد، التي لتغذية دواب التجارة، لا تجب فيها الزكاة.

وذكر المالكية أنه لا زكاة في الأواني، التي تدار فيها البضائع، ولا الآلات، التي تصنع بها السلع، ولا الإبل، التي تحملها.

وذكر الشافعية أن المواد، التي للصباغة أو الدباغة، والدهن للجلود، فيها الزكاة؛ بخلاف الملح للعجين، أو الصابون للغسل، فلا زكاة فيهما؛ لهلاك العين. وذكر الحنابلة نحو ذلك.

(2) تقويم الصنعة في المواد الخام

المواد الخام، التي اشتراها المالك، وقام بتصنيعها، يستفاد من كلام المالكية، أنها تقوم على الحال، التي اشتراها عليها صاحبها، أي قبل تصنيعها. ونص البناني: "الحكم أن الصناع يزكون ما حال على أصله الحول من مصنوعاتهم، إذا كان نصاباً، ولا يقومون صناعتهم".

(3) السعر الذي تقوم به السلع

السلع التي تصنع في مكان، وتباع في آخر، هل تقوم على سعر بلد التصنيع، أم بلد التصدير ؟ المستفاد، من أقوال الحنفية، أن عروض التجارة، يقومها المالك على أساس سعر البلد، الذي فيه المال؛ وتعتبر القيمة، يوم الوجوب، في قول أبي حنيفة؛ لأنه، في الأصل، بالخيار بين الإخراج من العين وأداء القيمة.

(4) إخراج زكاة عروض التجارة، نقداً، أو من أعيان المال

الأصل في زكاة التجارة، أن يخرجها، نقداً، بنسبة ربع العشر من قيمتها، لقول عمر ـ رضي الله عنه ـ لحماس: قومها، ثم أد زكاتها.

فإن أخرج زكاة القيمة من أحد النقدَين، أجزأ، اتفاقاً.

وإن أخرج عروضاً عن العروض، فقد اختلف الفقهاء في جواز ذلك.

فقال الحنابلة، وهو ظاهر كلام المالكية، وقول الشافعي، في الجديد؛ وعليه الفتوى: لا يجزئه ذلك؛ واستدلوا بأن النصاب معتبر بالقيمة، فكانت الزكاة من القيمة. وأما عند الحنفية، وهو قول ثانٍ للشافعية قديم: فيتخير المالك بين الإخراج من العرض، أو من القيمة، فيجزئ إخراج عرض بقيمة ما وجب عليه من زكاة العروض.

خامساً: زكاة الثروة الحيوانية

بينما تعد الثروة الحيوانية بالآلاف، فإن الإنسان لم ينتفع إلا بالقليل منها؛ وهو ما يعرف بالأنعام، وهي الإبل والبقر ـ ويشمل الجاموس ـ والغنم ويشمل الماعز. قال تعالى: ]وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ(5) وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ(6) وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَمْ تَكُونُوا بَالِغِيهِ إِلا بِشِقِّ الأَنْفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ[ (سورة النحل: الآيات 5 ـ 7). لقد خلقها الله للإنسان، وسخرها له ليركب ظهرها، ويأكل لحمها أو يشرب لبنها؛ فوجب على الإنسان أن يشكر تلك النعمة، إقراراً بحق الخالق ـ سبحانه ـ ومن أبرز مظاهر الشكر، ما جاءت به السنة، من إيجاب الزكاة في الأنعام. وقد أجمع الفقهاء على أن الإبل والبقر والغنم، هي من الأصناف، التي تجب فيها الزكاة. وفي الخيل خلاف. وأما البغال والحمير، وغيرها من أصناف الحيوان، فليس فيها زكاة، ما لم تكن للتجارة.

1. شروط وجوب الزكاة في الحيوان

يشترط في الماشية، لوجوب الزكاة فيها، تمام الحول، وكونها نصاباً فأكثر؛ إضافة إلى سائر الشروط، المتقدم بيانها لوجوب الزكاة.

·   ويشترط هنا شرطان آخران:

الأول: السوم: ومعناه أن يكون غذاؤها على الرعي، من نبات البر. فلو كانت معلوفة، لم تجب فيها الزكاة، عند الحنفية والشافعية والحنابلة؛ لأن المعلوفة تتراكم فيها المؤونة، فينعدم النماء من حيث المعنى. واستدلوا لذلك بما في حديث بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، مرفوعاً: ]فِي كُلِّ سَائِمَةِ إِبِلٍ فِي أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1344). وحديث: ]في كل خمس من الإبل السائمة شاة[ فدل، بمفهومه، على أن المعلوفة، لا زكاة فيها.

الثاني: أن لا تكون عاملة. فالإبل المعدة للحمل والركوب، والنواضح، وبقر الحرث والسقي، لا زكاة فيها، ولو كانت سائمة.

هذا مذهب الحنفية، وهو قول الشافعية، في الأصح، ومذهب الحنابلة. واستدلوا بحديث، قَالَ: ]وَفِي الْبَقَرِ فِي كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعٌ وَفِي الأَرْبَعِينَ مُسِنَّةٌ وَلَيْسَ عَلَى الْعَوَامِلِ شَيْءٌ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1342) وذهب المالكية، وهو قول آخر للشافعية، إلى أن العمل لا يمنع الزكاة في الماشية، لعموم قول النبي r: ]فَفِي كُلِّ خَمْسِ ذَوْدٍ شَاةٌ[ (مسند أحمد، الحديث الرقم 68). ولأن استعمال السائمة زيادة رفق ومنفعة تحصل للمالك، فلا يقتضي ذلك منع الزكاة، بل تأكيد إيجابها.

أ. زكاة الإبل

الإبل اسم جمع، ليس له مفرد من لفظه، وواحده الذكر: جمل. والأنثى: ناقة. والصغير: حُوار، إلى سنة، وإذا فطم فهو: فصيل. والبكر هو الفتي من الإبل، والأنثى بكرة.

(1) المقادير الواجبة في زكاة الإبل

بين النبي r المقادير الواجبة في زكاة الإبل، وهي في حديث البخاري، المذكور فيما يلي، بكماله؛ لكثرة الحاجة إليه في المسائل التالية: عن أنس t، أن ]أَبَا بَكْرٍ t كَتَبَ لَهُ هَذَا الْكِتَابَ لَمَّا وَجَّهَهُ إِلَى الْبَحْرَيْنِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ r عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَالَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا رَسُولَهُ فَمَنْ سُئِلَهَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى وَجْهِهَا فَلْيُعْطِهَا وَمَنْ سُئِلَ فَوْقَهَا فَلا يُعْطِ فِي أَرْبَعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الإِبِلِ فَمَا دُونَهَا مِنْ الْغَنَمِ مِنْ كُلِّ خَمْسٍ شَاةٌ إِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَثَلاثِينَ إِلَى خَمْسٍ وَأَرْبَعِينَ فَفِيهَا بِنْتُ لَبُونٍ أُنْثَى فَإِذَا بَلَغَتْ سِتًّا وَأَرْبَعِينَ إِلَى سِتِّينَ فَفِيهَا حِقَّةٌ طَرُوقَةُ الْجَمَلِ فَإِذَا بَلَغَتْ وَاحِدَةً وَسِتِّينَ إِلَى خَمْسٍ وَسَبْعِينَ فَفِيهَا جَذَعَةٌ فَإِذَا بَلَغَتْ يَعْنِي سِتًّا وَسَبْعِينَ إِلَى تِسْعِينَ فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ فَإِذَا بَلَغَتْ إِحْدَى وَتِسْعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِيهَا حِقَّتَانِ طَرُوقَتَا الْجَمَلِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ فَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ وَفِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلا أَرْبَعٌ مِنْ الإِبِلِ فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا مِنْ الإِبِلِ فَفِيهَا شَاةٌ وَفِي صَدَقَةِ الْغَنَمِ فِي سَائِمَتِهَا إِذَا كَانَتْ أَرْبَعِينَ إِلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى عِشْرِينَ وَمِائَةٍ إِلَى مِائَتَيْنِ شَاتَانِ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى مِائَتَيْنِ إِلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ فَإِذَا زَادَتْ عَلَى ثَلاثِ مِائَةٍ فَفِي كُلِّ مِائَةٍ شَاةٌ فَإِذَا كَانَتْ سَائِمَةُ الرَّجُلِ نَاقِصَةً مِنْ أَرْبَعِينَ شَاةً وَاحِدَةً فَلَيْسَ فِيهَا صَدَقَةٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا وَفِي الرِّقَّةِ رُبْعُ الْعُشْرِ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ إِلا تِسْعِينَ وَمِائَةً فَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبُّهَا[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1362).

وبناء على هذا الحديث، تؤخذ الزكاة من الإبل، على النحو التالي:

من 1 إلى 4                  ليس فيها شيء.

من 5 إلى 9                  فيها شاة واحدة.

من 10 إلى 14               فيها شاتان.

من 15 إلى 19               فيها 3 شياه.

من 20 إلى 24               فيها 4 شياه.

من 25 إلى 35               فيها بنت مخاض، (فإن لم يوجد فيها بنت مخاض يجزئ ابن لبون ذكر).

من 36 إلى 45               فيها بنت لبون.

من 46 إلى 60               فيها حقة.

من 61 ـ 75                فيها جذعة.

من 76 إلى 90               فيها بنتا لبون.

من 91 إلى 120             فيها حقتان.

من 121 إلى 129            فيها 3 بنات لبون.

من 130 إلى 139            فيها حقة وبنتا لبون.

من 140 إلى 149            فيها حقتان وبنت لبون.

من 150 إلى 159            فيها 3 حقاق.

من 160 إلى 169            فيها 4 بنات لبون.

وهكذا في ما زاد، في كل 40 بنت لبون، وفي كل 50 حقة.

وهذا جار على مذهب الشافعية، ورواية في مذهب الحنابلة. و من أوله إلى 120، مجمع عليه؛ لتناول حديث أنس له، وعدم الاختلاف في تفسيره. واختلف فيما بين 121 إلى 129.

(2) نصاب زكاة البقر والقدر الواجب

بينت السُّنة نصاب زكاة البقر، والقدر الواجب، وذلك فيما روى مسروق ]أَنَّ النَّبِيَّ r، بعث معاذاً، رضي الله عنه، إِلَى الْيَمَنِ وأَمَرَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ كُلِّ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً وَمِنْ كُلِّ حَالِمٍ يَعْنِي مُحْتَلِمًا دِينَارًا أَوْ عَدْلَهُ مِنْ الْمَعَافِرِ ثِيَابٌ تَكُونُ بِالْيَمَنِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1345).

تؤخذ زكاة البقر على النحو التالي:

من 1 إلى 29             لا شيء فيها.

30 إلى 39               فيها تبيع (أو تبيعة).

40 إلى 59               فيها مسنة.

60 إلى 69               فيها تبيعان.

70 إلى 79               فيها تبيع ومسنة.

80 إلى 89               فيها تبيعان.

90 إلى 99               فيها 3 أتبعة.

100 إلى 109            فيها تبيعان ومسنة.

110 إلى 119            فيها تبيع ومسنتان.

120 إلى 129            فيها 4 أتبعة أو 3 مسنات.

وهكذا في كل ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنة.

وعلى هذا تجري مذاهب جماهير العلماء.

ب. زكاة الغنم

زكاة الغنم واجبة، بالسُّنة والإجماع. فمما ورد فيها، حديث أنس، المتقدم ذكره، في زكاة الإبل.

وبناء على الحديث المذكور، تؤخذ زكاة الغنم، طبقاً للنحو التالي:

من 1 إلى 39             لا شيء فيها.

40 إلى 120              فيها شاة.

121 إلى 200            فيها شاتان.

201 إلى 399            فيها 3 شياه.

400 إلى 499            فيها 4 شياه.

500 إلى 599            فيها 5 شياه.

وهكذا ما زاد على ذلك، في كل مائة شاة شاة، مهما كان قدر الزائد. وعلى هذا تجري مذاهب جمهور الفقهاء.

صفة المأخوذ في زكاة الماشية

ينبغي أن يكون المأخوذ في الزكاة من الوسط، لقول النبي r: ]ثَلاثٌ مَنْ فَعَلَهُنَّ فَقَدْ طَعِمَ طَعْمَ الإِيمَانِ مَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَحْدَهُ وَأَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَعْطَى زَكَاةَ مَالِهِ طَيِّبَةً بِهَا نَفْسُهُ رَافِدَةً عَلَيْهِ كُلَّ عَامٍ وَلا يُعْطِي الْهَرِمَةَ وَلا الدَّرِنَةَ وَلا الْمَرِيضَةَ وَلا الشَّرَطَ اللَّئِيمَةَ وَلَكِنْ مِنْ وَسَطِ أَمْوَالِكُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَسْأَلْكُمْ خَيْرَهُ وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ بِشَرِّهِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1349). وهذا يقتضي أمرَين:

الأول: أن يتجنب الساعي طلب خيار المال، ما لم يخرجه المالك، طيبة به نفسه؛ وقد قال النبي  r للساعي: ]فَإِيَّاكَ وَكَرَائِمَ أَمْوَالِهِمْ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1401).

الثاني: أن لا يكون المأخوذ من شرار المال، ومنه المعيبة، والهرمة، والمريضة؛ لكن، إن كانت كلها معيبة أو هرمة أو مريضة، فقد ذهب بعض الفقهاء إلى أنه يجوز إخراج الواجب منها.

ج. زكاة الخيل

ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الخيل، التي ليست للتجارة، لا زكاة فيها، ولو كانت سائمة، واتخذت للنماء، وسواء كانت عاملة أو غير عاملة. واستدلوا بقول النبي r: ]لَيْسَ عَلَى الْمُسْلِمِ فِي فَرَسِهِ وَغُلامِهِ صَدَقَةٌ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1370)، وقوله: ]قَدْ عَفَوْتُ عَنْ صَدَقَةِ الْخَيْلِ وَالرَّقِيق[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 563).

وذهب أبو حنيفة إلى أن الخيل، إذا كانت سائمة، ذكوراً وإناثاً، ففيها الزكاة؛ وليس في ذكورها منفردة زكاة؛ وكذلك في الإناث منفردات.

د. زكاة سائر أصناف الحيوان

ذهب عامة الفقهاء إلى أنه لا زكاة في سائر الحيوان، غير ما تقدم؛ ما لم تكن للتجارة، فليس في البغال والحمير وغيرها زكاة.



[1] المثقال عند الحنفية يساوي خمسة جرامات. وعند الجمهور يساوي 3.60 جرام، وحدده بنك فيصل الإسلامي في السودان بـ4.457 جرام.

[2] الدينار عند الحنابلة أصغر من المثقال.

[3] التجارة تقليب المال بالبيع والشراء لغرض تحصيل الربح.