إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الزكاة









الباب الرابع

المبحث الرابع

مصارف الزكاة وعلاقة الدولة بجمع وتوزيع الزكاة

أولاً: مصارف الزكاة

مصارف الزكاة محصورة في ثمانية أصناف. والأصناف الثمانية قد نص عليها القرآن الكريم، في قوله تعالى: ]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 60).

و"إنما"، التي صدرت بها الآية، أداة حصر، فلا يجوز صرف الزكاة لأحد، أو في وجه غير داخل في هذه الأصناف. وقد أكد ذلك ما ورد ]أن رَسُولَ اللَّهِ r أَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ r إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَرْضَ بِحُكْمِ نَبِيٍّ وَلا غَيْرِهِ فِي الصَّدَقَاتِ حَتَّى حَكَمَ فِيهَا هُوَ فَجَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ فَإِنْ كُنْتَ مِنْ تِلْكَ الأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُكَ حَقَّكَ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1389)

بيان الأصناف الثمانية:

1. الصنفان الأول والثاني: الفقراء والمساكين

الفقراء والمساكين هم أهل الحاجة، الذين لا يجدون ما يكفيهم. وإذا أطلق لفظ (الفقراء) وانفرد، دخل فيهم (المساكين)، وكذلك عكسه. وإذا جمع بينهما في كلام واحد، كما في آية مصارف الزكاة، تميز كل منهما بمعنى.

وقد اختلف الفقهاء في أيهما أشد حاجة. فذهب الشافعية والحنابلة، إلى أن الفقير أشد حاجة من المسكين. واحتجوا بأن الله تعالى قدم ذكر الفقراء في الآية، وذلك يدل على أنهم أهم؛ وبقوله تعالى: ]أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا وَكَانَ وَرَاءَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ غَصْبًا[ (سورة الكهف: الآية 79)؛ فأثبت لهم وصف المسكنة، مع كونهم يملكون سفينة ويحصلون نولاً.

وقال الشافعية والحنابلة: الفقير من لا مال له، ولا كسب يقع موقعا من حاجته، كمن حاجته عشرة، فلا يجد شيئا أصلا، أو يقدر على أقل من نصف كفايته. فإن كان يجد النصف أو أكثر، ولا يجد كل العشرة، فمسكين.

ونقل النووي أن من له ضيعة تغل بعض كفايته، أنه لا يلزمه بيعها، لتحل له الزكاة، وكذلك آلات المحترفين وكسب العالم.

أ. جنس الكفاية المعتبرة في استحقاق الزكاة

الكفاية المعتبرة، عند الجمهور، هي للمطعم والمشرب والمسكن، وسائر ما لا بد منه، على ما يليق بالحال، من غير إسراف ولا تقتير، للشخص نفسه ولمن هو في نفقته.

وصرح المالكية وغيرهم، بأن مال الزكاة، إن كان فيه سعة، يجوز الإعانة به لمن أراد الزواج.

ب. القدر الذي يعطاه الفقير والمسكين من الزكاة

ذهب الجمهور (المالكية، وهو قول عند الشافعية، وهو المذهب عند الحنابلة) إلى أن الواحد من أهل الحاجة المستحق للزكاة بالفقر أو المسكنة، يعطى من الزكاة الكفاية، أو تمامها له ولمن يعوله عاما كاملا، ولا يزاد عليه، إنما حددوا العام؛ لأن الزكاة تتكرر كل عام غالبا، ولأن ]النبي r ادخر لأهله قوت سنة[، وسواء كان ما يكفيه يساوي نصابا أو نصبا. وإن كان يملك أو يحصل له بعض الكفاية، أعطي تمام الكفاية لعام.

وذهب الشافعية، في قول منصوص، والحنابلة في رواية، إلى أن الفقير والمسكين يعطيان ما يخرجهما من الفاقة إلى الغنى، وهو ما تحصل به الكفاية على الدوام، لحديث قبيصة مرفوعاً: ]إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لا تَحِلُّ إِلا لأَحَدِ ثَلاثَةٍ رَجُلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَهَا ثُمَّ يُمْسِكُ وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ أَوْ قَالَ سِدَادًا مِنْ عَيْشٍ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 1730).

قالوا: فإن كان من عادته الاحتراف، أعطي ما يشتري به أدوات حرفته، قلت قيمتها أو كثرت، بحيث يحصل له من ربحه، ما يفي بكفايته غالبا تقريبا، وإن كان تاجرا أعطي بنسبة ذلك، وإن كان من أهل الضياع يشترى له ضيعة، تكفيه غلتها على الدوام. قال بعضهم: يشتريها له الإمام، ويلزمه بعدم إخراجها عن ملكه.

ج. إثبات الفقر

إذا ادعى رجل صحيح قوي أنه لا يجد مكسبا، يجوز أن يعطى من الزكاة، إن كان مستور الحال، ويقبل قوله بغير يمين، لقول النبي r كما في الحديث المتقدم: ]‏إِنَّ شِئْتُمَا أَعْطَيْتُكُمَا[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1391)، لكن من علم كذبه بيقين، لم يُصدّق، ولم يجز إعطاؤه من الزكاة.

وإن ادعى أن له عيالا، وطلب من الزكاة؛ لأجلهم، فعند الشافعية والحنابلة، لا يقبل قوله إلا ببينة؛ لأن الأصل عدم العيال، ولا تتعذر إقامة البينة على ذلك.

2. الصنف الثالث: العاملون على الزكاة

يجوز إعطاء العاملين على الزكاة منها، ولا يشترط فيمن يأخذ من العاملين من الزكاة الفقر؛ لأنه يأخذ بعمله، لا لفقره.

وقد قال النبي r: ]لا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إِلا لِخَمْسَةٍ لِعَامِلٍ عَلَيْهَا أَوْ لِغَازٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ لِغَنِيٍّ اشْتَرَاهَا بِمَالِهِ أَوْ فَقِيرٍ تُصُدِّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا لِغَنِيٍّ أَوْ غَارِمٍ[ (سنن ابن ماجه، الحديث الرقم 1831)

قال الحنفية: يدفع إلى العامل بقدر عمله، فيعطيه ما يسعه، ويسع أعوانه، غير مقدر بالثمن، ولا يزاد على نصف الزكاة، التي يجمعها، وإن كان عمله أكثر.

وقال الشافعية والحنابلة: للإمام أن يستأجر العامل، إجارة صحيحة، بأجر معلوم، إما على مدة معلومة، أو عمل معلوم.

ويجوز للإمام أن يعطيه أجره، من بيت المال.

وإن تولى الإمام، أو والي الإقليم، أو القاضي من قبل الإمام أو نحوهم، أخذ الزكاة وقسمتها، لم يجز أن يأخذ من الزكاة شيئا؛ لأنه يأخذ رزقه من بيت المال، وعمله عام.

3. الصنف الرابع: المؤلفة قلوبهم

اختلف الفقهاء في صنف المؤلفة قلوبهم، فالمعتمد، عند كل من المالكية والشافعية والحنابلة، أن سهم المؤلفة قلوبهم باق لم يسقط.

وفي قول، عند كل من المالكية والشافعية، ورواية عند الحنابلة، أن سهمهم انقطع؛ لعز الإسلام، فلا يعطون الآن، لكن إن احتيج لاستئلافهم في بعض الأوقات، أعطوا.

قال ابن قدامة: لعل معنى قول أحمد: انقطع سهمهم، أي لا يحتاج إليهم في الغالب، أو أراد أن الأئمة لا يعطونهم، اليوم، شيئا، فأما إن احتيج إلى إعطائهم، جاز الدفع إليهم، فلا يجوز الدفع إليهم إلا مع الحاجة.

قال ابن قدامة: المؤلفة قلوبهم ضربان: كفار ومسلمون، وهم جميعا السادة المطاعون في قومهم وعشائرهم.

ثم ذكر المسلمين منهم، فجعلهم أربعة أضرب:

·   سادة مطاعون في قومهم، أسلموا ونيتهم ضعيفة، فيعطون، تثبيتا لهم.

·   قوم لهم شرف ورياسة، أسلموا، ويعطون لترغيب نظرائهم من الكفار؛ ليسلموا.

·   صنف، يراد بتأليفهم أن يجاهدوا من يليهم من الكفار، ويحموا من يليهم من المسلمين.

·   صنف، يراد بإعطائهم من الزكاة، أن يجبوا الزكاة ممن لا يعطيها.

ثم ذكر ابن قدامة الكفار فجعلهم ضربين:

·   من يرجى إسلامه، فيعطى؛ لتميل نفسه إلى الإسلام.

·   من يخشى شره، ويرجى بعطيته كف شره وكف غيره معه.

4. الصنف الخامس: في الرقاب

وهم ثلاثة أضرب:

·   الأول: المكاتبون المسلمون: فيجوز عند الجمهور الصرف من الزكاة إليهم، إعانة لهم على فك رقابهم، وإنما يعان المكاتب، إن لم يكن قادرا على الأداء لبعض ما وجب عليه، فإن كان لا يجد شيئا أصلا، دفع إليه جميع ما يحتاج إليه للوفاء.

·   الثاني: إعتاق الرقيق المسلم، وقد ذهب، إلى جواز الصرف من الزكاة في ذلك، المالكية وأحمد في رواية، وعليه فإن كانت الزكاة بيد الإمام أو الساعي، جاز له أن يشتري رقبة أو رقابا فيعتقهم، وولاؤهم للمسلمين.

·   الثالث: أن يفتدي بالزكاة أسيرا مسلما من أيدي المشركين، وقد صرح الحنابلة بجواز هذا النوع؛ لأنه فك رقبة من الأسر، فيدخل في الآية، بل هو أولى من فك رقبة من بأيدينا. وصرح المالكية بمنعه.

5. الصنف السادس: الغارمون

والغارمون المستحقون للزكاة ثلاثة أضرب:

·   الضرب الأول: من كان عليه دين لمصلحة نفسه، وهذا متفق عليه من حيث الجملة.

·   الضرب الثاني: الغارم لإصلاح ذات البين:

الأصل فيه حديث قبيصة المرفوع: "إن المسألة لا تحل إلا لثلاثة". فذكر منهم "ورجل تحمل حمالة، فحلت له المسألة حتى يصيبها، ثم يمسك" فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن هذا النوع من الغارمين يعطى من الزكاة، سواء كان غنيا أو فقيرا؛ لأنه لو اشترط الفقر فيه لقلت الرغبة في هذه المكرمة، وصورتها أن يكون بين قبيلتين أو حيين فتنة، يكون فيها قتل نفس أو إتلاف مال، فيتحمله لأجل الإصلاح بينهم، فيعطى من الزكاة لتسديد حمالته، وقيد الحنابلة الإعطاء بما قبل الأداء الفعلي.

·   الضرب الثالث: الغارم بسبب دين ضمان، وهذا الضرب ذكره الشافعية، والمعتبر في ذلك أن يكون كل من الضامن والمضمون عنه معسرين، فإن كان أحدهما موسرا، ففي إعطاء الضامن من الزكاة خلاف عندهم وتفصيل.

·   الدين على الميت

ومما له علاقة بهذا المبحث، دفع الدين عن الميت المدين، فإن مات المدين، ولا وفاء في تركته، لم يجز، عند الجمهور، سداد دينه من الزكاة.

وقال المالكية: يوفى دينه منها ولو مات، قال بعضهم: هو أحق بالقضاء؛ لليأس من إمكان القضاء عنه، وهو أحد قولين عند الشافعية.

6. الصنف السابع: في سبيل الله

وهذا الصنف ثلاثة أقسام.

·   القسم الأول: الغزاة في سبيل الله تعالى، والذين ليس لهم راتب من الدولة، بل هم متطوعون للجهاد، وهذا القسم متفق عليه عند الفقهاء، من حيث الجملة، فيجوز إعطاؤهم من الزكاة قدر ما يتجهزون به للغزو، من مركب وسلاح ونفقة، وسائر ما يحتاج إليه المجاهد.

ولا يشترط، عند الجمهور في المجاهد، أن يكون فقيرا، بل يجوز إعطاء الغني لذلك، لأنه لا يأخذ لمصلحة نفسه، بل لحاجة عامة المسلمين، فلم يشترط فيه الفقر.

وأما جنود الجيش، الذين لهم راتب من الدولة، فلا يعطون من الزكاة.

·   القسم الثاني: مصالح الحرب، فالصحيح، عند المالكية، أنه يجوز الصرف من الزكاة في مصالح الجهاد الأخرى، غير إعطاء الغزاة، نحو بناء أسوار للبلد لحفظها من غزو العدو، ونحو بناء المراكب الحربية، وإعطاء جاسوس يتجسس لنا على العدو، مسلما كان أو كافرا.

وأجاز بعض الشافعية أن يشترى، من الزكاة، السلاح وآلات الحرب، وتجعل وقفا يستعملها الغزاة، ثم يردونها. وظاهر صنيع سائر الفقهاء، قصر سهم سبيل الله على الغزاة.

·   القسم الثالث: الحجاج: ذهب جمهور العلماء (الحنفية والمالكية والشافعية، وهو رواية عن أحمد، وقال ابن قدامة: إنه الصحيح) إلى أنه لا يجوز الصرف في الحج من الزكاة، لأن سبيل الله في آية مصارف الزكاة مطلق، وهو عند الإطلاق ينصرف إلى الجهاد في سبيل الله تعالى، لأن الأكثر، مما ورد من ذكره في كتاب الله تعالى، قصد به الجهاد، فتحمل الآية عليه.

وذهب أحمد في رواية، إلى أن الحج، في سبيل الله، فيصرف فيه من الزكاة، لما روي ]يَا أُمَّ مَعْقِلٍ مَا مَنَعَكِ أَنْ تَخْرُجِي مَعَنَا قَالَتْ لَقَدْ تَهَيَّأْنَا فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ وَكَانَ لَنَا جَمَلٌ هُوَ الَّذِي نَحُجُّ عَلَيْهِ فَأَوْصَى بِهِ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ فَهَلا خَرَجْتِ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْحَجَّ فِي سَبِيلِ اللَّه[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1698) فعلى هذا القول، لا يعطى من الزكاة من كان له مال يحج به سواها، ولا يعطى إلا لحج الفريضة خاصة، وفي قول عند الحنابلة: يجوز حتى في حج التطوع.

7. الصنف الثامن: ابن السبيل

سمي بذلك لملازمته الطريق، إذ ليس هو في وطنه، ليأوي إلى سكن.

والمتغرب عن وطنه، الذي ليس بيده ما يرجع به إلى بلده، متفق على أنه من أصحاب الزكاة، فيعطى ما يوصله إلى بلده.

أما من كان في بلده، ويريد أن ينشئ سفرا، فهذا الضرب منع الجمهور إعطاءه،

ثانياً: أصناف الذين لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة

1. آل النبي محمد r؛ لأن الزكاة والصدقة محرمتان على النبي r، وعلى آله، وقد تقدم بيان حكمهم في (آل).

2. الأغنياء، وقد تقدم بيان من هم، في صنف الفقراء والمساكين.

قال ابن قدامة: خمسة لا يعطون إلا مع الحاجة: الفقير، والمسكين، والمكاتب، والغارم لمصلحة نفسه، وابن السبيل، وخمسة يأخذون مع الغنى: العامل، والمؤلف قلبه، والغازي، والغارم لإصلاح ذات البين، وابن السبيل، الذي له اليسار في بلده.

3. الكفار ولو كانوا أهل ذمة: لا يجوز إعطاؤهم من الزكاة. نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك لحديث: ] أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً فِي أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ[. (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1308). وأجاز الحنابلة، في قول، إعطاءهم مع العاملين، إن عملوا على الزكاة.

ويشمل الكافر هنا الكافر الأصلي والمرتد، ومن كان متسميا بالإسلام، وأتى بمكفر نحو الاستخفاف بالقرآن، أو سب الله أو رسوله، أو دين الإسلام، فهو كافر لا يجوز إعطاؤه من الزكاة اتفاقا.

4. كل من انتسب إليه المزكي، أو انتسب إلى المزكي، بالولادة.

ويشمل ذلك أصوله، وهم أبواه وأجداده، وجداته، وارثين كانوا أو لا، وكذا أولاده وأولاد أولاده، وإن نزلوا.

أما سائر الأقارب، كالإخوة والأخوات والأعمام والعمات والأخوال والخالات، وأولادهم، فلا يمتنع إعطاؤهم زكاته، ولو كان بعضهم في عياله، لقول النبي r: ]الصَّدَقَةُ عَلَى الْمِسْكِينِ صَدَقَةٌ وَهِيَ عَلَى ذِي الرَّحِمِ ثِنْتَانِ صَدَقَةٌ وَصِلَةٌ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 594).

5. دفع الزوج زكاة ماله إلى زوجته وعكسه

لا يجزئ الرجل إعطاء زكاة ماله إلى زوجته. قال ابن قدامة: هو إجماع، لأن نفقتها واجبة على الزوج، فيكون كالدافع إلى نفسه، ومحل المنع إعطاؤها الزكاة لتنفقها على نفسها، فأما لو أعطاها ما تدفعه في دينها، أو لتنفقه على غيرها من المستحقين، فلا بأس، على ما صرح به الفقهاء.

وأما إعطاء المرأة زوجها زكاة مالها، فقد اختلف فيه، فذهب الشافعي إلى جواز ذلك لحديث ]عَنْ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَتْ كُنْتُ فِي الْمَسْجِدِ فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ r فَقَالَ تَصَدَّقْنَ وَلَوْ مِنْ حُلِيِّكُنَّ وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُنْفِقُ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ وَأَيْتَامٍ فِي حَجْرِهَا قَالَ فَقَالَتْ لِعَبْدِ اللَّهِ سَلْ رَسُولَ اللَّهِ r أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَيْكَ وَعَلَى أَيْتَامٍ فِي حَجْرِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ سَلِي أَنْتِ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَانْطَلَقْتُ إِلَى النَّبِيِّ r فَوَجَدْتُ امْرَأَةً مِنْ الأَنْصَارِ عَلَى الْبَابِ حَاجَتُهَا مِثْلُ حَاجَتِي فَمَرَّ عَلَيْنَا بِلالٌ فَقُلْنَا سَلْ النَّبِيَّ r أَيَجْزِي عَنِّي أَنْ أُنْفِقَ عَلَى زَوْجِي وَأَيْتَامٍ لِي فِي حَجْرِي وَقُلْنَا لا تُخْبِرْ بِنَا فَدَخَلَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ مَنْ هُمَا قَالَ زَيْنَبُ قَالَ أَيُّ الزَّيَانِبِ قَالَ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ لَهَا أَجْرَانِ أَجْرُ الْقَرَابَةِ وَأَجْرُ الصَّدَقَةِ[ (صحيح البخاري، الحديث الرقم 1373)

وقال ابن قدامة: ولأنه لا تجب عليها نفقة الزوج، ولعموم آية مصارف الزكاة، إذ ليس في الزوج إذا كان فقيراً نص أو إجماع، يمنع إعطاءه.

ثالثاً: علاقة الدولة بجمع وتوزيع الزكاة

إن الزكاة ليست مجرد إحسان متروك لاختيار المسلم، وإنما هي فريضة إلزامية، وتنظيم اجتماعي، تشرف عليه الدولة، ويستوفيها ولي الأمر من المكلفين بها، ويصرفها على المستحقين لها.

وقد دل على ذلك قول الله تبارك وتعالى، مخاطباً نبيه صلى الله عليه وسلم، بصفته حاكماً للدولة المسلمة: ]خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 103)، وقوله r في عقوبة المقصر في أداء الزكاة: ]فَإِنَّا آخِذُوهَا وَشَطْرَ مَالِهِ[ (سنن أبو داود، الحديث الرقم 1344). وقد أكدت السنة العملية، في عهده r والخلفاء الراشدين، أن تحصيل الزكاة وتوزيعها هو من شؤون الدولة، حتى أن الخليفة الأول أبا بكر t لم يتردد لحظة في محاربة من امتنعوا عن إعطائه حق الزكاة.

ومن أبرز الأدلة على قيام الدولة بجمع وتوزيع الزكاة، قوله تعالى، في آية مصارف الزكاة: ]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ[ (سورة التوبة: الآية 60)، يدل على أن مهمة تحصيل وتوزيع الزكاة هي من مهام الدولة، إذ جعل الله تعالى للعاملين عليها: أي الذين يعينهم ولي الأمر لتحصيلها وتوزيعها، سهماً من أموال الزكاة.

1. الحكمة في إسناد جمع وتوزيع الزكاة للدولة

إن الإسلام رسالة شاملة هادية، جعلت من هدفها تحرير الفرد وتكريمه، وترقية المجتمع وإسعاده، وتوجيه الشعوب والحكومات إلى الحق والخير، ودعوة البشرية كلها إلى الله. وفي هذا الإطار جاء نظام الزكاة، فلم تجعل من شؤون الفرد، بل من وظيفة الحكومة الإسلامية، فوكل الإسلام جبايتها وتوزيعها على مستحقيها إلى الدولة، لا إلى ضمائر الأفراد وحدها، وذلك لجملة أسباب، لا يحسن بشريعة الإسلام أن نهملها:

أولاً:  أن بعض الأفراد، قد تموت ضمائرهم، ويضعف إيمانهم، فلا ضمان للفقير إذا ترك حقه لمثل هؤلاء.

ثانيا:  حفظ لكرامة الفقير ورعاية مشاعره، وذلك بأخذه من الحكومة، لا من الشخص الغني، حتى لا يلحق الفقير أذى بالمن، ونحوه.

ثالثاً:  تنظيم توزيع الزكاة على الفقراء والمحتاجين؛ لأن ترك الأمر للأفراد قد يؤدي إلى فوضى في توزيع الزكاة، حيث ينتبه لبعض الفقراء ويضيع أكثرهم.

رابعاً: أن صرف الزكاة ليس مقصوراً على الفقراء والمساكين، بل هناك جهات أخرى، ومصالح عامة للمسلمين، يقدرها أولو الأمر وأهل الشورى، كإعطاء المؤلفة، وإعداد الجيوش، وتجهيز الدعاة.

خامساً: حاجة الدولة إلى نظام مالي تقيم به نظامها، وتنفذ به مشروعاتها. والزكاة مورد هام دائم لبيت المال.

2. دفع الزكاة إلى الحاكم الظالم

اختلف الفقهاء في حكم دفع الزكاة للحاكم الجائر على أقوال ثلاثة:

أ. القول الأول:

يجوز دفع الزكاة للحاكم الجائر، إن أخذها باسمها. وتبرأ الذمة بذلك والدليل: قول النبي r لأصحابه: ]إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها، قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟. قال: تؤدون الحق، الذي عليكم، وتسألون الله الذي لكم[ (أخرجه البخاري، ومسلم).

واستدلوا، أيضاً، بما رواه وائل بن حجر، رضي الله عنه، قال: ]سَأَلَ سَلَمَةُ بْنُ يَزِيدَ الْجُعْفِيُّ رَسُولَ اللَّهِ r فَقَالَ يَا نَبِيَّ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ قَامَتْ عَلَيْنَا أُمَرَاءُ يَسْأَلُونَا حَقَّهُمْ وَيَمْنَعُونَا حَقَّنَا فَمَا تَأْمُرُنَا فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فَأَعْرَضَ عَنْهُ ثُمَّ سَأَلَهُ فِي الثَّانِيَةِ أَوْ فِي الثَّالِثَةِ فَجَذَبَهُ الأَشْعَثُ بْنُ قَيْسٍ وَقَالَ اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا فَإِنَّمَا عَلَيْهِمْ مَا حُمِّلُوا وَعَلَيْكُمْ مَا حُمِّلْتُمْ[ (صحيح مسلم، الحديث الرقم 3433).

وأمرُ الإسلام بإعطاء الحكام مع ظلمهم له مغزى، وهو أن الدولة الإسلامية في حاجة دائمة إلى مال تقيم به التكافل الاجتماعي، وتحقق به كل مصلحة عامة، تعلو بها كلمة الإسلام. فإذا كف الأفراد أيديهم عن مد الدولة بالمال اللازم، لجور بعض الحاكمين، اختل ميزان الدولة، واضطرب حبل الأمة، وطمع فيها أعداؤها المتربصون. فكان لا بد من طاعتها بأداء ما تطلب من الزكاة.

ب. القول الثاني:

لا يجوز دفع الزكاة للحكام الظلمة، مطلقا، ولا يجزئ، واستدلوا بقوله تعالى: ]وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ[ (سورة البقرة: الآية 124).

ج. القول الثالث:

التفصيل وقد ذهب الشافعية والمالكية، إلى أن لصاحب المال إعطاء زكاة ماله إلى الحاكم، ولو كان فاسقاً، إذا كان هذا الحاكم يضع الزكاة في مصاريفها الشرعية، فإن لم يكن كذلك، فلا يصح دفع الزكاة إليه. ولا يجزئ دفع الزكاة إلى مثل هذا الحاكم.

3. الضريبة والزكاة

إن الزكاة عبادة دينية، قبل أن تكون اقتصادية أو اجتماعية، فرضها الله على عباده المؤمنين، أما الضريبة، فهي وضعية مالية، تمخضت عنها الأفكار والأنظمة المالية الحديثة، ولن نقارن هنا بين الزكاة الشرعية والضريبة الوضعية، ولكن نبين أن الزكاة لا تغني عن الضرائب، كما لا تغني الضرائب عن الزكاة، وذلك لأسباب:

أ. السبب الأول: أن لكل منها سنده الشرعي، ولكل منها مجاله وأهدافه، ولكل منها خصوصيته وأحكامه:

(1) أما أن لكل منها سنده الشرعي، فالزكاة سندها النص، في حين أن الضرائب سندها المصلحة.

(2) أما أن لكل منها مجاله وأهدافه، فالزكاة تستهدف تحرير الإنسان من عبودية الحاجة، أي بالتعبير الحديث مواجهة التزامات الضمان الاجتماعي، في حين أن الضرائب تستهدف مواجهة التزامات الدولة الأخرى، كالصرف على جهازها الإداري، أو تنميتها الاقتصادية.

(3) أما أن لكل منها خصوصياته و أحكامه، فالزكاة تجب في الأموال النامية سواء و جدت الحاجة إليها أو لم توجد، وبمقدار و سعر محدد لا تتجاوزه. بخلاف الضرائب، فإنه لا يجوز للدولة الإسلامية فرضها، إلا إذا قامت الحاجة إليها، ويختلف مقدارها وسعرها باختلاف كل دولة.

ب. السبب الثاني: أن الإسلام جعل في المال حقوقا مختلفة:

ذلك أن الإسلام، في الوقت، الذي أقر الملكية الخاصة وحماها إلى حد قطع يد السارق، فقد أوجب عليها ثلاثة التزامات رئيسية، هي: التزام الزكاة، والتزام الضرائب، والتزام الإنفاق في سبيل الله. وهذه الالتزامات الثلاثة كل منها مستقل عن الآخر، ولا يغني أحدها عن الآخر، وذلك لسببين أساسيين:

أولهما: قوله تعالى: ]وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلا اللَّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلا قَلِيلاً مِنْكُمْ وَأَنْتُمْ مُعْرِضُونَ[ (سورة البقرة: الآية 83)، وقوله تعالى: ]وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ[ (سورة البقرة: الآية 195). وإيتاء الزكاة، غير الإنفاق في سبيل الله، وهو سبيل المجتمع أي المصلحة العامة.

وقد روي أن الرسول r قال: ] إِنَّ فِي الْمَالِ حَقًّا سِوَى الزَّكَاةِ[ (سنن الترمذي، الحديث الرقم 596)، ثم تلا قوله تعالى: ]لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَءَاتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَءَاتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ[ (سورة البقرة: الآية 177). وهذا الفصل في الآية الكريمة بين الإنفاق والزكاة بالصلاة، دليل على الاختلاف بين الإنفاق و الزكاة. كما أن النص على كل من الإنفاق والزكاة على حدة في آية واحدة قاطع بأن كليهما يختلف عن الآخر، وأنهما فريضتان مختلفتان.

ثانيها: أن حصيلة الزكاة مخصصة لفئة معينة تجمعها الحاجة، سواء كانت هذه الحاجة بسبب الفقر (الفقراء و المساكين )، أو بسبب الرق (وفي الرقاب)،أو بسبب ظروف طارئة (الغارمين وابن السبيل). فلا يجوز الإنفاق من حصيلتها على الجهاز الإداري للدولة أو تمويل الإنفاق العام. وإلا فمن أين ينفق عليها سوى موارد الدولة الأخرى كالفيء والغنيمة حينئذ، وأجرة الخراج، التي تمثل حصة الدولة في الأراضي الخراجية المملوكة، ملكية عامة (جماعية).

وفي فجر الإسلام كانت الدولة الإسلامية تحصل، إلى جانب فريضة الزكاة، ضرائب أخرى كضريبة عشور التجارة، وهي بالاصطلاح الحديث ضريبة جمركية، إذ كان يؤديها المسلم و الذمي، على السواء في الداخل والخارج، من السلع والبضائع.

ثالثها: الموقف اليوم إزاء إرهاق الضرائب الحديثة وشمولها مصارف الزكاة:

ولاشك أن الإرهاق اليوم بالضرائب، يحمل الكثير من الناس على التساؤل حول احتساب الضرائب من الزكاة، خاصة أن بعض أبواب النفقات والميزانية يعتبر من مصارف الزكاة، وهو ما تعلق بإعانة العجزة، وتشغيل العاطلين، وإيواء المشردين واللقطاء، ونحو ذلك. ولكن علاج ذلك لا يكون بأي حال من الأحوال، بتعطيل أو إهدار حق الزكاة، التي هي، على نحو ما رأينا، فريضة إسلامية مقدسة، خلاف الضرائب، وإنما سبيل ذلك هو (تنظيم العلاقة بين الزكاة المفروضة والضرائب المختلفة،بحيث يمنع الازدواج والفوضى، ولا يتحمل المسلم المتدين وحده عبء الزكاة، ويعفى منها من لا يعنيه أمر دينه.

والجدير بالذكر، أن جمهور الفقهاء (لم يجيزوا بحال من الأحوال احتساب المكس ـ أي الضرائب، التي يأخذها سلطان ظالم، وبغير حق ـ من الزكاة، ولو نوى بها، وحمل بعضهم بشدة، على من فعل ذلك من المسلمين، أو أفتى بجوازه حتى أن ابن حجر الهيثمي في كتابه، الزواجر عن أقتراف الكبائر، يشير إلى أن العلماء يعتبرون المكاسين، من جملة اللصوص وقطاع الطرق، بل أشر وأقبح، ولو أخذ قاطع الطريق مالا فنويت به الزكاة، فهل ينفع ذلك ؟ مطلقا. فكذلك الضريبة.

ولقد أفتى فضيلة الشيخ محمود شلتوت، في كتاب الفتاوى، بأنه (إذا كانت الزكاة وضع الله، وفرضا إيمانيا، بحيث يجب إخراجها، وجدت حاجة إليها أم لم توجد، وتكن في تلك الحالة مورداً دائماً للفقراء و المساكين، الذين لا تخلو منهم أمة أو شعب، وكانت الضرائب من وضع الحاكم عند الحاجة؛ كان من البين أن إحداهما لا تغني عن الأخرى، فهما، حقا، مختلفان في مصدر التشريع، وفي الغاية، وفي المقدار، و في الاستقرار و الدوام. وعليه، يجب إخراج الضرائب، و تكون، بمثابة دين شغل به المال، فإن بلغ الباقي نصاب الزكاة وتحقق فيه شروطها، وهو الفراغ من الحاجة الأصلية، ومر عليه الحول، وجب عليه، دينيا، إخراج زكاته). ويضيف فضيلته (وإن كان الناس يحسون ببعض من الإرهاق، في بعض ما يفرض عليهم من الضرائب، فإن تبعة ذلك لا ترجع إلى الفقير بحرمانه من حقه، الذي أوجبه الله له، وإنما سبيله مطالبة الحكومة بالاقتصاد في مصاريفها، ومحاسبتها على ما تجمع وتنفق. وإن محاسبة الحكومة على أعمالها العامة، هو ما تشهد به أصول الإسلام، وتقضي به المصلحة العامة، والتي يضعها الدين في المقام الأول).

4. نقل الزكاة

الأصل في الزكاة أن توزع على مستحقيها، في بلد المال، ولكن إذا فاضت الزكاة في البلد عن حاجة أهلها، جاز نقلها اتفاقا، بل يجب، وأما مع حاجة أهل البلد إلى الزكاة، فيرى الحنفية أنه يكره، تنزيها، نقل الزكاة من بلد إلى بلد، وإنما تفرق صدقة كل أهل بلد فيهم، لقول النبي r: ]تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم[.(سنن أبو داود، الحديث الرقم 1344). ولأن فيه رعاية حق الجوار، والمعتبر بلد المال، لا بلد المزكي.

واستثنى الحنفية أن ينقلها المزكي إلى قرابته، لما في إيصال الزكاة إليهم من صلة الرحم. قالوا: ويقدم الأقرب فالأقرب. واستثنوا، أيضا، أن ينقلها إلى قوم، هم أحوج إليها من أهل بلده، وكذا لأصلح، أو أورع، أو أنفع للمسلمين، أو من دار الحرب، إلى دار الإسلام، أو إلى طالب علم.

وذهب المالكية والشافعية، في الأظهر، والحنابلة، إلى أنه لا يجوز نقل الزكاة إلى ما يزيد عن مسافة القصر؛ لحديث معاذ المتقدم، ولما ورد أن عمر t بعث معاذا إلى اليمن، فبعث إليه معاذ من الصدقة، فأنكر عليه عمر وقال : لم أبعثك جابيا، ولا آخذ جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس، فترد على فقرائهم، فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء، وأنا أجد من يأخذه مني.

وروي أن عمر بن عبد العزيز أتي بزكاة من خراسان إلى الشام، فردها إلى خراسان.

قالوا: والمعتبر بلد المال، إلا أن المالكية قالوا: المعتبر، في الأموال الظاهرة، البلد، الذي فيه المال، وفي النقد وعروض التجارة، البلد الذي فيه المالك.

واستثنى المالكية أن يوجد من هو أحوج ممن هو في البلد، فيجب حينئذ النقل منها، ولو نقل أكثرها.

ثم إن نقلت الزكاة، حيث لا مسوغ لنقلها، مما تقدم، فقد ذهب الحنفية والشافعية، والحنابلة على المذهب، إلى أنها تجزئ عن صاحبها؛ لأنه لم يخرج عن الأصناف الثمانية.

وقال المالكية: إن نقلها لمثل من في بلده في الحاجة، فتجزئه مع الحرمة، وإن نقلها لأدون منهم في الحاجة، لم تجزئه، على ما ذكره خليل والدردير، وقال الدسوقي: نقل المواق أن المذهب الإجزاء، بكل حال.

وقال الحنابلة في رواية: لا تجزئه، بكل حال. وحيث نقلت الزكاة، فأجرة النقل عند المالكية تكون من بيت المال، لا من الزكاة نفسها. وقال الحنابلة: تكون على المزكي.