إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم




1. سيف الرسول
2. الفرسان
3. السيف
4. الدرع
5. المنجنيق
6. برج حصار

1. موقعة بدر
2. معركة أحد
3. معركة الخندق
4. صلح الحديبية
5. فتح خيبر
6. غزوة مؤتة
7. فتح مكة
8. غزوة الطائف
9. غزوة تبوك




15

15. غزوة الحديبية[42] (ذو القعدة)

أ. خلفية تاريخية، ومواقف الجانبَين، قبل الغزوة

          مضت ست سنوات على الهجرة. وآلت قريش على نفسها، منذ أن هاجر محمد والمسلون معه، أن تصدهم عن المسجد الحرام، دون سائر العرب. فقد كانت ترى أنهم كفروا بآلهة البيت، فعليها أن تحاربهم، وتمنعهم من الحج، حتى يعودوا إلى آلهتهم: هُبل، وإساف، ونائلة، وسائر الأصنام الأخرى، ويتركوا عبادة الإله الواحد، الذي لا يُرى. أمّا المسلمون، فقد حُرموا أداء واجبهم الديني المفروض، واضطروا إلى مغادرة ديارهم وأهلهم.

          وفي ذات صباح، والمسلمون مجتمعون في مسجد في المدينة، إذا بالرسول يخبرهم رؤياه، أنهم سيدخلون المسجد الحرام ـ إن شاء الله ـ محلقين رؤوسهم ومقصرين، لا يخافون. فاستبشروا، وانتشرت الرؤيا النبوية بينهم. وقرر الرسول الخروج إلى مكة، في الشهر الحرام، ذي القعدة. ثم أذن في الناس بالحج. وأوفد رسله إلى القبائل الأخرى، من غير المسلمين، لمشاركته في الخروج إلى البيت الحرام، آمنين، غير مقاتلين؛ حتى تعلم العرب أن محمداً خرج إلى مكة حاجاً، وليس غازياً. 

ب. أسباب الغزوة

            محاولة قريش منع المسلمين من دخول المسجد الحرام، لأداء فريضة الحج؛ إذ كانت تتولى سدانة البيت، وسقاية الحاج، وكل ما تفاخر به العرب من مراسم ومناسك دينية.

ج. حجم القوات المتضادة، وتشكيلات القتال

     (1) المسلمون

               ألف وستمائة مسلم، معهم سيوفهم في أغمادها، وسبعون بَدَنة، ويقودهم رسول الله.

     (2) المشركون

               قريش وبعض حلفائها.

د. فكرة تنفيذ العملية

       (1) المسلمون

                     دخول المسجد الحرام، سلماً، من دون مقاتلة قريش. وإذا غدرت بهم، أو هجمت عليهم، فإنهم سيقاتلونها بسيوفهم.

       (2) المشركون

                 إيفاد رجال من قريش، لتعرُّف قوة المسلمين. وتجهيز قوة لصدهم عن المسجد الحرام.

هـ. سير أعمال القتال

             وصل الرسول إلى ذي الحليفة[43]، حيث قلد الهدي وأشعره، وأحرم بالعمرة. ثم أرسل رجلاً، يستطلع أمر قريش. فعاد ليخبره أنها وبعض حلفائها مُجْمِعون قتال المسلمين، وصدهم عن المسجد الحرام. وكان رسول الله قد قرر زيارة البيت، من دون قتال؛ إلا إذا تعرضت لهم قريش. ولما رأى خيل المشركين، بالقرب من عسفان[44]، قرر التحرك على طريق آخر، وعر، بين شعاب مضنية؛ تجنباً للقتال. وحينما انتهى إلى سهل، عند منقطع الوادي، أمر المسلمين فخرجوا إلى ثنية المرار، مهبط الحديبية، من أسفل مكة. عندئذٍ، رجع فرسان قريش إلى مكة، للدفاع عنها. وبوصول النبي إلى الحديبية، بركت القصواء، ناقته، فتوقف، ثم دعا الناس إلى النزول.

             ترصدت قريش تحركات الرسول، وأمعنت في التفكير، فقررت أن توفد إليه وفداً من خزاعة، بقيادة بُدَيْل ابن ورقاء، لسؤاله عن نيته، أللحرب أتى أم للسلام. فأكد أنه إنما جاء لزيارة البيت، ولم يأت للقتال أو الحرب. غير أن ذلك كَبُر على قريش، فصاحت: "إن كان لا يريد قتالاً، فوالله! لا يدخل علينا عنوةً أبداً؛ وإلا تحدثت عنا العرب".

             ثم أرسلت الحُليس، سيد الأحابيش، إلى المسلمين؛ فبادر رسول الله إلى إطلاق الهدي، والموفد مقبل، ليرى أن المسلمين جاءوا حاجين، معظمين البيت، وليس مقاتلين. وقد تأثر بذلك، وأيقن أن قريش ظالمة. وعاد إليها، من دون أن يلقى النبي، ليخبرها بما رأى، فثارت عليه حتى أغضبته؛ ولكنها خشيت سخطه، فحاولت استرضاءه.

             ارتأت قريش أن توفد إلى رسول الله من تطمئن إلى رأيه وحكمته، عُروة بن مسعود. ولكنه عاد إليها من وفادته ليقول: "يا معشر قريش، إني جئت كِسرى في ملكه، وقيصر في ملكه، والنجاشي في ملكه. وإني، والله! ما رأيت ملِكاً في قوم قط، مثل محمد في أصحابه؛ لا يتوضأ إلا ابتدروا وضوءه، ولا يسقط من شعره شيء إلا أخذوه. وإنهم لن يُسلموه لشيء أبداً. فما رأيكم؟".

             تبيَّن الرسول أن رُسُل قريش، ليس لديهم القدرة على إقناعها. فقرر أن يرسل إليها رسولاً من المسلمين، يبلغها رأيه. وما إن وصل إليها حتى عقرت ناقته، وأرادت قتله، لولا أن منعتها الأحابيش. واستاء المسلمون بتصرفها، الذي يدل على شدة العداوة والبغضاء. وفي الليل، خرج أربعون أو خمسون من سفهائها، يرمون المسلمين بالحجارة؛ فأسرهم المسلمون، إلا أن النبي أخلى سبيلهم؛ تمسكاً بخطته في حج المسلمين في سلام، من دون قتال؛ وتقديراً وتعظيماً منه لحرمة هذا الشهر، الذي لا تسفك فيه الدماء. وقد أبطل ذلك حجة قريش، أن محمداً يريد القتال.

             وأراد الرسول أن يرسل عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ إلى قريش، غير أن الفاروق اعتذر؛ لعداوة بينه وبينها؛ مزكياً عثمان بن عفان ـ رضي الله عنه ـ ليكون خير سفير إليها. انتدب رسول الله للمهمة ابن عفان، الذي واجهته قريش بالقول: "إن شئت أن تطوف البيت فطف"، فقال: "ما كنت لأطوف حتى يطوف رسول الله"؛ فأقسمت أن محمداً لن يدخل مكة، هذا العام، عنوة. وطال تحاؤرهما حتى ظن المسلمون أن سفيرهم قتل غدراً، فقرر الرسول: "لا نبرح حتى نناجز القوم". وبايعه المسلمون على ذلك بيعة الرضوان، التي نزل فيها قوله ـ تعالى ـ: )لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَنْزَلَ السَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ وَأَثَابَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً( (الفتح: الآية18). وفي هذه البيعة، ناب الرسول نفسه عن عثمان، إذ بايع بيده الأخرى بدلاً منه.

             التهبت مشاعر المسلمين، واهتزت سيوفهم في أغمادها؛ انتصاراً لموفدهم المغدور. بيد أنه سرعان ما أطل عليهم، فتبددت ظنونهم. وأبلغ السفير الرسول رسالة قريش وفحواها أن يسمح للمسلمين بأداء مناسكهم، ولا يدخلون مكة، هذا العام؛ لأن دخولهم عنوة، سيحرج قريش أمام القبائل الأخرى؛ ولو قاتلت المسلمين في الشهر الحرام، لأضرت بتجارة مكة؛ إذ سيخشى الناس انتهاك الأشهر الحرم، مرة أخرى، في أسواقها.

             وما لبثت قريش أن أرسلت سُهيل بن عمرو لمصالحة محمد ومفاوضته في الرجوع، هذا العام. وقد تشدد سُهيل في بعض المسائل، وتساهل النبي في قبولها؛ ما جعل عمر بن الخطاب يشاور أبا بكر الصديق في ما هو دائر من محادثات؛ بل ذهب إلى الرسول يحدثه، وهو يتغيّظ، فطمأنه قائلاً: "أنا عبدالله ورسوله. لن أخالف أمره. ولن يضيعني". ثم دعا علي بن أبي طالب لكتابة عهد مع قريش، اتفق عليه مع سُهيل. وقال: "اكتب: بسم الله الرحمن الرحيم". فقال سهيل: "أمسك. لا أعرف الرحمن الرحيم. بل اكتب بسمك اللّهمّ". قال رسول الله: "اكتب: بسمك اللّهمّ"، ثم قال: "اكتب: هذا ما صالح عليه محمد، رسول الله، سُهيل بن عمرو". فقال سُهيل: "أمسك. لو شهدت أنك رسول الله، لم أقاتلك. ولكن اكتب اسمك واسم أبيك". قال رسول الله: "اكتب: هذا ما صالح عليه محمد بن عبدالله". ونص العهد على الهدنة بينهما، مدة عشر سنوات؛ وأن من أتى محمداً من قريش، بغير إذن وليه، رده عليهم؛ ومن جاء قريش من رجال محمد، فلا جناح عليه؛ وأن يرجع محمد وأصحابه عن مكة، عامهم هذا، على أن يعودوا إليها في العام الذي يليه، فيدخلوها ويقيموا بها ثلاثة أيام، ومعهم من السلاح السيوف في قربها، ولا سلاح غيرها.

             بعد هذا العهد حالفت خزاعة محمداً، وحالف بنو بكر قريش. وأقبل أبو جندل بن سهيل على المسلمين، لينضم إليهم؛ فأمسك أبوه المشرك بتلابيبه، ورده إلى قريش؛ تنفيذا لعهدهم مع محمد. وكان يصرخ، وهو يُرَد، والرسول يقول له: "يا أبا جندل، اصبر، واحتسب؛ فإن الله جاعل لك ولمن معك من المستضعفين مخرجاً. إنا قد عقدنا بيننا وبين القوم صلحاً، وأعطيناهم على ذلك عهدنا، وأعطونا عهد الله؛ وإنا لا نغدر بهم". ثم قام الرسول فصلى، ثم نحر هديه، ثم حلق إيذاناً بالعمرة، في سكينة ورضا. واقتدى به المسلمون.

             قفل الرسول بالمسلمين راجعاً إلى المدينة، على أن يأتوا العام المقبل للحج، طبقاً لما اتُّفق عليه مع قريش. وفي الطريق نزلت سورة الفتح مبشرة بالنصر. وكان ذلك فتحاً مبيناً للإسلام، فقد اعترفت قريش بمحمد نشوء الدولة الإسلامية؛ إذ إن إقرارها بحق المسلمين في زيارة البيت وإقامة شعائر الحج، هو اعتراف منها بالدين الجديد. ناهيك بأن هدنة العشرة أعوام، أتاحت للإسلام أن يقوى وينتشر، من دون أن ينشغل بالحروب؛ ومهدت لرسول الله أن يرسل إلى الملوك ورؤساء الدول الأجنبية، داعياً إياهم إلى الدين الجديد.

             وكان لرسول الله رأي في المهاجرات من قريش، اللائى هاجرن إلى المدينة، أن لا يُرْدَدْنَ إلى أزواجهن؛ لأن إجارتهن أمست واجبة، بل وجب التفريق بينهن وبين أزواجهن المشركين. وفي ذلك نزل قول الله:  )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمْ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلاَ تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لاَ هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلاَ هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنفَقُوا وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ( (الممتحنة: الآية 10).

و. نتائج أعمال القتال للجانبَين

       (1) اعتراف قريش بالمسلمين، أول مرة، طرفاً مساوياً لها.

       (2) السماح للمسلمين بزيارة البيت، العام التالي، ولمدة عشر سنوات، بأمان تام؛ بعد أن كانت قريش تهددهم، قبل تلك المعاهدة.

       (3) تفرُّغ المسلمين لنشر الدعوة، بعد عهد الصلح بينهم وبين قريش، وخاصة أنها كانت أشد القبائل بأساً وعداوة للمسلمين.

       (4) صلح الحديبية هو أهم النتائج التي توصل إليها المسلمون مع قريش، سلماً. (انظر شكل صلح الحديبية)

       (5) ازدياد المسلمين قوة بمحالفتهم خزاعة.   

ز. الخسائر

(1) المسلمون

          لا خسائر. 

     (2) المشركون

          لا خسائر.

ح. الدروس المستفادة

     (1) الثبات على الهدف

               إن إصرار الرسول على عدم قتال قريش، ودخوله على مكة سلماً، لا حرباً، قد أحبط مسعاها إلى إجباره على القتال في الشهر الحرام؛ ذلك، على الرغم من كلّ ما كان من اعتراضات، لم يفصح له المسلمون عنها، في شأن نصوص المعاهدة، التي ثبت أنها حكمة بالغة من الرسول وحنكة سياسية عبقرية؛ فقد كان هدفه واضحاً، لم يتزعزع، ونجح في تنفيذه.

        (2) الحرب النفسية

               إن التأثير النفسي، الذي أوحى به الرسول إلى قريش، على الرغم من كون المسلمين غير مسلحين التسليح الملائم لقتالها، جعلها تظن أن في إمكانه أن يدخل مكة بالقوة؛ ما أجبرها على مهادنته ومصالحته، وجعله نداً، يحسب له كلّ حساب، قبل التفكير في نقض العهد معه.

           (3) الروح المعنوية للمقاتل

     يظهر ذلك، بوضوح إثر شائعة مقتل عثمان بن عفان، سفير الرسول إلى قريش؛ إذ استل المسلمون سيوفهم، وتجهزوا للشهادة في سبيل الله، فكان كلٌّ منهم حريصاً على أن يكون مشاركاً في فتح مكة.  

 



[42] الحديبية: هي قرية صغيرة بينها وبين مكة مرحلة واحدة، وبينها والمدينة تسع مراحل، وفيها بئر تسمى الحدسبية.

[43] ذو الحليفة: قرية بينها وبين المدينة ستة أميال أو سبعة، وهى ميقات أهل المدينة للحج أو العمرة- معجم البلدان(3/329)

[44] عسفان: قرية بين المدينة ومكة.