إرشادات مقترحات البحث معلومات خط الزمن الفهارس الخرائط الصور الوثائق الأقسام

مقاتل من الصحراء
Home Page / الأقســام / موضوعات دينية / الشورى في الإسلام









مقدمة

مقدمة

الشورى ممارسة تتصل بكل ما يخص نظم الجماعة، سواء المتعلقة في شؤونها الاجتماعية أو السياسية أو التنظيمية أو المالية، وليست الشورى خاصة بالشؤون السياسية وحدها. وهي القرار الملزم الصادر من الجماعة.

ومن جهة أخرى، فإن حق الفرد في الشورى، نابع من حريته وحقوقه الإنسانية، التي يستمدها من فطرته الآدمية، ومن شريعة الله تعالى.

والمشورة والاستشارة: هي تبادل الرأي في غير إلزام. ويدخل في المشورة والاستشارة: النصيحة، والفتوى، والاستشارة العلمية والقانونية.

وقد تُستعمل الشورى بهذا المعنى الأخير أيضاً، فيكون لها معنيان، أحدهما خاص عرفي يستعمل أساساً في المجال السياسي؛ والآخر واسع وعام يستعمل في كافة المجالات.

والشورى ـ عادة ـ ملزمة لجماعة المسلمين في المجال الذي تقدم فيه، بينما المشورة أو الاستشارة اختيارية.

وتمتاز الشورى في الإسلام بالشمول، حيث لا يقتصر ذلك على حق الأفراد في المشاركة في القرار الملزم الصادر عن الجماعة، بل تتجاوز ذلك إلى المشورة الاختيارية، واستشارة أهل الخبرة وتبادل النصيحة، فالإسلام يندب أفراد المجتمع إلى الاستشارة والتناصح، قبل الإقدام على الأمر، سواء تعلق بالفرد أو الجماعة. فالشورى شعيرة إسلامية مندوب لها الجميع ]وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ[ (سورة آل عمران: الآية 159)، لتدريب الأفراد والجماعات على تبادل الرأي، بحرية كاملة واحترام متبادل.

درج كثيرون على اعتبار الشورى، مبدأ يقوم عليه نظام الحكم، ويقيد سلطة الحكام، بينما يجب اعتبارها نظرية عامة شامة للمبادئ، التي تقوم عليها حرية الأفراد، وحقوق الشعوب، وتضامن المجتمع في جميع النواحي، السياسية والاجتماعية والمالية والاقتصادية وغيرها.

فالشورى في الإسلام مبدأ إنساني أولاً، واجتماعي وأخلاقي ثانياً، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم، ولذلك فإن نطاق تطبيقها واسع شامل.

كما تطبق النظرية العامة للشورى، في مجال الفقه، فلا يخفي ما للإجماع والاجتهاد من دور في استنباط الأحكام الشرعية. ولا تقل أهمية الشورى في هذا المجال عن أهميتها في المجال السياسي.

ويمكننا وصف الشريعة الإسلامية بأنها شريعة الشورى، بالقدر نفسه الذي توصف فيه بأنها من عند الله. فهي إلهية من حيث مصادرها، ولكنها تعتمد، أيضاً، على مصادر اجتهادية، كالإجماع والاجتهاد.

إن الفقه الدستوري الإسلامي، يقوم على مبدأ سيادة الشريعة الإسلامية واستقلالها وهيمنتها على المجتمع والدولة، ومن ثم، فكل عرض لأصول الحكم في الإسلام لا يكون صحيحاً إلاّ في ضوء استقلال الشريعة، وحمايتها لحقوق الإنسان، فاستقلال الشريعة وحرية الشورى الفقهية، هما محور النظام الإسلامي.

وقد رسمت الشريعة الإسلامية حدوداً للشورى، ليس لها أن تتجاوزها. وهي حدود ثابتة خالدة ما بقي الإسلام وبقيت شريعته.

إن ارتباط الشورى بالشريعة يجعلها خاضعة لمبادئها الأخلاقية الثابتة، وملتزمة بسيادة الشريعة، وأصولها وشمولها. لذلك فالشورى شرعية، أي: قررها الشرع، وهي ملتزمة به. وهي ليست تشريعاً مستقلاً، بل تشريع منضبط بالشريعة الإسلامية.

إن ما حققته الحضارة الإسلامية من قوة وعظمة، في عهود الخلفاء والسلاطين، الذين يوصفون اليوم بالاستبداد، سببه التزامهم بمبدأ سيادة الشريعة، ونجاح الأمة وعلمائها في فرض حرية الفقه عليهم، مما جعل استبداد الحكام في الماضي لا يصل إلى ما وصل إليه طغيان بعض حكام اليوم، الذين يستخدمون سلطة التشريع الوضعي، وسيلة ضد حقوق الأفراد وحرياتهم، وبقوة القانون.

بينما يشهد الواقع المعاصر أن أكثر الدول تباهيا بديموقراطيتها، هي أكثر الدول عدواناً وفساداً في الأرض. ويتم ذلك بقرارات ديموقراطية، وبعد تشاور حر يرضي الأهواء والمصالح، من دون التزام بمبدأ إلهي أو أخلاقي أو إنساني.

إن الإسلام عندما فرض الشورى، بعد ختم رسالة الأنبياء جميعاً، عَدّ الإنسانية قد بلغت رشدها، ووصلت حدّ الرقي الاجتماعي، الذي يُمكِّن الشعوب من تقرير مصيرها وإدارة شؤونها.

والشورى في الإسلام ليست نظرية سياسية وحسب، أو قاعدة لدستور الحكم، بل هي الأساس الشرعي لنظام المجتمع، الذي يلتزم بحقوق الإنسان، وسلطان الأمة، والتضامن الاجتماعي.

لذلك، فإن دراسة الشورى ليست محدودة في نطاق نظام الحكم الإسلامي، ولا المبادئ السياسية العامة، التي تقيد سلطة الحكام، كما هو الشأن في النظريات الديموقراطية، التي تحصرها الدراسات العصرية في نطاق العلوم السياسية، أو القوانين الدستورية، أو نظام الدولة.

إن الشورى أعمق من ذلك، وأوسع نطاقاً، فكما تستمد منها الأمة وحدتها وسلطانها، يستمد منها المجتمع تضامنه وتكافله.

إن مبدأ الشورى في الإسلام، يلتزم بأهم أصول الشريعة، وهو: استقلال الشريعة عن الحكم والحكام. وتطبيق هذا الأصل يستوجب، أن تكون الشورى في نطاق الفقه هي تبادل للرأي مستقل ومنفصل، عن الشورى في مجال السياسة، مما يعنى أن تقلبات السياسة، التي قد تعطل الشورى في مجالها، لا تنعكس بالضرورة على الشورى في نطاق الفقه؛ وهذا ما حمى فقه الشريعة طوال التاريخ الإسلامي، من آثار انحراف نظم الحكم عن الالتزام بالشورى السياسية. فالتاريخ الإسلامي لم يشهد ما نراه اليوم في النظم الوضعية، التي يستطيع فيها من يستولي على السلطة أن يغير الدساتير والقوانين، ولا يكتفي بتغيير نظام الحكم، والتحكم في الإدارة والجيش.

وأساس الشورى: كيان الجماعة وحقوقها، ومسؤوليتها مستمد من تضامن مجموع الأفراد. ويعني مبدأ الشورى أن كل قرار ينسب للجماعة، يجب أن يكون تعبيراً عن إرادة جمهور الجماعة، أو مجموع أفرادها، بشرط أن يتمتع الجميع بحرية كاملة في المعارضة والمناقشة، بل والامتناع أيضاً.

فأساس الشورى أن حرية الفرد في الجماعة، تعطيه حقه الفطري في المشاركة في كل ما يخص الجماعة. فالحرية حق أساسي لجميع الأفراد، ولهم حق ممارسته على قدم المساواة، والمساواة لا يمكن أن يتمتع بها الجميع إلاّ بالعدالة. ولهذا، فالشورى لا بد أن تستند إلى العدالة، التي تقيم توازناً دقيقاً بين حرية الأفراد والجماعات، من ناحية، وبين وجود سلطة عامة، من ناحية أخرى.

وبذلك تكون الشورى ميزاناً، تمثل الحرية إحدى كفتيه، والسلطة والحكم الكفة المقابلة لها، وترتكز كلتاهما على محور شرعي ثابت، من أصول الشريعة ومبادئها، ولا يجوز للسلطة أن تفرض قيودا على الحريات.

إن الشورى ليست هدفاً لذاتها، وإنما هي مشروعة في الإسلام كوسيلة لتحقيق العدل، وتنفيذ مقاصد الشريعة. وقد تميز الإسلام بأنه يربط الشورى بالعقيدة والشريعة فيقول المولى عز وجل: ]وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلاَةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُون[ (سورة الشورى: الآية 38).

والأخذ بمبدأ الشورى يعني: حرية الفكر والرأي والكتابة والنشر والإعلام، وهذا يستلزم القضاء على احتكار الدولة ومؤسساتها، للصحافة والإعلام بوسائله المتعددة.

إن النظرة الشاملة للشورى في مجال الفقه والحكم في الإسلام، تكشف أن للشورى دورها الخطير فيما يتعلق بحريات الأفراد وحقوق الإنسان؛ لأنها تجعل الفرد ـ وليس الحكومة ـ هو صاحب الدور الأول في المجتمع. وهو من يفوض أهل الحل والعقد لكي يمثلوا الأمة.